القائمة الرئيسية

الصفحات



المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين عن جرائم غسل الأموال

 


المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين
عن جرائم غسل الأموال

دراسة تأصيلية مقارنة للقانون رقم 35 لسنة 2002

بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال*

 

 

الدكتور/ محمد عبد الرحمن بوزبر

 

 

الملخص

 

الشخص الإعتباري أضحى اليوم ذا أهمية متعاظمة نظراً لما ينهض به من أعباء جسيمة يعجز غيره من الأشخاص الطبيعيين عن القيام بها, إلا أنه في الوقت نفسه يمكن أن يكون مصدرا للجريمة أو الإنحراف أو الخطورة مما يشكل خطراً وتهديدا على أمن المجتمع وسلامته, وذلك بسبب طبيعته وطبيعة النشاط المنوط به وما لديه من إمكانات وقدرات ضخمة.

 

ولهذا, في مثل هذه الأحوال, كان من الحكمة والعقل ألا تقتصر المسؤولية الجنائية في دولة الكويت على الأفراد فقط بل يجب أن تمتد لتشمل الشخص الإعتباري, لأنه هو مصدر الجريمة, ومن ثم يكون من الضروري أن يتدخل المشرع الكويتي في هذا الشأن عن طريق إعادة النظر من جديد في قواعد المسؤولية الجنائية المقررة قانونا , وجعلها على درجة من الشمول, بحيث يخضع لها - فضلا عن الأشخاص الطبيعيين - غيرهم من الأشخاص الإعتباريين, وذلك لأنه لا يجوز أن يقف المشرع موقفا سلبيا إزاء الجرائم التي تقع من الأشخاص الإعتباريين, بل عليه أن يدافع عن نفسه وذلك عن طريق تقرير المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري.

 

وبناء على ذلك يعد إقرار مبدأ المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين من أهم ما إستحدثه قانون رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال- ويهدف القانون إلى تحقيق أقصى حماية للمجتمع الكويتي بإستكمال النقص في التشريعات القائمة التي تخلو من نصوص تلاحق الكثير من هذه الأنشطة الإجرامية المستحدثة كعمليات غسل الأموال.


المقدمة

 

المسؤولية الجنائية – بوجه عام – تعد المحور الأساس الذي تدور حوله الفلسفة والسياسة الجنائية، ومن ثم كانت النهضة العلمية والفكرية التي لحقت بالقانون الجنائي وليدة للاتجاهات الفلسفية المختلفة حول نظرية المسؤولية الجنائية. كما أن المسؤولية الجنائية تمثل نقطة التحول الجذري بالنسبة للتشريع الجنائي المعاصر، الذي نستطيع – على ضوء تطور نظرية المسؤولية الجنائية – أن نقارن بين مرحلتين متميزتين مرّتا على القانون الجنائي، اولهما: مرحلة التخلف والوحشية واللامسؤولية, وثانيهما: مرحلة النهضة والعدالة.

 

ومن هنا يمكننا القول أن تطور القانون الجنائي مقترن دائما بتطور نظرية المسؤولية الجنائية وما تتضمنه من تيارات فكرية وفلسفية، بيد أن ذلك لم يكن وليد فراغ أو مصادفة، بل أنه كان انعكاسا حتميا للثورة الحضارية التي شهدتها الانسانية في عصر النهضة في مختلف الميادين.

 

واذا كان الامر كذلك فان المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري تمثل في الوقت الحاضر نقطة تحول ثانية في تطور القانون والفقه الجنائي الحديث، ذلك لأن المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري  تعد هي الأخرى وليدة ما يشهده العصر من تغيرات يفرضها التقدم الحضاري الذي اصاب مختلف جوانب الحياة الإجتماعيةوالإقتصادية، هذا التقدم يتطلب استمراره ضرورة وجود ما يعرف بالأشخاص الإعتباريين أو المعنويين، وذلك من أجل تحقيق أهداف مهمة بالنسبة للمجتمع يصعب الوصول اليها بغير وجود مثل هؤلاء الأشخاص. ولهذا فقد انتشر الأشخاص الإعتباريون بشكل لم يسبق له مثيل. وتنوعت الأنشطة التي يقومون بها في مختلف ميادين الحياة الإجتماعيةوالإقتصادية, وسواء كان ذلك على المستوى الاقليمي أم الخارجي.

 

واذا كان الشخص الإعتباري قد اضحى اليوم ذا أهمية متعاظمة نظراً لما ينهض به من أعباء جسيمة يعجز غيره من الأشخاص الطبيعين عن القيام بها، فإنه في الوقت نفسه يمكن أن يكون مصدرا للجريمة أو الإنحراف أو الخطورة، مما يشكل خطراً وتهديدا على أمن المجتمع وسلامته، وذلك بسبب طبيعة الشخص الإعتباري وطبيعة النشاط المنوط به، وما لديه من امكانات وقدرات ضخمة.

 

فطبيعة الشخص الإعتباري قد جعلت من نشاطه حكرا على اعضائه من الأشخاص الطبيعيين؛ إذ يستحيل عليه ممارسة نشاطاته بنفسه, بل أنه يمارسها عن طريق السلوك الادمي، اي عن طريق الأشخاص الطبعيين الذين يعملون بإسمه ولمصلحته, وهؤلاء الافراد الذين يدخلون في عضوية الشخص الإعتباري أو يمثلونه، يمكن أن يتخذوا من طبيعته وطبيعة نشاطه اداة سهلة لارتكاب الجرائم، ثم يلقون بالمسوؤلية عليه، بينما هم لا يستطيعون ذلك فيما لو كانوا يعملون بأسمائهم الشخصية، وهذا يعني أن الجرائم التي تقع من الشخص الإعتباري انما تقع في الحقيقة من اعضائه، اي من الأشخاص الطبيعيين. وليس من شك في أن الأشخاص الطبيعيين الذين ارتكبوا الجرائم بإسم الشخص الإعتباري أو لحسابه أو مصلحته، تكون مسؤوليتهم طبقا للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الجزاء.

 

كما ثبت على وجه قاطع أن كثير من الأشخاص الإعتباريين- شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها – الذين يرمون في الظاهر إلى غايات مشروعة تجارية مالية وإقتصادية، قد تكون ستارا ترتكب من ورائه جرائم خطيرة كالتزوير، والتزييف، والتداول غير المشروع بالمخدرات، وجرائم غسل الأموال.

 

وهذه الأخيرة، أيّ جرائم غسل الأموال، قد اكتسبت في السنوات الأخيرة أهمية قصوى، جعلتها تقفز إلى مرتبة متقدمة بين الجرائم الجديرة بالاهتمام، ليس من قبل رجال القانون والمشتغلين بمكافحة الإجرام فقط، وبصفة خاصة الإجرام المنظم، وانما من قبل رجال السياسة والاقتصاد أيّضا، حيث اصبحت عمليات غسل الأموال تمثل ظاهرة إجرامية مستحدثة، تؤرق مختلف دول العالم المتقدمة والنامية على السواء، بعد أن برز دورها في عرقلة إجراءات تعقب الأموال ذات المصدر الجرمي وضبطها ومصادرتها، وفي اتاحة فرص اوسع لاعادة استخدام عائدات الجريمة في تعزيز الأنشطة الإجرامية, والتسلل إلى الهياكل الإقتصادية المشروعة، وارباك الاسواق العالمية، والاستخدام الإجرامي للنظم المصرفية والمالية، فضلا عن نشر الفساد، ومحاولات التأثير على اجهزة العدالة الجنائية والمؤسسات السياسية والاعلامية، وغيرها من قطاعات المجتمع.

 

لذلك – بوجه عام – تزايدت قناعة المجتمع الدولي بالحاجة الماسة إلى المواجهة الفعالة والشاملة لظاهرة غسل الأموال غير المشروعة، الامر الذي حدا بالعديد من المنظمات الدولية، العالمية والاقليمية، إلى المبادرة بصوغ طائفة واسعة من الإتفاقيات والصكوك الدولية المهمة وإعتمادها، وهي إتفاقيات وصكوك استهدفت في مجموعها تشكيل سياسات جنائية عالمية جديدة وارساءها، لمواجهة هذه الظاهرة والحد من تداعياتها السلبية، من خلال نهج عام متعدد الجوانب، يرتكز على عدة محاور أساسية ومتكاملة، تشمل: تحديث القوانين الجنائية الوطنية (الموضوعية والاجرائية), وتعزيز دور النظام المالي ودعم التعاون الدولي وتطويره، وهو ما اخذ به، ونسج على منواله، العديد من الشرائع والنظم الوطنية المقارنة.

 

1.     الطبيعة القانونية للشخص الإعتباري:

المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين هي في الأصل فكرة قديمة يرجعها بعض الشراح والفقهاء إلى القانون الروماني، ومن بعده القانون الكنائسي[1]، وهي ما زالت من المسائل التي تثير الكثير من الجدل في الفقه والقضاء المقارن, ولم يستقر وضعها بشكل حاسم في العديد من الشرائع العقابية المعاصرة، باستثناء التشريعات – الانجلو – امريكية وغيرها من التشريعات التي اخذت عنها، والتي اقرت هذا النمط من المسؤولية على نطاق واسع.

 

ولقد كان السائد فقهاً وقضاءً في فرنسا ومصر، وغيرها من الدول التي تنتمي نظمها القانونية إلى الأصل اللاتيني, هو عدم مساءلة الأشخاص الإعتباريين جنائيا[2]، عما يقع من ممثليهم من جرائم، في اثناء قيامهم باعمالهم، ولو كان ذلك لحسابهم. بل يسأل عن هذه الجرائم، من ارتكبها من الأشخاص الطبيعيين الذين يمثلون الشخص الإعتباري. وكان هذا توجه المشرع الكويتي قبيل صدور القانون رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال.

 

على أن الفقه الحديث في معظم بلدان العالم قد تحول – منذ منتصف هذا القرن – إلى المطالبة بتقرير المسؤولية الجنائية للأشخاص الجنائيين الإعتباريين, إثر انتشار المصارف والشركات المالية وشركات التأمين، وغيرها من المؤسسات المالية والإقتصادية، التي اعتمدت على تجميع الافراد والثروات والتقنيات الحديثة وتركيزها، وافرزت جوانب سلبية كالجرائم الإقتصادية, الامر الذي رجحت معه ضرورة اخضاع هؤلاء الأشخاص الإعتباريين لاحكام قانون الجزاء, إسوة بالأشخاص الطبيعيين، وهو الاعتبار ذاته الذي دفع العديد من الشرائع المعاصرة، ذات الاصول اللاتينية إلى التخفيف من مواقفها المتشددة إزاء مبدأ المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين, لمواكبة المتغيرات والتطور الذي اصاب نمط العلاقات والقوالب الإقتصادية التقليدية، على تباين هذه الشرائع، في تحديد نطاق تلك المسؤولية؛ إذ ذهب بعضها إلى تقرير مسؤولية الشخص الإعتباري مبدأ عاما، بينما قصرتها تشريعات أخرى– منها التشريع الفرنسي والمصري وأخيراً التشريع الكويتي – على جرائم بعينها، يندرج معظمها في عداد الجرائم المالية والإقتصادية.

 

2.     موقف القانون الفرنسي إزاء المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين :

ومن أهم ما إستحدثه القانون الفرنسي الجديد الصادر في عام 1992 والمعمول به منذ أول مارس 1994، هو إقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين عن الجرائم التي ترتكب لحسابهم بوساطة اجهزتهم أو ممثليهم فيما عدا الدولة, فتم استبعادها تماشيا مع النهج العام لهذه المسؤولية[3].

ويمكن تلخيص الخصائص العامة لهذه المسؤولية في القانون الفرنسي الجديد فيما يأتي :

·   أنها لا تستبعد مسؤولية الأشخاص الطبيعيين الفاعلين أو الشركاء في الجريمة نفسها. فالمشرع لم يرد بهذه المسؤولية أن يعفي الشخص الطبيعي من تحمل مسؤوليته عن الجريمة، وانما اراد أن يجنب هذا الشخص تحمل الأثر القانوني للجريمة بمفرده، مع أنها تعد نتيجة لقرار جماعي صدر عن شخص معنوي، مما يعني أن المسؤولية تتعدد بين الشخص الإعتباري والشخص الطبيعي[4].

 

·   أنها مسؤلية مشروطة؛ بمعنى أنه ينبغي لقيامها أن يثبت أن الجريمة قد إرتكبت لحساب الشخص الإعتباري من ناحية، وبوساطة اجهزته أو ممثليه من ناحية اخرى[5].

 

·   أنها مسؤولية محددة؛ بمعنى أنها تنحصر في الحالات المنصوص عليها في القانون أو اللائحة، بخلاف الوضع بالنسبة للشخص الطبيعي الذي يمكن أن يسأل عن اية جريمة، وهذ يعني ضرورة الرجوع إلى نصوص القسم الخاص من قانون الجزاء الفرنسي، والنصوص الواردة في القوانين الخاصة لتحديد الجرائم التي يجوز أن يسأل عنها الشخص الإعتباري[6].

 

 

 

3.     موقف القانون المصري إزاء المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين :

كان الأصل العام في قانون العقوبات المصري هو عدم جواز مساءلة الشخص الإعتباري جنائيا، وان كانت بعض القوانين الخاصة قد اخذت بهذا المبدأ على نطاق محدود، بصدد بعض الجرائم الإقتصادية[7]، استنثاء من ذلك الأصل العام.[8] وتمشيا مع جميع الجهود الدولية المبذولة في مكافحة جرائم غسل الأموال، اصدر المشرع المصري القانون رقم (80) لسنة 2002 بشأن مكافحة جرائم غسل الأموال، محققا التوازن بين مقتضيات التنمية وتهيئة المناخ المناسب لجذب الاستثمارات المحلية والاجنبية، وبين متطلبات القضاء على الجريمة وحماية الاقتصاد المصري، ونص القانون المذكور صراحة على مسؤولية الشخص الإعتباري عن الجرائم التي ترتكب باسمه ولصالحه من احد العاملين به، حيث يكون الشخص الإعتباري مسؤولا بالتضامن عن الوفاء بما يحكم به من عقوبات مالية وتعويضات.

 

4.     الإقرار الدولي بالمسوؤلية الجنائية للأشخاص الإعتباريين في جرائم غسل الأموال:

كان مبدأ المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين عن غسل الأموال، واحدا من الموضوعات الأساسية، والتي احتفت بها مؤتمرات الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، وغيرها من المؤتمرات الدولية ذات الصلة، في العقدين الاخيرين، التي حثت الدول الاعضاء على منح الاعتبار الواجب لهذا المبدأ في تشريعاتها العقابية، نظراً إلى تزايد تورط بعض المصارف وشركات السمسرة والصرافة والاعمال المالية وغيرها من المؤسسات المالية، في جريمة غسل الأموال بصورها المختلفة، مما يستلزم اخضاع تلك المؤسسات ذاتها – وليس مجرد مستخدميها أو اعضائها الذين تصرفوا بإسمها- للمسؤولية الجنائية, بصدد هذه الجريمة وغيرها من الجرائم المنظمة بوجه عام[9]. ولعل آخر مبادرات المجتمع الدولي في هذا الشأن إتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (إتفاقية باليرمو لسنة 2000), التي اقرت مبدأ المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين, بصدد عدد من الجرائم الخطرة، التي تتسم بالطابع المنظم عبر الوطني، ومنها جريمة غسل الأموال، وافردت لذلك المبدأ تنظيما جاء تحت عنوان مسؤولية الهيئات الإعتبارية[10].

واقرت معظم الوثائق الدولية الأساسية صراحة أو ضمنا مبدأ المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين عن جريمة غسل الأموال, وقامت الامم المتحدة باصدار التشريع النموذجي بشأن غسل الأموال والمصادرة في مجال المخدرات عام 1995، ويعد هذا التشريع اكثر الوثائق الدولية عناية بذلك المبدأ، وجاءت احكامه متطابقة إلى حد كبير مع الشرائع العقابية الحديثة.

5.     دوافع إقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين في القانون الكويتي :

إذا كان الشخص الإعتباري قد اضحى اليوم ذا أهمية متعاظمة نظراً لما ينهض به من أعباء جسيمة يعجز غيره من الأشخاص الطبيعيين عن القيام بها، فإنه في الوقت نفسه يمكن أن يكون مصدرا للجريمة أو الإنحراف أو الخطورة مما يشكل خطراً وتهديدا على أمن المجتمع وسلامته، وذلك بسبب طبيعة الشخص الإعتباري وطبيعة النشاط المنوط به وما لديه من امكانات وقدرات ضخمة[11].

 

ولهذا, في مثل هذه الأحوال، كان من الحكمة والعقل الا تقتصر المسؤولية الجنائية في دولة الكويت على الافراد فقط بل يجب أن تمتد لتشمل الشخص الإعتباري؛ لانه هو مصدر الجريمة، ومن ثم يكون من الضروري أن يتدخل المشرع الكويتي في هذا الشأن عن طريق اعادة النظر من جديد في قواعد المسؤولية الجنائية المقررة قانونا، وجعلها على درجة من الشمول، بحيث يخضع لها – فضلا عن الأشخاص الطبيعيين – غيرهم من الأشخاص الإعتباريين, وذلك لانه لا يجوز أن يقف المشرع موقفا سلبيا إزاء الجرائم التي تقع من الأشخاص الإعتباريين, بل عليه أن يدافع عن نفسه وذلك عن طريق تقرير المادة للشخص الإعتباري.

 

وبناء على ذلك يعد إقرار مبدأ المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين من أهم ما إستحدثه القانون رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال. والمسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين لا تستبعد معاقبة الأشخاص الطبيعيين, الفاعلين أو الشركاء عن الافعال نفسها.

 

ويرتكز القانون (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال على تحقيق اقصى حماية للمجتمع الكويتي بإستكمال النقص في التشريعات القائمة التي تخلو من نصوص تلاحق الكثير من هذه الأنشطة الإجرامية، وتتبع الأموال المتحصلة أو المستخدمة في هذا النوع من الجرائم في أيّ حالة تكون عليها والتحفظ عليها تحسبا لما يقتضي به من مصادرة لتلك الأموال وسائر الغرامات والتضمينات الاخرى، كما يجدر بالذكر أن اصدار هذا القانون يتجاوب مع جميع الجهود الدولية المبذولة في هذا الاتجاه، ومن ضمنها إتفاقية منظمة الامم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988 والمعروفة "بإتفاقية فيينا" التي انضمت الكويت اليها في تاريخ 12/6/2000[12]، كما يتسق أيّضا مع اعلان بازل لعام 1988 بشأن منع الاستخدام الإجرامي للنظام المصرفي لاغراض غسل الأموال[13]، كما يراعى التوصيات الاربعين الصادرة عن لجنة العمل المالي لغسل الأموال (FATF), التي تغطي جوانب متعددة لهذه الظاهرة فيما يتعلق بالمعاملات النقدية المحلية والدولية ذات الصلة بالاعمال غير المشروعة، واهمها التوصية الرابعة التي تطالب كل دولة بأن تتخذ الإجراءات الضرورية, بما فيها الإجراءات التشريعية القانونية، للتمكن من تجريم عمليات غسل الأموال ومكافحتها[14]. كما استهدى القانوني الكويتي بالتشريع النموذجي للامم المتحدة بشأن غسل الأموال والمصادرة في مجال المخدرات لسنة 1995، الذي يشكل إطاراً قانونيا متكاملا لمكافحة غسل الأموال، يمكن للدول المعنية الاستهداء به، في إستكمال تشريعاتها وتحديثها[15].

 

وبناء على ذلك, فان الشخص الإعتباري يمكن أن يسأل جنائيا في الحالات المنصوص عليها قانونا، بوصفه فاعلا للجريمة أو شريكا فيها، ويستوي أن تكون الجريمة المنسوبه اليه تامة أو شروعا معاقبا عليه، وتتمثل أهم الاعتبارات التي دفعت المشرع الكويتي إلى الاخذ بمبدأ المسؤولية للشخص الإعتباري في امرين:

 

 الأول: هو أن إقرار هذه المسؤولية يؤدي إلى تدعيم فعالية العقاب[16]. ولا سيما أن الإجرام المرتكب من الأشخاص الإعتباريين اصبح في العصر الحديث يمثل حقيقة لا يمكن انكارها. فتزايد عدد هؤلاء الأشخاص وضخامة امكاناتهم وما يمثلونه من قوة إقتصادية وإجتماعيةفي المجتمع الكويتي، يمكن أن يكون مصدرا لاعتداءات جسيمة على الصحة العامة والبيئة والنظام الاقتصادي والتشريعات الإجتماعيةوغيرها.

 

اما الامر الثاني: فهو تحقق العدالة، حيث رأى المشرع الكويتي- كما رأى غيره من المشرعين- أنه لا بد من توزيع المسؤولية الجنائية بين الشخص الإعتباري ذاته، والأشخاص الطبيعيين (اجهزة الشخص الإعتباري أو ممثليه ) الذين ارتكبوا الجريمة لحسابه, حتى يتم اخفاء قرينة المسؤولية الجنائية التي تقع على عاتق مديري الأشخاص الإعتباريين, على الرغم من انهم احيانا لا يعلمون عنها شيئا، ومن أجل احترام مبدأ شخصية المسؤولية الجنائية[17]. وفضلا عن ذلك، فان الشخص الإعتباري يتمتع بإرادة مستقلة، ومن ثم يمكن أن تنسب اليه الجريمة، سواء من الناحية المادية أو الإعتبارية، ولا ينطوي ذلك على اية مخالفة للمبادئ الأساسية في قانون الجزاء.

 

6.     المقصود بالشخص الإعتباري:

نقصد بالشخص الإعتباري في هذه الدراسة: جماعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال، يضفي عليها القانون الشخصية – في مجموعها – لتحقيق أهداف معينة، ويعدها كشخص من أشخاص الناس من حيث الحقوق والواجبات. فالشخص الإعتباري اذن هو تكتل من الأشخاص أو الأموال يحظى باعتراف القانون له بالشخصية والكيان المستقل[18].

 

ولعله من المفيد هنا أن نشير إلى اننا سنستعمل مصطلح "الشخص الإعتباري " – وفقا للتعريف الذي استعمله المشرع الكويتي في قانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال – دون سواه, لانه اكثر إنضباطا والاقرب إلى الصواب، ولهذا لن نستعمل مصطلح الشخص القانوني، لانه مصطلح غير دقيق وغير منضبط، وجدير بالالتفات عنه، وينطبق على الشخص الطبيعي فقط[19].

 

كما أنه – من باب أولى – نرى عدم استعمال مصطلح الشخص المعنوي أو المجازي الشائع استخدامه من قبل الفقهاء العرب والتشريعات العربية المقارنة لانه منتقد لغويا ويعبر عن مجرد شخص تصوري غير مرئي. فالشخص الإعتباري – طبقا للتعريف السابق – هو: شخص جماعي، يقوم على أساس اعتراف القانون به، فكيف يمكن أن يسأل جنائيا؟ فالقوانين الجنائية الحديثة تقيم المسؤولية على أساس اخلاقي، فهل للشخص الإعتباري إرادة يمكن أن يوجهها نحو الخير أو الشر؟.

 

الامر إذا يتعلق دائما بصلاحية الشخص الإعتباري أو عدم صلاحيته لأن يكون من أشخاص القانون الجنائي الذي يجب أن تتوافر بالنسبة لهم الاهلية الجنائية التي تقوم على الشعور والإرادة، طبقا للنظرية التقليدية في أساس المسؤولية الجنائية التي اخذت بها القوانين الجنائية، ومنها القانون الكويتي. ونحن نتفق مع التوجه الحديث الذي يقضي بقيام المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري على أساس المسؤولية الاجتماعية، ومن ثم يعاقب هذا الشخص بتدابير تتفق مع طبيعته ومع السياسة الجنائية المتبعة في الدولة، ويمكن لنا بناء على ما تقدم – أن نُعرِّف المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري بانها: صلاحية الشخص الإعتباري لتحمل الجزاء الجنائي عما يرتكبه من جرائم.

 

وسوف نعتمد في هذه الدراسة على المنهج الوصفي التأصيلي المقارن، لملاءمته للأهداف المطروحة، بصدد استجلاء الملامح والجوانب المختلفة لمشكلة البحث، المتمثلة في المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين عن جرائم غسل الأموال، والقاء الضوء على ركائز هذه المسؤولية ومقوماتها، من خلال القراءة الموضوعية، والتحليل المتعمق, للإتفاقيات الدولية المتعلقة بجرائم غسل الأموال، والاستجابات التشريعية الوطنية ذات الصلة والتشريعات المقارنة, كالقانون الفرنسي, والقانون المصري، على امتداد العقدين الاخيرين، وصولا إلى استنتاجات وتوصيات محددة, يؤمل أن تسهم في تطوير الواقع القانوني الكويتي في مجال البحث, بما يتوافق مع المعطيات والمتطلبات المعاصرة، على الصعيدين الوطني والدولي.

 

لذا سوف نقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة فصول:

-         الفصل الأول : بيان القواعد العامة للمسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين.

-         الفصل الثاني : القواعد الموضوعية الخاصة بمساءلة الأشخاص الإعتباريين جزائيا.

-         الفصل الثالث : بيان القواعد الاجرائية الخاصة بمساءلة الأشخاص الإعتباريين جزائيا.


الفصل الأول
القواعد العامة للمسؤولية الجنائية
للأشخاص الإعتباريين

 

على الرغم من أن المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين قد تقررت في التشريعات التي تنتمي إلى النظام الانجلو- امريكي, وفي مقدمتها القانون الانجليزي، منذ منتصف القرن التاسع عشر[20], فان الاتجاه السائد حتى وقت قريب في القوانين ذات النظام اللاتيني (القانون الفرنسي – القانون المصري), يرى أنه لا يسأل جنائيا غير الانسان، واذا وقعت جريمة في نطاق اعمال الشخص الإعتباري من احد تابعيه يسأل عنها فقط الشخص الطبيعي الذي ارتكبها ولو كان قد تصرف بإسم الشخص الإعتباري ولحسابه[21]. ويبدو أن مما اسهم في سيادة هذا الاتجاه الاخير أن الأشخاص الإعتباريين كانوا في الماضي يلعبون دورا محدودا في الحياة الاجتماعية، ولكن التطور الهائل في مجال الاقتصاد والتكنولوجيا اسهم في انتشار هؤلاء الأشخاص وتزايد انشطتهم، واصبحوا يقومون بدور على درجة كبيرة من الأهمية في مختلف المجالات في المجتمعات الحديثة، ويمتلكون العديد من الامكانات والوسائل الضخمة والاساليب الحديثة لاستخدامها فيما يمارسونه من أنشطة، ومن ثم فكما انهم يحققون فوئد كبيرة للمجتمع والافراد على حد سواء، فان بعضهم – إذا سلك طريق الإجرام – يمكن أن يسبب اضرارا إجتماعيةجسيمة تفوق بكثير الضرر الذي يحدثه الانسان العادي عندما يرتكب جريمة. كما لوحظ بالفعل أن هناك العديد من الجرائم الإقتصادية وجرائم النصب وخيانة الامانة ترتكب بوساطة الشخص الإعتباري, وقد يتخذ الشخص الإعتباري كستار لارتكاب جرائم تضر أمن الدولة الداخلي والخارجي.

 

كما لوحظ أيّضا أنه لا يكفي لمكافحة مثل هذه الجرائم مجرد معاقبة الأشخاص الطبعيين الذين يرتكبونها في اثناء تأدية اعمالهم لدى الشخص الإعتباري[22]، الامر الذي دفع الفقه الحديث إلى اعادة النظر في موضوع المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين, وقيل بضرورة خضوع هؤلاء الأشخاص للقوانين الجزائية، مما دفع الكثير من التشريعات الحديثة إلى إقرار مساءلة الشخص الإعتباري.

 

فالشخص الإعتباري اصبح يمثل حقيقة قانونية، وله إرادة مستقلة، ويمكن أن يرتكب جريمة، ومن ثم اصبح يشكل حقيقة إجرامية كما قدمنا. وكما ذكرنا سابقا فان الإتجاهات الحديثة في التشريعات المقارنة تعترف بمبدأ المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين, مما يعني أن هذه المسؤولية قد تجاوزت مرحلة الجدل الفقهي حول مدى ملاءمة الاخذ بها من عدمه، واصبحت تمثل حقيقة تشريعية واجبة مواجهتها، حيث اقرها المشرع صراحة في كثير من الدول، واقرها المشرع الكويتي أيّضا كما سبق أن اوضحنا؛ لكن شروط قيام المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين تختلف من تشريع لاخر، ويمكن رد هذه الشروط بصفة عامة إلى ما يلي:

أولاً : ما يتعلق بالشخص الإعتباري الذي يسأل جنائيا. ثانياً : توقيت تلك المساءلة من خلال تحديد المرحلة. ثالثاً: ما يتعلق بشروط توافر هذه المسؤولية وأثر هذه المساءلة على الشخص الطبيعي.

المبحث الأول

الأشخاص الإعتباريون المسؤولون جنائيا

 

أن تحديد الطبيعة القانونية للشخص الإعتباري وبيان خصائصه الذاتية يمثل بحق الركيزة الأساسية في نظرية المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري، لأن هذه المسؤولية تتأرجح ذات اليمين وذات اليسار بحسب المذهب القانوني أو الفقهي في تكييف طبيعة الشخص الإعتباري.

 

ولهذا فان تقرير المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري يعد نتيجة لازمة لمذهب معين في تكييف الطبيعة القانونية، وفي الوقت نفسه يعد رفض هذه المسؤولية كذلك نتيجة لازمة لمذهب معين في تكييف تلك الطبيعة, ومن ثم تكون مسؤولية الشخص الإعتباري – سواء كانت في القانون المدني أم الاداري أم الجزائي – قائمة على أساس نظرة المشرع لطبعية هؤلاء الأشخاص, والخوض في طبيعة الشخص الإعتباري يتطلب التعرض لما يتميز به الشخص الإعتباري من خصائص ذاتية، وذلك لأن هذه الخصائص تساعد على كشف حقيقة نظرة المشرع للشخص الإعتباري. على أن طبيعة الشخص الإعتباري وخصائصه الذاتية، وان كانت من جوهر واحد فان ذلك لا يعني أن هناك تطابقا بين الأشخاص الإعتباريين كافة، بخاصة ما يتعلق بالمراكز القانونية. فعلى الرغم من أن طبيعة الأشخاص الإعتباريين واحدة وخصائصهم واحدة، ومن ثم تعد بمنزلة قاسم مشترك بين جميع أنواع الأشخاص الإعتباريين, فان ثمة اختلافا بين هؤلاء الأشخاص.

 

فالمقرر أن الأشخاص الإعتباريين عموما ينقسمون إلى نوعين:

 

 الأول: الأشخاص الإعتباريين العامون، وهم الذين يخضعون لقواعد القانون العام.

والثاني: الأشخاص الإعتباريين الخاصون[23]، وتسري عليهم قواعد القانون الخاص. وعلى الرغم من وجود مثل هذا الاختلاف وهذا التنوع، فإنه لم يمنع من تقرير المسؤولية المدنية للشخص الإعتباري, فالأشخاص الإعتباريون، سواء كانوا عامين أم خاصين، يخضعون للمسؤولية المدنية متى قامت وتوافرت شروطها القانونية، اما فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية, فان السؤال يثار عما إذا كان الاختلاف بين الأشخاص الإعتباريون وتنوعهم يشكل عائقا امام مسؤولياتهم الجنائية؟.

 

ولم يثر خلاف بشأن المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين الخاصين، خصوصا في التشريعات التي اقرت مبدأ المساءلة للأشخاص الإعتباريين جنائيا؛ إذ أن ادخال تلك المسؤولية في التشريع الجنائي يكون مقررا أصلا للأشخاص الإعتباريين الخاصين[24]. ولكن خطة هذه التشريعات قد اختلفت فيما يتعلق باخضاع الأشخاص الإعتباريين العامين للمسؤولية الجنائية. وعلى ذلك، فان تحديد الشخص الإعتباري الذي يسأل جنائيا يقتضي أن نعرض أولاً: الأشخاص الإعتباريين الخاصين باعتبارهم المخاطبين أصلا (بجانب الأشخاص الطبيعيين) بالقواعد القانونية المتعلقة بتلك المسؤولية التي قررها القانون الكويتي رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال، ثم نبين ثانياً : الأشخاص الإعتباريين الذين استبعدوا من المسؤولية الجنائية ونعني بذلك الأشخاص الإعتباريين العامين وغيرهم.

 

المطلب الأول
المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين الخاصين

 

إذا كان ثمة جدل يمكن أن يثار بشأن المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين العامين، فإنه على العكس من ذلك تماما، لا توجد اعتراضات على تقرير مسؤولية الأشخاص الإعتباريين الخاصين جنائيا. وذلك لأن البواعث التي تكمن وراء عدم مسؤولية الشخص الإعتباري العام غير قائمة بالنسبة للشخص الإعتباري الخاص الذي ليس من اغراضه تحقيق خدمة عامة أو عمل من أجل المصلحة العامة في ذاتها، بل أن الشخص الإعتباري الخاص – سواء كان في شكل شركة أو منشأة أو جمعية- يهدف إلى تحقيق أغراض مشروعه وطبقا لما هو منصوص عليه في النظام الأساسي له، ولكنه في الغالب من الأحوال يهدف إلى مصالح خاصة به وبالأشخاص الطبيعيين الذين يكونونه.

 

وهو في سبيل تحقيق مصالحه، يمكمن أن ينحرف عن السلوك المقرر له، ويهوي إلى ارتكاب الجريمة، بل أن من المتصور جدا أن يقوم الشخص الإعتباري بنشاطات غريبة عنه وخارجة عن دائرة اختصاصاته، أيّ ليست من ضمن الاغرضا التي استوجبت انشاؤه.

 

ومن المسلم به في التشريعات التي اقرت مساءلة الشخص الإعتباري جنائيا، أن جميع الأشخاص الإعتباريين الخاصين يخضعون للمساءلة الجنائية، أياً كان الشكل الذي تتخذه, وايا كان الغرض من انشائها، أيّ سواء كانت تهدف إلى الحصول على الربح، كالشركات التجارية والمدنية، أو لا تسعى إلى تحقيق ربح مادي واضح كالجمعيات والاحزاب السياسية, وبغض النظر عن جنسية الشخص الإعتباري مرتكب الجريمة[25].

 

وتطبيقا لمبدأ الاقليمية في قانون الجزاء، فان الشخص الإعتباري الاجنبي الذي يمارس نشاطا في اقليم دولة الكويت, ويرتكب جريمة مما نص عليه المشرع على جواز معاقبة الشخص الإعتباري عنها يعاقب وفقا لاحكام القانون الوطني، وهذا ما تم تأكيده مع صدور قانون رقم (8) لسنة 2001 بشأن تنظيم الاستثمار المباشر لرأس المال الاجنبي في الكويت الذي اعطى الصلاحية للأشخاص الإعتباريين الاجانب لمباشرة الاستثمار المباشر على اقليم دولية الكويت[26]، مع التزامهم المحافظة على سلامة البيئة والنظام العام السائد بدولة الكويت[27].

 

كما يعاقب الشخص الإعتباري وفقا لمبدأ العينية، في بعض التشريعات التي توسع من نطاق المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين, كالقانون الفرنسي عن الجنايات والجنح المرتكبة في الخارج، والتي تشكل اعتداء على المصالح الأساسية للدولة، مثل تزييف أو تزوير عملة الدولة أو اختامها[28].

 

ولتسويغ اخضاع جميع الأشخاص الإعتباريين الخاصين للمسؤولية الجنائية، ذهب جانب كبير من الفقه الحديث إلى أن القاعدة تعد نتيجة منطقية لمبدأ المساواة امام القانون، ويظهر هنا اتجاه المشرع نحو ازالة الفوارق بين الأشخاص الإعتباريين والأشخاص الطبيعيين, فيما يتعلق بضرورة احترام القانون[29].

 

ومن المقرر فقهاً وقضاءً أن الشركات تنقسم بالنسبة لغرضها إلى قسمين: مدنية وتجارية، فالاولى دعامة والثانية أهم من الاولى وان كانت فرعا منها، كما تبرز أهمية التمييز بين هذين النوعين من الشركات في معرفة القانون الواجب التطبيق، فالشركات المدنية تخضع لاحكام القانون المدني، والشركات التجارية تخضع لاحكام قانون الشركات والقانون التجاري وقد اعتمد المشرع الكويتي الاتجاه الحديث في تحديد نوع الشركة بالشكل الذي تأخذه, فالشركة التي تأخذ احد اشكال الشركات التجارية المنصوص عليها في قانون الشركات أو قانون التجارة، تعد شركة تجارية، ولو قامت باعمال غير تجارية[30].

 

ولما كان من المقرر فقهاً وقضاءً أن الشركات بضروبها المختلفة – من مدنية وتجارية وشركات أشخاص وأموال – تحظى بالشخصية الإعتبارية ما عدا شركات المحاصة[31]، ويقوم على ادارتها وتحمل مسؤولية افعالها أشخاص طبيعيون وهم الذين يجسدون ارداتها ويمثلونها، ومن المتصور أن يخرج اولائك الممثلون للشخص الإعتباري عن الحدود المرسومة والمشروعة معا، فإنه لا مراء في تحميل الشخص الإعتباري المسؤولية الجنائية إذا ما صدر الفعل من الشخص الذي يعده القانون أو وثيقة الشركة أو العرف التجاري مُعَبِراً عن إرادة الشخص الإعتباري.

 

والملاحظ في قانون رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال الكويتي أنه قصر نطاق المسؤولية الجنائية فقط على شركات الأشخاص بأنواعها (التضامن – والتوصية البسيطة) مستبعدا الشركات المساهمة العامة والمقفلة، وهذا التوجه يفيد أيّضا أن المشرع اراد قصر المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين على عدد محدود من الشركات وعدم التوسع والافراط في مد المسؤولية خصوصا أن جميع البنوك والمصارف في الكويت – التي تعد أهم القنوات لغسل الأموال – جمعيها شركات مساهمة, لكن هذا لا ينفي بالتأكيد مسؤولية القائمين والعاملين من أشخاص طبيعيين عن جرائم غسل الأموال، لكن السؤال الذي يثار: هل يدخل ضمن نطاق شركات الأشخاص الشركات ذات الطبيعة المختلطة التي تحمل مسمى (شركة ذات مسؤولية محدودة أو شركات التوصية بالاسهم) ؟ الملاحظ أن قانون رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال، سكت عن ذكر هذه الشركات, واكتفى بقصر المسؤولية على شركات الأشخاص، وتعد شركة التوصية بالاسهم من الشركات النادرة في الكويت, أو تكاد تكون معدومة، ويرجع عدم الاقبال على تأسيسها إلى وجود شركات افضل منها، كشركات المساهمة العامة والمقفلة, ويضاف إلى هذا أن وجود شركة التوصية البسيطة يغني عن شركة التوصية بالاسهم، ولذلك نص قانون الشركات الكويتي على أن شركة التوصية بالاسهم تخضع للقواعد المقررة في شركة التوصية البسيطة[32]. وما يتعلق بالشركات ذات المسؤولية المحدودة، التي تعد على خلاف سابقتها اكثر انتشارا في دولة الكويت، نظراً لانها تعطي للمستثمر الحق في تحديد مسؤوليته عن ديون الشركة والتزامها، ومن ثم تتيح له فرصة تجنيب أمواله غير المستثمرة في الشركة مخاطر الخسارة والمسؤولية، فيمكننا تفسير سكوت النص عن ذكر هذا النوع من الشركات ضمن نطاق التجريم بعدم رغبة المشرع الكويتي أيّضا في اقحام هذا النوع من الشركات ضمن مسؤولية الشخص الإعتباري عن جرائم غسل الأموال، وذلك لحظر القانون على هذا لنوع من الشركات تولي اعمال التأمين أو المصارف أو استثمار الأموال لحساب الغير بوجه عام، ويعود السبب في هذا الحظر إلى ضعف ائتمان الشركة، ولان مسؤولية الشركاء فيها تكون محدودة بمقدار ما قدموه من حصص فقط[33].

 

الفرع الأول
شركات الأشخاص

 

تقوم هذه الشركات على الاعتبار الشخصي، وعلى الثقة فيما بين الشركاء, نظراً لانها تؤسس في الغالب بين عدد قليل من الأشخاص, تربط بينهم علاقات قربى أو صداقة أو معرفة، لذلك لا يجوز للشريك في هذه الشركات أن يتنازل عن حصته إلى شخص اجنبي عن الشركة أو الشركاء الا بعد موافقة باقي الشركاء جميعا على هذا التنازل، كما أن الشركة تنقضي إذا حجر على احد الشركاء أو اشهر افلاسه، ويدخل ضمن شركات الأشخاص التي اخذ بها القانون الكويتي – ذات الشخصية الإعتبارية – شركة التضامن (1)، وشركة التوصية البسيطة(2). وسوف نتعرف على كل شركة من هاتين الشركتين, مبينين طبيعتها، والاسس التي تقوم عليها، وما يميزها عن غيرها، وبيان النوع الاخير من شركات الأشخاص ذات الطبيعة الخاصة التي تعرف بشركة المحاصة, وأخيراً موقف القانون محل البحث منها.

 

1.       شركة التضامن:

تعد شركة التضامن اكثر الشركات التجارية شيوعا، ويعج الواقع الكويتي بالكثير منها، ولعل ذلك يرجع إلى كونها اكثر ملاءمة للاستغلال التجاري الصغير والمتوسط على السواء, كما أنها تنسجم والتجارة العائلية. وقد عَرَّفَ قانون الشركات شركة التضامن بانها "شركة تؤلف من شخصين أو اكثر تحت عنوان معين، للقيام باعمال تجارية، ويكون الشركاء فيها مسؤولين على وجه التضامن في جميع أموالهم عن التزامات الشركة"[34]. إذا فشركة التضامن هي النموذج الامثل لشركات الأشخاص، بل لعلها هي المحك الذي يرجع اليه للتفرقة بين ما يشتبه فيه من شركات الأشخاص أو شركات الأموال، يتبين ذلك مما يأتي:

·   هي شركة تقوم على الاعتبار الشخصي للشريك، سواء في بدء تكوينها أو اثناء حياتها، إذ يؤثر فيها ما يتأثر به شخص الشريك كالموت أو شهر الافلاس أو الخروج أو الانسحاب.

·        القاعدة العامة فيها أن الحصص غير قابلة للتنازل.

·        يكون للشركة عنوان يضم إسم احد الشركاء أو بعضهم، ويكون هذا العنوان بمنزلة الإسم التجاري لها.

·        يكون كل شريك فيها مسؤولا مسؤولية شخصية وتضامنية في ماله الخاص عن ديوان الشركة.

·        يكتسب فيها لك الشركاء صفة التاجر، ومتى اشهر افلاس الشركة تعين شهر افلاس الشركاء فيها.

 

2.       شركة التوصية البسيطة:

عرفت شركة التوصية البسيطة في القرون الوسطى نتيجة ازدهار التجارة البحرية في أوروبا، خاصة في الجمهوريات الايطالية، والتبادل التجاري بينها وبين الموانئ الاسلامية الواقعة على البحر الابيض المتوسط، واستمدت هذه الشركة احكامها من الاعراف والعادات التجارية في الموانئ الاسلامية، ولذا عُرِفَت لدى العرب تحت إسم شركة القراض أو المضاربة.

 

ولم يضع المشرع الكويتي تعريفا لشركة التوصية البسيطة ولكنه وصف شركة التوصية البسيطة والاسهم بانها تشتمل على طائفتين من الشركاء, هما:

 

شركاء متضامنون: وهم وحدهم الذين يديرون الشركة، ويكونون مسؤولون بالتضامن عن جميع التزاماتها في أموالهم الخاصة. وشركاء موصون: وهم الذين يقتصرون على تقديم المال للشركة، ولا يكون احد منهم مسؤولا عن التزامات الشركة إلا بمقدار ما قدمه[35].

 

ومن هذا الوصف يمكننا أن نُعرِّف شركة التوصية البسيطة بانها: شركة يقسم رأس مالها إلى حصص، وتضم طائفتين من الشركاء, طائفة الشركاء المتضامنين, وهم وحدهم المسؤولون عن إدارة الشركة وعن ديونها والتزاماتها في جميع أموالها على وجه التضامن، وطائفة الشركاء الموصين، وهم الذين تحدد مسؤوليتهم بقدر ما قدموه من حصص، ويحظر عليهم التدخل بإدارة الشركة.

 

وتخضع شركة التوصية البسيطة للاحكام التي تخضع لها شركة التضامن، وهذا ما أكده قانون الشركات بقوله : "تخضع شركة التوصية البسيطة، حتى فيما يختص بالشركاء الموصين, للقواعد المقررة في شركة التضامن  من حيث ادراتها، ومن حيث انقضاؤها وتصفيتها"[36].

