وجهة نظر حول الطريقة الملائمة لبت القضاء الجنحي في ملفات حوادث السير
الأستاذ عطاف محمد
مستشار بمحكمة الاستئناف باكادير
تشكل
ملفات حوادث السير لدى مختلف المحاكم المغربية جانبا من النشاط القضائي، نظر لكثرتها، ولمساسها بجميع فئات المتقاضين.
ويتسم
العمل القضائي في دارسة هذه القضايا بنوع من التباين في طريقة البت خاصة في
الحوادث التي لم تنجم عنها الا جروح للضحايا، فالطريقة التقليدية في البت، واعني بها النظر في الدعوى العمومية وفي حالة
الادانة البت في المسؤولية والاحالة على الخبرة الطبية لتحديد الاضرار النهائية
التي لحقت الضحية، هذه الطريقة أصبحت مهجورة من طرف جانب من العمل القضائي الذي
اخذ يحيل الضحايا اولا على الخبرة الطبية بحكم تمهيدي مستقل، وبعد انتهاء الخبير
من مهمته يبت في الدعوى العمومية والمسؤولية ويحكم بالتعويضات المدنية المستحقة.
وهناك
جانب اخر من العمل القضائي الزجري يصادق على الخبرات الطبية التي حصل عليها
المطالبون بالحق المدني امام القضاء
الاستعجالي ليبث بعد ذلك في الدعوى العمومية والمسؤولية والتعويضات المدنية،
اعتمادا على الخبرة الطبية المذكورة.
ورغم ما
لهذين الأسلوبين الأخيرين من عيوب قانونية، يضيق المجال حاليا عن استعراضها فإننا
نكتفي بالتأكيد على ان الاسلوب الاول يخالف المبادئ القانونية التي لا تسمح للقاضي
الزجري بإيهام الاطراف بالبت في الدعوى المدنية وذلك بتعيين خبير لتحديد الاضرار المتعلقة بالدعوى المدنية
التابعة للنزاع الأصلي المعروض عليه، وهو الدعوى العمومية، وكل قرار تمهيدي لا
تكون غايته توضيح عناصر الدعوى، العمومية، يكون القاضي الزجري الذي أصدره قد جانب
الصواب.
في حين
يتسم الاسلوب الثاني بكونه يعتمد على خبرة طبية امر بها قاضي المستعجلات مع انه
غير مختص، اذ ان النزاع معروض على قضاء الموضوع وهو المختص وحده في الأمر بتلك
الخبرة.
ونظر
للعيوب المنسوبة الى الأسلوبين الأخيرين، ولكون الطريقة التقليدية المعمول بها لدى
أغلبية المحاكم حاليا لا تخلو بدورها من إثارة بعض الصعوبات التي تتعارض مع مبدأ
الاسراع في البت في دعاوي التعويض ومن بين هذه الصعوبات:
1) التأخير في منح التعويضات لمن لحقه ضرر حال قد
يتفاقم بالتماطل بعدم الحصول على تعويض عاجل.
2) تعدد المحاكمات باعتبار ان البث في الدعوى
العمومية وقبول الطلبات المدنية مع الاحالة على الخبرة قد يتعرض للاستئناف من طرف
احد الأطراف فيرتفع الملف الى المحكمة
الاستئناف، وبعد البت من طرف هذه المحكمة لا ترجع وثائق الملف الى المحكمة
الابتدائية مصدرة الحكم المستانف الا بعد مدة غير وجيزة، ثم يقع البت في الدعوة
المدنية اثر ذلك، وقد يحال هذا الحكم مرة أخرى على محكمة الاستئناف ….
الخ.
3) عرقلة تنفيذ
الأحكام الصادرة في الدعوة العمومية، خاصة وان كتابة الضبط لا تدري متى اصبح الحكم
نهائيا في الدعوى العمومية، وتبعا لاجتهادات المجلس الاعلى في هذا الميدان فان مثل
هذه الأحكام لا تعتبر نهائية، وبالتالي لا يمكن تنفيذ العقوبة الحبسية ولا
الغرامات في حق المحكوم عليهم، وقد ورد في هذا المعنى عن المجلس الاعلى ما يلي:
" وحيث انه من الثابت من تنصيصات الحكم المطعون
فيه، انه قضى بتأييد الحكم الابتدائي وبارجاع الملف الى المحكمة الابتدائية
باكادير لمتابعة النظر في الدعوة المدنية التابعة على ضوء الخبرة التمهيدية
المأمور بها.
وحيث ان هذا القرار بالنسبة لطالب النقض يعد تمهيديا
وغير نهائي، قبل البت في جوهر القضية، مما
يجعل الطلب والحالة هذه غير مقبول عملا بمقتضيات الفصلين المشار إليهما.
من اجله قضى المجلس الاعلى بعدم قبول الطلب"
قرار رقم 8340 بتاريخ30/10/1984 -
ملف جنحي10335 اولعيد سعيد ضد الوكيل العام للملك)
عدة قرارات صادرة في هذا المعنى، منها :
القرار 7727 بتاريخ9/10/1984 ملف جنحي 15426.
( التامين الملكي ضد الوكيل العام للملك)
القرار 2985 بتاريخ 3/4/1984 ملف جنحي 15138.
( غزواني مبارك ضد الوكيل العام للملك)
القرار 7493 بتاريخ 2/10/1984 ملف جنحي 19643.
وهذا الاجتهاد الذي اعتبر بمقتضاه المجلس الاعلى هذه
الاحكام القطعية التي أنهت الخصومة مجرد احكام تمهيدية، قد خلق صعوبة واقعية في
تنفيذ الاحكام الزجرية، اذ ان الاختصاص في تنفيذ الاحكام من مثل هذه الحالات راجع
الى محكمة الاستئناف التي بتت كدرجة ثانية " نهائية" في حين قد يتعرض
الحكم بعد احالته على المحكمة الابتدائية للحفظ في حالة توصل الطرفين الى الصلح،
فيما يتعلق بالدعوى المدنية، او صدور حكم
ارتضاه الطرفان فلم يقع استئنافه، فما هو الحكم النهائي القابل للنقض في مثل هذه
الحالة …… ؟
هل حكم المحكمة الابتدائية البات في الدعوى المدنية التابعة، ام الحكم الاول مضافا
اليه الحكم المذكور؟
( المرجو ان أمكن الاطلاع على تعليق متواضع حول احد القرارات المشار إليها في باب " ملف وتعليق"
من هذا العدد ).
هذه التساؤلات وما اشير اليه سابقا دفع بنا وعن تجربة
متواضعة وتعايش حي لمثل هذه المشاكل الى هذا الاقتراح المتواضع إسهاما منا في
ايجاد الحل الملائم، ومضمن الاقتراح كما
يلي :
في جميع القضايا الجنحية لحوادث السير والمرتبطة بدعوى
مدنية للمطالبة بتعويض عن جروح او بتعويضات عن جروح ووفاة، يتعين على القاضي
الزجري البت أولا، في الدعوة العمومية، ويترك جانب المسؤولية والتعويضات الى حين
انهاء الخبير لمهمته، ويكون حكمه كما يلي
:
تصرح المحكمة علنيا وابتدائيا وحضوريا :
1) بمؤاخذة الظنين
……
من اجل جنحة الجروح بغير عمد ومخالفة …..
وتحكم عليه……………
2) وقبل البت في
الدعوى المدنية التابعة تقرر تمهيديا إحالة
الضحية …………….
على الدكتور ………
3) إدراج القضية
بجلسة ………
ثم يأتي بعد ذلك دور كتابة الضبط التي يتعين عليها فتح
ملف جديد يحمل نفس رقم الملف مع اضافة كلمة مكرر، وتحيل الملف الأصلي المتعلق
بالدعوى العمومية والذي يشتمل على وثائق كافية لمعرفة وصف الحكم على قسم التبليغ
والتنفيذ للقيام بالإجراءات اللازمة.
وفي حالة الطعن بالاستئناف في الحكم فإن الاستئناف بذلك
يشمل فقط الدعوى العمومية حيث ان الامر لا يستدعي بعد نظر محكمة الاستئناف، إرجاع
الوثائق الى المحكمة الابتدائية وانما على الاطراف التي يعينها الامر عند الاقتضاء ، الإدلاء بنسخة الحكم الاستئنافي.
كما ان الطعن بالنقض في هذه الحالة قد لا يعترض مع ما سار عليه -
خطا- المجلس الاعلى من اعتبار الحكم
تمهيديا، ما دام الحكم يتعلق فقط بالدعوى العمومية.
وبعد انتهاء الخبير من مهمته، يوضع التقرير في الملف
المكرر المتعلق بالدعوى المدنية والذي يحضره الطرفان اللذان يعنيهما امرها وهما في
غالب الأحوال شركة التامين والضحية.
وفوائدها هذه
الطريقة تتجلى فيما يلي :
1) تفادي تضارب
الطعون الموجهة ضد الحكم " التقليدي"
فغالبا ما يقوم احد الاطراف بالتعرض على نفس الحكم، في حين يقوم طرف اخر
باستئنافه، او قد لا يصل العلم بصدور الحكم الى طرف ثالث الا بعد بت محكمة
الاستئناف فيلتجئ بدوره الى الطعن استئنافيا في الحكم الاول، وغالبا ما يهتم محامو
شركات التامين بالجانب الجنحي فيستأنفون
حكما غيابيا في حق ظنين، وقد يقع تاييد الحكم استئنافيا في حين ان الحكم الابتدائي
لم يبلغ قط الى المحكوم عليه وينتج عن ذلك صعوبات عند التنفيذ.
2) الإسراع في تنفيذ الاحكام الزجرية وبصفة خاصة الغرامات،
اذ ان إحالة الملف بعد البت في الدعوى العمومية على قسم التبليغ والتنفيذ من شانه
إضفاء صبغة الردع على الأحكام عوض الانتظار الى حين صدور الحكم البات في الدعوى المدنية التابعة
تبعا لما جرى به العمل في الطريقة التقليدية ولا تخفى محاسن التنفيذ الفوري سواء
بالنسبة لمداخل الخزينة او للردع الذي يقبله المحكوم عليه الذي لا زال يشعر
بخطئه ويود بكل سرعة محو ذنبه.
3) تفادي
الاشكالية الحاصلة حاليا في القرارات الصادر عن محاكم الاستئناف المشار اليها (
موضوع التعليق رفقته) حول إمكانية تنفيذ تلك لكون الاحكام على حالتها، بعدما قضى
المجلس الاعلى بعدم قبول طلب النقض لكون القرار مجرد قرار تمهيدي: الإشكالية
المتمثلة في قيام كتابة الضبط لدى محاكم الاستئناف بتنفيذ الاحكام الصادرة في الدعوى العمومية، رغم ان امكانية الطعن من
جديد بالنقض ضد نفس القرار بعد صدور الحكم في الدعوى المدنية ممكنة تبعا لما يفيده
مضمون قرار المجلس الاعلى بغض النظر عن منطوقه.
هذه وجهة نظر متواضعة، أملتها علي ظروف المعايشة
القضائية في ضفتي الجهاز القضائي ( القضاء الحاكم- قضاء النيابة العامة)، أتمنى ان
اساهم بواسطتها في الرفع من مستوى القضاء ببلادنا.
والله ولي التوفيق،
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم