📁 آخر الأخبار

الحراسة القضائية في التشريع المغربي

 


الحراسة القضائية في التشريع المغربي

 

         ان الحراسة القضائية موضوع يتعلق باجراء من الاجراءات التحفظية، وبجانب من جوانب اختصاص رئيس المحكمة باعتباره قاضيا للامور المستعجلة. وهذا الاجراء خصه المشرع بالذكر من بين الاجراءات التحفظية الاخرى حيث جاء في الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية ما يلي : " يخص رئيس المحكمة الابتدائية وحده بالبت بصفته قاضيا للمستعجلات كلما توفر عنصر الاستعجال في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم او سند قابل للتنفيذ أو الأمر بالحراسة القضائية أو بإجراء آخر تحفظي" وقد اشترك كل من قانون الالتزامات والعقود وقانون المسطرة المدنية في تنظيم الحراسة القضائية، الأول من زاوية أحكامها، والثاني من زاوية إجراءاتها .

         وعن التعريف فان المشرع المغربي لم يعرف الحراسة القضائية وإنما عرف الحراسة بصفة عامة. وهكذا قضى الفصل 818 من قانون الالتزامات والعقود بان: "إيداع الشيء المتنازع عليه بين يدي احد من الغير يسمى حراسة". وبالرجوع إلى الفقه يمكن استخلاص تعريف للحراسة القضائية بأنها: " إجراء تحفظي مؤقت لا يمس جوهر الحق، يتمثل في الإيداع المادي للشيء محل النزاع بين يدي الغير". ومن حيث الأهمية ، فان تعقد النشاط الاقتصادي وما صاحب ذلك من تنوع في طرق الإنتاج واستثمار الأموال واتساع نطاق الاستغلال وتوزيع العمل، وازدياد الأموال المنقولة التي أصبحت تحتل مكانها بجانب الأموال العقارية، وتقدم التجارة وازدهار الصناعة، وتأسيس شركات برؤوس أموال ضخمة، وإنشاء مصانع كبيرة، إلى غير ذلك من المؤسسات والمنشات الاقتصادية كلها ادى إلى تنوع في الحقوق الالتزامات المتزايدة بين الأفراد والهيئات، الشيء الذي نشا عنه نزاعات وتضارب المصالح وتباين في الأفكار والرؤى، استلزمت علاجا سريعا يكفل المحافظة على الحقوق ويضمن حسن وفاء تلك الالتزامات. وأمام هذا التطور أصبح من الصعب اتفاق الأطراف، في نزاع ما - على وضع مال معين تحت الحراسة، نظرا من جهة لأهمية هذا المال الذي لم يعد يقتصر على عقار محدود القيمة، بل تعدى ذلك الى شركات تجارية وأصول تجارية ومؤسسات صناعية ومنقولات مرتفعة القيمة، ونظرا من جهة أخرى لصعوبة العثور على حارس يرضي الطرفين لفقدان الثقة والائتمان نتيجة تعقد الحياة الاقتصادية من ناحية، وتزايد إقبال الأفراد على القضاء حتى في ابسط النزاعات التي تنشا بينهم من ناحية أخرى.

 ونتيجة لكل هذا تخلت الحراسة الاتفاقية عن مكانتها لتحتلها الحراس القضائية، فأصبح قاضي الأمور المستعجلة يأمر بها كلما دعت الضرورة لضمان سير النشاط الاقتصادي، بالرغم مما ينتج عنها من خطر تقييد حق الملكية تقييدا مؤقتا، إذ أن إجراء الحراسة القضائية قد يعطل ممارسة حق الملكية، وبالتالي الحد من فعاليته وجدواه في مسيرة التطور من جهة، وفي ضمان العيش المطمئن لفئات من الأفراد من جهة أخرى، غير أن القضاء في أمره بالحراسة القضائية إنما يركن إلى ما يمكن أن تسديده هذه الأخيرة من خدمة سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي، سيما وانه لا يامر بها إلا اذا كانت هناك ضرورة حقيقية تستدعي ذلك، وفي هذا ما يدل على الحكمة المتوخاة من وضع نظام الحراسة القضائية، وعلى مدى التبصر والروية والتعقل وحسن التقدير الذي يجب على القاضي ان يعالج به مثل هذه المسائل.