 

 

 

 

 

 

 

 

الفرع الثاني
شركة المحاصة

 

عَرَّفَ قانون الشركات شركة المحاصة بانها "شركة تجارية تعقد بين شخصين أو اكثر، على أن تكون الشركة مقصورة على العلاقة فيما بين الشركاء، فلا تسري في حق الغير"، فشركة المحاصة ليست شركة بالمعنى الدقيق، وانما هي شركة مستترة ليس لها وجود أو ذاتية قانونية امام الغير، وانما تقوم علاقات الشركة فيما بين المتعاقدين, ويقوم بادراتها احد الشركاء أو اكثر بإسمه وكانه يتعامل أيّضا لحسابه، وتتميز شركة المحاصة بانها:

 

·   من شركات الأشخاص، فينطبق عليها ما ينطبق على شركات الأشخاص من حيث الحصص وشهر الافلاس وموت احد الشركاء.

·        عدم قابلية الحصص للتنازل الا بموافقة كل الشركاء.

·        لا يكتسب الشركاء صفة التاجر, ولو كانت الشركة تزاول اعمالا تجارية.

·        انعدام الشخصية الإعتبارية للشركة؛ لانها شركة مؤقتة بعملية أو عدة عمليات متشابهة.

 

لذلك, وخلافا للشركات الاخرى، لا يعترف المشرع لهذه الشركة بالشخصية الإعتبارية، ويترتب على ذلك الا يكون لها إسم (عنوان) أو ذمة مالية أو اهلية أو جنسية أو موطن أو حتى ممثل قانوني[37].  وجميع ما تقدم من أنواع شركات الأشخاص يخضع لاحكام القانون رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال, ما عدا شركة المحاصة التي استبعدت من تطبيق القانون المذكور، لطبيعتها الخاصة.

 

المطلب الثاني

الأشخاص الإعتباريون المستبعدون من المسؤولية الجنائية

في قانون رقم 35 لسنة 2002

 

اعترف الاتجاه الحديث في التشريع المقارن بمبدأ المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين, مما يعني أن هذه المسؤولية قد تجاوزت جميع مراحل الجدل الفقهي حول ملاءمة الاخذ بها من عدمه، واصبحت تمثل حقيقة تشريعية حيث اقرها المشرع صراحة في كثير من الدول، مع اختلاف في شروط قيام هذه المسؤولية, ولم يثر خلاف حول توافر المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتبارية الخاصة السابق ذكرها؛ إذ كان ادخال تلك المسؤولية في التشريع الجنائي مقررا أصلا للأشخاص الإعتباريين الخاصين[38]. ولكن خطة التشريعات قد اختلفت فيما يتعلق باخضاع الأشخاص الإعتباريين العامين للمسؤولية الجنائية, حيث ينقسم الأشخاص الإعتباريون العامون إلى نوعين: الأول: هو الأشخاص العامون الاقليميون كالدولة والمحافظات والمدن. والثاني: هو الأشخاص العامون المصلحيون أو المرفقيون كالهيئات والمؤسسات العامة[39].

ومن جانبه، رفض المشرع المصري مساءلة الأشخاص الإعتباريين العامين جنائيا، وراى ضرورة أن تنحصر المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري في الأشخاص الإعتباريين العامين الخاصين, وهذا ما أكده القانون رقم 80 لسنة 2002 بمكافحة غسل الأموال الذي قصر المسؤولية الجنائية على المؤسسات المالية الخاصة[40].

 

اما ما يتعلق بالقانون الفرنسي، ففضلا عن إقراره مبدأ المسؤولية الجنائية على اطلاقه- بالنسبة للأشخاص الإعتباريين الخاصين- فقد أقر بالمبدأ ذاته، فيما يتعلق بالأشخاص الإعتباريين العامين، أياً كان الشكل الذي يتخذونه، بيد أن المشرع الفرنسي قد استبعد من نطاق المساءلة الجنائية بصفة مطلقة كلاً من الدولة والبلديات، والتجمعات المحلية التابعة لها، بالنسبة للأنشطة المتعلقة بالمرافق العامة، التي لا يجوز تفويض الغير في ادارتها[41].

 

وبالنسبة للمشرع الكويتي, يلاحظ أنه استبعد الدولة (1) من نطاق المسؤولية الجنائية, متمشيا مع التوجه العام في ذلك بل أنه ذهب إلى ابعد من ذلك, واستبعد شركات الأموال العامة والمقفلة (2) والمصارف والبنوك(3)، وبذلك يكون قد قصر تطبيق القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسيل الأموال على شركات الأشخاص بأنواعها[42].

 

الفرع الأول
الدولة
 

الدولة هي أهم الأشخاص الاقليميين، والأشخاص الاقليميون الاخرون يستمدون وجودهم من الدولة، وهذا يعني أن ما يسري على الدولة يسري كذلك على الأشخاص الاقليميين الاخرين كالمحافظات والولايات، واذا كان يبدو من النظرة الاولى أنه من الصعب تصور أن تقدم الدولة على اقتراف مشروع إجرامي يسوغ مساءلتها فذلك الحال بالنسبة للأشخاص الاقليميين الاخرين.

 

وتجب الاشارة في هذا المقام إلى أنه في اعقاب الحرب العالمية الثانية، قد دارت الابحاث والدراسات حول مدى تقرير المسؤولية الجنائية للدولة على الصعيد الدولي، وان كثيرا من فقهاء القانون الدولي اكدوا ضرورة تقرير مسؤولية الدولة جنائيا، وذلك باعتبارها الشخص الوحيد الذي يمكن أن يرتكب جرائم القانون الدولي.

 

غير أنه إذا كان من المستطاع الدعوة على الصعيد الدولي بالمسوؤولية الجنائية للدولة، فان ذلك لا يمكن أن يكون مقبولاًُ على الصعيد الداخلي، نظراً لوجود جملة من الاعتبارات السياسية والقانونية والإجتماعيةوالتاريخية التي تمنع التفكير في تقرير المسؤولية الجنائية للدولة، على نطاق القانون الداخلي.

وبطالعة التشريعات الكويتية نلاحظ أنه لم يرد ذكر للمسؤولية الجنائية للدولة، وبذلك يكون هذا التوجه متناسقا مع توجه اغلب التشريعات المقارنة الرافضة لاقحام المسؤولية الجنائية للدولة، ومنها المشرع الفرنسي الذي نص صراحة على عدم جواز مساؤلة الدولة جنائيا بصفة مطلقة[43]. وقد حاول البعض تسويغ ذلك بالاستناد إلى مبدأ سيادة الدولة[44]. ولكن هذا الرأي لم يلق قبولاًُ لدى غالبية الفقهاء, بخاصة أن المبدأ المذكور لم يمنع من الاعتراف بالمسؤولية المدنية للدولة.

 

ويرى الاتجاه الغالب أن هذا الاستبعاد يقوم على أساس أن الدولة هي التي تتولى حماية المصالح الفردية والاجتماعية، ومن ثم تقوم بملاحقة المجرمين ومعاقبتهم, باعتبار أنها صاحبة الحق في العقاب، مما يجعل من غير المتصور أن توقع العقاب على نفسها[45]، ولا يتعارض ذلك مع القول بأن الدولة توقع احيانا عن طريق أجهزتها المختصة، ضد نفسها أنواعا أخرىمن الجزاءات, مثل القضاء بعد دستورية قانون، الحكم بالتعويض عن افعالها الضارة بالغير، ولا سيما أن توقيع الجزاء على الدولة لا يحققق اية فائدة اجتماعية.

 

 

الفرع الثاني
الشركات المساهمة العامة والمقفلة

 

شركات المساهمة (الأموال) هي شركات تقوم في الغالب على تحقيق الأموال من الجمهور، دون اعتبار لأشخاص المساهمين فيها، من أجل القيام بمشروعات تجارية أو صناعية أو مالية ضخمة[46]، وتضم شركات الأموال، شركتين، وهما شركة المساهمة العامة المفتوحة وشركة المساهمة المقفلة.

 

وقد قام المشرع الكويتي بتعريف الشركة المساهمة بنوعيها (العامة والمقفلة) بانها: "شركة تتألف من عدد من الأشخاص, يكتتبون فيها باسهم قابلة للتداول، ولا يكونون مسوؤلين عن التزامات الشركة الا بمقدار القيمة الإسمية لما اكتتبوا به من اسهمها"[47]. وتعد الشركة المساهمة العامة بانها الشركة التي ينقسم رأس مالها إلى اسهم قابلة للتداول، ويتكون عن طريق الاكتتاب العام, ونظرا لاهميتها من ناحية حجم المشاريع الصناعية والتجارية التي تقوم بها وحجم رأس المال المكتتب, تطلب المشرع الكويتي استصدار مرسوم اميري لانشائها، وتكتسب الشركة المساهمة العامة الشخصية الإعتبارية العامة من وقت صدور المرسوم الخاص لها بإستكمال إجراءات التأسيس[48]. على خلاف الشركة المساهمة المقفلة التي تضم غالبا عددا محدودا من المساهمين, ولا تلجأ إلى الاكتتاب العام من أجل تغطية رأس مالها أو الاقتراض, كما أن تأسيسها لا يتطلب استصدار مرسوم اميري، وتكتسب الشخصية الإعتبارية بعد قيدها في السجل التجاري[49].

 

وقد استبعد القانون رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال المسؤولية الجنائية عن الشركات المساهمة بأنواعها، وهذا التوجه يفيد أيّضا أن المشرع اراد قصر المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين على عدد محدود من الشركات وعدم التوسع والافراط في مد المسؤولية, خصوصا أن البنوك والمصارف في الكويت- التي تعد أهم القنوات لغسل الأموال- جميعها شركات مساهمة، لكن هذا لا ينفي بالتأكيد مسؤولية القائمين والعاملين من أشخاص طبيعيين عن جرائم غسل الأموال

 

الفرع الثالث

المصارف والمؤسسات المالية

 

تضطلع البنوك بدور بالغ الأهمية في الإقتصاد الوطني، يتمثل في توزيع الائتمان، فتعد من المصادر الاولى في تمويل التجارة الداخلية والخارجية، حيث أنها تتلقى الودائع من المدخرين بفائدة معينة، وتستخدمها في منح القروض للتجار والصناع وغيرهم بفوائد اعلى لتحقيق الارباح التي تمثل بالفارق بين الفائدتين, فهي بذلك تعمل كوسيط بين المدخرين والمستثمرين, لذلك تظهر تارة بمركز الدائن وتارة بمركز المدين، واذا كانت الودائع هي اداة البنوك في تعاملها مع المقترضين، فان مواردها تلعب دورها الطبيعي كضمان لالتزامها في مواجهة المودعين وغيرهم[50].  وتعرف البنوك من الناحية القانونية بانها هي: المؤسسات التي يكون عملها الأساسي, الذي تمارسه عادة، قبول الودائع لاستعمالها في عمليات مصرفية, كخصم الأوراق التجارية وشرائها وبيعها، ومنح القروض, واصدار الشيكات وقبضها، وطرح القروض والمتاجرة بالعملات، وغير ذلك من عمليات الائتمان التي يقضي العرف باعتبارها من اعمال البنوك[51].

 

وقد خص المشرع الكويتي الفصل السابع من الباب الثاني من قانون التجارة رقم (68) لسنة 1980 لعمليات البنوك لتغطية جميع عمليات البنوك من النواحي القانونية مراعيا في ذلك ما استقر عليه العرف المصرفي وما درج عليه العمل في الدوائر التجارية[52].

 

وقد قصر القانون رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال المسؤولية الجنائية على العاملين في البنوك والمصارف فقط ولم تمتد إلى البنك أو المصرف بوصفه شخصا معنويا، وهذا يعد قصورا يضاف إلى القصور التشريعي السابق ذكره، وكان من الاجدر أن يتبع المشرع الكويتي ما جرى عليه العمل في القانون الفرنسي الذي اوجب مساءلة البنك عن جريمة غسل الأموال إذا ارتكبت من احد مسؤوليه أو موظفيه بإسم البنك ولحسابه[53].

 

 

المبحث الثاني

مراحل توافر المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري

 

إذا كان الشخص الإعتباري حقيقة إجتماعيةيسلم بها المشرع، فإنه كذلك حقيقة قانونية تجعل كسب الشخصية الإعتبارية رهنا بإرادة المشرع، فهو باعتباره كائنا اجتماعيا يختلف في تكوينه عن الشخص الطبيعي، لذلك كان من الضروري أن تتوافر له مقومات الشخصية الإعتبارية, لانه بناء على هذه المقومات يتحدد وجوده القانوني، ويكون اعتراف القانون بهذه الشخصية احد المقومات.

 

ويشكل هذا الاعتراف ضرورة بالنسبة للشخص الإعتباري, لأن حياته تتوقف عليه، ولان هذا الاعتراف يمثل أهمية خاصة وظاهرة بالنسبة اليه، بالنظر إلى عدم تساوي الكائنات الجماعية من جماعات الافراد ومجموعات الأموال في المجتمع. وتدخل القانون للاعتراف بالشخصية الإعتبارية هو تدخله نفسه للاعتراف بالشخصية الطبيعية، وان كانت سلطته في الاعتراف بالشخصية الاولى اوسع مدى، نتيجة ما يقع عليه من واجب التيقن من توافر القيمة الإجتماعيةللكائن الحي الجماعي، ومدى حاجته إلى حياة قانونية مستقلة تكفل تحقيقه[54].

 

وكقاعدة عامة: فان المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري تبدأ بميلاد هذا الشخص وتنقضي بانقضاء حياته، على خلاف الشخص الطبيعي الذي حدد القانون التوقيت المناسب الذي يمكن معه مساءلته عن اعماله. وينعم الشخص الإعتباري بحياة قانونية على غرار الشخص الطبيعي، بدءاً من التاريخ الذي يستكمل به مقومات وجوده، ويتم الاعتراف به، سواء كان عاما أم خاصا، وكما تنقضي الحياة القانونية للشخص الطبيعي عندما يدركه الموت، فإن تلك الحياة تبدأ في الانتهاء والانقضاء عندما يحل به سبب من الاسباب المؤدية إلى زواله واختفائه اختياريا أو جبرا في بعض الأحوال، وتتعدد الاسباب المقررة في القانون المدني والقانون التجاري لانقضاء حياة الأشخاص الإعتباريين، وتختلف الاسباب المؤدية لانقضائها بحسب نوعيتها ووفقا لاعتبارات معينة.

 

فمشكلة مراحل المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري لا تثار بالنسبة لجميع الأشخاص الإعتباريين، انما فقط بالنسبة للشركات التجارية والتجمعات ذات الأهداف الإقتصادية، حيث تخضع هذه الشركات والمجموعات لبعض الاحكام الخاصة خلال فترة الانشاء وفترة التصفية[55]. فسنبحث تباعا في مدى مسؤولية الشخص الإعتباري في مرحلة الانشاء والتأسيس (1)، ومسؤولية الشخص الإعتباري خلال فترة التصفية (2).

 

 

 

 

 

 

المطلب الأول
مدى مسؤولية الاشخص الإعتباري الخاص
في مرحلة الانشاء والتأسيس
 

تكتسب الشركة الشخصية القانونية (الإعتبارية) وفقا لاحكام قانون الشركات الكويتي، اما بعد القيد في السجل التجاري أو بعد استصدار المرسوم المرخص بتأسيسها. فتكتسب شركات التضامن والتوصية بنوعيها والشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة المساهمة المقفلة الشخصية الإعتبارية بعد اتمام قيدها في السجل التجاري[56]. ويجب أيّضا نشر المحور الصادر بتأسيس شركة مساهمة مقفلة في الجريدة الرسمية. اما الشركة المساهمة العامة فتكتسب هذه الشخصية بعد استصدار المرسوم الاميري المرخص لها بإستكمال إجراءات التأسيس، ونشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية[57]

 

إذا بشكل عام يعد يوم التسجيل هو يوم الميلاد بالنسبة للشركة، والأصل أن يبدأ خضوعها لاحكام المسؤولية الجنائية من هذا التاريخ[58]. فاذا ارتكبت جريمة غسل الأموال خلال فترة تأسيس الشركة فهل يمكن مساءلتها عن هذه الجريمة؟.

 

سبق أن اوضحنا أن المشرع الفرنسي قد نص على المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين, والاستناد إلى عبارات النص يقود إلى نفي المسؤولية الجنائية عن الشركة في مرحلة التأسيس، ما دامت لم تكتسب الشخصية الإعتبارية بعد. ومما يؤيد هذا الرأي أن المسؤولية الجنائية تستلزم ارتكاب واقعة تنسب إلى الشخص الإعتباري, فكيف يمكن القول بنسبة هذه الواقعة إلى شخص لم يوجد بعد[59].

 

اما المشرع الكويتي فإنه لم يعالج هذه المسألة بشكل مباشر وصريح من خلال قانون مكافحة غسل الأموال، لكنه عالجها بشكل غير مباشر من خلال قانون الشركات التجارية؛ إذ اعطى للجمعية العامة التأسيسية للمساهمين في الشركات المساهمة العامة الحق في النظر والتدقيق في عمليات ومصاريف التأسيس، التي يقدمها لها المؤسسون في صورة تقرير يتضمن معلومات وافية عن جميع هذه العمليات مع المستندات المؤيدة لها[60]. وللجمعية العامة التأسيسية الحق في قبول ما قام به المؤسسون من تصرفات لحساب الشركة أو رفضه.

اما بالنسبة للشركات الاخرى، فالمسألة محسومة سلفا، إذ أن المؤسسون للشركة هم جميع الشركاء، بخاصة في شركات الأشخاص، حيث قلة عدد الشركاء مقارنة بالشركات المساهمة, فيمكن الإتفاق، سواء في عقد الشركة أو في إتفاق لاحق، على تحمل الشركة لمصاريف التأسيس. ومن هذا يتبين أن التصرفات التي يقوم بها المؤسسون أو الشركاء في مرحلة الانشاء والتأسيس وقبل اكتساب الشركة الشخصية الإعتبارية، لا تلزم الشركة ولا تحملها المسؤولية الجنائية عن هذه الافعال، الا إذا وافقت عليها الجمعية العامة للمساهمين أو الشركاء.

المطلب الثاني

مدى مسؤولية الشخص الإعتباري

الخاص في مرحلة التصفية

 

إذا اكتسبت الشركة الشخصية الإعتبارية فانها تظل محتفظة بها، ولكن هذه الشخصية الإعتبارية تنقضي بانقضاء الشركة ذاتها، وذلك بتحقق احد اسباب انقضاء الشركات، ولكن على الرغم من انقضاء الشركة, فان المشرع يبقي على شخصيتها القانونية الإعتبارية، بالقدر اللازم لتصفيتها، وذلك محافظة على حقوق دائني الشركة من الضياع أو استيلاء الشركاء عليها[61]. وهناك اسباب متعددة لانقضاء الشركة, بعضها يؤدي حدوثه إلى انقضاء الشركة بقوة القانون، وبعضها لا يؤدي إلى انقضاء الشركة، ولكن يتوقف هذا الانقضاء على تدخل إرادة الشركاء أو حكم القضاء. كما أن هناك اسبابا عامة تؤدي – إذا تحققت – إلى انقضاء جميع الشركات, واسباب خاصة تؤدي إلى انقضاء بعض الشركات[62].

 

ومما يجدر التنبيه عليه في هذا السياق أن حل الشركة أو التجمع الاقتصادي أو المالي مباشرة لا يترتب عليه اختفاء هذا الشخص الإعتباري ؛ إذ على الرغم من قرار الحل الصادر من الجمعية العامة أو من القضاء، فانها تظل قائمة لتلبية احتياجات التصفية التي قد تأخذ وقتا طويلا[63]

 

وتهدف تصفية الشركة إلى انهاء الآثار القانونية الناشئة عن الشركة المنقضية، أو تنفيذ التزاماتها التي لم تنفذ بعد، وذلك باعطاء دائني الشركة حقوقهم التي في ذمتها، وتحصيل ما للشركة من حقوق في ذمة مدينيها، ثم توزيع ما تبقى من أموال تكفي لسداد ديونها، اما إذا لم يكن لديها الأموال الكافية، فلدائنيها الرجوع على الشركاء المتضامنين، لاستيفاء ما تبقى لهم من أموال في ذمة الشركة، والرجوع كذلك على الشركاء الذين لم يقوموا بتقديم حصصهم في رأس مال الشركة, لذا تبرز الحاجة إلى تعين من يتولى تصفية الشركة؛ لأن سلطة مديرها تنقضي تبعا لانقضاء الشركة[64]. ويتولى تعيين المصفي عادة الشركاء, سواء تم ذلك في عقد الشركة أو في نظامها الأساسي أو في إتفاق لاحق[65].

 

فاذا ارتكبت جرائم بإسم الشخص الإعتباري تدخل ضمن نطاق التجريم الذي نص عليه المشرع الكويتي في قانون غسل الأموال، وهذا الشخص في مرحلة التصفية فهل يمكن مساءلته جنائيا؟. لقد ذهبت بعض الاتجاهات الفقهية إلى ذلك، كون قانون الشركات قد نص على ابقاء الشخصية الإعتبارية للشركة لحاجات التصفية, وهذه العمليات في مجملها هي الهدف الذي من أجله تم الابقاء على الشخصية الإعتبارية للشركة. لكن ذلك التوجه يصطدم بالتزام القاضي تفسير نصوص قانون الجزاء تفسيرا ضيقا. وفي كل الأحوال نضم رأينا إلى الذين لا يرون ما يستوجب التفرقة بين التأسيس والمرحلة اللاحقة على انقضاء هذه الأخيرة، فاعتبارات التي تستوجب امتداد الشخصية الإعتبارية في نطاق القانون التجاري، قد يصعب الاخذ بها في نطاق قانون الجزاء، فما يعد صحيح أو حقيقيا في نطاق القانون المدني أو التجاري، لا يمكن دائما أن يفهم بالطريقة ذاتها في قانون الجزاء.

المبحث الثالث

شروط قيام المسؤولية الجنائية للأشخاص

الإعتباريين وأثرها على الشخص الطبيعي

 

المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري تختلف – فيما يتعلق بقواعد الاسناد – عن المسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي، وذلك نظراً للكيان غير الملموس للشخص الإعتباري, ولم تكن المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين – التي انشاها التشريع النموذجي للامم المتحدة، وأقرتها القوانين المقارنة ومنها القانون الكويتي لمكافحة غسل الأموال – مسؤولية مطلقة, وانما هي مسؤولية مشروطة، يتعين لقيامها، توافر عدة شروط، وقد اجملها التشريع النموذجي للامم المتحدة بقوله: " يعاقب الأشخاص الإعتباريون.. الذين قامت احدى هيئاتهم أو احد ممثليهم لحسابهم أو لصالحهم, بارتكاب احدى المخالفات المنصوص عليها في البندين 1 و2 من هذا الفصل..."[66].

 

وقد عبر قانون العقوبات الفرنسي عن هذين الشرطين ذواتيهما, واولهما: أن تكون الجريمة قد ارتكبت لحساب الشخص الإعتباري, وثانيهما: أن تكون الجريمة قد ارتكبت بواسطة احد اعضائه أو ممثليه، ويسبق هذين الشرطين شرط آخر، يمكن اعتباره من قبيل الشروط المفترضة؛ إذ يتمثل في ضرورة أن تكون الجريمة التي يسأل عنها الشخص الإعتباري جنائيا، تندرج في عداد الجرائم التي عينها المشرع على سبيل الحصر، وهو ما يمكن أن يطلق عليه "النطاق الجرمي للمسؤولية الجنائية"[67]، الذي سوف نعالج فيه نطاق المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين(1), ثم مدى تأثير هذه المسؤولية على مسؤولية الشخص الطبيعي(2).

 

 

المطلب الأول

نطاق المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري

 

من الضروري أن تكون الجريمة التي يسأل عنها الشخص الإعتباري جنائيا ضمن الجرائم التي عينها المشرع الكويتي على سبيل الحصر الذي كان متوافقا مع التشريع النموذجي للامم المتحدة في تحديد النطاق الجرمي للمسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري في جرائم غسل الأموال[68]، وبعض الجرائم الأخرىالمرتبطة.

وبمقتضى القانون رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال يعد مرتكبا لجريمة غسل الأموال كل من ارتكب الافعال التالية أو شرع فيها:

·   إجراء عملية غسل الأموال مع العلم بانها متحصل عليها من جريمة أو متحصل عليها من فعل من افعال الاشتراك فيها.

·   نقل أموال أو تحويلها أو حيازتها أو احرازها أو استخدامها أو الاحتفاظ بها أو تلقيها، مع العلم بانها متحصل عليها من جريمة أو متحصل عليها من فعل من افعال الاشتراك فيها.

·   اخفاء أو تمويه حقيقة الأموال أو مصدرها أو مكانها أو طريقة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها أو ملكيتها, مع العلم بانها متحصل عليها من جريمة أو متحصل عليها  من افعال الاشتراك فيها[69].

 

كما عمد قانون العقوبات الفرنسي، إلى تقييد المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين بمبدأ "التخصيص", أو ما يعرف بالمسؤولية المحددة والخاصة[70]، بما يقتضي الرجوع أولاً إلى نصوص قانون العقوبات واللوائح ذات الصلة، للوقوف على الجرائم التي يمكن أن يسأل عنها الشخص الإعتباري[71]، وتنبئ مطالعة هذه النصوص، بمدى اتساع نطاق تلك الجرائم التي يسأل عنها الشخص الإعتباري[72]، وبما يشمل افعال غسل الأموال, التي اوردها المشرع بنصوص خاصة (التبرير الكاذب لمصدر الأموال غير المشروعة، وتقديم المساعدة في عمليات ايداع أو توظيف أو اخفاء أو تحويل للعائدات الإجرامية...) على النحو الذي اسلفناه سابقا، والتي يمكن أن تقوم بصددها المسؤولية الجنائية للمصرف أو لغيره من المؤسسات المالية (شركة تجارية – مكتب صرافة – شركة تداول الأوراق المالية والسمسرة – مكاتب الاستشارات المالية والتجارية....).

 

وتجدر الاشارة إلى أن المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري تختلف فيما يتعلق بقواعد الاسناد عن المسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي, وذلك نظراً للكيان غير الملموس للشخص الإعتباري، مما تتطلب شروطا أساسية، يجب أن تتوافر حتى تنهض مسؤولية الشخص الإعتباري الجنائية، وهي شروط مستمدة أصلا من طبيعة الشخص الإعتباري, وهي ارتكاب الجريمة لحساب الشخص الإعتباري (1)، ارتكاب الجريمة بواسطة احد ممثلي الشخص الإعتباري (2)، وان يكون الفعل المرتكب مما يتصور اسناده إلى الشخص الإعتباري (3).

 

 

 

الفرع الأول

ارتكاب الجريمة لحساب الشخص الإعتباري

 

يشترط لقيام المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري, أن تكون الجريمة قد وقعت لحسابه، إذ يقصد بعبارة لحساب الشخص الإعتباري : أن تكون الجريمة قد ارتكبت بهدف تحقيق مصلحة له[73], كتحقيق ربح، أو تجنب الحاق ضرر به[74]. ويستوي في هذا أن تكون هذه المصلحة مادية أو معنوية، مباشرة أو غير مباشرة، محققة أو احتمالية[75]. أيّ يكفي أن تكون الافعال الإجرامية قد ارتكبت بهدف ضمان تنظيم اعمال الشخص الإعتباري أو حسن سيرها، أو تحقيق اغراضه، حتى ولو لم يحصل هذا الشخص في النهاية على اية فائدة[76].

 

والنتيجة المنطقية التي تترتب على هذا الشرط هي أنه لا يجوز أن يسأل الشخص الإعتباري عن الجريمة التي يرتكبها احد اجهزته أو ممثليه- أو احد العاملين لديه في بعض التشريعات التي تنص على ذلك- لحسابه الشخصي، بهدف تحقيق مصلحته الشخصية، أو بهدف الاضرار بالشخص الإعتباري.

 

كما اشترط التشريع النموذجي للامم المتحدة لقيام المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري, عن جريمة غسل الأموال أو احدى الجرائم الأخرىالمرتبطة بها، أن يكون ارتكاب هذه الجرائم أو تلك، قد تم لحساب الشخص الإعتباري أو مصلحته[77].

 

كما افصح قانون الجزاء الفرنسي الجديد عن الاتجاه ذاته بقوله: ".... يسأل الشخص الإعتباري عن الجرائم التي ترتكب لحسابه....."[78]. على أنه لا يشترط في الحالتين أن تكون المصلحة أو الفائدة المستهدفة, هي فائدة مادية، إذ يمكن أن تكون أيّضا مصلحة أو فائدة ادبية أو معنوية.

 

ولعله من المتصور في هذا الصدد، أن يدفع المصرف مسؤوليته الجنائية، عن جريمة تلقي أو ايداع أو تحويل أو توظيف للأموال غير المشروعة، بزعم أنه لا يمتلك هذه الأموال، وانما يمتلكها في حقيقة الامر عملاء المصرف ومودعوه، وما المصرف الا وكيل عنهم، يجري عملياته المالية بشأنها، لحساب اولائك العملاء أو المستفيدين, وانه يقوم لذلك اعمالا لالتزاماته القانونية أو التعاقدية معهم، والا عد مرتكبا لجريمة خيانة الأموال، حال مخالفته لإرادة المودع في استخدامه للأموال المودعة.

 

ويرى جانب من الفقه، أنه لا ينبغ التسليم بهذا الدفع؛ إذ أن الراجح فقهاً وقضاءً أن المصرف، على خلاف الرأي المتقدم، يمتلك الأموال المودعة لديه، التي تصبح بالفعل عنصرا من عناصر ذمته المالية، ومن ثم, فله حق استعمالها على النحو الذي يراه ويرغب فيه، فضلا عن أن المصرف لا يملك التنصل من واجب الحيطة والحذر في رقابة الأموال وتدفقاتها، والعمليات المالية التي تجري بشأنها، وما يتفرع عن ذلك من التزام المصرف الابلاغ عن الأموال أو الصفقات المالية المشبوهة، والتأكد من هوية العملاء.

 

 

الفرع الثاني

ارتكاب الجريمة بواسطة احد ممثلي الشخص الإعتباري

 

أن الشخص الإعتباري – كما تقدم هو كائن غير ملموس ماديا، ولهذا فإنه يستحيل عليه أن يباشر أيّ نشاط إجرامي الا عن طريق احد ممثليه أو اعضائه المكونين له، فهم بالنسبة له بمنزلة اليد التي تعمل والرأس الذي يفكر. وقد حصر المشرع الكويتي الأشخاص الذين يترتب على ارتكابهم جرائم غسل الأموال قيام المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري, في اجهزته ومديريه أو ممثليه أو احد العاملين، فغير هؤلاء من العاملين أو الاداريين يسالون شخصيا وبمفردهم عما يرتكبون من جرائم[79].

 

ومدير الشركة هو الذي يمثلها امام الغير, لذلك فإنه هو الذي يعبر عن ارادتها، فيكون العقل والعين واليد بالنسبة لها، نظراً لطبيعتها الخاصة، ونص قانون الشركات على أن مدير الشركة يقوم بالاعمال اللازمة للإدارة، في حدود ما يقضي به عقد التأسيس ونظام الشركة[80]. ومن هذا يتبين أن اختصاص مدير الشركة وسلطته يحددهما عقد التأسيس والنظام الأساسي, وان على المدير أن يعمل في الحدود التي يرسمها له عقد الشركة ونظامها بالقدر اللازم لادارتها. واذا لم يحدد عقد الشركة أو نظامها- فرض نادر – حدود صلاحيات المدير أو اختصاصاته، فإنه يجب على المدير أن يعمل بالقدر اللازم لتحقيق غرض الشركة، أيّ أن غرض الشركة هو النطاق الذي يجب على المدير أن يعمل ضمن حدوده مراعيا في ذلك مبادئ حسن النية والامانة والاعراف التجارية.

 

وقد يتولى إدارة الشركة اكثر من مدير واحد، وغالبا ما يحدد عقد الشركة أو نظامها كيفية إدارة الشركة. ويقصد بالاعضاء الممثلون القانونيون أو الشرعيون للشخص الإعتباري. فتعبير الاعضاء يشمل الرئيس ومجلس الإدارة والجمعية العامة للشركاء والاعضاء. اما الممثلون فيقصد بهم الأشخاص الطبيعيون الذين لديهم السلطة القانونية أو الإتفاقية في التصرف بإسم الشخص الإعتباري، وهذا قد يكون المدير العام بمفرده، أو المدير الاداري أو رئيس مجلس الإدارة.

الفرع الثالث

أن يكون الفعل المرتكب مما يتصور

اسناده إلى الشخص الإعتباري

 

يشترط لقيام المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري – فضلا عن توافر الشروط السابقة – أن يكون الفعل المرتكب مما يتصور نسبته إلى الشخص الإعتباري. فاذا كانت هذه الجريمة مما لا تجوز نسبتها اليه، ففي هذه الحالة لا يمكن مساءلته جنائيا عنها، حتى ولو كان مرتكبها احد اعضائه، وهذا يعني أن ثمة جرائم لا يمكن اسنادها إلى الشخص الإعتباري.

 

فالجرائم المنصوص عليها في قانون الجزاء الكويتي لا يمكن تصور قيام الشخص الإعتباري بارتكابها جميعا سواء بصفته فاعلا أصليا أو مجرد شريك. لانها قد تكون جرائم يتطلب فيها العنف والاحتكاك الجسدي، أو تكون جرائم لا اخلاقية، وذلك تأسيسا على عدم تصور قابلية الشخص الإعتباري لارتكابها، باعتبار أن مصدرها فساد مقترفها أو انحلاله، وهذا لا يمكن حدوثه الا من شخص طبيعي وهو الانسان، ومناط التجريم يكمن في اتيان الفعل المخالف للاخلاق. بالاضافة إلى ما سبق، هناك طائفة أخرىمن الجرائم لا يسأل عنها الشخص الإعتباري ؛ لانها ذات وضعية خاصة مثل جرائم شهادة الزور أو اليمين الكاذبة, لانها لا تصدر الا من انسان[81].

 

 

المطلب الثاني

أثر قيام المسؤولية الجزائية

للشخص الإعتباري على الغير

 

إقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين لا يترتب عليها استبعاد المسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين سواء كانوا فاعلين أصليين أو شركاء في الوقائع ذاتها التي تقوم بها الجريمة، فالمبدأ العام أن مسؤولية الشخص الإعتباري تقوم جنبا إلى جنب مع مسؤولية الشخص الطبيعي، لكن ما حدود تطبيق هذا المبدأ؟ وهل هناك استثناءات على تطبيقه؟.

 

وللاجابة عن هذين التساؤلين يتعين علينا التفرقة بين أثر المسؤولية الجنائية على الشخص الإعتباري (1), ثم أثر هذه المسؤولية  على مسؤولية مدير المشروع أو المنشأة الإقتصادية (2).

 

 

 

 

 

 

 

الفرع الأول

أثر مسؤولية الشخص الإعتباري

على مسؤولية الشخص الطبيعي

 

المقصود بالشخص الطبيعي, احد اعضاء الشخص الإعتباري أو احد ممثليه، الذي يرتكب الجريمة لحسابه ودون أن يكون مديرا للمشروع أو رئيسا له، وهذا الشخص إذا ثبت ارتكابه الفعل الذي تقوم به الجريمة, أو ثبت اشتراكه فيها باحدى وسائل الاشتراك فإنه يسأل جنائيا بوصفه فاعلا أو شريكا. ويستوي أن يكون ما صدر منه سلوكا ايجابيا أو سلبيا، وسواء كان ما وقع قد تم عن عمد أم غير عمد، ما دام نشاطه يدخل تحت نصوص قانون الجزاء، حيث يرى البعض أنه إذا كانت الجريمة عمدية فان الشخص الإعتباري يستعير إجرامه من الشخص الطبيعي الذي ارتكبها؛ لذا فان الفعل نفسه تنشأ عنه مسؤولية الشخص الطبعيي والشخص الإعتباري[82], التي تعرف بقاعدة تعدد  المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين, على أن قيام هذه المسؤولية لا يحول دون معاقبة الشخص الطبيعي عن الجريمة ذاتها، ويستند مبدأ تعدد المسؤولية الجنائية أو ازدواجها بين الشخص الإعتباري والشخص الطبيعي عن الجريمة ذاتها إلى اعتبارات متعددة[83], اهمها: أن المشرع دائما يتطلب لقيام المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري وجود شخص طبيعي معين أو أشخاص طبيعيين, يملكون سلطة التصرف بإسم الشخص الإعتباري, وان يكونوا قد ارتكبوا الجريمة لحسابه. وحيث أن ارتكاب الجريمة لحساب الغير لا يعد سببا لانتفاء مسؤولية مرتكب الجريمة، فإنه يكون من المفترض أن يسأل كل من الشخص الإعتباري والشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة، ومن ناحية ثانية، فان ضمان فاعلية العقاب يتطلب الا يشكل إقرار المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري ستارا يستخدم لحجب المسؤولية الشخصية للأشخاص الطبعيين الذين ارتكبوا الجريمة[84]. وأخيراً فان القول بعدم الازدواجية في المسؤولية يتعارض مع مبدأ العدالة، وينطوي على مبدأ عدم المساواة امام القانون[85].

 

 

الفرع الثاني

أثر مسؤولية الشخص الإعتباري على

مسؤولية مدير المنشأة الإقتصادية

 

بصفة عامة، يكون مدير المنشأة، كل شخص يكلف سلطات إدارة المنشأة الإقتصادية أو تمثيلها، بالاضافة إلى سلطات التعامل مع الغير، وتسند هذه السلطات والاختصاصات بطريق مباشرة أو غير مباشر، من جماعة الشركاء أو المساهمين إلى المساهم الرئيسي أو إلى واحد أو اكثر من الأشخاص الذين يختارون لكفاءتهم أو من الشركاء أو من الغير، ويعين المدير عن طريق العقد التأسيسي للمنشأة الإقتصادية، ويسمى في هذه الحالة بالمدير الإتفاقي أو النظامي[86]. وتثير المسؤولية الجنائية لمدير المنشأة العديد من المشكلات، عندما يرتكب مدير المنشأة بسلوكه الشخصي الجريمة كما حددتها القوانين الجزئية، سواء كان سلوكا ايجابيا أو سلبيأ وبعضها يثار بخصوص ما يسمى بمسؤولية مدير المنشأة عن فعل تابعيه في المنشآت التي تتخذ شكلا جماعيا بصفة أساسية، حيث لا يقوم بإدارة هذا النوع من المنشآت وتسييرها شخص واحد، وانما توجد اجهزة جماعية تقوم على ادارتها وتنظيم العمل بها ورقابته[87].

 

وهذه المشكلات آثارت جدلا فقهيا واسع النطاق واختلافات كثيرة حول المسؤولية الجنائية لمدير المنشأة، لا يتسع المقام لذكرها جميعا، لكن يقتضي أن نذكر أن بعض التشريعات الجزائية المقارنة قررت قيام مسؤولية مدير المنشأة الإقتصادية عن سلوك يبدو في ظاهره أنه خاص بالتابعين العاملين معه في المنشأة، ونلاحظ هنا اتساع نطاق تطبيق هذا النوع من المسؤولية، وذلك من خلال العديد من النصوص التشريعية التي تقررها صراحة أو ضمنا، ويلاحظ أيّضا أن هذه النصوص التشريعية التي تقرر مسؤولية مدير المنشأة تنتهج نهجا متشددا، فاما أن تقرر المسؤولية كلية على عاتق مدير المنشأة، أو توسع في بعض الحالات من نطاق تطبيقها، فالحالة الاولى يعاقب المدير وحده عن الجريمة، والحالة الثانية يمكن أن يؤدي الفعل المادي للتابع إلى قيام مسؤولييته الشخصية، بالاضافة إلى قيام مسؤولية المدير، بذلك نكون امام مسؤولية مزدوجة، فالتساؤل الذي يثار هو: هل تظل مسؤولية مدير المنشأة قائمة مع مسؤولية الشخص الإعتباري؟.

 

يوجد في القانون الفرنسي العديد من النصوص التي تقرر المسؤولية الجنائية لمدير المنشأة عن الجرائم التي ترتكب بواسطة المستخدمين أو التابعين أو العمال، استنادا إلى هذه النصوص وغيرها، كما توسع القضاء الفرنسي في هذا النوع من المسؤولية، الذي اطلق عليها المسؤولية الجنائية عن فعل الغير. وتستلزم هذه المسؤولية الجنائية لقيامها ارتكاب التابع للجرمية، وثبوت خطأ شخصي من جانب مدير المنشأة، لكن القانون المذكور لم ينص على أثر المسوؤلية الجنائية للشخص الإعتباري على مسؤولية مدير المنشأة عن فعلي الغير.

 

وبالنظر في التشريعات الجنائة الكويتية ذات الصلة نلاحظ أن المشرع لم يتطرق إلى مسؤولية عن فعل الغير الا في قانون المطبوعات والنشر بمعاقبته رئيس التحرير والكاتب في حالة مخالفة القانون المذكور[88]، اما عن أثر مسؤولية مدير المنشأة على مسؤولية الشخص الإعتباري فلم يرد لها ذكر في التشريعات الكويتية، نظراً لحداثة المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري في التشريعات الجزائية الكويتية.

 


الفصل الثاني

القواعد الموضوعية الخاصة بمساءلة

الأشخاص الإعتباريين جزائيا

 

إعمالاً لاحكام إتفاقية فيينا وغيرها من الوثائق الدولية ذات الصلة، التي حثت الدول الأطراف على تجريم افعال غسل الأموال، بوصفها جرائم جنائية عمدت دول عديدة إلى تضمين هذه الافعال في قوانينها العقابية، وان سلكت في تعريفها لجريمة غسل الأموال دروبا شتى، فقد عنيت بعض القوانين بتحديد الافعال المؤثمة، التي تشكل صور الركن المادي في هذه الجريمة، بينما عرفت قوانين أخرىتلك الجريمة بالنظر إلى هدفها أو الغرض منها، ولا سيما اخفاء المصدر غير المشروع للأموال أو تمويهه، أو اخفاء حقيقتها أو ملكيتها أو تمويهها، أو مساعدة المجرم على الاحتفاظ بارباح الجريمة التي ارتكبها أو الافلات من العواقب القانونية لافعاله.

 

وذهبت بعض الدول إلى ابعد من ذلك حيث جرمت قوانينها بعض الافعال الاخرى، المرتبطة بغسل الأموال بمفهومه الضيق، مثل تعمد اكتساب الأموال غير المشروعة أو حيازتها أو استخدامها. وبوجه عام فمن الثابت أن هناك إتفاقا واسع النطاق بين التشريعات المقارنة على تطبيق النموذج القانوني لتجريم غسل الأموال، بما في ذلك تجريم افعال اكتساب الأموال أو حيازتها أو استخدامها، فضلا عن تجريم الشروع في ارتكاب جريمة غسل الأموال وتجريم مختلف صور الاشتراك فيها، سواء بالإتفاق (التواطؤ) أو المساعدة أو التحريض.

 

وقد اشترطت جميع القوانين توافر عنصر العلم بالمصدر الإجرامي للأموال غير المشروعة، أيّ العلم بانها مستمدة من جريمة على تباين في مواقفها إزاء هذا العنصر المهم وفقا لمبادئها الدستورية والمفاهيم الأساسية لنظمها القانونية، فبعض القوانين لا تعرف معيار الاثبات واجب التطبيق على عنصر العلم، وتذهب قوانين أخرىإلى اعتبار عنصر العلم متوافرا حكما إذا كانت لدى المتهم دوافع معقولة لكي تساوره الشكوك بشأن المنشا والمصدر غير المشروع للعائدات.

 

 بينما نواجه طائفة ثالثة من القوانين اشد صرامة، وهي التي تعد أن هناك ما يبرهن على توافر عنصر العلم، لدى ثبوت حالة الاهمال أو عدم احترام الالتزام المهني باليقظة. وقد لوحظ أن مفهوم عبء الاثبات بشأن ما يدعى شرعية مصدر الأموال، بموجب المادة (5/7) من إتفاقية فيينا، لم يجد طريقه إلى التطبيق في قوانين عديدة، ومن المأمول أن يلاقي ذلك المفهوم قبولاًُ اوفر، في المستقبل القريب.

 

لذلك سوف نقوم في هذا الفصل بالبحث حول البنيان القانوني لجريمة غسل الأموال بالنسبة للشخص الإعتباري (1)، والجزاءات المقررة للشخص الإعتباري في حال انتهاكه قانون رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة جرائم غسل الأموال (2).

