القائمة الرئيسية

الصفحات



دور القضاء في إطار مشروع العدالة الإصلاحية للأحداث

 


  

دور القضاء في إطار مشروع العدالة الإصلاحية للأحداث

 

 القاضي الدكتور محمد الطراونة

* قاضي محكمة استئناف عمان

* ضابط ارتباط المجلس القضائي في مشروع العدالة الإصلاحية للأحداث .        

تمهيد :

 

     كان القاضي الأردني وما يزال وسيبقى ، أحد سلطات الدولة الدستورية الذي يتجاوب مع كل ما هو جديد ومستحدث ومتطور ، إيماناً بالرسالة الملقاة على عاتقه ، المتمثلة بضرورة إيصال كل ذي حق حقه، وتطبيق معايير المحاكمة العادلة من حيث النص والتطبيق ، ليثبت كل يوم انه ليس بمعزل عن قضايا مجتمعه ، ولعل هذا تنفيذاً للخطوط العامة للاستراتيجية الوطنية للقضاء ، وجهود اللجنة الملكية لتطوير القضاء ، ومواكبة حركة التطور والإصلاح التي يشهدها العالم بأسره في ظل ثورة المعلوماتية والاتصالات والتكنولوجية ، وإيماناً من القائمين على إدارة الجهاز القضائي بضرورة الانفتاح على كل ما هو جديد ومتطور .

وهذا ما تجسد فعلاً على ارض الواقع ، بهدف مسايرة القضاء الأردني مراحل تطور العصرنة والحداثة ، من خلال الأنشطة والبرامج والتقنيات الحديثة والتي نذكر فيها على سبيل المثال :

1-    الأنشطة التدريبية والتأهيلية في مجال حقوق الإنسان .

2-    الدورات التدريبية في مجال القانون الدولي الإنساني .

3-    الأنشطة الخاصة بمجال القضاء الجنائي الدولي .

4-    البرامج المتعلقة بالملكية الفكرية .

5-    حوسبة أعمال المحاكم .

6-    إدخال التقنيات الحديثة في المحاكم .

7-    التعامل مع قضايا الأسرة وفق منهجية جديدة .

 

     وبناءً على ذلك  كان الاستجابة السريعة والفعالة من خلال القائمين على إدارة السلطة القضائية بالمشاركة الفعالة بمشروع العدالة الإصلاحية للأحداث ، وبتاريخ 19/5/2005 ، قام رئيس المجلس القضائي / رئيس محكمة التميز بالتوقيع على مذكرة التفاهم الخاصة بمشروع العدالة الإصلاحية الذي ينفذ حالياً بالتعاون ما بين المجلس القضائي الأردني والمركز الوطني لحقوق الإنسان ووزارة التنمية الاجتماعية ومديرية الأمن العام / إدارة حماية الأسرة ، الأمر الذي يدفعنا إلى تناول دور القضاء في مجال العدالة الإصلاحية للأحداث من خلال المحاور التالية :

 

المحور الأول :

 

     الجهود السابقة في مجال تعامل القضاء مع الأحداث :   بدأ اهتمام القضاء الأردني مبكراً في مجال التعامل مع الأحداث ، ومنذ صدور أول قانون خاص بالأحداث عام 1951 ، حيث صدر القانون رقم (83) لعام 1951 ، والذي عدل بموجب القانون رقم (16) لعام 1954 ، إلى أن صدر القانون المعمول به حالياً رقم (24) لسنة 1968 . حيث تطرقت تلك التشريعات إلى محاكم الأحداث من حيث (( .. اعتبارها المحكمة التي تنظر في التهم المسندة للحدث (محكمة أحداث) وعدم اعتبارها كذلك إذا كان الحدث متهماً مع غير حدث على أن تراعى بحقه الأصول المتبعة لدى محاكم الأحداث ..)) .

كما تمارس محاكم الصلح اختصاصها في المخالفات والجنح وتدابير الحماية أو الرعاية المتعلقة بالأحداث بصفتها ( محاكم أحداث ) وهذه الصلاحية التي أعطيت للمحاكم البدائية في الجرائم الجنائية المسندة للأحداث.

أي أن المشرع الأردني ترك تشكيل محاكم الأحداث إلى القواعد العامة الواردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني  رقم (9) لعام 1961  وحسب نوع الجرم المرتكب من قبل الحدث وحسب نوع العقوبة المنصوص عليها .

 

إلا أن التعامل مع الأحداث في الماضي كان يندرج في إطار العدالة الجنائية التقليدية التي تتركز على ملاحقة الحدث الجانح ، وحيث كانت ملامح السياسة الجنائية تتمثل فيما يلي :

1-    سرية المحاكمة المادة ( 10) من قانون الأحداث .

2-    الفصل بقضايا الأحداث بصفة مستعجلة المادة (5) .

3-    حضور ولي أمر الحدث جلسات التحقيق والمحاكمة المادة (13) .

4-    عدم تقييد الحدث المادة (3) .

5-    الحصول على تقرير مراقب السلوك المادة (11) .

6-    عدم اعتبار إدانة الحدث من الأسبقيات وحظر نشر صورته أو الحكم الصادر بحقه .

7-    عدم اللجوء للتوقيف أو الاحتجاز إلا في إطار ضيق  .

8-    حصر سلطة التوقيف بالقضاء .

أي أن المحاكم كانت تطبق النصوص الواردة في التشريعات الجزائية العامة وقوانين الأحداث .

 

     وعلى صعيد الجهود السابقة فقد كانت البداية الحقيقية من خلال عقد عدة ندوات في إطار المعهد القضائي الأردني للسادة القضاة والمدعين العام ، ومن هذه الندوات (( .. الندوة الوطنية الخاصة بتنفيذ الأحكام الجزائية وفق السياسة العقابية الحديثة ..)) التي عقدت خلال الفترة من 8 – 10 /12/1998 ، طرحت خلالها بعض الأفكار الخاصة بالإصلاح في مجال العدالة الجنائية ، ومن ضمن تلك الأفكار إيجاد منظومة لبدائل العقوبة السالبة للحرية بالإضافة إلى التوصية بالتركيز على تلك السياسة في مجال قضاء الأحداث كمرحلة أوليه ، ثم توالت الجهود بعد ذلك حيث تم تشكيل لجنة وطنية من الجهات ذات العلاقة بالأحداث وبمشاركة قضائية واسعة وكان من ضمن الأمور التي أوصت بها اللجنة الأخذ بأساليب العدالة الإصلاحية ، كما عقد ندوة أخرى حول مراقبي السلوك ، حيث تم خلالها بحث الأمور التي تشكل تقاطع في الأدوار ما بين القضاء والجهات الأخرى التي تتعامل مع الأحداث .

لنخلص ، بان الجهود السابقة كانت تولي الحدث العناية اللازمة من حيث النص والتطبيق ، لكن المفهوم الإصلاحي لم يكن على قائمة الأولويات ، وهذا ما سنحاول التطرق إليه في المحور التالي والخاص بالجهود الحالية التي ينفذها القضاء في إطار مشروع العدالة الإصلاحية للأحداث بالتنسيق والتشبيك مع الشركاء الآخرين .

 

 المحور الثاني :   

 

      الجهود الحالية التي ينفذها القضاء في إطار مشروع العدالة الإصلاحية للأحداث :  إن المشاركة القضائية الفعالة في مشروع العدالة الإصلاحية للأحداث ، تأتي انسجاماً مع النظرة الجديدة الحازمة إلى التعامل مع قضايا الأحداث بما يتفق مع فلسفة العقاب الحديثة التي تقوم على ما يلي :

1-    ملاحقة الحدث الجانح ومحاولة إصلاحه وتأهيله وإعادة دمجه في المجتمع مجدداً .

2-    تعويض الضحية مادياً أو معنوياً وتوفير بعض الجوانب الإرشادية له مثل الدعم النفسي .

3-    تعويض المجتمع عن الضرر الذي لحق به من خلال العمل النافع للمجتمع كتدبير بديل للعقوبة السالبة للحرية .

 

     وعلية وبعد توقيع مذكرة التفاهم المشار إليها سابقاً كان تجاوب القضاء سريعاً وفعالاً بحيث يمكن إيجاز دورة في إطار مشروع العدالة الإصلاحية للأحداث بما يلي :

 

1-    المشاركة في عضوية اللجنة التوجيهية المشرفة على المشروع .

2-  المشاركة في عضوية اللجنة التنفيذية المشرفة على تنفيذ البرامج والأنشطة المنبثقة عن مشروع العدالة الإصلاحية .

3-    تسمية ضابط ارتباط المجلس القضائي لدى مشروع العدالة الإصلاحية للأحداث .

4-    تسمية الفريق المركزي من القضاة المشرف على التدريب .

5-  ترشيح عدد من القضاة للمشاركة في الدورات التدريبية التي نفذت في إطار مشروع العدالة الإصلاحية للأحداث سواء في إطار التدريب المتخصص بالقضاة أو في إطار التدريب المشترك مع الشركاء الآخرين ، بعد تقسيم المملكة إلى قطاعات ( شمال ، وسط ، جنوب ) حيث يبلغ عدد القضاة والمدعين العامين الذين شاركوا في الدورات التدريبية التي نفذها المشروع اكثر من (200) قاضي ومدعي عام .

6-  تعزيز القدرة المؤسسية للجهاز القضائي في مجال العدالة الإصلاحية من خلال خلق فريق تدريب مركزي  (TOT) في كافة محاكم المملكة .

7-  خلق قنوات التنسيق والتشبيك مع الجهات ذات العلاقة من (شرطة ، مراقبي السلوك ، منظمات المجتمع المدني ) في مجال العدالة الإصلاحية للأحداث .

8-  المشاركة القضائية في المراجعة الشاملة للتشريعات الوطنية الخاصة بالأحداث الهادفة إلى إدخال بعض المفاهيم الإصلاحية والتي تنسجم مع مبادئ ومرتكزات العدالة الإصلاحية .

9-  إيفاد عدد من السادة القضاة في زيارات ميدانية للاطلاع على تجارب الآخرين في مجال العدالة الإصلاحية (محلياً وعربياً ودولياً ) .

10- تبادل الخبرات والتجارب مع الآخرين في مجال العدالة الإصلاحية للأحداث ، حيث تم استقدام

     قضاة من الخارج ونفذوا بعض البرامج التدريبية مع قضاة أردنيين في المعهد القضائي الأردني

     حول مبادئ و أسس العدالة الإصلاحية .                            

11- تدريب القضاة على استخدام التقنيات الحديثة مثل (CCTV) عند اخذ إفادات الأطفال في نزاع مع

     القانون  بما يضمن السرية والخصوصية عند التعامل معهم .

12- البدء في إنشاء قاعدة بيانات في محاكم الأحداث توضح أعداد القضايا وطريقة تسجيلها

     والإجراءات الواجب اتباعها .          

13- افتتاح مكاتب لدفاع الاجتماعي في بعض المحاكم بهدف التخفيف على الأحداث عند مراجعتهم

     للمحاكم .

14- المشاركة في ورشة العمل الخاصة بتقييم  دليل العدالة الإصلاحية .

        

      وما تم استعراضه في هذا المحور بمثابة جرده حساب سريعة لدور القضاء في إطار مشروع العدالة الإصلاحية للأحداث ، وربما لا يتسع المقام لذكر كل ما تم إنجازه ، علماً بان ما تم إنجازه  لغاية الآن اكثر من توقعاتنا وتوقعات الشركاء الآخرين محلياً والداعمين للمشروع والمنظمة الدولي للإصلاح الجنائي (PRI) واليونيسف (UNICEF) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDOC) الذين كان لدعمهم الأثر الفعال في تنفيذ الأنشطة والبرامج ، ولعل هذه الجهود تطرح تساؤلاً مفاده ، لماذا التركيز على الأطفال في نزاع مع القانون ؟ الإجابة على ذلك لا نطرحها نظرياً ، بل عملياً من خلال تنفيذ البرامج والأنشطة في مجال العدالة الإصلاحية  للأحداث ، لان الأطفال بشكل عام هم مستقبل أي مجتمع يرنو إلى المستقبل بخطى ثابتة ، ولان الأطفال من هم في نزاع مع القانون بحاجة إلى الحماية والرعاية وإعطاء مصالحهم الرعاية الفضلى، كونهم وحسب فئاتهم العمريه وظروفهم الاجتماعية والأسرية بحاجة إلى تضافر الجهود  في التعامل معهم وفق فلسفة حديثة وجديدة تركز على العدالة الإصلاحية بدلاً من العدالة التقليدية ، سيما وان العدالة الإصلاحية حققت نجاحاً ملموساً في البلدان الأخرى .

     ومع ذلك نجد أن ذلك ليس أقصى الطموح ، فالتحديات أمامنا كبيرة وما زال لدينا الكثير الذي نستطيع تقديمه وهذا ما سنحاول إيضاحه في المحور الثالث والأخير من محاور هذه الدراسة والمتعلق بالتوجهات المستقبلية لدى القضاء في مجال العدالة الإصلاحية للأحداث .

 

المحور الثالث :

 

     الطموحات المستقبلية للقضاء في إطار مشروع العدالة الإصلاحية للأحداث : إن الاهتمام بالأحداث من قبل القضاء ، يندرج في هذه المرحلة ضمن أطر استراتيجية طويلة الأمد ، تنسجم مع محاور الاستراتيجية الوطنية للقضاء ، الأمر الذي نجد معه أن ما ينتظرنا ونأمل في تحقيقه أكثر مما أنجزناه ، لنجد أن تلك الطموحات تتمثل بما يلي :

1-  العمل على تطوير المنهج المتخصص للمادة التدريبية حول الأحداث ، ضمن برامج المعهد القضائي الأردني للدارسين في المعهد أو ضمن برامج التعليم المستمر للقضاة والمدعين العامين العاملين ، علماً بان المنهاج المقترح تتفق محاورة الأساسية مع مبادئ العدالة الاصلاحية .

2-  إعداد أدلة تدريبية في مجال عدالة الأحداث للقضاة والمدعين العامين ، كفئات مستهدفة ، أثناء إعداد البرامج التدريبية المتخصصة أو المشتركة مع الجهات ذات العلاقة بالأحداث .

3-  تعزيز القدرة المؤسسية لمحاكم الأحداث ، بما يضمن التعامل مع قضايا الأحداث وفق قواعد وأسس العدالة الإصلاحية .

4-  تركيب وحدات الربط التلفزيوني (CCTV) عند أخذ إفادات الأطفال في نزاع مع القانون ، وتدريب القضاة على استخدام تلك التقنيات .

5-    استكمال العمل بإنشاء قاعدة بيانات لمحاكم الأحداث .

6-    تطوير الأدلة الإجرائية للتعامل مع قضايا الأحداث .

7-    استكمال المرحلة الثالثة من تدريب القضاة والمدعين العامين في مجال العدالة الإصلاحية للأحداث .

8-  التشبيك والتنسيق مع الجهات الأخرى ذات العلاقة بالأحداث مما يعزز مفهوم الشراكه معها وذلك لتقاطع الأدوار فيما بينها وبين القضاء في ما يتعلق بالأحداث .

9-  تنفيذ بعض البرامج الخاصة بالأحداث مع الجهات الداعمة مثل المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي (PRI) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي / مكتب المخدرات ومنع الجريمة (UNDOC) واليونيسف (UNICEF) ، تلك الجهات التي كان لدعمها دور حيوي وهام في تنفيذ العديد من البرامج والأنشطة الخاصة بالأحداث .

10-    وختاماً لا يفوتني التنويه بالتعاون البناء والمثمر ما بين المجلس القضائي والمركز الوطني لحقوق الإنسان ، هذا التعاون الذي يعطي في بعض محاورة الفئات الأكثر تعرضاً للانتهاك –الأحداث –أولوية في التعامل ، وكذلك بعض الجهات الوطنية التي ننفذ في القضاء بعض البرامج والأنشطة معها مثل المجلس الوطني لشؤون الأسرة ووزارة التنمية الاجتماعية ومؤسسة نهر الأردن وإدارة حماية الأسرة .

 

      لنقول في النهاية : إن مشروع العدالة الإصلاحية للأحداث يكرس مفهوم العمل وفق النهج فتشاركي ، هذا النهج الذي اصبح من سمات المجتمعات المتقدمة وهذا ما أدركه القضاء الأردني مبكراً ، وما زال وسيبقى وفقاً لأسسه وقواعده ، لان العدل أساس الملك .

 

 

القاضي الدكتور محمد الطراونة

* قاضي محكمة استئناف عمان

* ضابط ارتباط المجلس القضائي في مشروع العدالة الإصلاحية للأحداث .        

 


تعليقات