القائمة الرئيسية

الصفحات



محكمة النقض: إن ما تضمنه حكم جنائي من أن رسم البيع ينفي عن المتهم جريمة الاحتيال لا يقصد القاضي المدني الذي يبقى من حقه قانونا ـ دون أن يكون قد خرق قوة الشيء المقضى به ـ أن يبحث في توفر عنصر التدليس المدني

 


ملف   1209 /1986      قرار   1234    بتاريخ    22/05/1991 

 

إن ما تضمنه حكم جنائي من أن رسم البيع ينفي عن المتهم جريمة الاحتيال لا يقصد القاضي المدني الذي يبقى من حقه قانونا ـ دون أن يكون قد خرق قوة الشيء المقضى به ـ أن يبحث في توفر عنصر التدليس المدني الذي  يختلف في طبيعته القانونية عن التدليس الجنائي المعبر عنه بالنصب،  باعتبار  أن  الطرق الاحتيالية فيه عنصر مستقل بذاته وتكون عادة أشد جسامة من تلك المستعملة في التدليس المدني.

 

باسم جلالة الملك

 

وبعد المداولة طبقا للقانون.

في شأن الوسيلة الأولى:

حيث يستفاد من مستندات الملف ومن القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة  الاستئناف بأكادير بتاريخ 24-10-85 تحت عدد 1562 في الملف عدد 85-266 أن المطلوب في النقض عدنان مولاي المهدي رفع بتاريخ 27-12-80 دعوى عرض فيها أن المدعي عليه الطاعن أحراز المهدي بن الحسين دلس عليه موهما إياه أنه قادر على معالجة ابنه المريض عن طريق الشعوذة والسحر طالبا منه مقابل ذلك مبلغ 20.000 درهم دفع له منه 6500 درهم وعندما تعذر عليه المبلغ الباقي أوعز له المدعى عليه أن يبيع له نصف داره الكائنة بدرب كناوة بعدما قام بوسائل احتيالية جعلته يعتقد أنه قادر على معالجة ابنه وفعلا باع له نصف الدار المذكورة بمبلغ 10.000 درهم حسب رسم الشراء المضمن بعدد 427 ص 346 بتاريخ 10-09-76 وأنه كان ضحية تدليس من طرف المدعى عليه الشيء الذي دفعه إلى هذا التعاقد المشوب بعيب من عيوب الرضى، ملتمسا الحكم بإبطال رسم البيع المذكور تطبيقا، للفصول 311 و312 و 316 و39 من ظهير الالتزامات والعقود وأجاب  المدعى عليه الطاعن مثيرا التقادم المسقط  تأسيسا على تاريخ تحرير الرسم وتاريخ التداعي مشيرا إلى مقتضيات الفصل 311 من ظهير الالتزامات والعقود، وبعدما عقب المدعي المطلوب في النقض بأن اكتشاف التدليس لم يتم إلا بتاريخ 1978-6-5 عندما بينه الحكم الاستئنافي عدد 644 في الملف الجنحي عدد 2959 المؤيد للحكم الابتدائي القاضي بإدانة الظنين "الطاعن" في حالة العود مدليا بالوثائق المشار إليها أصدر قاضي الدرجة الأولى حكما برفض دعوى المدعي بعلة: أن الدفع بالتقادم غير مجد، وأن الفقه والاجتهاد درجا على أن التدليس يطلق على الأساليب الاحتيالية التي يؤخذ منها إيقاع شخص في غلط يدفعه إلى التعاقد، وأنه ليتأتى الإبطال نتيجة لذلك يتعين أن يكون التدليس هو الدافع إلى التعاقد وأنه لم يثبت من دراسة وثائق الملف بما في ذلك العقد موضوع الدعوى أن هناك وسائل احتيالية تشوب إرادة المتعاقدين حول بيع منزل بل ورد في رسم البيع توافق الإرادتين على الثمن والمثمن ونفذ كل منهما التزاماته "استأنفه المدعي المطلوب في النقض فقضت محكمة الاستئناف بتاريخ 20-05-80 بعدم قبول الاستئناف باعتبار أن التصريح بالاستئناف لا يتضمن البيانات المنصوص عليها في الفصل 142 من قانون المسطرة المدنية وأن المستأنف لم يقم بإصلاح المسطرة داخل الأجل القانوني نقضه المجلس بمقتضى قراره الصادر بتاريخ 15-12-81 وبعد الإحالة قضت محكمة الاستئناف بمقتضى قرارها الصادر بتاريخ 29-03-83 تحت عدد 471 بتأييد الحكم الابتدائي متبنية تعليلاته ومضيفة: أن ادعاء المدعي عدم القبض للثمن إثر مرور تلك المدة لا تقره القواعد الفقهية إذ كان عليه أن يدعي ذلك فورا وخلال مدة قصيرة كما لدى شراح تحفة بن عاصم "نقضه المجلس الأعلى بمقتضى قراره الصادر بتاريخ 19-03-85 تحت عدد 408 بناء على الوسيلة الأولى " المتخذة من ضعف التعليل بعلة: أن الطلب مبني على أساس التدليس الثابت عن طريق الحكم الجنحي المعتمد على اعتراف المحكوم عليه بواقعة التدليس والتحايل بادعاء القدرة على شفاء ولد الطاعن من المس الذي ألم به وأن الحكم الجنحي بت فيما هو مختص به بإدانة المطلوب في النقض بجريمة الشعوذة والتدليس وترك للقضاء المدني ما هو مختص به من إبطال العقد، ومن الطبيعي أنه لا يمكن أن يثبت من نفس هذا العقد لا الصورية ولا التدليس ولذلك أباح المشرع إثباتهما بسائر الوسائل ولذلك فاعتراف الطاعن بقبض الثمن في العقد لا يمكن أن يؤخذ في هذه الحالة دليلا على صحة هذا العقد ومن جهة أخرى فإن الفصل 312 من ظهير الالتزامات والعقود ينص على أن أمد التقادم في حالة التدليس لا يبتدئ إلا من يوم اكتشاف هذا التدليس الذي كان على المحكمة أن تقدر وسائل إثباته وتقيم ما جاء في الحكم الجنحي ومحضر الضابطة القضائية فيما يخص الاعتراف به الذي صدر لصالح الطاعن وأن تناقش التقادم طبقا للفصل 312 المشار إليه وأنها حينما اعتمدت على أن التدليس غير ثابت من الرسم وأن الفورية لم تتوفر للطاعن دون أن تعتبر الحكم الجنحي ومحضر الضابطة فإن حكمها يكون ناقص التعليل  "وبعد الإحالة وإجراء المسطرة قضت محكمة الاستئناف بمقتضى قرارها المطعون فيه حاليا بإبطال الحكم الابتدائي والحكم تصديا بإبطال عقد البيع المؤرخ في 10-09-76 المضمن بعدد 427 وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد.