 

 

 

 

 

المبحث الأول

البنيان القانوني لجرائم غسل الأموال

بالنسبة للشخص الإعتباري

 

لكل جريمة بنيان قانوني يتجاوز الفكر والمفاهيم القانونية التقليدية لاركان الجريمة، ليضم مختلف المكونات التي يتطلبها النص التجريمي لقيام هذه الجريمة قانونا. ولا يقتصر ذلك على ركنيها التقليديين (المادي والمعنوي) فحسب، بل يشمل أيّضا ما قد يستلزمه النص من شروط اولية أو اركان مفترضة، أو عناصر خاصة، يؤثر توافرها أو تخلفها، على الجريمة وجودا وعدما، كما قد يتصل بالبنيان القانوني للجريمة في بعض الظروف، التي يترتب عليها تغيير في قدر العقاب المستحق، ومن اجتماع هذه المكونات، يصبح السلوك المؤثم جريمة يستحق فاعلها – سواء كان طبيعيا أم معنويا – الجزاء المقرر في النص التجريمي.

 

وتتيح لنا فكرة البنيان القانوني بمفهومها المتقدم دراسة اوسع نطاقا لجريمة غسل الأموال الواردة في قانون رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال مع اهتمام اوسع لمسؤولية الأشخاص الإعتباريين عن ارتكاب هذه الجريمة، مقارنة بموقف إتفاقية فيينا والقانون الفرنسي على السواء فسوف نتطرق بالحديث إلى الركن المفترض الذي يتمثل بالجريمة الاولية (1)، ثم الركن المادي (2)، والركن المعنوي (3).

 

 

المطلب الأول

الركن المفترض (الجريمة الأولية)

 

جريمة غسل الأموال هي بطبيعتها جريمة تبعية، تقتضي – لاكتمال بنيانها القانوني – وقوع جريمة اخرى، سابقة عليها، وهي ما تعرف بالجريمة الاولية أو الجريمة الأصلية التي تحصلت عنها الأموال غير المشروعة. ومن المرجح أن غالبية هذه الأموال التي تحصلت تأتي من جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات، مقارنة بسواها من اشكال الجرائم الأخرىوصورها. وهو الامر الذي كان محلا للاعتبار في الوثائق الدولية الأساسية التي اتحدت رؤاها، بصدد خطورة الأموال ذات المصدر غير المشروع، وضرورة اتخاذ اكثر التدابير فعالية، لتعقب هذه الأموال، وضبطها وتجميدها أو التحفظ عليها، وصولا إلى مصادرتها في النهاية، على أن هذه الوثائق قد تفرقت بها السبل، في تحديد نطاق الجريمة الاولية التي تتحصل عنها الأموال محل التأثيم، فإتفاقية فيينا اقتصرت في تجريمها لافعال غسل الأموال على الأموال المستمدة من جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات دون سواها، وذلك بالنظر إلى حقيقة أن هذه الإتفاقية، معنية بهذه الجرائم فقط، وقد أثر واضعوها أن يكون تجريم غسل الأموال من الجرائم الاخرى، محلا لاهتمام إتفاقيات نوعية مغايرة، أو إتفاقيات دولية ذات نطاق اشمل واوسع، تعنى بتناول أنشطة غسل الأموال المتحصلة من الجريمة بوجه عام، أو أنشطة الجريمة المنظمة بوجه عام[89]، وهو الاتجاه الذي اخذت به إتفاقية ستراسبورج[90]؛ إذ عمدت إلى توسيع نطاق الجريمة الاولية، بحيث يضم جميع صور الجريمة واشكالها، أياً كانت طبيعتها[91]؟

 

هذا، وقد عمد المشرع الكويتي في القانون رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة جرائم غسل الأموال إلى تعريف غسل الأموال بقوله: "عمليات غسل الأموال هي عملية أو مجموعة من عمليات مالية، أو غير مالية، تهدف إلى اخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو عائدات أيّ جريمة واظهارها في صورة أموال أو عائدات متحصلة من مصدر مشروع..."[92].

 

وبذلك يكون المشرع الكويتي قد جرم وعاقب مختلف صور الأموال، المتحصلة من الجرائم أياً كانت طبيعتها، وهو ما يمثل إطاراً واسعا للتجريم والعقاب، يشمل كل شخص طبيعي أو معنوي، على خلاف قانون العقوبات الفرنسي الذي تنازعه اتجاهان اخذ بهما، وانطوى عليهما معا، فهو قد جرم وعاقب مختلف صور غسل الأموال المتحصلة عن الجنايات أو الجنح؛ أياً كانت طبيعتها[93]، بينما حرص في الوقت ذاته على تقرير صورة خاصة من هذه الجريمة، هي جريمة غسل الأموال المتحصلة من جرائم المخدرات على وجه التحديد[94].

 

 

المطلب الثاني

الركن المادي

 

يجب – لقيام المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري – أن يكون الفعل المرتكب مما يتصور نسبته إلى الشخص الإعتباري. فاذا كانت هذه الجريمة مما لا يجوز نسبتها اليه، ففي هذه الحالة لا يمكن مساءلته جنائيا عنها، حتى ولو كان مرتكبها احد اعضائه، وهذا يعني أن ثمة جرائم يمكن اسنادها إلى الشخص الإعتباري، كذلك توجد جرائم أخرىمما لا يمكن اسنادها اليه.

 

ويمكننا القول : أن جريمة غسل الأموال هي اقرب من أن تكون جرائم السلوك المجرد أو البحث، التي يفضل البعض تسميتها بجرائم النشاط المحض، حيث عمد المشرع – حال تحديده الواقعة محل التجريم، سواء في ظل إتفاقية فيينا، أو في ظل القانون الفرنسي أو القانون الكويتي – إلى تجريم السلوك الإجرامي فقط، وجعله مناطا للعقاب، سواء فيما يتعلق بتحويل الأموال غير المشروعة أو نقلها، أو إخفائها أو تمويه حقيقتها، أو اكتسابها أو حيازتها وأخيراً استخدامها، دون أن يشترط المشرع في أيّ من الأحوال تحقق نتيجة إجرامية بعينها، وذلك على خلاف جرائم السلوك والنتيجة أو جرائم النشاط والنتيجة التي يتطلب فيها تحقق نتيجة معينة لاكتمال الجريمة في ركنها المادي. وعلى صعيد آخر، افتقر قانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال إلى تعريف خاص للأموال، وهو الذي يعد وعاء جريمة غسل الأموال، أو المحل الذي يرد عليه السلوك المؤثم في هذه الجريمة هو العائدات أو المتحصلات الإجرامية، أيّ الأموال غير المشروعة المتأتية بطريق مباشر أو غير مباشر من احدى جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات، أو من احدى الجنايات أو الجنح بوجه عام، على النحو الوارد في كل من إتفاقة فيينا[95] والقانون الفرنسي[96].

 

ولا تقوم جريمة غسل الأموال، أو غيرها من الجرائم، دون سلوك مادي، ياتيه الشخص الإعتباري، في صورة افعال خارجية، يمكن استظهارها والوقوف عليها، ولا يعد ذلك تجسيدا لواقع النصوص العقابية فحسب، وهي النصوص التي لا تحفل الا بالافعال المادية، بل يعد أيّضا تطبيقا لمبدأ مادية الجريمة، الذي يتفرع بدوره عن المبدأ الاسمى في قانون الجزاء، وهو مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.

 

ويكمن جوهر غسل الأموال، بمفهومه الدقيق، في مختلف صور السلوك المادي، التي تهدف إلى اضفاء مظهر مشروع على الأموال ذات المصدر الإجرامي، وقد عينت إتفاقية فيينا بتجريمه، ونص عليه القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال وتتلخص أنواع السلوك المادي بالتالي في: تحويل ونقل الأموال (1)، اخفاء وتمويه حقيقة الأموال (2)، اكتساب أموال متحصلة من جريمة أو حيازتها أو استخدامها (3).

 

 

الفرع الأول

تحويل الأموال ونقلها

 

تحويل الأموال ونقلها في مقدمة صور السلوك المادي لغسل الأموال التي اوردها المشرع الكويتي، ويتحقق الركن المادي للجريمة، في هذه الحالة بمجرد اتيان أيّ سلوك أو نشاط يتعلق بتحويل أو نقل للأموال المتحصلة من جرائم الاتجار غير المروع بالمخدرات أو غيرها من الجرائم، دون اشتراط استخدام الأموال المحولة أو المنقولة، كلها أو بعضها، في تمويل هذه الجرائم أو تسهيل ارتكابها، وتحويل الأموال من الممكن أن يشمل التحويلات المصرفية (1) التحويلات غير المصرفية (2).

 

1.     التحويلات المصرفية :

المعنى الدقيق لهذه العملية، هو : قيام البنك أو المؤسسة المالية بنقل مبلغ نقدي معين، من حساب احد العملاء ( الآمر)، وقيده في حساب آخر، للعميل نفسه أو لعميل آخر (المستفيد). ويكون ذلك التحويل بناء على أمر العميل ( الآمر)، في صورة خطاب أو نموذج تحويل مصرفي يوقعه العميل، أو في شكل تلكس أو فاكس، إلى جانب بعض الصور المستحدثة للتحويلات المصرفية، وهي التحويلات الالكترونية للأموال التي تتم داخل البلدان وعبرها[97]، بسرعة فائقة وسرية تامة، مما يقلل إلى حد كبير من المخاطر التي يمكن أن تشير للمصدر الإجرامي للأموال المحولة، وتعد التحويلات الالكترونية احدى الطفرات التكنولوجية التي استفاد منها بدرجة كبيرة المتورطون في الاتجاه بالمخدرات وغاسلوا الأموال وأنشطة الجريمة المنظمة بوجه عام، حيث يقدر حجم الأموال التي تقوم المؤسسات المالية الدولية بتحويلها الكترونيا بمبلغ 5000 بليون دولاء يوميا، ومن المقدر أن تلك التحويلات تضم سنويا ما بين 100 بليون إلى 300 بليون من العائدات غير المشروعة[98].

 

وبهذه المنزلة فان التحويل المصرفي الية امنة لتسديد الديون أو نقل الحقوق، دون الحاجة إلى اللجوء للوفاء بالنقود، وما ينجم عن حملها من إخطار ومصاعب. ويوجد صور عديدة للتحويلات المصرفية والمالية:

 

·   التحويل المصرفي بين حسابين مستقلين في بنكين مختلفين، سواء كان الحسابان لشخص واحد، أم لشخصين مختلفين.

·   التحويل المصرفي داخل البنك نفسه لعميل واحد، ويفترض ذلك وجود حسابين للعميل بالبنك نفسه، احدهما على سبيل المثال يتعلق بنشاطه التجاري، والاخر خاص بنفقاته الشخصية، وقد يكون للعميل شركة تجارية لها عدة فروع، لكل منها حساب مستقبل في البنك نفسه، أو يكون له حسابان في فرعين للبنك ذاته.

·   التحويل المصرفي بين عميلين (الامر والمستفيد) داخل البنك نفسه، وتلك هي اكثر الصور شيوعا في الممارسات العملية.

·   تحويل النقود المتحصلة من الجريمة إلى أوراق تجارية وفائية، كالشيكات السياحية، أو الحوالات المصرفية أو خطابات الإعتماد.

·   ايداع شحنات كبيرة من النقود بصفة يومية، في عدد من الحسابات المصرفية، ثم تصرف على الفور باصدار شيكات واجبة الدفع إلى أشخاص حقيقيين أو وهميين، وتودع هذه الأموال في نهاية المطاف في حسابات محلية أخرىداخل نفس المصارف أو في غيرها، أو تحول برقيا إلى حسابات مصرفية خارجية خاصة في البلدان التي تضفي حماية قانونية صارمة على سرية الحسابات المصرفية، أو لا تستلزم الابلاغ عنها.

 

2.     التحويلات غير المصرفية:

وتشمل تلك التحويلات غير المصرفية :

·        استبدال الأوراق النقدية الصغيرة بارواق نقدية من فئات اكبر.

·   شراء اشياء قيمة واصول ملموسة، كالذهب والاحجار الكريمة والمعادن النفسية واللوحات الفنية باهظة الثمن، والسيارات الفخمة، والقصور والتحف الثمينة، وذلك مراحل أولى من مراحل غسل الأموال، وفي المرحلة الثانية يقوم غاسلو الأموال ببيع ما سبق لهم شراؤه مقابل الحصول على شيكات مصرفية بالقيمة، ثم يقومون بفتح حسابات لهم بقيمة هذه الشيكات لدى البنوك المسحوب عليها الشيكات، وفي المرحلة الثالثة يقوم اصحاب الشيكات بإجراء العديد من التحويلات المصرفية بواسطة البنوك المسحوب عليها الشيكات وفروعها ومراسليها، بحيث يصعب بعد ذلك تعرف المصدر الحقيقي لهذه الأموال[99].

 

3.     النقل المادي للأموال:

النقل المادي للأموال لا يشكل في حد ذاته غسلا للأموال، الا للمتاجرين بالمخدرات وغيرها من الجرائم،، فانهم يستعملون هذه الطريقة التقليدية في محاولاتهم  لغسل الأموال. ويعد تهرب العملات واحدا من اكثر الطرق شيوعا لنقل الأموال، نظراً لانه لا يترك أثرا مستنديا، وتهرب الأموال عبر الدول، بوسائل مماثلة لتلك المستخدمة في تهريب المخدرات ذاتها، وتعد السفن والطائرات التجارية والعامة، اكثر الوسائل استعمالا، كما تخفى الأموال داخل الحقائب والامتعة والشحنات والطرود المختلفة[100]. وعادة ما يتم استبدال العملات النقدية الصغيرة بعملات اكبر قيمة، لزيادة القدرة على نقل النقود، أو تحويلها إلى شيكات مصرفية شخصية للتخلص من المبالغ الكبيرة السائلة، ثم تهرب الصكوك النقدية إلى الخارج، لاستخدامها مرة أخرىفي تمويل جرائم المخدرات وغيرها من الجرائم ذات العوائد المالية، أو الانفاق على المجرمين وفي فتح حسابات بالبنوك والشركات الاجنبية، حيث يجري ادماج هذه الأموال في النظام المالي الدولي.

 

 

الفرع الثاني

اخفاء حقيقة الأموال أو تمويهها

 

نظراً للشكوك التي تثيرها عائدات جرائم المخدرات وغيرها، لدى اجهزة المكافحة، فان المتاجرين يسعون دائما إلى اضفاء الصبغة القانونية الشرعية على تلك العائدات من خلال تحريكها عبر قنوات شرعية، وبالصورة التي تؤدي إلى طمس واخفاء وتمويه للطبيعة الحقيقية لهذه الأموال أو مصدرها أو مكانها، أو طريقة التصرف فيها، أو مسارات حركتها، أو الحقوق المتعلقة بها أو بملكيتها.

 

وتشكل هذه الصورة لب عمليات غسل أموال المخدرات وجوهرها، لذا حرصت إتفاقية فيينا، على وجه الخصوص، على اعتبارها جريمة جنائية، تستوجب عقاب مرتكبها، إذا كان يعلم أن الأموال التي تنصب عليها هذه الافعال، هي أموال متأتية من احدى جرائم الاتجار غير المشروع للمخدرات، أو مستمدة من فعل من افعال الاشتراك في هذه الجرائم[101]. ويلجأ غاسلو الأموال إلى وسائل لا تقع تحت الحصر، ولا تحدها الا حدود المتاجرين بالمخدرات وغيرها وقدراتهم، ومعاونيهم ومستشاريهم على التخيل والابتكار، فضلا عن الطرق المصرفية التي اشير اليها آنفاً. يستخدم العديد من الاعمال التجارية والمالية، ومن اكثرها شيوعا في الوقت الحاضر، ما يلي:

·   شراء الاعمال المفلسة، مثل الفنادق والمطاعم وشركات الصرافة واعمال البيع بالتجزئة، وسرعان ما تبدو هذه المشروعات ناجحة للغاية، وتتضخم ايراداتها الاجمالية، نتيجة لاضافة الأموال المتأتية من المخدرات وغيرها من الجرائم إلى الايرادات الحقيقية التي تدرها.

 

·   استخدام الشركات الاجنبية الوهمية المستترة[102]، وغالبا ما يحوز غاسلو الأموال اكثر من شركة، في اكثر من بلد، خاصة في البلدان المتساهلة رقابيا، وذلك لتسهيل تناقل الأموال واخفاء مصادرها وتمويهها، من خلال حسابات هذه الشركات المتعددة وفروعها في الخارج.

 

·   قيام الشركات الوهمية أو المستترة وفروعها بالخارج بشراء السلع والخدمات أو بيعها، عن طريق اصدار فواتير مزورة، لعمليات بيع وشراء وهمية، ويكون اجمالي المبلغ المدفوع هو المبلغ المغسول، أو رفع قيمة السلع والخدمات الواردة في الفواتير، ويكون الفرق بين السعر الزائف المضخم والسعر الحقيقي، هو  المبلغ الذي تم غسله.

 

·   يتم اللجوء إلى ما يعرف بإتفاقيات الاقراض، وتكون عقب تهريب الأموال للخارج وايداعها في حسابات الشركة الاجنبية، وتصدر الشركات المستثمرة إتفاقيات اقراض تعيد بواسطتها هذه الأموال إلى اصحابها من المتاجرين بالمخدرات، ويشكل ذلك غطاءً مضمونا في أيّ تحقيقات محتملة من السلطات المختصة.

 

 

الفرع الثالث

اكتساب أموال متحصلة من جريمة

أو حيازتها أو استخدامها

 

يعد فعلا مؤثما قيام أيّ شخص طبيعي أو معنوي، بتلقي أيّة أموال من غاسلي الأموال، على سبيل التكسب والتربح، سواء كانت من قبيل الرشوة، أم مقابل عمل أم اداء خدمة، وسواء كانت هذه الأموال نقودا سائلة أم تحويلات مصرفية أم مقابلا عينيا، كما يعد فعلا مجرما أيّضا مجرد حيازة هذه الأموال، سواء كانت مملوكة للحائز أم مملوكة للغير على سبيل الامانة، أو مودعة في حساب وديعة أو حساب جاري، وكذلك استخدام هذه الأموال في أيّ غرض من الاغراض، سواء كان غرضا مشروعا أم غير مشروع، وذلك كله شريطة أن يعلم الجاني وقت تسلمه هذه الأموال أنها متحصلة من احدى الجرائم أو من احدى صور الركن المادي لجريمة غسل الأموال، أو مستمدة من فعل من افعال الاشتراك في هذه الجرائم بوجه عام.

 

والتجريم ينطبق على افعال الاكتساب أو الحيازة، ولو كانت أموالا مغسولة، تتمتع بالصف الشرعية، ما دام الجاني يعلم وقت استلام الأموال أنها في حقيقتها أموال غير نظيفة متحصلة من جرائم المخدرات أو غيرها من الجرائم ذات العائد المادي، ويشتمل التجريم في جميع الأحوال الأشخاص الطبيعيين، والأشخاص الإعتباريين.

المطلب الثالث

الركن المعنوي

 

لا يكفي لقيام جريمة غسل الأموال، أن ياتي الشخص الإعتباري اية صورة من صور السلوك المؤثم، التي يتحقق بها الركن المادي، انما يلزم توافر الركن المعنوي، الذي يتخذ في في هذه الجريمة صورة القصد الجنائي العمدي؛ فجريمة غسل الأموال هي جريمة عمدية بطبيعتها، قوامها إرادة السلوك أو النشاط المكون لركنها المادي، والعلم بجميع العناصر الجوهرية، التي تهب هذه الجريمة خصوصيتها القانونية، التي تتجسد بالأساس في ضرورة العلم بالمصدر الإجرامي للأموال غير المشروعة.

 

والقصد الجنائي هو قوام الركن المعنوي للجريمة العمدية، ويعني: انصراف إرادة الشخص الإعتباري إلى السلوك المجرم مع احاطة علمه بالعناصر الأخرىللجريمة، وبتعبير آخر، فإنه يلزم أن تتوافر لدى الشخص الإعتباري الإرادة التي اعتمدها القانون. وهذه الإرادة تكون مميزة ومختارة، لا يشوبها عارض من عوارض الوعي وحرية الاختيار، وان تتجه إرادة الشخص الإعتباري إلى اتيان احد الافعال المؤثمة، مع علمه بطبيعة النشاط أو السلوك الإجرامي الذي يقارفه.

 

ولا يكتفي المشرع عادة بالغاية أو الغرض الذي يرمي اليه الشخص الإعتباري إلى تحقيقه من وراء جريمته، مكتفيا بتواف عنصري الإرادة والعلم فحسب، وهو ما يعبر عنه بالقصد العام الذي يحيط باركان الجريمة. على أن المشرع يتطلب احيانا قصداً خاصاً، فيعد أن الغاية أو الغرض عنصر من عناصر القصد الجنائي، في بعض الجرائم، إذا رأى أن خطورة الفعل تتمثل في انصراف نية الجاني إلى تحقيق هذه الغاية أو ذلك الغرض، وليس في مجرد توجه ارادته إلى النتيجة غير المشروعة. ومن ثم فالقصد الجنائي الخاص يتضمن اتجاه الإرادة، واحاطة العلم بعنصر ابعد من اركان الجريمة، وهو الغاية من السلوك وعلى ذلك يمكن القول بأن القصد الخاص يتضمن في ثناياه القصد العام.

 

ويقود ما تقدم إلى التساؤل عن طبيعة القصد الجنائي، اللازم توافره لقيام جريمة غسل الأموال، وفق القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال، وهل يكفي القصد الجنائي العام إعمالاً للقواعد العامة، أم أن من المتعين توافر قصد خاص يتمثل في انصراف علم الجاني وارادته إلى تحقيق واقعة أو غاية أخرىغير مشروعة؟.

 

أن البين من النصوص التجريمية التي ساقها القانون، أنه يلزم ذلك القصد الخاص في جميع الصور التي اوردها القانون للسلوك الإجرامي في جريمة غسل الأموال، وهي : "نقل وتحويل أو حيازة أو احراز.."، حيث لم يكتف القانون بمجرد اتجاه إرادة الجاني إلى مباشرة النشاط الإجرامي، الذي يقوم به الركن المادي، مع علمه بذلك، بل استوجب فضلا عن ذلك أن يهدف الشخص الإعتباري من وراء نشاطه الإجرامي إلى تحقيق احد الغرضين غير المشروعين الاتيين، اولهما هو: اخفاء المصدر الإجرامي للأموال غير المشروعة أو تمويهه، وثانيهما هو: مساعدة أيّ شخص متورط في ارتكاب احدى جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو غيرها من الأنشطة غير المشروعة على الافلات من المساءلة القانونية، لذا يتعين لوقوع جريمة غسل الأموال أن تتوافر لدى الجاني اضافة للقصد الجنائي العام إرادة تحقيق احد الغرضين غير المشروعين السابق ذكرهما.

