نحو احداث محكمة جنائية دولية
ذ. عبد الصمد الزعنوني
مستشار بمحكمة الاستئناف بالرباط
تمهيد
في الوقت الذي تشرئب فيه الإنسانية وتتطلع إلى
عهد ونظام دولي جديد يسوده الاخاء والحرية والعدالة ومبادئ حقوق الإنسان، فان
العالم ما فتئت تجتاحه
موجات من الدمار
والارهاب والمواجهات العرقية Les affrontements ethnique والتقتيل والتصفية الجماعية والتطهير العرقي La purification ethnique والابادة …
جرائم فظيعة تقترف، في
واضحة النهار، في حق السلم، الإنسان،
والإنسانية …
تتناول الصحافة
المعاصرة الجرائم المقترفة ضد الإنسانية
من منظور سياسي صرف .
بيد ان
هذا التحليل السياسي الذي كثيرا ما يرتكز على السرد، سرد الوقائع، بسبب التقنيات الصحافية من
جهة وكثافة الأحداث التي تستلزم التغطية السريعة،
من شانه تغيب التأصيل القانوني للمعضلة.
يضاف إلى ذلك، ان القانون الدولي الجنائي
المفروض فيه مواكبة
هذه الظاهرة بالتمحيص
مازال فرعا حديثا من القانون وحتى غريبا على معاهدنا وكلياتنا الحقوقية.
نسعى من خلال هذه الورقة
التركيز على الاشكاليات القانونية التي تثيرها مسالة الجرائم المقترفة ضد
الإنسانية والبحث في مدى ضرورة احداث محكمة جنائية دولية بشانها.
تحديد المصطلح
لقد اعتبرت الجمعية
العامة للأمم المتحدة الابادة الجماعية جريمة في مفهوم القانون الدولي، تتعارض وروح اهداف الأمم المتحدة
والعالم المتمدن لما الحقته في جميع العصور التاريخية بالانسانية من خسائر فادحة.
واعتبرتها افة بغيضة سواء اقترفت اثناء السلم أو اثناء الحرب وتتطلب تظافر التعاون
الدولي.
وعرفت المادة الثانية من
اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية ومعاقبتها المؤرخة 3 دجنبر1948، الابادة الجماعية كل فعل من الأفعال التالية التي ترتكب
قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية
أو اثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه :
1. قتل اعضاء من الجماعة،
2. الحاق اذى
جسدي أو روحي خطير باعضاء من الجماعة،
3. اخضاع الجماعة، عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا،
4. فرض التدابير تستهدف الحؤول دون انجاب الاطفال داخل الجماعة،
5. نقل الاطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
كما عاقبت المادة
الثالثة من هذه الاتفاقية الأفعال التالية
:
- الابادة الجماعية،
- التامر
على ارتكاب الابادة الجماعية،
- التحريض
المباشر والعلني على ارتكاب الابادة الجماعية،
- محاولة
ارتكاب الابادة الجماعية،
- الاشتراك
في الابادة الجماعية.
ويعاقب مرتكبو الابادة
الجماعية أو الأفعال الموما إليها سواء
كانوا حكاما دستورين أو موظفين عامين أو أفرادا.
وحسب اتفاقية عدم تقادم
جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد
الإنسانية المؤرخة في نونبر1968 فانه لا يسري أي تقادم على جرائم الحرب
والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية سواء في
زمان الحرب أو في زمان السلم والوارد
تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية التي ستتطرق إليها اسفله.
كما قررت الجمعية العامة خلال شهر دجنبر 1973 مبادئ للتعاون الدولي من اجل
تعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المذنبين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ونصت
على احقية كل دولة في محاكمة مواطنيها
بسبب جرائم الحرب أو الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وعلى تعاون الدول
بعضها مع بعض، بشكل ثنائي أو متعدد الأطراف، بغية وقف جرائم الحرب
والجرائم ضد الإنسانية والحيلولة دون
وقوعها واتخاذ على الصعيدين الداخلي والدولي التدابير اللازمة لهذا الغرض.
ونستخلص مما سبق ان جريمة ابادة الجنس البشري
اشكالية التأسيس
نظرة تاريخية : المحكمة
الخاصة المنصوص عليها في معاهدة فرساي
بزغت فكرة احداث محكمة جنائية دولية للوجود منذ امد
بعيد. إذا سعت عدة محاولات إلى تاسيس
محكمة جنائية دولية يكون من اختصاصها لا محاكمة الدول وانما الأشخاص الذين
يدانون باقتراف وقائع تثير سخط واشمئزاز
الضمير العالمي كجرائم الحرب Les crimes de guerre والجرائم ضد الإنسانية Les crimes contre
l'humanité.
