جريمة إغفال أو عدم القيام بتوفير
مؤونة الشيك
قصد أدائه عند تقديمه على ضوء
مدونة التجارة الجديدة
الدكتور محمد أوغريس
المستشار بالمجلس الأعلى
تعتبر هذه الجريمة من أبرز
جرائم الشيك في الحياة العملية، إذ كثيرا ما يقوم الساحب
بإصدار شيك دون توفير المؤونة اللازمة قصد أدائه عند تقديمه للمسحوب عليه إما
عن إغفال أو من قصد. وفي كلتا الحالتين يكون الساحب مرتكبا للفعل الإجرامي ويسأل عنه
جنائيا.
وعلى خلاف ما كان عليه
الأمر في جريمة إصدار شيك بدون رصيد حيث كانت الجريمة تتحقق بمجرد إقدام الساحب على إصدار الشيك وهو يعلم
أنه بدون رصيد قائم وقابل للتصرف دونما حاجة
إلى تقديمه إلى المسحوب عليه ورفض هذا الأخير
الوفاء بقيمته لعدم وجود مؤونة كافية.
وهكذا فقد عاقب المشرع
في المادة 316 من مدونة التجارة ساحب الشيك الذي أغفل أو لم يقم بتوفير مؤونة الشيك قصد أدائه عند تقديمه
بعقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة تتراوح بين 2000 درهم و10000 درهم دون أن
تقل قيمتها عن خمسة وعشرين في المائة من مبلغ الشيك أو من الخصاص.
وعليه، فيجب لمساءلة الساحب
جنائيا أن يكون قد أصدر شيكا مع إغفاله أو عدم قيامه بتوفير المؤونة الكافية له وقت
تقديمه للأداء (1).
أولا ـ وجوب إصدار شيك
يشترط في الساحب حتى تتحقق
الجريمة أن يكون قد قام بإصدار شيك.
1-مدلول فعل الإصدار
المقصود بفعل الإصدار ليس
هو التحرير والإنشاء للشيك فقط بل هو إخراج الشيك من حيازة الساحب القانونية على حيازة
الغير، وبعبارة أخرى هو تسليم الساحب شيكا للمستفيد أو لمن يقوم مقامه إما مباشرة وإما
بإرساله إليه بالبريد أو بواسطة شخص آخر بعد كتابة جميع البيانات الإلزامية أو الاكتفاء بالإمضاء عليه،
على أن يضيف إليه المستفيد باقي البيانات الأخرى بعد الاتفاق على المبلغ المسحوب به
الشيك وذلك من أجل تحصيل قيمته من المسحوب
عليه.
أما إذا بقي الساحب محتفظا
بالشيك ولم يخرجه من حيازته القانونية، فإن فعل الإصدار لا يعتبر قائما وبالتالي
فإن الجريمة لا تتحقق.
فالركن المادي للجريمة
لا يتحقق بمجرد تحرير الشيك بل لابد من تسليمه
للمستفيد أو لمن يقوم مقامه. ولا يهم
ذلك إما إذا كان المستفيد قد قدمه للمسحوب عليه في تاريخ إصداره أو قدمه في تاريخ لاحق
مادام الشيك قد استوفى الشكل الذي يتطلبه القانون لكي يحل محل النقود ويكون مستحق الدفع
بمجرد الاطلاع عليه.
وتسليم الشيك إلى المستفيد
كما سبق القول يجب أن يكون نهائيا، أما إذا كان التسليم لا يتبعه تخلي الساحب نهائيا
عن الشيك، فإن الركن المادي للجريمة لا يتحقق وبالتالي فإن الجريمة تنعدم، وفي حالة تسليم الساحب الشيك على سبيل الوديعة،
فإن التسليم لا يكون نهائيا وبالتالي فإن فعل الإصدار لا يتحقق.
ويجب أن يكون التسليم إراديا،
أي صادرا عن إرادة واختيار، أما إذا خرج الشيك من حيازة الساحب لسبب خارج عن إرادته،
كأن ينتزع منه كرها أو يسرق منه فإن فعل الإصدار لا يتحقق وبالتالي فإن الجريمة تنعدم.
يتضح مما سبق أن فعل الإصدار
هو العملية التي يتم بها إطلاق الشيك في التداول أي إخراجه من حيازة الساحب القانونية
إلى حيازة الغير المستفيد منه.
أ-إرسال الشيك عن طريق
البريد
قد يرسل الساحب الشيك إلى
المستفيد عن طريق البريد، وفي هذه الحالة فإن فعل الإصدار لا يتم إلا في الوقت الذي
يدخل فيه الشيك في حيازة المستفيد. أما ما سبق ذلك من أفعال من تحرير الشيك والتوقيع
عليه فهي من قبيل الأعمال التحضيرية.
ب- تسليم الشيك بواسطة
وكيل
لما كانت الوكالة تتلخص
في كون الوكيل يقوم بإجراء تصرفات قانونية باسم موكله ولحسابه وذلك بإحلال إرادته محله
ضمن حدود السلطة الممنوحة له، فإن آثار الوكالة إيجابية كانت أم سلبية تنصرف إلى الموكل
(2).
فإذا ما سلم مثلا الساحب
شيكا إلى وكيله من أجل تسليمه للمستفيد منه، فإن فعل الإصدار لا يتحقق إلا بتسليم الشيك
المذكور بصورة فعلية إلى المستفيد أو لوكيله، وإلا لما تحققت الجريمة لعدم وجود تنازل
نهائي عن الشيك من جانب الساحب.
ويرى جانب من الفقه أن
الإصدار يتحقق بمجرد تسليم الساحب الشيك إلى وكيله أي بمجرد خروجه من حيازته المادية
دون اشتراط خروجه من حيازته القانونية (3).
إلا أننا نرى أنه لما كان
بإمكان الساحب مطالبة وكيله بإرجاع الشيك إليه قبل تسليمه إلى المستفيد وجب الأخذ بالرأي
القائل بأن فعل الإصدار لا يتحقق إلا بتسليم الوكيل الشيك بصورة فعلية إلى المستفيد
أو إلى نائبه.
وهذا الرأي أخذ به جانب
من الفقه في المغرب، حيث ذهب الدكتور أحمد الخمليشي إلى القول: وإذا لم يخرج الشيك
من الحيازة القانونية للساحب فإن الإصدار لا يعتبر قائما حتى ولو خرج من حيازته المادية
كما إذا أرسله عن طريق البريد أو بعثه مع بضاعة بواسطة ناقل، أو رسول فما لم يصل إلى
المرسل إليه ويوضع تحت حيازته، يعتبر مازال في الحيازة القانونية للمرسل.
وكذلك إذا سلمه الساحب
إلى أحذ مستخدميه أو إلى ممثله لا لمحام، فإن الإصدار كذلك لا يتم إلا بتسليم الشيك
إلى المستفيد أو من يمثله (4).
ويستوي في تحقق الجريمة
أن يكون الساحب قد حرر الشيك وسلمه للمستفيد بالأصالة عن نفسه أو نيابة عن غيره، في
كلتا الحالتين يعتبر مسؤولا جنائيا إذا ما توافرت أركان الجريمة.
ج) التوكيل في التوقيع
على الشيك
إذا كان الأصل أن الساحب،
و الذي يوقع على الشيك بنفسه، فإنه لا مانع يمنعه طبقا للقواعد العامة من تفويض الغير
للتوقيع على الشيك نيابة عنه.
والتوكيل الخاص، للوكيل
أن يوقع على الشيك نيابة عن الموكل مع ذكر صفته كوكيل، وللمسحوب عليه في هذه الحالة
أن يتحقق من صفة الوكيل قبل صرفه قيمة الشيك للمستفيد أو لحامله.
أما في التوكيل العام كما
هو الشأن بالنسبة لتوكيل الشخص المعنوي لأحد ممثليه بالتوقيع على الشكايات نيابة عنه
وباسمه حيث يجب في هذه الحالة على الشخص المعنوي ـ الموكل ـ إخبار المسحوب عليه باسم
وكيله المفوض له في التوقيع على الشيكات نيابة عنه مع تزويده بنموذج من توقيعه حتى يتسنى له الوفاء
بقيمة الشيكات الصادرة عنه متى تحقق من صحة التوقيع. وهذا ما أكدته المادة 249 الفقرة
الأولى من مدونة التجارة التي جاء فيها: "لا يجوز توقيع شيك نيابة عن آخر بدون
تفويض مكتوب لدى المسحوب عليه، وإذا تم توقيع الشيك بدون تفويض مسبق، فإن موقعه هو
الوحيد الملزم بالوفاء، فإن وفاه آلت إليه الحقوق التي كانت ستؤول إلى من ادعى النيابة
عنه".
