القائمة الرئيسية

الصفحات



 


 

تفتيش المساكن

 

الأستاذ زهير عبد المولى

نائب وكيل الملك بمراكش

 

مقدمة:

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على مولانا محمد وعلى آله وصحبه.

سيرا على منوال الأسلاف وجريا على تقاليدهم المحمودة من أجل تدليل الصعاب، وخلق مثمر وبناء، يدفع بالمهتمين إلى إيجاد الحلول الكفيلة بتحقيق قواعد العدل والإنصاف، وصونا لحرية الأفراد وذودا عن كرامة الإنسان مما يشيع الطمأنينة بين الناس على النفس والمال، ارتأيت أن أتناول موضوعا ذا أهمية بالغة له ارتباط وثيق بقواعد المسطرة الجنائية أنه موضوع تفتيش المساكن.

ومما لا جدال فيه أن المشرع أوجد توازنا عادلا بين ضرورات البحث لفائدة العدالة وبين المحافظة على حريات الأفراد وحقوقهم، لذا وجب عند تطبيق إجراء ما التقيد بالتفسير الواضح والمنسجم مع الحياة الاجتماعية ككل والذي من شأنه تحقيق ذلك التوازن، وهذا ما تم التأكيد عليه عند عرض مشروع قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 غذ ورد فيه بأن القوانين ليست سوى مجرد أدوات،  ولن يكون لقيمتها لذاتية أي وزن إذا ما أسيء استعمالها أو حرفت نصوصها عن موضعها سواء عن قصد أو عن غير قصد، وفي نتيجة.

وهنا يثور التساؤل، ما هو الموقف إذا امتنع صاحب المسكن من إجراء التفتيش.

 

أجاب عن هذا التساؤل أحد فقهائنا الأجلاء ـ السيد إدريس طارق السباعي ـ ذلك أنه ارتأى بأن الحل القانوني السليم هو أن تسعى الضابطة القضائية إلى الحصول على إذن بالدخول من طرف السيد وكيل الملك استنادا إلى التوسع في تطبيق مقتضيات الفصل 38 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أن وكيل الملك يباشر بنفسه أو يأمر بمباشرة الإجراءات اللازمة للبحث عن مرتكبي المخالفات للقانون الجنائي ومتابعتهم.

 

وإلى جانب الموافقة الصريحة والمكتوبة من طرف صاحب المسكن فيجب أن تكون الجريمة المشتبه في نسبتها إلى شخص معين من ضمن الجرائم التي يمكن إثباتها بواسطة حجز الأشياء المؤيدة للتهمة، وهذا هو مقتضى الفصل 81 من قانون المسطرة الجنائية، وكثيرة هي الجرائم التي يمكن إثباتها بواسطة حجز الأشياء، المؤيدة لها، كجرائم القتل والتزوير وغيرها، فالرصاصة التي اخترقت جسم الضحية تمكن من الوصول إلى السلاح الناري الذي استخدم في ارتكاب الجريمة والذي قد يكون ممسكا وموجودا بالمنزل المراد تفتيشه وتزوير النقود قد يسمح التفتيش بالعثور على الآلة التي استخدمت في هذا التزوير.

 

ومن الجدير بالتذكير أن المقتضى المذكور في الفصل 81 من ق.م.ج. فيما يتعلق بهذا الشرط هو نفسه المقتضى المنصوص عليه في الفصل 61 من ق.م.ج. الذي ينص الفصل الأول على التقيد بقواعده ذلك أن هذا الفصل الأخير ينص على أن تكون الجريمة من النوع الذي يمكن إثباته بواسطة حجز الأوراق والمستندات وغيرها من الأشياء فمفهوم الفصلين معا ـ 81 و61 ق.م.ج. يفيد قطعا بأن الغرض من التفتيش هو حجز الأشياء المؤيدة للتهمة.

 

وهنا يجب أن نسجل ـ استنادا لهذا التصريح ـ التمييز بين التفتيش في الحالة العادية والدخول إلى المنزل من أجل ضبط أحد الجناة، إذ من باب الاعتقاد المجانب للصواب أن يقال بأن الغرض من التفتيش وف الفلين المذكورين أعلاه هو إلقاء القبض على الفاعل أيضا.

فالفصل 81 من ق.م.ج. لا يسمح لهذا الاعتقاد، ذلك أن هذا الفصل ورد في الباب المتعلق بالبحث التمهيدي الذي يفيد بأن خيوط الجريمة لازالت متشابكة وأن الفاعل لم تثبت الجريمة في حقه بعد ـ وهذا ما جعل المشرع ينص على ضرورة موافقته على التفتيش بخلاف البحث التلبسي الذي يشترط فقط حضور الفاعل فالقول إذن بذلك الاعتقاد لا يستقيم مع طبيعة البحث التمهيدي.

 

وذلك ما يستفاد أيضا من استقراء الفصل 61 من ق.م.ج.وما يليه والتي تنظم مقتضياته قواعد التفتيش في حالة التلبس، إذ الغرض منه ـ وكما هو واضح من الفصل المذكور ـ هو حجز الأوراق والمستندات وغيرها من الأشياء الموجودة في حوزة أشخاص يظن أنهم شاركوا في الجريمة أو تكون بيدهم مستندات وأشياء تتعلق بها، وما قلناه بالنسبة للفاعل ينطبق أيضا في هذا الباب، إذ الأمر يتعلق بمنزل شخص لم تثبت الجريمة في حقه بعد وهو المشارك أو الشخص الذي لا علاقة له بالعمل الجرمي ولم يتحدث الفصل المذكور عن تفتيش منزل الفاعل الذي يلبس ثوب الجريمة، أنظر لطفا مفردات الفصل61 وخصوصا منها تلك الموضوع تحتها سطر.

 

"إذا كانت الجناية من النوع الذي يمكن إثباتها بواسطة حجز أوراق ومستندات وغيرها من الأشياء الموجودة في حوزة أشخاص تظن مشاركتهم فيها أو بيدهم مستندات وأشياء لها علاقة بالأفعال الإجرامية ...".

 

وهذا التوضيح إن دل على شيء فإنما يدل على أن الغرض من التفتيش وفق الفصين المذكورين ليس هو إلقاء القبض على الفاعل، إذ الفاعل في حالة البحث التمهيدي لم يعرف بعد، كما أن الفاعل في حالة البحث التلبسي يعتقد أو يظن أنه شارك في العمل الإجرامي، إذن فالغرض من التفتيش هو حجز الأشياء المؤيدة للتهمة ليس إلا.وإلى جانب الشرطين اللذين تطرقنا إليهما فلابد لصحة عملية التفتيش أن تتم داخل الأجل القانوني المنصوص عليه في الفصل 64 من ق.م.ج. والواجب التقيد به سواء في حالة البحث التمهيدي أو البحث التلبسي.

فالفصل 64 من ق.م.ج. ينص على أنه:

 

" لا يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها قبل الساعة الخامسة صباحا وبعد الساعة التاسعة ليلا اللهم إلا إذا طلب ذلك رب المنزل أو وجهت نداءات من داخله أو كانت هناك أحوال استثنائية قررها القانون".

ومفهوم هذا الفصل أنه إذا شرع في التفتيش قبل حلول الساعة التاسعة ليلا ولم ينته بحلول الوقت المحدد فلا إخلال في ذلك لأن العبرة بساعة الشروع في عملية التفتيش.

 

ثانيا: التفتيش في حالة التلبس.

إن النصوص المنظمة لهذا التفتيش هي الفصين 61 و62 من قانون المسطرة الجنائية.

ومقتضيات الفصلين تتضمن نفس الشروط التي تحدثنا عنها سابقا باستثناء الشرط الأول المتعلق بموافقة صاحب المنزل، وهكذا فالشروط ثلاثة، هي:

 

1 ـ أن يتم التفتيش بمحضر صاحب المنزل، فإن تعذر ذلك أناب عنه غيره، وإن امتنع أو كان فارا تم ذلك بحضور شاهدين أجنبيين عن الموظفين الخاضعين لسلطة ضابط الشرطة القضائية.

ويجب أن نذكر بالملاحظة السابقة وهو أن صاحب المنزل هو ذلك الشخص الذي يظن انه شارك في العمل الجرمي أو ذلك الشخص الذي لا علاقة له بالجريمة و لكن توجد بمنزله أشياء او مستندات لها علاقة بالعمل الجرمي انظر كذلك الى جانب مفردات الفصل 61 مقتضيات الفصل62 بعده و التي جاء فيها:

"...أولا:اذا وقع التفتيش في منزل شخص قد يكون ممسكا لا وراق أو أشياء لها علاقة بالاعمال الاجرامية..الخ.

 

2 ـ أن يتم التفتيش داخل الأجل القانوني.

 

3 ـ أن تكون الجريمة من النوع الذي يمكن إثباته بواسطة حجز أوراق أو مستندات أو أشياء مؤيدة للجريمة.

وخلاصة ما سبق فالغرض من التفتيش سواء في حالة البحث التمهيدي أو البحث التلبسي يكمن فقط في حجز الأشياء المؤيدة للتهمة أو الجريمة وليس الغرض منه إلقاء القبض على الفاعل أو الفاعلين وهكذا فإنه يجوز تفتيش المنزل ـ بل الأصح أن يقال الدخول إلى المنزل ـ من أجل إلقاء القبض على الفاعل الذي لبس ثوب الجريمة وضبطه دون التقيد بالشروط التي تعرضنا إليها سابقا غذ لا يعقل لا منطقيا ولا قانونا أن يرتكب أحد الجناة جريمة في وقت متأخر من الليل وتتوافر في عمله الإجرامي حالة من حالات التلبس المنصوص عليها في الفصل 58 من ق.م.ج. ثم يلتجئ مختبئا في أحد المنازل ونبقى مكتوفي الأيدي في انتظار حلول الساعات القانونية التي تسمح بإجراء التفتيش داخل المسكن إذ في ذلك تطبيق غير سليم لقواعد التفتيش التي وضعت لغرض حجز أوراق أو مستندات وغيرها من أدلة الإثبات، هذا من جهة من جهة أخرى فالتقيد بقواعد التفتيش حتى في مثل هذه الحالة سوف لن يحقق ذلك التوازن الذي قصده المشرع بين الشدة والصرامة والسرعة في ملاحقة المجرمين وبين حقوق الفرد، في حين يبقى الدخول إلى المنزل من أجل ضبط المجرم الذي لبس ثوب الجريمة إجراء منسجما مع المقتضيات القانونية والذي لا ينطوي على أي اعتداء على الحرية الشخصية أو انتهاك لحرمة ذلك المسكن.

 

وهذا ما ذهب إليه الاجتهاد القضائي، طعن رقم 701 لسنة 33 ق جلسة 13/1/1964 الذي جاء فيه:

"الأصل أن التفتيش الذي يحرمه القانون على مأموري الضبط القضائي إنما هو التفتيش الذي يكون في إجرائه اعتداء على الحرية الشخصية أو انتهاك لحرمة المساكن، أما دخول المنازل وغيرها من الأماكن لا يقصد تفتيشا ولكن تعقبا لشخص صدر مر بإلقاء القبض عليه وتفتيشه من جهة صاحبة الاختصاص فإنه لا يترتب عليه بطلان القبض والتفتيش الذي يقع على ذلك الشخص لأن حالة الضرورة هي التي اقتضت تعقب رجل الضبط القضائي في نطاق المكان الذي وجد به. "أنظر كتاب قانون المسطرة الجنائية بين النظرية والتطبيق لمؤلفه الأستاذ إدريس عارق السباعي الصفحة 15.

 

إن غاية المشرع هي اتخاذ تدابير فعالة لمكافحة الجريمة، وتعقب مقترفيها أنى كانوا باستثناء الحالات التي يلتجئ فيها مقترف الفعل إلى بعض المحلات التي لا يمكن إجراء تفتيش بها على الفاعل إلا وفق مسطرة استثنائية كالأماكن التي تتمتع بحصانة دبلوماسية.

تلكم كانت بإيجاز واختصار مساهمة متواضعة قصدت بها المشاركة في نقاش قانوني مثمر بتوجيه وتشجيع عزيزين من أحد أساتذتنا الأجلاء.

 

والله أسأل أن يوفقنا جميعا لما فيه رضاه.

والسلام.

 

نائب وكيل الملك بمراكش زهير عبد المولى

 

 

مجلة المحا مي عدد 27 صفحة 93


تعليقات