القائمة الرئيسية

الصفحات



جرائم العرض في القانون الجنائي المغربي والشريعة الإسلامية

 


جرائم العرض في القانون
الجنائي المغربي والشريعة الإسلامية
 

يقصد بجرائم العرض تلك الجرائم التي تخدش الحياء في الإنسان وتمس بحيائه العرضي سواء وقعت عليه أو وقع نظره عليها بدون رضاه.

 وإذا كان من حق كل إنسان أن يصون عرضه ويحفظ كرامته فقد تدخل المشرع لحماية هذا العرض وصون هذه الكرامة وسن عقوبات متفاوتة في الشدة لكل من سولت له نفسه ان يعبث بهذا العرض بل تدخل لحماية المجتمع حتى ولو لم يتضرر شخص معين بالذات كجرائم الفساد والشذوذ الجنسي.

 ونظرا لما لجرائم العرض أو الجرائم المخلة بالآداب كما يحلو للبعض ان يسميها من أهمية وما تثيره من مشاكل وما بينها من تداخل وتشابه - حاولت أن أعالج هذا الموضوع بشيء من التفصيل مستدلا ببعض الاجتهادات مع مقارنة القانون المغربي ببعض التشريعات العربية كالقانون المصري والسوري لما بينهما وبين القانون المغربي   من تشابه وارتباط، خاتما البحث بدراسة هذه الجرائم في الشريعة الإسلامية مبينا الفرق بينها وبين القانون الوضعي في هذا الصدد مع بيان إمكان تطبيق الشريعة الإسلامية في هذا الميدان.

 ويمكن إجمال جرائم العرض في الجرائم الآتية :

        ·الاخلال العلني بالحياء، هتك العرض - الشذوذ الجنسي  الفساد - الخيانة الزوجية - الاغتصاب وهي الجرائم المنصوص عليها على عقوبتها في الفرع السادس من الباب الثامن من القانون الجنائي تحت عنوان (في انتهاك الآداب).

         ·الإخلال العلني بالحياء

ينص الفصل 483 من القانون الجنائي المغربي على ان من ارتكب اخلالا علنيا بالحياء وذلك بالعرى المتعمد او بالبذاءة في الاشارات او الافعال يعاقب بالحبس من شهر واحد الى سنتين وبغرامة من مائة وعشرين الى خمسمائة درهم".

 ويعتبر اخلالا علنيا متى كان الفعل الذي كونه قد ارتكب بمحضر شخص او اكثر شاهدوا ذلك عفوا أو بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة من عمره او في مكان قد تتطلع اليه انظار الجمهور" ومن التدقيق في هذا العصر يتبين ان اركان جريمة الاخلال العلني بالحياء ثلاثة :

1) الركن المادي وهو كل فعل يرتكبه الجاني ويكون مخلا بالحياء.

2) العلانية ولها نفس المعنى اللغوي وهي اهم ركن في الجريمة.

3) الركن المعنوي النية الجرمية او خطا الجاني.

 1- الركن المادي :

يتكون هذه الركن من أي فعل أو حركة او اشارة يقوم بها الجاني، ويكون من شانها خدش الحياء العام سواء استطال هذا الفعل على جسم انسان ما بشرط الا يبلغ درجة جريمة هتك العرض حتى ولو كان جسم الجاني نفسه أو لم يقع على جسم انسان ما، فالشخص الذي يقوم بكشف عورته في الشارع العمومي، او في مكان معرض لرؤية الجمهور، والشخص الذي يقبل   امراة بكيفية تثير الغريزة الجنسية والشخص الذي يعقد احدى يديه ويدخل فيها وسطى اصابعه الاخرى او الراقصة التي تقوم برقصة هزة البطن بكيفية بذيئة والشخص الذي يقوم بحركات تثير فكرة التمازج الجنسي، كل هؤلاء يرتكبون جريمة الاخلال العلني بالحياء اما الاقوال مهما كانت فاحشة ما لم تصحب بحركات او اشارات، وكذلك الصور والرسوم مهما كانت فاضحة وفاحشة فانها لا تعدو ولا تكون جريمة الاخلال العلني بالحياء وانما تدخل في زمرة جرائم السب والقذف العلني وتعاقب حسب قانون حرية الصحافة فالشخص الذي يقوم في جمع عام او خاص ويتفوه باقوال في غاية البذاءة والفحش لا يكون مرتكبا لجريمة الاخلال العلني بالحياء ولكن يكون مرتكبا لجريمة السب العلني وكذلك من يقف على قارعة الطريق   ويعترض سبيل النساء بالكلام الفاحش أو القول البذيء يكون مرتكبا لجريمة السب العلني أو لجريمة التحريض على الفساد اذا كان يقصد من وراء ذلك جلب اشخاص للفساد وكان دوره يقتصر على الوساطة فيه وقد اعتبرت محكمة النقض المصرية في حكم لها ان " توجيه المتهم للمجني عليها في الطريق العام الفاظا تخدشها في شرفها اعتبارها وتجرح كرامتها يعد سبا من" (1).

ومن أمثلة جرائم الاخلال العلني بالحياء تقبيل امراة في مكان عمومي او لمس يدها او ذراعها او عنقها او ثديها بكيفية يكون من شان اثارة الغريزة الجنسية سواء كان هذا الفعل في حد ذاته مشروعا ام لا فالشخص الذي يقبل زوجته او الزوجة التي تقبل زوجها او الزوج الذي يلمس زوجته في مكان من اماكن اثارة الغريزة الجنسية من جسدها يكون قد قام بعمل مشروع يقره القانون والشرع والعرف وكل من قام بنفس الاعمال السابقة مع امراة لا تربطه معها علاقة الزواج يكون قد قام بعمل غير مشروع ولكن كلا من العملين سواء كان مشروعا او غير مشروع اذا ارتكب في مكان عام او معرض لرؤية الجمهور او بحضور قاصر يقل عمره عن 18 سنة يعد مخالفا للاداب العامة وبالتالي يكون جريمة الاخلال العلني بالحياء لان الاخلاق العامة والتقاليد تدعو الى التستر عند القيام بهذه الاعمال.

 الأخلاق العامة :

الاخلاق العامة هي مجموعة القواعد والاعراف التي يلتزم الناس في مكان معين وزمان معين باتباعها والتقيد بها والسير وفقها وهي تختلف باختلاف الازمنة والامكنة والمجتمعات فما كان في الماضي يعد عملا مخلا بالحياء لم يعد اليوم كذلك وما يعد مخلا بالحياء في الدول الاسلامية لا يعد كذلك في الدول غير الاسلامية وما يعد مخلا بالاداب في البادية والارياف لا يعد كذلك في المدن، كما ان ما يعد عورة في جسم المراة لا يعد عورة في جسم الرجل فالرجل يكشف صدره او بطنه   ولا يعد ما قام به مخلا بالحياء بينما اذا فعلت المراة ذلك تكون قد ارتكبت عملا مخلا بالحياء. والشخص ذكرا كان او انثى الذي يلبس ملابس شاطئ البحر ويجول بها في الشوارع يكون قد ارتكب عملا مخلا بالحياء بينما لا يعد كذلك في شاطئ البحر.

فالإخلال العلني بالحياء اذن مسالة نسبية على القاضي ان يستقيها من المحيط الذي وقعت فيه الجريمة لا من تصور من وقعت عليه وشعوره (2) ولا يكتفي القاضي في حكمه بان يقول ان المتهم ارتكب عملا مخلا بالحياء بل عليه ان يتبين الافعال التي ارتكبها بكل تحديد الا كان حكمه   معرضا للإبطال.

 وعلى العموم فان كل عمل او حركة او اشارة من شانها اثارة الغريزة الجنسية او اثارة فكرة التمازج الجنسي سواء وقعت على شخص برضاه او وقعت على الجاني نفسه لان المشرع لم يرد من تجريم هذا الفعل حماية شخص معين بالذات جرائم العرض   او الاغتصاب، وانما اراد حماية الشعور العام من رؤية الفاعل آو حركات او إشارات تخدش حياءه تعد عملا مخلا بالحياء.

 2- الركن الثاني :

العلانية : ينص الفصل اعلاه على ان من "ارتكب اخلالا علنيا بالحياء" والمقصود بالعلانية هنا معناها اللغوي وهو اتيان فعل آو حركة او اشارة في مكان عام او معرض لرؤية العموم، والعلانية اهم ركن في جريمة الاخلال العلني بالحياء ذلك ان المشرع كما مر معنا اعلاه، لم يقصد بتجريم هذا الفعل حماية شخص معين من الناس وانما قصد الى حماية الشعور العام، لما يحدثه هذا الفعل من جرح في الشعور الاخلاقي وحماية الناس من ان تقع ابصارهم على مناظر بذيئة لا يرغبون في رؤيتها فاذا ما ارتكب شخص فعلا من الافعال المخلة بالحياء في مكان خاص او بعيد عن أعين الناس فان ركن العلانية لا يتوفر وبالتالي لا يقع تحت طائلة الفصل 483 اعلاه والمشرع المغربي خلافا للمشرع المصري(3)- اوضح العناصر اللازمة لتكوين ركن العلانية في جريمة الاخلال العلني بالحياء وذلك بقوله في الفصل 483 " يعتبر الاخلال علنيا متى كان الفعل الذي كونه قد ارتكب بمحضر شخص او اكثر شاهدوا وذلك عفوا او بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة من عمره او في مكان قد تتطلع اليه انظار العموم" وبناء على ما ورد في هذه الفقرة يمكن تقسيم الاماكن الي تتوفر فيها العلانية المطلوبة لقيام هذه الجريمة الى :

أ‌-    المكان العام

ب‌- المكان المطروق

ج‌-   المكان الخاص المعرض للانظار

د‌-    المكان الذي يوجد فيه قاصر.

أ‌-    المكان العام :

هو المكان المفتوح للجمهور يدخله من يشاء وأنى شاء ومتى شاء كالطرق العامة والقناطر والحدائق العامة ولا فرق بين ان يكون دخولها مجانا كالشوارع والازقة او بمقابل كالمسارح والمقاهي ويمكن تقسيم المكان العام الى:

        ·مكان عام بطبيعته.

        ·مكان عام بالتخصيص.

        ·مكان عام بالمصادقة.