ظهرت غداة الحرب
العالمية الأولى لسنوات 1914-1918 عدة مقترحات لاحداث محكمة جنائية دولية لمحاكمة
غيوم الثاني Guillaume II
امبراطور ألمانيا اثناء هذه الحرب الكونية
الذي اقترف جرائم بشعة في حق الإنسانية نذكر منها :
استخدام اسلحة محظورة،
تسميم الهواء والماء، تعذيب السجناء، ذبح الرهائن، تدمير المدن والسفن بما فيها
قتل الاطفال والنساء، قنبلة المدن المجردة من التحصينات الدفاعية …
اقتراحات مماثلة باءت
بالفشل. لم تتم محاكمة غيوم الثاني بسبب امتناع هولندا Les pays Bas عن تسليمه للحلفاء وتذرعها بغموض نص المادة 227 من معاهدة فرساي
الموقعة بتاريخ 26 يونيو1919 التي نصت على
احداث هذه المحكمة الخاصة بمحاكمة غيوم II.
هذه المادة نصت على
احداث هذه المحكمة الخاصة Un Tribunal Spécial
مع ضمان حقوق الدفاع، تشكل من خمسة قضاة
منتمين للدول الخمس :
1. الولايات المتحدة الامريكية
2. بريطانيا
3. فرنسا
4. ايطاليا
5. اليابان
وكانت هذه المحكمة ستستند على الاخلاق الدولية La morale internationale مع توفر الهيئة الحاكمة على السلطة التقديرية في تحديد العقوبة الزجرية في حق غيوم II. كما نصت المادة المذكورة على ان
يتقدم الحلفاء إلى شركائهم في الحرب بطلب التسليم إلى هولندا لمحاكمة غيومII الذي فر إليها اثر الهزيمة في الحرب. بيد ان احداث محكمة جنائية دولية بهذا المعنى لم يتحقق ولم
تتم محاكمة سوى الضباط الالمان الذين تم اسرهم ليس الا ولم تقم الحكومة الألمانية بدورها بتسليم كل
مجرمي الحرب وسلمت فقط ستة متهمين سنة 1919. ثم سارعت ألمانيا إلى سن تشريع وطني
بتاريخ 17/12/1919 يجعل من اختصاص محكمتها
الوطنية المتمثلة في المحكمة العليا الألمانية محاكمة الالمان الذين يرتكبون اثناء
الحرب وضد رعايا العدو، أو ضد ممتلكاته جنايات أو جنح سواء بإقليم الدولة
الألمانية أو خارجها. وقد قدم 16 متهم الماني لهذه المحكمة. بيد انه تمت
ادانة ستة منهم فقط بعقوبات بسيطة
مما كان محط نقد لادع.
- ان عدم محاكمة مجرمي
الحرب الالمان محاكمة فعلية رادعة اثار سخط الراي العام نظرا لفداحة ما اقترفته من
جرائم وواقعة إغراق السفينة -
المستشفى Le Bateau-Hôpital
الانجليزية في يونيو1918 ما زالت راسخة بوجدان الضمير العالمي والتي ادت إلى هلاك 234 مريض وطاقم السفينة من رجال الصليب الاحمر اذ
رغم فظاعة هذه الأفعال حوكم الالماني Dithmar
من طرف محكمة ألمانيا بأربعة اعوام سجنا.
ان رفض السلطات
الألمانية تسليم رعاياها من مجرمي الحرب اعتبر في نظر القانون الدولي اعتداء على
معاهدة فرساي مما احدث تصدعا بالقانون
الجنائي الدولي الذي حاول الحلفاء دعمه في اعقاب الحرب العالمية الأولى .
اما ميثاق عصبة الأمم
المتحدة التي حلت محلها هيئة الأمم المتحدة فقد ادان الحرب وعمل على بلورة ازدهار
قواعد القانون الإنساني.
المحكمة الجنائية الدولية المنصوص عليها في اتفاقية 16/11/1937 لمكافحة الإرهاب
لقد طفت على السطح فكرة احداث المحكمة الجنائية الدولة سنة 1937
قبل الحرب العالمية الثانية. ففي 16 تشرين الثاني موافق 16 نونبر1937 تم توقيع
اتفاقيتين بجنيف لانشاء محكمة جنائية دولية لمكافحة الإرهاب. وقد تضمنت الاتفاقية حق كل دولة سواء كانت عضوا
في عصبة الأمم أم لا على تقديم مرشحين
لمزاولة القضاء بهذه المحكمة. على اساس ان
تختار من ضمنهم القضاة الأصليين والاحتياطيين وذلك لضمان استقلالها وعدم تسيسها.
بيد ان هذه الاتفاقية لم يكتب لها ان تعرف
مجالا للتطبيق.
المحكمة العسكرية لنور مبرغ Le Tribunal militaire international de Nuremberg
ظرفية
التأسيس
- تواصلت الدراسات
القانونية بحضيرة المجتمع الدولي تبلورت في وضع Des Résolutions
قرارات تستهدف احداث محكمة دولية عليا للعدل une haute cour de justice internationale .
هذه الدراسات أثراها بعض
جهابذة القانون من بينهم جامعيون فرنسيون
سيما في إطار الجمعية الدولية للقانون الجنائيl'Association Internationale de Droit Pénal .
وبعض هذه الدراسات ما
زالت صالحة كمرجعية في هذا الشان.
والى غاية الحرب
العالمية الثانية لم تتفق مع ذلك الدول على احداث محكمة جنائية دولية. بيد ان
الجرائم البشعة بطبيعتها وحجمها المقترفة
من طرف حكام الدولة النازية سيما بالشرق الاقصىl'extrême orient فرضت على الحلفاء قرار احداث المحكمة العسكرية
لنور مبرغ. فانتصار الحلفاء les alliés في الحرب العالمية II
اعتبر إذاك انتصارا للديمقراطية على الفاشية ( هتلر بألمانيا وموسيلني بإيطاليا).
بالفعل نستخلص افصاح
هتلر لصديقه موسيلني في احدى الرسائل عن الارتباط الحاصل بين النظامين :
" الدوتشي …
لقد تفضلت فأكدت لي مؤخرا إيمانك بقدرتك
على مساعدتي في بعض الميادين. واني لأشكرك مقدما شكرا خالصا على هذا العرض الذي اقبله.
ولكنني واثق أيضا، من اننا حتى لو سار كل
منا في طريق منفصل، فان المصير سيربطنا إلى بعضنا البعض. اذ لو تمكنت الديمقراطيات
الغربية من تحطيم الاشتراكية الوطنية فان
إيطاليا الفاشية ستواجه مستقبلا قاسيا. ولقد كنت اعرف منذ امد بعيد شخصيا ان
مستقبل بلدينا مترابط. وليس لدي من شك يا دوتشي من انك ستشاطرني الرأي …".
ان الفترة التي عرفتها
الامبراطورية الألمانية رغم قصر مدتها 1933-1945 تعد من احلك واخطر الفترات التي
شهدها تاريخ الإنسانية مند عدة قرون خلت، فقد سعى ادولف هتلر إلى ابادة تشكوسلوفاكيا ومحوها من الوجود، وزحف
بجيش مكون من مليون ونصف مليون من الجنود الالمان على بولندا، وسعى إلى هدم القوة
الثقافية والروحية للامة البولونية بحجز نخبتها النيرة وقصف بالقاذفات المدنيين وتدمير الدكاكين
والمساكن واحراق الأشخاص وعزل بعض المجموعات ومحاولة ابادتها لارتكاز نظريته على
ان قوة ألمانيا تتطلب نقاءها عنصريا بان لا تضم ضمن مكوناتها شعوبا غريبة ولا سيما
من الشعوب السلافية ويؤكد في كتابه "
كفاحي" على كون مستقبل ألمانيا يتجلى في السيطرة على المجال الحيوي في الشرق
والذي هو في حوزة الشعوب السلافية اكثر من الف عام ! وطبق هتلر فعلا نظريته باقتراف افعال وحشية
وبربرية وإعدامات جماعية بغرف الغاز …
وقد اندلعت الحرب العالمية الثانية بتاريخ
1/9/1939 بسبب هذا الغزو والاكتساح
الالماني لبولندا وخرقها لقواعد القانون الدولي بغزو تشكوسلوفاكيا سنة 1938 دون
مقاومة من الجيش التشيكي.
تصريح سان
جيمس
- واصلت ألمانيا خرقها
لقانون السلام ومفاهيم القانون الدولي العام مما ادى سنة 1942 إلى تشكيل
لجنة من دول الحلفاء للكشف عن جرائم الحرب وصدر بلندن بتاريخ 13 يناير1942 تصريح سان جيمس
ويرى الفقيه De Vabres ان هذا التصريح يعد بمثابة اعلان
لنشأة فكرة العقاب على الجرائم المقترفة
ضد الإنسانية.
تصريح موسكو
وفي 30/10/1943
بموسكو وضع الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا تصريحا
نشر بتاريخ
1/11/1943
ابرز الأعمال الوحشية والدموية
التي اقترفتها ألمانيا الهتليرية اثناء
الحرب العالمية II
ونص على معاقبة كل من ساهم في
وقوع هذه الأحداث الدموية بواسطة شعوب
الدول التي اسيء إليها أيا كان موقع
الجناة بخريطة العالم مع عدم مساس حق الدول الحلفاء وحفظ حقهم في اقرار
طريقة خاصة لمحاكمة كبار مجرمي الحرب
الذين تجاوزت غطرستهم وتجاوز جبروتهم
وبطشهم الحدود الجغرافية لدولة واحدة.
هذا التصريح اعتبره
الدكتور عبد الرحيم صدقي بمثابة تشريع عالمي une loi universelle
أي بمثابة انذار رسمي عالمي قبل انزال العقوبة بالجناة.
وقد استند الحلفاء :
الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي بعد هزيمة
ألمانيا بتاريخ 5/6/1945 على هذا التصريح وذلك ما يستشف من الاطلاع على اتفاق
الحلفاء المبرم في لندن المؤرخ في8/8/1945 والذي استند على تصريح موسكو ونص في مادته الأولى على " تشكيل
محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الذين لا يمكن حصر إجرامهم في أي اقليم
جغرافي لدولة واحدة والذين ارتكبوا هذه
الجرائم بصفتهم الشخصية أو بصفتهم التمثيلية لجماعات أو طوائف معينة".
لائحة لندن
وقد الحق بهذا التصريح
ميثاق Une charte
اوضح القواعد المتعلقة بهذه المحكمة العسكرية الدولية ويعرف باسم لائحة لندن statut de londres أو لائحة نورمبرغ Statut de Nuremberg
باعتبار ان مقر هذه المحكمة كان ببلاد نورمبرغ.
المحكمة
العسكرية لنورمبرغ
لقد تم الاتفاق في
8/8/1945 كما سبق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وفرنسا
وبريطانيا ودول أخرى متضررة من الحرب العالمية II
على انشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب. وبتاريخ 20/12/1944 اصدر مجلس الرقابة للدول الحلفاء ببرلين بصفته ممثلا للحكومة
الألمانية القانون رقم 10 الذي يامر بمعاقبة المدانين بجرائم الحرب المخلة بالسلام وضد الانسانية
وقدم نتيجة ذلك مجرمي الحرب للمحاكمة
العسكرية بمحكمة نورمبرغ .
ويعتبر بعض الفقه هذه
المحكمة محكمة دولية لانها لم تكن مشكلة قط من قضاة ينتمون لاربع دول بل ان هؤلاء
القضاة يحكمون باسم جميع دول الحلفاء. وقد انتقد البعض عدم تمثيل الدولة الألمانية بهذه المحكمة لعدم اشراك احد قضاتها ضمن تشكيلة المحكمة.
بينما يرى البعض عدم امكانية ذلك لانعدام وجود اية حكومة ألمانية
اذاك باعتبار ان الحلفاء شكلوا لجنة من الحلفاء une Commission
interalliée
لادارة شؤون ألمانيا وانه ما دامت الحكومة الألمانية منعدمة اذاك فانه لا
يتأتى الحديث عن سلطة قضائية ألمانية.
- وتنعت هذه المحكمة بالعسكرية militaire
بالرغم من كون قضاتها مدنيين ما عدا القاضي الروسي الذي كان عسكريا الجنرال NiKi Tchenko.
اما باقي القضاة فهم :
- القاضي Francis biddle
من الولايات المتحدة الامريكية .
- القاضي Lawrence من بريطانيا
- استاذ القانون الجنائي الفقيه الفرنسي Henri de Varbes
والغرض من هذه التسمية
انها تنظر في قضايا وجرائم اقترفت اثناء الحرب أو لها صلة بالحرب ومعاقبة مجرمي الحرب الذين ارتكبوا افعال ضد.
1. السلام
2. جنايات حرب
وقد اخذ البعض على هذه
المحكمة اتسام العقوبة المتخذة من طرفها بالغموض باعتبار ان المادة 27 من لائحة
محكمة نورمبرغ اكتفت بالتنصيص على انه في حالة اقتناع المحكمة بالادانة يحق
لها ان تصدر حكما بالاعدام أو أية عقوبة
أخرى ترى انها عادلة والإجراءات La procedure
التي كانت تطبق بهذه المحكمة هي إجراءات بلاد الكومونلو Commonlaw
أي الإجراءات المتبعة في البلاد الانكلوسكسونية التي تتميز بالنظام الاتهامي Le système Accusatoire
وقد مثل النيابة
العامة في هذه المحكمة اربعة اشخاص يمثلون الدول الاربعة الكبرى. وكان الشهود يمثلون
مباشرة امام المحكمة.
وقد تبنت الجمعية
العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 11/12/1946 توصية لتقنين الاحكام المضمنة بمحاكمة
نورمبرغ وشكلت لجنة لهذا الغرض مهمتها وضع
حدود للجرائم المنتهكة للسلام وامن الإنسانية
مما من شانه احداث قانون جنائي دولي. وقد
اعتبرت محكمة نور مبرغ العرف الدولي
La coutume internationale كاسلوب عمل له قوة قانونية
Une valeur juridique.
المحكمة
العسكرية الدولية لطوكيو
لقد صدر عن قوات الحلفاء
تصريح بانشاء محكمة عسكرية دولية تختص بالنظر في الجرائم المقترفة من طرف مجرمي
الحرب بالشرق الاقصى مقرها في طوكيو باليابان مشكلة من قضاة يمثلون :
- بريطانيا،
- الولايات المتحدة الامركية،
- فرنسا،
- الاتحاد السوفياتي،
- الهند،
- الفليبين.
وقد تم احداث هذه
المحكمة بتاريخ 19/1/1946 لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين .
المحكمة العسكرية في
راستات Rastatt
وتمشيا ما ذات النهج
الذي كرسه تصريح لندن تم تشكيل محاكم في ألمانيا بواسطة الحلفاء لكنها كانت تتصف
اما بصبغة وطنية كالمحكمة العسكرية الامريكية والمحكمة العسكرية البريطانية.
وبعض هذه المحاكم كانت
لها صبغة تحالفية كالمحكمة اليونانية -
البريطانية التي احدثت لمحاكمة المسؤولين عن احداث السفينة اليونانية بيليس Peleus
هذه المحكمة لم يكن لها تبعا لذلك طابع دولي. بيد ان
المحكمة العامة التي أحدثت بالمنطقة الفرنسية المحتلة في ألمانيا في راستات Rastat وتم تشكليها بموجب قرار مؤرخ في
دجنبر1946 انيط بها اختصاص النظر في جرائم
مجرمي الحرب والجرائم التي اقترفت ضد الانسانية في معسكرات الابادة والتصفية
الجماعية، كانت تعد في نظر البعض محكمة دولية لان ضحاياها كانوا ينتسبون إلى
جنسيات متعددة وكان قضاتها يمثلون العديد من الدول سواء من قضاة الحكم أو الاتهام أي النيابة العامة.
تصاعد الأحداث والدراسات
إذا كانت فظاعة جرائم
الحرب وراء تأسيس المحاكم التي أومأنا
إليها في التاريخ الحديث لهذا العالم واعلامها.
- المحكمة العسكرية في نورمبرغ،
- المحكمة العسكرية في
طوكيو،
- المحكمة العسكرية في راستات Rastattالمنطقة الفرنسية المحتلة في ألمانيا فانه من المنطقي ان
تتصاعد الدراسات المهتمة بجرائم ابادة الجنس البشري المقترفة بألمانيا
النازية فشكل المجلس الاقتصادي والاجتماعي
بهيئة الأمم المتحدة لجنة من ممثلي 7 دول لاعداد مشروع اتفاقية دولية لمحاكمة
جرائم الابادة مع استئناس اللجنة بالمشروع الذي اعدته الكتابة العامة لهيئة الأمم المتحدة سنة 1947 واستعانت فيه
بمقترحات فقهاء القانون الجنائي الدولي.
وعند انتهاء اللجنة من
مهمتها احالت المشروع والاتفاقية على اللجنة السادسة بهيئة الأمم المتحدة التي
ناقشته وادخلت عليه تعديلات وتم التوقيع على الاتفاقية بتاريخ 9/12/1948 وبقيت هذه
الاتفاقية معروضة على دول الأمم المتحدة للتوقيع عليها والانضمام إليها وذلك إلى
غاية 1/12/1949.
وبالرغم من ان الاتفاقية
الدولية من اجل الوقاية وزجر جرائم ابادة الجنس البشري لسنة 1948 صريحة في التنصيص على ان الأشخاص المتهمين
باقتراف هذه الجرائم يمثلون ويقدمون للمحاكمة امام المحكمة المختصة بتراب الدولة
التي اقترفت بها الجرائم أو امام محكمة جنائية دولية تكون ذات اختصاص ازاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف
بولايتها ( المادة 6) فان رجل القانون لا يسعه الا ملاحظة ان المحكمة جنائية دولية
من هذا القبيل لم يتأتى لها النشوء بالرغم من ان قانونيا جهدا مثل الأستاذ De Vabresقدم للمنظمة
الاممية منذ 1947 مشروع احداث محكمة جنائية دولية. بيد ان هذا الاقتراح لم
يحظ بالاجماع بل ان محاولات احياء هذا المشروع
باءت بالفشل.
وقد اصدر المؤتمر الدولي
للمحامين الذي انعقد بمراكش بالمغرب ابتداء
28 أكتوبر إلى فاتح نونبر1994.
توصية بخصوص احداث محكمة
جنائية دولية دائمة ولجنة دولية للبحث والتقصي لمحاكمة احدى الجرائم التالية :
- إبادة
بالجنس البشري،
- الجرائم ضد الانسانية،
- الانتهاكات
الخطيرة للحقوق الأساسية
ودعا هذا المؤتمر جميع
المنظمات المهتمة بحماية حقوق الإنسان بالتدخل لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة
قصد الدفع قدما بمسلسل احداث محكمة جنائية دولية ودعا هذه المنظمات إلى وضع النصوص
المنظمة لهذه المحكمة.
وفي الحقيقة فانه إذا
كانت مهمة محكمتي نورمبرغ وطوكيو امست تاريخية وذات طابع مؤقت ويجادل بعض الفقه
حتى في الطابع الدولي لمحكمة لنورمبرغ ويعتبرها مجرد محكمة حلفاء
Une juridiction inter- alliée فاننا نرى ان المبدأ الذي هيمن على احداث هاتين المحكمتين ما فتئ
قابلا للتحديث.
وقد تصاعدت العديد من
الأحداث التي رأى فيها البعض مناسبة كافية
لعقد محكمة جنائية دولية كالجرائم التي نجمت عن النظام العنصري بجنوب افريقيا L'appartheid
أو بعض أعمال التقتيل التي عرفتها كمبودياCambodge
وحرب الخليج التي لوح خلالها بعض
الغربيين باحداث محكمة جنائية دولية لمحاكمة الدكتاتوريين سواء الحاليين أو المستقبليين، وكالمذابح التي
سبق ان اقترفت في حق شعبي الفلسطيني من طرف الصهاينة ( دير ياسين)، مذبحة بلدة
الكرامة الاردنية التي ارتكبتها القوات
الاسرائيلية في 21 مارس 1968 …)
وفي بعض هذه المذابح تم قتل الاطفال والنساء وبقر بطون الامهات الحوامل.
ويمكن ان نضيف لهذه
الوقائع المأسوية حالة الشعب القوقازي المعتر بنفسه الذي يدين بالإسلام السني
والمتمثل في شعب الشيشان والذي استعملت في حقه اعتداءات بربرية من طرف ثاني أقوى
قوة عسكرية في العالم اعتبرتها منظمة من اجل الامل والتعاون الأوربيOSCE
انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي لدرجة اعتبر معها خبراء
قانونيين من المجلس الأوربي
Le Conseil européen ان روسيا لا تعد دولة قانون بالنظر لضرورة القصد الذي مارسته
تجاه السكان المدنيين الشيشان بأسلحة بربرية منها قنابل ثاقبة Des bombes perforantes
يضاف إلى هذه الأحداث
الاعتداءات التي مورست في حق جمهورية
البوسنة والهرسك المعترف بها دوليا من طرف هيئة
الأمم المتحدة بتاريخ 1992 والتي تميزت بأفعال اجرامية تستهدف التطهير
العرقي La purification ethnique في حق شعب مسلم فرض عليه الحصار واعتبر بعض
الصربيين مجرمي حرب والذين قاموا
باعتداءات حتى على اعضاء القبعات الزرق
Les casques bleus وقد تجاوزت سرايفو يوم
28/1/1995 الف يوم من الحصار…
ان تواتر الأحداث بهذا
التصاعد والكثافة جعلت المنتظم الدولي يحدث محكمتين احداهما خاصة برواندا والثانية
خاصة بيوغوسلافيا السابقة.
المحكمة
الخاصة برواندا Rwanda
اصدر مجلس الأمن القرار
رقم 955 بتاريخ 8/11/1994 باحداث محكمة انيط بها النظر في الجرائم التي اقترفت
بروندا خلال السنة الأخيرة من الحرب الاهلية والمتمثلة في جرائم التصفية الجماعية
وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وكذا الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان التي تمت
برواندا ما بين فاتح يناير ومتم دجنبر1994.
وقد استندت الأعمال
التحضيرية لاعداد هذا القرار 955 على النموذجين السابقين .
1. محكمة نور مبرغ
2. المحكمة الخاصة بمحاكمة مجرمي يوغسلافيا
السابقة.
وقد عارضت حكومة كيغالي
القرار 955 اثناء التصويت مستندة على انه لا يمكن المعاملة بالمثل وعلى قدم
المساواة بين افعال الثأر التي قد يرتكبها جندي تابع للجبهة الوطنية الروندية أو
افراد عائلة تعرضوا لقتل اقاربهم وجرائم
قتل استهدفت تصفية قرى بكاملها. وطالبت الجبهة ان تتم المحاكمة بخصوص الوقائع
المقترفة قبل استيلاء الجبهة الوطنية الروندية على السلطة. كما ان الخلاف بين حكومة كيغالي والامم المتحدة بخصوص هذه المحكمة مرده مسالة عقوبة الاعدام اذ
القانون الجنائي الروندي يسمح بتطبيق هذه العقوبة على خلاف قوانين الأمم المتحدة.
ويرى وزير العدل الروندي في نقده لهذه المحكمة بان من شان محاكمة عسكري نفذ أوامر
رؤسائه ان يتعرض للاعدام حسب مقتضيات القانون الجنائي الروندي بينما يستحيل ان يصدر حكم بالاعدام في حق من
يأمر التصفيات الجماعية. وترد الأمم المتحدة على نقد ويزر العدل الروندي الفونس
ماري نكيبتون بأنL'ONU لو أجازت اصدار احكام بالاعدام في هذه المحاكمة
لرفضت بعض الدول ونقصد فرنسا تسليم بعض المجرمين. كما ان من النقط الخلاف بين
حكومة رواندا والامم المتحدة حول هذه المحكمة ان الأولى ترى بان المحاكمة يجب ان
تنعقد بتراب رواندا حتى يكون لها طابع الردع للجرائم الفظيعة التي وقعت فوق هذا
التراب ونجم عنها مئات الاف القتلى وترى الجبهة الوطنية الروندية بأنه يجب
استشارتها في اختيار القضاة المنوط بهم المحاكمة.
لكن مجلس الأمن لم يأخذ
بهذا الرأي واسند الملف للقاضي المنحدر من جنوب افريقيا ريتشارد غولاستون الذي مثل
الادعاء العام في محاكمة مجرمي يوغوسلافيا سابقا. وتشير بعض الاشاعات إلى ان
المحاكمة قد تتم بنيروبي وينص القرار على انه لا يمكن ان يتعدى عدد القضاة من نفس
الجنسية اثنين مراعاة لقواعد الانصاف.
وقد أثيرت بعض
الاشكاليات حول هذه المحاكمة من حيث الوقت الذي ستستغرقه ومكان السجن وتغذية
السجناء وتطبيبهم ومسطرة المحاكمة. اذ ان محاكمة 30 الف من المتهمين في هذه
الجرائم برواندا يوجد ثمانية الف منهم قيد الاعتقال بالسجن قد يتطلب حسب القاضي
ريشارد 120 سنة إذا خصص معدل يومين اثنين للتحقيق والمرافعة لكل متهم، وقد يتطلب
14 سنة إذا اشتغلت عشرة محاكم في ذات الوقت.
اما القاضي الفرنسي لوى
جواني فيفضل اجراء هذه المحاكمة على
الطريقة الانجلوسكسونية وذلك باعتراف المتهمين جماعيا وطلبهم بشكل مباشر وصريح
العفو واصدار عقوبات في حقهم مع منحهم ظروف التخفيف. ويشير بهذا الصدد إلى حالة
أخرى تعرفها افريقيا وهي بأثيوبيا التي
يوجد بها 1300 معتقل من رموز النظام السابق وذلك منذ سنة 1996 ولم تنطلق محاكمتها الا بتاريخ 13/12/1994.
محكمة جرائم
يوغسلافيا السابقة
ان هذه المحكمة ما زالت
حديثة العهد اذ تم احداثها خلال شهر مايو1993 واحيل عليها ملف واحد يتعلق بالمجرم
الكرواتي ديسكو طاديتش الذي حوكم خلال منتصف شهر نونبر1994 ويرى العديد
من المحللين انه كان يجب ان يعرض
عليها عدد يفوق ذلك.
خاتمة
ان اهم ظاهرة تميز هذا
النصف الثاني من القرن العشرين هي دون جدال مسالة تطور حقوق الإنسان والاهمية المتزايدة بجميع انحاء العالم المعاصر
للمشاكل المرتبطة بقضايا حقوق الإنسان والتي تتسم بطابع صون وحماية الحريات
الأساسية وكرامة الإنسان .
وتحتل مسالة حقوق
الإنسان الصدارة وطنيا أو دوليا ومن
شعارات النظام الدولي الجديد.
وقد اصبحت القوانين
الجنائية المعاصرة تولي ظاهرة الجرائم
المقترفة ضد الإنسانية ما تستحقه من العناية
وتخصص مقتضيات قانونية لها ومن ذلك
القانون الجنائي الفرنسي الذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ فاتح مارس 1994 والذي خصص
الكتاب الثاني منه للجنايات والجنح المقترفة ضد الأشخاص والفرع الأول منه لجريمة
الابادة التي عرفتها المادة 211 رقم
1 كما خصص الفرع الثاني لجرائم أخرى ضد
الانسانية قامت بتعدادها المواد 1- 212 و2- 212 و3- 212 بينما خصص الفرع الثالث
لمقتضيات عامة ( المواد من 213 رقم 1 إلى 213 رقم 5) والقانون رقم 1326- 64 المؤرخ في 26/12/1994
الذي تضمن مادة فريدة تنص على ان الجرائم المقترفة ضد الإنسانية لا يطالها التقادم
وذلك تمشيا مع الاتفاقية الدولية للأمم المتحدة التي أشرنا إليها وقرارها المؤرخ
في 13/2/1946.
ونرى ان هذا الاتجاه يجب
ان يحذو حذوه القانون الجنائي المغربي الجديد الذي يوجد قيد الاعداد ليكون مواكبا للتيارات الفقهية والتشريعية الحديثة.
ونرى مع الفقه الجنائي
المتطور والحديث انه حان الوقت ليحدث المجتمع الدولي محكمة جنائية دولية دائما
لمحاكمة هذه الجرائم المقترفة ضد الإنسانية بدل الاكتفاء باحداث محاكم ظرفية ذات
طابع مؤقت ولمحاكمة وقائع معينة والا فان الإنسان سيصبح ذئبا لاخيه الإنسان.
مصادر البحث
1) الدكتور عبد الرحيم صدقي، القانون الدولي
الجنائي، القاهرة 1986، الصفحات 25 - 26-
29- 30- 32- 47-
3- 15- 17- 18- 19- 20- 21.
2) الدكتور محمد سليم محمد غزوي، جريمة إبادة الجنس البشري، طبعة
2، مؤسسة شباب الجماعة.
3) مجلة المحاماة الصادرة
عن جمعية هيئات المحامين بالمغرب، العدد 37، دجنبر1994، صفحة 481.
4) تاريخ ألمانيا الهتلرية، الجزء 2، وليام شيرر، ترجمة خيري حماد،
مكتبة المثنى بغداد.
الصحف المغربية
5) العلم، العدد 16353، 4/2/1995.
6) العلم، العدد 16346،
28/1/1995.
7) الاتحاد الاشتراكي، العدد 4190، 29/1/1995.
8) الاتحاد الاشتراكي، العدد 4188، 27/1/1995.
9) الصحراء، العدد 2209، 4/2/1995.
10) العلم، العدد 16358، 9/2/1995.
11) Vers un Tribunal Pénal International,
extrait de colloque Droit et Démocratie
du
10/4/1991, documentation Français,
1993, pages 5 - 6 - 7 - 39 - 40.
12) Le sous développements et les Droits de
l'homme, Ahmed Belhaddj Sendague, n°
1776 du
19 au 29/1/1995
13) Revue
Jeune Afrique, n° 1976 du 19 au 29/1/1995.
14) Le
Monde du 28/1/1995,P. 32-33.
15) Le
Monde n° 15560 du 4/2/1995, P. 3-4.
16) Le
Matin n° 8776 du 28/1/1995.
17) Le
Matin du 24/12/1994, P. 7.
مجلة الإشعاع،
عدد 17، ص 41.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم