القائمة الرئيسية

الصفحات



حرية القاضــي في تكوين قناعته

 



حرية القاضــي في تكوين قناعته  (1) 


 

د. حميد فرحان السيد

سبق وان تحدثنا عن استقلال القضاء بما له من اهمية في تحقيق العدالة والحفاظ على حقوق الغير والان نتحدث عن حرية القاضي في تكوين قناعته في اتخاذ قراره القضائي وبما ان القاضي جزء مهم من السلطة القضائية نرى من الضروري تسليط الضوء على هذا الموضوع وخاصة القاضي الجزائي


وبما ان الاثبات الجنائي يعتبر من اهم الاجراءات الجنائية وان جميع الاجراءات  تهدف بالاساس الى كيفية اثبات الحقيقة التي وقعت، إذ ان الاثبات الجنائي يحقق براءة المتهم او معاقبته لان هدف اقامة الدليل لاجل كشف الحقيقة من اجل تحقيق العدل.. ويعتبر مبدأ القناعة من اهم مبادئ الاثبات لانه يتفق مع اسلوب التفكير العادي والمنطقي في الحياة العادية، اذ يحكم القاضي حسب قناعته بالادلة التي قدمت في الدعوى وان سلطة القاضي واسعة ومطلقة في التحري عن الحقيقة حسب ما يمليه عليه ضميره ووجدانه وله الحق في التحري او استبعاد اي دليل لا يرتاح اليه وان سلطة القاضي التقديرية في اختيار الادلة وتحديد قيمتها وله الحرية التامة في التنسيق بين الادلة المعروضة امامه وان يستنبط ويستخلص منها ما يمكن الاعتماد عليه في تقريره براءة او ادانة المتهم، 

اذا القاضي حر في تكوين الصورة والرؤى التي تخص الدعوى فلا يهم ان يكون مصدر الاقناع دليل يقدمه الاتهام او يقدم من قبل الدفاع يجب ان يكون الدليل يحمل بين سطوره معالم قوته في الاقناع وامكانية بناء قناعته في اتخاذ قراره لان جوهر دليل الادانة هو صلاحيته بمفردة لحسم القضية وذلك من خلال وجود علاقة بين الجريمة وبين شخص معين يسند اليه ارتكابها وهنا تكون الادلة صالحة حين تدعو الى الاقناع التام وان قبولها يكون مطابقا للعقل والمنطق.

ومن اجل ان يصل القاضي الجنائي الى الحق والعدل يجب ان يهتم بموضوع الاثبات الجنائي كونه من اهم مواضيع الاجراءات الجنائية وان موضوع التنظيم للدعوى الجنائية هو الوصول الى ما يقرره الحكم بقدر الامكان من جهة ثبوت الوقائع محل المحاكمة وما يقرره حول شخصية المتهم، وهنا تعتبر جميع الاجراءات هدفها الاساسي هو كيفية اثبات الحقيقة التي وقعت فعلى اساس الاثبات الجنائي يتم توقيع العقاب على المتهم او تبرئته، والقاضي الجنائي في الامتناع ومدى تقيده بوسائل او قواعد معينة في الاثبات، فالاثبات الجنائي هو اقامة الدليل على وقوع الجريمة واسنادها للمتهم والهدف هو كشف الحقيقة بغية تحقيق العدالة وبدون هذا الدليل لا تثبت الجريمة ولا تستيطع الدولة تطبيق حقها في العقاب ويقوم الاثبات الجنائي في المجتمعات القديمة على وحدة الاصول المدنية والجزائية لذلك فان اختلافا بين نظمي الاثبات المدني والجنائي من حيث دور القاضي في كل من النظامين  ومن حيث الادلة المسموح بها في كل من النظامين، وحسب الادلة المسموح بها في كل من النظامين فالقاضي المدني سلبا يتغير فيه بما يقدمه له اطراف الدعوى وما يفرضه عليه القانون من ادلة ومستندات ويحكم بموجب هذه الادلة وفي حدودها، في حين القاضي الجزائي يفرض عليه القانون موقفا ايجابيا، فعليه  ان وجد قصور في التحقيق الابتدائي يستوفيه وان يحقق الادلة المقدمة اليه بغض النظر عن موقف اطراف الدعوى الجزائية المتطورة امامه فتحقق ادلة الادانة ليس رهينا بمشيئة المتهم او غيره من الخصوم، فالمشرع هو الذي يحدد للقاضي ما هي الادلة التي يجب ان يأخذ بها ويسير عليها في واقعة معينة ولا يحق له ان يلجأ الى ادلة غيرها، كما ان المشرع يجعل لكل دليل من الادلة التي يحددها قيمته القانونية في حال توافر شروط محددة يلتزم القاضي بالالتزام بها ولا يمكن تجاهلها، فان توفرت ادلة الادانة التي يحددها القانون فان على القاضي يكون مجبرا على ادانة المتهم حتى وان لم يكن في قناعة تامة بادانته، اما ان توفرت الادلة التي تقضي ببراءته بحكم براءته وهنا يجب ان تكون الادلة وافية، اما ان تكون شبه وافية وفي بعض الاحيان تكون شبه ادلة او تسمى امارات قريبة وتوجد الادلة الحقيقية او الامارات البعيدة ومع هذا فقد وجهت انتقادات الى هذا النوع من الادلة.

اما نظام حرية الاثبات إذ يؤكد الكثير من الفقهاء الرغبة في حماية الحرية الفردية ضد العيوب التي تبحث عن تطبيق نظام الادلة القانونية ومن اجل الحرص على عدم ادانته يرى والحيلولة دون السماح للمذنب الافلات من العقاب فقد تم الاتجاه نحو نظام الاثبات الجنائي دون التقيد بان يكون منصوصا عليه من القانون لصيغة ملزمة للقاضي فجميع الادلة مقبولة ولها نفس القوة والقيمة من حيث المبدأ سواء كان اعترافا ام شهادة او مستندات او مجرد قرائن وايا كانت طبيعة الجريمة المرتكبة، وان كل ما يمكن ان يؤدي الى اليقين هي وسيلة اثبات فالقاضي لا يملك ان يستبعد اي دليل منها بدعوى انه غير مقبول في الاثبات، ان حرية الاثبات في المسائل الجنائية للقاضي وللخصوم في الدعوى، فللقاضي مطلق الحرية في استيفاء ادلة الاثبات لا يفيده في ذلك نوع معين منها فاللقاضي سلطة وحرية كاملة في سبيل تقصي ثبوت الجرائم او عدم ثبوتها او الوقوف على حقيقة علاقة المهيمن بها ففتح له الباب على مصراعيه في اختيار ما يراه موصلا الى الكشف عن الحقيقة، هذا هو الاصل الذي اقام عليه القانون الجنائي قواعد الاثبات لتكون ملائمة لما تستلزمه طبيعة الافعال الجنائية وتقتضيه مصلحة الجماعة من وجوب معاقبة كل جان وتبرئة كل بريء وللمحكمة ان تأمر من تلقاء نفسها اثناء نظر الدعوى بتقديم اي دليل وبدعوة اي شاهد تراه لازما لظهور الحقيقة وبالمقابل فان للقاضي والنيابة الحرية الكاملة في اثبات الجريمة واسنادها للمدعى عليه بجمع طرق الاثبات، وللمدعى عليه بدوره ان التهم المنسوبة اليه بجميع الوسائل.. اما مبدأ القناعة الصحيحة للقاضي الجنائي فهو يتمتع بسلطة تقديرية واسعة سواء من حيث قبول الادلة ذاتها وعددها ام من حيث تقديره الشخصي لقيمة كل منها وهذا ما يطمئن اليه القاضي وهذا لا يعني تحكم القاضي واستبداده وانما تضع لكل دليل شروطا وتحدد طرف استخلاصه وتقديمه الى الجهات المسؤولة وهذا ما جرى عليه النظام وهو اكثر الانظمة شيوعا في القانون.

ويعتبر مبدأ حرية القاضي او كما يسميه البعض مبدأ القناعة الوجدانية من اهم مبادئ نظرية الاثبات، اذ يتفق واسلوب التفكير العادي والمنطقي في الحياة العادية وهذا ما يحكم القاضي حسب اقتناعه التي قدمت في الدعوى ولا يتقيد باسلوب معين او طريق معين من طرف الاثبات فله الحق في ان يكون افكاره حول الدعوى من كافة الادلة وسلطته مطلقة في تحري الحقيقة وفقا لما يملي عليه ضميره، كما له ان يستبعد اي دليل لا يطمئن اليه فليس هناك من يفرض عليه شيئاً سوى القانون وسلطته التقديرية كاملة في فحص الادلة ووزنها وتحديد قيمتها ويستطيع التنسيق بين الادلة المقدمة وان يستخلص منها نتيجة منطقية يعتمد عليها القاضي عند اصدار قراره في ادانة المتهم او براءته ولو تفحصنا قوانين العالم في اعطاء الحرية للقاضي نجد ان نصوص قانون الاجراءات الفرنسي يضع مضمون الاقناع الداخلي للقاضي، فالمادة (353) منه تلزم رئيس محكمة الجنايات بان يعلن العبارات الاتية على المحلفين قبل دخولهم المداولة بل وان تعلن بخط كبير في اوضح مكان في غرفة المداولة (ان القانون لا يهتم بالوسائل التي اقتنع بها القضاة وهو لم يحدد لهم قواعد يتعين ان يسندوا اليها اقتناعهم بكفاية الادلة انه يلزم ان يسألوا انفسهم في صمت وتأمل وان يبحثوا في خلاصة ضمائرهم والانطباع الذي احدثته في عقولهم الادلة المقدمة ضد المتهم ووسائل دفاعه، ا ن القانون لا يوجه اليهم الا السؤال الاتي الذي يحوي كل حدود واجباتهم هل لديكم اقتناع داخلي؟) كما تنص المادة (304) من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي على ان: (يحلف المحلفون يمينا بان يحكموا بالعدل طبقا لادلة الاتهام ووسائل الدفاع بناء على ضمائرهم واقتناعهم الداخلي مع النزاهة والحزم التي يتمتع بها انسان حر مستقيم) كما تنص المادة (427) من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي على انه: فيما عدا الحالات التي ينص فيها القانون على خلاف ذلك تثبت الجرائم بكل وسائل الاثبات ويقضي القاضي بمقتضى اقتناعه الشخصي وهذا النص يقابله نص المادة (209) من قانون الاجراءات الجزائية الاتحادي لسنة 1992 رقم (35) بقولها: (يحكم القاضي في الدعوى حسب القناعة التي تكونت لديه ومع ذلك لا يجوز له ان يبني حكمه على اي دليل لم يطرح على الخصوم امامه في الجلسة).



اما الشريعة الاسلامية فلها رأي وان جمهور الفقهاء من جميع المذاهب  يأخذون بنظام الاثبات المقيد بادلة محددة مسبقا من قبل الشارع وهناك للكثير من المفكرين واساتذة الفقه والقانون اراء بهذا الخصوص، والجميع يقتنع بنظام القناعة الوجدانية (الاقتناع الذاتي) والسبب في الاختلاف يرجع الى اختلاف فقهاء المسلمين في تفسير معنى البينة 


على انها الشهادة والبعض يعتبرها ما يبين الحق ويظهره، ففي حالة سماع الشهود والمتهم والمناقشات حول الموضوع والتأكيد على كل الجوانب لكي يظهر الاقتناع البشري في شكله الحقيقي وبصورته الطبيعية فان عملية رؤية الشهود والتحدث اليهم وجعلهم يتحدثون الى المتهم وبحرية كاملة تظهر مسحات الوجه ونبرات الكلام يمكن للقاضي ان يفسر من خلالها الكثير من التصرفات ويكشف الكثير من الحقائق وبما ان القاضي تمتع بحرية التصرف وله كامل السلطة في اختيار الادلة كل ذلك يساعده على تكوين رأي يضاف الى ذلك فان الاثبات في المواد الجنائية يرد على وقائع مادية ونفسية وليس تصرفات قانونية، كما ان الاثبات الجنائي يتسم بصعوبة كبيرة لما يقوم به المجرمون من وسائل مختلفة للتهرب من قبضة القانون والعدالة الامر الذي ادى الى العمل على تسهيله باتاحة الفرصة لاي دليل يوصل الى الحقيقة، فالقاضي هو الذي يملك تقدير الدليل ويستطيع ان يستخلص منه ادانة المتهم او براءته ولا يتدخل القانون في تحديد قيمة الدليل او قوته في الاثبات، فكل الادلة عند القانون سواء ولها نفس القوة في الاثبات واي منها من حيث المبدأ يمكن ان يهدم الاثبات الذي يمكن ان ينتج من اية وسيلة اخرى، ان العديد من القوانين في الكثير من الدول الغربية والعربية تأخذ بمبدأ اقناع القاضي ما يؤكد على ان (يحكم القاضي حسب القناعة التي تكونت لديه ومع ذلك لا يجوز له ان يبني حكمه على اي دليل لم يطرح على الخصوم في الجلسة، اذن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في تكوين القناعة من الادلة التي يطمئن اليها وهو الذي يقرر البراءة او الادانة وفقا لضميره واقتناعه ولا يتقيد بالاجراءات والتحقيقات الابتدائية في محاضر الاستدلالات الا اذا وجد نصاً إذ القاعدة تنص لا اجتهاد في مورد النص، فالقانون المصري اخذ بذلك وكذلك الكثير من قوانين الدول العربية بما فيها القانون العراقي السابق ونأمل من المشرع العراقي ان يعطي القاضي كل الصلاحية بعد اختيار القاضي النزيه والمستقيم الذي تهمه المهنة ويهدف الى تحقيق العدالة للعراق والعراقيين.وبالرغم من الانتقادات الموجهة لهذا المبدأ الا ان حدود مبدأ حرية القاضي الجنائي في الاقتناع تعتبر الاساس في الاثبات وحرية القاضي في الوصول الى الحقيقة ومدى هذه الحرية هل هي حرية مطلقة وحرة بدون حدود؟ وهل يعد هذا النظام عوداً الى عهد تحكم القضاة في القرون القديمة والذي عانت فيه الانسانية الا ان التطور في اراء الفقهاء في هذا المجال لابد من ان يخضع حرية القاضي في الاقناع الى عدد من الضوابط والضمانات المحددة والمعينة، ان هذه الحدود لا يمكن للمشرع ان ينفرد بصياغتها ووضعها، بل يشاركه فيها الفقهاء والقضاة حيث سيقرر المشرع هذه الحدود طبقا للمبادئ القانونية العامة ومن بينها مبدأ مهم الا وهو حق الدفاع، وهذا المبدأ مهم جدا حيث ان القاضي وفقا لهذا المبدأ ولا يمكن تحديد الحدود المرتبطة بمبدأ حرية الاقتناع حيث ان حرية القاضي في الاقتناع بالادلة المطروحة عليه لا يجب ان تفهم على انها حرية تحكمية او غير منطقية، بل حرية لها اصول وضوابط يجب اتباعها حرصا على صيانة الحق والحفاظ على قدسيته وحسن تطبيق القانون إذ ان القاضي عليه تعليل وتسبيب الاحكام إذ ان القاضي الجزائي حر في الاقتناع باي دليل وان قناعته تلك تخضع لرقابة محكمة التمييز إذ ان الاصل ان الانسان بريء حتى تثبت ادانته وهذا المبدأ يعتبر من المبادئ الاساسية في الاجراءات الجزائية وان الاعتماد على الادلة التي تتوفر على المتهم في الواقعة يحتاج الى دليل على صحته مما لا يجوز اعتماده في الادانة، اما الشهادة غير المؤيدة باليمين فانها تكون باطلة ولا يجوز الاستناد اليها والشهادة على سبيل المعلومات لا تكفي لوحدها دليلا للاثبات ما لم تقترن بادلة غيرها وان مجرد قول المدعي بالحق الشخص الذي يدعم بانه بينة لا يصح اعتباره دليلا كافيا للادانة والاستناد اليه في اصدار القاضي حكمه... وانما على القاضي ان يحكم في الدعوى حسب قناعته في تكوينه الرأي الذي يبني عليه حكمه استنادا للادلة المتوفرة منذ بداية التحقيق وحتى مرحلة اصدار قرار الحكم، وعلى القاضي اجراء التحقيق بنفسه ولا يتركه للغير كما يحصل لدى بعض القضاة إذ يكتفي بالاشراف ويترك التحقيق الى رجال الشرطة لكي يتمكن من استجماع عناصر التهمة واستجلاء الحقيقة واكتشاف غوامض القضية وملابساتها فسماعه للشهود عند تحليفهم اليمين بين يديه يمكنه من استكشاف الكثير من نبرات اصواتهم وقسمات وجوههم ثم استنباط صحة نقلهم للحادث مما يوحي له باسباب القناعة التي هي ركن الحكم القضائي اذا على القاضي الاهتمام بالادلة غير القضائية للحفاظ على قدسية حق الدفاع وفتح باب المناقشة العلنية امام الخصوم فيما يقدم من ادلة مما يتيح لكل واحد منهم ابداء كل ما يشاء من اقوال حول كل دليل من الادلة المعروضة امامه او تقديم ما ينفي ذلك، والقاضي هنا يستفيد من هذا الحوار لتكوين قناعاته ولا يكتفي القاضي بما يقدم من ادلة اثناء الجلسة وانما يمكن الاستناد بما يقدم اليه بشكل مباشر بشرط ان يكون الحصول على الادلة بصورة مشروعة وان يبتعد القاضي عن التأثر بما يدور حول الحادث لان القاضي ملزم بان يطرح الادلة للنقاش بحضور الاطراف المعنية والقاضي غير حر في تكوين رأيه من اي دليل لم يطرح للنقاش خلال الجلسات كما عليه تدوين كل ما يطرح في اوراق الدعوى وان القاضي النزيه والملتزم والمحافظ على شرف المهنة يتنحى عن النظر في القضية التي يتأثر بها كأن يكون قد شهد الحادث او تأثر بظروفه فيصبح شاهدا ولا يجوز له الفصل فيه وليس له الحق في ان يجمع بين صفة القاضي وصفة الشاهد في آن واحد إذ يصعب على الخصوم مناقشة شهادته،