 

وحيث يعيب الطاعن على المحكمة خرق قواعد مسطرية أضر به وخرق الفصول 335 و141 و 142 من قانون المسطرة المدنية لكون المستشار المقرر لم يصدر أمرا بالتخلي مع تبليغه للأطراف ومن جهة أخرى فإن الثابت من وثائق الملف ان المستأنف المطلوب في النقض " قدم وسائل الاستئناف في عريضة مستقلة عن المقال رفعها مباشرة إلى محكمة الاستئناف وأن المقال لا يتضمن وقائع النازلة ولا موجبات الاستئناف، وأن المستأنف الذي تقدم بالتصريح بالاستئناف لدى كتابة ضبط محكمة الدرجة الأولى كان عليه أن يودع لدى نفس الكتابة المذكرة المتضمنة لأسباب الاستئناف وأنه أثار خرق الفصلين 141 و 142 من قانون المسطرة المدنية ودفع بعدم قبول الاستئناف وأن المحكمة غضت الطرف عن ذلك.

لكن حيث من جهة فإن عدم إصدار أمر بالتخلي إنما يترتب عنه ترك الباب مفتوحا أمام الأطراف للإدلاء بما لديهم، وأن القضية راجت بعدة جلسات قدم أثناءها الطرفان مستنتجاتهما بعد النقض واستنفذا دفاعهما، وأن الطاعن لم يلحقه بالتالي أي ضرر من عدم إصدار الأمر المذكور ومن جهة أخرى فإن المستأنف عليه طالب بحفظ حقه في تقديم مذكرة تفصيلية لاحقة، وأنه ليس في القانون ما يلزمه بوضع تلك المذكرة لدى محكمة الدرجة الأولى التي يكون عليها بمقتضى الفصل 141 من قانون المسطرة المدنية أن توجه التصريح بالاستئناف مع المستندات المرفقة به إلى كتابة ضبط محكمة الاستئناف المختصة، وفيما يتعلق بكون الاستئناف غير مقبول شكلا بسبب أن التصريح به لا يتضمن وقائع النازلة ولا موجبات الاستئناف فإن محكمة الاستئناف سبق لها بمقتضى قرارها بتاريخ 20-05-80 تحت عدد 1144 أن قضت بعدم قبول الاستئناف شكلا لنفس السبب، غير أن المجلس الأعلى نقض هذا القرار بتاريخ 16-12-81 تحت عدد 829 بعلة أنه ليس هناك ما يفيد تبليغ الحكم الابتدائي للمستأنف حتى يحسب عليه أجل الاستئناف طبقا لمقتضيات الفصل 134 من قانون المسطرة المدنية وأنه قدم مذكرة لاحقة ببيان وجه الاستئناف الأمر الذي يكون معه التصريح بعدم قبول استئنافه لا يرتكز على أساس " أنه بعد صدور هذا القرار لم يبقى موضوع لإثارة الدفع بعدم قبول الاستئناف فالوسيلة بوجهيها غير جديرة بالاعتبار

 

في الوسيلتين الثانية والثالثة:

حيث يعيب الطاعن على المحكمة انعدام التعليل وتحريف الوقائع ومحتويات الحجج وخرق القانون لكونها أوردت ضمن تعليلاتها أن المستأنف عليه " الطاعن يؤكد واقعة الاحتيال الثابتة بمقتضى الحكم الجنحي ابتدائيا واستئنافيا وهي السبب الذي دفع بالبائع إلى إبرام عقد البيع " مع أن الحكم الجنحي عدد 613 الصادر بتاريخ 16-03-78 المؤيد استئنافيا بتاريخ 05-06-78 قضى في تعليله في الصفحة الثالثة على أن رسم البيع ينفي تهمة الاحتيال " وأن ذلك يدل على أن إدانته انصبت على الوقائع الأخرى دون واقعة شراء الدار المستندة على شراء صحيح، وأنه وإن لم يقع التنصيص صراحة على براءته من تلك التهمة في منطوق الحكم إلا أن هذه البراءة واضحة من تعليلاته، أن المحكمة لما اعتبرت أن واقعة الاحتيال ثابتة بمقتضى الحكم الجنحي المشار إليه فيما يتعلق بواقعة بيع نصف الدار تكون قد أولت تنصيصاته تأويلا غير صحيح وخرقت من جهة أخرى حجية الأمر المقضى به.

لكن حيث من جهة فإن ما تضمنه الحكم الجنائي عدد 619 المؤيد استئنافيا الذي بعدما أدان الطاعن بجرائم النصب الاحتيال مع استعمال لقب متعلق بمهنة طبيب من أن رسم البيع ينفي تهمة الاحتيال ويجعل المحكمة غير مختصة بإرجاع المنزل المبيع "لا يقيد القاضي المدني الذي يبقى من حقه قانونا، دون أن يكون قد خرق قوة الأمر المقضى به أن يبحث في توفر عنصري التدليس المدني الذي يختلف في طبيعته عن التدليس الجنائي المعبر عنه بالنصب باعتبار أن الطرق الاحتيالية فيه عنصر مستقل بذاته وتكون عادة أشد جسامة من تلك المستعملة في التدليس المدني ومن جهة أخرى فإنه بمقتضى الفصل 52 من ظهير الالتزامات والعقود فإن التدليس يخول الإبطال إذا كان ما لجأ إليه من الحيل أو الكتمان أحد المتعاقدين قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لولاها لما تعاقد الطرف الآخر الخ... كما أن التدليس ينصب على وقائع مادية يجوز إثباتها بجميع وسائل الإثبات بما فيها القرائن، وأن قضاة الموضوع يستقلون بتقدير تلك الوقائع دون رقابة عليهم من محكمة النقض إلا فيما يتعلق بالتعليل أو إدعاء التحريف.

وأن المحكمة اعتمدت أساسا في القول بثبوت التدليس ومن تم بقضائها ببطلان عقد البيع المبرم بين الطرفين الذي شاب ه عيب من عيوب الرضى على ما استخلصته من الملابسات التي صاحبت إبرام هذا العقد ومن تصريحات الطاعن نفسه لدى الضابطة القضائية من أنه: خلال سنة 1976 أتاه المطلوب في النقض في شأن علاج إبنه من مرض عقلي وأنه أوهمه أنه قادر على معالجة ابنه المريض عن طريق الشعوذة والسحر وأنه طلب منه مبلغا ماليا دفع له جزءا منه ولما عجز عن دفع الباقي حمله على التعاقد معه في شأن بيع نصف داره تحت تأثير إيهامه بشفاء ابنه من مرضه، وأن العقد وإن كان لا يتضمن هذه الواقعة التي يؤكدها المطلوب في النقض وإنما تضمن البيع فقط فإن الدوافع والأسباب على الإقدام على البيع قد ثبتت بحجج وأحكام ومحاضر لضباط الشرطة وأن القانون يجيز إثبات التدليس بجميع الوسائل، وأن القضاء الزجري بت في موضوع النصب والاحتيال وترك للقضاء المدني ما هو مختص به إضافة إلى أن عقد البيع نفسه لا يتضمن معاينة تسليم الثمن وإنما أشار إلى أنه وقع باعتراف الطرفين وأن التدليس يطلق على الأساليب الاحتيالية التي يقصد منها إيقاع شخص في غلط يدفعه إلى التعاقد " وبذلك تكون المحكمة قد عللت قرارها تعليلا سليما وكافيا لتبرير ما توصلت إليه في منطوقها فالوسيلة غير مرتكزة على أساس وغير جديرة بالاعتبار.

لهذه الأسباب

 

 قضى المجلس الأعلى برفض الطلب ترك الصائر على الطالب.

وبه صدر الحكم بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور حوله بقاعة الجلسات العادية بالمجلس الأعلى الكائن بساحة الجولان بالرباط وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة المدنية السيد محمد عمور والمستشارين السادة: أحمد بنكيران مقررا، أحمد عاصم، محمد بوهراس، محمد الأجراوي وبمحضر المحامي العام السيد محمد سهيل وبمساعدة كاتب الضبط السيد لحسن الخيلي.

 

  * عن منشورات المجلس الأعلى في ذكراه الاربعين 1997



تعليقات