         وأما من حيث الأصل، اذا كان القانون الروماني قد عرف الحراسة القضائية وعالجها، فانه لم يصل في ذلك الى ما وصلت إليه الشريعة الإسلامية التي تضمنت مبادئ وقواعد بصدد تطبيقات واسعة في مختلف الضرورات العملية يمكن مقارنتها مع أرقى ما وصل اله الفقه والقضاء في العصر الحاضر. بحيث أطلقت عليها تسميات عديدة منها "التوقيف" و"العقل"، كما تعرض لها فقهاء المالكية في باب الشهادات، ومن تطبيقاتها ما جاء في كتاب " توضيح الأحكام على تحفة الحكام" (1) انه: "عندما يأتي شخص بعدلين يشهدان له شهادة قطعية باستحقاق شيء من آخر ويقوم المشهود عليه بالطعن في شهادتهما أو بإظهار تناقض في فصول هذه الشهادة او فيما بين الشاهدين وبين مقال الطالب، فيحكم الحاكم بتوقيف الشيء المتنازع عليه لئلا يفوته المدعى عليه ويضرب أجلا للمدعى عليه لكي يثبت استحقاقه لهذا الشيء. فان انقضى الأجل ولم يأت بما تأجل له قضي بالشيء المتنازع فيه للطالب، وان اتى بما ينفعه قبل انقضاء الأجل رفع الإيقاف ورد الشي الذي كان موقوفا ليد صاحبه، ولا تسمع للطالب دعوى فيه بعد تعجيزه على نحو ما تقدم".

 أما عن طبيعتها، فان الحراسة القضائية لا تعدو أن تكون نيابة تحل فيها إرادة الحارس القضائي، التي تنصب على المحافظة على الشيء وصيانته وإدارته، محل الأصيل وهو صاحب الحق الشرعي في هذا الشيء. كما أن الأثر القانوني لإعمال الحارس القضائي هذه تنصرف الى صاحب الحق الشرعي كما لو كانت هذه الأعمال قد صدرت منه هو.

 أما خصائصها فتتمثل في كونها إجراء تحفظي تدعو إليه ضرورة المحافظة على الشيء المتنازع عليه حتى ينتهي النزاع القائم بشانه، وفي كونها اجراء مؤقت حيث يكون القرار القاضي بالحراسة القضائية من قبيل الاحكام الوقتية التي يراد بها اتخاذ اجراءات تحفظية لحماية حقوق المتقاضين لحين الفصل في النزاع، حتى لا تكون من وراء بطء اجراءات التقاضي اضرار تلحق هذه الحقوق، وفي كونها اخيرا اجراء لا يمس اساس الحق، حيث يمتنع على قاضي الامور المستعجلة ان يقضي في اصل الحقوق والالتزامات والاتفاقات مهما احاط بها من استعجال او ترتب على امتناعه عن القضاء فيها من ضرر بالخصوم، بل يجب عليه تركها لقاضي الموضوع المختص وحده للحكم فيها.

         وتتميز الحراسة القضائية عن كل من الحراسة القانونية والحراسة الاتفاقية، وكذلك عن الوديعة والوكالة، فهي تتميز عن الحراسة القانونية في ان الاولى يؤمر بها من طرف القضاء في حين ان الثانية لا دخل فيها لسلطة القضاء بل القانون هو الذي يقررها. كما ان الحراسة القضائية تقتضي توافر شروط معينة للامر بها كوجود نزاع وخطر عاجل، اما الحراسة القانونية فيكفي لقيامها تحقق حالة من الحالات المنصوص عليها والمحددة قانونا.

         اما بالنسبة للتمييز بين الحراسة القضائية والحراسة الاتفاقية، فبالرغم من ان المشرع عالج الحراسة الاتفاقية في نفس الفصول التي تناول فيها موضوع الحراسة القضائية، وبالرغم من اوجه الشبه المتعددة القائمة بين الإجراءين، فان هناك جوانب يختلفان فيها من اهمها ان الحراسة القضائية يؤمر بها من طرف القضاء، في حين ان الحراسة الاتفاقية لا دخل للقضاء فيها بل الاطراف هم الذين يختارون الحارس بمحض اتفاقهم بعدما اتفقوا ايضا على مبدا الحراسة.

 واذا كانت الحراسة القضائية تعتبر نوعا من الوديعة وبالتالي اخضعها المشرع لاحكام هذه الاخيرة فان هناك فوارق بينهما، من ذلك ان الاولى قد تقع على المنقولات والعقارات في حين ان الوديعة لا تكون الا في الاشياء المتنازع عليها بخلاف الوديعة التي لا تتعلق بشي ء متنازع عليه.

         واذا كان المشرع قد احال في بعض الفصول المنظمة للحراسة القضائية على بعض احكام الوكالة، فانهما يتميزان عن بعضهما من عدة جوانب اهمها ان الاصل في الحراسة القضائية حفظ المال والادارة تاتي تبعا لذلك اما في الوكالة فالاصل ادارة المال والحفظ ياتي تبعا لذلك، وان الحراسة القضائية يؤمر بها دائما من طرف القضاء، اما الوكالة فان مصدرها الاتفاق حيث تعتبر عقدا.

" شروط قيام الحراسة القضائية" وتطبيقاتها ومسطرتها.

فمن شروطها المهمة وجود نزاع جدي، ومعنى جدية النزاع ان يكون مبنيا على اساس من الصحة يؤكده ظاهر المستندات وتحقق وجوده وقائع الدعوى، اذ لا يكفي للامر بالحراسة القضائية مجرد قيام خلاف عادي بين شخصين أو اكثر على منقول او عقار او مجرد القول من جانب المدعي بوجود نزاع بينه وبين المدعى عليه بل يجب ان تكون المنازعة قائمة على سند من الجد. والى جانب النزاع الجدي يشترط القيام بالحراسة القضائية وجود استعجال، وقدر جرى الفقه والقضاء على تعريف الاستعجال بانه: ذلك الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يلزم درؤه عنه باتخاذ اجراءات سريعة لا تحتمل الانتظار ولا يمكن ان تتحقق عن طريق القضاء العادي ولو قصرت مواعيده.

         ومن شروط قيام الحراسة القضائية ايضا توافر شرط الخطر الذي لا يكفي لدرئه اجراءات التقاضي العادية. ويمكن تعريف الخطر بانه : الخشية من ضياع المال او تبديده او النقص من قيمته اذا بقي تحت يد حائزة او الخوف من ضرر محدق بصاحب الحق اذا لم يبادر الى حماية حقه. والواقع ان الاستعجال لا يقوم إلا اذا كان هناك خطر يهدد المال او الحق، وبالتالي فان عبارة " الاستعجال" التي اكتفى المشرع المغربي بايرادها في الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية تشمل ايضا الخطر، ولهذا تطلق بعض التشريعات كالتشريع   المصري على الخطر المبرر للحراسة القضائية عبارة " الخطر العاجل".

 ومن شروط الحراسة القضائية ايضا ان تكون هذه الحراسة هي الوسيلة الوحيدة والضرورية   للمحافظة على الشيء. ذلك ان الحراسة القضائية تدبير استثنائي وخطير لا يجوز ان يلجا اليه الا عند الضرورة وعلى قاضي المستعجلات ان لا يصدر قراره بتعيين حارس قضائي الا عند شديد الحاجة الى هذا التعيين، ويكون الامر كذلك اذا راى القاضي المذكور ان الحراسة القضائية هي الوسيلة الوحيدة التي بامكان اطراف النزاع اللجوء اليها.

 واخيرا يشترط لقيام الحراسة القضائية ان يكون الشيء قابلا للوضع تحت الحراسة القضائية ويكون الامر كذلك اذا كان قابلا للتعامل فيه والحجز عليه واستغلاله وادارته بواسطة الغير وتحديده، الا انه لا يشترط ان تقوم الحراسة القضائية على نسبة معينة من الاموال، وهذا ما انتهى اليه المجلس الاعلى الذي حسم نقاشا كان قائما بين اوساط القضاء.

 اما عن تطبيقات الحراسة القضائية فان حالات قيام هذه الاخيرة عديدة ومتنوعة، اهمها الأمر بالحراسة القضائية على الشيء الشائع على الشيء المبيع او المؤجر وعلى الشركات الى غير ذلك.

ولابد من الاشارة من جهة الى ان هذه الحالات منها ما تعرض له المشرع بنص خاص، ومنها ما يخضع للقواعد العامة للحراسة القضائية، ومن جهة أخرى الى انه لا يمكن استعراض كل الحالات التطبيقية للحراسة   القضائية نظرا لصعوبة تقصي واستيعاب كل تلك الحالات، وانما تحصل الكفاية ببحث بعضا مما اشير اليه اعلاه.