وعلى الوكيل في كلتا الحالتين
أي سواء كان التوكيل عاما أو خاصا أن يتحقق عند إصدار الشيك من وجود المؤونة أو يعمل
على توفيرها قصد أدائها عند تقديم الشيك للمسحوب عليه، فإذا أخل بهذا الالتزام تحققت
مسؤوليته الجنائية وحق عقابه بوصفه فاعلا أصليا
للجريمة وعلى أساس أنه هو المصدر للشيك الذي تحقق به الفعل المهني عنه (5).
2-التمييز بين فعل الإصدار وغيره من الحالات المشابهة
أ ـ التمييز بين فعل الإصدار
وفعل الإنشاء
يجب التمييز بين فعل الإصدار
وفعل الإنشاء لأن هناك اختلافا بينا بين الفعلين، فإنشاء الشيك هو كتابه وتحريره ووضع
التوقيع عليه، أما إصدار الشيك فهو عبارة عن طرحه للتداول وتسليمه للمستفيد من أجل
تحصيل قيمته إما من طرف الساحب نفسه أو من طرف الغير بالنيابة عنه.
فالتمييز بين الفعلين،
الغرض منه معرفة أي من الفعلين معاقب عليه
دون الآخر، ففعل الإنشاء يدخل في إطار الأعمال
التحضيرية للجريمة، ومعلوم أن الأعمال
التحضيرية لا عقاب عليها قانونا مادام دور القائم بها لم يصل بعد إلى درجة ارتكاب
الجريمة.
أما فعل الإصدار الذي هو
عبارة عن إخراج الشيك من حيازة الساحب القانونية، أي أنه يتم بتسليم الشيم للمستفيد
أو لمن ينوب عنه من أجل تحصيل قيمته من المسحوب عليه، ففعل معاقب عليه باعتباره يدخل في إطار أعمال البدء في التنفيذ، كأن يعمد
الساحب إلى إصدار شيك دون توفير المؤونة قصد أدائه عند تقديمه. ففي هذه الحالة تتحقق الجريمة ويطبق العقاب على الساحب.
ب ـ التمييز بين فعل الإصدار وفعل التظهير
إذا كان الإصدار هو العملية
المادية التي يتم بها طرح الشيك للتداول وتسليمه للمستفيد من أجل تحصيل قيمته، فإن
التظهير هو قيام المظهر بكتابة بيان على ظهر الشيك بمقتضاه ينقل قيمة الشيك الثابتة
فيه إلى شخص آخر وهو المظهر إليه. وهذا ما نصت عليه المادة 256 من مدونة التجارة بقولها:
ينقل التظهير جميع الحقوق الناشئة عن الشيك ولاسيما ملكية المؤونة.
وقد عاقب المشرع المغربي
كل من قام عن علم بتظهير شيك شرط ألا يستخلص فورا وأن يحتفظ به
على سبيل الضمان(6).
ثانيا ـ عدم وجود المؤونة أو عدم كفايتها وقت
تقديم الشيك للأداء
لقد قيد المشرع تحقق الجريمة بضرورة تقديم الشيك إلى المسحوب عليه
ورفض هذا الأخير الوفاء بقيمته لعدم وجود مؤونة كافية.
وعلى هذا الأساس، فإن الجريمة
لا تتحقق إذا تأخر المستفيد عن تقديم الشيك للأداء فتمكن الساحب من وضع المؤونة أو
من تكملة الخصاص خلال فترة التأخير لأن النص صريح في كون الساحب يجب أن يوفر مؤونة
الشيك قصد أداءه عند التقديم (7).
ولا يشترط لتحقق الجريمة
تقديم الشيك للمسحوب عليه داخل أجل التقديم بل
إنها تتحقق حتى ولو كان التقديم قم تم في تاريخ لاحق، مادام الشيك قد استوفى
شكله القانوني لكي يحل محل النقود ولأن الحماية الجنائية التي قررها المشرع للشيك تقتضي
وجود المؤونة.
كما أن حق الحامل في مطالبة
المسحوب عليه بالوفاء لا يسقط بانقضاء أجل التقديم (8) بل يبقى قائما طوال مدة سنة ابتداء من تاريخ انقضاء أجل التقديم
(9).
والجريمة تتحقق حتى ولو
كان الساحب قد أدى للمستفيد قيمة الشيك الذي أغفل أو لم يقم بتوفير المؤونة الكافية
له.
