📁 آخر الأخبار

 


 

استقلال القضاء وفصل السلط

 

الدكتور الادريسي العلمي المشيشي

استاذ بكلية الحقوق بالرباط

 

سيدي الرئيس اود بداية ان اعبر كذلك عن عميق شكري وامتناني لهيئة العدل  بهذه  المدينة بجانبيها القضائي بمعناه الدقيق والدفاع عن الفرصة  التي  اتيحت  لشخصي  المتواضع  للتدخل في  موضوع لا يجادل احد اطلاقا في حيويته وخطورته، ونبله ودقة المعلومات التي يتطلبها، ذلك المجهود الذي اعجز عن القيام  به  بالرغم  من  كل  المحاولات،  فلا بد،  ولو في عجالة، ان أشير إلى الأسباب التي  دفعتني إلى  قبول  هذا  النوع  من  المغامرة،  وارجع  هذه  الأسباب إلى  ثلاثة.  أولها علمي والثاني اجتماعي والثالث انساني، ان لم اقل خاص.

 

1- السبب العلمي : هو انني لا أشاطر الفقه الشائع  الذي  يقسم  الفكر  القانوني  إلى  فرعين  قانونيين :  القانون العام والقانون الخاص فهذا التصنيف منتقد بالرغم عما يحتويه من بعض إمكانيات تسهيل  المناقشة القانونية  لذا ورغم تكويني المتواضع في القانون الخاص قبلت ان ادلل ولو نسبيا على هشاشة هذا التصنيف من خلال هذه المداخلة المتواضعة.

 

2- السبب  الاجتماعي :  هو ان الموضوع يهم المجتمع كما عبر عن ذلك الاساتدة الاجلاء الذين  تدخلوا  صباح هذا اليوم حين قالوا بان القضاء  ينتج  العملة الصعبة بالمعنى الذي حدوده في الطمأنينة التي يشعر بها  المتقاضي  أو المواطن وبالثقة في الجهاز الذي يحمي  حقوقه  ويضمن  حرياته اذهب إلى ما هو ابعد من هذا لاقول  مكررا  بكل  بساطة ما عبر عنه  علماء الاقتصاد بقولهم أعطيني قضاء سليما وصحيحا وفعالا واعفيك من قوانين الاستثمار، لان قوانين الاستثمار مهما كانت فعاليتها وحركيتها وتسهيلاتها واعفاءاتها، فإنها لن تسهم في التنمية الاقتصادية اطلاقا، مادامت المنازعات والمخالفات التي تكتنف تطبيقها لا تجد قضاء فعالا وقادرا على حلها وبالتالي على تمكين كل ذي حق من حقه.

 

3- السبب الانساني: واعتذر عن الاطالة في هذا التقديم هو انني اخاف المرأة، والمرأة تربطني بالسيد نقيب هيأة المحامين بمدنية القنيطرة، بحيث اخاف ان ينعكس رفضي لهذه المداخلة على علاقتي بهذه المرأة.

اشار الجميع واجمع الجميع ويجمع الجميع، على خطورة هذا الموضوع، ويزداد هذا ظهورا عندما اتساءل هل اقتصر على عرض للافكار أو المطارحات التي طرحتها على نفسي ام مشاطرة الاراء التي قدمت ومحاولة الدخول معها في تبادل الافكار، على أي حال، مهما كان الاختيار فسوف يأتي مبتورا، لاننا بصدد " سلطة " تحاول  بمختلف أعضاءها التعبير عن نفسها بالرغم من كون هذا التعبير يبقى مقلصا بفعل ظروف الزمان والمكان الضيق الذي لا يمسح لنا باشراك قطاعات اخرى ومهتمين اخرين بهذا الموضوع، على أي حال استقلال القضاء وفصل السلطة أو السلطات كعنوان  في حد ذاته يحتمل عيبا،  فاذا كان استقلال القضاء يعني فصله كسلطة عن السلطات الاخرى بحيث يؤدي إلى فهم معين لهذا الفصل فطرح الموضوع كما جاء في العنوان يظل مقبولا، لكن إذا كان استقلال القضاء يقضي بفصله عن السلطات الاخرى مفهوما منتقدا أو مستغربا في اضعف الحالات، فان العنوان يكون صحيحا من زاويته اللغوية، ذلك لان الامر يظل مشكوكا فيه أو مناقشا أو مرفوضا، لان من البديهي حسب ما هو شائع ان القضاء يتمتع بالاستقلال أو يدخل في نظرية فصل السلطات فلا  داعي إلى طرح الموضوع أسباب الطرح اذن اعتبار استقلال القضاء في  حد ذاته موضوعا يقوم في الفكر السياسي الغربي بشقيه الليبرالي والاشتراكي، وبالاقتصار على الاتجاه الأول، على الاتجاه الليبرالي، وذلك بسبب اقتراب مؤسساتنا منه لهذا الاتجاه.

 

نلاحظ ان الأصل التاريخي لطرح هذا الموضوع في القانون الفرنسي القديم، ذلك لان هذا القانون، كان يعرف سلطة خاصة للقضاء، تتجلى في هيمنة القضاء في طغيان القضاء في بعض الاحيان على السلطة المركزية التي كانت هي السلطة الملكية وعلى السلطة الفيودالية،  وذلك على الخصوص لاستقلال هذه الهيئة القضائية في الظروف المشار إليها، استقلالها المالي والمهني، فالسلطة القضائية لم تكن تخضع للترقية وللسلم وللراتب من لدن الملك أو من لدن الامير أو من لدن الفيودالي وانما كانت بمثابة حرفة تمول من ذات نفسها في علاقاتها مع المتقاضين، الشيء الذي كان يعطيها نفوذا وقوة اتجاه اصحاب السلطة المركزية الشيء الذي كان يصل بها أحيانا إلى نوع من الطغيان والوقوف ضد التدابير السليمة التي كانت تتخذها السلطة الفرنسية أو المواقف الفيودالية. هذا أدى إلى اعادة النظر في وضع القضاء اثناء الثورة الفرنسية انطلاقا خاصة من الافكار التي شاعت في قرن الانوار، القرن الثامن عشر وخاصة في كتاب " روح القوانين" لمونتسكيو" بمناسبة موضوع توزيع السلطات.

 

لكن تطور الممارسة ممارسة هذا الفصل وهذا التوزيع، لم يلبث ان ابرز عدم  الانسجام في عناصر الفكر السياسي والقانوني التقليدي لان توزيع السلط مجرد صورة أو تغطية للموضوع، الاهم الذي هو تصور الدولة، وخصوصا تصور نظام الحكم  المتمحور حول السلطات المنبثقة عن سيادة  الدولة أو سيادة الشعب، تلك السلطات التي تتجلى في التدابير والممارسات السياسية الرامية إلى تسيير الشؤون العامة والتحكم لا أقول هنا الهيمنة وانما المقصود التوجيه الدقيق في مسار معين والتحكم في مصير الدولة أو الشعب، وظهر التساؤل عن طبيعة سلطة " القضاء" واستقلاله ولو من الناحية العملية. هل ذلك من صلب الحكم بمعنى سياسة البلاد بمعنى تسيير الشؤون العامة والحكم ليس بمعنى البت في المنازعات فان كان محورا من محاور الحكم أو السلطة، فانه سوف يقتضي المساهمة في سن القوانين أو قواعد التسيير أو المساهمة في خلقها من الأصل من البداية ثم الاهتمام بتطبيقها، وهذا يتعارض أصلا مع مفهوم القضاء الذي يفترض وجود القوانين التي يفض المنازعات في ضوئها، من هذه الزاوية يخرج القضاء على مفهوم السلطات السياسية.

 

ويصبح شيئا اخر بحيث يصير من المنطق تبرير عدم دمجه في احدى السلطتين التقليديتين التشريعية والتنفيذية.

وظل هذا الموضوع يكون مأزقا في الفكر القانوني وخاصة منه الدستوري حيث تم العدول عن تكييف القضاء بالسلطة، والاقتصار على ذكره مجردا أو منعوتا بكيفية تبين عدم اتصافه بمواصفات السلطة السياسية باللغة الفرنسية Autorité عوض Pouvoir  ومن المؤسف، وربما يرجع هذا إلى القصور اللغوي الذي لم اعثر في اللغة العربية عما يماثل كلمة Autorité بالفرنسية عن السلطة Pouvoir  فيما يخص الفكر الاسلامي ولم اسطو هنا ولن اعتدي اطلاقا رغم انني قلت ما اعتبر انه كان بمثابة من  يسطو أو من يستبد، وانما كان بمثابة من يرتمي ولا اقول بالترامي من يرتمي ولعا وشغفا بموضوع معين. ومن هذا الباب سوف اقتصر على ما يتصل بموضوعي محاولا ان لا أتدخل كثيرا في الموضوع اللاحق.

فيما يخص الفكر الاسلامي يجدر التنويه إلى غياب المشكل، لم يثر في الفقه الاسلامي فصل القضاء عن غيره كسلطة، غياب المشكل بهذه الصياغة أو الموضوع كمشكل في حد ذاته ذلك لان القضاء في التشريع الاسلامي من صلب مفهوم الحكم بمعناها السياسي لان الإمامة كولاية كبرى تتكون من عدة ولايات فرعية، على شؤون الامة من بينها ومن اهمها تطبيق الشريعة عن طريق الفصل في المنازعات وتنفيذ الاحكام بالمقارنة مع الفكر الغربي ترجع السلطة التشريعية إلى الله والرسول ثم إلى اهل الحل والعقد وعلى رأسهم الامام لما يفترض فيه من علم وعدالة، الشيء الذي يؤهله مبدئيا للاجتهاد وبالمشاركة في سن القواعد فيما لم يرد به نص بالقران أو بالسنة. ويقوم الامام مباشرة أو بمعية من يختاره بأمور تسيير الشؤون العامة أو سياسة الدولة، أو ما يعبر عنه اليوم بالسلطة التنفيذية، إذا كان ابو بكر وليس عمر أول من عين قاضيا بالمدينة المنورة وكان هذا القاضي هو عمر، وعين علي عثمان. ولكن عليا اتى بجديد يساير ما سار عليه النبي، لكنه يزيد شيئا اخر، كان عليا هو اول من كلف " ولاته بالنيابة عنه في تعيين القضاة، بحيث النيابة صارت على درجتيه، من الممكن ان يعين الامير او الامام القاضي مباشرة بنفسه كما يمكن ان يكلف غيره بتعيين القاضي، وهذا ما فعله علي بخصوص قضاء مصر مثلا، حيث كتب إلى خليفته بها بالنيابة عنه في هذا التعيين ويجب التنبيه إلى ان الخلفاء ولوا مهمة القضاء اشخاصا بطبيعة الحال غير الاشخاص الذين كلفوهم بالولاية الإدارية أو كما يمكن ان نسميه بالولاية الإدارية في الاقاليم وهذا يرمي إلى نوع من التمييز بين مهمة البت في المنازعات من جهة ومهمة تسيير الشؤون العامة من جهة اخرى. ولم يقتصر التمييز قلت على الاشخاص والمهام وانما امتد إلى ما يمكن ان نطلق عليه المسؤولية حيث لا اثر في الفقه الاسلامي لخضوع القاضي للخضوع الشرعي القانوني إلى مسؤولية الوالي  أو الامام في كل الحالات العادية، بالعكس المسجل تاريخيا في حدود مهمة الفصل في المنازعات هو ان القاضي يستقل في اداء هذه المهمة عن من عينه، عن من وكله، لقد ثبت تاريخيا ان عليا بن ابي طالب خضع لحكم قاضيه على الكوفة في نزاع قام بينه وبين يهودي وثبت كذلك تاريخيا ان هارون الرشيد خضع لحكم القاضي الذي عينه، وهو ابو يوسف في نزاع قام بينه وبين مسيحي، اختيار المثالين كان متعمدا، المساواة والعدالة في الاسلام بين مسلم ومسلم لا جدال فيها، الامام أمام ولكنه يبقى عبد لله مثل سائل عباده بحيث لا استغراب في ان يتساوى مع خصمه اذا كان هذا الخصم مسلما ولا في ان ينزل علي بجلالة قدره ويتساوى مع خصم يهودي هذا شيء اخر، ان ينزل هارون الرشيد الذي بلغت به النخوة والعجرفة أو ما شئنا بان يخاطب السحب قائلا لها سيري وأمطري حيث شئت فان خراجك سوف يأتيني، ان ينزل هذا الرجل ويتساوى مع خصمه المسيحي فهذا شيء اخر، يتضح من  هذا ان مشكل  فصل القضاء عن الحكم تجنبا لهيمنة احدهما على الاخر لم يطرح في هذا الفكر الاسلامي بالصورة التي عرفها في الغرب، لانه عرف نوعا من الحل المبني على الفطرة، لم تكن هناك نظريات مفتعلة مثلما جاء في تطور الفكر القانوني في الغرب، قلنا من حيث هو مبني على الفطرة، وعلى التشبع العميق فعلا بروح الشريعة بعيدا عن كل  تنظير مفتعل هذا لا ينفي ان الممارسة الحية لمهمة القضاء كانت في فترات  كثيرة في البلاد الإسلامية بعيدة كل البعد عن المبادئ المذكورة لكنها تبقى خروجا على ما تقرر تقليدا  بعد ذلك في هذه البلاد.

 

لم نكن لنتوقف عند هذا المنظور الاسلامي لمجر حشره في هذا الموضوع ذلك ان القانون الدستوري بالمغرب ورغم اقتباسه للشكل الغربي للمبادئ والمؤسسات الديمقراطية فانه يترك مجالا واسعا ومهما جدا للفكر الاسلامي في هذا الباب فالدستور ينص على ان الاسلام دين الدولة في الفصل السادس ولو كان يقرر في ذات الوقت ان الدولة تضمن حرية الاعتقاد للجميع وينص في الفصل19 على ان الملك هو امير المؤمنين الشيء الذي يخوله اصلا لولاية القضاء وهو بالفعل ما يظهر من خلال رئاسته للمجلس الأعلى للقضاء ومن خلاله تعيينه للقضاة بكل الدرجات، علما ان السياسية الشرعية في الاسلام كما تمت الاشارة إلى ذلك لا تتعارض مع امكانية توزيع مهمة تعيين القضاة بين امير المؤمنين وولاته بما فيهم الولاة على الأقاليم اذ لا فرق بين التوكيل مباشرة من الامام أو من ينوب عنه، من جهة أخرى. نلاحظ ان الدستور المغربي لا ينعت القضاء لا بالسلطة ولا بمصطلح يوحي بانها كذلك ويقتصر على التعرض للفصل بأسلوب مبتور كوظيفة أو كمهمة رئيسية. في حين يتحدث صراحة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية كسلطتين سياسيتين.

 

اشرنا منذ لحظة بان مصدر الاقتباس لهذا الدستور وهو الدستور الفرنسي على الخصوص في الجمهورية الخامسة استعملوا مصطلح السلطة المخفف بمعنىAutorité  المخفف أو المميز عن السلطة السياسة يندرج هذا الموقف بسهولة في اشكالية طبيعة الرسالة القضائية أو طبيعة المهمة القضائية أو طبيعة الوظيفة القضائية أو طبيعة السلطة القضائية بين هلالين، في نظرية فصل السلطات المشار إليها  في العنوان بحيث ينطوي على ضرورة على الحاجة إلى تحديد طبيعة هذه المهمة في حد ذاتها والى توضيح معنى الاستقلال المخول لها.

 

1- طبيعة المهمة القضائية:

يتبين مما سبق ان السلطة القضائية لا تتطابق في مفهومها مع تصور السلطة السياسية على غرار ما هو متعارف عليه دستوريا فيما يخص السلطتين التشريعية والتنفيذية. ويرجع احد اعمدة الفقه الفرنسي في هذا البابgeorges pitou  هذا الموضوع إلى اصل يتجاوز القانون الدستوري الشيء الذي يؤكد ملاحظاتنا السابقة بان التقسيم بين قانون عام وخاص يبقى هشا لفهم أو لسبر أغوار المواقف القانوني أو القواعد القانونية بل يتجاوز القانون الدستوري بتعلقه السياسية والقانونية، وبالضبط بنظرية الحكم التي تكون عنصرا اساسيا لنظرية الدولة. وفعلا يتجمل للمتأمل في المقتضيات الدستورية المنظمة للسلطتين التشريعية والتنفيذية من جهة، وللقضاء من جهة اخرى، ان لا يتسرع في اعتبار هذه الاخيرة سلطة مماثلة  للاوليين وذلك لابتعادها عن المعطيات السياسية في صلاحياتها وممارستها وهذا ما يفرض معارضة بعض الفقه المغربي والفقه الاجنبي الذي يعضها بدون تمييز في مصاف السلطتين المذكورتين عملا بالنظرية الشكلية التقليدية التي يقول بها الفيلسوف الفرنسي مونتيسكيو كما يفرض تجلية الحرج والغموض الذي يطبع رأي بعض شراح القانون الدستوري في المغرب كذلك الذي يقتصر على الاشارة إلى وجوب فهم استقلال القضاء في ضوء التعاون بين السلطات وليس كاستقلال بمعنى التخصص الضيق، وفي هذا اعمال للقياس على ما يتسم به وضع السلطتين التشريعية والتنفيذية، لكنه استعمال في غير محله لان الوضع المذكور في السلطتين يتضح صراحة من نص الدستور، بينما هذا الدستور  يتعمد ان يتعرض للقضاء بصيغة مبتورة، لا إشارة فيها من قريب ولا من بعيد إلى صفة السلطوية ولا إلى صلاحيته السياسية، عندما يتعرض كذلك إلى القضاء لا يشير الا اي تعاون أو علاقة بينه وبين السلطتين المذكورتين مما يزيد تأكيدا في ابعاد هذه الهيأة عن الصفة السياسية.