 

خلصنا فيما تقدم إلى أن جريمة غسل الأموال هي جريمة عمدية، ينطوي ركنها المعنوي على عنصرين أساسيين سوف نتناولهما بالتفصيل، وهما: اتجاه إرادة الجاني إلى اتيان النشاط أو السلوك المكون للركن المادي للجريمة(1)، والعلم الذي لا يخالطه شك بجميع  العناصر القانونية والواقعية للجريمة، ولا سيما العلم بحقيقة المصدر الإجرامي للأموال غير المشروعة وطبيعته (2).

 

 

الفرع الأول

إرادة النشاط المكون للركن المادي

 

غني عن البيان أن الإرادة الواعية الحرة هي قوام العنصر الأول من عنصري الركن المعنوي، المتعين توافره لقيام الجريمة قانونا، ومن ثم فان الركن المعنوي في جريمة غسل الأموال، أو غيرهما من الجرائم، ينتفي بانتفاء إرادة النشاط المكون للركن المادي في الجريمة، وسواء تمثل ذلك النشاط الإجرامي في فعل ايجابي أم في مجرد الامتناع. والشخص الإعتباري يتمتع بإرادة خاصة مستقلة عن إرادة كل عضو، فارادته هي اجماع اراء اعضائه، أو المساهمين فيه، ومظهرها الاوامر والتعليمات التي يقوم بتنفيذها القائمون بإدارة اعمال الشخص الإعتباري[103].

 

والقصد الجنائي للشخص الإعتباري مصدره الإرادة الجماعية للافراد الذين يعملون كجهاز للشخص الإعتباري، ولا يقدح في هذا النظر إلى أن الركن الذاتي الخاص بالأشخاص العاديين، يختلف في صورته وانعكاسه عن الصورة التي يبرزها فيها في حالة الشخص الطبيعي، ذلك أن الإرادة في حالة الشخص الإعتباري هي إرادة الجماعة أو المجموعة التي تمثل ارادته، والخلاف في مظهر الارادتين مرده إلى الطبيعة الخاصة والذاتية له بسبب ما ينفرد به من وجود اجتماعي وقانوني.

 

 

الفرع الثاني

العلم بالمصدر الإجرامي للأموال غير المشروعة

 

العلم المكون لاحد عناصر القصد الجنائي عامة هو العلم بالوقائع وليس العلم بالقانون[104]. ويشغل العلم بالمصدر غير المشروع للأموال موضعا متميزا بين مختلف العناصر القانونية والواقعية، التي يتعين أن يحيط بها علم الشخص الإعتباري بوصفها شرطا لازما لقيام ركن العمد في جريمة غسل الأموال. فيلزم أن يحيط علم الشخص الإعتباري في اثناء مباشرته للنشاط بكل الوقائع التي يترتب على توافرها قيام الجريمة. وترد هذه الوقائع اما إلى الشروط المفترضة (كتطلب صفة معينة في محل الجريمة، كصفة عدم المشروعية في الأموال محل جريمة غسيل الأموال)، وإما إلى عناصر الركن المادي التي تتمحور في الجرائم الشكلية أو جرائم النشاط المجرد في عناصر السلوك أو النشاط الإجرامي، أو إلى بعض ظروف الجريمة[105].

والعلم بالعناصر الواقعية اللازم توافرها، هو علم حقيقي، ينصرف إلى جميع عناصر الواقعة الإجرامية، كما يحددها النص الإجرامي، صراحة أو ضمنا، ومن ثم ينتفي القصد الإجرامي، إذا ثبت وقوع الجاني في جهل أو غلط في أيّ من العناصر الواقعية للجريمة، وهو أمر اتفق عليه، واستقر بشانه القضاء، سواء في الكويت أو في فرنسا.

 

وينطبق ما تقدم على جريمة غسل الأموال، فيلزم لقيام ركنها المعنوي، توافر العلم بجميع العناصر الواقعية الجوهرية في هذه الجريمة، وفقا للنص التجريمي الوارد في القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال، ولا سيما علم الشخص الإعتباري بحقيقة الطبيعة الإجرامية للمصدر الذي استمدت منه الأحوال محل الجريمة، أيّ بكون الأموال التي قام أو اشترك في تحويلها أو نقلها أو اخفائها أو تمويه حقيقتها، أو في اكتسابها أو حيازتها أو استخدامها، انما هي أموال متحصلة من احدى جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو غيرها من الأنشطة غير المشروعة.

 

وعلى العكس من ذلك، ينتفي ركن العمد، وتمتنع المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري، متى ثبت جهله بالمصدر الإجرامي لهذه الأموال، بأن اعتقد – بحسن نية – بمشروعية مصدرها، وكان اعتقاده هذا مبنيا على اسباب جدية ومعقولة.

 

والعبرة في توافر عنصر العلم أو انتفائه هي بلحظة البدء في النشاط الإجرامي، أيّ لحظة اكتساب الأموال غير المشروعة، أو حيازتها أو استخدامها، فاذا توافر عمل الفاعل بالمصدر الإجرامي لهذه الأموال في ذلك الوقت، اكتملت الجريمة، وعلى العكس من ذلك تنتفي الجريمة، إذا ما تخلف عنصر العلم، وكان الشخص حسن النية، جاهلا بالطبيعة الحقيقية لمصدر الأموال غير المشروعة، وقت تسلمه اياها، حتى ولو توافر علمه بذلك لاحقا في أيّ وقت آخر.

 

 

 

المبحث الثاني

الجزاءات التي تطبق على الشخص الإعتباري

عن جرائم غسل الأموال

 

 لا شك أن الشخص الإعتباري يمكن أن يتعرض للعقوبات نفسها التي يتعرض لها الشخص الطبيعي في القانون الجنائي، وذلك عن طريق التفرد العقابي الذي يقضي باتخاذ معاملة ملائمة بالنظر إلى شخص المحكوم عليه, ومن ثم، فان عقوبة الاعدام وعقوبة السجن المؤبد يمكن أن توقع على الشخص الإعتباري عن طريق توقيع عقوبات تؤدي كلاً من الغرض والهدف نفسه، ومن ذلك عقوبة الحل وعقوبة الاغلاق الكلي والجزئي، وهذه الصور من الاغلاق تحقق ما  يحققه السجن أو الحبس للشخص الطبيعي، اما الحل فيحقق ما يحققه الاعدام بالنسبة للشخص الطبيعي، ولا خلاف بشأن عقوبة الغرامة أو عقوبة المصادرة أو نشر حكم الادانة.

 

وقد عينت جميع الوثائق الدولية الأساسية والقوانين المقارنة الخاصة بمكافحة جريمة غسل الأموال باخضاع مرتكبي جريمة غسل الأموال، لطائفة متنوعة من الجزاءات العقابية، تتناسب وطبيعة مرتكبها، وقد جمعت بين العقوبات التقليدية – سواء كانت مقيدة للحرية أم ماسة بالذمة المالية – والتدابير الاحترازية – سواء كانت تدابير عينية أم شخصية – الامر الذي يتناسب وجسامة هذه الخطوة وخطورتها على المجتمعات[106]، كما يتفق مع الاتجاه الغالب في الفقه القانوني المعاصر، الذي يفضل انتهاج سياسات عقابية اكثر تشددا، إزاء غاسلي الأموال، وغيرهم من مرتكبي الجرائم ذات الدفع المالي، ونبذ المعاملة المتسمة بالرأفة والتسامح، التي حولت ترسانة القوانين المنظمة لمجال الاعمال الإقتصادية إلى مجرد حبر على ورق[107]. ومن ناحية أخرى حرصت الوثائق الدولية والتشريعات المعاصرة الفرنسية والكويتية على تقرير عدد من الجزاءات التي تتلاءم وطبيعة الشخص الإعتباري، سواء تلك الجزاءات الماسة بوجود ذلك الشخص أو بحياته ذاتها، أو الماسة بذمته المالية مباشرة، أو بنشاطه المهني أو الاقتصادي، أو كانت من الجزاءات التشهيرية الماسة بسمعته.

 

وفي ضوء ما تقدم، وتماشيا مع خطة البحث، سوف نتناول الجزاءات الجنائية التي يخضع لها مرتكبو غسل الأموال والمقررة للشخص الإعتباري في الوثائق الدولية والإتفاقيات الدولية (1)، ثم الجزاءات المقررة في القانون الفرنسي (2)، وأخيراً الجزاءات المقررة في القانون الكويتي (3).

 

 

المطلب الأول

الجزاءات المقررة دوليا

 

جريا على النهج الذي التزمناه آنفاً، فسوف نعرض في هذا السياق للجزءات المقررة لمرتكبي جريمة غسل الأموال من الأشخاص الإعتباريين، وذلك من منظور إتفاقية فيينا (1)، ثم الجزاءات المقررة في التشريع النموذجي للامم المتحدة (2).

 

 

الفرع الأول

الجزاءات المقررة في إتفاقية فيينا لسنة 1998

 

تضمنت إتفاقية فيينا سياسة جنائية واضحة نحو مكافحة غسل الأموال، حيث اوردت جريمة غسل الأموال ضمن اخطر جرائم الإتجار غير المشروع بالمخدرات بمفهومه الواسع، وافردت لها[108]. وحثت الدول الاطراف على تقرير جزاءات مشددة، تتناسب وجسامة هذه الجرائم وخطورتها، عندما نصت على أن: "على كل طرف أن يخضع ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة لجزاءات تراعى فيها جسامة هذه الجرائم[109]، كالسجن أو غيره من العقوبات السالبة للحرية والغرامة والمصادرة[110].

 

الفرع الثاني

الجزاءات المقررة في التشريع النموذجي

للامم المتحدة لسنة 1995

 

اشتمل التشريع النموذجي للامم المتحدة على عدد من الجزاءات الجنائية التي يمكن انزالها بالشخص الإعتباري الذي يتورط في ارتكاب هذه الجريمة أو يشارك في ارتكابها، وتتنوع هذه الجزاءات بين الغرامة، وبعض الجزاءات الأخرىالماسة بالنشاط المهني أو الاقتصادي للشخص الإعتباري، كالمنع من ممارسة النشاط المهني أو الاغلاق، ونشر الحكم الصادر ضده، حيث نص التشريع النموذجي على معاقبة الأشخاص الإعتباريين (باستثناء الدول) التي ترتكب جريمة غسل الأموال أو احدى الجرائم المرتبطة بها لحسابها أو لمصلحتها، من جانب احهزتها أو ممثليها، بغرامة تعادل قيمتها القصوى خمسة اضعاف المبلغ المحدد في المادة التي تنص على تلك الجريمة. كما تجيز المادة ذاتها الحكم على الشخص الإعتباري علاوة على عقوبة الغرامة، بثلاث عقوبات تكميلية أو باحداها، وهي:

 

·        المنع النهائي أو المؤقت من ممارسة نشاط مهني أو عدة أنشطة مهنية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

·        الاغلاق النهائي أو المؤقت للمؤسسة أو المنشأة، التي استخدمت في ارتكاب الجريمة.

·   نشر الحكم الصادر ضد الشخص الإعتباري في الصحف، أو باية وسيلة أخرىمن وسائل الاتصال السمعية أو البصرية[111].

 

إلى جانب ما تقدم، اجاز التشريع النموذجي، للهيئة أو السلطة التأديبية، أن تتدخل تلقائيا، لاتخاذ الإجراءات اللازمة، المنصوصع عليها في اللوائح المهنية أو الادارية، في حالة عدم مراعاة المؤسسات المالية الالتزامات التي يوجبها هذا التشريع، ولا سيما ما يتعلق بواجب الابلاغ عن الشبهات المتعلقة بغسل الأموال، أو عدم توخي اليقظة، أو وجود قصور في تنظيم إجراءات المراقبة الداخلية بهذه المؤسسات[112].

 

المطلب الثاني

الجزاءات المقررة في القانون الفرنسي

 

اشتمل قانون العقوبات الفرنسي على عدد من الجزاءت الجنائية، التي تتلاءم مع طبيعة الشخص الإعتباري[113]، والتي يمكن اخضاعه لها، في الجرائم والحالات المنصوص عليها في ذلك القانون. وقسمت العقوبات وفقا لطبيعة الحقوق الماسة بها إلى خمسة أنواع، تشمل:

 

·        العقوبات الماسة بوجود الشخص الإعتباري ذاته (عقوبة الحل).

·        العقوبات الماسة بذمة الشخص الإعتباري المالية (عقوبة الغرامة والمصادرة).,

·   العقوبات الماسة بحرية الشخص الإعتباري في التعامل (الوضع تحت الاشراف القضائي – الابعاد من السوق العام- المنع من اصدار الشيكات أو استعمال بطاقات الوفاء).

·        العقوبات الماسة بسمعة الشخص الإعتباري (نشر الاحكام).

المطلب الثالث

الجزاءات المقررة في القانون الكويتي

 

اشتمل القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال على عدد من الجزاءات الجنائية، التي تتلاءم وطبيعة الشخص الإعتباري، والتي يمكن اخضاعه لها، في الجرائم والحالات المنصوص عليها في القانون المذكور، واكتفى القانون بثلاثة أنواع من الجزاءات فقط على خلاف القانون الفرنسي الذي وسع من نطاق الجزاءات المقررة على الشخص الإعتباري كما سبق ذكره.

ويمكننا تقسيم هذه الجزاءات في القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال وفقا لطبيعة الحقوق الماسة بها إلى العقوبة الماسة بوجود الشخص الإعتباري ذاته (1)، والجزاءات الماسة بالذمة المالية مباشرة (2)، وأخيراً الجزاءات الماسة بسمعة الشخص الإعتباري (3).

 

الفرع الأول

العقوبة الماسة بوجود الشخص الإعتباري

(الغاء الترخيص)

 

يتمثل هذا الجزاء في حل الشخص الإعتباري، وما يتبعه من إجراءات متعلقة بتصفيته وانهائه من الحياة السياسية أو الإقتصادية أو الاجتماعية[114]، وعقوبة الحل هي من العقوبات الأصلية، تتمثل في الغاء الترخيص بمزاولة النشاط، وقد احاط المشرع الكويتي اعمالها بعدد من الضوابط التي ضيقت من نطاق التطبيق، تتلخص في قيام الشخص ابتداء بغرض ارتكاب وقائع إجرامية. ويعني تقرير الغاء الترخيص أن يكون الهدف الأساسي من انشاء الشخص الإعتباري هدفا غير مشروع، يتمثل في ارتكاب وقائع إجرامية، ولا يحول دون ذلك أن يكون ثمة هدف آخر مشروع، تابع للهدف الأساسي غير المشروع. ولعل ذلك يتجسد بوضوح فيما يعرف بشركات الغطاء أو الواجهة، التي تؤسس بصورة قانونية، وتشارك أو تتظاهر بالمشاركة، بشكل صوري، في بعض الأنشطة المالية أو التجارية المشروعة، بينما هي في حقيقة الامر وبالدرجة الاولى تغطية لعمليات غسل الأموال[115]. فالمشرع الكويتي قصر الغاء الترخيص وحل الشركة على كون الشركة قد انشئت بغرض ارتكاب احدى الجرائم المنصوص عليها في المادة الثانية من قانون مكافحة غسل الأموال[116]. ولم يتطرق المشرع الكويتي إلى حالة تحول الشخص الإعتباري عن هدفه المشروع إلى ارتكاب وقائع إجرامية، كما في حالة أن الشخص الإعتباري قد انشىء بداية بغرض تحقيق هدف مشروع، الا أنه تحول عن هذا الهدف فيما بعد إلى ممارسات غير مشروعة يجرمها قانون مكافحة غسل الأموال، مثلما هو الحال بالنسبة لبعض الشركات التي تحيد عن أهدافها المشروعة التي تأسست من أجل تحقيقها، لتتورط في ارتكاب عمليات غسل الأموال المتأتية من الاتجار غير المشروع بالمخدرات، أو غير ذلك من الأنشطة الإجرامية، على خلاف ما قرره المشرع الفرنسي في كلتا الحالتين، حيث استلزم أن تكون الجريمة التي يهدف الشخص الإعتباري إلى ارتكابها هي جناية أو جنحة، عقوبتها الحبس لمدة تتجاز خمس سنوات، مما يعني بمفهوم المخالفة استبعاد عقوبة الحل في القانون الفرنسي إذا كانت الجريمة المرتكبة عقوبتها لا تتجاوز خمس سنوات أو اقل[117].

الفرع الثاني

العقوبات الماسة بالذمة المالية

للشخص الإعتباري

 

نص المشرع الكويتي على نوعين من الجزاءات الجنائية التي تؤثر بصورة مباشرة في عناصر الذمة المالية للشخص الإعتباري، وهما : الغرامة (1)، والمصادرة (2)، ويهدفان إلى ايلام المحكوم عليه بانقاص ثروته المادية.

 

1.     الغرامة :

بشكل عام تتمثل الغرامة في الزام المحكوم عليه بأن يؤدي إلى خزانة الدولة المبلغ المقدر من الحكم، وتعد الغرامة عقوبة جنائة خالصة، سواء في مرحلة التهديد بها أو في مرحلة النطق بها، أو حال تنفيذها، ولذلك فهي تتميز عن غيرها من الجزاءات المالية الاخرى، فتسري عليها جميع احكام العقوبات الجنائية.

 

وتلعب الغرامة دورا بالغ الأهمية في ردع الجرائم التي تكون الرغبة في الكسب غير المشروع هي الدافع اليها، وعلى خلاف بقية الجزاءات فان جميع التشريعات المقارنة تحصر على اخضاع الشخص الإعتباري لهذه العقوبة، أياً كانت نظرته من المسؤولية الجنائية لهذا الشخص، بل أن التشريعات التي تأخذ بمبدا المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري، بوصف ذلك قاعدة عامة، تجعل من الغرامة هي الأساس الذي يرتكز عليه تطبيق مسؤولية الشخص الإعتباري جنائيا.

 

وقد قدر المشرع الكويتي الحد الاقصى للغرامة، التي يجوز ايقاعها بالشخص الإعتباري، بأن لا تتجاوز مليون دينار، على خلاف قيمة الغرامة المطبقة على الشخص الطبيعي، التي لا تقل عن نصف قيمة الأموال محل الجريمة، ولا تزيد على كامل قيمة هذه الأموال، ويبدو أن المشرع قد راعى في ذلك أن عقوبة الغرامة تطبق كأصل عام على الشخص الطبيعي، مقترنة بعقوبة أخرىسالبة للحرية، وهو ما لا يتسنى تطبيقه على الشخص الإعتباري، ومن ثم فان المساواة بينهما، تقتضي مضاعفة مبلغ الغرامة التي يحكم بها على هذا الاخير.

 

اما المشرع الفرنسي فقد نص على أن الحد الاقصى لعقوبة الغرامة التي تطبق على الشخص الإعتباري  تعادل خمسة اضعاف حدها الاقصى الذي ينص عليه القانون بالنسبة للشخص الطبيعي عن الجريمة ذاتها، وشدد العقوبة في حالة العود، فيصبح الحد الاقصى للغرامة التي توقع على الشخص الإعتباري عشرة اضعاف حدها الاقصى الذي ينص عليه القانون للشخص الطبيعي عن الجريمة ذاتها[118]. ويتضح من هذه النصوص أن مقدار عقوبة الغرامة المقررة بالنسبة للشخص الإعتباري مرتفع جدا مقارنة بمقدارها المفروض على الشخص الطبيعي. ويبدو أن المشرع  الفرنسي رأى أن تحديد مبلغ الغرامة على هذا النحو بالنسبة للأشخاص الإعتباريين من شانه تحقيق الردع العام[119]

2.     المصادرة:

تمثل مصادرة الأموال المستخدمة أو المتحصلة من جرائم غسل الأموال، احدى الادوات الفعالة التي تهدف إلى التصدي لهذه الجرائم، وتساهم في تعزيز قدرة العدالة الجنائية. كما تحقق الأثر الرادع في مواجهة مرتكبيها من الأشخاص الطبيعين والإعتباريين، فضلا عن أن المصاردة تشكل موردا مهما اضافيا لخزانة الدولة بوجه عام، ولأنشطة تنفيذ القوانين الرامية لمكافحة جرائم الإتجار بالمخدرات وغيرها من الجرائم وغسل الأموال الناجم عنها بوجه خاص.

 

والمصادرة هي نزع ملكية المال جبرا بغير مقابل، واضافته إلى ملك الدولة، ويجمع المصادرة والغرامة  انهما ينتميان إلى العقوبات المالية، وان المصادرة مثل الغرامة تجعل ملكية الشيء يؤول إلى الدولة، وما يميز المصادرة عن الغرامة وغيرها من العقوبات المالية، هو كونها عقوبة تؤدي عينا، أيّ بنقل ملكية اشياء بعينها إلى الدولة دون مقابل، فضلا عن أن الأصل في الغرامة أنها عقوبة أصلية، على حين لا تكون المصادرة الا عقوبة تكميلية ولا يمكن أن تجيء في صورة عقوبة أصلية ولا تبعية ابدا.

 

كذلك لا تختلط المصادرة بحسب تعريفها المتقدم – ويقال لها المصادرة الخاصة – بما يطلق عليها بالمصادرة العامة، التي تعني نزع ملكية أموال الشخص بصفة عامة، وهي نوع من المصادرة التي لا يقرها التشريع الجنائي الكويتي، وقد حظرها الدستور الكويتي بقوله " المصادرة العامة للأموال محظورة...."[120]وهو ما يتفق مع مبادئ السياسة الجنائية الحديثة، التي نبذت هذ العقوبة.

 

ومن استجلاء النصوص ذات الصلة في قانون مكافحة غسل الأموال يتبين أن المحل أو الموضوع الذي ينصب عليه جزاء المصادرة في جريمة غسل الأموال – سواء ارتكبها شخص طبيعي أو معنوي – تتمثل في العائدات الإجرامية المتحصلة من الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو غيره من الأنشطة غير المشروعة، التي وقع عليها أو كان من المفترض أن يقع عليها، احد افعال التحويل أو النقل أو الاخفاء أو التمويه، أو الاكتساب أو الحيازة أو الاستخدام من جانب غاسلي الأموال واعوانهم والمتواطئين معهم، كما تقع المصادرة على هذه العائدات الإجرامية، في اية صورة أخرىتتحول أو تتبدل اليها، خلال المراحل المختلفة لعملية غسل الأموال (الايداع – التمويه مادة- الاندماج).

