📁 آخر الأخبار

الطفل الضحية في القانون الجنائي المغربي

 


الطفل الضحية في القانون الجنائي المغربي


إن حقوق الطفل كانت عبر وقت طويل محدودة جدا مثل حقوق المرأة، ومثلها كانت المرأة تعتبر ملكية خاصة للرجل فقد كان ينظر إلى الأطفال باعتبارهم ملكا خاصا الأبوين، وإن مفهوم ملكية الآباء لأطفالهم قد ذكر صراحة في قانون حمورابي في عام 2000 قبل الميلاد، كما أن القانون العبري العائد إلى 800 عام قبل الميلاد قد أعلن أن قتل الأولاد من قبل الآباء يعتبر أمرا مسموح به لهم. والمتصفح للأساطير القديمة للحضارات المختلفة يرى بوضوح كيف أن قتل الأطفال وخاصة على مذابح الآلهة كان شائعا جدا، حيث تحدثنا في هذا الصدد الأساطير اليونانية مثلا عن أغانمون قد ضحى بابنته الشابة ايفيغينيا على مذابح الآلهة استرضاء لهم ليسوقوا الرياح المواتية لأسطوله البحري في إحدى الغزوات البحرية، أما القانون الروماني القديم فقد أباح للآباء بيع أو قتل أبنائهم إن أرادوا ذلك ورأوه ضروريا .

وفي الحضارة العربية قبل الإسلام كان الأطفال يعاملون معاملة شبيهة كما لو كانوا من ممتلكات الأب فقد كان في مقدور هذا الأخير أن يتصرف بأطفاله كما يشاء، كما كان مسموح له أن يقتلهم إذا شاء ذلك إن كان فقيرا أو يأد منهم البنات على الخصوص . وقد لاقى ذلك استهجانا كبيرا من لدن الدين الإسلامي وثم الإيصاء بالأطفال خيرا مصداقا لقوله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم إن قتلهم كان خطئا كبيرا)  ، وأيضا لقوله عز وجل ( وإذا بشر أحدهم بأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكون)  

وفي الوقت الحاضر لعل من أولى الأوليات التي تواجه البشرية هو ما يتعرض له الأطفال من أخطار متعددة تعيق نموهم واستمرارهم في الحياة تتمثل بالخصوص في ويلات الفقر والموت المبكر والأزمات الاقتصادية والأوضاع الشاذة من حروب وإهمال اجتماعي واستغلال وسوء معاملة إضافة إلى سوء التغذية والتشغيل وعدم التمدرس .

وقد استشعر المجتمع الدولي بخطورة هذه الوضعية فبادر منذ عشرينيات القرن الماضي إلى صياغة العديد من الوثائق الدولية التي تهتم بالطفل، وهذه الوثائق تتوزع بين وثائق ليس لها الإلزام القانوني، فهي إعلانات حقوق تكتسب أهمية من الناحية السياسية والأدبية والأخلاقية، و وثائق تتمتع بصفة الإلزام نظرا لصدورها في هيئة اتفاقية دولية، وتتضمن الطائفة الأولى إعلان جنيف حول حماية الأطفال لسنة 1924 ، وكذا الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته لسنة 1990 . أما الطائفة الثانية فتضم بشكل رئيسي اتفاقية حقوق الإنسان المدنية والسياسية ، وكذا اتفاقية حقوق الإنسان بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . الصادرتين عن منظمة الأمم المتحدة في عام 1966 وتبقى الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل لسنة 1989 الوثيقة الأكثر دلالة في مجال حماية الأطفال، فهي بمثابة الشريعة العامة لكل المواثيق الدولية الأخرى ذات الصلة، نظرا للقوة الإقتراحية التي جاءت بها في ظل الأوضاع المزرية التي يحيى فيها ملايين الأطفال في مناطق مختلفة من المعمور.

فالاتفاقية تعتبر الطفل موضوع الحماية وشخصا من أشخاص القانون، معترفة له بحقوق عامة وأخرى خاصة في إطار مبدأ المساواة والتفضيل لمصلحة الطفل الفضلى مع الأخذ بعين الاعتبار قدراته المتطورة، وقد جعلت الاتفاقية أمر كفالة هذه الحقوق واحترامها على عاتق الأسرة والدولة والمجتمع الدولي في إطار متكامل.

هكذا ومن خلال عالمية حقوق الطفل التي برزت إلى الواجهة ضمن مسيرة عالمية حقوق الإنسان وتأثيرها على تطور قانون الأسرة، أصبح يعترف للطفل تدريجيا بنظام قانوني متميز كإنسان له حقوق وحريات داخل التشريعات الوطنية التي جعلت من مسألة ملاءمة قوانينها مع اتفاقية حقوق الطفل أولوية قصوى بحيث أسالت الكثير من المداد.

ولقد صادقت بلادنا على اتفاقية حقوق الطفل سنة 1993 حيث أصبحت قضايا الطفل في المغرب في السنوات الأخيرة تعرف اهتماما متزايدا باعتبارها قضية قومية و حضارية لها اعتبارات إنسانية و سوسيوثقافية واجتماعية واقتصادية متداخلة ومترابطة تتصل بمستقبل المجتمع المغربي وبخطة بنائه و تطوره، و ذلك في ظل الوضعية المزرية التي تعيش فيها شريحة مهمة من الأطفال من فقر وسوء تغذية و استغلال وعنف... بشكل ينعكس سلبا على خيار المورد البشري كرافد للتنمية المستديمة.

هذا الاهتمام بحقوق الطفل تجسد على أعلى مستوى في الهرم التشريعي، حيث بين المرحوم له جلالة الملك الحسن الثاني مدلول مصادقة المغرب على اتفاقية حقوق الطفل في رسالته للمؤتمر الثاني لحقوق الطفل قائلا: "... وما تصديقه على الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل في شهر يونيو لسنة 1993 بفيينا إلا دليل على اهتمامنا وحرصنا على تطبيق مبادئها وتوصياتها"، كما دعا جلالة الملك محمد السادس في خطابه الموجه إلى افتتاح اللجنة الوطنية المكلفة بالتحضير للدورة الاستثنائية للأمم المتحدة الحكومة إلى تكثيف الجهود للنهوض بأوضاع الطفولة وطلب منها: "... أن تعمل بموازاة مع ذلك على التعجيل بملاءمة التشريع الوطني مع الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل".

وعليه فإن الطفل كموضوع للحماية يندرج في إطار نقاش إيديولوجي ثقافي واجتماعي كبير تتسع دائرته يوما بعد يوم نظرا لأهمية الطفل وخطورة مرحلة الطفولة وقابليتها للإنجراح و الإحتلام. فمقاربة الطفل ضمن منهجية شمولية من بحث وتفكير ودراسة وتحليل، أصبحت عاملا أساسيا من عوامل التقدم والارتقاء في عصر باتت فيه درجة النمو لا تقاس بالأرقام الاقتصادية وحسب وإنما بممارسة المواطن والطفل على الخصوص يمثل ضرورة تحريرية وتنموية لا محيد عنها، ولهذا فإن تناول موضوع الحماية الجنائية للطفل بالدرس والتحليل يندرج في إطار تعميق هذا الوعي أيضا، والحماية الجنائية تعني بصفة عامة أن يدافع قانون الموضوع وقانون الشكل عن الحقوق أو المصالح المحمية عنه كل الأفعال غير المشروعة التي تؤدي إلى النيل منها عن طريق ما يقره من ضمانات، حيث نعتبر أن المسطرة الجنائية خير ضامن لتحقيق التوازن بين مصالح المجتمع الذي يريد المحافظة على النظام واستتباب الأمن في البلاد وبين مصالح الفرد الذي يرغب في أن توفر له الضمانات الكافية و تحمي حريته الشخصية وألا يعاقب إلا من قام بمخالفة القانون، فقواعد هذه المسطرة هي التي تحرك نصوص القانون الجنائي وتبث فيها الحياة لتحقيق أهدافها، إذ أن تناول هذه النصوص بالتجريم والعقاب على مجموعة من الجرائم تبقى جامدة ما لم تحركها قواعد المسطرة الجنائية التي تفرض متابعة مرتكب الجريمة وتنظيم كيفية هذه المتابعة .

وأما مرحلة الطفولة التي تعنيها الحماية الجنائية، فيستخلص مما جاء في كتب الفقه الإسلامي أنها تبدأ بتكوين الجنين في بطن أمه وتنتهي بالبلوغ والبلوغ قد يكون بالعلامة وقد يكون بالسن وعلامة البلوغ عند الأنثى الحيض والاحتلام والحبل وعند الذكر الاحتلام و الأحبال فإذا لم يوجد شيء من هذه العلامات الطبيعية كان البلوغ بالسن، وقد اختلف الفقهاء في تقديره، فقدره أبو حنيفة في المشهور بـ 18 سنة للفتى و17 سنة للفتاة، و قدره الجمهور بـ 15 سنة لكل من الفتى والفتاة في حين يذهب ابن حزم الظاهري إلى تقديره بـ 19 سنة ، و في مطلق الأحوال وأيا تكن السن المعتمد لتجاوز الطفولة فإن الجميع يتعرف بان هناك مرحلة زمنية في عمر الإنسان تلي ولادته وتمتد حتى سن معين تقضي  بمعاملة هذا الإنسان بطريقة خاصة ، وعلى الرغم من ورود مصطلحي الطفل والطفولة في العديد من إعلانات حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، فإن أيا منها لم تعرف المقصود بهذين المصطلحين أو أحدهما ولم يضعا الحد الأقصى لسن الطفل أو نهاية لمرحلة الطفولة، اللهم ما ورد في اتفاقية العمل الدولية الصادرة من منظمة العمل الدولية في تحديد الحدود القصوى للسن المسموح بها لعمل الأطفال، ولكن مدة السن هاته تختلف باختلاف العمل الذي يمارسه الطفل وحسبما إذا كان العمل يتم ليلا أو نهارا، أو كان فوق سطح الأرض أو تحتها، ولم يكن لهذا الوضع أن يستمر خاصة أن الدول تختلف فيما بينها في تعريف الطفل ولاسيما تحديد الحد الأقصى من العمر الذي يتوقف عنده وصف الكائن البشري بالطفل، وجاءت اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 لتحسم القضية وتعرف في مادتها الأولى المقصود بالطفل  حيث نصت على أن الطفل" هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق عليه".

ويبدو أن اتفاقية حقوق الطفل قد أخذت بالاتجاه الحديث الذي يميل إلى رفع الحد الأقصى لسن من يعتبر طفلا، وذلك بهدف إصباغ مزيد من الحماية ولأطول مدة ممكنة للصغار، فتحديد سن الطفل بما لا يتجاوز ثمانية عشرة عاما يعني الأخذ بالاتجاه الذي يميل إلى رفع الحد الأقصى لسن من يعتبر طفلا، إلا أن واضعي الاتفاقية قد قرروا أن تتجه بعض الدول في تشريعاتها الوطنية إلى اعتبار الشخص راشد قبل بلوغ هذه السن أي  18 سنة- مما يخلق نوعا من التضارب والتناقض بين أحكام الاتفاقية والتشريعات الوطنية ولهذا جعلت الاتفاقية الحد الأقصى لسن من يعتبر طفلا كل شخص يقل عمره عن 18 سنة إلا إذا كان التشريع المطبق على الطفل يعتبر الشخص بالغا سن الرشد قبل ذلك .

فالمشرع المغربي يعتبر الطفل منذ ولادته حتى سن 12 من عمره غير مسؤول عن أفعاله التي تحدث أضرارا للغير لانعدام تمييزه، إذ يقتصر قاضي الأحداث في هذه المرحلة على تنبيه الحدث وتسلميه إلى المسؤول عنه، بينما يعتبر الطفل ما بين السن 12 و 18 سنة من عمره ناقص المسؤولية وبالتالي لا يحكم عليه إلا بتدبير الحماية أو التهذيب أو يخول لهيأة الحكم تطبيق العقوبات المخففة والمنخفضة بصفة استثنائية ، وتحديد المسؤولية الجنائية في 18 سنة بموجب القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية ، جاءت تتويجا لمطلب هيأة المجتمع المدني والمهتمين بحقوق الطفل، إلا أننا نلاحظ أن القانون الجنائي لم يأخذ بهذا السن المحدد لمرحلة الطفولة في العديد من بنوده حيث يقتصر أحيانا على جعل عمر المجني عليه البالغ أقل من 19 سنة ظرفا مشددا (للجاني في حق هذا الأخير) في العقاب خلافا لما جاءت به اتفاقية حقوق الطفل.

ولهذا فإنه من الضروري توحيد رؤى المشرع الجنائي على مستوى قانون الشكل وقانون الموضوع بخصوص سن الطفل التي تشملها مقتضيات هذه القوانين بالحماية، وعليه فإن موضوع حماية الطفل وبالأخص في علاقته بالإجرام سواء كان مرتكبا لسلوك إجرامي أو ضحية له هو حديث نسبيا رغم أن وضعية الطفل هاته هي وضعية في أعماق التاريخ، وهكذا جاء الاهتمام بالطفل الضحية حيث كانت وضعيته تعالج في إطار وضعية المجني عليه بصفة عامة، حيث ظلت دراسة الظاهرة الإجرامية غير مكتملة إلى غاية صدور علم الضحية الذي جعل من بين أهدافه وجود أقل عدد من الضحايا في مختلف المجالات التي تهم المجتمع.

ويمكن رصد البداية الجادة للاهتمام العلمي بضحايا الجريمة بمحاولة فون هينتغ في مقاله الصادر سنة 1947 بعنوان ملاحظات على التفاعل بين المجرم والضحية، وبعد ذلك نشر كتابه "المجرم وضحيته" عرض فيه البداية الحقيقية للاهتمام العلمي بالضحية. ويعتبر الفقهاء من أمثال هلبيرغير و مندلسون وعزت عبد الفتاح من أعمدة هذا العلم، إذ أن كتاباتهم بعد أن رسمت لعلم الضحية طريقا في تحليل السلوك الإجرامي اهتمت بالدراسة النفسية للضحية ودورها في تحقيق الجرم وضمان حقوقها أمام العدالة. ثم احترام كرامتها، وقد تطورت بعد ذلك أبحاثهم في اتجاه علم الضحية الإكلينيكي واعتبار الضحية كإنسان يتألم نتيجة تعرضه للجريمة ومن تم المطالبة بتأهيله صحيا واجتماعيا.

هذا الاهتمام المتزايد بدراسة ضحايا الجريمة أدى إلى عقد العديد من المؤتمرات الدولية والإقليمية حيث عقد أول اجتماع عام 1973 وأنشأت أول مجلة علمية متخصصة بضحايا الجريمة أطلق عليها اسم: Victimology كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 34/40 في 11 دجنبر 1985 مرفقا به إعلان المبادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة الذي نص بشكل أساسي على حق الضحايا في عدالة منصفة ومعاملة متميزة وحقهم في التعويض والمساعدة بمفهومها الواسع، علما بأن المؤتمر العاشر للأمم المتحدة حول منع الجريمة ومعاملة المجرمين كان قد أشار في فيينا خلال شهر أبريل 2000 إلى وضع خطط وطنية وإقليمية ودولية لدعم ضحايا الجريمة، وعلى المستوى العربي تم عقد المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي في الفترة ما بين 12 و14 مارس 1989 حول حقوق المجني عليه في الإجراءات الجنائية، وهي حقوق تتوزع بين الدعوى العمومية و الدعوى المدنية .

وفي ظل هذا المسار اعتبر علماء الضحية أن الطفل ضحية مسلوبة الإرادة لا دخل لها في الجرم الواقع عليها. كما أنها تتمتع بنفس حقوق المجني عليه بصفة عامة في الإجراءات الجنائية وفي التأهيل والعلاج.

والمتأمل لتشريعنا الجنائي يجد أن المشرع صنف الطفل في خانة الضحية البريء. حيث أوجد نصوصا قانونية زجرية لمواجهة هذه الوضعية واعتراف له على غرار المجني عليه الراشد بحقوق إجرائية، تتلاءم والإعلانات التي صادق عليها المغرب في إطار حماية حقوق الطفل.

ونظرا لأهمية الموضوع وتشعب أفكاره وارتباط بعضها ببعض فإن محاولة دراسته تطرح إشكالية رئيسية يمكن بلورتها على الشكل الآتي:

- ما هي الحقوق التي منحتها الاتفاقيات الدولية وكذا القوانين الداخلية (القانون الجنائي المغربي وقانون المسطرة الجنائية) للطفل، وهل استطاع المغرب أن يكيف قوانينه الداخلية وفق ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الطفل؟

- ونظرا لما تخلفه الجريمة أو الاعتداء على نفسية الطفل فإنه يطرح السؤال التالي: هل من إمكانية لإعادة تأهيل وإصلاح الطفل الضحية (المجني عليه) وعلى أي مستوى في إطار الواقع؟

- كما أنه على إثر تعرض الطفل للاعتداء فإن ذلك يسبب له ضررا إما ماديا أو معنويا أو هما معا، فهل من تعويض عن الضرر الذي يلحق الطفل الضحية؟.

وللإحاطة بهذه الإشكالية ارتأينا أن نعالجها من خلال مبحثين: 

المبحث الأول: الطفل الضحية في إطار الاتفاقيات الدولية والتشريع الجنائي المغربي.

المبحث الثاني: حق الطفل الضحية في التأهيل وكذا التعويض عن الضرر.





المبحث الأول: الطفل الضحية في إطار الاتفاقيات الدولية والتشريع الجنائي المغربي:

ترتكز حماية الطفل الضحية في القانون الدولي على ما جاءت به الاتفاقيات الدولية من حقوق لصالح هذا الأخير أي الطفل. ونشير في هذا الصدد إلى أن معظم الدول قد التزمت بمقتضى مصادقتها على هذه الاتفاقيات باحترام وتكريس هذه الحقوق في قوانينها الداخلية من أجل جعلها ملاءمة لما قد صادقت عليه. وعليه نتطرق كمطلب أول للحدث في إطار الاتفاقيات الدولية ثم نتطرق في مطلب ثاني للحدث في القانون الجنائي المغربي.

المطلب الأول: الطفل الضحية في إطار الاتفاقيات الدولية

اهتمت الاتفاقيات الدولية بحقوق الطفل وذلك عند معالجتها لحقوق الإنسان بصفة عامة ويتجلى ذلك من خلال الاتفاقيات العامة (الفقرة الأولى) وكذلك أيضا من خلال الاتفاقيات الخاصة بحقوق الطفل ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الاتفاقيات العامة

- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948.

توزعت حقوق الطفل من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بين الحقوق العامة التي تهم الطفل على اعتباره إنسان والحقوق التي تهمه بصفة خاصة:

أ- أهم الحقوق العامة:

+ الحق في الحياة والحرية  + عدم جواز استرقاق الأشخاص  أو حجزه أو نفيه  وكذلك ضرورة حفظ حياته الخاصة وحفظ شؤون أسرته ، وإذا كان حفظ حياة الشخص، وحريته أمر ضروري في حق الشخص البالغ، فإنه من باب أولى أن يحفظ للطفل بالنظر إلى وضعيته ككائن ضعيف غير قادر على حماية نفسه بنفسه.

وتجدر الإشارة إلى أن حق الحياة والحرية هما حقان دعا الشرع الإسلامي إلى حفظهما من أزيد من 14 قرنا خاصة حفظ حياة الطفل، قال تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم)   وفي آية أخرى يقول تعالى ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت)  .

وقال عمر رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".

+ الحق في الشخصية القانونية: يدخل في تكوينها عدة عناصر منها: الاسم والنسب والجنسية، وقد تم التأكيد على هذا الحق في المادة 6 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما نص هذا الأخير على حق الجنسية في المادة 15. كما أن الشريعة الإسلامية هي الأخرى قد تطرقت لتسمية الطفل ونظمت نسبه كما اهتمت أيضا بحق الجنسية.

وبالإضافة إلى هاته الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي اهتم  بها من خلالها بالطفل بصفة عامة فإنه توجد هناك حقوق خاصة بالطفل قد اهتم به الإعلان بصفة عامة نذكر منها:

+ حق الأسرة في الرعاية : (المادة 16/ 1 من الإعلان ع ح إ) حق كل من الرجل والمرأة في بناء الأسرة دون قيد أو شرط وبناءا على رضا منها. وعلى هذا الأساس فرعاية الأسرة من طرف المجتمع أو الدولة هي حماية للطفل من جانب وتوفير المحيط الملائم لتربيته ونموه من جانب آخر.

+ حق حماية الأمومة والطفولة : يتجلى هذا الحق في المساعدة والرعاية وكذا في جعل كل الأطفال ينعمون بنفس الحماية الاجتماعية كيفما كانت ولادتهم شرعية أو غير شرعية.

+ الحق في التعليم: فمن أجل أن يكون الحق في التعليم في متناول الجميع (الأطفال). فقد أكد الإعلان ع ح إ على ضرورة جعل التعليم الابتدائي تعليما يتسم بالإلزامية والمجانية.

نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد". مما يوضح أن التعليم هو ضرورة منذ الصغر وفي كافة مراحل الحياة.

هكذا يتضح مما سبق أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالرغم من عمومية نصوصه المتعلقة بحقوق الطفل، فإنها لا تخلو من قيمة فلأول مرة منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة تتم الإشارة إلى حقوق الطفل في وثيقة دولية.

ونظرا إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يحدد الجهة التي تتولى السهر على تطبيق مقتضياته فإن منظمة الأمم المتحدة بواسطة الهيئات التابعة لها خاصة الجمعية العامة وكذا المجلس الاقتصادي والاجتماعي أخذت على عاتقها هذه المهمة، وارتباطا بموضوعها فقد أسست الجمعية العامة منظمة متخصصة في مجال رعاية الطفولة أطلق عليها منظمة الأمم المتحدة للطفولة وذلك في 11 دجنبر 1946، وكان يطلق عليها آنذاك المنظمة الدولية لإغاثة الطفولة، وكان من مهامها الرئيسية إغاثة الأطفال ضحايا الحروب وكانت اليونسيف عند إنشائها منظمة مؤقتة إلى غاية 1953، حيث أصبحت بعد ذلك جهازا قارا للأمم المتحدة وقد اتسعت مهام المنظمة لتشمل إلى جانب مساعدة الأطفال ضحايا الحرب تقديم المساعدات خاصة الغذائية، والقيام بالدراسات والأبحاث من أجل كشف الأوضاع التي تعيشها الطفولة في العالم والانتهاكات التي تتعرض لها في مختلف بقاعه.

- العهدان الدوليان 1966.

وقد تضمنا مجموعة من الحقوق التي تخص الطفل، وهي كما هو الشأن بالنسبة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان إما حقوق عامة تهم الطفل كإنسان أو حقوق خاصة بالطفل.

* الحقوق العامة تتمثل أساسا في:

1- الحق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية: وعليه فإن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وإن كان قد سمح بتطبيق عقوبة الإعدام في ظروف خاصة (أخطر الجرائم الإرهاب مثلا) إلا أنه لم يسمح بهذا استثناء في حق (الطفل) (المادة 6)، كما امتدت حماية الطفل في حقه في الحياة إلى الجنين حيث منع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تنفيذ عقوبة الإعدام في حق الأم الحامل.

وحرمت المادة 7 ع.د للحقوق م.س إخضاع أي فرد لتعذيب أو المعاملة القاسية، كما نصت المادة 8 على عدم جواز الاسترقاق والاتجار بالرقيق أو إخضاع أحد للعبودية.

2- الحق في محاكمة عادلة: ويتضمن هذا الحق عدة شروط منها:

- عدم صدور إحكام قضائية بصورة علنية في حق الطفل.

- أن توضع إجراءات التقاضي بصورة تتلاءم وسنه والرغبة في إعادة تأهيله (المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية).

- كما يتعين أن يفصل المتهمون من الأحداث وحتى المجني عليهم عن البالغين وأن تكون أيضا مسطرة تقاضيهم مستعجلة .

ب- الحقوق الخاصة بالطفل:

1- حق الطفل في الأسرة: يتضح هذا الحق في ضرورة إيجاد أسرة لأي طفل كي ترعاه. وهذا ما يتطلبه المنطق خاصة الأطفال المتخلى عنهم وكذا الملقبون بأبناء الشوارع (قضية الطفل هشام موسون)  .

2- الحق في الصحة والتمتع بظروف صحية جيدة: (المادة: 18 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) تنص هذه المادة على حق كل فرد بالتمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية.

3- الحق في التعليم: المادة 13 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية نصت هذه المادة على ضرورة الاهتمام بالجانب الثقافي للشخص لتحقيق تنمية شاملة لشخصية الإنسان، وكذا على إلزامية ومجانية التعليم الابتدائي كما نصت على متابعة تطوير نظام التعليم على كافة المستويات إضافة إلى تحسين الأحوال المادية للهيئة التعليمية وبكيفية مستمرة.

الفقرة الثانية: الاتفاقيات الخاصة

نشير إلى أن هذه الاتفاقيات (أي الخاصة) قد تطرقت للطفل خاصة في مرحلة محددة من حياته ولهذا السبب اعتبرت اتفاقيات خاصة وفيما يلي أهم هذه الاتفاقيات:

- الإعلان العالمي لحقوق الطفل لسنة 1959.

تجدر الإشارة إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الطفل لسنة 1959 لم يكن أول إعلان يهتم بقضايا الطفولة، وإنما سبقه إلى ذلك إعلان جنيف لسنة 1924 وقد تبنته الجمعية العامة لعصبة الأمم آنذاك، وقد نص من خلال مبادئه على ضرورة تغذية الطفل الجائع وعلاجه، ومساعدة الأطفال المتخلى عنهم والأطفال الضالة ومحاولة إصلاح هذه الفئة وتأهيلها، وكذا إيواء اليتامى والمتروكين أو المتخلى عنهم، كما اهتم أيضا بالجانب الروحي للطفل عندما نص على وجوب تربية الطفل.