 كما لا يجوز للقاضي ان يلجأ الى ادلة معينة لتكوين رأيه منها وانما الاقتناع بناء على ادلة مشروعة، وقد اكدت المواثيق الدولية على الالتزام بمشروعية الدليل في الاتفاقات الدولية والدساتير والتشريعات الوطنية، اذ نصت المادة الخامسة من الاعلان العالمي الصادر عام 1948 على انه (يحظر إخضاع اي فرد للتعذيب او العقوبات او وسائل معاملة وحشية او غير انسانية او اماطة من الكرامة البشرية) كما اكدته الكثير من المعاهدات الاخرى وعليه يجب ان يكون الحكم الصادر مشتملاً على العلل والاسباب الموجهة له ولا يكفي لذلك ان يعدد الحكم الادلة، بل يجب ان يبين خلاصة كافية لما تضمنته وان يكون الحكم مشتملا على اوجه استشهاده وعليه ذكر الاسباب والاسانيد الواقعية والقانونية التي بني عليها الحكم وللتسبيب اهمية كبيرة اذ يبين الاسانيد التي يبني عليها القاضي حكمه.اما الاقتناع اليقيني (الشك يفسر لمصلحة المتهم) وهنا على القاضي عند اصدار حكمه الى حد اليقين التام فالاحكام لا تبنى على الظن او الاحتمال بل على الجزم واليقين وبما ان الشك يفسر لصالح المتهم يتطلبها اليقين القضائي في الادانة هي وجوب تفسير الشك لمصلحة المتهم، إذ يستمد اصوله من الاساس الذي يقر البراءة وهنا يتطلب من القاضي عدم الاستناد في قضائه بالبراءة على الادلة فقط بل يكفي مجرد حصول الشك في ادلة الاثبات المقدمة اليه من المدعي او المدعى عليه حتى وان كانت ادلة النفي فان الادلة التي تقدم للقاضي في مراحل الدعوى المختلفة ابتداء من مرحلة التحقيق وسماع افادات الشهود ثم مراحل المحكمة المختلفة فللقاضي الحق في اختيار الادلة الثبوتية وفقا لقناعته وحسب السلطة المخولة له وعليه ان يضع بين عينيه ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته بحكم جزائي قائم على ادلة كافية، اما اذا تشككت المحكمة في ادانة المدعى عليه لاي سبب كان وجب عليها ان تجنح نحو تقرير براءته استنادا الى القاعدة التي تقول بان (الشك يفسر لصالح المتهم) وبناء عليه يكفي لاصدار البراءة مجرد الشك في الادانة اما اذا حكمت المحكمة بالادانة رغم تشككها يكون حكمها جديرا بالنقض وعليه فان الكثير من المحاكم في الوطن العربي تعتبر ان القضاء مؤسسة مهمتها الحكم بالعدل والقسط ولا يكون ذلك الا بالعمل على ابراز الوقائع واضحة جلية لا لبس فيها ولا غموض تدعمها ادلة قاطعة وحاسمة لا يتطرق اليها الشك والشبهة ولا يلتبس فيها الاحتمال وكل دليل يحمل بين طياته شكا او شبهة او احتمالا يجب ان يكون مصيره الاهمال لان في ذلك فقط يسود الحق ويقوم العدل.

اما البعض الاخر يذهب الى ابعد من ذلك بحيث يعمل على تطبيق قاعدة (انه من الافضل ان تبرئ المحكمة الف مجرم  من ان تدين بريئا واحدا) وهنا يكون محله عندما تكون البينة محل شك وهناك على المحكمة والقاضي بالذات استعمال سلطته عند استعراض الواقعة والادلة القائمة في الدعوى الى احتمالات بعضها يؤدي الى حكم ادانة المدعى عليه بينما يؤدي البعض الاخر منها الى براءته وجب على القاضي الحكم حتماً ببراءته.اما اذا كانت هذه الاحتمالات تؤدي جميعها الى ادانة المدعى عليه فلا يتأخر القاضي في اصدار حكمه بالادانة اما اذا تعدد المتهمون في الدعوى والجريمة لم ترتكب الا من احدهم لكن المحكمة يصعب عليها تعيينه على وجه اليقين وجب عليها الحكم ببراءتهم وهنا الاساس هو براءة المتهم ان لم  تتوفر الادلة الكافية للادانة واستعمال قاعدة الشك يفسر لصالح المتهم.


تعليقات