 

ويلزم لايقاع جزاء المصادرة – بحسب الأصل العام – توافر شرط ارتكاب  السلوك الإجرامي، فلا محل للمصادرة ما لم ترتكب جريمة، وتوافر شرط سبق ضبط الشيء محل المصادرة، والضبط هو التحفظ على الشيء ووضعه تحت يد السلطات العامة، سواء تم ضبط الشيء بمعرفة تلك السلطات أو قدمه اليها احد الافراد، أو قدمه اليها المتهم من تلقاء نفسه، وهو إجراء بوليسي ذو طبيعة مؤقتة، من شانه تغيير الملكية لفترة محدودة، دون أن ينقلها إلى الدولة، ويعزى شرط الضبط "عينية المصادرة" بما تقتضيه من وضع الشيء محل المصادرة بعينه تحت بصر القضاء وبصيرته، دفعا لما قد يجد من صعاب في تعيينه وضبطه. ومن ثم فان اشتراط الضبط ياتي تمكينا للقضاء من معاينة الشيء والتحقق من توافر شرط المصادرة فيه، وضمانا لأن يصادف الحكم بالمصادرة محلا، ومن ثم، يكون ذلك الحكم قابلا للتنفيذن وينبني على ما تقدم، ووفقا للأصل العام، أن القضاء بمصادرة شيء لم يضبط  يكون قد وقع على خلاف القانون.  وفي ضوء ما تقدم فإنه من المتصور أن يشمل جزاء المصادرة في جريمة غسل الأموال التي نص عليها القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال، هي متحصلات الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو غيره من الأنشطة غير المشروعة، التي تم غسلها بالفعل، أو التي كان من المعتزم غسلها، وكذلك الأموال التي حولت أو بدلت اليها هذه المتحصلات.

 

ومن الممكن أن تقع المصادرة كذلك على مختلف الاشياء التي استخدمت، أو كانت معدة للاستخدام في ارتكاب جرائم غسل الأموال، ومن ذلك الحاسبات الالكترونية والنظم المعلوماتية بوجه عام، ووسائل الاتصال السلكية واللاسلكية، والسيارات وغيرها من وسائل النقل والموأصلات والاجهزة والادوات والمعدات الاخرى، وغير ذلك من المنقولات، اضافة إلى العقارات والمباني التي استخدمت بشكل أو باخر في عمليات نقل هذه الأموال وتحويلها واخفائها، أو تمويه حقيقتها، أو كانت معدة لاستخدامها في هذا الغرض، مع مراعاة عدم الاضرار في جميع الأحوال بحقوق الغير حسني النية.

 

الفرع الثالث

العقوبة الماسة بالسمعة (نشر الحكم)

 

نشر الحكم يعني اعلانه واذاعته، بحيث يصل إلى علم عدد كاف من الافراد، وهو ما يمثل تهديداً فعليا للشخص الإعتباري، ويمس مكانته، وثقة الجمهور فيه، الامر الذي يؤثر سلبا على نشاطه في المستقبل. وقد عنى القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال  بتحديد كيفية تنفيذ هذا الجزاء، وذلك بنشر الحكم بالجريدة الرسمية[121]، أو في صحيفة أو اكثر من الصحف اليومية المكتوبة، ويشمل النشر اما الحكم باكمله أو يقتصر على جزء منه، أو على منطوقه واسبابه. ولا يجوز أن يشتمل نشر الحكم على إسم المجني عليه الا بموافقته أو موافقة ممثله القانوني أو ورثته.

 

الفصل الثالث

القواعد الاجرائية الخاصة بمساءلة

الأشخاص الإعتباريين جزائيا

 

اكتسبت جرائم غسل الأموال طابعا دوليا وتقنيا مطردا، ساعد في اضفائه عليها ذلك التوسع الجغرافي لجرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات، وغيرها من الأنشطة غير المشروعة، والتقدم الملحوظ في وسائل النقل، وتقنيات المعلومات والاتصالات، وتخفيف اساليب الرقابة على الحدود، وعولمة الخدمات المالية والتوسع في إستخدام شبكة الانترنت مما اتاح تدفق كميات ضخمة من الأموال، غبر مختلف انحاء العالم، من خلال التحويلات النقدية والالكترونية فائقة السهولة والسرعة، في إطار قانوني ومالي عالمي، يتوافر فيه كل ما يصبو اليه غاسلو الأموال، من السرية المصرفية والمالية، والمرافق أو الملاذات المالية الامنة، ومناطق التجارة الحرة وشركات الاعمال الدولية، فضلا عن الامكانات والتيسيرات الاخرى، كالشركات الوهمية وموظفي البنوك المتواطئين والمتسشارين المحترفين.

 

وفي ضوء المعطيات سالفة الذكر، تتأكد دائما الحاجة إلى دور فعال لقواعد اجرائية جنائية في توفير الدعم التشريعي اللازم للجهود الرامية إلى زيادة فعالية إجراءات التحقيق، والملاحقة القانونية في صياغة تدابير وادوات جديدة ملائمة، لتمكين سلطات تنفيذ القانون من رصد التدفقات المالية غير المشروعة ومتابعتها، وعرقلة عمليات نقل عائدات الجريمة وتحويلها، داخل الحدود الدولية وعبرها، والتصدي لظاهرة غسل الأموال بوجه عام، ومواجهة المشكلات القانونية المستحدثة، التي تطرحها متطلبات مكافحة هذه الظاهرة بالقوة اللازمة، ولا سيما في مرحلة تعقب الأموال، وبما يتفق مع الضمانات الأساسية لحقوق الافراد وحرياتهم المنصوص عليها في الدساتير الوطنية والمواثيق الدولية الملزمة.

 

القواعد العامة هي أن الإجراءات الجنائية الناشئة عن الجريمة تكون متماثلة، سواء كان الجاني شخصا طبيعيا أم شخصا معنويا[122]. ومع ذلك، فلا شك أن إقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين يقتضي ضرورة وضع بضع الأحكام الاجرائية الخاصة التي تتلاءم وهذا النوع من المجرمين[123]. ويعد التشريع الفرنسي من ابرز القوانين التي تعرضت لهذا الموضوع، وذلك بالقانون الصادر في 16 ديسمبر 1992، الذي حقق التوافق بين احكام قانون الإجراءات الجنائية مع نصوص قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1994[124].

وسوف نتطرق في هذا الفصل لمجموعة من الإجراءات الجزائية، المرتبطة بالشخص الإعتباري كواجب الابلاغ والالتزامات المرتبطة به (1)، والإجراءات التحفظية الصادرة من النائب العام (2)، وإجراءات تمثيل الشخص الإعتباري (3)، وأخيراً التعاون الدولي بشأن ملاحقة ممتلكات الشخص الإعتباري وتعقبها (4).

 

 

المبحث الأول

الابلاغ

 

يمثل واجب الابلاغ عن الأموال والعمليات المشبوهة محلا لاهتمام العديد من الوثائق الدولية والقوانين الوطنية، سواء فيما يتعلق بالجهات التي يقع عليها عبء الابلاغ والالتزامات التبعية المرتبطة بواجب الابلاغ (1)، أو الآثار القانونية المترتبة على ذلك الابلاغ (2).

 

 

 

 

 

المطلب الأول

الجهات المختصة بالابلاغ

 

من أجل الكشف عن جرائم غسل الأموال، المتأتية أو المستخدمة في جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات وغيرها من الجرائم غير المشروعة وتأكيدا للشفافية التي يتعين أن تتسم بها العمليات المالية، التي تجري من خلال قنوات وادوات النظام، فقد برز اتجاه مطرد نحو توسيع قاعدة الأشخاص الطبيعيين والإعتباريين المخاطبين بواجب الابلاغ عن الأموال والعمليات المالية، التي تزيد قيمتها عن مبلغ معين، أو التي تثور الشكوك والشبهات حول صلتها بأنشطة غسل الأموال، فلا يقع هذا لالتزام على المصارف وحدها فحسب، بل يقع أيّضا على جميع المؤسسات المالية غير المصرفية.

 

وقد بادرت فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF) إلى تبني هذا الاتجاه في توصياتها التي نوهت بانه يتعين على السلطات الوطنية المختصة، أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بتطبيق هذا الالتزام على اوسع نطاق، وان تقوم مجموعة عمل بدراسة امكانية اعداد قائمة بالحد الادنى من المؤسسات المالية غير المصرفية المتعارف عليها، التي تتعامل في المسائل المالية الواردة في التوصيات.

 

وفي الاطار ذاته اوجب القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال  على الأشخاص الطبعيين والإعتباريين العاملين في مجال تلقي الأموال أو نقلها أو تحويلها، الابلاغ عن اية أموال أو عمليات مالية يشتبه في كونها متأتية أو مستخدمة أو متحصلة من جرائم الايجار غير المشروع للمخدرات أو غيرها من الجرائم غير المشروعة. ويسري الالتزام بالابلاغ في مواجهة طائفة واسعة من الأشخاص الطبيعيين أو الإعتباريين الذين شملهم القانون المذكور.

 

وقد احاط القانون رقم 35 لسنة 2002 بالعديد من الجوانب المتعلقة بالإبلاغ؛ إذ حرص- بداية – على تحديد الأشخاص الملزمين بهذا الابلاغ، ثم بين مضمون ذلك الابلاغ والحالات التي يتطلب فيها، موجبا على جميع البنوك وشركات الاستثمار وشركات الصرافة وشركات التأمين وغيرها من المؤسسات المالية والذين يضطلعون في ادائهم لمهنهم بتنفيذ العمليات المالية، أو الرقابة عليها، أو تقديم المشورة بشأنها، التزام ابلاغ السلطات المختصة عن الأموال الثابتة في السجلات أو العمليات المالية التي يتوافر العلم بكونها متحصلة أو يبدو بالنظر لحجمها أو طبيعتها أنها متحصلة عن احدى جرائم الاتجار غير المشرع بالمخدرات أو غسل الأموال المتحصلة منها.

 

ولم يحدد القانون المذكور المعايير التي يجب على أساسها تقدير طبيعة الشبهات التي تكتنف عملية ما، فالشبهة في معظم الاحيان ليست سوى شعور نفسي، وتحديد تلك المعايير هو أمر يعود الى المؤسسة المالية واصحاب المهن ذات الصلة، على أساس من الخبرة والتجربة.

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني

الآثار القانونية للابلاغ

 

والأصل أن افشاء المعلومات، وابلاغ السلطات المعنية بالأموال والعمليات المشار اليها آنفاً، يمثل اخلالا بالتزام السر المهني أو السر المصرفي- بحسب الأحوال- كما أنه يشكل خروجا على واجب اسداء النصيحة للعملاء الواقع على كاهل المؤسسات المالية المعنية، والأشخاص الطبيعيين والإعتباريين، بخاصة أن هذه المؤسات وهؤلاء الأشخاص معرضون لعقوبات جزائية، إذا ما كشفوا لعملائهم عن ذلك الابلاغ.

 

واستثناء من هذا الأصل، وتشجيعا على الوفاء بالتزام الابلاغ، قضى القانون رقم 35 لسنة 2002 بانه لا يجوز اقامة الدعوى الجنائية، بتهمة انتهاك سر المهنة، على أيّ شخص طبيعي أو معنوي في الهيئات أو المؤسسات من هذا القانون، يكون قد قام بحسن نية بالابلاغ عن الأموال أو العمليات المشبوهة، كما لا يجوز اقامة دعوى مسؤولية مدنية، أو تطبيق جزاءات مهنية، وتأديبية، على هذه المؤسسات أو الأشخاص الذين قاموا بحسن نية بتقديم البلاغ المنصوص عليه، حتى لو ثبت في وقت لاحق أن هذا البلاغ لا يستند الى أيّ أساس من الصحة[125].

 

وسواء كان نظام الابلاغ طواعية أو الزاما، فان التقاعس عن الابلاغ عن الأموال والمعاملات المالية المشبوهة، يؤدي إلى قيام المسؤولية الجنائية في مواجهة الشخص الإعتباري ومسؤوليه والعاملين فيه.

 

المبحث الثالث

الجهات المختصة بتلقي البلاغات

 

في إطار الإجراءات الرامية لتعزيز دور النظام المالي في مجال كشف جرائم غسل الأموال، أناط القانون رقم 35 لسنة 2002 بالنيابة العامة سلطة التلقي والفحص لبلاغات الأشخاص الطبيعيين والإعتباريين بصدد الأموال والعمليات المالية التي يتضح أو يشتبه في اتصالها بأنشطة غسل الأموال المتحصلة من جرائم الاتجار غير المشروع وغيرها من الجرائم، وكلف القانون المذكور النائب العام سلطة تحديد النيابة العامة المختصة بذلك[126].

 

بذلك يكون القانون المذكور قد قصر سلطة تلقي البلاغات بشأن جرائم غسل الأموال على الجهات القضائية، واسند مهمة التحقيق والتصرف والادعاء في الجنايات إلى النيابة العامة[127]، على خلاف ما يجري عليه العمل في فرنسا التي أناطت مهمة تلقي البلاغات وفحصها إلى جهة تدعى باسم "TRACFIN" [128] انشئت عام 1990 وتخضع لسلطة وزير الاقتصاد والمالية وتتولى هذه الجهة بدورها إخطار السلطات القضائية بعد ذلك بجميع المعلومات التي يتوصل اليها بشأن الأموال أو العمليات المالية، التي يحتمل أن تكون متحصلة عن تجارة المخدرات أو أنشطة إجرامية اخرى.

وقد اتفق توجه المشرع الفرنسي مع المشرع المصري الذي أناط مهمة تلقي البلاغات بوحدة مختصة تدعى "وحدة مكافحة غسل الأموال " تابعة للبنك المركزي المصري، وتتولى أيّضا اعمال التحري والفحص عما يرد من معلومات في البلاغات، وتقوم الوحدة بدورها بإبلاغ النيابة العامة عما يسفر عنه التحري من قيام دلائل على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون[129].

 

 

المبحث الثاني

الإجراءات التحفظية أو الاحترازية في

مواجهة الشخص الإعتباري

 

لعل الطابع الخاص لجرائم غسل الأموال يقود بالضرورة إلى تاكيد دور قانون الإجراءات الجزائية في إعتماد وتوفير ادوات وتدابير قانونية، ذات طبيعة تحفظية ومؤقتة، تتيح للسلطات العامة المختصة المبادرة بوضع يدها في سرعة ومرونة على الأموال المستخدمة أو المتحصلة من جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات وغسل الأموال والتحفظ عليها بمجرد الشروع في الملاحقة القضائية ودون انتظار لصدور ادانة جنائية في هذه الجرائم، بما يتيح فرصا اكبر لاحباط المحاولات الرامية لتجنب إجراءات مصادرة هذه الأموال، مع مراعاة حقوق الغير حسن النية، ومختلف المبادئ الأساسية الأخرىالمتبعة في النظام القانوني للدولة. كما عنيت جميع الوثائق الدولية الأساسية ذات الصلة، بالنص على عدد من التدابير والإجراءات التحفظية ذات الطبيعة المؤقتة التي يكفل تيسير وضمان مصادرة الأموال المستخدمة أو المتحصلة من جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات وغسل الأموال.

 

وقد عَرَّفَ القانون الكويتي أحوالا عدة، اجاز فيها المشرع التحفظ في الأموال، من خلال منع الشخص من التصرف في أمواله أو ادارتها، أو فرض الحراسة عليها، وهو ما يمكن أن يشمل الأموال المتحصلة من جرائم الاتجار غير المشروع للمخدرات، وغيرها من الأموال المملوكة أو الخاضعة للسيطرة الفعلية للأشخاص المتورطين، (طبيعيين أو معنويين) في هذه الجرائم، كما يمكن أن تمتد مثل هذه الإجراءات التحفظية لتشمل الأموال المستخدمة أو المتحصلة من جرائم غسل الأموال في القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال بما يكفل تيسير مصادرة هذه الأموال وضمان هذه المصادرة، على هذه المفاهيم والضوابط التي ارستها الوثائق الدولية الأساسية، وبما يحقق التوازن بين خطورة هذا الإجراء، أيّ التحفظ على الأموال، الذي يستهدف مصلحة المجتمع، وبين صون الملكية الخاصة، وعدم المساس بها، الا على سبيل الاستثناء، بما يتوافق مع المبادئ الدستورية والمفاهيم الأساسية للنظام القانون الكويتي.

 

ولهذا سوف نتطرق هنا إلى الحديث عن سلطة النائب العام الواردة في القانون رقم 35 لسنة 2002 بمنع الشخص الإعتباري من التصرف والإرادة (1)، وأخيراً الآثار القانونية المترتبة على هذا المنع من التصرف والإرادة (2).

 

المطلب الأول

المنع من التصرف في الأموال أو ادارتها

 

اجاز القانون المذكور للنائب العام إذا قامت من التحقيق دلائل كافية على جدية الاتهام، في الجرائم المنصوص عليها في القانون، أن يأمر بمنع المتهم من التصرف في أمواله أو ادارتها إلى حين الفصل في الدعوى الجزائية[130].  وقد اراد المشرع بهذه الإجراءات التحفظ على أموال الشخص الإعتباري المتهم، حتى يمكن أن تنفذ فيه العقوبات المالية المحكوم بها في تلك الجرائم، وتناولت المادة ذاتها قواعد التظلم امام المحكمة الجنائية المختصة من أمر المنع من التصرف أو الإدارة، أو من إجراءات تنفيذه، فضلا عن أحوال انتهائه.

 

ومن الشروط الواجب توافرها في أمر المنع من التصرف والإدارة في الأموال، صدور هذا الامر من النائب العام بوصفه إجراء من الإجراءات الاحتياطية ضد المتهم، استنادا إلى ما تملكه النيابة العامة من سلطة تحقيق وادعاء وتصرف بموجب قانون الإجراءات الجزائية[131]. ومن ناحية أخرىيتطلب لاصدار أمر المنع توافر دلائل كافية على جدية الاتهام، أيّ توافر وقائع محددة ظاهرة وملموسة، مستفادة من ظاهر الحال، دون ضرورة التعمق في تمحيصها، وتقليب وجوه الرأي فيها، ويستخلص منها أن الشخص الإعتباري هو مرتكب الجريمة بوصفه فاعلا أو شريكا، فاذا كانت الدلائل ضعيفة يأبى العقل معها أو يتحرج من نسبة الجريمة إلى هذا الشخص، فانها لا تصلح أساسا لاصدار أمر بمنع الشخص الإعتباري من التصرف في أمواله أو ادارتها والا كان الإجراء تعسفيا باطلا. على أنه لا يشترط أن يثبت فيما بعد، صدق دلالتها على ارتكاب المتهم للجريمة، متى كان لها ما يسوغها لدى الجهة مصدرة القرار، وكانت قد قدرت توافرها. ذلك أنه لا يشترط أن يثبت في الواقع صحة هذا التقدير، فالاعمال الاجرائية انما تجري على حكم الظاهر، ولا تبطل نزولا على ما قد يتكشف من أمر الواقع[132].

 

المطلب الثاني

الآثار القانونية المترتبة على أمر المنع

من التصرف أو الإدارة

 

الرأي السائد في الفقه أن الامر الصادر من النائب العام بالمنع من التصرف في الأموال أو ادارتها، هو مجرد تدبير وقتي وعارض، وإجراء من إجراءات التحقيق، يقصد به صون الأموال المتحفظ عليها تجنبا لوقوع ضرر لا يمكن ازالته يتمثل في مظنة تهريب الأموال، أو العبث بها، وضمانا لتنفيذ ما عسى أن يقضي به من غرامة أو رد أو تعويض، وان ذلك لا يتضمن أيّ مساس بحق الملكية، تحت أيّ وصف من الاوصاف، فلا يعد من قبيل فرض الحراسة، أو المصادرة، أو التأميم أو نزع الملكية للمنفعة العامة. وتجدر الاشارة إلى أن أمر المنع من التصرف والإدارة لا يؤدي إلى بطلان التصرف الصادر من المتهم (الشخص الإعتباري) بالمخالفة لهذا الامر ولكنه يؤدي فحسب إلى مجرد عدم نفاذ التصرف في مواجهة الغير. وقد اوضح القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال, أن الرخصة المخولة للنائب العام، ليست محصنة ضد التظلم، فقد اباح المشرع للمتهم – سواء كان طبيعيا أم معنويا، ولكل ذي شأن- أن يتظلم من قرار النائب العام الصادر بناء على القانون سالف البيان، امام المحكمة المختصة، المنظور امامها الدعوى بعد مضي ثلاثة اشهر من تاريخ صدور هذا الامر، سواء كانت المحكمة جنائية أم مدنية، طبقا لاختصاص كل منهما، كما اضاف القانون سالف البيان أنه من البديهي أن يكون للجهة المتظلم اليها سلطة الغاء قرار النائب العام بهذا الشأن أو تعديله، كما أن قرارها الذي تصدره في هذا الشأن لا يمنعها من اعادة النظر في التظلم بعد مضي ستة اشهر من تاريخ الفصل في التظلم إذا تغيرت الظروف، بل أن المشرع قد اعطى للنائب العام الحق في الغاء الامر الذي اصدره أو تعديله، سواء كان قد رفع عنه التظلم أم لم يرفع، واياً كانت نتيجة الفصل في التظلم وذلك وفقا لمقتضيات التحقيق.

 

 

المبحث الثالث

تمثيل الشخص الإعتباري خلال

الإجراءات الجنائية

 

إذا كانت المسؤولية الجنائية – كما تقدم – هي صلاحية شخص معين لتحمل الجزاء الجنائي المنصوص عليه في القانون، فان ثمة قاعدة أخرىترتبط بالجزاء الجنائي، وهي أنه لا جزاء بلا حكم قضائي صادر من محكمة مختصة وهذا ما أكده قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية بقوله : "لا يجوز توقيع عقوبة جزائية الا بعد محاكمة تجري وفقا للقواعد والإجراءات التي يقررها القانون"[133].

 

فكيف تتم محاكمة الشخص الإعتباري عن الجرائم التي يرتكبها بالشروط التي حددها قانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال؟ أو بمعنى آخر من الذي يمثل الشخص الإعتباري امام القضاء الجنائي؟..