ومع انطلاقة الحرب العالمية الثانية 1939 فقدت هذه الوثيقة قيمتها، لكن على أساسها صاغ واضعوا الإعلان العالمي لحقوق الطفل 1959 مبادئ هذا الأخير: 

المبدأ 1 :  المساواة بين الأطفال في التمتع بالحقوق الواردة في الإعلان دون أي تمييز لسبب من الأسباب (العنصر، اللون، الجنس، اللغة، الدين. الرأي السياسي...).

المبدأ 2: دعا إلى أن يتم جعل من المصلحة الفضلى للطفل محور التشريعات الداخلية للدول.

المبدأ 3: حق الطفل في الاسم والنسب.

المبدأ  4: حق الطفل في الأمن الاجتماعي والتغذية والرعاية الصحية وأن يمتد هذا الحق إلى أمه خاصة في فترة الحمل وبعدها مباشرة.

المبدأ 5: حق الطفل المصاب بعاهة جسمية أو عقلية أن يحصل على العناية الخاصة.

المبدأ 6: حق الطفل في الرعاية العائلية وذلك نظرا لدور الأسرة في تربية الطفل.

المبدأ 7: حق الطفل في التعليم (ضرورة جعله مجاني خلال المرحلة الأولية).

المبدأ 8: أن يكون الطفل في المقام الأول في الحصول على الحماية والإغاثة في الظروف الاستثنائية.

المبدأ 9:  توفير الحماية القانونية للطفل من أي شكل من أشكال الاستغلال (الاقتصادي الجنسي...).

إلا أنه رغم كل هذه الإيجابيات التي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الطفل 1959 فإنه يؤخذ عليه ما يلي:

+ اقتصر على ذكر بعض الحقوق الخاصة بالطفل دون غيرها (كالحق في التعبير وتكوين جمعيات والحق في الضمان الاجتماعي...).

+ أن الإعلان لم يتضمن أية آلية رقابية تسهر على تنفيذ بنوده. 

+ لم يشر الإعلان إلى وضعية الأطفال الغير الشرعيين.

- الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.

يتضح من نصوص الاتفاقية أنها شملت ثلاث طوائف من الأحكام تتعلق بحقوق الطفل.

الطائفة الأولى: الأحكام التي من شأنها تعزيز وتأكيد حقوق الطفل إما باعتباره إنسانا وإما منظورا إليه كطفل، وتشمل هذه الحقوق ما يلي: + الحق في الحياة (المادة 6) + الحق في الجنسية (المادة 7) + الحـق فـي حـرية الفكر (المادة 11) + حرية التعبير (المادة 13) + الحق في الحماية الخاصة وحماية الشرف والسمعة (المادة 16) + الحق في الحصول على المعلومات (المادة 17) + حق الانتفاع بالضمان الاجتماعي (المادة 26) + الحق في التعليم (المادة 28)...

الطائفة الثانية: القواعد التي تقرر حماية خاصة للطفل من بعض التصرفات المؤذية:

+ حماية الطفل في مجال العمل (م 33)، تعترف الاتفاقية بحق الطفل في الحماية من الاستغلال الاقتصادي ومن أي عمل قد يعيق تعليمه أو يضر صحته أو نموه البدني أو العقلي أو الروحي أو الاجتماعي أو المعنوي.

+ حماية الطفل من الاستغلال الجنسي.

+ تحريم اختطاف الأطفال أو الاتجار بهم.

+ حماية الطفل من تعاطي المخدرات.

+ حماية الطفل من النزاعات.

الطائفة الثالثة: الأحكام التي من شأنها توفير جو عائلي ملائم:

+ ضمان حق الطفل في أن ينشأ في أسرته أو في أسرة بديلة

+ التزامات الأسرة اتجاه الطفل.

إلا أنه رغم الحقوق التي جاءت بها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل فإنها قد تعرضت لعدة انتقادات نذكر أهمها على الشكل التالي:

1- أنها ركزت على معظم المشاكل التي تعاني منها الطفولة في العالم وهذا شيء إيجابي إلا أنها لم تبحث في الأسباب التي تؤدي إليها والعمل على معالجتها.

2- الاتفاقية جاءت انعكاسا للقيم الغربية في معالجتها لقضايا الطفولة، حيث تم تهيمش دور التربية الدينية في تكوين شخصيته (أي الطفل) ونخص بالذكر هنا الطفل المسلم.

3- لم تضع المعايير أو القواعد التي يمكن من خلالها كفالة حق التعليم، وحق الضمان الاجتماعي، وحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي خاصة في الدول المختلفة (دول العالم الثالث).

4- لم تحدد بشكل واضح المقصود بالمصلحة الفضلى للطفل، وتعد هذه النقط من بين جملة من الانتقادات الموجهة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، إلا أن أهم ما يمكن التنويه به هو أن هذه المبادئ التي جاءت بها هذه الاتفاقية لم ترد في صيغة إعلان كالإعلان العالمي لحقوق الطفل لسنة 1959، وإنما جاءت في صيغة اتفاقية مما يعني أن هذه الأخيرة تتميز عن الإعلان بطابع الالتزام القانوني وذلك على اعتبار أن الاتفاقات الدولية تسمو على القوانين الوطنية. كما أن هذا الالتزام على مستوى الاتفاقيات الدولية يوحي بوجود روح وحركية في مبادئ هذه الأخيرة.

وعليه نتساءل: هل المغرب عمل على ملاءمة وتكييف قوانينه الداخلية مع مبادئ الاتفاقات الدولية. ونخص هنا بالذكر فرع القانون الجنائي.

المطلب الثاني: الحدث في القانون الجنائي المغربي

إن المغرب الذي يعرف في الوقت الراهن تحولات عميقة في إطار تعزيز دولة الحق والقانون أولى لقضية حقوق الطفل اهتماما خاصا ومتزايدا مبنيا على أسس حضارية وعلى مبادئ الإسلام التي كانت تؤكد دوما على ضرورة حماية الطفل، وقد قام المشرع المغربي بترجمة هذا الاهتمام على أرض الواقع بوضع قوانين تنظم العلاقات داخل المجتمع من أجل رعاية الطفل باعتباره يحتاج إلى رعاية وعناية تضمنان له العيش الكريم، وسيرا على نهج هذا العرف النافذ عمد المشرع المغربي من خلال  قانون المسطرة الجنائية الجديد إلى تخصيص القسمين السادس والسابع من الكتاب الثالث لفئة خاصة من الطفولة تتمثل في الطفل ضحية جناية أو جنحة ثم للطفل الموجود في وضعية صعبة وهذا ما سنحاول معالجته في الفقرة الأولى في حين سنعرض لمستجدات فضاء الأحداث في ق.م.ج في فقرة ثانية.



الفقرة الأولى: في قواعد الموضوع

أ- الأطفال ضحايا جنح أو جنايات

تكريما من المشرع المغربي للحماية التي أولى بها الحدث في ظل القانون الجنائي إذ عاقب على حرمانه من العناية والعلاج أو تعريضه للاستغلال والإهمال المادي والمعنوي وتحريضه على ممارسة أفعال غير مشروعية، فإنه عمل في قانون المسطرة الجنائية الجديد في المادتين 510 و511 منه على إحاطة الحدث ضحية جنايات أو جنح بضمانات إجرائية هامة. وهكذا نصت المادة 510 على أنه إذا تعرض حدث يقل عمره عن 18 سنة لاعتداء جرمي، وكانت الجريمة جناية أو جنحة فلقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث إما استنادا لمتلمسات النيابة العامة أو تلقائيا، بعد أخذ رأي النيابة العامة، أن يصدر أمرا قضائيا يقضي بإيداع الحدث المجني عليه لدى شخص جدير بالثقة أو مؤسسة خصوصية أو جمعية ذات منفعة عامة مؤهلة لذلك. أو بتسليمه لمصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة إلى أن يصدر حكم نهاي في موضوع الجناية أو الجنحة التي تعرض لها ويكون هذا الأمر قابلا للتنفيذ بقوة القانون.

ويمكن للنيابة العامة أو لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث أن يأمر بعرض الحدث على خبرة طبية أو نفسية أو عقلية لتحديد نوع وأهمية الأضرار التي لحقته من جراء الاعتداء عليه وبيان ما إذا كان يحتاج إلى علاج ملائم لحالته حالا ومستقبلا .

وفي حالة صدور حكم من أجل جناية أو جنحة ارتكبت ضد حدث فالمادة 511 الموازية للفصل 567 ق.م.ج المنسوخ أعطت لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث بناء على إحالة النيابة العامة صلاحية اتخاذ تدابير لحماية الحدث مما يراه مناسبا مع حفظ الحق في استئناف هذا القرار من طرف كل من النيابة العامة والحدث أو أبويه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو حاضنه أو كافله أو المكلف برعايته خلال 10 أيام من صدوره أمام الغرفة الجنجية لأحداث بمحكمة الاستئناف. وقد أولى المشرع المغربي في السنين الأخيرة حماية واهتماما خاصا بالطفل الضحية حيث يعتقد المشرع بأن الأطفال القاصرين وبالنظر لحالتهم وبعض الخصائص الذاتية المتعلقة بهم أكثر عرضة لاعتداءات إجرامية ولهم احتمالات كبيرة لكي يصيروا  ضحايا أعمال إجرامية تستهدف ملائمة أبدانهم وشرفهم وصحتهم المعنوية وهناك اعتداءات إجرامية لا يمكن أن ترتكب إلا على الأطفال كجريمة عدم تقديم الطفل 486 ق ج وفي المقابل هناك أفعال إجرامية ليست خاصة بالأطفال يمكن لكل شخص أن يصير ضحية لها لكن القانون يعاقب عليها بشدة إذا ما ارتكبت في حق الطفل فالاعتداء على العرض 484 ق ج ولو بغير عنف يعاقب عليه القانون بشدة إذا ما كان الطفل ضحيته، كذلك الحال بالنسبة لجرائم أخرى كحرمان الطفل من العلاج والتغذية أو إهماله وتعريضه لمعاملة سيئة 482 ق.ج أو تحريضه على الفساد أو استعماله في مهن خطيرة أو بيع منشورات تضر بأخلاقه هذا بالنسبة للطفل الضحية. فما هي يا ترى التدابير المقررة كحماية الطفل في وضعية صحية.

ب- الأطفال الموجودين في وضعية صعبة

يعتبر موضوع حماية الطفولة في وضعية صعبة من المستجدات التي أرساها الباب الثالث والجدير بالذكر أن المشرع لم يتطرق إلا لحالة الحدث القاصر المعرض لمخاطر الانحراف.

وقد حاولت المادة 513 من ق.ج.م أن تضع إطار للحالات التي يكون فيها الأطفال في وضعية صعبة فقالت: يعتبر الحدث البالغ من العمر أقل من 16 سنة في وضعية صعبة إذا كانت سلامته البدنية أو الذهنية أو النفسية أو الأخلاقية أو تربيته معرضة  للخطر من جراء اختلاطه بأشخاص منحرفين أو معرضين للانحراف أو معروفين بسوء سيرتهم أو من ذوي السوابق في الإجرام أو إذا تمرد على سلطة أبويه أو حاضنه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو لكونه اعتاد الهروب من المؤسسة التي يتابع فيها دراسته أو تكوينه. هذا الحدث في الواقع منحرف بفعل عوامل ومؤثرات داخلية وخارجية، لأن الحدث إذا انحرف فبفعل الجو والمحيط الذي يعيش فيه فإذا لاحظ قاضي الأحداث أن حالة الحدث الصحية أو النفسانية أو سلوكه العام تستوجب فحصا عميقا بإيداعه مؤقتا لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر بمركز مقبول مؤهل وبمقتضى المادة 512 يمكن لقاضي الأحداث لدى المحكمة الابتدائية أن يتخذ لفائدة الحدث الموجود في وضعية صعبة بناء على ملتمس النيابة العامة أو تدبير يراه كفيلا بحماية الحدث .

وتقضي المادة 514 بأن قاضي الأحداث إذا كانت حالة الحدث الصحية أو النفسانية أو سلوكه العام تستوجب فحصا عميقا يأمر بإيداعه مؤقتا لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر بمركز مقبول ومؤهل لهذه الغاية.

وطبقا لما تقضي به المادة 515 يعهد إلى أحد مندوبي الحرية المحروسة بتتبع حالات الحدث وظروف تنفيذ التدابير وفقا للكيفيات المنصوص عليها في المواد من 446 إلى 550. ويمكن لقاضي الأحداث حسب المادة 516 أن يأمر في كل وقت بإلغاء التدابير أو بتغييرها إذا اقتضت مصلحة الحدث ذلك، وذلك إما تلقائيا أو بناء على طلب وكيل الملك أو الحدث أو الشخص الذي يتولى رعايته مع أخذ رأي وكيل الملك إذا لم يكن هو الذي تقدم بالطلب وأخيرا فإن مفعول التدابير المأمور بها تنتهي بانتهاء المدة التي حددها أمر قاضي الأحداث وينتهي في كل الأحوال ببلوغ الحدث 16 سن ميلادية مع إمكانية تمديد مفعول التدابير المأمور بها إلى حين بلوغ الحدث سن الرشد الجنائي. وذلك بقرار معلل من القاضي في بعض الأحوال الاستثنائية إذا اقتضت مصلحة الحدث ذلك مع مراعاة مقتضيات الفقرتين 2 و3 من المادة 516 ق.م.ج، هذه التدابير التي يمكن للمحكمة أن تنطق بها لا في مواجهة الحدث في وضعية صعبة إلا أنه هذه التدابير ليست هي الرد الوحيد بل يمكن للمحكمة أن تحكم بالعقوبة أيضا.

الفقرة الثانية: في قواعد الشكل:

لقد وضع المشرع من أولوياته حماية الحدث من الانحراف كوسيلة وقائية وتأهيلية وإعادة إدماجه إذا ما تعرض للانحراف وذلك مراعاة لمصلحة الحدث الفضلى المتمثلة في ضمان نمو الحدث السليم في المجتمع ليكون عضوا صالحا فيه، ولتحقيق ذلك نص على مجموعة من التدابير سواء في إطار نظام الحراسة المـؤقتة ( المادة 471 ق.م.ج) أو في إطار الحماية والتهذيب (المادة 481 ق.م.ج) إلا أن هذا لا يعني أن المشرع استبعد بالكامل النظرة العقابية للحدث فنظرا لما للعقوبة من دور فعال في الحد من الجريمة وحماية المجتمع، مادام أن الحدث عند وصوله لسن معين (12 سنة) يتوفر على مؤهلات وقدرات تجعله يدرك أهمية ودور العقاب. فقد أبقى المشرع على بعض العقوبات إلا أن مراعاة لخصوصية الحدث، جعلها استثنائية ومخففة لتتناسب مع خطورة الجرم والظروف الشخصية للحدث وهذه المبادئ هي التي جاءت قواعد بكين (القاعدة 5-1) وتمشيا مع القاعدة رقم 4-1 منها رقم ق.م.ج إلى سن الرشد إلى 18 سنة  بدلا من 16 سنة كما كان سابقا في ق.م ج واعتبار الطفل بين 12 و 18 سنة ناقص المسؤولية الجنائية لعدم اكتمال تمييزه (المادة 458 ق.م ج) واعتبر المشرع أيضا الحدث دون 12 سنة منعدم المسؤولية الجنائية لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن محاكمته واتخاذ بعض التدابير في حقه يمنع إيداعه في السجن ( المادة 473 ق.م ج).

أما فيما يخص هيئات التحقيق وهيئات الحكم الخاصة بالأحداث فيمكن القول إن المادة 458 من ق.م.ج وما يليها قد أخذت بنظام جد متطور لقضاء الأحداث حرصا من المشرع على مواكبة الاتفاقيات الدولية الصادرة بشأن الطفولة بصفة عامة. وسوف نحاول رصد الجديد على مستوى المحاكم الابتدائية أولا ثم على مستوى محاكم الاستئناف ثانيا.

أولا: على مستوى المحاكم الابتدائية

1- قاضي الأحداث لدى المحاكم الابتدائية

تنص المادة 467 من ق.م.ج على أنه " يعين قاضي أو أكثر من بين قضاة المحكمة الابتدائية للقيام بمهام قاضي الأحداث لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بموجب قرار لوزير العدل بناء على اقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية.

ويختص قاضي الأحداث لدى المحكمة الابتدائية بالنظر، وفقا لمقتضيات المواد 375 إلى 382 والفقرة السادسة من المادة 381، في قضايا المخالفات والجنح المنسوبة إلى الحدث البالغ من العمر ما بين 12 و 18 سنة والتي يحيلها عليها وكيل الملك لدى نفس المحكمة والذي يملك وحده سلطة تحريك الدعوى العمومية في حق الحدث، مع ملاحظة أنه أصبح من غير الممكن في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديد إمكانية تحريك هذه الدعوى من طرف المطالب بالحق المدني عكس ما كان عليه الأمر في القانون القديم.

وقد نصت المادة 460 من ق.م.ج على مجموعة من الحقوق للحدث أثناء البحث التمهيدي تتمثل في الاحتفاظ بالحدث المنسوبة إليه الجرائم في مكان مخصص للأحداث لمدة لا تتجاوز المدة المحددة للحراسة النظرية ومما يثير الانتباه هنا هو أن المشرع استعمل كلمة الاحتفاظ بالحدث. مما يفيد أن الحدث لا يكن وضعه تحت الحراسة النظرية التي تشترط وضع الحدث في الزنزانة أو غرف الأمن المستعملة للرشداء. كما اتخذ المشرع كافة التدابير لمنع إيذاء الحدث نظرا لطبيعة تكوينه الجسمانية والنفسية غير الناضجة وإشعار أولياء الحدث أو وصيه أو كافله أو حاضنه أو المؤسسة المعهود إليها برعايته بالإجراء المتخذ في حقه كما أعطى المشرع إمكانية الاتصال بالحدث من طرف محاميه أو من طرف الأشخاص الواردين في الفقرة الثانية عند اتخاذ تدبيري الاحتفاظ والحراسة المؤقتة كما تضمنت المادة 473 أيضا إجراء جديد، وهو إعطاء قاضي الأحداث إمكانية تأجيل البث في حق الحدث إلى أن يصدر الحكم في حق الرشداء ما لم يتعارض ذلك من مصلحة الحدث، وذلك عندما يكون هذا الأخير متابعا من أجل نفس الأفعال، ويتم فصل قضية الحدث عن قضية الرشداء تطبيقا لنص المادة 461 من ق.م.ج.

2- غرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية

تماثل غرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية في تشكيلتها ما كانت عليه محكمة الأحداث لدى المحاكم الإقليمية سابقا، وإذا تبين لغرفة الأحداث أن الأفعال تكتسي صبغة جنائية تصدر حكما بعدم الاختصاص، وتتألف الغرفة من رئيس وقاضيين ونائب لوكيل الملك وكاتب للضبط.

ويلاحظ أن المادة 479 من ق.م.ج قد حلت معضلة كانت تثير نقاشا كبيرا تتجلى في ما يطبق بالأسبقية إذا قررت الغرفة الجنحية عقوبة حبسية إضافية لتدابير الحماية، حيث نصت صراحة على أن العقوبة السالبة للحرية تنفذ بالأسبقية باستثناء حالة علاج الحدث التي لا يمكن أن تقطع بأي وجه من الوجوه.

ثانيا: على مستوى محاكم الاستئناف: 

1- المستشار المكلف بالأحداث:

يعين المستشار المكلف بالأحداث ويعفى من مهامه بنفس الطريقة المنصوص عليها في الظهير الشريف 28 شتنبر 1974 المتعلق بالإجراءات الانتقالية، وعندما تكتسي الأفعال المرتكبة من طرف الحدث طابعا جنائيا فإن المستشار المذكور بعد قيامه ببحث اجتماعي لتحديد التدابير المتعين اتخاذها لحماية الحدث (المادة 471) يقوم بإجراء تحقيق في القضية طبقا للمسطرة الواردة في القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي ويشكل ذلك أهم اختصاصات المستشار المكلف بالأحداث ويكتسي التحقيق طابع الإلزامية كما تنص على ذلك المادة 83. وفي غياب المستشار تنص الفقرة الثانية من المادة 485 من ق.م.ج على إمكانية تعيين من يقوم مقامه من طرف الرئيس الأول بعد استشارة الوكيل العام للملك. وللمستشار أن يتخذ أثناء البحث في حق الحدث ما يراه مناسبا من التدابير الجنائية المنصوص عليها في المادتين 468 و478 من ق.م ج كما له أن يراعي الحقوق والضمانات التي تكفلها المشرع للحدث، وله أن يصدر أمرا باعتقاله مؤقتا.

2- الغرفة الجنحية للأحداث لدى محكمة الاستئناف

تعد هذه الغرفة من مستجدات قانون المسطرة الجنائية، وتماثل في تشكيلتها هيئة غرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية مع فارق وحيد هو تغيير تسمية القاضي باسم المستشار، ويطبق على عقد جلساتها وعلى قراراتها ما يطبق أمام غرف الأحداث من إجراءات مع مراعاة المقتضيات الخاصة بالغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف.

3- غرفة الجنح الاستئنافية للأحداث

تختص هذه الغرفة بالنظر في استئناف الأحكام الصادرة عن غرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية أو عن قاضي الأحداث، وتتألف هذه الغرفة استنادا للمادة 489 من ق.م.ج تحت طائلة البطلان من مستشار للأحداث بصفته رئيسا ومن مستشارين اثنين وتعقد جلساتها بحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب للضبط، وتختص بالنظر في استئناف الأحكام الصادرة عن غرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية أو عن قاضي الأحداث وفقا للفقرة الرابعة من المادة 470، وتطبق على عقد الجلسات وعلى مقررات غرفة الجنح الاستئنافية لأحداث مقتضيات الفرع الخامس من الباب الأول من القسم الرابع من الكتاب الثاني مع مراعاة أحكام المواد من 480 إلى 482 و 492 من هذا القانون.

4- غرفة الجنايات للأحداث

تتألف غرفة الجنايات على مستوى محكمة الاستئناف تحت طائلة البطلان من رئيس ومن أربعة مستشارين، وتعقد جلساتها بحضور النيابة العامة، وتعد هذه الغرفة أيضا من مستجدات قانون المسطرة الجنائية الحالي، وتختص بالنظر في الجنايات والجنح المرتبطة بها المنسوبة لأحداث وإذا تبين للغرفة أن الأفعال منسوبة إلى الحدث فإنها تبت طبقا للمقتضيات في المواد 473 و476 ومن 481 إلى 483، ويمكنها علاوة على ذلك أن تصدر في حقه تدبيرا أو أكثر من تدابير الحماية أو التهذيب المنصوص عليها في المادة 481، كما يمكنها أن تكمل هذه التدابير أو تعوضها بالنسبة للأحداث الذين يتجاوز سنهم 12 سنة بعقوبة من العقوبات المنصوص عليها في المادة 482، غير أنه إذا كانت العقوبة الأصلية المقرر للجريمة هي الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة ثلاثين سنة فإن الغرفة تستبدلها بعقوبة تتراوح بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة سجنا.

ويمكن الطعن بالاستئناف في قرارات غرفة الجنايات الصادرة في حق الأحداث أمام غرفة الجنايات الاستئنافية للأحداث، وتتكون غرفة الجنايات الاستئنافية من مستشار لأحداث رئيسا ومن أربعة مستشارين وتعقد جلساتها بحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب للضبط، ونص الفصل 459 من ق.م.ج حسب الكيفيات العادية في المقررات النهائية الصادرة في حق الأحداث عن غرفة الجنح الاستئنافية للأحداث والغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف وغرفة الجنايات للأحداث، ولا يوقف الطعن بالنقض تنفيذ تدابير الحماية أو التهذيب المحكوم بها بمقتضى المادة 493 من ق.م.ج.

وتكريسا لحماية خصوصية الأحداث المتابعين وسرية الإجراءات والمناقشات المتعلقة بهم منع القانون الجديد نشر أبي بيان عن جلسات الهيئات القضائية الخاصة في قضايا الأحداث بأية وسيلة كانت.

5- تنفيذ الأحكام

إن الملاحظة البارزة بخصوص تنفيذ الأحكام الصادرة في حق الأحداث هو الطابع المرن الذي تميزت به مؤسسة تنفيذ العقوبة سواء منها السالبة للحرية أو المرتبطة بالتدابير الوقائية والتهذيبية، حيث إن المصلحة الفضلى للحدث تعتبر مشكاة والتشبث  المحافظة عرى كرامة الحدث  المشرع التي يسير على هديها في إطار الالتزامات الدولية للمملكة في هذا الباب؛ وهكذا نص في المادة 505 من ق.م.ج على أن الأحكام الصادرة عن الهيئات المختصة بالأحداث تسجل بسجل خاص يمسكه كاتب الضبط ولا يكون في متناول الجميع، ونص على عدم تضمين المقررات المحتوية على تدابير الحماية أو التهذيب إلا بالبطاقة رقم 2 دون غيرها، ويمكن بعد انصرام ثلاث سنوات والتأكد من إصلاح سلوك الحدث أن يتقدم تلقائيا أو بناء على طلب النيابة العامة أو الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يشرف على شؤون الحدث بطلب إلغاء البطاقة رقم 1 التي تنص على التدبير المتخذ في حق هذا الأخير.

وتسهيلا على الحدث سلك المشرع المغربي مسلكا جديدا يقرب القضاء من الحدث فمكنه من تقديم طلب إلغاء البطاقة رقم 1 بنوع من اليسر، حيث أعطى الصلاحية للبث في هذا الطلب إلى كل من القاضي الذي أجرى المتابعة الأولى، أو القاضي الذي يوجد في دائرته الموطن الحالي للحدث، أو القاضي الذي كانت ولادة الحدث بدائرته وجعل مقرر القاضي بالرفض قابلا للطعن أمام الغرفة الجنجية للأحداث لدى محكمة الاستئناف داخل أجل 10 أيام وأخيرا أعفي المشرع أسرة الحدث المعوزة من أداء مصاريف الرعاية والإيداع.



المبحث الثاني: حق الطفل ضحية سوء المعاملة في التأهيل والتعويض

أكد علماء الضحية على ضرورة الاهتمام بصفة جدية بالطفل الضحية كإنسان يعاني ويتألم جراء الاعتداءات التي حصلت له، لذلك فالحاجة ملحة لتمكينه من حقه في العلاج والتأهيل لدمجه في المجتمع من جديد، وتأهيله حتى لا يعود إلى تهديد الاستقرار الاجتماعي، ولحمايتة من سلوك طريق الانحراف (المطلب الأول)، غير أن عملية العلاج والتأهيل تستوجب بدل مجهودات كبيرة خاصة المالية منها التي تعتبر مرهقة للأسر الفقيرة، لذلك يحق للطفل تعويضات مدنية هامة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: حق الطفل الضحية في التأهيل.

لقد توصل علماء الضحية، إلى نتائج تؤكد على ضرورة إخضاع الطفل الضحية إلى سلسلة من عمليات العلاج والتأهيل وذلك لإخراجه من دوامة الآلام التي يعاني منها في صمت (الفقرة الأولى) إلا أن هذا الأمل يصطدم في الواقع بمعيقات عديدة تجعل منها مهمة صعبة المنال وذلك لغياب بنيات لاستقبال الضحية (الفترة الثانية).

الفقرة الأولى: مبررات إقرار حق الطفولة الضحية في التأهيل

لقد أكدت مختلف الأبحاث والدراسات التي أجرت على الأطفال الضحايا، حاجتهم الملحة للتأهيل لتمكينهم من تجاوز صدمة الإساءة التي تكون انعكاساتها على شخصية الطفل مؤلمة. 

وبالرغم من عدم توفر معطيات دقيقة حول وضعية الطفل الضحية، فإننا سنحاول انطلاقا من الأدبيات المتوفرة، تلمس أشكال هذه الانعكاسات التي تكمن بؤرة نشأتها في صدمة الإساءة التي قد تبتدئ آثارها في بعض الحالات فيما يعرف باضطرابات ضغوط ما بعد الصدمة عند الأطفال والذي يتمثل في الخوف الشديد والهلع والسلوك المضطرب أو غير المستقر، ووجود صور ذهنية أو إدراكات أو ذكريات متكررة ولمحة عن الصدمة والأحلام المزعجة أثناء النوم وصعوبة التركيز وصعوبات النوم .

وقد صنف مارتن (Martin 1980) أثار سوء معاملة الطفل إلى أربعة أصناف هي الآثار الطبية والنمائية والنفسية والبعيدة إذ تظهر آثار التحديات الجسدية على الأطفال على شكل إصابات نتيجة للتعدي عليهم وقد تظهر في شكل كسر عظام أو خدوش أو تمزق عضلي أو تشوه، أو إصابات في الرأس أو الوجه أو الجروح، كما تظهر على شكل صعوبات أو إعاقات في السمع أو النظر أو كمتخلف عقلي، كما أن الاضطرابات الخطرة قد تؤدي إلى الارتعاش لدى الطفل، أو وضع كميات من الفلفل في فم الطفل، أو التسمم أو الغرق أو الخنق كما تشمل آثار الأذى الطبي عدم تقديم الرعاية الصحية مثل تناول المطاعيم الرئيسية، كما أن انتقال الأمراض المعدية مثل الإيدز قد يؤدي بحياة هؤلاء الأطفال .

بالإضافة إلى المشكلات الجسمية التي يمكن أن يعاني منها الطفل الضحية، هناك أيضا معاناة نفسية قد تتطلب لعلاجها مدة طويلة، حيث تضل الصدمة قائمة ونشطة التأثير على الصحة النفسية للطفل، فالصدمة تعيش في الطفل ويعيش الطفل فيها.

وبناءا على ما سبق يمكن القول بأن الأطفال الذين يتعرضون لسوء المعاملة ليسوا بحالة سهلة فقد يشعرون بعجز أمام المعتدي الذي يظهر أنه مصمم على ارتكاب كل الحماقات من أجل الوصول إلى هدفه وفي هذه الحالة لا تبقى للضحايا من مخرج سوى الخضوع والخنوع وقبول الامتهان والاحتقار حتى إذا ما انتهى العمل الإجرامي حست الضحية بتوبيخ الضمير لأنها لم تحرك ساكنا للدفاع عن نفسها، وكل ذلك ينعكس على حياتها الخاصة فتصبح تشعر بأنها فقدت ذاتيتها وإنسانيتها وكأنها معاقة فتغير من جراء ذلك مجرى حياتها وبالتالي تصبح فريسة للخوف والانطواء والانعزال والانشغال الدائم بأحلام اليقظة وفقدان الثقة بالآخرين مما يجعل الضحية تحس في أغلب الأحيان بالرغبة الملحة في الانسحاب من هذا العالم المؤلم لها. إضافة إلى انخفاض الشعور بقيمة الذات ومشكلات سلوكية أخرى مثل الإدمانات المعددة وممارسة الدعارة" فحدة الاعتداء ومداه يعتبران مفتاحا لتقرير العواقب الطويلة الأجل، حيث أن التعرض للعنف مدة طويلة وبصورة متكررة يرجع أن يؤدي إلى تغيرات دائمة بالشخصية.

زيادة على المضايقات التي تتعرض لها الضحية أثناء الإجراءات المسطرية التي تتعلق بالكشف والبحث عن الجرم فالتحقيق بين بعض الحالات يعاني بشيء من الامتعاض ففي بعض الجرائم تتعرض الضحية لرد فعل من المحيط الاجتماعي ومن العدالة الجنائية عن طريق الاستنطاقات الطويلة يكون وقعها أشد على نفسية الضحية من وقع الجرم نفسه.

لعل هذه هي المبررات التي دفعت المهتمين بقضايا الطفولة إلى إيلاء هذه الفئة أهمية كبرى من أجل إعادة تأهيله وإدماجه من جديد في المجتمع.

وبما أن الضحية لا دخل له في الجرائم الواقعة عليه ولم يختر وضعية الضحية بل إن هذه الصفة فرضت عليه لذلك فمن حقه أن يتمتع بإجراءات خاصة في التأهيل والعلاج، وهذا ما صار عليه المشرع المغربي أخيرا، حيث نجد هناك مواد في قانون المسطرة الجنائية تنص على ذلك وفي هذا الصدد نصت المادة 510 من ق.م.ج على أنه إذا ارتكبت جناية أو جنحة وكان ضحيتها حدثا لا يتجاوز عمره 18 سنة فلقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث إما استنادا لملتمسات النيابة العامة وإما تلقائيان بعد أحذ رأي النيابة العامة أن يصدر أمرا قضائيا بإيداع الحدث المجني عليه لدى شخص جدير بالثقة أو مؤسسة خصوصية أو جمعية ذات منفعة عامة مؤهلة لذلك أو بتسليمه لمصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة إلى أن يصدر حكم نهائي في موضوع الجناية أو الجنحة، وينفذ هذا الأمر رغم كل طعن.

كما يمكن للنيابة العامة أو لقاضي الأحداث، الأمر بعرض الحدث على خبرة طبية أو نفسية أو عقلية لتحديد نوع الأضرار اللاحقة به وبيان ما إذا كان يحتاج إلى علاج ملائم لحاجته حالا ومستقبلا.

كما نجد أن المادة 511 من ق.م.ج منحت الإمكانية للنيابة العامة في حالة صدور حكم من أجل جناية أو جنحة ارتكبت ضد حدث أن تحيل القضية على قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث المختص، إن ارتأت أن مصلحة الحدث تبرر ذلك ويمكن للقاضي المذكور أن يتخذ ما يراه مناسبا من تدابير وحماية كما يمكنه أن يأمر بالتنفيذ المعجل للقرارات.

لكن ما يؤاخذ على المشرع هو عدم إلزامية النيابة العامة بضرورة إحالة الحدث عل قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث، حيث لم تجعل ذلك إلزاميا من خلال توظيف عبارة "يمكن" ونحن في نظرنا كان على المشرع أن يلزم النيابة العامة بضرورة إحالة الحدث على قاضي الأحداث الذي يمكنه مثلا الاستعانة بالخبرة الطبية لمعرفة حالة الحدث واتخاذ الإجراءات أو التدابير اللازمة.

غير أنه يلاحظ على قانون المسطرة الجنائية بهذا الخصوص هو جعله لاختصاص قاضي الأحداث يتم تحريكه استنادا على ملتمس النيابة العامة أو تلقائيا بعد أحذ رأيها وهو على خلاف الأمر في القانون الفرنسي إذ يسمح للنيابة العامة للدائرة التي عثر فيها على القاصر في حالة الاستعجال اتخاذ التدابير المؤقتة التي يمكن أن يتخذها قاضي الأطفال بل إن الممارسة القضائية في فرنسا تتطور متجاوزة للقانون، حيث أن قضاة النيابة العامة غالبا وبموافقة قاضي الأطفال يتخذون القرار في حين أن قاضي الأطفال يكون موجودا أو من الممكن أن يحضر في وقت معقول وهو القاضي المخول له وحده اتخاذ القرار في هذه الحالة.

ومن هنا يتبين لنا أن المشرع المغربي قد صار في نفس التوجه الذي نهجه المشرع المصري حيث نص في المادة 365 من قانون الإجراءات على أنه يجوز عند الضرورة في كل جناية أو جنحة تقع على نفس الصغير الذي لم يبلغ من العمر 15 سنة أن يأمر بتسليمه إلى شخص مؤتمن يتعهد بملاحظته والمحافظة عليه، أو إلى معهد خيري معترف به من وزارة الشؤون الاجتماعية حتى يفصل في الدعوى ويصدر  الأمر بذلك من قاضي التحقيق سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب النيابة العامة أو من مستشار الإحالة أو من المحكمة المنظورة أمامها الدعوى حسب الأحوال.

في حين كان على المشرع المغربي من وجهة نظرنا أن ينهج تدابير هامة لحماية الطفل مثل التدابير الاتفاقية بحيث يتم الاتفاق بين مندوب حماية الطفولة وولي الطفل باتخاذ التدابير الملائمة لصالح الطفل وذلك تحت إشراف القضاء.

كما يمكن أن يتخذ تدابير عاجلة تلزم مندوب حماية الطفولة بأن يتخذ بصفة مؤقتة التدابير العلاجية الأزمة لوضع الطفل بمؤسسة إعادة التأهيل أو بمركز استقبال أو بمؤسسة استقبالية أو لدى عائلة أو هيأة أو مؤسسة تعليمية أو اجتماعية ملائمة، كما يجب على السلطات العامة دعم جهود هذه الجهات على الصعيدين المحلي والعالمي، كما كان لزاما عليها نهج تدابير الحماية القضائية التي بموجبها يتعهد قاضي الأسرة بوضع الطفل المهدد بناء على مجرد طلب صادر عن قاضي الأطفال أو النيابة العامة أو مندوب حماية الطفولة أو المصالح العمومية للعمل الاجتماعي أو المؤسسات العمومية المعنية بشؤون الأطفال، بحيث يتولى قاضي الأسرة سماع الطفل ووليه ويتلقى ملاحظات ممثل النيابة العامة العمومية ومندوب حماية الطفولة وعند الاقتضاء محاميه، حيث يمكن لقاضي الأسرة أن يأذن بإحدى الوسائل التالية:

- إبقاء الطفل لدى عائلته 

- إبقاء الطفل لدى عائلته وتكليف مندوب حماية الطفولة بمتابعة ومساعدة العائلة وتوجيهها.

- إخضاع الطفل للمراقبة الطبية والنفسانية

- وضع الطفل بمركز للتكوين أو التعليم 

وهذا ما صارت عليه التجربة التونسية التي تعتبر أكثر تقدما بحيث أولت عناية فائقة للطفل الضحية وذلك من خلال مجلة حماية الطفل.

وهذا ما يدفعنا للقول: أين المشرع المغربي من ذلك؟ فهل تلك التدابير التي نظمتها المسطرة الجنائية كافية لضمان حماية جنائية للطفل، وهل وجدت سبيلا لتطبيقها على أرض الواقع أم أنها حبر على ورق لمسايرة ما تعهدت به في الاتفاقيات الدولية؟.

الفقرة الثانية:  معيقات تأهيل الطفل الضحية 

إن الطريق لبلوغ تأهيل الطفل الضحية وإعادة إدماجه وعرة بالنظر إلى غياب الاهتمام بشكل جدي بالضحية، وتصطدم بندرة الآليات القانونية والبنيات المؤسساتية التي تحتضنه وترعى مصلحته، وإذا ما قورنت مع وضعية الجانح الذي يولى الاعتبار الأول في المسطرة القانونية، أما الطفل الضحية فهو إنسان يعاني في صمت وفي غياب أي اهتمام بشخصيته وبالظروف التي جعلته فريسة للاعتداء والاستغلال وذلك لضعف الإمكانيات والوسائل المتاحة لداعم عملية الإدماج والتأهيل لذلك حان الأوان لاستثمار عناصر الوعي الوطني والجمعوي من أجل النهوض بالطفل الضحية باعتباره شخصية إنسانية تعاني ويتعين إدماجها وإعادة تأهيلها ما أمكن داخل أسرتها باعتبارها بيئتها الطبيعية، وهذا ما توصلت إليه المجموعة الموضوعاتية لحماية الطفل الضحية بالمرصد الوطني لحقوق الطفل بحيث يتعين على العدالة قبل البت في المصالح المدنية إجراء خبرة طبية، أخرى نفسية لتحديد كافة عناصر الضرر اللاحقة به من عجز دائم وآلام تشوبه وكذا سبل إعادة تأهيله نفسيا واجتماعيا.

ولمحاولة التوصل إلى هذا الهدف قام المرصد الوطني لحقوق الطفل من جهته باستقبال الأطفال الضحايا والإنصات إليهم عن طريق الرقم الأخضر من خلال المركز المرجعي للاستماع والحماية وذلك لدعم أهداف تأهيل هذه الفئة من الأطفال وتقديم المساعدات والاستشارات القضائية لهم أو إرسال الحالات المستعجلة إلى المستشفيات المختصة وكذا دعم برامج التوعية والتحسيس بخطورة الظاهرة. إضافة إلى ذلك تمت الدعوة لوضع برامج حديثة ومتطورة لتكوين وإعادة تكوين الأطر المشرفة على خلايا الاستقبال وكافة الأطراف والمتدخلين في مجال حماية الأطفال الضحايا.

ولتحقيق ذلك تم إحداث خلايا في المراكز الاستشفائية الكبرى لتعنى بهذه المهمة لكن كما هو معلوم فمجال المتشفيات ببلادنا لا يكفي لإيواء المرضى ذوي العلل المزمنة فبالأحرى أن تخصص أقساما منها لاستقبال حالات الاعتداءات المرتكبة في حق الأطفال إلا ما تم إنشاؤه من خلايا في بعض المستشفيات الرئيسية كمصلحة الفحص الطبي والقضائي بالمستشفى الجامعي بن رشد بالدار البيضاء التي تستقبل حالات الاعتداءات الجسدية والجنسية التي يتعرض لها الأشخاص عموما والأطفال على الخصوص، حيث ارتفع عدد الواردين على هذه المصلحة خاصة الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية والجسدية، ويقوم المستشفى بتحرير شهادات طبية شرعية وإحالتها على وكيل الملك لمتابعة مرتكبيها، بحيث يقوم الأطباء المتخصصون في الخبرة الطبية لدى هاته المصلحة بتجميع حالات الضحايا عبر فحصهم وأخذ معلومات كاملة عن أوضاعهم، ثم توجيههم إلى الاختصاص في الطب النفسي للأطفال لمساعدتهم على التغلب على وضعهم النفسي المتأزم.

وقد لاحظ الفريق الطبي في المصلحة من خلال التجربة اليومية أن هناك صنفان من الأطفال المتعدى عليهم جسديا، أطفال مصدومون والذين لا يتكلمون ولا يتجاوبون مع العلاج ومثل هذه الحالات نعقد مسألة التوجيه والعلاج ومعرفة الجاني، وأطفال تكون حالتهم مخالفة تماما إذ يتحدثون بطلاقة وتلقائية وكأن ما وقع لهم نوع من اللعب خصوصا لما يكون الجاني ذا سلطة معنوية عليهم حيث يستغل براءتهم وسداجتهم، كما سجلت المصلحة ازدياد حالات زنى المحارم واستغلال الخادمات الصغيرات.

وعلى الرغم من الأهمية الكبرى للجانب الطبي في إعادة تأهيل الطفل الضحية باعتباره أول تدبير يمكن مباشرته إلا أنه يواجه العديد من المعيقات والعراقيل التي تحد من فعاليته بل وتقصيه في بعض الأحيان والسبب في ذلك هو غياب بنيات لاستقبال الضحية في المستشفيات باستثناء بعض المصالح المختصة التي تم إنشاؤها في المستشفيات الكبرى بالرباط والدار البيضاء وهو ما يجعل إعادة تأهيل الطفل المجني عليه صعبة خاصة وأنه لا يمكن لكل أسر الضحايا أن يتوجه إلى هذه المراكز بسبب ضعف الإمكانيات المادية، أو الخوف من الفضيحة.

ويمكن القول بأن المغرب تنقصه استراتيجية واضحة ومتكاملة من أجل إعادة تأهيل الأطفال ضحايا سوء المعاملة. ولمواجهة هذا الخلل يقوم المجتمع المدني بمبادرات خاصة من أجل مساعدة الضحايا وإعادة تأهيلهم إلا أنها واجهت عدة مشاكل وصعوبات تتمثل في محدودية الأماكن المخصصة للإيواء وضعف الميزانيات المخصصة وهذا الدور الذي يقوم به المجتمع المدني على هذا المستوى، سيتعاضم على ضوء قيام المشرع المغربي بتقنينه من خلال ق.م.ج الجديد الذي أعطى للقاضي بمقتضى المادة 510 من صلاحية إيداع الطفل المعتدى عليه لدى الجمعيات ذات المنفعة العامة والمؤهلة لذلك وبما أن تجربة المغرب في مجال إعادة تأهيل الطفل الضحية نتيجة سوء المعاملة محتشمة فإن لا بأس من التعرض إلى التجربة الفرنسية التي تدل على فعالية التأهيل الطبي واعتماده كمرحلة مهمة ضمن مسلسل معالجة إشكالية الطفل المجني عليه، إذ يتم العمل في هذا المجال، انطلاقا من نموذج مستشفى الأطفال بنانسي على مستوى خلايا للتكفل بالضحية دون أن ننسى التجربة العربية الرائدة في هذا المجال، كتجربة دار الأمان لحماية الطفل بالأردن حيث تم تأسيس مراكز لحماية الطفل "التدخل والعلاج" متخصصة أساسا في إعادة تأهيل الأطفال الضحايا ويستقبل المركز كل أشكال انتهاكات الأطفال سواء كانت جنسية أو بدنية أو بسبب الإهمال.

وخلاصة القول إن حالة الأطفال الضحايا بالمغرب لا تبعث على الارتياح لذا يتعين على كل المهتمين بقضايا الطفولة، بصياغة استراتيجية وطنية متكاملة لإقرار حماية خاصة للطفل الضحية بما في ذلك إقرار بنيات لاستقبال الأطفال الضحايا، والتنصيص على خضوعهم للفحص الطبي وبصيغة الإلزام مع الحرص على انسجام المتدخلين، وتلك غاية أسمى اقتنعت بها جميع الفعاليات الحقوقية الناشطة في مجال الطفولة ونادت بها العديد من المحافل الوطنية ذات الصلة بالموضوع.

المطلب الثاني: حق الطفل الضحية في التعويض عن الضرر

من الضمانات القانونية التي ينص عليها القانون ج.م الحماية الجسدية والحق في الحياة إذ يكرس في العديد من الفصول (449-457) مبدأ حرمة الطفل ككائن بشري كما أن المشرع عاقب على كل الأفعال التي تضر بالطفل وعمد على ملائمة قانون م.ج مع الاتفاقيات الدولية قصد معالجته لقضايا الأحداث اعتمادا على مبادئ التكريم والعناية التي أقرتها الشريعة الإسلامية للطفل هذا التكريم وهذه العناية التي يحرم منهما الطفل نتيجة للجرائم التي يتعرض لها (عنف- إهمال- استغلال- تعذيب) والتي تجعله ضحية وتسبب له أضرارا عديدة قد تمس جسده وحياته ونفسيته وشرفه. 

لذلك أوجب القانون أن يتم تعويض هذا الطفل على الرغم من أن مسألة التعويض عن الأضرار التي تمس كيان الطفل المادي هؤلاء الأطفال بحكم واقعهم محط نقاش العديد من الاتجاهات.

وعلى ضوء ما سبق فالتعويض المدني المحكوم به لصالح الطفل كما يجب أن يشمل الأضرار التي تمس كيان الطفل المادي ( الفقرة الأولى) يجب أن يشمل الأضرار التي تمس كيانه المعنوي( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تعويض الضرر الناتج عن المساس بالكيان المادي للطفل:

الإنسان بحكم إنسانية من الله عليه بالحق في الحياة هذا الحق الذي يكفل للشخص أن يستمع بوجوده وبكل ما هو مرتبط بحياته ارتباطا لا انفصام له عنه من مكانات وميزات وهبها له الخالق عز وجل وجعله بها قادرا على القيام بالأعمال الضرورية لحياته من جهة  ومن جهة أخرى على القيام بالعمل ليكسب قوته ويعول أسرته وحق الفرد في الحياة والسلامة البدنية وفي الحرية هي قدرات تشكل في حد ذاتها أهمية، هذه الأهمية لا تقل في أهميتها عن الحقوق المالية الأخرى التي تنبت له إن لم نقل أنها أكثر أهمية وأكثر خطرا وعلى اعتبار أن حقوق الإنسان المالية تجعل له ذمة تتضمن تلك الحقوق وتعرف "بالذمة المالية" فإن مكونات حقه في الحياة تستأهل بالضرورة وجود ذمة تتضمنها تسمى "بالذمة المعنوية" أو الأدبية وهي ذمة غير مالية تتضمن حقوقه الأدبية كما تتضمن الأولى حقوقه المالية .

ولما كان الطفل ضحية (مجني عليه) العديد من الجرائم جعلت منه عرضه للضرر هذا الأخير الذي يمكن أن يمس حقه في الحياة وسلامته البدنية وشرفه ونفسه فإنه يحق له (الطفل الضحية) الحصول على تعويض* عن كافة الأضرار التي تصبيه وبما أن الأمر كذلك فلابد من أن يثبت الضحية تعرضه للفعل الإجرامي الذي سبب له ضرر مباشر وذلك بكافة أنواع الإثبات المتاحة.

وإذا كان الضرر الذي يصيب جسم الإنسان يتسم بأهمية خاصة فإن تعويضه لم يكن قط بالأمر السهل. فقد عجز الفكر القانون حتى الآن عن الخروج بمعادل دقيق لما يلحق بالجسد الإنساني من وجود الأذى سواء تعلق الأمر بإزهاق الروح أو إصابات .

والمادة 98 من ق.ل.ع عرفت الضرر الجسمي "على أنه الخسارة التي تلحق المجني عليه فعلا والمصروفات التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ألحق أضرا به" مثلا: الإصابة التي تعجز الشخص عن الكسب عجز كليا أو جزئيا. وتتطلب علاجا يكلف مصاريف ونفقات وبمعنى آخر هو الضر الذي أصاب الإنسان في جسمه ويشل من قدرته الإنتاجية ويتمثل في الخسارة التي لحقت المضرور وفي المكسب الذي ضاع عليه أي  في الخسارة الواقعة والربح المنتظر  كما يمكن أن يترتب عن هذا الضرر موت الضحية لأنه يفقد أثمن شيء مادي يملكه آلا هو الحق في الحياة .

انطلاقا من المقتضيات المعرفية السابقة يمكن القول أن الضرر الذي يصيب جسم الطفل إما أن يكون خسارة أو نوات كسب أو ما حرم منه من نفع، وهذا طبعا يبقى في دائرة الحدود العادية للنتائج التي يمكن أن تترتب عن الفعل الضار الذي وقع الطفل ضحيته.

فحماية جسد الطفل وسلامته تكمن في أن يظل مؤديا لكافة الوظائف التي منحته الحياة على نحو طبيعي وكما رسمته وحددته القوانين الطبيعية منذ خلق الإنسان، ومعنى أن يحتفظ الطفل بتكامله الجسدي أي أن يتجنب الآلام البدنية فالاعتداءات التي تمارس على الطفل من ضرب وجرح، وكل ما يمكن أن يسبب له عاهة أو شلل أحد أعضائه، كل ذلك تشكل أضرارا ناتجة عن المساس بسلامة جسد هذا الطفل مما يستلزم تعويضا وافيا له. وهذا أمر طبيعي فبما أن جسد الطفل تعرض للاعتداء فيجب معاوضته عن ذلك الضرر الذي لحقه.

طبعا مع مراعاة جسامة الاعتداء وكون الطفل لازال في مراحل حياته الأولى وأيضا من منظور التأثير الذي سيفعله هذا الضرر وتعويضه على حياته المستقبلية.

لذا على القضاء أن يأخذ بعين الاعتبار حداثة سن الضحية عند إقدامه على تقدير التعويض المستحق* ذلك لأن الاعتداء الذي يتعرض له الطفل في جسمه ويلحق له أذى بليغ يمكن أن يحرمه من اختيار بعض المهن مستقبلا وهذا مما لاشك فيه يعيقه في تكوين حياته العملية وفقا لما يتمناه أي طفل حديث السن فمثلا: إذا تم بتر أحد أعضاء جسد الطفل (يد) يمكن أن تعيقه في ممارسة مهنة يحلم بها (الطب) أو يحرم من ممارسة بعض الألعاب الرياضية كما يمكن لهذا التشوه وهذه الإعاقة أن تجعله يخجل حتى إلى الخروج ومباشرة حياته الاجتماعية ببساطة وتلقائية.

وعلى هذا الأساس نصت م 108 ق ج" على أن التعويضات المدنية المحكوم بها يجب أن تحقق للمتضرر تعويضا كاملا عن الضرر الشخصي الحال المحقق الذي أصابه مباشرة من الجريمة خاصة وأن هذا الطفل سيمكن متولي شؤون الطفل من تغطية المصاريف القضائية* بالإضافة إلى مصاريف العلاج الذي يسهل حتما تأهيله وإعادة دمجه في المجتمع لكي يصبح فردا منتجا وفاعلا. وبما أن للقاضي السلطة التقديرية في تحديد مبلغ التعويض فإن ذلك لا يمكن أن يتم اعتباطيا خاصة إذا تعلق الأمر بطفل ضحية، لذلك يتعين على القاضي اعتماد تقارير الخبرة الطبية وكذا تقارير المساعدات الاجتماعات قبل تحديد مبلغ التعويض المقترح. لأن إعطاء مطلق السلطة للقاضي في تحديد التعويض عن الضرر قد يهدر حق الطفل (المجني عليه) في الحصول على تعويض عن الأضرار التي أصابته خاصة وأن هذه السلطة لا تخضع لرقابة المجلس الأعلى فمهما كان الدور الذي يضطلع به القاضي فاعلا فلابد من أن يخضع لرقابة سلطة عليا حتى لا تنفلت حقوق الأشخاص من بين يديه خاصة حق طفل لازال في مقتبل العمر. وضمن هذا السياق فلقد أتاح قانون المسطرة الجنائية للأشخاص المصابين بأضرار تابعة مباشرة من الواقعة الإجرامية أن يلجؤوا حسب اختيارهم إلى المطالبة بالتعويض عنها إما لدى المحاكم الزجرية أو المدنية وذلك هو الأصل وإما المحاكم الزجرية حيث ترفع الدعوى المدنية موازاة مع الدعوى الجنائية. فإقامة الدعوى المدنية التابعة هي حق للضحية يمكن أن يمارسه دون أدنى إشكال وذلك متى أحس أنه تضرر شخصيا ومباشرة من الجريمة شريطة أن يتوفر على الأهمية القانونية لأن هذه الأخيرة هي التي تجعل الشخص صالحا لأن يرفع دعوى أو نرفع ضده  فالطفل لا يمكنه أن يقيم الدعوى المدنية التابعة للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به في حالة عدم توفره على الأهلية، ولكي لا يذهب حقه سودا ويضيع فإن القانون فتح له إمكانية مرور هذا الحق على الولي القانوني للطفل أي منحه السلطة بأن يرفع هذه الدعوى نيابة عن الطفل وهذا ما قضت به م 352 ق.م.ج. "حيث جاء فيها: بأنه لا يجوز للأشخاص الذين ليست لهم أهلية ممارسة حقوقهم المدنية أن يقيموا الدعوى المدنية إلا بإذن من ممثلهم القانون أو بمساعدته" أما في حالة عدم وجود ممثل قانوني للقاصر فإن المحكمة تعين له وكيلا لهذا الغرض بناء على ملتمس من النيابة العامة، كما تقضي بذلك م353" التي تنص على أنه إذا كان للشخص الذي يدعي الضرر غير مؤهل لتقديم الطلب بنفسه بسبب مرض عقلي أو بسبب قصوره ولم يكن له ممثل قانوني فللمحكمة أن تعين له لهذا الغرض وكيلا خصوصيا بناء على ملتمس من النيابة العامة".

لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو ما الحكم إذا ما كانت مصالح القاصر تتعارض مع من يمثله أو كان هذا الأخير هو مرتكب الفعل المجرم في حق الطفل؟.

غالبا ما تتعارض مصالح القاصر ووليه القانوني في الواقع العملي وهذا أمر شائع ومعروف فبحكم أن الطفل صغير السن لا يعمل مصلحته يمكن أن يقوم ببعض التصرفات تتعارض مع مصالح وليه القانوني لذلك فالنيابة العامة هي التي تقوم بإثارة المتابعة في حالة إذا كان الممثل القانوني للطفل هو مرتكب الفعل الضار في حقه م 481 ق.ج "غير أنها ترفع مباشرة من طرف النيابة العامة عندما يكون الثابت المذكور هو المفترق للجريمة".

وكما يتعين على النائب رفع الدعوى المدنية التابعة للمطالبة بحق الطفل فهل يمكن لأقاربه سلوك هذه المسطرة من أجل المطالبة بالتعويض عن الأضرار النفسية التي قد تلحقهم بسبب الاعتداء الذي وقع لطفل ينتمي لأسرتهم؟

للإجابة على هذا الإشكال نستعرض قرار المجلس الأعلى رقم 338 المؤرخ 13/2/1975 والذي قضى فيه "بأن الدعوى المدنية لا تسمع أمام المحاكم الجزائية إلا من الطرف الذي تضرر شخصيا ومباشرة من الجرم الذي نشأ عنه الضرر" وشخصيا كلمة تعني الضرر الذي لحقه شخصيا ضرر ذاتي أو مادي أو معنوي وتسبب فيه الجريمة (م 7 م ج) فالدعوى هي حقا شخصيا بحثا مقصورا على المضرور لا ينتقل إلى ورثته . من خلال صريح المادة المذكورة وقرار المجلس الأعلى نستشف أن الدعوى المدنية لا يمكن أن ترفع إلا إذا تعلق الأمر بتضرر شخصي ومباشر من الفعل الإجرامي غير ذلك يكون تطفل على حقوق الغير. فالأشخاص الذين لا صفة لهم ولم يلحقهم ضرر لا يمكن إعطاءهم الحق في رفع الدعوى. غير أنه يعاب على هذا القرار الشمولية التي صدر بها بمعنى آخر أنه لم يورد أي استثناء يمكن أن يرد على حق المطالبة بالتعويض فهو حرم أي شخص  (باستثناء من تضرر شخصيا) لم يتضرر بصفة مباشرة من الضرر الذي تعرض له الطفل متناسيا حقوق بعض الأطراف خاصة "الأم" التي لا أعتقد أنها لا تتكبد المعاناة والآلام بسبب الضرر الذي تعرض له طفلها فكيف لا يمكن تعويضها بالطبع القرار جاء لكي يحصر دائرة الأشخاص الذين يطالبون بالتعويض وهذه حكمه لا تنكر عليه إذ يمكن لفضوليين أن يتدخلوا في الدعوى على اعتبار أنهم قد تضرورا بسبب الفعل الإجرامي الذي مورس على الطفل الذي ينتمي إلى أسرتهم في حين أنهم لا يعيرون الأمر أية أهمية كل ما يهمهم هو الجانب المادي من المسألة وأيضا نظرا لكون هذه الآلام النفسية التي يمكن أن يحس بها المرء لا يمكن إثباتها على أرض الواقع فهي أشياء يمكن أن تكون باطنية وأحيانا ظاهرية. غير أنه رغم كل ذلك فلا يمكن حرمان حقوق بعض الأطراف التي تستحق فعلا التعويض عن الآلام التي تشعر بها بسبب فقدان طفلها أو تعرضه لضرر بسبب مصالح أطراف أخرى. فإذا ما نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية فسنجده أنه بعيد كل البعد عن مبادئ العدالة والإنصاف، لذلك فلا بد أن يتم تمكين أبوي الطفل و إخوته من مباشرة حق رفع الدعوى المدنية التابعة أمام المحاكم الزجرية للمطالبة بحقهم في التعويض.

وبالرجوع للحديث عن السلطة التقديرية للقاضي التي تنفلت من رقابة المجلس الأعلى فهناك قرار صادر عن هذا الأخير جاء فيه "بأن تحديد مبلغ التعويض في حدود ما طالب به المدعون بالحق المدني لتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة يرجع للسلطة التقديرية لقضاء الموضوع ولا شيء  يحتم عليهم ما لم تقم لديهم منازعة بشأن عنصر بعينه من عناصر الضرر أن يبروا بأسباب خاصة مبلغ ما يحكمون به من تعويض وعليه فإن قضاة الموضوع عندما اعتمدوا على استئناف المطالبين بالحق المدني بأن أصحاب الحق المدني بينوا أن القدر المحكوم به لصالحهم قليل بالنسبة للخسارة الواقعة في الأرواح وأن طلبهم يرتكز على تقارير الخبراء لإثبات مسؤولية المتهم يكونون قد استعملوا سلطتهم التقديرية غير الخاضعة لرقابة المجلس الأعلى وعللوا ما قضوا به تعليلا كافيا .

وتجب الإشارة إلى أن إصابة الطفل في سلامة جسده غالبا ما ينشأ عنها الضرر المادي Le préjudice matériel  والضرر الأدبي.

ولقد حرص المشرع المغربي في م 78 ق.ل.ع على التنصيص على شمول التعويض للأضرار المادية والمعنوية أيضا فالذمة المعنوية متساويتان من حيث وجوب حمايتهما والتعويض عن أي اعتداء يقع عليهما  فالضرر الأدبي كنتيجة لفعل الاعتداء يقبل التعويض ويشمل هذا الضرر كافة المعاناة والآلام التي يتكبدها الطفل من جراء إصابته خاصة إذا ما نظرنا للوقع الخطير لنتائج الاعتداء على نفسيته الفتية فهما بلغ بنا التفكير فلا يمكن أن تتصور الآلام النفسية التي يعاني مها الحدث من جراء قطع أحد أعضاءه أو اعتداء بالضرب دون أن يترك أثره مثلا: الطفل عثمان مستقيم الذي تعرضت يده للبتر نتيجة اشتغاله في ورشة لصناعة الأحذية بمدينة فاس، وذلك بسبب الإهمال واللامبالاة وهذا إشكال آخر فلو أن هذا الطفل وجد حياة اجتماعية جيدة تتوفر فيها كافة الشروط المعيشية لكي يعيش طفولته كبقية الأطفال لما اشتغل في هذه الورشة وتعرض لهذه الحادثة فالفقر والعوز الذي تعاني منه الأسر في الدول التي في طريق النمو أو الأقل من ذلك تعرف أوضاعا معيشية جد متدهورة والدليل على ذلك نسبة الأطفال التي تدفعهم أسرهم إلى العمل وهو لا يعرفون حتى معنى كلمة العمل والمسؤولية وكسب المال. فحالة هذا الطفل هي جزء صغير جدا من الحالات المعروضة على الواقع والتي نراها يوميا في مجتمعنا ظاهر وغير خفية فالحق أي تعويض يمكن أن يهدئ من روع وفجع هذا الطفل؟ وما مصيره بعدما كان طبيعيا أصبح معاقا علة على أسرته وعلى مجتمعه؟ وهل القيم الغير المالية كالسعادة وفقدان صور الجمال ومتع الحياة والشعور بالنقص يقدر بثمن؟ 

وعليه فالتعويض المستحق للطفل في مثل هذه الحالات وحالات أخرى الذي يقضي به القاضي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الحالة التي أصبح يعاني منها الطفل" الحدث" نتيجة المصاب الذي ألم به، وما يتكبده من علاج وأيضا النظر من زاوية أن هذا التعويض يشكل مصدر رزق في المستقبل على الأقل كي يقيه من تقلبات الزمن وكي لا يصبح عالة على أسرته بصفة كلية. 

وهكذا إذا كان يحق للطفل (المجني عليه) أن يتلقى تعويضا عن الأضرار الناتجة عن المساس بسلامة البدنية فإن التساؤل يثور بالنسبة بالأضرار اللاحقة به جراء المساس بكيانة المعنوي؟ 

الفقرة الثانية: تعويض الضرر الناتج عن المساس بالكيان المعنوي للطفل:

يقصد بالضرر المعنوي هو ما يلحق بما يسمى "بالجانب الاجتماعي" للذمة المعنوية أو الأدبية la partie sociale du patrimoine ليكون في العادة مقترنا بأضرار مادية أو يلحق بالعاطفة أو الشعور بالآلام التي يحدثها في النفس والأحزان بمعنى آخر فالضرر المعنوي هو كل مساس بشرف الشخص واعتباره فالإنسان المتمدين يعطي الأشياء الغير مادية قيمة وأهمية ويريد أن تكون محمية من طرف القانون وهي القيم المعنوية للشخص القذف – الإهانة- الآلام- ضرب لا يحدث أثر- تحقير في مخاطبته أو امتهان في معاملته  أما الأستاذ أحمد الخمليشي فقد عرفه بأنه الضرر الذي يصيب المدعي في حقوقه غير المالية ولا تترتب عنه خسارة مادية فإصابة جسمه والمس بحريته أو شرفه أو اعتباره كالقذف أو الاعتداء على الأعراض وفي عاطفته وشعوره كقتل قريب أو عزيز أو إصابتهما إصابات جسيمة .

يلاحظ أن مسألة الضرر المعنوي المترتب على الاعتداءات الواقعة على الحياة أو على سلامة جسم الإنسان تعتبر مسألة ذات أهمية بالغة وحساسة.

 إذ أن مبدأ التعويض عن هذا الضرر قد أثار جدلا فقهيا كبيرا فهناك من قال بإقصاء هذا النوع من الضرر من مجال الأضرار القابلة للتعويض في حين رأى جانب آخر من الفقه أن القضاء وهو يحكم بالتعويض عن الضرر العاطفي يكون قد توسع كثيرا في مفهوم مبدأ التعويض عن هذا النوع من الضرر وهناك رأي وسط في الفقه ينادي بقصر التعويض عن الضرر المعنوي على حالة وفاة الضحية بعد الحادث مباشرة وعما يلحق ذويه من ألم.

أما موقف الشريعة فقد ظلت فكرة واجب التعويض عن الضرر فكرة ضيقة ومحدودة فموقفها واضحا إذ لا تعويض عن الضرر المعنوي طبقا لنظرية الضمان في الفقه الإسلامي ولا يمكن إنزال شرف الشخص واعتباره وعواطفه منزلة الأموال المادية مما ينافي المثل العليا الأخلاقية . وفكرة التعويض عن الضرر المعنوي طرحت مند أمد بعيد حيث كانت الأنشطة البدائية في فترة الانتقام الفردي تعاقب كل معتد على الشرف بعقوبة صارمة بالمقارنة بالضرر المادي، غير أن القانون الروماني لم يعرف فقهاؤه ضرورة تعويض الضرر المعنوي إلا في مرحلة متقدمة جدا من الحضارة باعتبار أنها فكرة يصعب هضمها لأن دفع مبلغ نقدي كمقابل للمساس بالشرف لا يكون وسيلة لترضية المضرور أو الضحية .

فالشرف والاعتبار يترفعان عن تقويمهما بالنفوذ وحتى إذا تجاوزنا هذه العقبة الأخلاقية فإنه من المنتظر عمليا تحديد مبلغ النقود كقيمة حقيقية مناسبة للعدالة ليس فيها تفريط ولا إفراط. ويتجسد الضرر الناتج عن المساس بشرف الطفل وسمعته أو عرضه فيما يصيبه من آلام وأحزان إثر المساس بإحدى هذه القيم المعنوية (القذف- السب – هتك العرض) كما قد يترتب عن الضرر الأدبي أضرارا مادية أيضا مثل الحالة التي يصاب فيها الطفل بمرض نفسي جراء المساس بشرفه والتي قد يضطر لعلاجها عند أخصائي الطب النفسي ذلك لأن استمرار تعرضه لأزمات ولأمراض نفسية يمكن أن يتسبب في ضياع مستقبله الدراسي فقد ثبت إحصائيا أن معظم الأطفال الذي يتعرضون للاعتداء على أعراضهم تتراجع مستوياتهم الدراسية والأخطر من ذلك أن البعض منهم يفضلون الانزواء عن المحيط الدراسي وعن زملائهم ويمكن أن يؤدي بهم الأمر إلى حد الانقطاع عن الدراسة ذلك أن صدى الجريمة التي ارتكبت في حقهم تجعلهم يخجلون من أنفسهم أولا (لشعورهم بالنقص) ومن من هم حولهم إذ غالب الظن أن يحسوا بأن باقي زملائـهم يسخرون منهم فيصبحون في نظرهم أعداء (وربما في بعض الحالات يحاولون الدخول معهم في علاقات من أجل أن يجعلوهم يدفعون ثمن ما مر بهم وما يعيشونه هؤلاء من حياة هادئة لا يعيشها الضحايا) وفي حالة أخرى يمكن أن يكون سبب أزمتهم لمعايشتهم المتعدي عليهم مثلا يمكن أن يكون أحد أفراد الهيئة الدراسية (الطفل يوسف بالدار البيضاء). وإذا كانت سلامة الإنسان هي عبارة عن قيمة أدبية  تقتضي كرامة الإنسان بحكم أدميته الحفاظ عليها. فإن الطفل من حيث هو إنسان الحق في أن يطلب من الغير أن يحترم ويصون كرامته وكيانه مثله مثل أي شخص ناضج. كما يمكنه أن يطلب التعويض في حالة إذا ما مست هذه القيم التي تجعل شخصه وكيانه متكاملا فليس لأنه صغير في السن يمكن أن يهان فمهما تواضعت قيمته الاجتماعية فهو له الحق في الحفاظ على القيم التي تجعل نفسيته وبنيته كاملة فمثلا العنف اللفظي الذي يتم توجيهه للطفل يمكن أن يسبب له أضرارا نفسية خطيرة لذلك وجب له الحق في طلب التعويض عنها (الأضرار).

ومن بين الصور الأخرى للاعتداءات التي تنضوي ضمن هذا النوع من الأضرار التي تمس شرف الطفل وسمعته كونه طفل غير شرعي خاصة في حالة إذا رفع الزوج دعوى كيدية لينكر نسب أطفاله انتقاما من زوجته التي انفصلت عنه.

فقد انتقد بعض الفقه فكرة إبعاد الأبناء غير الشرعيين enfants adultérins من طلب التعويض عن الضرر الأدبي ذلك أن هذا الولد لا ذنب له في المصير الذي تقرر له بفعل الغير فهو مجني عليه.

ويقول الأستاذ جيفور إن التعويض عن الضر العاطفي الذي يصيب الابن غير الشرعي ليس فيه ما ينافي الأخلاق وهذه الفكرة مقبولة فقها وقضاءا (ومن هذا الرأي الأساتذة مازو- مارتي- وسفاتيه وديموغ في المجلة نصف الفصلية للقانون (المدني 1926-1040).

 وهكذا فإن الطفل الغير شرعي يستطيع إثارة الضرر الذي أصابه والمطالبة بالتعويض عنه وذلك على أساس أن العلاقة التي نشأ عنها هذا الولد غير مشروعة فإن آثارها يجب أن تقتصر على طرفيها وأن لا يضار بها الولد.

وعلى ضوء ما سبق يمكن القول بأن أي اعتداء يتعرض له الطفل ويترتب عنه أضرارا أدبية (معنوية) فإنه يستوجب التعويض. وعلى الرغم من أن التعويض على هذا النوع من الضرر يثير عدة صعوبات في تحديده، إلا أنها لا تعتبر عائقا للتعويض إذ يجب أن يكون تعويضا حقيقيا ملموسا وواقعيا وليس تعويضا رمزيا فحتى ولو كان المبلغ تافها بل من الخير أن يكون هناك مقابل ولو غير ملائم فيكون خيرا من لاشيء إذ عندما يتألم المضرور يكون منحه مبلغا نقديا يجلب له على الأقل ترضية أي نوع من المساواة .

فالغاية من الحكم بمبلغ من النقود لا تعني إحلال النقود محل الضرر* وإنما تعني توفير منفعة معنوية ومادية للإنسان ودعما لهذا الرأي يقول الأستاذ ستارك "أن من الخير الحصول على تعويض حتى ولو كان غير ملائم خير من عدم التعويض نهائيا  أما الفقيه ديموج فهو يقول" إن منح تعويض عن الضرر الذي يمس العاطفة والحنان لا يعني أننا قدرناه نقدا وإنما أكدنا الحق بإدانة المسؤول عن الضرر .

وتماشيا مع هذا الرأي فإن المجلس الأعلى بدوره نقض قرارا صادرا عن محكمة الاستئناف بطنجة  والذي قضى بتخفيض الضرر المعنوي في درهم رمزي بعلة أن الغاية من تعويض الضرر المعنوي ليس تحقيق منفعة مادية وإنما الغاية هي رد الاعتبار للشخص الذي أصابه الضرر حيث جاء فيه "إن التعويض عن الضرر المعنوي كالتعويض عن الضرر المادي يجب أن يكون كاملا ومناسبا للضرر لا مجرد تعويض رمزي" وحيث إن قضاة الاستئناف عندما اقتصروا على منح درهم رمزي للطاعن على أساس أن التعويض عن الضرر المعنوي ليس الغاية منه تحقيق النفع المادي قد خرقوا مقتضيات الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود وعرضوا قضاؤهم للنقض" .

إن التعليل الذي عللت به هذه المحكمة موقفها كان يمكن أن يكون صائبا لو أن الغاية منه محو الضرر. لكن التعويض لا يعني المحو وهذا هو الواقع إذ كيف لشخص تعرض لقطع يده أو هتك عرضه أن يتم تعويضه ونقول أن الألم الذي ينتابه والضرر الذي وقع عليه قد محي ورمم مقابل نقدي إلا أن المنطق يحتم علينا على الأقل جبر خاطر الطفل الضحية وذلك بالحصول على مبلغ مالي كي يشعر أنه على الأقل حقق نتيجة مرضية هي لا تعادل طبعا قيمه المعنوية التي مست غير أنها تكفي لإدخال بعض الفرح وترفع من معنوياته وتأخذ بيده ليشق طريقه في الحياة المستقبلية التي تنتظره فلا القيم و لا الأخلاق تستصيغ هذه الفكرة أي أنه لاشيء يمكن أن يمحو هذا الضرر مهما كانت قيمة التعويض مرتفعة.








بعد هذه الإطلالة على أوجه الحماية الجنائية التي أقرها المشرع للطفل الضحية وبالإضافة إلى إبرازنا لدور القضاء في تفعيل هذه الحماية تبين لنا بالملموس أن الحماية الجنائية تعتريها عدة معيقات ونواقص وتتمثل هذه المعيقات والنواقص بجلاء للمتجول في جميع المدن والقرى و مداشر المملكة المغربية  في المعاناة التي تعاني منها الطفولة المغربية لانعدام معظم الظروف الكفيلة واللازمة لإيجاد حياة متوفرة على شروط الحياة العادية حيث أصبحت تغوص بأطفال الشوارع من ماسحي الأحذية والسيارات هذا دون إغفال المتسكعين ومستعملي "السلسيون" إنها حقا لمهزلة اجتماعية وقانونية تتحمل فيها الجهات الرسمية النصيب الأكبر وتبقى التقارير المقدمة من الدولة مجرد كلام من أجل إظهار عكس واقع الأمور ولتجاوز كل هذه الأمور ندعو لإعادة النظر في السياسة الحماية للطفل الضحية وذلك بتدخل المشرع من جديد لتلافي مكامن الخلل والقصور في النصوص الحماية لتجاوز الثغرات التي تعاني منها كما يجب تفعيل دور القضاء ودعم مؤسساته بالموارد البشرية خاصة المساعدات الاجتماعية هذا بالإضافة إلى إنشاء مؤسسات خاصة لتأهيل هذه الشريحة المهمة في مجتمعنا وهذا لن يتأتى دون إعطاء الأولوية للطفولة ضمن الميزانيات الوطنية ودون اعتماد مقاربة شمولية يشترك فيها كل الفاعلين في مجال الطفولة لإرساء استراتيجية شاملة ومتكاملة لمواجهة هذه الظاهرة.









التصميم


المقدمة: - تحديد الموضوع: الطفل (الحدث) الضحية.

-أهمية الموضوع: + الأهمية النظرية

     + الأهمية العملية

- تطور الإشكالية: نبذة تاريخية 

- الإعلان عن المنهجية

العرض:

+ المبحث الأول: الطفل الضحية في إطار الاتفاقيات الدولية والتشريع الجنائي المغربي:

- المطلب الأول: الطفل الضحية في إطار الاتفاقيات الدولية:

الفقرة الأولى: الاتفاقيات العامة

الفقرة الثانية: الاتفاقيات الخاصة

- المطلب الثاني: الطفل الضحية في القانون الجنائي المغربي

الفقرة الأولى: الحدث في قواعد الموضوع

الفقرة الثانية: الحدث في قواعد الشكل

+ المبحث الثاني: حق الطفل الضحية في التأهيل وكذا التعويض عن الضرر

- المطلب الأول: حق الطفل الضحية في التأهيل

الفقرة الأولى: مبررات إقرار حق الطفل الضحية في التأهيل

 الفقرة الثانية: معيقات تأهيل الطفل الضحية

- المطلب الثاني: حق الطفل الضحية في التعويض عن الضرر

الفقرة الأولى: تعويض الضرر الناتج عن المساس بالكيان المادي للطفل

الفقرة الثانية: تعويض الضرر الناتج عن المساس بالكيان المعنوي للطفل

الخاتمة



تعليقات