 فالمكان العمومي بطبيعته هو المكان المفتوح لجمهور الناس يدخلونه متى شاءوا وأنى شاءوا كالشوارع والحدائق والساحات العمومية والازقة والمنتزهات والملاعب الرياضية فاذا ما ارتكب شخص فعلا مخلا بالحياء في مكان من هذه الاماكن يكون قد ارتكب جريمة الاخلال العلني بالحياء لتوافر ركن العلانية حتى ولو ارتكب هذا الفعل ليلا،   ذلك ان هذه الاماكن تطرق في كل وقت وهي بطبيعتها معرضة لمرور الجمهور منها في أي وقت.

 والمكان العمومي بالتخصيص هو المكان المباح دخوله لكل شخص اراد وذلك اما بمقابل واما بشروط خاصة او مجانا ولكنه اقل تعرضا للجمهور من النوع الاول ولا يباح دخوله عادة الا في اوقات كالمساجد والمسارح والمقاهي والمدارس والمطاعم وسيارات النقل العمومي وعربات القطار والمؤسسات العمومية كمكاتب البريد وقاعات المحاكمات والمكاتب الإدارية بشرط ان يقع فيها الفعل المخل بالحياء في وقت تكون فيه ابوابها مفتوحة وتستقبل العموم اما اذا وقع فعل مخل بالحياء في مكان من هذه الاماكن ليلا او في وقت كانت ابوابها مقفلة وليس بها احد غير الفاعل والضحية الذي وقع عليه الفعل او الفاعل وحده ان أوقع الفعل على نفسه كالعرى مثلا، فان ركن العلانية لا يتوفر بالتالي فان الفاعل يكون بمنجي من العقاب المنصوص عليه في الفصل 483 المذكور اعلاه. وقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية الى ان الفعل المنافي للحياء المقترف من مدرس ابتدائي على احد طلاب المدرسة في غرفة من غرف الدراسة يفقد صفة العلانية اذا وقع بعد وقت الدراسة وفي وقت غياب أي شاهد ومع   اتخاذ احتياطات خاصة بمنع رؤيته وذلك لان المدرسة تفقد صفة العلانية منذ الوقت الذي تغلق ابوابها دون طلابها " (4)

 والامكنة العمومية بالمصادقة هي اماكن خاصة مقتصرة على افراد معينين اختياريا كالنوادي والدكاكين والمخازن واجباريا كالسجون. فهذه الاماكن تكون خاصة بمن خصصت لهم او بمن انشاها الا ان وجود الجمهور ولو بمجرد الصدفة هو الذي يعطيها صفة العلانية فاذا ما ارتكب شخص عملا مخلا بالحياء في وقت يكون فيه الجمهور موجودا في هذه الامكنة فان ركن العلانية يتوفر وبالتالي يقع الفاعل تحت طائلة الفصل 483 اعلاه والمقصود بالجمهور عدد من الناس حتى ولو كن شخصا واحدا غير الفاعل فاذا ما ارتكب سجين عملا مخلا بالحياء في السجن ورآه أو امكن ان يراه سجين آخر أو احد حراس السجن ولو ليلا فانه يعد مرتكبا لجريمة الاخلال العلني بالحياء ومن الاماكن العمومية بالمصادقة المصاعد والسلالم المتركة وممرات العمارات ودهاليزها -.

 ب‌- المكان المطروق :

هو مكان عام الا انه اقل تعرضا لغشيان الناس له من المكان العام كالشواطئ في غير فصل الصيف او الصحاري او الاماكن النائية عن العمران او قمم الجبال و الحدائق في فصل الشتاء فهذه اماكن يطرقها الناس متى أرادوا ولكن هناك اوقات تكاد تكون فيها خالية من الناس فاذا ما ارتكب شخص فعلا مخلا بالحياء في مكان من هذه الاماكن وقع تحت طائلة الفصل 483 المذكور اعلاه لتوفر ركن العلانية في فعله سواء كان فيه احد أم لم يكن، لإمكان وجود الناس في أي وقت (5).

ج‌-   المكان الخاص المعرض للأنظار :

المكان الخاص المعرض للأنظار هو المكان الخصوصي اما لفرد واحد واما لمجموعة افراد لا يتعداهم الى غيرهم كالمنازل والسيارات الخاصة والنوادي المغلقة فهذه اماكن خاصة لا تتوفر فيها العلانية المطلوبة في الفصل 483 اعلاه الا انها قد تتعرض لانظار الجمهور فتكتسي بذلك صفة العلانية (6) كالمنزل الذي يترك صاحبه نوافذه المطلة على الشارع او زقاق او على منازل اخرى مفتوحة وكالنادي الذي يترك بابه او نوافذه مفتوحة فيستطيع الجمهور رؤية ما يجري بداخله دون عائق، اما إذا تسلق المشاهد جدارا او سلما او فتح نافدة احكم اغلاقها ليرى ما يجري في الداخل فان ركن العلانية لا يتوفر لان رؤية ما يجري في الداخل لم تأت عن عمل الفاعل وانما من عمل المشاهد، ولان المشرع من جهة اخرى حمى شعور الذين تجرحهم المناظر المخلة بالحياء دون رضا منهم أما الذين يسعون الى رؤية هذه المناظر فانهم يعدون مشاركين في ارتكاب هذا الفعل، بالتالي فان المشرع لم يتدخل لحمايتهم وهكذا مثلا اذا دخل شخص اختياريا لناد من نوادي العراة فانه لا يقبل منه الإدعاء بان شعوره الاخلاقي قد جرح لانه هو الذي ذهب الى هذا النادي وهو يعلم ما يجري فيه وذلك لا يعد إخلالا بالحياء العمل الذي يرتكبه شخص في حقل بعيد عن المساكن وعن الطريق العمومي ومحاط من جميع الجهات بحقول اخرى مملوكة لمقترف الجرم.

 متى ثبت انه لم يتمكن من مشاهدته سوى شاهد واحد دخل بدون حق في ملك المتهم وافسد عليه ما اتخذه من احتياطات وكذلك السيارات الخاصة .

 د‌-    المكان الذي يوجد فيه قاصر

ألحق المشرع المغربي المكان الذي يوجد فيه قاصر دون الثامنة عشرة حتى ولو كان خاصا بالمكان العام وذلك حماية للناشئة من الانحلال الخلقي والانحراف بل حتى ولو كان الفاعل أبا او أما لهذه القاصر، اذن كل من ارتكب عملا مخلا بالحياء بحضور قاصر دون الثامنة عشرة يعد مرتكبا لجريمة الاخلال العلني بالحياء وبالتالي يقع تحت طائلة الفصل483 المذكور اعلاه سواء وقع الفعل على القاصر او على الفاعل نفسه او على شخص اخر ما دام الفعل، وقع بحضور القاصر. لكن ما الحكم اذا وقع   الفعل الجنائي بحضور قاصر حضر عن اختيار وعلم الى المكان الذي وقعت فيه الجريمة ؟ الحقيقة ان المشرع اعتبر الشخص الذي حضر آو شاهد الفعل المخل بالحياء عن طيب خاطر غير جدير بالحماية كما يدل على ذلك عندما عبر بكلمة عفوا الواردة في الفصل 483 المذكور فان المشرع حماية منه للقاصرين اعتبر رضاهم كعدمه ولم يعتد بهذا الرضى، والحق المكان الخاص الذي وقع فيه الفعل المخل بالحياء بحضور قاصر بالمكان العام لتوفر العلانية فيه بحضور القاصر، لكن هل يعد مرتكبا لجريمة الاخلال العلني بالحياء من ارتكب فعلا شائنا بحضور شخص أعمى آو أصم ؟ لا شك ان احد هاذين الشخصين الأعمى او الأصم اذا كان جسمه هو الذي تعرض للفعل الشائن كمن يمس عورة أحدهما لو يضع يد أحدهما على ذكر الفاعل مثلا او يضع يده على نهد امرأة عمياء او صماء فان الجريمة تعد قائمة وبالتالي يقع الفاعل   تحت طائلة الفصل 483 أعلاه لكن اذا وقع بمحضر أحدهما فلا جدال في رؤية الأصم.

 تعتبر كرؤية المبصر ما دام المقصود هو رؤية الاشارات او الحركات او الافعال لكن بالنسبة للاعمى إذا كان   الفعل الذي قام به الفاعل لا يدع شكا في كون الفعل المخل بالحياء ارتكب فان الجريمة تعد قائمة كمن يقبل امرأة بشهوة او يقوم بحركات ويتفوه بالفاظ غزلية   تخدش حياء الاعمى فان الجريمة تعد - مرتكبة قد ذهبت محكمة النقض الفرنسية الى ان " الفعل الفاضح يكتسب العلانية حتى ولو كان الشاهد الوحيد له لم يشاهد ببصره متى كان وجوده معروفا لمرتكبي الفعل وكان الفاعلان لم يعملا على اخفاء امرهما بل انه بالأقوال التي تفوها بها وبالأصوات المتقطعة التي خرجت قد وقف الشاهد على طبيعة الافعال المخلة بالحياء المغايرة للآداب التي اقترفت في حظيرته بحيث تأثرت منها عاطفة الحياء لديه(8) كما ذهبت محكمة النقض المصرية في تعريفها للفعل الفاضح بانه ذلك الفعل العمد المخل بالحياء الذي يخدش في المرء حياء العين والإذن ليس إلا" - بمعنى انه لا تستلزم العلانية رؤية الشهود للفعل فمجرد السماع يكفي للدلالة على العلانية في الفعل الفاضح إذا أمكن سماع الحركات التي تدل عليه.

 الركن الثالث : القصد الجنائي :

لا ضرورة في قيام الإخلال العلني بالحياء لوجود القصد الجنائي بل يكفي ارادة   الفاعل ارتكابه الفعل وعلمه بانه فعله مخل بالحياء لذلك فان مجرد إهمال الفاعل يعد كافيا لتوفر الركن المادي أي القصد الجنائي وهكذا مثلا من قام بفعل مخل بالحياء في مكان خاص ولكنه ترك النوافذ التي تطل على الشارع العمومي او مكان عام او حتى على منزل اخر مفتوحة او أغلقها بكيفية لم تستر ما يقع في الداخل فانه يعد مرتكبا لجريمة الاخلال العلني بالحياء ولو لم يقصد إيذاء الشعور العام. وقد قضت محكمة المصرية بان من يدخل دكان حلاق ويتبول في الحوض الموجود به فيعرض نفسه بغير مقتضى للانظار بحالته المنافية للحياء يتوافر في حقه القصد الجنائي في جريمة الفعل الفاضح العلني (9).

 لكن اذا كان العرى مثلا غير إرادي كمن تعدى عليه اللصوص فسرقوا لباسه وتركوه عاريا أو من اشتعلت النار في ملابسه فاضطر لخلعها حماية لنفسه من الحريق، او من كان في نزاع مع شخص اخر فمزق له ملابسه    بكيفية انكشفت معها عورته او من كان في سباق او ساحة رياضية فسقط سرواله او تمزق.

 وهكذا في كل حالة يكون فيها العري غير اختياري فان الركن المعنوي لا يتوفر، وبالتالي فان جريمة الاخلال العلني بالحياء تكون غير قائمة.

ويكون مرتكبا لجريمة الإخلال العلني بالحياء من قام بعمله المخل بالحياء دون احتياطي او دون تبصر، كمن يرتكب عملا   شائنا في مكان محتمل الرؤية من الغير كحقل غير مستور او مكان مقفر او ساحل نهر. لان هذه أماكن عامة كما تقدم أعلاه.

الفرع الثاني: هتك العرض

تمهيد : لم يعرف المشرع المغربي كما فعل قبله المشرع الفرنسي والسوري والمصري جريمة هتك العرض وإنما ترك تعريفها وتقديرها للفقه والقضاء، وحسنا فعل، ولان الأفعال التي تكون جريمة هتك العرض كثيرة ومطاطة ويصعب أن لم يستحيل تعدادها وحصرها بالإضافة إلى أنها أي الأفعال المكونة الجريمة هتك العرض باعتبارها من الجرائم المخلة بالآداب العامة تختلف زمنا ومكانا كما مر معنا في جريمة الإخلال العلني بالحياء لذلك اكتفى المشرع بذكر الجريمة وعقوبتها وبيان أركانها.

 فقد نص الفصل 484 من القانون الجنائي على " انه يعاقب بالحبس من سنتين الى خمس من هتك بدون عنف او حاول هتك عرض قاصر يقل عمره عن خمس عشرة سنة، سواء كان ذكرا او انثى".

 ونص الفصل 485 من نفس القانون على انه " يعاقب بالسجن من خمس الى عشر سنوات من هتك او حاول هتك عرض شخص ذكرا كان ام انثى مع استعمال العنف".

 فاذا كان المجني عليه قاصرا يقل عمره عن خمس عشرة سنة يعاقب الجاني بالسجن من عشر الى عشرين سنة".

 وشدد المشرع عقوبة هتك العرض في الفصلين 487 و488 من نفس القانون فرفع عقوبة السجن المحدد الى نهايتها وهي 30 سنة.

 ومن التدقيق في الفصل 485 اعلاه يبين انه اضاف الى العنصرين الاساسيين الفعل المادي والقصد الجنائي، عنصرا اخر هو العنف ستقسم هذه الجريمة عند دراستنا لها الى ثلاثة فصول:

الفصل الاول : هتك العرض البسيط

الفصل الثاني : هتك العرض المشدد

الفصل الثالث : الشروع في جريمة هتك العرض.

 الفصل الاول : هتك العرض البسيط

تكون جريمة هتك العرض بسيطة اذا لم يصاحبها عنف او ما دخل في معناه من التهديد او المباغة كما سنرى عند دراستنا لجريمة هتك العرض المشددة لكن بشرط ان يكون سن الضحية اقل من خمس عشرة سنة كان المجني عليه ذكرا او انثى وسواء ايضا كان الفاعل ذكرا او انثى لان جريمة هتك العرض ترتكب من طرف الذكر كما تركب من طرف الانثى " ومن التدقيق في الفصل 484 اعلاه يبين ان اركان الجريمة ثلاثة : 1) فعل مادي 2) القصد الجنائي 3) سن المجني عليه

 المبحث الاول الركن المادي:

يتكون الركن المادي في جريمة هتك العرض من كل فعل مناف للاداب يقع عمدا على جسم المجني عليه او على مكان من جسمه يعد عورة بكيفية تخجل المجني عليه والملاحظ ان جنحة الاخلال العلني بالحياء تتكون من فعل مناف للاداب يقع على شخص او على الجاني نفسه بينما جريمة هتك العرض لا تقع الا على شخص غير الجاني وتكون من القبح والبذاءة بمكان، اذن فكل جريمة هتك العرض تحتوي ضمنها على جريمة الاخلال العلني بالحياء.

 ويعتبر من قبل هتك العرض اخذ صبي ووضعه فوق العضو التناسلي ولو لم يقع ايلاج، وكذلك ضم امراة وتقبيلها، وتمزيق ثياب شخص ذكرا كان او انثى وكشف عورته، ولو لم يصاحب هذا الفعل اية ملامسة لجسم المجني عليه، وكذلك قرص عجز المراة وقرص نهديها ولو من فوق الثياب وضع العضو التناسلي في يد شخص او مكان من جسمه يعد عورة حتى ولو لم تقع الملامسة، وعلى الجملة فان جريمة هتك العرض تتكون من كل فعل فاحش مخل بالحياء يقع على جسم انسان، وقد جاء في حكم لمحكمة النقض المصرية " ان حصر الحالات التي يصرح ان تندرج تحت جريمة هتك العرض والقول بان ما عداها خارج عن الجريمة المذكورة انما هو مبدا جنائي تناولت فيه المحكمة هتك العرض من ناحيتها الاكثر وقوعا تلك الناحية التي يقع فيها المساس بجزء من جسم المجني عليه يدخل عرفا في حكم العورات وقطعت المحكمة بان مثل هذا المساس يجب حتما وفي كل الاحوال ان يعد من قبيل هتك العرض لما فيه الاخلال بالحياء المجني عليه العرضي، وظاهرا ان هذا لا يفيد ان افعال هتك العرض محصورة في هذه الناحية او ان \الجريمة لا يتصور وقوعها على هذا النوع بل قد يتصور للعقل في احوال قد تكون في ذاتها نادرة او قليلة الوقوع امكان الاخلال بحياء المجني عليه العرضي بافعال لا تصيب من جسمه موضعا يعد عورة ولا يجوز مع ذلك التردد في اعتبارها من قبيل هتك العرض، نظرا لمبلغ ما يصاحبها من فحش ولانها من ناحية اخرى اصابت جسم المجني عليه فخدشت حياءه العرضي وان لم يقع المساس فيها بشيء من عوراته كما لو وضع الجاني عضوه التناسلي في يد المجني عليه او في فمه او في جزء اخر من جسمه لا يعد عورة وهذه الافعال ونظائرها لا يمكن ان يشك في انها من قبيل هتك العرض وكل ذلك مما ينبغي ان يبقى خاضعا لتقدير المحكمة اذ من المتعذر ان لم يكن من المستحيل حصره في نطاق واحد واخضاعه لقاعدة واحدة (10)".

 فجريمة هتك العرض اذن تتكون من أي فعل مخل بالحياء يقع على جسم انسان ويخدش عاطفة الحياء عنده حتى وان لم يترك اثرا في جسم المجني عليه، ولا يشترط في جريمة هتك العرض ان تتم المباشرة الجنسية لذلك فان الشخص العنين اذا اخذ شخصا ووضع عضوه التناسلي على عورته فانه يعد مرتكبا لجريمة هتك العرض.

 وجريمة هتك العرض كجريمة الاخلال العلني بالحياء تقع من الرجل كما تقع من المراة فالمراة التي تمزق ثياب مراة قصدا حتى تكشف عورتها او ثياب رجل حتى تكشف عورته، تعد مرتكبة لجريمة هتك العرض وكذلك المراة التي تطوق رجلا وتقبله او تاخذ طفلا وتضع عضوه التناسلي على عورتها تعد مرتكبة جريمة هتك العرض وكذلك من يدخل اصبعه في عورة رجل او امراة ولو من فوق الثياب يعد مرتكبا لجريمة هتك العرض.

 المبحث الثاني: القصد الجنائي

جريمة هتك العرض جريمة عمدية أي لابد لقيامها من ان يتوفر القصد الخاص لدى الفاعل أي انه يريد ان يهتك عرض شخص اخر بقطع النظر عن الدافع الى ذلك او هو الدافع الجنائي او حب الانتقام، او مجرد السخرية من المجني عليه ام اذلاله ام مجرد حب الاستطلاع؟ لذلك لا عقاب على من التصق بامرة عفوا في مكان مزدحم بالناس كوسائل النقل العام ولا على من سقط فجأة فحاول التمسك بامراة كانت بجواره، فمزق ثيابها الى ان بدت عورتها، وكذلك لا عقاب على من تشاجر مع اخر وتماسكا بالاطواق الى ان مزق ثيابه وكشفت عورته كل الحالات لا عقاب عليها لتخلف الركن المعنوي وهو القصد الجنائي الذي يعاقب المشرع عليه.

 المبحث الثالث : سن المجني عليه

لا تتوفر جريمة هتك العرض البسيط الا اذا كان سن المجني عليه خمس عشرة سنة فاقل، ذلك ان المشرع حمى الاحداث من الانحراف الخلقي واعتبر سن 15 سنة فاقل قرينة قاطعة على عدم رضاهم وجعل مسؤولية ارتكاب جريمة هتك العرض على عاتق الفاعل وحده، هذا ما لم يصاحب الجريمة عنف او اكراه حيث تنقلب الى جريمة هتك العرض مشددة.

 والعبرة في تحديد سن الضحية بتاريخ ازدياده الحقيقي لا بما قدره الجاني. لذلك لا يعتد بادعاء مرتكب جريمة هتك العرض ضد قاصر يقل عمره عن 15 سنة ان المجني عليه اخبره بان سنه اكثر من 15 سنة او بانه ظن ان سن الجاني عليه اكثر من 15 سنة لما يتوفر عليه الضحية من بنية قوية وطول القامة كما ان العبرة بسن المجني عليه ترجع الى يوم ارتكاب الفعل لا يوم تقديم المتهم ولا يوم محاكمته.

 وسن المجني عليه ركن من اركان جريمة هتك العرض البسيط، لذلك لا من النص عليه في الحكم والا كان معرضا للنقض اذ ان سن المجني عليه هو الذي يكون جريمة هتك العرض (11) والا اعتبر الفعل جريمة اخرى غير جريمة هتك العرض البسيط، فاذا وقعت جريمة هتك العرض بين - شخصين راشدين وبدون عنف فانه يكون جريمة الشذوذ بالجنسي اذا كان معا من جنس واحد واما جريمة الفساد اذا كانا من جنسين مختلفين، وهكذا ترى ان سن المجني عليه هو الذي - يكيف هذه الجريمة بجريمة هتك العرض البسيط ام لا.

 والملاحظ ان القانون الجنائي المصري رفع سن الضحية في جريمة هتك العرض البسيط الى ثماني عشرة سنة كاملة (الفصل 26) من قانون العقوبات.

 الفصل الثاني : هتك العرض المشدد

من التدقيق في الفصل 485 اعلاه يتبين انه شدد عقوبة جريمة هتك العرض وجعلها جناية وذلك بادخال عنصر جديد هو العنف، ثم اضرب في الفقرة الثانية من نفس الفصل ظرف تشديد اخر هو سن المجني عليه اذا لم يتم 15 سنة كاملة من عمره، ثم شدد العقوبة في الفصلين 487 و488 من نفس القانون لذلك سندرس عناصر جريمة هتك العرض المشددة كما فعلنا في دراسة هتك العرض البسيط، وذلك بالبحث في عناصر الجريمة ثم التشديد الواردة عليها وسنخصص مبحثين الاول: لاركان الجريمة والثاني: لظروف التشديد.

 المبحث الاول: اركان جريمة هتك العرض المشدد

مر معنا ان اركان جريمة هتك العرض البسيط ثلاثة وهي الفعل المادي والقصد الجنائي وسن المجني عليه والملاحظ ان الركنين الاولين، ركنان في جريمة هتك العرض من حيث هي سواء كانت بسيطة ام مشددة، لذلك سنكتفي بما قلناه عنها في جريمة هتك العرض البسيط وندرس الركن الجديد وهو العنف ثم نتطرق الى سن المجني عليه الذي يعد في جريمة هتك العرض المشددة مجرد طرف تشديد يرفع العقوبة من عشر سنوات الى عشرين سنة ثم الى تشديد العقوبة في حالة حدوث افتضاض او بالنظر الى صفة الجاني او عدده.

 المبحث الاول : العنف

لم يعرف المشرع المغربي العنف، وانما ترك تعريفه للفقه والقضاء لذلك يمكن ان نعرف العنف بانه كل ضغط غير مشروع يقع على شخص لحمله على القيام بعمل لا يرضاه، والضغط يمكن ان يكون ماديا كما يمكن ان يكون معنويا، فكل الافعال التي تقع على شخص ذكرا كان او انثى من شانها ان تزيل رضاه تعتبر عنفا. فهكذا يكون قد ارتكب جريمة هتك العرض بالعنف من اخذ شخصا ذكرا كان او انثى وازال ثيابه بقوة وهتك عرضه ولا يشترط في العنف ان يحدث اثرا كالعنف المنصوص عليه في الفصل 400 من القانون الجنائي (12) بل يكفي ان تكون اثار العنف والاكراه بادية على حالة الضحية حتى لو لم ينتج عنه عجز مؤقت عن الاشغال الشخصية كما يعد مرتكبا لجريمة هتك العرض بالعنف من هتك عرض شخص وهو نائم. اذ في حالة النوم تنتفي ارادة النائم ولا يمكن ان يقال بان الجاني لم يرتكب مع المجني عليه عنفا كما يعد مرتكب جريمة هتك العرض(13) بالعنف الطبيب او الممرض او أي شخص يعطي للمجني عليه منوما او مخدرا سواء كان بالحقن او بالشرب، ويقوم بهتك عرضه، لان في حالة التنويم او التخدير يفقد المخدر او المنوم حتى سيطرته على جسده وبالتالي تنتفي ارادته وكذلك يعد مرتكبا لجريمة هتك العرض بالعنف من تناول مع المجني عليه مخدرا ولو بمحض ارادتهما معا، وكانا يعلمان ان الماكول او المشروب يخدر اذا خدر المجني عليه قام الجاني وهتك عرضه ولا عبرة بكون المجني عليه تناول المخدر بمحض ارادته لانه اراد التخدير ولم يرد هتك عرضه.

 كما يعد مرتكبا لجريمة هتك العرض بالعنف من اوهم امراة انه طبيب فكشفت عن موضع العفة منها وادخل فيه اصبعه موهما اياها بانه يفحصها ذلك ان هذا الوهم وهذا الخداع من الجاني افقد المراة ارادتها ولو علمت حقيقة الجاني لما رضيت بان تقع عليها الجريمة كذلك يعد مرتكبا لجريمة هتك العرض بالعنف من اغتنم فرصة غياب الزوج ليلا ودخل سرير زوجته فاوهمها وهي نائمة بانه زوجها وتمكن من هتك عرضها ولا يقتصر العنف على الاكراه بالقوة بل حتى بالتهديد سواء كان تهديدا ماديا او معنويا كمن يطلب من شخص ان يسمح له بهتك عرضه وهو يحمل في يده مسدسا او سكينا او أي تهديد من شانه ان يضعف مقاومة المجني عليه او عليها وان يضطر للاستسلام لمطالب الجاني وكذلك من يطلب امراة ان تسمح له بهتك عرضها مع ملاحظة ان هتك العرض بالنسبة للمراة يتكون من سائر الافعال الفاحشة كما تقدم اعلاه وتشمل الاتصال بها جنسيا من الخلف اما الاتصال بها من الامام فلا يعد جريمة هتك العرض كما سنعرض له عند دراستنا لجريمة الاغتصاب والا خطف ابنها او تعرض له بشر او تعرض لاحد اقاربها بضرر كبير. ويشترط ان يكون التهديد حالا وحقيقيا ويترك في نفس المجني عليه اثرا يزيل ارادته ويفقده القدرة على الاختيار او المقاومة.

 والمقصود بالعنف كما مر، كل عمل سواء وقع بالاكراه او بالتهديد او الحيلة يفقد المجني عليه ارادته. وقد نص المشرع في الفصل 268 من قانون العقوبات على ان " كل هتك عرض انسان بالقوة او بالتهديد او شرع في ذلك يعاقب بالاشغال الشاقة من ثلاثة سنين الى سبع ."

 ومن الملاحظ ان المشرع المصري استعمل كلمتي القوة والتهديد وهما في نظري يعادلان كلمة " عنف" التي استعملها المشرع المغربي، ذلك ان العنف كما مر معنا يشمل الاقوال والافعال التي تؤثر في نفس المجني عليه، وتزيل ارادته او تفقده بصفة عامة حق الاختيار، وقد اعتبر القضاء المصري الخديعة كالقوة لانها تزيل رضا الضحية فقد قضت محكمة النقض المصرية بانه " متى ثبت ان المجني عليها قد انخدعت بمظاهر الجاني فاعتقدت انه طبيب فسلمت بوقوع الفعل عليها ولم تكن لترضى به لولا هذه المظاهر فان هذا يكفي للقول بان المجني عليها لم تكن راضية بما وقع من المتهم ويتوافر فيه ركن القوة (14)". وقضت أيضا "بان جريمة هتك العرض اذا وقعت على شخص نائم تعتبر بالقوة لان النوم معدم لرضائه خصوصا اذا ظهر منه عند يقظته ما يدل على عدم الرضا (15)" وجاء في حكم اخر لنفس المحكمة " يعد هتك العرض بقوة دخول الرجل في سرير امراة بظروف تجعلها تظنه زوجها (16)".

 المبحث الثاني : سن الضحية

راينا فيما سبق ان سن الضحية يكون ركنا من جريمة هتك العرض البسيط أي عندما تكون جنحة ويقابل هذا الركن ركن العنف في جريمة هتك العرض المشددة او عندما تكون جناية وندرس الان ظروف تشديد جناية هتك العرض وهي الظروف التي تؤثر في الجريمة ولا تكون ركنا من اركانها الذي تنعدم بانعدامه كما مر معنا ولكنها تشدد العقوبة فقط ومنها سن الضحية فقد نص الفصل 485 من القانون الجنائي في فقرته الاخيرة على انه " اذا كان المجني عليه قاصرا يقل عمره عن خمس عشرة سنة يعاقب الجاني بالسجن من عشر الى عشرين سنة".

 ولقد مر معنا في جريمة هتك العرض البسيط ان المجني عليه اذا كان قاصرا ووقعت عليه جريمة هتك العرض دون عنف فان الجاني يكون تحت طائلة الفصل 484 من ق م ج أي العقوبة المقررة تتراوح ما بين سنتين و5 سنوات واعتبر المشرع رضى المجني عليه القاصر غير معف للجاني من العقاب وزيادة في حماية القاصرين من ان يقعوا ضحايا للشذوذ الجنسي، وصونا لاخلاقهم من الانحراف، شدد المشرع عقوبة الجاني اذا ما استعمل العنف ضد قاصر يقل عمره عن 15 سنة ولا نعيد دارسة العنف مرة اخرى بل نكتفي بما قلنا عند دراستنا للعنف كركن من اركان جريمة هتك العرض.

 المبحث الثالث : حدوث افتضاض عند المجني عليها نتيجة هتك عرضها

الافتضاض هو تمزيق غشاء البكارة او احدث ثقب كبير فيه تزيل عن الانثى صفة البكارة نتيجة الضغط عليه بجسم صلب والافتضاض في جريمة هتك العرض لا يكون بالعضو التناسلي للرجل لان الغشاء لا يمزق او يثقب الا بعد ولج جزء من عضو التذكير، وفي هذه العملية أي عملية الولوج ولو جزئيا، نكون امام فعل مواقعة كاملة الشيء الذي يخرج الجريمة عن جريمة هتك العرض ويجعلها اغتصاب، كما سنرى ذلك بتفصيل عند دراستنا لهذه الجريمة وانما يكون الافتضاض في جريمة هتك العرض بادخال اي جسم صلب في فرج الانثى كالاصابع مثلا لذلك فان بعض اعضاء النيابة العامة كثيرا ما يخطئون في الوصف القانوني الذي يعطونه   لجريمة الاغتصاب ضد قاصرة نتج عنه افتضاض وصورة القضية مثلا ان شخصا اخذ فتاة صغيرة يقل عمرها عن 15 سنة وباشرها فنتج عن ذلك افتضاض بكارتها اذ تكيف الفعل على انه جريمة هتك عرض قاصر بالعنف نتج عنه افتضاضها والواقع ان هذه الجريمة جريمة اغتصاب قاصر نتج عنه افتضاض، المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفقرة 2 من الفصل 486 من ق ج وقد رفع المشرع عقوبة الفاعل في حالة حدوث افتضاض نتيجة جريمة هتك العرض من خمس الى عشر سنوات في جريمة هتك العرض البسيط المنصوص عليها في الفصل 484 من القانون الجنائي ومن عشر الى عشرين سنة عندما يستعمل العنف وكان سن المجني عليه اكثر من 15 سنة ورفع العقوبة من عشرين الى ثلاثين سنة وهي الحد الاقصى لعقوبة السجن المؤقت عندما يكون سن المجني عليها اقل من 15 سنة وصاحب الفعل عنف.

 المبحث الرابع: صفة الجاني

اولى المشرع المغربي كالمشرع المصري صفة الجاني اهمية كبرى وجعله ظرف تشديد في جريمة هتك العرض، فقد نص في الفصل 487 من ق ج على انه " اذا كان الفاعل من اصول الضحية او من لهم سلطة عليها او وصيا او خادما بالاجرة عندها او عند احد من الاشخاص السالف ذكرهم او كان موظفا دينيا او رئيسا دينيا وكذلك أي شخص استعان في اعتدائه بشخص او عدة اشخاص فان العقوبة هي السجن من خمس الى عشر سنوات في الحالة المشار اليها في الفصل 484 والسجن من عشر الى عشرين سنة في الحالة المشار اليها في الفقرة الاولى من الفصل 485 والسجن من عشرين الى ثلاثين سنة في الحالة المشار اليها في الفقرة الثانية من الفصل 485. وغاية المشرع من جعل صفة الجاني اما بصلته مع الضحية واما بتعدد افراده ظرف تشديد في جريمة هتك العرض، هي حماية الضحية من الوقوع فريسة سهلة في يد اولئك الذين تكون لهم صلة القرابة او العمل والذين لا تحترز الضحية عند الاختلاط بهم، وانما تركن اليهم كل الركون، وهؤلاء الاشخاص مذكورون حصرا في الفصل المشار اليه اعلاه وهم :

1-   اصول الضحية ويقصد بهم كل من تناسلت منه الضحية تناسلا حقيقيا كالاب والجد، والام والجدة ومن المعلوم ان التبني لا يعتبر تناسلا حقيقيا، لذلك لا يدخل المتبني الذي هتك عرض متبناه في هذه الزمرة ولكن ما هو حكم الاصل من الرضاع؟ الواقع انه وان جاء في الحديث الشريف انه "يحرم من النسب " فان المرضع او زوجها لا يعد اصلا للمرضع ( فتحا) وبالتالي لا يدخل في زمرة الاصول وان كان يعد من زمرة من لهم سلطة على الضحية اذا يعيش معه وعلى نفقته .

2-   الذين لهم سلطة على الضحية : لم يوضح المشرع المغربي من هم هؤلاء الاشخاص وما هي السلطة القانونية او الفعلية او الادبية فقط لذلك تؤخذ الكلمة على اطلاقها، ونقول بانها كل سلطة تكون للشخص على اخر تشمل سلطة المراقبة والتوجيه كالاخ الاكبر بالنسبة لاخوته الصغار الذين يعيشون معه وتحت نفقته والمربي والمتبني للشخص المتبنى كزوج ام الضحية مثلا وكالمعلم الذي يعطي دروسا للضحية سواء كانت هذه الدروس عامة تعطى ضمن مجموعة من الاطفال او دروسا خاصة تعطى اما في منزل المعلم او المتعلم، وكذلك مدير وموظفو ومستخدمو المؤسسات التربوية والاصلاحية . كدور الايتام ودور الحضانة ودور اعادة تربية الشباب المنحرف، وكل مؤسسة تتولى رعاية الشباب وتكوينه وتثقيفه كالمخيمات الصيفية وجمعيات الاسفار .

3-   الوصي على الضحية: الوصي هو من له حق الاشراف وتسيير شؤون الضحية في غيبة الاب ويعرف الوصي بانه الممثل القانوني الذي يعينه الاب لتسيير شؤون ابنائه ومراقبتهم وادارة امورهم المالية والادبية في حياة الاب عند غيابه او في حالة وفاته، ويدخل ضمن الوصي المقدم وهو الشخص الذي يعينه القاضي لتسيير شؤون القاصر وتدبير امواله .

4-   الخادم بالاجرة: وهو كل شخص تربطه بالضحية او بالاشخاص الذين تقدم ذكرهم علاقة التبعية سواء كانت هذه دائمة او مؤقتة، فالخادم بهذه الصفة يسهل عليه الاتصال بالضحية ويمكن ان يدخل دارها او غرفتها في كل وقت وبدون احتراز من الضحية، فالخادم الذي يخدم بيت الضحية سواء كان تابعا لها او لاصولها او لمن لهم عليها حق المراقبة والاشراف او لوصي الضحية، اذا ما ارتكب جريمة هتك العرض لشخص ذكرا كان او انثى، فان العقوبة تشدد في حقه حسب الترتيب المذكور في الفصل 487 اعلاه فالاجير الذي تستقدمه الضحية لاصلاح شيء في المنزل كالكهربائي او النجار او الصباغ، وتدخله البيت ثم ينتهز هذه الفرصة ويهتك عرض الضحية او يشرع في هتكه يقع تحت طائلة الفصل المذكور، تشدد عليه العقوبة.

5-   الموظف الديني او الرئيس الديني: المقصود بالموظف الديني هو الشخص المكلف بارشاد الناس الى امور دينهم ويكون بمثابة المعلم كائمة المساجد والمؤذنين بها والمرشدين الدينيين الذين تطمئن اليهم نفس الضحية لما لهم من طابع ديني. اما الرؤساء الدينيون فهم رؤساء  الاديرة والكنائس ولا يعرف في الاسلام نظام الرؤساء الدينيين، فاذا ما ارتكب واحد من هذا الصنف جريمة وهتك عرض فان العقوبة تشدد عليه.

 الفصل الثالث: الشروع في جريمة هتك العرض

نص الفصل 484 من القانون الجنائي على انه يعاقب بالحبس من سنتين الى خمس من هتك بدون عنف او حاول هتك عرض قاصر.

 

ونص الفصل 485 من نفس القانون على انه يعاقب بالسجن من خمس الى عشر سنوات من هتك او حاول هتك عرض أي شخص، ومن التدقيق في الفصلين السابقين نرى ان المشرع المغربي كالمشرع المصري سوى في العقوبة يبين الفعل التام في جريمة هتك العرض ومحاولتها ومن الممكن ان يثور جدال فقهي في المغرب كما ثار(17) في مصر عن امكان الشروع في جريمة هتك العرض سواء كانت بسيطة او مشددة او عدم امكانه أي بمعنى انه هل يتصور الشروع في جريمة هتك العرض، او جميع الافعال التي تكون هذه الجريمة تنسب الى الجريمة التامة وان الجاني متى ارتكب أي فعل من الافعال التي تكون جريمة هتك العرض يعد مرتكبا للجريمة، لانه ليس لهذه الجريمة درجات يتميز منها البدء عن التنفيذ، وحجة من يدعي التمييز هو ان المشرع المصري سوى في العقوبة بين الجريمة التامة ومحاولتها، وذهب فريق اخر الى ان التمييز بين الجريمة التامة ومحاولتها يتصور في حالة واحدة فقط وذلك عندما تكون الجريمة بالعنف او التهديد، ولكن الواقع ان جريمة هتك العرض كجميع الجرائم التي يعاقب الشروع فيها متى كانت الافعال التي قام بها الجاني لا تدع مجالا للشك في انه يريد اتيان الجريمة التامة وان يعدل عن اتمامها الا لسبب خارج عن ارادته فلها درجات يتميز منها البدء في التنفيذ عن التنفيذ التام سواء كانت جريمة هتك العرض بسيطة او مشددة أي سواء جنحة او جنائية ولنضرب لذلك امثلة:

من اخذ طفلا الى مكان خال من الناس او بيت لا احد فيه الا الفاعل والضحية وشرع في فك ازرار سروال الضحية ليكشف عن عورته ثم يفاجا بشخص اخر يدخل البيت او يقتحم مكان الخلوة فان الفاعل يعد

 مرتكبا للشروع في جريمة هتك العرض ويدخل تحت طائلة الفصل 484 من القانون الجنائي.

 

وكذلك من اخذ شخصا ذكرا كان او انثى قاصرا او راشدا واسقطه على الارض وسار يكشف عن عورته وذلك بتمزيق ثياب الضحية او يفك ازرار سرواله، وعلا صياح هذا الاخير واستغاثته واقبل بعض الناس للاغاثة فان الجاني يكون مرتكبا محاولة هتك العرض بالعنف ويقع تحت طائلة الفصل 485 من القانون الجنائي.

 

 وكذلك من يقبل على شخص نائم وشرع في فك سرواله وازالته او تمزيقه من الخلف، يعد كذلك مرتكبا لمحاولة جريمة هتك العرض.

 

وتقدير كون الفعل الذي قام به الجاني يعد محاولة لارتكاب جريمة هتك العرض او مجرد جنحة الاخلال العلني بالحياء ترجع لسلطة قاضي الموضوع التقديرية الذي يمحص الافعال والاحداث وظروف القضية  وملابساتها ونية الجاني ولا رقابة للمجلس الاعلى على القاضي في تقدير ذلك.

 

اذا لم تكن الافعال التي قام بها الجاني في نظر القاضي كافية لاعتبارها جريمة هتك عرض يمكن ان يغير الوصف القانوني الذي اعطته النيابة العامة للجريمة وتكييفها على انها جنحة الاخلال العلني بالحياء باعتبار ان كل جريمة هتك العرض تحتوي ضمنها جريمة الاخلال العلني بالحياء كما راينا اعلاه.

 

وللبحث بقية

 

بعض المراجع

10- شرح قانون العقوبات ط 2 ص 340-341

11- الجرائم الجنسية ص 211

12- القانون الجنائي اخراج وطبع وزارة العدل المغربية ص 428

13- قانون العقوبات لمحمود بنصور الطبعة الاولى سنة 71 ص 334

14- شرح قانون العقوبات القسم الخاص ص 344

15- الجرائم المخلة بالاداب ص 373

16- نفس المرجع السابق

17- نفس المرجع ص 362

الفرع الثالث: الاغتصاب

 

نص الفصل 486 من القانون الجنائي المغربي على ان الاغتصاب هو مواقعة رجل لإمرة بدون رضاها، ويعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات.

فإذا كان سن المجني عليها يقل عن خمسة عشر عاما فان العقوبة هي السجن من عشر الى عشرين سنة.

وأضاف الفصلان 487 و488 من نفس القانون ظرفي تشديدهما:

1-   صفة الجاني وعدده.

2-   وقوع افتضاض نتيجة الاغتصاب.

لذلك سنخصص لهذا الفرع ثلاثة فصول :

الفصل الأول جريمة الاغتصاب البسيطة.

الفصل الثاني جريمة الاغتصاب المشددة.

الفصل الثالث الشروع في جريمة الاغتصاب.

 

الفصل الاول

" جريمة الاغتصاب البسيطة"

 

من التدقيق في الفصل 486 اعلاه الذي ينص على ان " الاغتصاب هو مواقعة رجل لامرة دون رضاها" يتبين ان اركان هذه الجريمة ثلاثة وهي :

1)   فعل مادي وهو المواقعة

2)   عدم رضى المجني عليها.

3)   القصد الجنائي.

لذلك سنخصص لكل ركن من هذه الاركان الثلاثة بحثا.

 

البحث الاول : المواقعة

 

يعد الشخص مرتكبا لجريمة الاغتصاب متى اولج عضوه التناسلي في المحمل الطبيعي المعد لذلك من المراة، بصفة غير مشروعة بغير رضاها، ولذلك تختلف جريمة الاغتصاب عن جريمة هتك العرض التي رايناها في الحلقة الماضية من الوجوه الاتية:

1)   ان جريمة الاغتصاب لا تقع من رجل على امراة في حين ان جريمة هتك العرض تقع من الرجل على الرجل ومن الرجل على المراة ومن المراة على الرجل ومن المراة على المراة.

2)   ان جريمة الاغتصاب لا تتم الا بادخال عضو الرجل التناسلي في المحمل الطبيعي المعد لذلك من المراة سواء كان الايلاج جزئيا او كليا في حين ان جريمة هتك العرض تتم بكل فعل مناف للاداب يقع عمدا على جسم المجني عليه او على مكان جسمه يعد عورة بكيفية تخجله(18).

3)   ان جريمة الاغتصاب تتم بايلاج عضو الرجل التناسلي في المحل المعد لذلك من المراة، اما ايلاج غيره في نفس المحل كالاصبع وقطعة عود مثلا فانه يعد جريمة هتك العرض، ولو ادي الى حدوث افتضاض عند المجني عليها(19).

فالاغتصاب اذن هو الجماع غير المشروع التي تجبر عليه المراة.

اما الجماع المشروع فلا يعد اغتصابا ولو تم بدون رضا الزوجة فالزوج الذي يجبر زوجته على الجماع يكون قد مارس حقا طبيعيا يعترف له به العرف والشرع والقانون، وبالتالي فانه لا يعد مرتكبا لجريمة الاغتصاب.

ويشترط لقيام جريمة الاغتصاب ان يتم الايلاج في فرج المراة على قيد الحياة اما اذا وقع نفس الاعتداء على امراة ميتة، فلا تكون امام جريمة الاغتصاب وانما امام جريمة انتهاك حرمة الاموات.

 

ولا عبرة مطلقا بسن المجني عليها في جريمة الاغتصاب، الا انه يشترط لقيام هذه الجريمة ان يكون جسم الانثى صالحا للايلاج، ولذلك ذهب بعض الاطباء الشرعيين الى ان جريمة الاغتصاب لا يمكن ان تقع على طفلة صغيرة السن وذلك لاستحالة الايلاج بسبب ضيق المكان(20)

 

البحث الثاني: عدم رضا المراة

 

لقيام جريمة الاغتصاب لابد من توافر ركن انعدام رضى المجني عليها والا تكون امام جريمة الفساد او الخيانة الزوجية او المشاركة فيها، كما سنرى في دراستنا لهاتين الجريمتين.

فانعدام رضى المجني عليها اذن هو اهم ركن في جريمة الاغتصاب، وهو الذي دفع المشرع الى تشديد عقوبة هذه الجريمة، ورفع حدها الاقصى من سنة كما في الفساد وسنتين كما في الخيانة الزوجية الى عشر او عشرين او ثلاثين سنة كما سنرى بتفصيل، وذلك حماية للمراة من ان تقع ضحية لمواقعة بدون رضاها ويعد رضا المراة منعدما اذا ما حصلت الواقعة باية وسيلة تعدم الرضا او على الاقل تعيبه، وتفقد المراة حق الاختيار سواء كانت الوسيلة المستعملة اكراها ماديا او معنويا او تهديدا او حيلة او تدليسا، فالفصل 486 المشار اليه اعلاه نص على ( المواقعة التي تتم بدون رضا المجني عليها) ولم يحصر ذلك في الاكراه او العنف بل اطلق وعمم ذلك ليشمل كل وسيلة تفقد المراة رضاها.

 

فالشخص الذي يرغم المراة على ان تمكنه من نفسها لمواقعتها سواء كان بالضغط المادي كالضرب الذي يترك اثره على جسم المجني عليها او بالتهديد فقط كمن يهدد امراة بسكين او بمسدس ان لم تمكنه من نفسها الا ان هذا التهديد يجب ان يستمر الى ان يقع الفعل المخطور فمن يكره امراة على الذهاب معه الى مكان ما، وفعلا ذهبت معه، بعد ان رات ان كل مقاومة للجاني تذهب سدى وربما تعرض نفسها للخطر واخذها الى المكان المقصود ثم اغتصبها. ففي هذه الحالة يكون عنصر الاكراه متوفرا ومستمرا، وبالتالي فان رضا المجني عليها ينعدم، لكن المراة التي يكرهها شخص على مرافقته او الركوب معه في سيارة. وتذهب معه تحت الضغط والتهديد ثم يدخلها الى المكان الذي يقصده الجاني، فتجد فيه اسرة الجاني الذي يقدمها لهم على انها خطيبته او زميلته في الدراسة او العمل، فتوافق هي على هذه الصفة وتمكث معه مدة الى حين يخلو الجو للجاني فيغتصبها، ففي هذه الحالة، لا يتوفر عنصر الاكراه، لانه كان في استطاعة المراة ان تستغيث بعد ان دخلت الدار، او ان تطلع اسرة الجاني على الحقيقة، ففي سكوتها هذا وموافقتها على التقديم تكون قد رضيت بالمواقعة وبالتالي فان جريمة الاغتصاب غير متوفرة، وعلى العكس من ذلك اذا ادخل الجاني الضحية الى بيت وهناك وجدت عدة اشخاص ساعدوا الجاني على جريمته او رات ان الجاني قدمها لهم على انها ضحية فوافقوها على عمله، سواء ساعدوه ام لا، وسواء شاركوه في الجريمة ام لا ففي هذه الحالة ينعدم الرضا وبالتالي فان الفعل يكون جناية الاغتصاب.

 

وعلى القاضي سواء كان ممثلا للنيابة العامة او قاضيا حاكما ان يحتاط في تكييف جريمة الاغتصاب ومعاقبتها وان يتبين بوضوح عنصر انعدام الرضا. لان كثيرا من النساء توافق على العملية الجنسية وقد تكون هي الراغبة فيها. الا انه بعد اكتشاف امرها او الخوف من هذا الاغتصاب تدعي ان الفاعل اغتصبها، وان ارادتها كانت منعدمة، والفتاة التي تذهب مع زميل لها في الدراسة الى منزله وهي تعلم مسبقا انه يسكن وحده، ثم تدعي اغتصابها او محاولة ذلك فان هذا الادعاء يجب ان يؤخذ بكثير من الاحتراس والحيطة ما دامت ليست هناك قرائن تؤيد دعواها، الا انه قد يقع ذلك، فكثير من الشبان ينتهزون حسن نية الفتيات ويجرونهن الى مساكنهم او الى اماكن اخرى اما بدعوى المطالعة او المراجعة او تعليم مادة او فن ثم يقومون باغتصابهن وذلك اما تحت الضغط او التهديد او التخدير، كجعل مادة منومة في مشروب مثلا، ففي هذه الحالة نكون امام انعدام الرضا، ولا يكون ذهاب الفتاة مع الفتى في حد ذاته قبولا منها بالمواقعة، ذلك ان الفتاة ارادت الذهاب معه اما للمطالعة او المراجعة او حتى لحضور حفلة راقصة الا انها لم ترد المواقعة.

 

وكما يكون الاكراه ماديا يكون معنويا كذلك الا انه في حالة الاكراه المعنوي يجب ان يكون من الجسامة والخطورة بحيث يفقد الضحية حق الاختيار بالاضافة الى انه يجب ان يكون جديا ويجب ان يكون حالا بحيث لا يترك للضحية اية فرصة للاستغاثة او الاتفلات من التهديد، فمن يهدد امراة بخطف وليدها او بقتله او بقتل شخص عزيز عليها، او بافشاء سر حرصت على كتمانه، او كان فيه ما يهدد حياتها او مستقبلها ففي هذه الحالة يتوفر عنصر انعدام الرضا.

 

وبالتالي تكون امام جريمة اغتصاب، وكالتهديد الحيلة، فالشخص الذي يدخل سرير زوجة نائمة ويوهمها انه زوجها ثم تمكنه من نفسها تحت هذا الظن فانه يكون مرتكبا لجريمة الاغتصاب "21".

وكذلك الطبيب الذي يخدر المريضة ثم يغتصبها فانه يعد مرتكبا لجريمة الاغتصاب لان المريضة فقدت رضاها والمراة المطلقة طلاقا بائنا ولم تعلم بهذا الطلاق وتعمد زوجها اخفاءه عنها ثم واقعها فيعتبر هذا اكراها ادبيا وتكون الحادثة مواقعة انثى بغير رضاها، اللهم الا اذا ثبت للمحكمة انها حتى لو كانت علمت بطلاقها لما امتنعت عن قبول مواقعتها(22).

 

وعلى الجملة فان اهم ركن في جريمة الاغتصاب هو انعدام الرضا، وبانعدام هذا الركن تنعدم جريمة الاغتصاب وتصبح اما جريمة فساد او خيانة زوجية كما سنرى في حينه، ومسالة انعدام الرضا او وجوده مسالة يتبينها قاضي الموضوع في دراسته وقائع القضية وظروفها وملابساتها، ولا رقابة للمجلس الاعلى عليه في ذلك.

 

البحث الثالث: القصد الجنائي

 

جريمة الاغتصاب جريمة عمدية، لا تتوفر الا بالقصد الجنائي، الا ان المراد بالقصد هنا هو القصد الجنائي العام لا الخاص، بمعنى ان الجاني يقوم بالجريمة وهو يعلم انه يرتكب فعلا غير مشروع بعدم رضا المجني عليها، ولا عبرة بالسبب الدافع الى ارتكاب الجريمة، فقد يكون اشباع الغريزة الجنسية وقد يكون مجرد الانتقام من المجني عليها او من دويها وقد يكون مجرد السخرية منها، فمتى توفر الركن المعنوي أي القصد لدى الفاعل الا وتكون امام جريمة اغتصاب، ومتى انتفى القصد الجنائي انتفت معه الجريمة، لذلك لا جريمة في حق الزوج الغائب الذي طلقت عليه زوجته من طرف القاضي بسبب غيبته ويرجع الى بيت الزوجية ويواقع زوجته بدون رضاها ما دام غير عالم بالحكم بالطلاق الواقع في غيبته.

 

وكذلك تنعدم جريمة الاغتصاب في حالة التي يكون فيها شخص نائما في نزل ويترك باب الغرفة بدون اغلاق ثم تدخل امراة غرفته اما تحت تاثير السكر واما لمجرد الخطا وتنام بجواره في السرير ظانة انه زوجها الذي تركته نائما وخرجت لقضاء حاجتها فيشعر بها النائم ويظن انها احدى المومسات فيمارس معها العملية الجنسية، فان جريمة الاغتصاب تنتفي الانعدام القصد الجنائي لدى الفاعل.

 

الفصل الثاني : الاغتصاب المشدد

 

من التدقيق في الفقرة الثانية من الفصل 486 المشار اليه اعلاه يتبين انه شدد عقوبة الاغتصاب ورفعها من عشر الى عشرين سنة، وذلك اذا كان سن المجني عليها يقل عن خمسة عشر عاما، واضاف الفصلان 487 و488 ظروفا اخرى هي :

1-   صفة الجاني

2-   تعدد الجناة

3-   حدوث افتضاض.

 

فقد نص الفصل 487 من القانون الجنائي على انه ( اذا كان الفاعل من اصول الضحية او ممن لهم السلطة عليها او وصيا عليها او خادما بالاجرة عندها او عند احد من الاشخاص السالف ذكرهم، او كان موظفا دينيا او رئيسا دينيا وكذلك كل شخص استعان في اعتدائه بشخص او عدة اشخاص فان العقوبة هي:

السجن من عشر الى عشرين سنة في الحالة المشار اليها في الفقرة الاولى من الفصل 486.

السجن من عشرين الى ثلاثين سنة في الحالة المشار اليها في الفقرة الثانية الفصل 486).

كما في الفصل 488 من القانون الجنائي على انه ( في الحالات المشار اليها في الفصول 484 الى 487، اذا نتج عن الجريمة افتضاض المجني عليها فان العقوبة تكون على التفصيل الاتي:

        ·السجن من عشر الى عشرين سنة في الحالة المشار اليها في الفقرة الاولى من الفصل 486.

        ·السجن من 20 الى ثلاثين سنة في الحالة المشار اليها في الفقرة الثانية من الفصل 486.

الحد الاقصى المقرر للعقوبة في كل فترة من فقراته يكون هو العقاب".

 

من التدقيق في الفصول 486 و488 اعلاه يتبين ان المشرع المغربي شدد عقوبة جريمة الاغتصاب ورفع حدها الاقصى في بعض الحالات الى نهاية السجن المحددة وهي 30 سنة وسنخص بحثا لكل حالة من هذه الحالات وهي:

البحث الاول         سن الضحية

البحث الثاني        حدوث الافتضاض

البحث الثالث        صفة الجاني

البحث الرابع       تعدد الجناة

 

البحث الاول : سن الضحية

 

جعل المشرع المغربي كالمشرع الفرنسي سن المجني عليها ظرف تشدد في جريمة الاغتصاب بعكس المشرع المصري الذي لم يعر أي اهتمام لسن المجني عليها وغاية المشرع المغربي من جعل سن الضحية ظرف تشديد من هذه الجريمة واضحة، وذلك حماية للقاصرات من عبث العابثين، وردعا لهم عن ارتكاب هذه الجريمة الشائنة مع بالصغيرات اللواتي يقل عمرهن عن 15 سنة.

 

وسن المجني عليها في جريمة الاغتصاب يكون ظرف تشديد يرفع العقوبة في حدها الاقصى من عشر الى عشرين سنة سجنا، لابد من بيانه في الحكم والنص عليه، والا كان الحكم معرضا للنقض، وما قلناه في سن المجني عليها في جريمة هتك العرض نقوله في جريمة الاغتصاب، ذلك ان سن المجني عليها هو ما ورد في سجل الحالة المدنية، ولا عبرة بحالتها الصحية، ونموها السريع، ولا بظن الجاني انه كان يعتقد ان سن المجني عليها يفوق 15 سنة، واذا لم يكن والد الضحية يتوفر على الدفتر العائلي وليس للضحية تاريخ مضبوط فانه ليس هناك ما يمنع المحكمة التي تنظر القضية من احالة الضحية على خبرة طبية لتقدير عمرها يوم الحادث اذ العبرة بالسن دائما هو تاريخ الجريمة لا تاريخ الاحالة ولا تاريخ المحاكمة.

 

البحث الثاني : حدوث افتضاض لدى المجني عليها

 

جعل المشرع عكس المشرعين المصري والفرنسي حدوث افتضاض لدى المجني عليها، ظرف تشديد في هذه الجريمة، ذلك لما يوليه المجتمع المغربي من اهمية للبكارة، والتي تعتبر في الغالب عنوان طهارة الفتاة واستقامتها، ورفع العقوبة المقررة لها في حدها الاقصى من عشر سنوات الى عشرين اذا كان سن المجني عليها يفوق 15 سنة ومن عشرين الى ثلاثين سنة سجنا اذا كان سن المجني عليها يقل عن 15 سنة وافتضاض البكارة في هذه الجريمة يقع بتمزيق الغشاء او حدوث ثقب فيه نتيجة الضغط عليه بالعضو التناسلي للرجل، لكن قد يحدث اغتصاب وتتم المواقعة دون ان يمزق غشاء البكارة وذلك اما لارتخاء طبيعي في الغشاء يجعله يتمطط عند الملامسة واما لوجوده في عمق غير عاد واما لضعف في العضو التناسلي للرجل، ففي هذه الحالات تكون امام جريمة اغتصاب متى توفرت اركانها، الا انها جريمة بسيطة بدون تشديد يتعلق بالافتضاض كما ان الافتضاض قد يقع نتيجة اتصال جنسي برضى المراة وفي هذه الحالة الا تكون امام جريمة مستقلة، ذلك ان الافتضاض في حد ذاته لا يكون جريمة مستقلة قائمة بذاتها وانما يكون ظرف تشديد في جريمتي هتك العرض والاغتصاب.

 

البحث الثالث : صفة الجاني

 

جعل المشرع المغربي كالمشرعين المصري والفرنسي صفة الجاني ظرف تشديد في جريمة الاغتصاب وذلك لكون الاشخاص المذكورين اعلاه يتصلون اكثر من غيرهم بالانثى وتتصل بهم هي الاخرى بدون احتياط وبدون تحفظ وفي كثير من الثقة والاطمئنان، لذلك ضرب المشرع بيد من حديد على ود هؤلاء الذين خانوا هذه الثقة، ورفع عقوبتها من عشر الى عشرين سنة في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الاولى من الفصل 486، والى ثلاثين سنة سجنا في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من نفس الفصل، وفي حالة اجتماع الطرفين معا، أي في حالة صفة الجاني وحدوث الافتضاض فان العقوبة المقررة هي العقوبة المقررة في ظرف واحد، أي اذا اجتمع الظرفان لا ينتج عنه ظرف مشدد ثالث، وهؤلاء الاشخاص مذكورون حصرا في الفصل المشار اليه اعلاه وهم:

1)   اصول الضحية ويقصد بهم كل من تناسلت منه الضحية تناسلا حقيقيا كالاب والجد، ومن المعلوم ان التبني لا يعتبر تناسلا حقيقيا، لذلك لا يدخل المتبني الذي اغتصب متبنيته في هذه الزمرة كما لا يخل زوج المرضعة الذي يغتصب بنته بالرضاع في هذه الزمرة.

الا انه يمكن ان يدخل كل واحد منهما في زمرة من لهم السلطة على الضحية اذا كانت هذه الاخيرة تعيش مع أي واحد منهما وتحت نفقته وسلطته.

2)   الذين لهم سلطة على الضحية، لم يوضح المشرع المغربي من هم هؤلاء الاشخاص ؟ وما هي السلطة المقصودة؟ وهل هي السلطة القانونية او الفعلية او الادبية فقط ؟ لذلك يجب ان تؤخذ الكلمة على اطلاقها، ويقول بان المقصود بالسلطة هي كل سلطة تكون للشخص على الضحية تشمل سلطة المراقبة والتوجيه كالاخ الاكبر بالنسبة لاخوته الصغيرات في حالة وفاة الاب، والمربي والمتبني للمتبناة وزوج ام الضحية اذا كان هذه الاخيرة تعيش معه، وكالمعلم الذي يعطي دروسا للضحية سواء كانت هذه الدروس عامة في مدرسة او معهد او كلية او خاصة في مسكن المعلم او المتعلمة، وكذلك مديرو وموظفو ومستخدمو المؤسسات التربوية والاصلاحية ودور الايتام ودور الحضانة ودور اعادة تربية الشباب المنحرف وكل مؤسسة تتولى رعاية الشباب وتكوينه وتثقيفه كالمخيمات الصيفية وجمعيات الاسفار فالمسؤولون عن هذه المؤسسات او المدربون فيها اذا ما اغتصب احدهم امراة بقطع النظر عن السن فانه يدخل ضمن هذه المجموعة وتشدد العقوبة في حقه.

وكذلك مديرو المؤسسات المصالح والاقسام مع العاملات او الموظفات اللواتي يعملن تحت سلطتهم فاذا ما اغتصب احدهم امراة فانه يقع تحت طائلة الفصل المذكور.

3)   الوصي على الضحية: الوصي هو من له حق الاشراف وتسيير شؤون القاصر في غيبة ابيه.

ويعرف الوصي بانه الممثل القانوني الذي يعينه الاب لتسيير شؤون ابنائه ومراقبتهم وادارة اموالهم في حياة الاب عند غيابه او بعد وفاته، ويدخل ضمن الوصي المقدم وهو الشخص الذي يعينه القاضي لتسيير شؤون القاصرين وتدبير اموالهم في حالة وفاة ابيهم.

4)   الخادم بالاجرة: وهو كل شخص تربطه بالمجني عليها او بالاشخاص الذين تقدم ذكرهم علاقة التبعية سواء كانت التبعية مستمرة او مؤقتة فالخادم بهذه الصفة يسهل عليه الاتصال بالضحية ويمكنه ان يدخل دارها او غرفتها في كل وقت وبدون احتراز من الضحية، فالخادم الذي يشتغل في بيت الضحية سواء كان تابعا لها او لاحد اصولها او لمن عليها حق المراقبة والاشراف او الوصي على الضحية او المقدم عليها اذا ما ارتكبت جناية الاغتصاب ضدها فان العقوبة تشدد عليه.

5)   الموظف الديني او الرئيس الديني:

المقصود بالموظف الديني هو الشخص المكلف بارشاد الناس الى امور دينهم وبيان الحلال والحرام لهم كائمة المساجد والمؤذنين والمرشدين الدينيين وشيوخ الطرق والذين تطمئن اليهم نفس الضحية لما لهم من طابع ديني يفترض صدقهم وامانتهم، اما الرؤساء الدينيون فهم رؤساء الاديرة والكنائس ولا يعرف في الاسلام نظام الرؤساء الدينيين، فاذا ما ارتكب احد هؤلاء جريمة اغتصاب فان العقوبة تشدد عليه.

 

البحث الرابع: تعدد الجناة

 

جعل المشرع المغربي عكس المشرع المصري تعدد الجناة ظرف تشديد في جريمة الاغتصاب، وذلك لما يحدثه هذا الجمع في نفس الضحية من الرهبة والخوف ويفقدها كل مقاومة، ويقضي على كل امل لديها في الانفلات من الجريمة كما انه يساعد الجاني ويشد ازره على ارتكاب الجريمة، وقد استعمل الفصل 487 المذكور اعلاه كلمة ( استعان في اعتدائه بشخص او عدة اشخاص) أي سواء كان المساعد واحد او اكثر وسواء كان المساعد مساهما في ارتكاب الجريمة واغتصب هو بدوره المجني عليها او اقتصر دوره على المساعدة، فالشخص الذي يستعين باخر على اغتصاب انثى وذلك اما بمساعدته على نقلها في سيارته الى مكان خال بعيدا عن الاعين، واما بتقديم محل لتنفيذ الجريمة، او بتكميم فيها او امساكها من يديها، او بتهديدها بموسى ريثما ينهي الجاني فعلته، وعلى الجملة كل فعل يسهل على الجاني ارتكاب جريمته، يقع تحت طائلة المذكور وتشدد عليه العقوبة.

واذا كان الجناة كلهم مساهمين وساعد بعضهم بعضا، ولو كانوا اثنين فانهم جميعا يقعون تحت طائلة ظرف التشديد المذكور.

لكن ما حكم المساعد الذي اقتصر دوره على المساعدة وحدها في حين ان الاخر ارتكب جريمة الاغتصاب، فاننا نكون في هذه الحالة امام فاعل اصلي وهو المرتكب لجريمة الاغتصاب بمساعدة شخص اخر، ونكون ا مام المشاركة في نفس الجريمة من طرف الشخص المساعد " كسرا" فهل يطبق التشديد على المساعد كما يطبق على الفاعل.

من الرجوع الى الفصل 130 من القانون الجنائي نجده ينص على ان المشاركة في جناية او جنحة يعاقب العقوبة المقررة لهذه الجناية او الجنحة.

ولا تؤثر الظروف الشخصية التي نتج عنها تشديد او تخفيف او اعفاء من العقوبة الا بالنسبة لمن توفرت فيه . اما الظروف العينية المتعلقة بالجريمة، والتي تغلظ العقوبة او تخفضها فانها تنتج مفعولها بالنسبة لجميع المساهمين او المشاركين في الجريمة ولو كانوا يجهلونها".

 

من التدقيق في الفصل اعلاه، يتبين ان عقوبة المشارك هي عقوبة الفاعل الاصلي، كما انه لا يتضرر من ظروف التشديد الشخصية الخاصة بالفاعل الاصلي كذلك كما ان الظروف العينية أي التي تنصب على الجريمة او موضوعها تطبق على الفاعل الاصلي، والمشارك سلبا وايجابا، وبذلك يكون المساعد ( كسرا) والفاعل الاصلي، يقعان تحت طائلة ظروف التشديد المذكور في الفصل 487 ما دام التعدد موضوعيا وليس شخصيا، ولذلك فان المساعد يعاقب بنفس العقوبة المقررة للفاعل الاصلي، وفي الحالة الاخرى أي في حالة مساعدة شخص للاخر من احد الاشخاص المذكورين في بداية الفصل 487 أي أصول الضحية . وان كان السبب شخصيا أي يتعلق بالشخص نفسه، يوجد سبب التشديد ما دامت الصفة قائمة وينتفي بانتفائها، وهكذا مثلا الشخص الذي يتولى تربية او حراسة الانثى اذا اغتصبها في الوقت الذي كانت سلطته قائمة عليها فان ظرف التشديد يكون قائما، ولكنه اذا لم يغتصبها الا بعد ان فقد هذه الصفة، واصبح لا يتمتع ازءاها باية سلطة، او الخادم الذي لم يبق خادما لا عند الضحية ولا عند الاشخاص المذكورين في الفصل 487، واغتصبها بعد ذلك فان ظرف التشديد ينتفي.

 

اقول في هذه الحالة الشخصية اذا ما ارتكب احد هؤلاء الاشخاص جريمة اغتصاب امراة ممن لهم عليها السلطة، فهل يقع المساعد تحت طائلة ظرف التشديد اولا؟ من المؤكد ان ظرف التشديد في هذه الحالة شخصي وبالتالي لا يطبق على المساعد الذي ليست له هذه الصفة الا انه ليس هناك ما يمنع المحكمة من تطبيق الجملة الاخيرة من الفصل المذكورة وذلك بادخال المساعد في زمرة ( أي شخص استعان في اعتدائه بشخص او عدة اشخاص الخ. لذلك نرى ان تشدد العقوبة على الفاعل الاصلي وعلى المساعد معا.

 

الفصل الثالث : الشروع في جريمة الاغتصاب

 

الاغتصاب جناية، والجناية يعاقب على الشروع فيها بنفس العقوبة المقررة للجريمة التامة ( الفصل 114 من القانون الجنائي، وبذلك تكون عقوبة محاولة الاغتصاب هي نفس عقوبة الجريمة التامة، لذلك سندرس محاولة جريمة الاغتصاب والى أي حد تعتبر الافعال التي قام بها الجاني محاولة او شروعا.

 

من المؤكد ان المحاولة او الشروع في ارتكاب جريمة هي كل الافعال التحضيرية التي لا تدع مجالا للشك في ان الفاعل اراد الجريمة التامة، وانه لم يمنعه من اتمامها الا سبب خارج عن ارادته، وهكذا يعد مرتكبا لمحاولة جريمة الاغتصاب. من دخل بيت امراة نائمة وازال سروالها واضجعها على ظهرها واخرج عضوه التناسلي الا انه اضطر للفرار بعد ان استيقظت المراة وصارت تصيح وتستغيث، فان الفاعل في هذه الحالة يكون شارعا في ارتكاب جناية الاغتصاب ويعاقب بالعقوبة المقررة لها سواء في الاغتصاب البسيط او المشدد.

 

كذلك يعد شارعا في ارتكاب جناية الاغتصاب من اوقع امراة على ظهرها وازال سروالها وجثم فوقها يريد الايلاج الا انه اضطر تحت صياحها ومقاومتها لعدم اتمام الايلاج بسبب فشل عضوه التناسلي، لان هذا الفشل خارج عن ارادته ولا يعد عدوله طوعيا وبالتالي فانه يعاقب بنفس عقوبة الجناية التامة.

 

وعلى العكس من ذلك لا يعد شارعا في ارتكاب جناية الاغتصاب من امسك امراة من يدها وادخلها بالقوة الى غابة او ضيعة منعزلة او بيت، الا انه اضطر لاخلاء سبيلها تحت صياحها ومقاومتها، خوفا من القاء القبض عليه ذلك ان ادخال المراة الى غابة او منزل لا يعد وحده عملا مؤديا بالضرورية الى ارتكاب جناية الاغتصاب ذلك انه من الممكن ان تكون نية الفاعل ارتكاب السرقة، وقد تكون نيته ارتكاب جناية هتك العرض، او ارتكاب العنف ضد الضحية او مجرد احتجاز المراة، ولذلك ما دام لم يفصح عن نيته في انه اراد اغتصاب الضحية، فلا سبيل الى اعتبار عمله هذا محاولة اغتصاب، لان العمل الذي قام به وهو امساك الضحية وحجزها لا يعد عملا مؤديا حتما الى ارتكاب محاولة اغتصاب، لان العمل الذي قام به وهو امساك الضحية وحجزها لا يعد عملا مؤديا حتما الى ارتكاب جناية الاغتصاب.

 

وعلى الجملة فان جميع الاعمال التي يقوم بها الجاني، اذا لم يتبين انها تحضيرية لجناية الاغتصاب، يمكن ان تعد شروعا في ارتكاب جناية هتك العرض ما دام الفاعل عبر عن رغبته هذه بالافعال التي قام بها.

لكن هل يعد الشخص العنين الذي يقوم باضجاع امراة تحت التهديد على ظهرها ويزيل سروالها ثم يضع عضوه التناسلي على فرجها، وهو يعلم مسبقا انه لا يمكنه الايلاج، هل يعد مرتكبا لجريمة الاغتصاب؟ او مجرد شارع فيها. الواقع ان عدم اتمامه الجناية لم يكن طوعيا، الا انه لم يكن من الممكن اتمامها لاستحالة الايلاج، لذلك نكون في هذه الحالة امام جريمة مستحيلة كمن يريد اطلاق النار على شخص من مسدس وهو يعلم مسبقا انه فاسد ؟ والواقع اننا لا نكون امام جناية تامة، ولا امام الشروع فيها، ذلك ان الجناية التامة تكون بالايلاج، وان الشروع فيها يكون بان الجاني يقصد اتمامها الا انه لسبب خارج عن ارادته لا يتممها في تلك الظروف بالذات وفي حالتنا هذه فان الفاعل كان يعلم مسبقا انه لا يمكنه الايلاج.

لذلك فاننا نكون امام جناية هتك العرض بالعنف.

للبحث بقية

 

بعض المراجع:

18- مجلة المحاكم المغربية العدد 15 ص8.

19- نفس المرجع ص 9

20- الجرائم الجنسية ص 160

21- الجرائم المخلة بالاداب ص 248

22- مجلة النقض المصرية، قضية جنائية جلسة 19/3/1959 هامش الجرائم المخلة بالاداب ص 339.

 

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 17/16، ص 23.

 


تعليقات