 

الأصل العام هو أن يقوم الممثل القانوني (1) أو الإتفاقي (2) بتمثيل الشخص الإعتباري امام جهات التحقيق والمحاكمة، لكن يجب الاشارة إلى بعض الحالات الخاصة التي يمثل فيها الشخص الإعتباري بوساطة ممثل أو وكيل قضائي[134] من جانب السلطة المختصة، في حالة عدم وجود شخص مؤهل لتمثيل الشخص الإعتباري، أو عندما يكون الممثل القانوني ذاته ملاحقا في الدعوى نفسها.

 

 

 

 

 

 

المطلب الأول

الممثل القانوني

 

نص القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال, على أن تتم مباشرة الدعوى الجزائية ضد الشخص الإعتباري في مواجهة ممثله القانوني وقت اتخاذ الإجراءات[135]، وهذا الاخير يقوم بتمثيل الشخص الإعتباري في جميع إجراءات الدعوى الجزائية.

 

كما يتبين من مطالعة النص المذكور أن صفة الممثل القانوني للشخص الإعتباري تتحدد بوقت اتخاذ إجراءات الدعوى الجنائية المقامة ضد الشخص الإعتباري، وليس من تاريخ ارتكاب الجريمة[136]. وهو التوجه ذاته الذي سلكه قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي، مضيفا أنه في حالة تغيير الممثل القانوني في اثناء سير الإجراءات، يجب على الممثل القانوني الجديد للشخص الإعتباري أن يخطر المحكمة المختصة بإسمه ووضعه القانوني، بخطاب مسجل بعلم الوصول والتسلم[137].

 

 

المطلب الثاني

الممثل الإتفاقي

 

اجاز النص السابق نفسه في القانون رقم (35) لسنة 2002 بشأن عمليات غسل الأموال أن يمثل الشخص الإعتباري امام جهات التحقيق والمحاكمة بوساطة ممثل إتفاقي. حيث نص القانون المذكور على أنه يجوز للشركة أن يمثلها أيّ شخص لديه تفويض بهذا الامر وفقا للقانون أو النظام الأساسي للشركة[138]، وجاء متوافقا مع ما جاء في قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي. ويترتب على عموم هذا النص، أن الممثل الإتفاقي الذي يمثل الشخص الإعتباري امام جهات التحقيق والقضاء يمكن أن يكون عضوا من اعضاء الشخص الإعتباري أو من غيره.

 

 

المطلب الثالث

الممثل أو الوكيل القضائي

 

من الواضح أن القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال  في تقريره لما تقدم، قد تأثر إلى حد كبير باتجاه المشرع الفرنسي في الشأن ذاته، الذي اوجب تعيين وكيل قضائي لتمثيل الشخص الإعتباري، إذا تبين عدم وجود ممثل قانوني أو إتفاقي له.أو إذا قامت شبهة تعارض بين مصلحة الشخص الإعتباري، ومصلحة الشخص الطبيعي الذي يمثله، كما لو كانت الإجراءات الجزائية موجهة إلى شخص الممثل القانوني أو الإتفاقي، عن الوقائع ذاتها أو وقائع أخرىمرتبطة بها، وهذا ما يتعارض مع سير العدالة الجنائية، لانه من المتصور جدا أن يكون هناك تناقض بين مصالح الشخص الإعتباري والشخص الطبيعيي، مثلما يتصور أن يكون هناك إتفاق بينهما ولهذا يجب اللجوء إلى حل أو طريق آخر يرفع به هذا التناقض ويمكن استبعاد هذا الشخص الطبيعي (الممثل القانوني)، ويعين وكيل قضائي عوضا عنه[139].

 

وفي جميع الأحوال المذكورة، لا يجوز – عندما تتخذ إجراءات الدعوى الجنائية تجاه ممثل الشخص الإعتباري بصفته، وليس كمسؤول عن الجريمة المنسوبة إلى الشخص الإعتباري – أن يتعرض هذا الممثل لاي إجراء ينطوي على اكراه، غير تلك الإجراءات التي تتخذ ضد الشاهد[140]، ومن ثم لا يجوز القبض عليه أو حبسه احتياطيا أو اخضاعه للرقابة القضائية.

 

والإجراء الوحيد الذي ينطوي على القهر، والذي يمكن أن تتخذه المحكمة تجاه ممثل الشخص الإعتباري هو اجباره على الحضور بواسطة رجال الضابطة القضائية، إذا رفض الحضور طوعا، غير أن الشخص الإعتباري ذاته يمكن اخضاعه للرقابة القضائية[141].

 

 

اما إذا حركت الدعوى الجزائية ضد ممثل الشخص الإعتباري، باعتباره مسؤولا شخصيا كفاعل أو شريك في الجريمة المرتكبة، إلى جانب الشخص الإعتباري ذاته. فهنا لا يكون له الحق في تمثيل الشخص الإعتباري امام جهات التحقيق أو المحاكمة، ويجوز أن تتخذ في مواجهته إجراءات التحقيق التي تنطوي على قهر واكراه، مثل القبض، والحبس الاحتياطي أو وضعه تحت الرقابة القضائية[142].

 

 

المبحث الرابع

التعاون الدولي في ملاحقة ممتلكات

الشخص الإعتباري

 

اضحى التعاون القانوني والقضائي بين الدول يمثل احدى الضرورات اللازمة لمواجهة هذه الأنشطة الإجرامية المستحدثة، على نحو يتكامل مع دور القوانين الوطنية. ولم يعد ينظر إلى ذلك التعاون على أنه يخلق سيادة فوق الدول بقدر ما اصبح يعني التعاون بين سيادات دول مختلفة ترمي جمعيها إلى تشديد حلقات مكافحة الجريمة وتفعيلها بوجه عام، والجريمة عبر الوطنية بوجه خاص[143].

 

وينطبق المفهوم المتقدم للتعاون الدولي، على ظاهرة غسل الأموال التي اكتسبت خلال العقدين الاخيرين من القرن العشرين قدرا كبيرا من الأهمية والخطورة، أثر اقترانها بظاهرتين معاصرتين اخريين، اولهما ظاهرة "التقدم التقني" وما احدتثه من ثورة واسعة النطاق، في مجالات الانتقال والاتصال ونظم المعلومات، وثانيهما ظاهرة "العولمة"، ولا سيما في جانبهما المتعلق بعولمة النظم المصرفية والخدمات المالية، وما افرزته من امكانات وتسهيلات غير مسبوقة في هذين المجالين على وجه التحديد[144]. وسوف نعرض في هذا المبحث وسائل التعاون الدولي ونظمه التي اشار اليها القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال, والتي اثبتت نجاحا كبيرا في مجال المكافحة الدولية لجرائم غسل الأموال، المساعدة القانونية المتبادلة (1) ، وتنفيذ الاحكام الاجنبية (2).

 

 

المطلب الأول

المساعدة القانونية المتبادلة (التعقب والملاحقة)

 

ادركت دول العالم، منذ سنوات عديدة، الطبيعة الدولية لجرائم غسل الأموال، وان احد العوامل المهمة لاستمرار المنظمات القائمة على هذه الأنشطة الإجرامية وازدهارها، هو قدرتها على الاحتفاظ بمكاسبها وعائداتها في الخارج، ولا سيما في بلدان الملاذات المالية الامنة، بعيدا عن متناول سلطات المكافحة واجهزة تنفيذ القانون، الامر الذي يعرقل القيام بالتحريات والتحقيقات في جرائم غسل الأموال، وجمع الادلة اللازمة لادانة مرتكبيها امام القضاء، فضلا عن الصعوبات التي تواجه محاولات تعقب العائدات الإجرامية بالخارج وضبطها.

 

وتشكل المساعدة القانونية المتبادلة احدى الوسائل المهمة والفعالة، التي استخدمها المشرع الكويتي في تعزيز التعاون القانوني والقضائي، مع مختلف البلدان المعنية بمكافحة الجريمة، وبمكافحة جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات، وتعقب الأموال المستخدمة في ارتكاب هذه الجرائم أو المتحصلة عنها بوجه خاص، ومن ثم ضبطها.

 

فدولة الكويت اتجهت إلى التوسع في إبرام الإتفاقيات القضائية الثنائية، التي تهدف إلى تيسير سبل المساعدة القانونية المتبادلة، وغيرها من صور التعاون القانوني والقضائي في المسائل الجنائية، فضلا عن الانضمام إلى الإتفاقيات متعددة الاطراف، العالمية والاقليمية المعنية بهذا التعاون[145].

 

ولم يقتصر العديد من الإتفاقيات الثنائية ومتعددة الاطراف، التي عقدتها دولة الكويت أو انضمت اليها، على صورة واحدة فحسب من صور التعاون مع الدول الأخرىفي المسائل الجنائية، بل جمعت هذه الإتفاقيات في الاغلب الاعم بين صور ووسائل متعددة لذلك التعاون (مساعدة قانونية في مجال تبادل المعلومات والوثائق والادلة – انابات قضائية – تنفيذ الاحكام – تسليم مجرمين – نقل محكوم عليهم...). وبمقتضى القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال  جاز للنيابة العامة في الكويتي بناء على طلب من السلطة القضائية المختصة في دولة أخرىتربطها إتفاقية تعاون قانوني وقضائي في هذا الشأن، أو طبقا لمبدأ المعاملة بالمثل أن تأمر بتعقب أو حجز الممتلكات أو العائدات أو الوسائط المرتبطة بجريمة منصوص عليها في القانون المذكور، ارتكبت بواسطة شخص طبيعي أو معنوي في تلك الدولة[146].

 

 

المطلب الثاني

تنفيذ الاحكام الاجنبية

 

ظلت فكرة تلازم السيادتين التشريعية والقضائية في المجال الجنائي، تمثل احدى المسلمات المستقرة في الوجدان القانوني لسنوات طويلة، وفي كثير من دول العالم، وهو الامر الذي ترتب عليه انكار اية قوة تنفيذية للاحكام الجنائية الصادرة عن قضاء دولة ما، على اقليم دولة اخرى[147].

 

على أن هذه الفكرة بشقيها التشريعي والقضائي، قد لحقها من التغيير والتبديل، ما لحق بالكثير من جوانب الحياة الانسانية المعاصرة، بفعل ثورة الموأصلات والاتصالات من ناحية، واستجابة لمقتضيات التعاون بين دول العالم في مجال مكافحة الإجرام الدولي، من ناحية اخرى، واخذ العديد من الشرائع الجنائية المقارنة في الاتجاه صوب الاعتراف بالآثار الناجمة عن الاحكام الجنائية الاجنبية، ولا سيما ما يتعلق بإقرار واعمال القوة التنفيذية لهذه الأحكام، وهو ما يتجسد على وجه الخصوص في الالتزام الذي انشاته تلك التشريعات على عاتق الدول بصدد التعاون بينها، في مجال  تنفيذ احكام المصادرة واوامرها، التي تصدرها في دولة معينة بشأن المتحصلات المستمدة من جرائم المخدرات و غسل الأموال، وغير ذلك من المواد والمعدات والوسائط التي تقع في اقليم دولة اخرى[148]؟

 

وسوف نعني في هذا المطلب باستجلاء موقف القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال  إزاء تنفيذ الاحكام الاجنبية داخل اقليم دولة الكويت على ممتلكات الشخص الإعتباري والشروط الواجب توافرها (1)، والضوابط التي اشترطها القانون المذكور لتنفيذ الاحكام الاجنبية (2).

 

 

 

 

 

 

 

الفرع الأول

الشروط الواجب توافرها في الحكم الاجنبي

 

افصح المشرع الكويتي عن اعترافه الصريح بحجية الحكم الجنائي الاجنبي بالمصادرة، لا سيما فيما يتعلق بقوته التنفيذية داخل اقليم دولة الكويت، وذلك من خلال الاحكام التي إستحدثها في القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال .

وتعد هذه الاحكام خطوة كبيرة، ومبادرة غير مسبوقة من جانب المشرع الكويتي، تعبر عن اتجاهه إلى تحديث مفاهيمه التقليدية، إزاء الاعتراف بالآثار المختلفة للاحكام الاجنبية في دولة الكويت، وبما يعبر عن تفهمه واستجابته وتطابقه لمقتضيات التعاون الدولي في مواجهة ظاهرة غسل الأموال[149]. وان كان ذلك قد جاء في سياق عدد من الشروط والضوابط التي سعى المشرع الكويتي من خلالها إلى التوفيق بين اعتبارات السيادة الوطنية من ناحية، ومقتضيات التعاون الدولي في ملاحقة جرائم غسل الأموال وغيرها من الجرائم المنظمة عبر الوطنية من ناحية اخرى.

 

وتتمثل الشروط التي اوجب القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال  توافرها، لتنفيذ الحكم الاجنبي بمصادرة الأموال المتحصلة عن نشاط غسل الأموال فيما يلي:

 

·        أن يكون الحكم الاجنبي نهائيا، وان يظل مكتسبا قوته التنفيذية، وفقا لقانون الدولة الطالبة.

·   أن ينصب الحكم الاجنبي بالمصادرة على مال معين، أو غير معين، يمثل العائد المتحصل عن الجريمة أو الاداة المستخدمة في ارتكابها، ويقع على اقليم دولة الكويت، أو يتمثل هذا الحكم في الزام المحكوم عليه بدفع مبلغ من النقود، يعادل قيمة هذا المال.

·   أن تكون الأموال المصادرة بمقتضى الحكم الاجنبي، مما تجوز مصادرته، في الظروف نفسها، طبقا للقانون الكويتي.

·        يرخص بتنفيذ الحكم الاجنبي بالمصادرة، بواسطة محكمة الجنايات المختصة[150].

 

 

الفرع الثاني

ضوابط تنفيذ الحكم الاجنبي

 

اورد المشرع الكويتي عددا من الضوابط، التي يلزم التقيد بها، وفقا لاحكام القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال, حتى يتسنى تنفيذ الحكم الجنائي الاجنبي بالمصادرة، واهم تلك الضوابط ما يلي:

·        يكون الترخيص بتنفيذ الحكم الاجنبي بالمصاردة، مما يجوز مصادرته في الظروف نفسها طبقا للقانون الكويتي.

·   يكون الترخيص بتنفيذ الحكم الاجنبي منوطا بعدم الاضرار المشروعة المقررة للغير حسني النية، ومع ذلك إذا تضمن الحكم الاجنبي بنودا متعلقة بحقوق الغير فانها تكون ملزمة للمحكمة إذا كان هذا الغير لم يطالب بحقوقه امام القضاء الاجنبي.

·   يجوز لمحكمة الجنايات – متى رات ذلك ضروريا – أن تسمع بطريق الانابة القضائية الشخص (الطبيعي أو الإعتباري) المحكوم عليه بالمصادرة، وغيره من الأشخاص الذين تتعلق حقوقهم بالأموال محل المصادرة في الحكم الجنائي الاجنبي، ويجوز لهؤلاء الأشخاص جميعا أن يستعينوا بمحام امام القضاء الكويتي.

·   تنظر المحكمة المشار اليها في الترخيص بتنفيذ الحكم الاجنبي، وفقا لاحكام قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي[151]

 

الخاتمة

 

عرضنا فيما تقدم لملامح "المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين عن جرائم غسل الأموال" ومقومات هذه المسؤولية، في ضوء الاتجاهات القانونية المعاصرة، ومن خلال منظور اعتمد على المنهج الوصفي التأصيلي، تناولنا بشكل موضوعي أهم الوثائق الدولية والشرائع الجزائية المقارنة كالقانون الفرنسي والقانون المصري، وهي القوانين التي اهتمت بالتصدي لهذه المسؤولية مع الانشغال في كل الأحوال باستجلاء موقف النظام القانوني الكويتي إزاء ما سبق ذكره، ومدى تعاونه مع جهود المجتمع الدولي في مكافحة جرائم غسل الأموال في مواجهة الأشخاص الإعتباريين.

 

وقد كشفنا في الدراسة أن المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين قد تجاوزت كل مراحل الجدل الفقهي حول مدى ملاءمة الاخذ به من عدمه، واصبحت مسؤولية الشخص الإعتباري تمثل حقيقة تشريعية، فأقرتها الكثير من التشريعات الجزائية المقارنة، وعلى راسها القانونان الفرنسي والمصري، وأخيراً القانون الكويتي من خلال القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال.

 

وعند عرض اسباب الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري في القانون الكويتي ودوافع هذا الاعتراف نذكر اهمها: إستكمال النقص التشريعي في هذا المجال، ومنع الشخص الإعتباري من الاستمرار والاستفادة من الأنشطة الإجرامية المتعلقة بعمليات غسل الأموال وتحقيق العدالة.

 

وتعرضنا عبر هذه الدراسة للمسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين عن جرائم غسل الأموال وفقا للقانون رقم (35) لسنة 2002. حيث تبين لنا أن المشرع الكويتي قد اخرج من نطاق هذه المسؤولية الدولة وما يتبعها من مؤسسات عامة، بل ذهب إلى ابعد من ذلك واستبعد بشكل مباشر الشركات المساهمة بنوعيها العامة والمقفلة والبنوك والمصارف بشكل غير مباشر وحصر بدوره المسؤولية في شركات الأشخاص الواردة في قانون الشركات التجارية الكويتي رقم 15 لسنة 1960. واستلزم القانون لقيام المسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري عن جرائم غسل الأموال أن يتم ارتكاب الجريمة لحسابه وعن طريق احد اعضائه أو ممثليه. وحدد القانون العقوبات التي يمكن تطبيقها على الشخص الإعتباري واغلبها يمكن تطبيقه على الشخص الطبيعي؛ فالعقوبة الوحيدة الخاصة بالشخص الإعتباري تتمثل في الغاء الترخيص التجاري، الذي يمثل حل الشخص الإعتباري وتصفيته، ونظرا لخطورتها فقد حصرها المشرع الكويتي في اضيق الحدود وهي عندما ينشأ الشخص الإعتباري لغرض ارتكاب جرائم غسل الأموال.

 

كما حدد المشرع بعض الإجراءات الجزائية الخاصة بمسؤولية الشخص الإعتباري، وبصفة خاصة ما يتعلق بقواعد الاختصاص وتحديد الشخص الذي يمثله امام القضاء والضمانات القانونية التي يتمتع بها هذا الشخص، كما حدد المشرع طبيعة التعاون الدولي في مكافحة جرائم غسل الأموال وذلك بتعقب ممتلكات الشخص الإعتباري وملاحقته بناء على طلب من السلطات الاجنبية وإتفاقية ثنائية بهذا الشأن أو معاملة بالمثل، واجاز أيّضا تنفيذ احكام المصادرة على ممتلكات الشخص الإعتباري الصادرة من المحاكم الاجنبية.

 

وبعد هذا العرض نرى أنه من الملائم أن يوسع المشرع الكويتي من نطاق المسؤولية الجنائية المباشرة للأشخاص الإعتباريين، بحيث لا تقتصر فقط – كما هو الحال الان – على الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال، وانما تمتد أيّضا إلى بعض القوانين الخاصة الاخرى، مثل قانون البيئة وقانون العمل إلى جانب إقرارها بشكل صريح في قانون الجزاء، والنص على هذه المسؤولية يتطلب أن يحدد المشرع في القسم العام، شروطها والاحكام العامة المتعلقة بالعقوبات والتدابير الاحترازية التي توقع على الشخص الإعتبارين وتماشيا مع التوجهات الدولية الخاصة بمكافحة جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية نرى من العدالة أيّضا إقرار مسؤولية الشخص الإعتباري عن الجرائم ضد الانسانية، كما فعل نظيره الفرنسي[152].

 

وأخيراً، نرى أنه من الملائم أيّضا الا يقتصر المشرع الكويتي في تحديده للمسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين على شركات الأشخاص فقط بل من الواجب ادخال جميع أنواع الشركات التجارية، واهمها الشركات المساهمة العامة والمقفلة، التي تشكل غالبية البنوك والمصارف في دولة الكويت جزءا منها، ويسوغ ذلك حقيقة مفادها أن البنوك تمثل أهم القنوات المالية والمصرفية التي يلجا اليها غاسلو الأموال لغسل متحصلاتهم من الجريمة مستهدفين اضفاء صفة الشرعية على هذه الأموال تمهيدا لحقنها مرة أخرىفي الدورة الإقتصادية.


قائمة المراجع

 

أولاً – المراجع العربية :

·        احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات (القسم العام)، دار النهضة العربية 1996

·   ادوارد غالي الدهبي: مجموعة بحوث قانونية، المسؤولية الجنائية للأشخاص الإعتباريين ، الطبعة الاولى، دار النهضة العربية، 1978.

·        اكثم امين الخولي، قانون التجارة اللبناني المقارن، دار النهضة العربية, بيروت، 1968

·        حمدي عبد العظيم، غسل الأموال في مصر والعالم، القاهرة، 1997

·        سعيد عبد اللطيف حسن، جرائم غسل الأموال، دار النهضة العربية، 1997

·        سليمان محمد الطماوي, الوجيز في القانون الاداري، دار الفكر العربي، 1992

·   شريف بسيوني وديفيد سي. جوالتيري، الاستجابات الدولية لعولمة غسيل الأموال،ورقة عمل مقدمة الى ندوة الجريمة المنظمة وغسيل الأموال، المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية، سيراكوزا، ايطاليا، 1998.

·        شريف سيد كامل, المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، دار النهضة العربية, 1997

·        طعمة الشمري، قانون الشركات التجارية الكويتي، مؤسسة دار الكتاب

·        عبد الرزاق الموافي، المسؤولية الجنائية لمدير المنشأة الإقتصادية، دار النيل للطباعة، 1999

·         عبد العظيم مرسي وزير، شرح قانون العقوبات "النظرية العامة للجريمة"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988

·        عمر سالم، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، دار النهضة العربية, 1995

·        محمد الشافعي, مقدمة في النقود والبنوك، القاهرة، 1969,

·        محمود سليمان موسى، المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، الدار الجماهيرية للنشر والاعلان، 1985.

·        محمود مصطفى, شرح قانون العقوبات، القسم العام، الطبعة العاشرة، 1983

·   محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني (القسم العام)، دار النهضة العربية، 1984، ص.471، شرح قانون العقوبات (القسم العام), دار النهضة العربية، 1989

·        مصطفى ماهر, المواجهة التشريعية لظاهرة غسل الأموال المتحصلة من جرائم المخدرات، القاهرة، 2002

·        مصطفى منير، جرائم اساءة استعمال السلطة الإقتصادية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1989

·        هدى حامد قشقوش، جريمة غسل الأموال، دار النهضة العربية، 2002

·        يعقوب صرخوه، عمليات البنوك من الوجهة القانونية في القانون الكويتي, جامعة الكويت، 1988



تعليقات