ولا تتحقق الجريمة إذا
امتنع المسحوب عليه عن الوفاء بقيمة الشيك للمستفيد لسبب من الأسباب التي لا دخل لإرادة
الساحب فيها، كعدم إدلاء المستفيد مثلا ببطاقة
تعريفه أو التشكك في التوقيع، وقد ذهب القضاء الفرنسي إلى أن الجريمة لا تتحقق في الحالة
التي يسحب فيها شيك على بنك من البنوك فيمتنع المسحوب عليه من الدفع، لكون الشيك لم
يكن محررا على نموذج من النماذج التي درجت
المؤسسات البنكية على تسليمها لزبنائها (10).
وفي حالة نقصان المؤونة،
فإن الجريمة تتحقق أيا كانت نسبة النقص أو الخصاص، وحتى ولو كانت نسبة النقص ضئيلة
(11) إذ لا يكفي أن يكون للساحب مقابل الوفاء قائما وقابلا للتصرف
لدى المسحوب عليه بل يجب أن يكون مقابل الوفاء كافيا للوفاء بمبلغ الشيك وقت التقديم.
والجريمة تتحقق حتى ولو
قام الساحب بعد تقديم الشيك للمسحوب عليه بتكملة النقص الحاصل في المؤونة، لأن العبرة بوجودها من عدمه
هي لوقت التقديم. إلا أن المشرع أجاز للمحكمة في مثل هذه الحالة تخفيض عقوبة الحبس أو إسقاطها بالنسبة للساحب
الذي يقوم بإتمام المؤونة خلال أجل عشرين يوما من تاريخ التقديم (12).
والجدير بالإشارة أنه يحق
للحامل إذا كانت المؤونة أقل من مبلغ الشيك مطالبة المسحوب عليه بالقدر المتوفر منها
مع الاحتفاظ بحقه في الرجوع على الساحب والموقعين على الشيك بالجزء المتبقى الذي لم
يدفع بعد إجراء الاحتجاج بعد الوفاء (13).
وقيام المسحوب عليه بتكملة
نسبة النقص وتسديد قيمة الشيك بكامله عند التقديم يمنع من تحقيق الجريمة وبالتالي من
مساءلة الساحب جنائيا.
آجال تقديم الشيك للأداء
لقد حددت المادة 268 من
مدونة التجارة الآجال التي يجب تقديم الشيك فيها للأداء فهي عشرون يوما إذا كان الشيك
صادرا بالمغرب ومستحق الوفاء به، ستون يوما إذا كان صادرا خارج المغرب وكان مستحق الوفاء
به، ويبدأ احتساب هذه الآجال من التاريخ المبين في الشيك كتاريخ لإصداره.
كما أوضحت المادة 269 من
نفس المدونة على أنه:" إذا كان الشيك مستحق الوفاء بالمغرب وصادرا في بلد تختلف
اليومية المعمول بها فيه عن اليومية المعمول بها في المغرب، أرجع تاريخ الإصدار إلى
اليوم المقابل في اليومية المعمول بها في المغرب".
ولقد اعتبر المشرع في المادة
270 من نفس المدونة تقديم الشيك إلى غرفة المقاصة
بمثابة تقديمه للوفاء.
وطبقا لأحكام المادة
302 من نفس المدونة فإنه لا يجوز تقديم شيك أو إقامة احتجاج بشأنه إلا في
يوم عمل.
وإذا حدث أن كان آخر يوم
من الأجل الذي يحدده القانون للتقديم يوم عطلة
قانونية، فإن الأجل المذكور يمدد إلى يوم العمل
الموالي، كما تعتبر أيام العطل التي تتخلل الأجل داخلة في حسابه.
وتدخل في حكم أيام العطل
القانونية، الأيام التي لا يجوز فيها طبقا لمقتضيات قانونية خاصة إجراء أية مطالبة بالوفاء أو إقامة أي احتجاج.
والجدير بالإشارة إلى أن
الآجال المتعلقة بالشيك لا يدخل في حسابها يوم ابتداءها أي أنه لا يبدأ في احتسابها
إلا ابتداء من اليوم الموالي ليوم سحب الشيك طبقا لما نصت عليه المادة 303 من مدونة
التجارة.
وطبقا لأحكام المادة
304 من نفس المدونة فإنه لا يمكن منح أي إمهال قانوني أو قضائي إلا في الأحوال المنصوص
عليها في المادة 291 أي في حالة وجود قوة قاهرة تكون قد حالت دون تقديم الشيك للأداء
حيث يمدد الأجل.
ومما يجب لفت الانتباه
إليه في هذا الصدد هو أن عدم تقديم الشيك للوفاء داخل الآجال المشار إليها أعلاه لا
يترتب عنه بطلان الشيك أو فقدان المستفيد لحقه في الحصول على مقابل الوفاء بل إن حقه يبقى قائما وثابتا كل ما في الأمر هو أن حقه
في الضمان يسقط على أساس أنه حامل مهمل، وبعبارة أخرى إن عدم تقديم الشيك للأداء داخل
الآجال القانونية لا يترتب عنه سوى سقوط حق الحامل في الرجوع على بقية الملتزمين الموقعين
على الشيك.
أما إذا تعلق الأمر بشيك
بريدي، فإن تقديمه للأداء يجب أن يقع داخل أجل ثلاثين يوما تبتدئ من تاريخ الإصدار.
وكل شيك بريدي لم يقدم للوفاء به داخل الأجل القانوني يعد باطلا وعديم الأثر تجاه إدارة
البريد وذلك طبقا تطبيقا لأحكام المادة 27 من القرار الوزيري المؤرخ في 15 ماي
1926 المعدل في 25 مارس 1967.
ولقد أوضح المشرع في المادة 328 من مدونة التجارة على " أن مقتضيات
المواد من 311 إلى 318 تطبق على الشيكات البريدية الصادرة وفقا للشروط المنصوص عليها
في هذه المواد والتي لا يقع الوفاء بها عند نهاية اليوم الثامن الموالي لتوصل مكتب
الشيكات بها".
ثالثا: الإغفال أو عدم القيام بتكوين المؤونة
وقت تقديم الشيك للأداء.
كان المشرع في إطار قانون
الشيك القديم يعتبر جريمة إصدار شيك بدون رصيد من الجرائم العمدية ويشترط لتحققها ومعاقبة
الساحب عليها توافر القصد الجنائي أي توافر سوء النية عند إصدار الشيك وذلك طبقا لما
نصت عليه المادة 543 من القانون الجنائي. أما ما عدا ذلك، فلا مجال للقول بتحققها إذا
كان الساحب يعتقد خطأ وقت إصدار الشيك أن الرصيد كاف للوفاء بقيمته.
أما الآن وفي ظل التشريع
الجديد، فإن المشرع في المادة 316 من مدونة التجارة لم يعلق تحقق الجريمة على ضرورة
توافر سوء النية بل عاقب الساحب واعتبره مسؤولا جنائيا حتى في حالة إغفال عن تكوين
المؤونة وقت تقديم الشيك للأداء لسبب من الأسباب.
وعليه، فيكفي التثبت من
وقوع فعل الإصدار لشيك مع ما ينطوي عليه من إغفال أو عدم القيام بتكوين المؤونة الكافية
وقت تقديمه للأداء للقول بتحقق الجريمة.
فالجريمة تتحقق سواء كان
السبب في عدم تكوين المؤونة يعود إلى إغفال الساحب أو إلى سوء نيته، كتقاعسه عن توفير
المؤونة الكافية وقت تقديم الشيك للأداء في انتظار وفاء المستفيد بالتزاماته.
نعم، إذا وفي المسحوب عليه
بقيمة الشيك على الرغم من انعدام المؤونة أو
عدم كفايتهما فإن الجريمة لا تتحقق.
ولا مانع يمنع الساحب تطبيقا
للقواعد العامة للإثبات من إثبات وإقامة الدليل على وجود المؤونة وقت التقديم كإدلائه
بالكشف البنكي أو إثبات وقوع المؤسسة البنكية في خطأ حسابي.
وإذا ما أثبت الساحب وجود
المؤونة وقت تقديم الشيك للأداء فإن الجريمة تنتفي.
عدم الاعتداد بالباعث الدافع إلى ارتكاب الجريمة
متى تحققت الجريمة، فإنه
لا عبرة بالباعث الدافع إلى ارتكابها، لأن الباعث لا يعتبر عنصرا من عناصرها وبالتالي
فلا أثر له على قيام المسؤولية الجنائية، فلو أقدم الساحب مثلا على إصدار شيك لفائدة
مصحة من أجل إنقاذ حياة مريض في خطر ليست معه نقود دون توفيره للمؤونة الكافية وقت
تقديمه للأداء، فإنه يعتبر مرتكبا للجريمة ويجب معاقبته.
والقضاء في المغرب لا يعتد بالباعث الدافع إلى إصدار الشيك
(14).
كما استقر كل من القضاء
المصري والفرنسي في عدة مناسبات على أنه لا عبرة بالأسباب التي تدفع بالساحب إلى إصدار
الشيك لأنها من قبيل البواعث التي لا تأثير لها على قيام المسؤولية الجنائية (15).
وجملة القول، فإنه لا عبرة
بالأسباب أو البواعث التي دفعت بالساحب إلى إصدار شيك دون توفير المؤونة الكافية له
وقت تقديمه للأداء، كأن يكون في ضائقة مالية
فيعمد إلى إصداره أو يتأخر عن تكوين المؤونة
في انتظار تنفيذ المستفيد للالتزام الذي أنشئ من أجله الشيك.
وليس معنى هذا أن الباعث
يجب استبعاده بل على العكس من ذلك فإنه للمحكمة أن تعتد به في تقدير العقوبة، فإما
أن تشددها أو تخففها تبعا لما إذا كان الباعث سيئا أو حسنا وذلك بالنسبة لكل قضية على
حدة.
الهوامـش
1-راجع كتابنا المسؤولية الجنائية عن جرائم
الشيك في التشريع الجديد، طبعة 1997.
2-راجع مؤلفنا الوكالة والتوكيل في التشريع
المدني المغربي، الطبعة الأولى صفحة 52 وما بعدها23.
3-المرصفاوي صفحة 96.
ويذهب هذا الأخير ـ بعد أخذه بالرأي المشار
إليه أعلاه إلى القول:" ذلك أن المشرع قد اكتفى بالإعطاء المادي دون القانوني
أي بخروج الشيك من حيازة الساحب ماديا بانتقاله إلى يد الوكيل وإن كان من الوجهة القانونية
ما يزال على ملك الساحب، ولأن وجهة النظر هذه هي التي تتحقق فيها حكمه التشريع وإلا
فيمكن أن يسلم الساحب سيئ النية الشيك إلى وكيل ثم يزعم بعد هذا أن الأخير قد تصرف
فيه دون موافقته أو بإذن منه ليفلت من المسؤولية وهي أمور عسيرة الإثبات" صفحة
96- المرجع السابق.
4-القانون الجنائي ـ الجزء الثاني، صفحة
349 و350.
5-في مثل هذه الحالة يكون الوكيل قد تجاوز
حدود الوكالة وبالتالي فإنه يتحمل نتائج هذا التجاوز الذي يتجلى في اقترافه للفعل الإجرامي
المعاقب عليه، وهذا ما قصده المشرع بالفعل في المادة 249 الفقرة الثانية التي جاء فيها:"
ويسري الحكم نفسه على من تجاوز حدود الوكالة" أي أن الوكيل هو الذي يتحمل نتائج
فعله.
6-راجع المادة 316 من مدونة التجارة.
7-إذا أصبحت المؤونة وقت تقديم الشيك للأداء
غير قابلة للتصرف لأي سبب من الأسباب كإلقاء الحجز على أموال لساحب أو إعلان إفلاسه
أو هلاك محل المسحوب عليه، فإن الجريمة لا تتحقق وبالتالي فإن الساحب لا يسأل جنائيا.
8-جاء في المادة 271 من مدونة التجارة:"
يجب على المسحوب عليه أن يقوم بالوفاء ولو بعد انقضاء أجل تقديم الشيك، كما يتعين عليه
الوفاء إذا صدر الشيك خرقا للأمر المنصوص عليه في المادة 313 أو المنع المنصوص عليه
في المادة 317".
9-جاء في المادة 295 الفقرة الثالثة من مدونة
التجارة:" تتقادم دعوى حامل الشيك ضد المسحوب عليه بمضي سنة ابتداء من انقضاء
أجل التقديم".
10-دالوز الأسبوعي سنة 1936.
11-ويذهب الدكتور إدوار عيد في هذا المعنى
إلى القول:" غير أن النقص التافه في المؤونة قد يعد دليلا على حسن النية أو يؤخذ
في الاعتبار عند تعيين حد العقوبة" المرجع السابق صفحة 20.
12-راجع المادة 325 من مدونة التجارة.
13-راجع المادة 273 من مدونة التجارة.
14-راجع القرار عدد 4592 الصادر بتاريخ
8مجلة المرافعة عدد
11صفحة
تصدرها
هيئة الحامين باكادير
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم