القائمة الرئيسية

الصفحات



صور الرقابة الجمركية وأسبابها

 



 

صور الرقابة الجمركية وأسبابها

بقلم الدكتور صخر عبدالله الجنيدي

من المعروف أن المهمة الأساسية لدائرة الجمارك هي استيفاء الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى المفروضة على البضائع المستوردة أو المصدرة، والحيلولة دون إدخال البضائع أو إخراجها، بصورة مخالفة لأحكام القانون كما أنها، بسبب انتشار موظفيها على كافة حدود الدولة، تلعب دوراً ريادياً في مؤازرة المصالح الأخرى للدولة.

ولذلك كان من الطبيعي أن تفرض الرقابة الجمركية لتحقيق هذه الأغراض والرقابة ظاهرة قديمة ترتبط نشأتها بنشأة المجتمعات المنظمة فقد عرفتها الدول جميعاً ولجأت إليها في مختلف العصور. "فقد فرض المصريون القدماء رقابة جمركية لمنع تسرب النبيذ والمنسوجات إلى مصر. كما عرفت روما، منذ القدم، نظام الرقابة الجمركية، وكان من أهدافها مكافحة تسلل العبيد عبر الحدود دون أداء الرسوم الجمركية"

وللرقابة الجمركية في العصر الحديث ثلاثة صور هي:

الصورة الأولى : المنع المطلق أي منع استيراد البضاعة، أو منع تصديرها منعاً مطلقاً.

الصورة الثانية : صورة التقييد. أي تعليق دخول البضائع للبلاد، أو إخراجها منها بعد استيفاء إجراءات معينة، تنظمها قوانين الاستيراد والتصدير.

الصورة الثالثة : إخضاع البضائع لضريبة جمركية تجبى عند دخولها البلاد، أو لدى خروجها منها.

والرقابة الجمركية لها أسباب عديدة يمكن تناولها في مطلبين:

المطلب الأول
الأسباب الاقتصادية لفرض الرقابة الجمركية

أصبحت الرسوم الجمركية، في عصرنا الحاضر أكثر الأدوات فاعلية في حماية الاقتصاد الوطني والإسهام في تقويم ميزان المدفوعات والأسباب الاقتصادية لفرض الرقابة الجمركية كثيرة نذكر منها أهمها وهي، حماية المنتجات الوطنية، وجذاب رؤوس الأموال الأجنبية، وتخفيض أسعار البضائع والمواد الخام. وعلاج الخلل في الميزان التجاري، وميزان المدفوعات، وحل المشكلات الاقتصادية. وسوف نتناولها بإيجاز وعلى النحو التالي:

أولاً / حماية السوق المحلي

فالرقابة على الواردات تمكنها من حماية السوق الوطنية والصناعات الوطنية، من منافسة السلع الأجنبية المستوردة، وهي للصناعة الوطنية أداة تشجيع وحماية، فالمواد الأولية، والآلات المعدة للاستعمال الصناعي معفاة أساساً من الرسوم الجمركية أو خاضعة لرسوم مخفضة. أما المصنوعات الأجنبية المماثلة للمنتجات الوطنية، فمثـقلة، غالباً بالفرق بين كلفة الإنتاج الأجنبي وكلفة الإنتاج المحلي، مما يتيح للصناعات الوطنية الوقوف بوجه المنافسة الأجنبية. كما أنها تميز بين الدول وبعضها في الاستيراد والتصدير من حيث نوع البضاعة المستوردة، تشجيعاً للمنتجات المحلية، ويتم ذلك عن طريق رفض الاستيراد أو الترخيص بالاستيراد وفقاً لإجراءات معينة. وكذلك قد تفرض الدولة رسوم جمركية مرتفعة على البضائع التي تقصد الدولة إبعادها عن أسواقها المحلية.

ثانياً / زيادة الاستثمارات الأجنبية

الرقابة الجمركية تستخدم في جذب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار داخل البلاد، فحينما يتعلق الأمر بإقامة مشروعات استثمارية داخل البلاد يتم إعفاء المعدات والآلات والميكنة من الجمارك، أو قد تتخذ الرقابة الجمركية قراراً بمنع استيراد السلع التي تنتجها المشروعات الاستثمارية.

ثالثاً / المحافظة على ثروة البلاد

يعتبر رأس المال من أهم العوامل المؤثرة في التنمية، فقد لعب رأس المال دوراً هاماً في رفع إنتاجية الدول المتقدمة) . ولعله من أهم أسباب فرض الرقابة الجمركية هو المحافظة على ثروة البلاد الموجودة بها، ومنع تهريبها إلى الخارج، للمحافظة على استثمارها داخل البلاد.

وإن ما تسعى الدول إلى مكافحة تهريبه وذلك بالرقابة الجمركية الحازمة، هو الطوابع البريدية، والأعمال الفنية ذات القيمة الكبيرة والذهب والمشغولات الذهبية، والأحجار الكريمة مثل الماس، والياقوت، والزمرد، والزبرجد، والفيروز، واللآلئ والتحف الأثرية، وذلك لأن جميع هذه الأشياء يسهل بيعها في جميع دول العالم، لذلك نجد أن خروج هذه الأشياء يعد من أهم وسائل تهريب رؤوس الأموال ومن الصعب ضبطها لخفة وزنها وسهولة إخفائها عن رجال الجمارك.