 فإذا كانت الحراسة القضائية على المال الشائع تعتبر اغلب الحالات التي يامر فيها قاضي المستعجلات بهذا للإجراء، فان هناك سؤالا يتعلق بما اذا كان يجوز وضع المال الشائع تحت الحراسة القضائية للاختلاف على اداء ديون مثقل بها هذا المال ؟ كأن تكون الديون ناتجة عن نفقات اصلاح المال الشائع مثلا.

 إذا كنا يقول الباحث -   قد جارينا مسلك اغلب الفقه وارتأينا عند تحليله كلمة " شيء" جواز اخذها بمفهومها الواسع تشمل حتى الأشياء المعنوية، فان ذلك مشروط بكون الشيء قابلا للايداع بين يدي الغير، والديون لا يمكن ايداعها بين يدي الغير، فلا يمكن والحالة هذه وضع شيء غير متنازع عليه تحت الحراسة القضائية   بسبب وجود نزاع حول شيء اخر اذ ان ذلك يخالف روح التشريع. ولكن هذا المنطق التشريعي يضيف الباحث قد لا يستجيب لجميع الحالات التي تعترض من الناحية العملية اذا قد يذب النزاع بين الشركاء على الشيوع حول الديون المثقل بها المال الشائع فينكر البعض هذا الدين او يدعي عدم صحته او يرفض اداء نصيبه منه الى غير ذلك من انواع النزاع الذي من شانه ان يعرض المال لخطر الحجز عليه، ففي هذه الحالة حتى يتم وفاء الديون من ريع المال الشائع يتعين منع الشركاء من الحصول على ذلك الريع الا اذا سددت الديون، وتكون الوسيلة لذلك اما اقامة الحجز التحفظي عليه او وضعه تحت الحراسة القضائية اذا تبين ان الحجز التحفظي غير كاف، وهذا ما انتبه المشرع واوجد له الفصل 454 من قانون المسطرة المدنية.

 وبخصوص وضع الشيء المبيع تحت الحراسة القضائية، فإن خلافا سائدا في القضاء المغربي حول جواز ذلك. وكمثال على هذا الخلاف، جاء في قرار للمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء انه : " بامكان المدعي البائع المحافظة على حقوقه التي قد تكون ثابتة له من جراء عدم تنفيذ التزام المدعى عليه المشتري بإجراءات اخرى غير الحراسة القضائية التي تعتبر في حد ذاتها اجراء خطيرا لا يؤمر به الا اذا ثبت لطالبه حق وكان هذا الحق معرضا للخطر ولا يمكن حمايته باجراء اخر". ويقابل هذا الراي القضائي راي اخر من المحكمة الابتدائية بالرباط في قرار مضمنه : " يحق للمشتري محافظة على حقوقه في العقار المبيع وفي غلته حتى الفصل في دعوى الموضوع ان يطلب وضعه تحت الحراسة القضائية خاصة وان بقاء العقار تحت يد البائع طيلة النزاع قد يخلق وضعية صعبة فيما لو حكم باتمام البيع تكون محل نزاع اخر مما يتوافر معه وجه الخطر الموجب لفرض الحراسة القضائية".

 صحيح ان الحراسة القضائية يقول الباحث لم تشرع للضغط على المدين، كما انها لا تعتبر طريقا من طرق التنفيذ، الا ان الخطر العاجل الذي يتهدد العين المبيعة اذا ما بقيت في حيازة المشتري هو الذي يجيز للبائع طلب وضع محل عقد البيع تحت الحراسة القضائية.

 اما بخصوص وضع الشركات تحت الحراسة القضائية، فقد ذكر الباحث ان هناك من رجال القضاء بالخصوص من يعتبر ان الشركات لا توضع تحت الحراسة القضائية، وانما توضع تحت التسيير القضائي، بمعنى ان القضاء يعين مسيرا للشركة وليس حارسا لها. ويوجد هذا فعلا في التعابير التي يستعملها القضاء في احكامه حيث يستعمل البعض منه عبارة " مسير قضائي" بينما يستعمل البعض الاخر عبارة " حارس قضائي" فادى هذا الى التساؤل عما اذا كان هناك فرق بين العبارتين ام لا ؟.

 لقد تعرض الفقه الفرنسي لهذه المسالة يقول الباحث وانتهى إلى انه ليس هناك أي فرق بين الحارس القضائي  Séquestre Judiciaire  والمسير القضائي  Administrateur Judiciaire كما قد يتبادر إلى الذهن، اذ ان كلا منهما يقوم باعمال المحافظة والادارة، وان استعمال عبارة " مسير قضائي" إنما جاء نتيجة التوسع في تفسير نص الفصل 1961 من القانون المدني الفرنسي فأطلقت العبارة السابقة على الحالات غير المنصوص عليها في الفصل المذكور مع ان كلا من العبارتين يؤدي الى معنى واحد.

 وقد استشهد الباحث في هذا الصدد بقرار صادر عن محكمة التعقيب التونسية (5) جاء فيه بالحرف : " لا وجود لاي نص قانوني يمنع المحكمة من تعيين حارس قضائي اصطلح بتسميته في مادة الشركات بمتصرف وقتي او قضائي وذلك لادارة الشركة مؤقتا حتى لا تكون مهددة بالتلاشي والزوال لوجود نزاع جدي بين شركائها مع مراعاة المصلحة العامة للشركة. وعلى هذا الأساس يجوز تعيين متصرف قضائي لادارة الشركة مؤقتا ولو كانت شركة خفية الاسم شريطة ثبوت مصلحة الشركة لاتخاذ مثل هذه الوسيلة التحفظية باعتبارها انجع الوسائل لتلافي كل خطر قد يهدد كيانها ويعطل سيرها ونشاطها مع وجوب ضبط وظائف القضائي وتحديد مسؤوليته ريثما يحسم النزاع في الاصل بين مساهمي الشركة".

 وفيما يخص مسطرة الحراسة القضائية، اوضح الباحث ان هذه الحراسة تخضع لمسطرة خاصة باعتبارها اجراء مستعجلا سواء من حيث الاختصاص ان من حيث اجراءات رفع الدعوى والحكم فيها أو من حيث التنفيذ.

فمن حيث الاختصاص يسند الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية الاختصاص بالبت في الحراسة القضائية الى رئيس المحكمة الابتدائية، واذا عاقه مانع قانوني اسندت تلك المهمة الى اقدم القضاة، اما اذا كان النزاع معروضا على محكمة الاستئناف فان ممارسة تلك المهمة تكون للرئيس الاول.

 ويترتب على كون الاختصاص بالامر بالحراسة القضائية يعود لرئيس المحكمة ثلاثة اثار :

1- ان قاضي المستعجلات يبقى مختصا بالامر بالحراسة القضائية حتى ولو لم ترفع دعوى في الموضوع (الفصل 149 من ق. م. م).

2- ان رفع دعوى في الموضوع لا يعطي لقاضي الموضوع الاختصاص بنظر دعوى الحراسة القضائية حتى ولو كانت هذه الاخيرة تابعة لدعوى موضوعية ينظر فيها ذلك القاضي، والمشرع من هذه الناحية يختلف عن كثير من التشريعات.

3- ضرورة وجود علاقة بين النزاع المعروض على محكمة الاستئناف وطلب الحراسة القضائية بالنسبة لاختصاص الرئيس الاول ويقصد بالعلاقة ان يكون طلب الحراسة القضائية ناتجا عن قيام نزاع في الموضوع محال عن طريق الاستئناف على محكمة الاستئناف.

 إلا ان الذي يثار في هذا الصدد يقول الباحث هو ان قانون المسطرة المدنية الجديد بمنحه الاختصاص للرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بالبت في الطلبات الاستعجالية اذا كان النزاع معروضا على محكمة الاستئناف يكون قد اضاف شيئا لم يكن في قانون المسطرة المدنية القديم، مما عرض المشرع لانتقادات باعتبار ان اختصاص الرئيس الاول في هذه الحالة يكون ابتدائيا وانتهائيا، وهذا من شانه حرمان المتخاصمين من احدى درجات التقاضي .

 ومن حيث اجراءات رفع دعوى الحراسة القضائية فقد اوضح الباحث ان هذه الدعوى تخضع مبدئيا لنفس الاجراءات التي تخضع لها الدعاوى عموما، لكنها في نفس الوقت تستقل ببعض الاجراءات، منها ان دعوى الحراسة القضائية، ترفع الى رئيس المحكمة الابتدائية باعتباره قاضيا للأمور المستعجلة حيث يتم البت في احدى جلسات القضاء المستعجل المعنية أيامها وساعاتها من طرف الرئيس، غير انه يمكن ان يقدم طلب الحراسة القضائية في غير الأيام والساعات المعينة للقضاء المستعجل في حالة الاستعجال القصوى، سواء الى قاضي المستعجلات او الى مقر المحكمة وقبل التقييد في سجل كتابة الضبط او ولو بموطنه. ويعين القاضي فورا اليوم والساعة التي ينظر فيها الطالب، ويمكنه تعيين جلسة حتى في أيام الآحاد أو في ايام العطل والأعياد. و يامر قاضي المستعجلات باستدعاء الطرف المدعى عليه للحضور ان راى في ذلك فائدة، ويتم استدعاء في هذه الحالة طبقا للشروط المنصوص عليها في المواد 37 و38 و39 من قانون المسطرة المدنية غير انه يمكن الاستغناء عن ذلك إذا كانت هناك حالات الاستعجال القصوى، كما يمكن رفع طلب الامر بالحراسة القضائية لاول مرة امام الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف عندما يرفع الى هذه المحكمة استئناف موضوع الدعوى الاصلية، أي عندما يرفع اليها النزاع في الموضوع، فيصدر قرار الحراسة القضائية بصفة ابتدائية وانتهائية.

 اما الحكم في دعوى الحراسة القضائية فذهب الباحث الى انه يعتبر من الاحكام غير القطعية والمؤقتة، على ان الامر بالحراسة القضائية يخضع في صدوره لنفس القواعد الشكلية التي يخضع لها صدور الحكم بصفة عامة.

 وتكون للامر المذكور حجية وقتية من جهة، ونسبية من جهة اخرى، فحجيته وقتية لانها لا تستمر ولا تدوم الا في حدود ما لم يستجد من الوقائع والاسباب التي كانت معروضة على انظار قاضي المستعجلات. وتكون الحجية نسبية لانها لا تلزم قاضي الموضوع عندما يقضي في اصل الحق طبقا لقاعدة عدم المساس بالموضوع، ويخضع الطعن في الامر بالحراسة القضائية من جهة لنفس التي تنظم الطعن في الاحكام بصفة عامة، ومن جهة أخرى لقواعد خاصة تنظم الطعن في الاوامر الاستعجالية، والمشرع نص صراحة في الفصل 153 من قانون المسطرة المدنية على عدم جواز الطعن بالتعرض في هذه الأوامر، يجوز الطعن في الامر بالحراسة القضائية بطريق الاستئناف كسائر الاحكام العادية غير انه يختلف عن هذه الاخيرة في انه يجب ان يقدم الاستئناف داخل اجل خمسة عشر يوما من تبليغ الأمر عدا في الحالات التي يقرر فيها القاضي خلاف ذلك،

أما بالنسبة لتعرض الخارج عن الخصومة فقد اختلف الفقه والقضاء حول ما اذا كان يجوز سلوك هذا الطعن بالنسب للاحكام الصادرة عن القضاء المستعجل، الا ان الراي الراجح يميل الى القول بجواز التعرض على هذه الاحكام تعرض الخارج عن الخصومة ولا سيما ان الاحكام المذكورة تقبل التنفيذ المعجل حكما وقد يحصل ان تمس بحقوق الغير. اما بالنسبة للطعن بطريق التماس اعادة النظر فانه لا يجوز ممارسته بالنسبة للامر الصادر بالحراسة القضائية، لان هذا الامر كبقية الاوامر الصادرة عن القضاء المستعجل يتصف بالتوقيت وان هذا التوقيت يجرد عمليا اعادة النظر من كل فائدة ما دام بالامكان الرجوع عن الامر الصادر عن قاضي المستعجلات دون اللجوء الى طريق اعادة النظر، وهذا الراي هو الراجح فقها وقضاء، اما بالنسبة للطعن بالنقض فان الأمر بالحراسة القضائية يقبل الطعن بالنقض استنادا الى مقتضيات الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية.

 وبعد صدور الامر بالحراسة القضائية يتعين تنفيذه، وهذا الامر كغيره من الأوامر الاستعجالية مشمول بالتنفيذ المعجل بقوة القانون، لكن السؤال المطروح في هذا الصدد هو ما اذا كان من الممكن وقف تنفيذه من طرف محكمة الاستئناف ؟.

 في جوابه على هذا السؤال اشار الباحث آلي انه كان اذا كان الاصل هو شمول الاوامر الاستعجالية بالتنفيذ المعجل بقوة القانون بصفة مطلقة ودون قيد، فان المشرع اوجد لهذا الاصل استثناء نص عليه في الفصل 153 من قانون المسطرة المدنية، وهكذا بعد ان صرحت الفقرة الاولى من المادة المذكورة بانه : " تكون الاوامر الاستعجالية مشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون" اضافت " ويمكن للقاضي مع ذلك ان يقيد التنفيذ بتقديم كفالة". غير انه يتعين التمييز في هذا الصدد بين تقييد التنفيذ المعجل بتقديم كفالة المنصوص عليه في الفصل153 المذكور وايقاف التنفيذ المعجل بتقديم كفالة المنصوص عليه في الفصل 147 من قانون المسطرة المدنية، فاذا كان يجوز لرئيس المحكمة الابتدائية باعتباره قاضيا للامور المستعجلة تقييد التنفيذ المعجل للأوامر الاستعجالية بتقديم   كفالة من طرف الاشخاص الذين تصدر لصالحهم تلك الأوامر، فان الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف باعتباره ايضا قاضيا للامور المستعجلة لا يمكنه ايقاف التنفيذ المعجل للاوامر الاستعجالية بتقديم كفالة من طرف الاطراف الذين يطلبون ايقاف التنفيذ المعجل، ذلك ان الفصل 153 صريح في ان الآمر يتعلق بتقييد التنفيذ المعجل بتقديم كفالة وليس بإيقافه ومع ذلك يضيف الباحث نجد بعض المحاكم لا تفرق بين الحالتين، من ذلك ما جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط (7) " ان محكمة الاستئناف بالرباط تحكم بقبول طلب ايقاف التنفيذ شريطة ايداع مبلغ 50 الف درهم بصندوق المحكمة الابتدائية الى ان تبث محكمة الاستئناف في الموضوع ...". وقد استندت المحكمة في قرارها هذا على الفصل 147 في فقرته الخامسة التي جاء فيها : " يمكن رفض الطلب او اقرار ايقاف التنفيذ المعجل الى ان يقع البت في الجوهر أو الامر بايقاف التنفيذ المعجل لمدة معينة او تعليق متابعة التنفيذ كليا أو جزئيا على تقديم كفالة من طالبه"، مع ان هذه الفقرة لا تطبق على الاوامر الاستعجالية لان التنفيذ فيها معجل بقوة القانون وذلك حسب مدلول الفقرة الثامنة من الفصل 147 التي جاء فيها: "لا تطبق مقتضيات الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة من هذا الفصل اذا كان التنفيذ المعجل بقوة القانون".

" اثار الحراسة القضائية"

 فبالنسبة لتعيين الحارس القضائي يتم هذا التعيين اما باتفاق ذوي الشان وهذا لا يعني ان الحراسة تتحول الى حراسة اتفاقية لان العبرة في كون الحراسة اتفاقية او قضائية هي للجهة التي فرضت الحراسة في ذاتها - واما يكون التعيين من طرف قاضي المستعجلات. واذا كان الفقه قد اجاز تعيين احد من غير الاطراف حارسا قضائيا سواء كان من الخواص او موظفي المحكمة المختصين، فان القضاء منذ سنوات عديدة قصر اسناد مهمة الحراسة على موظفي المحكمة المختصين من كتاب ضبط ومنتدبين قضائيين حسب الاحوال مستبعدا اسنادها للخواص، وقد دعم وجهة النظر هاته منشور صادر عن وزير العدل بتاريخ 21 نونبر1968.

 اما اثار الحراسة القضائية فتتمثل فيما للحارس من حقوق وما عليه من التزامات. فمن حقوقه تقاضي الاجر واسترداد المصروفات وحبس الشيء المعهود اليه بحراسته الى ان يستوفي ما هو دائن به لذوي الشان من اجر او مصروفات او تعويض ناتج عن حراسة ذلك الشيء. وكذلك حق الامتياز وذلك في سبيل استيفاء مصاريف حفظ الشيء. أما التزاماته فتتمثل في تسلم المال وتحرير محضر جرده والمحافظة عليه وادارته ورده واخيرا تقديم حساب عنه.

ويسال الحارس القضائي عن الأعمال التي تصدر عنه، وتكون مسؤوليته اما مدنية او جنائية، فمسؤوليته المدنية تخضع لمقتضيات الفصل826 من قانون الالتزامات والعقود التي تخضع الحارس القضائي في مسؤوليته للأحكام المنظمة لمسؤولية كل من الوديع والوكيل، وبالتالي فلا يسال الا عن خطئه اليسير.

 اما بخصوص مسؤوليته الجنائية فان اشنع عمل واخطر جريمة تصدر من الحارس القضائي بمناسبة قيامه بعمله هي خيانة الامانة، ونظرا لطبيعة عمله الذي يطبعه الصدق والامانة والثقة. ولذلك فان المشرع تعرض في الفصول المنظمة لجريمة خيانة الامانة الى العقاب الذي يتعرض له الحارس القضائي باعتباره من اهم الاشخاص الذين يمكن ان تصدر منهم هذه الجريمة لان المال الذي يتولون حفظه وادارته قد وضع بين ايديهم كوديعة وامانة، بل اكثر من هذا ونظرا للاعتبارات السابقة تشدد المشرع في عقوبة الحارس القضائي فنص في الفصل 549 من القانون الجنائي على انه : " ترفع عقوبة الامانة إلى الحبس من سنة الى خمس سنوات والغرامة من مائة وعشرين الى خمسة الاف درهم في الحالات الاتية :- اذا ارتكبها عدل او حارس قضائي ".

 واخيرا تنتهي الحراسة القضائية اما باتفاق ذوي الشان أو بامر من القضاء. فالحراسة القضائية وان امر بها القضاء فان هذا الامر انما اتى مراعاة لمصلحة ذوي الشان فاذا اتفق هؤلاء جميعا على انهائها تم ذلك فورا. غير انه في جميع الاحوال يتعين مراجعة قاضي المستعجلات لانهائها.

واذا كانت حالة مراجعة قاضي المستعجلات لا تثير أي نقاش في حالة اتفاق الاطراف على انهاء الحراسة القضائية، فان النقاش يثور بصدد امكانية قيام الحارس القضائي بمراجعة قاضي المستعجلات لانهائها.

 فامام غياب التشريع والفقه عن معالجة هذه الحالة، فان القضاء قد عرفها ولكنه انقسم بخصوصها الى مؤيد لقيام الحارس القضائي بالتقدم تلقائيا بطلب رفع الحراسة القضائية معارض لذلك، فالمؤيدون يعتبرون ان للحارس القضائي الصفة لطلب انهاء الحراسة القضائية بينما المعارضون لا يعترفون له بهذه الصفة، غير ان الغريب بالنسبة لهذا القضاء الاخير انه لا يرد الطلب لانعدام الصفة الا إذا لم يحصر الاطراف في النزاع لكي يدلوا برايهم في ذلك الطلب المقدم من الحارس القضائي بخصوص انهاء الحراسة القضائية، أما إذا حضر الاطراف فانه يبت في الطلب مع ان شرط الصفة من النظام العام يتعين على القاضي اثارته من تلقاء نفسه وليس له ارتباط بحضور الاطراف او عم حضورهم.

 والواقع ان للحارس القضائي صفة لطلب انهاء الحراسة القضائية سواء من الناحية القانونية باعتباره نائبا عن ذوي الشان او من الناحية الواقعية باعتباره ان الحراسة القضائية قد تستمر الى ما لا نهاية اذا لم يتقدم الاطراف بطلب انهائها خاصة وانهم   ليسوا ملزمين قانونا بتقديم دعوى في الموضوع لحسم النزاع. وهناك من الحراسات التي استمرت اكثر من اربعين سنة.

 خاتمة

 تتناول جملة من الاقتراحات المفيدة لزيادة تنظيم الحراسة القضائية منها ما يلي:

1-   التشديد في الامر بالحراسة القضائية، حيث لا يتخذ هذا الاجراء الا في حالة ضرورة حقيقية نظرا لخطورته.

2-   ضرورة تقديم دعوى في الموضوع داخل اجل معين.

3-   منح الاختصاص لقاضي الموضوع بالبت في الحراسة القضائية، وذلك في الحالة التي يكون البت فيها من هذا القاضي أيسر وأفضل، ويقصد من هاته الحالة تلك التي يعرض فيها النزاع في الجوهر على محكمة الموضوع قبل طلب الحراسة. اما اذا قدم طلب الحراسة قبل تقديم دعوى في الموضوع فان الاختصاص يبقى لقاضي المستعجلات.

إزالة الاختصاص لرئيس محكمة الاستئناف بالبت لاول مرة في طلب الحراسة القضائية.

5-   العمل على الرفع من مردودية الحراس القضائيين.

 مجلة المحاكم المغربية، عدد 43، ص121.

 



تعليقات