القائمة الرئيسية

الصفحات



الحماية القضائية لحقوق المساهمين في شركات المساهمة

 


 

الحماية القضائية لحقوق المساهمين في شركات المساهمة

 

قراءة أولية  في المهام المسندة للقضاء

في قانون شركات المساهمة الجديد

 

ذ.المهدي شبو

قاضي بالمحكمة الابتدائية بأكادير

باحث جامعي بكلية الحقوق مراكش

 

مقدمـة:

قد يبدو سابقا لأوانه الحديث عن دور القضاء في  قانون شركات  المساهمة  الجديد، لأن  الإحاطة  بمختلف  جوانب الموضوع،  تقتضي مبدئيا رصد ومتابعة العمل القضائي فيه مدة  من الزمن تكفي لإفراز  وبلورة تصور حول حقيقة التدخل القضائي  في مسيرة شركة المساهمة.

 

إلا أن تكريس القانون الجديد (1) للقضاء كأحد الفاعلين الرئيسيين في حياة الشركة (2) وإعطائه صلاحيات  واسعة مقارنة مع التشريع السابق، تفرض استباق التطبيق القضائي  للقانون  الجديد  في  محاولة  لاستكناه  معالم  الحماية القضائية لحقوق المساهمين.

 

لقد تطور مفهوم الشركة من الشركة ـ العقد ذات الطابع  العائلي  المفعم  بالاعتبار الشخصي، إلى الشركة المجسدة للطابع التشاركي في أعلى مستوياته، والتي تمثل شركة المساهمة أرقى نماذجها،  إذ  بإمكانها  امتصاص  المشاريع الاقتصادية المتوسطة والكبيرة، بشكل يجعلها تستوعب أعدادا هائلة من الشركاء قد يجهل بعضهم بعضا. إن الاعتبار الشخصي L'intuitu personnel  سينهار مع  شركة  المساهمة  أمام  الاعتبار  المالي،  إلا أن  حقوق  المساهمين يضمنها  وجود أجهزة تسيير  وإدارة ومراقبة مستقلة  عن  بعضها،  ومؤسسة على شكل هرمي  يجعل هذه الشركة تقترب في تنظيمها من الدولة الديموقراطية، وهو ما جعل الفقيه  ريبير يتحدث عن الزواج  السعيد  بين  الرأسمالية والديموقراطية في شركة المساهمة ـ الأداة الرائعة للرأسمالية المعاصرة (3).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قانون رقم 95-17 متعلق بشركات  المساهمة الصادر الأمر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 124-96-1 الصادر في  10 غشت 1996 الجريدة الرسمية عدد 4422 بتاريخ 17 أكتوبر 1996 ص  2321.

(2) لا نقصد بالفاعلين، المنشطين لحياة الشركة فحسب، بل جميع المتدخلين في سيرها لضمان حسن الاستغلال واستمرارية  النشاط.

(3)Ripert : Les aspects juridiques du capitalisme moderne. G : 109

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

إن أصول اللعبة الديموقراطية تفرز في الشركة كما في  الدولة أغلبية حاكمة يجب تمكينها من الوسائل الكفيلة بممارسة مهامها، وأقلية خاضعة يتعين المحافظة على حقوقها.

والقضاء باعتباره  حامي الحقوق  والحريات، يجب أن يضمن للمساهم في الشركة، كما يضمن للمواطن داخل الدولة ممارسة كافة حقوقه كما تفرض المواطنة. لذلك نجد كثيرا من  تشريعات  الشركات  التجارية  الحديثة  قد  اعترفت للقضاء بدور فعال وخلاق في حياة الشركة. والمشرع المغربي بقانون شركات المساهمة الجديد، يلتحق  بركب  هذه التشريعات، فهو يعطي للقضاء صلاحيات واسعة، سنحاول القيام  بقراءة  أولية  لها  عبر  هذه  الدراسة، في انتظار دخول القانون حيز التنفيذ لملاحظة التطبيق  القضائي له، الذي سيمكن وحده من تقييم المقتضيات التشريعية.

 

ولإعطاء القراءة الأولية عمقها النظري، سنحاول بداية تأصيل مشروعية التدخل القضائي في حياة الشركة على ضوء الأنظمة المقارنة (المبحث الأول)، قبل أن نتفرغ لدراسة مظاهر الحماية  القضائية لحقوق المساهمين من خلال بعض المهام المسندة للمؤسسات القضائية في قانون شركات المساهمة الجديد (المبحث الثاني).

 

المبحث الأول :  تأصيل مشروعية التدخل القضائي
في حياة الشركة على ضوء  الأنظمة المقارنة

 

من المسلم به أن الشركة يمكن أن تتعرض  قيد حياتها  لأزمات مؤسساتية قد تعصف بوجودها، فشطط المسيرين واستئثارهم  بالقرار والانشقاق الحاصل  في صفوف  الشركاء وانقسامهم إلى معسكرات أغلبية وأقلية، كثيرا ما تفضي  إلى خلافات خطيرة بين الشركاء قد تضع حدا للشركة عن طريق الحل. إلا أن طبيعة الأمور تقتضي استمرار الاشتراك لضمان استمرارية الاستغلال، مما يدفع الفاعلين الرئيسيين في الشركة إلى طلب تدخل القضاء لتصفية الأجواء، وإعادة  الأمور إلى نصابها داخل  الشركة.

 

من هذا المنطلق ساهم القضاء بدور فعال في بلورة وتطوير كثير من مفاهيم نظرية الشركات التجارية وشركات المساهمة على وجه الخصوص، فلقد أبرز نية المشاركة L'affection societatifs  عنصرا نفسيا مجسدا للرغبة في الاشتراك، وركنا أساسيا لعقد الشركة، وجعل معيار المصلحة المشتركة مناطا للسلوك الاجتماعي  داخل الشركة، وأفرز حماية لحقوق الشركاء نظريات من قبيل تعسف الأغلبية وتعسف  الأقلية والمدير المؤقت.

 

على أن دور القضاء في حياة الشركة قد تجاوز حدود الفصل في المنازعات بين الشركاء ليساهم في تحقيق الوظيفة الاقتصادية للشركة داخل الدولة مكرسا بذلك طابعها النظامي. فمن دور محدود أفرزته نظرية الشركة ـ العقد، أصبح القضاء مع فكرة الشركة ـ النظام مدعوا لأن يلعب دوره التوازني كاملا. فكيف أفضى التطور في الأنظمة القانونية إلى تكريس الدور الحالي للقضاء (المطلب الأول) وما هي حقيقة دوره في  نطاق ظهير 11 غشت 1922 كتجسيد لنظرية الشركة ـ العقد؟ (المطلب الثاني).

 

المطلب الأول:  تطور التكريس التشريعي لتدخل القضاء في حياة الشركة.

 

قبل أن يستقر على وضعيته الحالية مستكملا معالمه التي رسمتها التشريعات المقارنة، نما الدور  التدخلي للقضاء في حياة الشركة، وتطور بتطور النظرة إلى الشركة ذاتها وإلى وظائفها الاقتصادية.

فمن المعلوم أن النقاش حول تحديد مفهوم الشركة، قد أفرز نظريتين سنعرض لهما ولتصورهما لطبيعة التدخل القضائي في مسيرة الشركة:

 

أولا: النظرية التقليدية.

وهي فرنسية  المنشأ وتقول بالشركة العقد La société -contrat، وقد ظهرت في المحيط الليبرالي للقرن 19، وتجسدت في قانون 24 يوليوز 1867 الفرنسي، وترى في الشركة عقدا كبقية العقود ينشأ بحرية بين الشركاء، وتنطبق عليه الأركان العامة،  إضافة إلى استقلاله بأركان خاصة تجعله يخلق شخصا معنويا مستقلا عن الأشخاص المكونين له.  وهي بذلك تجسد في الشركة مبدأ سلطان الإرادة والعقد شريعة المتعاقدين اللذين  سادا في محيط الحرية الاقتصادية للقرن 19، وأثرا على التنظيم البنيوي للشركة المشكل على النموذج الديموقراطي.

 

إن حياة الشركة ستسير وفق قانون العقد  الذي يعتبر شريعة للمتعاقدين وهم الشركاء مما يبرز تلك السلطة التقليدية المحدودة للقاضي  إزاء العقد، ويجعله  ممنوعا  من التدخل في حياة المقاولة لذلك لم يكن بإمكان  القاضي الفرنسي التدخل في مسيرة الشركة، إلا إذا كان النظام العام مهددا بفعل غش مفضوح أو إفلاس  ظاهر، وكان من  المستهجن تدخل المحاكم في مجال يعتبر بالأساس تعاقديا وتأثيرها في تسيير ذمة مالية  خاصة تبقى في  نهاية المطاف للشركاء(4).

إن فلسفة النظام الفرنسي القائمة على عدم تدخل المحاكم في حياة المقاولات La non-ingérence des tribunaux dans la vie des entreprises ستقود بالمقابل إلى تضخم مفرط في القانون الجنائي للأعمال (5) ليبقى دور القضاء ردعيا وبعديا وليس وقائيا.

 

على أن التطور أخذ يسير بثبات نحو جعل القاضي الضامن الضروري للتوازنات داخل الشركة(6)، بل وأخذ القضاء الفرنسي ذاته يرسم حدود دوره مستهديا بمعيار المصلحة المشتركة(7).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4)Mestre : « Réflexions sur les pouvoirs du juge dans la vie des sociétés », Rev. Juris, P, 1985. P 81

(5)Ducouloux-Favard : Le juge et l'Entreprise, les petites Affiches, décembre 1988. C. P 10.

(6)81 Mestre : op. cit P : J.

(7)للوقوف عل مفهوم المصلحة المشتركة انظر: عز الدين بنستي: الشركات في التشريع  المغربي والمقارن الجزء الأول في النظرية العامة للشركات بمطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 1996 ص 197 وما بعدها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثانيا: النظرية الحديثة.

بموازاة النظرية الفرنسية التقليدية، نشأت النظرية  الحديثة نظرية الشركة ـ النظام La société -instition بألمانيا في محيط تاريخي ساد فيه  الفكر الوطني الاشتراكي فقد لاحظ أب هذه النظرية Otto Gierke، أن  الإشهار اللاحق لإبرام عقد الشركة على  عهده يكون مصاحبا برقابة بعدية معهودة للسلطة  القضائية، ومنها استنتج أن الخواص غير قادرين بمفردهم على خلق شخص جديد من أشخاص القانون. وتدخل السلطات العامة هذا وإن كان ضروريا، فإنه لا يخلق الشخص المعنوي الجديد وإنما  يعترف رسميا بوجوده.

 

وركز الفقهاء الألمان بعد Gierke على الطابع المنظم لشركات الأموال معتمدين على النظرية العامة في القانون الألماني، التي تميز  بين  فترتين في إنشاء التصرف القانوني، ولاحظوا الطابع التعاقدي للمرحلة الأولى (إعداد الأنظمة الأساسية من طرف المؤسسين...)أو الطابع النظام للمرحلة الثانية المتسمة بتدخل السلطة القضائية، فأثناء الفترة الأولى  ليست  الشركة إلا أساسا للشخص القانوني الذي لن يتمتع بكامل أهليته القانونية إلا في  الفترة  الثانية مع المصادقة القضائية، وهي الشكلية التي ترفع الشركة إلى مصاف النظام، وتقلد في ذات الوقت المسيرين وظائفهم القانونية الكفيلة بتحقيق المصلحة المشتركة (8). وفقا  لهذه النظرية تعد الشركة إذن شخصا معنويا يختلف عن أشخاص الشركاء المكونين له ويستقل المشرع بوضع إطاره القانوني أو التنظيمي، الذي يهدف إلى تحقيق المشاريع الضخمة التي تتصل بكيان الدولة  الاقتصادي، لذلك نجده يتدخل في تكوينه وتسييره وإدارته  ويضع العقوبات  الجزائية للمحافظة على سلامته، وهو ما يقلص من هامش سلطان  الإرادة، ويجعل الشركة نظاما يقترب  من أنظمة القانون العام. تبعا لذلك سترسم نظرية الشركة ـ النظام للقضاء دورا جديدا  وفعالا في حياة الشركة. فإذا كان تنظيم الشركة يجد أساسه في ظل نظرية الشركة ـ العقد في العقد  ذاته الملزم للقاضي احتراما  لمبدأ  العقد شريعة المتعاقدين، فإن أساس التنظيم مع الشركة ـ النظام هو القانون، مما يعطي للقضاء سلطة التدخل لمراقبة مدى مطابقة قواعد التأسيس والسير والإدارة للقواعد القانونية الجاري بها العمل.

 

إن مظاهر تأثير  نظرية الشركة ـ النظام على تشريعات شركات المساهمة  الحديثة، تبدأ من قواعد التأسيس، حيث لم تعد ثمة حاجة لجمعية تأسيسية بعد أن أصبحت مراقبة التأسيس مناطة بالقضاء. والشخصية المعنوية للشركة لن تنشأ بمجرد العقد بل بالتقييد المأذون به قضاء.  كما أن التدخلات أثناء سير الشركة  أصبحت واسعة، وأضحى القضاء

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8)Ducouloux-Favard : la société anonyme en droit François, Allemand et Italien. Vuibert Paris 1992 P 7 C.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مطالبا بحماية حقوق الأقلية وضمان المصلحة المشتركة وأعلام المساهمين وتطبيق عقوبات القانون الجنائي للأعمال، وهي مظاهر تكرس الحماية القضائية لحقوق المساهمين، وتفرض محاولة  استجلاء بعض منها في قانون شركات المساهمة المغربي الجديد،  الذي يعتبر أحد القوانين الحديثة التي اغترفت من معين نظرية الشركة ـ النظام مع حفاظها على كثير من مفاهيم نظرية الشركة ـ العقد.

 

إلا أنه ولفهم التطور الحاصل في قانون شركات المساهمة المغربي في الموضوع، وانتقاله بين مفاهيم النظريتين  السابقتين يتعين بداية  القيام بقراءة تقييمية لدور القضاء في قانون 11 غشت 1922 كتجسيد لنظرية الشركة ـ العقد وللوقوف على الفروق بين القانونين القديم والجديد.

 

المطلب الثاني: قراءة تقييمية لدور القضاء في قانون 11 غشت 1922.

رغم كونه أول تنظيم تشريعي متكامل لشركات المساهمة بالمغرب، لم يأت ظهير 11 غشت 1922(9) بقواعد متميزة ومجانسة للواقع الاقتصادي والاجتماعي المغربي، واكتفى بالإحالة على قانون 24 يوليوز 1867 الفرنسي ليكون الإطار القانوني لشركات المساهمة بالمغرب، خدمة لمصالح المعمرين الفرنسيين والأجانب الذين بدأت أنشطتهم  الاقتصادية تتسع ابتداء من العشرينات من هذا القرن بشكل فرض التفكير في الأشكال القانونية القادرة عل استيعاب التوسع الملحوظ، وفي مقدمتها شركات الأسهم.

 

والحقيقة أن الإحالة التشريعية لم تقف عند جعل مقتضيات قانونية فرنسية قابلة للتطبيق بالمغرب بل نقلت  إلى قانون شركات المساهمة المغربي فلسفة تشريعية قائمة الذات ومرتكزة  حول نظرية الشركة ـ العقد بمختلف مظاهرها،  وعلى رأسها تحجيم دور القضاء في سير الشركة لذلك اقتصر قانون 1867 في معرض تنصيصه على الدور الرقابي الذي يلعبه الجهاز القضائي على شركات المساهمة على المعطيات القانونية التالية:

أبرز دور كتابة الضبط كجهاز لإيداع الوثائق الخاصة بالشركة وكوسيلة لنشرها للعموم، وذلك في  الفصول 55 و58 من قانون 1867.

حاول أن يبرز دور القضاء من خلال رئيس المحكمة التجارية كجهاز يحل محل الأجهزة القانونية للشركة (10)، وذلك في حالتين:

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9) ظهير 11 غشت 1922 (17 ذي الحجة 1340) المتعلق  بالشركات ذات رأس المال.

(10) طارق مصدق: محاولة  في تحديد الجوانب القانونية العامة لأجهزة الرقابة داخل شركات المساهمة في  القانون المغربي دراسة على ضوء المشروع الجديد لشركات المساهمة. دراسة غير منشورة ص: 51.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

1ـ إذا لم تتكون الشركة في ظرف أجل ستة أشهر تبتدئ يوم إيداع مشروع القوانين الأساسية عند الموثقين أو في كتابة الضبط للمحكمة يمكن لكل مكتتب لم يرجع له  المؤسس ما دفعه  أن يطلب من رئيس المحكمة أن يعين باستعجال متصرفا خاصا يكلف بسحب الأموال من البنك ليدفعها لمن يطلب ذلك من المكتتبين (الفصل الأول).

 

2ـ وفي حالة عدم تعيين مراقبي الحسابات من طرف الجمع العمومي أو حصل لواحد أو أكثر من المراقبين المعينين عائق أو صدر منه رفض،  فإنه يقع تعيينهم أو تعويضهم بأمر قضائي من رئيس المحكمة التجارية... بناء على طلب كل معني بالأمر وبعد استدعاء المتصرفين بالكيفية القانونية "الفصل 32". وفي  هذه الحالة لا يخول لرئيس المحكمة الحق تلقائيا في تعيين مراقب أو مراقبين إلا بتوافر ثلاثة شروط:

 

أن لا تقوم الجهة المختصة بذلك  التعيين أو التعويض.

أن يكون التعيين بناء على طلب  من مساهم أو مساهمين.

وأن يتم الاستدعاء القانوني للمتصرفين (11).

 

هذه الوضعية  تبرز مدى محدودية التدخل القضائي خلال سير حياة الشركة،  حفاظا على ضمان  استمرارية نشاطها، وهو ما يلاحظ من خلال مفهوم تدارك  الفسخ أو البطلان المنصوص عليه في الفصل 59 من قانون 1867.

ويبدو دور القضاء أكثر جلاء خلال المرحلة التي يكون فيها عمل الشركة مشوبا بصعوبات مالية (الفصل 37) أو قانونية (الفصل 38) من خلال مكنة الحل كإجراء قانوني  عند تلف ثلاث أرباع رأس المال أو عندما يقل عدد الشركاء عن سبعة، لكن هذا التدخل القضائي تقيده الشروط التالية: (12)

عند عدم اجتماع الجمع العام للمساهمين بكيفية قانونية.

عند مرور سنة عن ثبوت نقص في عدد الشركاء المحدد قانونا.

وجود طلب في الموضوع من طرف  مساهم أو مساهمين، أو كل ذي  مصلحة في  ذلك.

بجانب هذه المعطيات، تضمن قانون 1867 بعض مظاهر  حماية  الأقلية المستوجبة لتدخل القضاء  حيث نص فصله 17 على أنه "يمكن لعدد  من المساهمين  يمثلون على الأقل

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) نص الفل 53 "الشركة... تكون ممثلة تمثيلا صحيحا لدى القضاء من طرف متصرفيها"

(12) طارق مصدق: مرجع سابق ص 51.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

جزءا من عشرين من راس المال أن يكلفوا على نفقتهم ومن أجل  مصلحة مشتركة، وكيلا أو عدة وكلاء ليلاحقوا، سواء كمدعين أو كمدعى عليهم، دعوى ضد المدبرين أو ضد أعضاء مجلس المراقبة وليمثلوهم في هذه الحالة لدى القضاء بصرف النظر عن الدعوى التي يمكن  لكل مساهم أن يقيمها فرديا باسمه الشخصي".

 

وفي نطاق دعاوى المسؤولية  الناتجة عن عقد الشركة، نظم الفصل 42 مسؤولة المؤسسين عن الأفعال الصادرة عنهم المترتب عنها البطلان، كما اهتم الفصل 44 بالمسؤولية المدنية للمسيرين تجاه الشركة والأغيار حيث أحال  بشأنها على القواعد العامة.

 

من كل ما تقدم نخلص إلى أن ظهير 11 غشت 1922 قد كرس محدودية التدخل القضائي في مسيرة شركة المساهمة. ففي الحالات القليلة التي سمح له فيها بالتدخل، لا يمكنه أن يقوم بذلك تلقائيا، ويبقى مقيدا  بوجود طلب من المساهمين أو ذوي  المصلحة، وفي ظل فراغ يجب أن يبرر بغياب الأجهزة الاجتماعية للشركة.

أمام هذه الوضعية لا يمكننا  إلا أن نتساءل عن معالم التدخل القضائي  في قانون شركات  المساهمة الجديد.

 

 

المبحث الثاني : مظاهر الحماية القضائية لحقوق المساهمين في شركات المساهمة

 

مقاربة من خلال المهام المسندة للقضاء في القانون رقم 95.17

إن التفكير في إصلاح النظام القانوني  للشركات التجارية ليس وليد اليوم، فقد عرف المغرب عدة محاولات لتعديل  قانون الشركات التجارية، وشهد عقد الثمانينات وحده محاولتين تمثلنا في مشروعي 1981 و1989 اللذين لم يكتب لهما النجاح، إلا أنه ابتداء من عقد التسعينات أخذ التفكير في الإصلاح يطفو مجددا على السطح تحت تأثير معطيات عدة، فلقد شهد العقد انسحاب الدولة من القطاع  الإنتاجي وانطلاق عمليات  الخوصصة (13)، وتعزز نظام البورصة بإصلاحات هامة (14) عززت  مكانة السوق المالية  في الاقتصاد الوطني واستكملت  التغييرات الاقتصادية الجديدة بإصلاح نظام الخبرة المحاسبية (15)،  الأمر الذي جعل تعديل نظام الشركات التجارية ذا أولوية، خاصة وأن النهج الاقتصادي في المغرب أخذ يسير في اتجاه جعل القطاع الخاص قاطرة التنمية  الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

 

وبما أن شركات المساهمة تعتبر الشكل القانوني الأكثر ارتباطا بالتغييرات الاقتصادية الراهنة، باعتبارها أداة لتحقيق المشاريع الاقتصادية الكبرى، كان طبيعيا أن تولى أهمية بالغة لتنظيمها القانوني، فجاء قانون 95.17، ليشكل الإطار المناسب للجيل  الجديد من الرأسمال الخاص.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(13)ظهير شريف رقم 01-1. 90 بتاريخ 15 رمضان 1410 (11 / 4/ 1990) بتنفيذ القانون رقم 89-39 المؤذن بموجبه  في تحويل منشآت عامة إلى القطاع الخاص ج.ر عدد 4042 بتاريخ 18/04/1990.

(14)في هذا  النطاق صدرت مجموعة من الظهائر في 21 شتنبر 1993 وهي:

-ظهير بمثابة قانون رقم 211-93 .1 المتعلق ببورصة القيم.

-ظهير بمثابة قانون رقم 212-93 .1 المتعلق بمجلس القيم المنقولة والمعلومات المطلوبة إلى الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في أسهمهما وسنداتها.

-ظهير بمثابة قانون 213.93.1 المتعلق بالهيئات المكلفة بالتوظيف الجماعي للقيم المنقولة ج.ر عدد: 4223 بتاريخ 6 أكتوبر 93.

(15)Tijani Zahiri : Réglementation de la profession d'expert comptable, l'Economiste du 02/11/1995. P : 60.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وعلى خلاف المشاريع  السابقة التي اعتمدت التنظيم العام لمجموع  الشركات التجارية  وفق  منهجية كلاسيكية تعتمد المقتضيات العامة، ثم المقتضيات الخاصة بكل نوع من أنواع  الشركات، اقتصر القانون  الجديد على تنظيم شركات المساهمة وحدها  جامعا مختلف مقتضياتها في وثيقة  واحدة تشكل مرجعا للمهتم بهذا النوع من الشركات.

ومن حيث المرجعية يبدو من القراءة المتأنية للقانون  الجديد تنوع وغنى مصادره، حيث استفاد من مختلف المدارس الرائدة في قانون الشركات، وهي مكنة قلما أتيحت لقانون مغربي، فقد نهل من مرجعيات ثلاث هي:

 

1ـ المرجعية اللاتينية بكل تجلياتها:  ممثلة في قانون 24 يوليوز 1966 الفرنسي بآخر تعديلاته (16) وهي في حقيقتها  امتداد للمبادئ التي كرسها قانون 1867، وفي مقدمتها نظرية الشركة ـ العقد.

 

2ـ المرجعية الجرمانية:  وتبدو معالمها بجلاء في بعض المؤسسات  التي كرسها القانون الجديد كشركة المساهمة ذات  مجلس الإدارة الجماعية ومجلس المراقبة وخبير الأقلية... وقد انتقلت إلى القانون الجديد بكيفية غير مباشرة عن طريق قانون 24 يوليوز 1966 الفرنسي الذي أخذها بدوره عن القانون الألماني المؤرخ في 30 يناير 1937.

 

3ـ المرجعية الأنجلوساكسونية: مجسدة في النظام الجديد لإدارة ومراقبة شركات  المساهمة والمعروف بـ Corporate gouvernance، وهو أحدث الأنظمة التي ظهرت بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعرف بكونه مجموع قواعد التسيير والمراقبة التي تحكم  حياة المقاولات، ويرمي إلى موازنة السلط بين المستثمرين  والمسيرين في نطاق شركات المساهمة، والفصل التام بين وظائف الإدارة والتسيير، ووضع لجان لتدقيق الحسابات وأخرى للمعلومات والأجور في أفق الرفع من مردودية المقاولة. وحسب البعض (17) فإن القانون الجديد قد استلهم  بعضا من المبادئ الأساسية لهذا النظام (18)، مما يجعله في اعتقادنا تشريعا رائدا استطاع الجمع بين أهم النظريات  الحديثة في مجال الشركات  التجارية.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(16)تبنى القانون رقم 95.17 شركة المساهمة المبسطة La société par actions simplifiées وهي أحدث الأشكال في قانون الشركات الفرنسي الذي لم يعتمدها إلا بمقتضى قانون 3 يناير 1994.

(17)Meriem Oudghiri et Fatima Mossadeq : Réforme de la société anonyme : les innovations, l'Economiste du jeudi 13 juillet 1995 P : 30.

(18)من معالم تأثير النظام الجديد لإدارة ومراقبة شركات المساهمة، ما ورد في المادة 76 التي جاءت تنص أنه "يكلف داخل المجلس المتصرفون غير المسيرين خصوصا بمهام مراقبة التسيير ومتابعة تدقيق الحسابات الداخلية والخارجية. ويمكنهم أن يكونوا فيما بينهم لجنة للاستثمار وأخرى للأجور".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

علاوة على ذلك تميز هذا القانون بجدة المؤسسات التي نظمها،  وبفعالية وسائل سيرها وتنظيمها، على أن أهميته التي  نروم من خلال هذه الدراسة لفت الأنظار إليها، هي تفعيله لدور القضاء، واهتمامه به مستفيدا في ذلك من تصورات مختلف المرجعيات السابقة، مما يعطي للموضوع أهميته العلمية والعملية، خاصة وأن القضاء  معول عليه لفرض التوازن داخل الشركة.

 

ولاشك أن دور القضاء في مسيرة شركة المساهمة يمكن مقاربته من أكثر  من جانب، إلا أن انعدام التراكم على مستوى العمل القضائي وطبيعة الدراسة كقراءة أولية سابقة على التطبيق العملي، فرضت علنا مقاربة الموضوع من خلال الأدوار المسندة للمؤسسات القضائية. وهكذا  سنبحث بداية دور مؤسسة القضاء الواقف (المطلب الأول)، قبل أن نتطرق لمؤسسة القضاء الجالس (المطلب الثاني).

 

المطلب الأول: دور القضاء الواقف في قانون  شركات المساهمة الجديد.

بقراءة متأنية للمقتضيات القانونية لاختصاصاتها، يتبين بجلاء أهمية الدور المرسوم للنيابة العامة في نطاق قانون  شركات المساهمة الجديد. فلقد فرض ارتباط الأنشطة الاقتصادية لهذه الشركات بحركية الاقتصاد الوطني المعتمد على الشكل القانوني الذي تجسده شركات المساهمة لتحقيق المشاريع الضخمة ضرورة إعطاء جهاز الادعاء العام باعتباره ممثلا للمجتمع صلاحيات واسعة  تمكنه من التدخل كلما وقع ما من شأنه المس بحقوق المساهمين والإضرار بالاقتصاد الوطني.

 

وتبرز أهمية الأدوار  الجديدة للنيابة العامة، في الصلاحيات المخولة لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الواقع بدائرتها القضائية المركز الاجتماعي لشركة المساهمة. فبالإضافة إلى الاختصاصات الزجرية المعتبرة من صميم عمل النيابة العامة (النقطة الأولى)، كما منح لجهاز الادعاء العام صلاحيات جديدة  في مجال تدخله أمام المحاكم المدنية (النقطة الثانية).

 

أولا: تحريك الدعوى العمومية لتطبيق عقوبات القانون الجنائي لأعمال  شركات المساهمة

يقضي استقراء مقتضيات القسم الرابع عشر من القانون رقم 95.17 المتعلقة بالعقوبات الزجرية (المواد 373 إلى 424) إلى معاينة تضخم ملحوظ في القانون الجنائي لأعمال شركات المساهمة فعلى مستوى الكم أحصينا ما يفوق 94 فعلا مجرما. أما على مستوى  الكيف فقد غطت المخالفات جميع مراحل سير الشركة، ومختلف الأفعال الممكن اقترافها من طرف أجهزتها، وهمت الحماية الجنائية جميع الإجراءات المتطلبة قانونا وقد تميزت المقتضيات الزجرية في القانون الجديد بالخصائص العامة التالية:

 

1ـ تبنى القانون الجديد الاتجاه الحديث في السياسة الجنائية المعتمد على العقوبات المالية وسيلة للردع، حيث تراوحت مقاديرها بين 2000 إلى 1000000 درهم في بعض الحالات (19).

ولم يعتمد قط العقوبات السالبة للحرية إلا مع العقوبات المالية بل وخول القضاء سلطة الخيار بين إعمال إحداهما فقط.

 

2ـ جعل ارتكاب المخالفة في نطاق شركات  المساهمة التي تدعو الجمهور إلى  الاكتتاب ظرف تشديد يضاعف العقوبة في بعض الحالات كما في المواد 378 و395.

 

3ـ اعتد الغرامة لتطبيق حالة العود خلافا لمقتضيات الفصلين 156 و157 من القانون الجنائي.

 

4ـ منع النزول عن الحد الأدنى للغرامات أو إيقاف تنفيذها  خلافا لمقتضيات الفصول 55 و149 و150 من القانون الجنائي.

 

5ـ نص على بعض التدابير الوقائية الشخصية كسقوط الأهلية التجارية وفق أحكام المادتين 717 و718 من مدونة التجارة، وبعض العقوبات الإضافية كنشر الحكم بالإدانة المادة 442.

 

6ـ ركز على الأفعال المقترفة من أعضاء أجهزة الإدارة والتسيير لدرجة كون معها نواة لنظرية متكاملة حول المسؤولية الجنائية للمسيرين في شركات المساهمة.

 

7ـ بخصوص تعدد التكييفات الجنائية، نصت المادة 376 على أنه "لا تطبق الأحكام الزجرية  المنصوص علها في هذا القانون إلا إذا كانت الأفعال المعاقبة بمقتضاه لا تقبل  تكييفا جنائيا أشد حسب أحكام القانون الجنائي". وبذلك ترك القانون الجديد المجال مفتوحا لتطبيق مدونة القانون الجنائي، كلما كانت الأفعال المقترفة معاقبة في هذه المدونة بعقوبات أشد من تلك المضمنة في القانون الجديد. مع التأكيد أن القانون  الجنائي سيعرف تطبيقا واسعا في مثل هذه الحالة، خاصة وأن اشد عقوبة في قانون 95.17 لا يتجاوز سنتين حبسا. إن مختلف هذه المعطيات تثبت مدى تشبث القانون الجنائي لأعمال شركات  المساهمة بروح السياسة الجنائية الحدية.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (19)مع مراعاة أحكام المادة 439 التي تغرم شركات المساهمة المبسطة التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب بعقوبة تصل إلى 2000000 درهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

إلا أن تطبيق مختلف العقوبات  وزجر هذا الكم الهائل من الأفعال والامتناعات  المخالفة للمقتضيات الزجرية تتوقف في نهاية المطاف على فعالية أجهزة العدالة الجنائية وعلى رأسها  النيابة العامة التي منحها القانون الجديد صلاحيات جديدة في مجال تدخلها أمام المحاكم المدنية حماية للنظام العم الاقتصادي.

 

ثانيا: حالات تدخل النيابة العامة أمام  المحاكم المدنية.

في قانون شركات المساهمة الجديد:

من المعلوم أن النيابة العامة قد تكون ـ استثناء ـ طرفا رئيسيا أمام القضاء المدني، وذلك إذا أعطاها القانون الحق في ممارسة الدعوى بصفة رئيسية ـ مدعية أو مدعى عليها ـ ووفق أحوال حددها القانون (20). ولقد وقفنا في قانون شركات  المساهمة الجديد على حالتين جديدتين لتدخل النيابة العامة أمام  المحاكم المدنية:

تهم الحالة الأولى إغفال البيانات الواجب تضمنها في النظام الأساسي للشركة أو إغفال القيام بإحدى التأسيس أو إنجازها بصورة غير قانونية، حيث نصت المادة 12 أنه "يخول لكل ذي مصلحة تقديم طلب القضاء لتوجيه أمر بتسوية عملية التأسيس تحت طائلة غرامة تهديدية كما يمكن للنيابة العامة التقدم بنفس الطلب".

 

لا تدع هذه المادة مجالا للشك في اختصاص النيابة العامة كطرف رئيسي لطلب الأمر بتسوية عملية التأسيس، وهي تمارس الدعوى في هذه الحالة بوصفها مدعية، ولها سلوك جميع طرق الطعن القانونية. وتتصل الحالة الثانية بشركة المساهمة المبسطة المكونة بين الشركات، حيث أعطت المادة 426 للنيابة العامة طلب حل  الشركة من المحكمة، مكرسة بذلك فلسفة الدور المدني لجهاز الادعاء العام القائمة على حماية حقوق المجتمع والتي يعتبر  الاقتصاد الوطني جزءا لا يتجزأ منها.

إن تنويع  أدوار النيابة العامة في قانون شركات المساهمة الجديد،  تبين بجلاء أهمية دور القضاء الواقف فهل حظي القضاء الجالس بنفس الاهتمام ؟

 

المطلب الثاني: دور القضاء  الجالس في قانون 95.17:

رغبة في إضفاء رقابة قضائية فعالة على عمل شركات المساهمة، اهتم القانون رقم 95.17 بدور القضاء الجالس في  مسيرة شركة المساهمة، وخوله  مجموعة من الصلاحيات القانونية تشكل بحق قطيعة مع مقتضيات قانون 24 يوليوز 1867.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(30)أستاذنا محمد بوزيان: دور النيابة العامة أمام  المحاكم المدنية، سلسلة دروس المعهد  الوطني للدراسات القضائية الطبعة الرابعة 1993 ص 17.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

فبداية ركز التشريع الجديد على الدور الإشهاري الواسع لكتابة ضبط محكمة المقر الاجتماعي للشركة التي أناط بها مهمة استقبال ومسك المستندات المتعلق بمختلف الإجراءات المتطلبة قانونا، بداية بالتأسيس ومرورا بتخفيض رأس المال والتحويل  والاندماج وانتهاء بإجراءات  حل الشركة.

 

كما تضمنت كثير من مواده إشارات تفيد تدخلات واسعة لقضاء الموضوع، وذلك في معرض حديثه عن دعوى الإبطال (المواد 61، 99، 125) والبطلان (المواد 178، 307، 339، 342، 344) ودعوى المسؤولية (المواد 349، 350، 351، 353، 355) ودعوى التعويض (المواد 352 و353) ودعوى  الحل (المواد 357، 358، 359، 360).

 

إلا أن واضعي القانون  الجديد، كثيرا ما كانت تعوزهم الدقة عند إشارتهم لمختلف التدخلات القضائية،  حيث جاءوا بعدد من المصطلحات تثير نوعا من الغموض، ويمكن أن تخلق إشكالات متصلة بالاختصاص عند التطبيق وهكذا نجد:

 

المحكمة (المواد 352، 359، 365، 426، 449).

رئيس المحكمة بصفته قاضي المستعجلات (21).

القضاء (المواد 277، 303، 357، 358).

مقرر قضائي (المواد 37، 280، 417).

طلب إلى القضاء (المواد 12، 360، 421).

السلطة القضائية (المادة 112).

 

ويبقى رئيس المحكمة الابتدائية المؤسسة المحورية في القانون الجديد حيث خوله سلطات  واسعة همت مختلف الجوانب القانونية لعمل الشركة، لدرجة يمكن معها الحديث عن تأسيس قضاء استعجالي في المادة التجارية (22)، فقد وردت الإشارة إلى اختصاص رئيس المحكمة بوصفه قاضيا للمستعجلات في 25 مادة، توزعت تدخلاته فيها على الشكل التالي:

تعيين وكيل مكلف بالقيام باستكمال وتسوية إجراءات الإشهار (المادة 15).

تعيين من يقوم باسترجاع الأموال المدفوعة وتوزيعها على المكتتبين في حالة عدم

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(21) سنقف على مرجعيات اختصاص رئيس المحكمة  في حينها.

(22) طارق مصدق: مرجع سابق ص 52.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

تأسيس الشركة داخل أجل ستة أشهر من تاريخ إيداع الأموال (المادة 35).

تعيين وكيل مكلف باستدعاء الجمعية  العامة للانعقاد قصد القيام بتسميات المتصرفين والمصادقة على التسميات المؤقتة التي قام بها مجلس الإدارة (المادة 29).

التعيين في منصب عضو مجلس الإدارة الجماعية بصفة مؤقتة في حالة شغوره وعدم قيام مجلس الرقابة بملئه داخل أجل شهرين (المادة 79).

تعيين وكيل مكلف باستدعاء الجمعية العامة للانعقاد قصد القيام بالتعيينات أو المصادقة عل تلك التي قام بها مجلس الرقابة (المادة 89).

تعيين مراقب مكلف تحت مسؤوليته  بتقدير المال الذي تقتنيه الشركة من أحد مساهميها خلال السنتين المواليتين لتقييدها في السجل التجاري (المادة 112).

 

تمديد أجل انعقاد الجمعية العامة العادية مرة واحدة ولنفس المدة (المادة 115).

تعيين وكيل مكلف بدعوة الجمعية  العامة للانعقاد بطلب كل من يهمه الأمر في حالة الاستعجال أو بطلب من مساهم أو عدة مساهمين يمثلون  ما لا يقل عن عشر رأسمال الشركة (المادة 116).

 

الإذن لأحد مراقبي الحسابات في حالة تعددهم  بتوجيه  دعوة لانعقاد الجمعية العامة (المادة 116).

تعيين وكيل يمثل  المشتركين في ملكية الأسهم المشاعة في الجمعيات العامة عند اختلافهم (المادة 129).

توجيه أمر للشركة بالعمل على إطلاع المساهم عل وثائق الشركة تحت طائلة غرامة تهديدية (المادة 148).

تعيين خبير الأقلية أو خبير التسيير (المادة 157).

 

تجريح مراقب أو مراقبي الحسابات بطلب من مساهمين يمثلون ما لا يقل عن عشر رأس المال (المادة 164).

تعيين مراقب أو مراقبي الحسابات في حالة عدم تعيينهم من طرف  الجمعية العامة وذلك بطلب من أي مساهم (المادة 165).

الترخيص لمراقبي الحسابات بجمع كل المعلومات المفيدة لمزاولة مهمتهم  من الغير الذين أنجزوا عمليات لحساب الشركة (المادة 167).

 

إعفاء مراقب أو عدة مراقبين للحسابات قبل انقضاء المدة العادية لمهامهم في حالة ارتكابهم خطأ أو إذا عاقهم عائق مهما كان سببه(المادة 179).

البث في اعتراض كتلة أصحاب سندات القرض على تخفيض رأس المال (المادة 212).

تعيين خبير لتقويم المقابل  الموازي لحقوق  المساهمين المعارضين للتحويل (المادة 221).

تمديد أجل شراء أسهم المفوت الذي لم توافق  الشركة على المفوت إليه المقترح من جانبه (المادة 254).

تعيين خبير لتحديد سعر الأسهم عند اختلاف الشركة والمفوت إليه الأسهم (المادة 254).

الترخيص لوكيل حاملي سندات القرض بشطب الضمان العيني المقيد في السجل العقاري أو الانتقاص منه (المادة 296).

 

تعيين وكيل أو عدة وكلاء لكتلة حاملي سندات القرض في حالة عدم انتخابهم من طرف الجمعية العامة العادية لأصحاب سندات القرض، وذلك بطلب من كل ذي مصلحة (المادة 300).

 

الأمر بتمديد أجل أداء الأرباح (المادة 332).

تعيين وكيل يعهد إليه القيام بتسوية العقود أو المداولات الباطلة بسبب خرق قواعد الإشهار (المادة 343).

الأمر بتعويض الضمان المنصوص  عليه في عقد الكراء عند تعذر الوفاء به بأي ضمان آخر يعرضه المفوت له أو أحد الأغيار ويعتبر كافيا (المادة 364).

 

تعيين وكيل مكلف بدعوة المساهمين لأجل المداولة بشأن  إجراءات قصد التصفية (المادة 368).

تعيين خبير مكلف بتحديد سعر تفويت الأسهم بتطبيق أحكام المادة 429 عند عدم اتفاق الأطراف (المادة 430).

الموافقة على مشروع ملاءمة النظام الأساسي (المادة 445).

 

والملاحظ أن واضعي القانون الجديد لم يفرقوا بين اختصاصات رئيس المحكمة بوصفه قاضيا للمستعجلات واختصاصه وهو يبث  على الشكل الاستعجالي، لأن التفرقة في حقيقتها دقيقة. وتترتب عنها نتائج مختلفة. فالبث على الشكل الاستعجالي هي إحالة  على هذا الشكل فقط، بقصد الاستفادة من المرونة في تطبيق القواعد المسطرية، وتحقيق السرعة في البث، ولا تكون له حتما نفس النتائج التي نضفيها على القرارات الاستعجالية، فنجد مثلا شروط قبول  النوعين من الدعاوى الاستعجالية ليست واحدة، ففيما يتطلب في القضايا الاستعجالية بطبيعتها توفر عنصر الاستعجال وعدم المساس  بالموضوع، نجد أن النوع الثاني لا يتحتم فيه ذلك (23) وهو ما تنبه إليه قانون  الشركات  التجارية  الفرنسي. فنجد مثلا الفصل 195 من مرسوم 23 مارس 1967 عند حديثه عن شروط تعيين خبير  الأقلية يشير إلى اختصاص رئيس  المحكمة التجارية، وهو يبث على الشكل الاستعجالي Statuant en la forme référés(24).

 

بخلاف الفصل 157 من القانون المغربي الذي يتحدث عن بث رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات مما يجعل طلب تعيين خبير الأقلية في القانون المغربي مشروط عمليا بتوفر عنصر الاستعجال  وهو ما يحرم الأقلية من حقها المشروع في الإعلام.

 

والحقيقة أن هذه التفرقة قائمة في التشريع الجديد نفسه، وأشارت إليها المادة 116 التي جاءت  تنص أنه "يقوم مجلس الإدارة  أو مجلس الرقابة بدعوة الجمعية العامة للانعقاد، وفي حال قيامها بذلك يمكن للأشخاص الآتي  ذكرهم أن يقوموا بدعوتها للانعقاد:

 

2ـ  وكيل يعنيه رئيس المحكمة  بصفته قاضي المستعجلات إما بطلب من كل من يهمه الأمر في حالة الاستعجال أو بطلب  من مساهم أو عدة مساهمين يمثلون ما لا يقل عن عشر رأسمال الشركة".

لا تدع هذه المادة مجالا للشك، في أن عنصر الاستعجال مشترط فحسب في الحالة التي يتقدم فيها  بالطلب كل من يهمه الأمر، دون الحالة التي يقدمه  مساهم أو عدة مساهمين يمثلون ما لا يقل عن عشر رأس المال. وهي بذلك المادة الوحيدة التي أقامت التفرقة في القانون الجديد. وقد يقال أن المشرع افترض عنصر الاستعجال لتعلق أغلب

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(23) محمد السماحي:  موقع القضاء المستعجل من القضاء بصفة عامة مجلة رسالة المحاماة العدد 5 أبريل 1988 ص 55.

(24)L'article 195 dispose : « L'expert chargé de présenter un rapport sur une ou plusieurs opérations de gestion dans les conditions prévues à l'article 226 de la loi sur les sociétés commerciales est désigné par le président du tribunal de commerce statuant en la forme référés… ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

تدخلات رئيس المحكمة بإجراءات  محددة بآجال معينة. إلا أننا  نستبعد هذا الطرح  لوقوفنا على المادة أعلاه التي علقت  تدخل رئيس المحكمة على توفر  "حالة الاستعجال"، مما يجعلنا نعتبر صياغة القانون المغربي أقل دقة في التعبير من صياغة مصدره المتمثل في القانون الفرنسي. وهو ما يعزز ما ذهبنا إليه آنفا من أن واضعي  القانون  الجديد لم  يوفقوا في اختيار المصطلحات المناسبة.

 

على أن أهمية دور رئيس المحكمة في القانون الجديد تتجاوز طبيعة تدخله، لتمس علاقاته مع أجهزة الشركة. فقد حاول التشريع الجديد إيجاد علاقة قانونية بينه وبين أقلية  المساهمين (25)، حيث أصبح الأداة القانونية التي تلجأ إليه هذه الأقلية للحفاظ على حقوقها في كثير من الحالات المبينة أعلاه ثم أن القانون خول مجموعة أخرى من الأشخاص والأجهزة حق اللجوء إلى رئيس المحكمة وهم:

 

المساهمون الذين يمثلون  أكثر من 10% من الرأسمال.

المساهم أو المساهمون كيفما كانت نسبتهم في رأسمال  الشركة (المواد 148-165-221).

رئيس مجلس الإدارة (المادة 112).

رئيس مجلس الرقابة (المادة 112).

الشركاء على الشياع في الأسهم (المادة 129 فقرة 2).

ممثل كتلة أصحاب سندات القرض (المادة 212).

كل ذي مصلحة مثل دائني الشركة.

الممثلين القانونيين للشركة (المادة 445).

 

ولا تقف  حدود  تدخلات رئيس المحكمة عند البث في طلبات الأجهزة أعلاه بالرفض أو القبول، بل خوله القانون الجديد أن يلعب أدوارا إيجابية في سير الدعوى،  تمكنه من اختيار الإجراء  المناسب لسير الشركة،  وهو ما يتضح  بجلاء من اختصاصه بالبث في تجريح مراقبي الحسابات  (المادة 164)، أو التعرض على مشروع تخفيض رأس المال  (المادة 212).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(25)المواد 157-164-146-116....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وجدير بالذكر أن أدوار  رئيس المحكمة  في حياة شركات المساهمة، تتجاوز ما رسمه قانون 95-17، لتستمد مرجعياتها  التشريعية من نصوص أخرى خاصة أو عامة، فحين تعيش الشركة صعوبات مالية تتحرك اختصاصات رئيس المحكمة في نطاق مسطرة الوقاية من الصعوبات طبقا للكتاب الخامس  من مدونة التجارة، لتضمن للشركة استمراريتها، ومتى وجدت خلافات خطيرة بين الشركاء يمكنها أن تعصف بمستقبل المقاولة، كانت مؤسسة القضاء الاستعجالي في إطار الفصل 149 من ق.م.م مسعفة بما توفره من إجراءات تحفظية فعالة،  سيما  الحراسة القضائية التي يعتبر إجراءا سريعا يكفل حماية حقوق المساهمين  بصفة مؤقتة إلى حين انتهاء النزاع أو حل الشركة.

 

إن مختلف  هذه الصلاحيات تبرز بجلاء الدور المركز الذي سيلعبه رئيس المحكمة في تطبيق القانون الجديد، كما  تشكل بحق نواة قضاء استعجالي في المادة التجارية، لتضاف إلى الاختصاصات الموسعة المخولة للقضاء الواقف ولمحاكم الموضوع مكرسة بذلك دور القضاء  كفاعل رئيسي  في مسيرة شركات المساهمة.

 

وأخيرا يبقى التطبيق  الحسن للمقتضيات الجديدة رهينا بأداء الجهاز القضائي، وهي القناعة التي أبان عنها قانون 95-17 الذي نص في آخر مواده على أنه " تحدث أجهزة قضائية مختصة للفصل في النزاعات التي تحدث بين التجار أو لتطبيق هذا القانون. وفي انتظار إحداث هذه الأجهزة، يبث في هذه النزاعات وفق النصوص التشريعية الجاري بها العمل".

 

 

مجلة المرافعة عدد 6 صفحة 73



تعليقات