رابعاً / انخفاض أسعار المنتجات المحلية

يقول الأستاذ Claude Tigier أستاذ الاقتصاد بجامعة منشيستر أن سعر الصرف داخل الدول وكذلك تخفيض الضرائب الجمركية على المواد الأولية، يؤدي إلى انخفاض أسعار البيع الداخلة فيها المواد الأولية المستوردة. إذاً الرقابة الجمركية تحقق تخفيض أسعار البضائع، وذلك حينما لا تفرض رسوم جمركية على المواد الخام الواردة من الخارج وذلك يؤدي إلى تخفيض أسعار السلع التي تدخل فيها هذه المواد الخام.

خامساً / زيادة الصادرات وانخفاض الواردات

قام الأستاذ J. E. Meade أستاذ التجارة بجامعة لندن بتقسيم ميزان المدفوعات لدى الدول إلى ثلاثة أنواع وهي الميزان الفائض، والقاصر، والمتوازن فيقول إن ميزان المدفوعات لدولة ما به فائض عندما تكون حصيلة صادراتها إلى باقي دول العالم تزيد عن جملة وارداتها، وبالعكس يكون ميزان مدفوعاتها قاصراً إذا أصبحت حصيلة صادراتها أقل من وارداتها، ويقال أن ميزان مدفوعاتها متوازن إذا تساوت حصيلة صادراتها مع حصيلة وارداتها للعمليات التجارية مع الدول الأخرى.

وعليه فإن جميع الدول تحاول زيادة صادراتها عن وارداتها حتى تعالج ميزان المدفوعات، وذلك من خلال تسهيلات جمركية، وإلغاء الرسوم على الصادرات، وزيادة الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى على الواردات وذلك للتقليل من الواردات وبالتالي التأثير على ميزان المدفوعات.

سادساً / فرض رسوم جمركية عالية على الكماليات وانخفاضها على الميكنة الإنتاجية

يقول W. ARTHER LEWIS أستاذ الاقتصاد بجامعة مانشيستر أن سلوك الحكومة يلعب دوراً هاماً في تشجيع أو تثبيط الأنشطة الاقتصادية، وكذلك كلما زادت التسهيلات زاد النشاط التجاري.

The behavior of governments plays as important a role in stimulating or discouraging economic activity

إن الرقابة الجمركية تحل المشاكل الاقتصادية للدولة وذلك بالحد من استيراد السلع الكمالية، وفرض رسوم جمركية منخفضة على سلع الإنتاج والآلات والميكنة اللازمة لمشروعات التنمية الاقتصادية.

سابعاً / المحافظة على توازن الميزان التجاري

تلجأ الدول إلى الرقابـة الجمركيـة لتقليـل العجـز فـي الميـزان التجـاري " Balance of trade deficit " وبالتالي تقليـل العجـز فـي ميـزان المدفـوعـات " Balance of payments" وذلك لأن الميزان التجاري جزء من ميزان المدفوعات والميزان التجاري هو: الفرق بين الصادرات والواردات فقط، وهناك فرق بين الميزان التجاري وميزان المدفوعات وقد عرف البعض ميزان المدفوعات بأنه عبارة عن حركة تعامل الدولة مع الخارج أما أسلوب الرقابة الجمركية الذي يتبع لزيادة الصادرات عن الواردات، هو بتشجيع سياسة التصدير للخارج بإلغاء الرسوم الجمركية على الصادرات مثلاً أو إعطاء إعانات تصدير " Export Subsidies " للمصدريــن حتى يكــون للصادرات القدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية، فاليابان مثلاً تعطي للمصدرين 10% عند قيامهم بالتصدير للخارج، وإسرائيل تعطي 10% إعانة تصدير للمصدرين إذا كان التصدير إلى أي بلد من بلاد العالم، وتزيد هذه النسبة إلى 20% إذا كان التصدير لأحد الدول العربية وذلك بهدف غزو أسواق الدول العربية وإذا تم اتباع السياسات التصديرية مع إلغاء الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى على الصادرات، سوف تتمكن الدولة من فتح أسواق عالمية World Market للمنتجات الوطنية وبالتالي يحدث توازن في الميزان التجاري.

ثامناً / زيادة الصفقات المتكافئة مع دول العالم الخارجي:

إن أسلوب الصفقات المتكافئة بالنسبة لدول العالم النامـي هو أحـد الأساليـب الناجحة لتنشيط تجارتها الخارجية حيث تستخدم الرقابة الجمركية في زيادة الصفقات المتكافئة مع دول العالم الخارجي، وذلك من خلال التسهيلات الجمركية وعدم فرض رسوم جمركية على السلع المصدرة وبالتالي السلع المستوردة ضمن صفقة متكافئة، وذلك من خلال تصدير سلع وطنية والاستيراد بقيمتها سلعاً وآلات أجنبية. وبذلك يخف الضغط على الميزان التجاري.