 

من ناحية اخرى، لا ندري كيف يستنتج هذا الفقه فكرة ضرورة فهم وقبول استقلال السلط بالنسبة للعدل فقط، أي عدم حدتها، عدم اخذها بمعنى الحاد بمعنى الدقيق أو الصلب أو ضرورتها بالنسبة للسلطتين الاخريين، فيما يخص هاتين السلطتين يستنتج من راي هذا الفقه ضرورة المرونة والليونة في الاستقلال أو الفصل ضرورة التعاون والتداخل بينهما فيما يتعلق بالقضاء واستقلال في تناقض، على أي حال نترك مسؤولية هذه المواقف لاصحابها.

 

يتضح الامر بتحديد  المقصود الدقيق لفصل السلط كما جاء في نظرية علم السياسة بالغرب عند تعرضه لمفهوم الحكم خاصة بعد هزات الثورات خلال ق18 في هذا الاطار يقرر ان شكل الحكم رهين  بالسيادة الوطنية وبما يفهم بصفته التمثيلية وبالصورة التي تم عليها توزيع أركانه والمهام التي ينطوي عليها بين السلطات السياسية تلك الصورة التي تطابق عادة ما يعطي من تأويل للعلاقة بين التشريع والتنفيذ، ونذكر هنا بان هذا المنظور يختلف عن الفكر الاسلامي الذي يؤمن بان السيادة لله، يسمح بممارسة بعض مظاهرها  لهذه للامة من خلال استخلاف الانسان على الارض ومن ذلك فهو الشارع ولا يبقى للانسان المقصود هنا اهل الحل والعقد من امكانية سن القواعد الا فيما لم لا يرد فيه نص وهو القاضي والمقدم ولا يبقى للانسان الا تنفيذ أوامره في نطاق ما يبينه من حدود. بالنسبة للغرب المتأثر بالجوانب الفلسفية المادية والاجتماعية بدون أي اشارة  إلا الايديولوجيا الفلسفة أولا مادية ثم سوسيولوجيا اجتماعية وخاصة بعد ايمانه بضرورة فصل الدين والكنيسة عن الحياة الاجتماعية والسياسية اصبح من، الصعوبة الابتعاد عن الحاق السيادة اصلا بالشعب أو الامة التي تفوض صلاحياتها إلى هيئات تمثلها في ممارستها بشكل يضمن عدم انحراف تلك الهيئات وطغيانها مما برر تقسيم السلطات وفصلها وتوزيعها بصورة تجعل بعضها يحد البعض ويمنع هيمنته وقد امن الغرب طويلا بنظرية " مونتيسكيوه" هاته، لكنه ما لبث ان اعترف بقصورها، ان اعتراف بان الحقيقة الواقعية، الحقيقة  الملموسة ترفض ان تكفل أو ان تنحصر في الحدود الضيقة للتصنيف الثلاثي المتمحور حول فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويتأكد هذا من الممارسة العملية والحية للسياسة، هذه الممارسة التي تبين ان الحقيقة الفعلية لا تتطابق مع مبدأ فصل السلطات ولو كان هذا الاخير معلنا ومصرحا به وبكل قوة بنص الدستور وخلافا لما هو شائع أو رائج عموما، يجمل بنا ان نذكر بان فلسفة " مونتيسكيوه" التي ترمي إلى تحقيق نظام يرتكز على الشرعية أو القانونية من خلال فصل السلطات هي السبب في الفرق المذكور بين النظرية والتطبيق بين الاطروحة والحقيقة، ذلك لانها تأخذ بمنطلقات غير صحيحة أو على الاقل بمنطلقات نسبية جدا، فهي تنطلق من الدور الذي تخوله لهيئات الدولة، الدور الذي تتصوره لهيئات الدولة في ضوء القانون وانطلاقا من القانون الذي يبقى هو المرجع لتحديد هذه الادوار، فبعض الهيئات، دائما في الاتصال بالقانون، يسن القانون وبعضها ينفذ القانون وبعضها يفصل في المنازعات في ضوء القانون، دائما المرجع هو القانون، معنى هذا ان كل انشطة الدولة تتلخص أو تتمحور حول ثلاث مهام : سن القوانين، تنفيذ القوانين حل الدعاوي، وفي هذا من غير شك تقليص خطير للحقيقة، لانه ينطوي على نسيان الدور الاساسي للدولة الذي هو الحكم. والحكم هو تسيير شؤون البلاد سواء فيما يتعلق بالشؤون العامة أو ما يتعلق بمصالح الافراد فهيئات الدولة تمارس سلطة تشمل التشريع بمعناه الواسع الذي يتطابق مع الحكم من خلال سن سياسة الحكم أو سياسة تسيير شؤون البلاد، فالدولة في الواقع هي عبارة عن مقاولة للحكم، وهذا التعبير مترجم عن صيغة للفقيهBurdaux  وبالتالي فان القول يتطابق بتطابق الحكم مع السلطة التنفيذية تضييق نطاق مفهوم الحكم في اطار  السلطة التنفيذية مجرد كلام مخالف لكثير من الواقع،  ذلك انه يستحيل واقعا، تقليص دور الجهاز التنفيذي إلى مجرد تنفيذ القانون، فهو يتحكم أو يتصرف أو يجد بين يديه مصير البلاد بكامله وبالتالي وحتى لو قبلنا مفهوما واسعا جدا لمضمون التنفيذ أو لمضمون السلطة التنفيذية فانه يبقى من المستحيل ان يحيط هذا المفهوم بالواقع، واقع الحكم مادام القائلون بالاطروحة التقليدية التابعة لـ "Monteskieu" يؤمنون بان القانون هو المهمة المركزية التي تقوم بها الدولة. ومن غير انكار للمكانة الخطيرة جدا لمهمة سن القوانين بمعناها الشكلي تبعا لما جاء في التيار الدستوري الغربي بعد نهاية القرن 18 يمكن القول بان انشطة الدولة تتلخص في اتخاذ قرارات وتدابير تنفيذية لقراءة قانونية أو بتعبير قانوني اخر نلاحظ سلطة الدولة تتجلى بوضوح كامل ومطلق في تمتعها بسلطة في ادخال موضوع ما، مسالة ما، أو مشكل ما، لاول مرة إلى نطاق  القانون، يرجع هذا عموما إلى ما نطلق عليه التشريع. وتتجلى  كذلك في تطوير أو تدقيق أو بلورة قواعد القرارات أو تقاليد أو أعراف قديمة سابقة.

 

وتتطابق الانشطة الأولى أو الطريقة الأولى لتدخل الدولة أو عملها مع مهمة الحكم بمعناها العالي والواسع. سياسية البلاد أو حكم البلاد والثانية إلى حد ما مع مهمة التنفيذ وتشمل الاولى موضوعات متعددة اهمها تسيير العلاقات بين هيئات السلطة العمومية وتحديد صلاحية الحكومة كجهاز لهذه الحركة السياسية تفريد مفهوم التشريع تسيير علاقات الدولة بالخارج سواء مع الدول الاخرى أو مع المنظمات الدولية إلى اخره، وفي ضوء هذا لا يعقل تصور جهاز مكلف بحكم البلاد بمعناه الكبير الكامل للحكم يتحتم عليه ان ينتظر تدخل جهاز اخر أو سلطة اخرى، لتسن له القواعد الضرورية للحكم، أي لممارسة السياسية التي ينهجها للبرنامج الذي ينهجه. هذا ما استخلصه دستور الجمهورية الفرنسية 1958، واخذت باهم ما جاءت به دساتير اخرى من ضمنها الدساتير المغربية 1962 و1972 بخصوص السلطتين التشريعية والتنفيذية بحيث يتبين ان الفصل بينهما لا يرجع إلى تمييز دقيق ومادي بين المهام بقدر ما يتميز باتخاذ المبادرة أو اعطاء الاندفاعة من جهة، وبالمراقبة من جهة اخرى، والكل يدخل في مهمة محيطية شاملة موحدة هي مهمة الحكم ولا تزال هذه النظرة المطابقة للواقع الملموس مهما حاولنا تمطيط وتلميع النصوص، لا تزال هذه النظرة الواقعية بطبيعة الحال مثار نقاش وجدال معارضة من لدن الكثير من الفقه سواء في الميدان السياسي أو القانوني، ويجدر بنا ان نشير إلى لهث الفقه المغربي في محاولة تخليص الممارسة بما فيها المبادئ الدستورية من مظاهر عدم الانسجام مع الاطروحة التقليدية.

 

لكن الملاحظ هو ان هذا الفقه يبقى في احسن الأحوال متأثرا بالفكر الدستوري الفرنسي الموالي لافكار الجمهورية الخامسة، ويقرر في احوال اخرى بنوع من الاسى وجود فصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية أو السلطات الثلاث بما  فيها السلطة القضائية. لكن بناء على مقياس غير المقياس الشكلي الصوري الواضح في تعابير الدساتير وانما على مقياس اخر جوهري يتجلى في التمييز بين ما هو ثانوي، ويدخل في اختصاص جهاز أو سلطة أو هيأة معينة وما هو أساسي ويدخل في اختصاص سلطة اخرى، ونأمل ان يفتح البحث والتنظير في هذا الموضوع على نافذة الفكر الاسلامي على الاقل لتحليل وتعميق بعض المعطيات لنصل اطلاقا أو لا نطالب بتطبيق الفقه الاسلامي وهذا موضوع اخر.

 

كل ما نريد هو ان نفهم أو نحاول الفهم بالمقارنة، بين ما كان في الفقه الاسلامي وما هو موجود في القانون الدستوري لتعميق وتحليل بعض المعطيات مثل تكليف الامة بامام واحد وهو الولاية الكبرى في اطار البيعة.  هذا الامام الذي يرخص له التكليف الأول ان ينيب عنه في ولاية اخرى من ضمنها جانب من الحكم أو السلطة التنفيذية وجانب من القضاء. كل ذلك في نطاق التزاماته وصلاحيته المبنية على نظرية البيعة ولا جدال في الفرق الجوهري الذي سوف يفرض نفسه حول نظام السلطات بين الموقف الدستوري والشريعة الإسلامية، ولا جدال كذلك في  ظهور تطور جدري على مفهوم البيعة في المبادئ ــ الدستورية المنظمة للملكية هذا التصور الذي يعقلن تنظيم الولاية الفرعية من تنفيذ وقضاء بما يقتضيه التصور الجديد لأدوار الامة والنظام الملكي الدستوري. في كلا الفكرين الاسلامي والدستوري، يبقى وضع القضاء متميزا عن السلطة التشريعية والتنفيذية، ولو اختلفت حيثيات هذا التمييز، لانه يخرج دائما عن مفهوم الحكم بمعناه السياسي. وذلك لتعلقه اساسا بمصالح خاصة من جهة ولاتصاله دائما بموضوع فعالية الحكم أو السياسة على مستوى المخالفات الفردية التي تلحق مبادئه وقواعده  في الحياة اليومية لان المخالفات الجماعية تقترن اكثر  من المعارضة السياسية وتدخل بدورها في ممارسة الحكم من زاوية المراقبة، أو من خلال ممارسة الحريات العامة، بحيث تتنافى مع المفهوم الدقيق او التقني للقضاء، ذلك المفهوم الذي يفرض الاعتداء على مصلحة أو حق وضرورة اصلاح الضرر أو ردع التعدي الشيء الذي لا يعقل ولا يتصور في ممارسة الحريات العامة. ونرى بان هذا المفهوم اقرب انسجاما أو اقرب إلى الانسجام مع عدم اعتبار القضاء سلطة سياسية بالمعنى الدستور وكذا بالمنظور الاسلامي لانه في حالة الخلاف السياسي يجب الرجوع إلى من له الصلاحية الشرعية في حل هذا الخلاف فهو الامام في الاسلام لما له من ولاية عامة أو كبرى، ثم بعد ذلك الامة ولو كان الامام منبثقا عنها فهي التي أوكلت إليه هذه المهمة ثم بعد ذلك الامة في حالة تعذر تدخل الامام أو في حالة وفاة الامام، هو الشعب في نظر الدستور الغربي، الشعب هو الذي يحل الخلافات السياسية في الفكر الدستوري الغربي وهو المشار إليه اليوم بالملك في النظام الدستوري الملكي بالمغرب، وهذا من نتائج المزج أو التركيب المشار بين نظام الملكية الدستورية وامارة المؤمنين.

 

على اية حال يظل القضاء ولو لم يكن سلطة سياسية مطابقة أو مماثلة أو موازية للسلطتين الأخريين يظل القضاء سلطة عملية أو تقنية أجنبية عن السلطة السياسية التي تختص بالحكم، ويصبح مفهوم استقلال هذه الهيأة أو هذه السلطة أو مفهوم فصلها عن السلطة الاخرى مركز على مبررات خاصة بها  أو نابعة من خصوصية مهمتها  وليس من ضرورة التوازن بين الهيئات السياسية كما يتضح من شكلية نظرية " مونتيسكيوه".

 

2- طبيعة أو محتوى استقلال القضاء :

اشرنا إلى تطور القضاء في الاسلام إلى استقلال عملي أو فعلي تلقائي أو فطري من خلال تصرف الخلفاء الراشدين والفصل76 من الدستور ينص على استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ويختلف الدستور المغربي عن مصدر اقتباسه الفرنسي. بأنه بخلاف الفصل 66 من دستور58 بفرنسا، يقتصر على اعلان هذا الاستقلال ولا يشير إلى مبرره ولا إلى غايته بينما النص الفرنسي يشير إلى ان السلطة  القضائية هي الحامية للحريات الفردية ولاحترام مبادئها بحيث يكون استقلال  القضاء تلك الهيأة التقنية مبررا في الفقه الدستوري الفرنسي بضرورة حماية الحريات العامة، ويفهم الفرق مما ذكر عن توازن السلطات وعلاقتها واصلها فالحريات العامة وممارستها أنشطة سياسية يرجع الفصل أو البت في تعارضها إلى من له الصلاحية السياسية في ذلك، وهو الشعب مباشرة في فرنسا التي تفوض القضاء دستوريا بالنيابة عنها في الموضوع وهو الملك أو امير المؤمنين في المغرب وهو الممثل الاسمى للامة وهو الساهر على احترام الدستور، وعلى صيانة حقوق وحرية المواطنين في النص الصريح بالفصل19 من الدستور. من الصعب جدا القول بتعارض هذا المنظور مع الفكر الاسلامي المبني على التفويض والولاية كما انه من الصعب الاستنتاج بانه يتعارض مع المنظور الدستوري الغربي لان الدستور المغربي يضمن ويقرر استقلال القضاء من  خلال  ما يعطيه المجلس الاعلى للقضاء الذي تمت الاشارة إليه أو التوقف عنده في هذا الصباح وكذلك من خلال التنظيم الذي يعطيه للغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى ومن خلال التنظيم الذي يخص به نوعا مما يمكن ان نسميه بالقضاء السياسي، المحكمة العليا للعدل التي تختص بالنظر في الممارسين المباشرين لسياسة البلاد في ضوء هذه المعطيات يجوز القول بانه لا يحق لا للسلطة التشريعية ولا للسلطة التنفيذية بطبيعة الحال انتقاد أو مراقبة أو منع أو عرقلة قرارات القضاء ولا ان توجه هذه السلطات أوامر أو تعليمات إلى هيئة القضاء، ولا ان تحل محلها في البت في المنازعات التي تدخل في اختصاصاتها بالمقابل بطبيعة الحال يجوز القول بانه لا يحق لهيئة القضاء ان تتدخل في تسيير الشؤون السياسة والادراية للبلاد ولا ان تشرع للبلاد، هذا جميل ولكن مع الاسف اشير إلى ضخامة وغزارة ما يقال في الموضوع. ولو تعمقنا بشكل بسيط جدا وتجاوزنا مرحلة اللفظ بشكل بسيط جدا للاحظنا نسبيته، فان لم يكن للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بمفهومها التقني حق التدخل في القضاء مباشرة، فلا حق سن القوانين وتعديل مسار القضاء بحيث ان لم تتدخل فعلا وواقعا ممكن ان تتدخل شرعا وقانونا. هنا يجب احترام مسطرة معينة، لكن يمكن ان كان التشريع حركي سريع وغزير لأمكننا ان نقرأ عشرات النصوص، نصوص تتعلق بتغيير التنظيم القضائي بالمقابل هل من الصحيح فعلا ان القضاء لا  يمكن ان يتدخل لا في الشؤون الإدارية أو الشؤون السياسة للبلاد ولا في التشريع، لا أومن بهذا لماذا؟

 

بالفعل القضاء مطالب بتطبيق القانون لكن هذا التطبيق ليس تطبيقا آليا، القضاء ليس بالة ميكانيكية وهذا شيء بديهي ومعروف منذ القدم واذا ما أمكن تعويضه بالات يضغط على أزرار منها لاستصدار احكام وينتهي الامر،  القضاء يفسر القانون يشرحه ويؤوله يجب ان يجد حلولا لكل الحالات ولو كان هذا نظريا، قلت يفسر ويؤول، ويجب ان يبني نظريات ويعمل بها، ولما يعمل بها تصبح بمثابة القانون لانها تبث في حقوق الناس وتحل مشاكلهم  ومن الممكن جدا ان تكرس " شكليا"  بقوانين لاحقة، فما اكثر القوانين التي اقتصرت على تكريس اجتهاد القضاء ولم تزد عليه أي شيء كما ان القضاء يتدخل ويمكن ان يتدخل في الشؤون الإدارية أو الشؤون العامة للبلاد.

 

بالفعل منع عليه منذ ظهير1913 المنظم التنظيمي القضائي ثم بعد ذلك ولو الان في التنظيم القضائي لسنة1974 ان يتدخل مباشرة في الشؤون الإدارية أو ان يعرقل سير الادارة العمومية أو الاشغال العمومية، هذا صحيح، كما ان احكامه تتعرض لعدم النفاذ أو العرقلة من الادارة بشكل غير صريح أو بشكل صريح هذا كذلك وارد، لكن القضاء الذي يؤثر على التشريع ويتأثر ويؤثر على المفاهيم الفقهية، هذا القضاء  يقرأ ويفهم، وتستخلص منه التجارب ومن الادارات العمومية من ياخذ العبرة ويحاول ان لا يقع فيما يمكن ان يعارضه القضاء بحيث هناك تأثير ولو كان غير مباشر، ولو كان على المدى البعيد، الفقه أو القانون لا يعتبر وليد تجربة عشرة سنوات، أو عشرين سنة، ينظر إليه عبر الاجيال، تركيبة قانون المسؤولية المدنية لم تكن أبدا وليدة ممارسة قضائية أو اجتهاد قضائي لعشر سنوات أو عشرين سنة انما هي وليدة اجتهاد قضائي لأزيد من قرن، وهذا نفسه ما يتضح من كل الموضوعات الاخرى بحيث للقضاء تأثيره على الجهاز الاداري، وربما هذا التاثير غير مباشر ولو كان هذا التاثير ضعيفا. على العموم يبقى ان لاستقلال القضاء معنى وطبيعة تقنية أو نابعة من الشروط العملية لنجاحه ومن ضمنها ما تم التعمق فيه هذا الصباح لنجاحه في رسالته ومهمته، ولا علاقة لا بالطبيعة السياسية التي تميز فصل السلطتين التشريعية والتنفيذية، القضاء متأثر بالحياة السياسية وفي هذا النطاق له علاقة بالحياة السياسية، ولكن المقصود هو انه لا يخضع نظريا لتعليمات السلطة التشريعية ولا لتعليمات السلطة التنفيذية، فاذا كانت حرية الافراد تقتضي ان يمارسها الافراد بدون خطر عليهم فان التدابير المتخذة ضدهم تخضع للشرعية وتطبيق تلك التدابير يفرض الموضوعية والحياد والاستقلال من لدن من يطبقها.

 

القضاء بهذا يعني ان الهيئة المكلفة بمهام القضاء تستطيع التصرف بحرية عملية، وان تقرر في حدود ما  تلتزم به من احترام القانون وبدون ان تتعرض لاي تدخل من اية سلطة نظريا. ومن البديهي ان هذا الوضع المتناقض أو  على الاقل الوضع الغامض يخلق صعوبات جمة لهيئة القضاء. ذلك لان هذه الهيئة لا تتمتع بالنفوذ أو القوة الملاحظة في السلطة السياسية، من اجل اعطاء الفعالية الكاملة لقراراتها ولو أرادت ذلك لتحتم عليها الاندماج في نظام سياسي في نظريات سياسية في ايديولوجية سياسية، الشيء الذي يتناقض مع مبدا حيادها على المعطيات السياسية وتبعا لذلك فان استقلال القضاء ولو تقنيا  يعرضه عندما تكون الحصانة الذاتية متوفرة، يعرضه فعلا إلى الاهمال إلى أي نوع من النسيان واحيانا من التخوف والتشكك فيه وان لم نقل العرقلة لاعماله من لدن بعض الجهات السياسية أو المتأثرة أو المتفاعلة مع الجهات السياسية بما فيها الصحافة والاعلام، بما فيها الاحزاب  وبالتالي  في جميع الأحوال يبقى وضع القضاء صعبا جدا سواء اختار الاندماج السياسي، أو اختار الاستقلال أو يصبح في مشكل عدم الفعالية، بصرف النظر عن الظروف الشخصية للقضاء وربما كان للخروج من هذا المأزق هو ما ورد في الفصل 66 او64 من الدستور الفرنسي المتعلق بضمانة استقلال القضاء هذه الضمانة التي يخولها الدستور الفرنسي لرئيس الجمهورية، واذا كان الدستور المغربي لا يحتوي على نص مماثل أو قاعدة مماثلة، فانه يذهب في اتجاه الفكر الاسلامي الذي يصل في النهاية إلى نفس الغاية ان لم نقل إلى ما هو احسن بطبيعة الحال، هذا كله يفترض التطبيق الفعلي، انا لا أجادل في هذا انا اقرأ نصوص، كما قلت الفصل67 من الدستور المغربي يقرر تصدير الاحكام باسم صاحب الجلالة باسم من له  ولاية القضاء، ونعلم ان هذه السلطة هي التي لها كامل السلطات فعلا لاعطاء النفوذ والقوة والمصداقية لسلطة القضاء. وهذا يحتمل ويفترض في ان يحقق اكثر مما يحققه نص الدستور الفرنسي ومما لا جدال فيه ان هذه الخاصية لا تسري الا على القضاء الجالس لان قضاء النيابة العامة أو قضاة النيابة العامة يخضعون ولو نسبيا للسلطة الإدارية التي يرأسها وزير العدل، بحيث يبقى استقلالهم رهينا بمدى تشبع هذه السلطة بمبادئ العدل والانصاف ورهين بمدى تعلق اعضاء هذه الهيئة القضائية بصفتهم قضاة بالمبادئ السامية المتجلية من خلال استقلال القضاء وهذا كله رغم ان النظام الاساسي لرجال القضاء واحد. فظهير11 نوفمبر1974 يعتبر الكل قضاة ولا يميز بين قاضي وقاض بصفته قاض ما عدا بطبيعة الحال فيما يتعلق بشروط العزل والنقل التي تم التوقف عندها. لا داعي للتوقف عند الوسائل أو الاجهزة المكملة لهذا الموضوع والمتجلية من خلاف نظام المجلس الأعلى الذي تعرض له السيد الرئيس الأول هذا الصباح، وهذه النقطة بالذات هي التي قلت لكم سيادة الرئيس لانكم سحبتم البساط من تحت رجلي بصددها ذلك لانكم وفيتموها حقها من خلال كتابكم الغني والغزير والذي تعمدت الا اكتب اليكم بصفة شخصية، لشكري لكم على ما بدلتم فيه من مجهود، لانني أومن بضرورة الاعتراف العمومي، وبان هذا الاعتراف هو الدليل على المصداقية أي ما يكتسبه من شجاعة وموضوعية لانه يعرض لانتقاد الجميع فقد وفرتم فيه المعلومات الضرورية وبرهنتم بالفعل على ان هذه المؤسسة لو صارت بشكل مثالي، وبرهنتم على انها صارت بشكل جدي وفعال لمدة كثيرة لكفلت الكثير من الضمانات لاستقلال القضاء وأخص بالتنويه بالخصوص النقطتين الأساسيتين اللتين تعرضتم لهما في نطاق هذا المؤلف، وتتعلق إحداهما بالصفة التمثيلية على الاقل ونسبيا لهيئة المجلس الأعلى  للقضاء وكذلك للتحليل والمناقشة التي قدمتموها فيما يتعلق بالصفة الدستورية المشكوك فيها للتعديل الذي ورد على هذا القانون في هذا الموضوع موضوع تمثيل القضاة في المجلس الأعلى للقضاء. والجهاز الثاني الاساسي الذي يجب ان لا انساه والذي اشرت إليه هو المحكمة العليا للعدل هذه المحكمة التي لم تتح لها الفرصة مع الاسف رغم تكوينها لسنوات وسنوات للتدخل وإعطاء الفقه والقضاء فكرة عن ما يمكن ان نستشف منه العلاقة السياسية أو الخاصية السياسية في بعض المخالفات التي يقترفها الاشخاص الذين تجب متابعتهم ومحاكمتهم من لدن هذه المحكمة، خاصة وقد كانت للمغرب سابقة رائعة يجب ان نفتخر بها جميعا سابقة محاكمة وزراء وهذا نادر خاصة في الدول النامية مثل المغرب،

 

لماذا قلت بالسابقة لان هذه السابقة كانت قد عرضت على محكمة العدل الخاصة وكنت اشك ولا ازال اشك من الناحية التقنية في اختصاص محكمة العدل الخاصة لذا تساءلت وقتها عن الموقف الذي كان يحتمل ان  تتخذه محكمة العدل الخاصة، لو كانت المحكمة العليا للعدل قائمة انذاك، هل كان سوف يعرض المشكل على هذه المحكمة، أم كان سوف يعرض على محكمة العدل الخاصة. بقيت اشارة كذلك للتوقف والتمعن في الدور الذي يمكن ان تقوم به الغرفة الدستورية من جهة وفيما يستشف من التدابير الجنائية الموجودة في القانون الجنائي لردع مخالفات كثيرة، يمكن ان تقوم بها رجال السلطة أي اشخاص ينتمون إلى السلطة التنفيذية بمعناها الضيق، أو يمكن ان يقوم بها جهات اخرى، في الأخير تبقى الاشارة لا بد ضرورية إلى هذه النغمة النشاز التي دخلت التنظيم القضائي المغربي بعد سنة 1974، من خلال سن قاعدة حكام المقاطعات والجماعات المنتخبين، لا أقول القضاة الاتيين من الهيئة القضائية وإنما اشير إلى المنتخبين لانني مغربي ولو كنت أومن بجمال كثير من المبادئ التي يتمتع بها المواطن في الولايات المتحدة الامريكية، حيث ليس هناك خطر كبير لانتخاب القاضي رغم ان هذا الانتخاب منتقد ولو في الولايات المتحدة الامريكية، فأبقى على الارض وأبقى متشككا في سلامة هذا الاختيار بالنسبة للعدالة التي تفترض  دائما استقلال القضاء، واعتذر عن الاطالة وعن البتر الذي جاء في الفقرات الاخيرة، وأشكركم مؤمنا مسبقا بالثغرات والنقص الذي  يشوب هذا العمل المتواضع.

 

مجلة الاشعاع، عدد2، ص28.



تعليقات