 

 

المطلب الثاني
أسباب متنوعة لفرض الرقابة الجمركية

1- الأسباب السياسية والعسكرية

قد تستهدف الدولة بالرقابة الجمركية أغراضاً سياسية أو عسكرية، كأن تحظر استيراد البضائع من بلاد معينة، بقصد الضغط على هذه البلاد، كما فعل الحلفاء في الحربين العالميتين الأولى والثانية.

2- أسباب دولية لفرض الرقابة الجمركية

استناداً إلى أحكام القانون الدولي فقد تفرض الرقابة الجمركية لأسباب دولية معينة فلا يتم التصدير إليها أو الاستيراد منها بناءً على اتفاقية دولية صادرة عن الأمم المتحدة، كما وحدث بالنسبة لقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالاستيراد والتصدير مع جنوب إفريقيا، وكذلك قرار الأمم المتحدة بالنسبة إلى الجمهورية الليبية أثر رفضها تسليم المتهمين في حادث إسقاط الطائرة الأمريكية وكما وجدت في إلغاء للتجارة الدولية مع الجمهورية العراقية بغض النظر عن شرعية أو عدم شرعية هذةالأجرائاتمن وجة نظر القانون الدولي.

3- الأسباب النقدية لفرض الرقابة الجمركية

عندما يخشى على العملة الوطنية من التدهور بالنسبة للنقد الأجنبي، تعمد الدولة، وفي مثل هذه الحالة، إلى منع استيراد بعض أصناف البضائع، وخاصة الكماليات منها، وتفرض الرقابة الجمركية لكي تعيد إلى الميزان التجاري توازنه. كما أنها تفرض هذه الرقابة من قبيل الحفاظ على مواردها المحدودة، فتقيم العراقيل بوجه تصدير سلع معينة حتى تظل في متناول الشعب وكذلك من السياسات النقدية التي تشغلها الرقابة الجمركية، عدم خروج أو دخول النقد الوطني إلى البلاد إلا في حدود معينة.

4- الأسباب الصحية لفرض الرقابة الجمركية

قد تكون الغاية من الرقابة الجمركية صحية كما هو الشأن في حظر استيراد المواد المخدرة والسموم والسلع الفاسدة والأفيون والكوكايين، والحشيش ومشتقاته والهيروين أو حضر استيراد بعض المنتجات من بلاد معينة بها أوبئة أو أمراض معدية، أو حضر الاستيراد لمنتجات غذائية أو حيواني من بعض البلدان حماية للصحة العامة. ويرى المفتش العام للبوليس بشمال ويلز أنه توجد عصابات دولية لتجارة المواد المخدرة والهيروين، وتقوم بعض الدول بزراعتها لزيادة مواردها المالية، ولذلك لابد من تعاون جميع أجهزة البحث الجنائي في العالم بتبادل المعلومات للقضاء على هذه العصابات.

5- الأسباب الاجتماعية لفرض الرقابة الجمركية

إن الاعتبارات الاجتماعية قد تكون السبب في الرقابة الجمركية فقد تفرض الدولة الرقابة الجمركية لتحقيق أهداف اجتماعية، كما هو الحال عندما تفرض الدولة ضرائب باهظة على استيراد الخمور أو أوراق اللعب تنفيراً أو تقييداً للناس من الإقبال عليها، ومنع استيراد السلع الاستفزازية في بعض الدول الفقيرة حتى لا يحدث حد طبقي.

6- الأسباب الأخلاقية بفرض الرقابة الجمركية

قد تكون الغاية من الرقابة الجمركية خلقية أو تربوية كما هو الحال في منع استيراد المطبوعات والصور المخلة بالآداب العامة. ومثل منع استيراد الأفلام التي تخدش الحياء العام والأخلاقيات المتعارف عليها، أو حضر استيراد الأدوات والمصنوعات المتعلقة بالجنس وذلك للحفاظ على الثوابت الأخلاقية التي تربى عليها المجتمع ويعتبرها أحد أركانه الأساسية.

7- الأسباب الأمنية لفرض الرقابة الجمركية

لاعتبارات تتعلق بأمن البلاد مثل خطر استيراد المفرقعات، والأسلحة النارية والأدوات المتفجرة تفرض الرقابة الجمركية وذلك كنوع من وسائل منع الجريمة حيث أن الوقاية من الجريمة خير من ضبطها بعد ارتكابها.

يتضح مما تقدم أن الرقابة الجمركية لا تحقق غرضاً في ذاته بل إنها في لحظة واحدة قد تحقق أكثر من غرض، وتحقق عدة غايات. تحقق مصالح عليا للدولة أما الإخلال بالقواعد والنظم الجمركية، هو كما أسلفنا عامل من العوامل الهدامة للاقتصاد الوطني، لما ينتج عنه من ضياع لحقوق الخزانة العامة وهدر المال العام وقضاء على الصناعات الوطنية ويسبب انتهاكاً للنظام العام ويفسد الأخلاق لكل ذلك ومن أجل ردع جريمة التهريب الجمركي وحماية المصالح الوطنية العليا نجد أن المشرّع خرج عن القواعد العامة للاختصاص المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية.

تعليقات