القائمة الرئيسية

الصفحات



الإرهاب والجريمة السياسية : وقفة توضيحية

 


الإرهاب والجريمة السياسية : وقفة توضيحية

يونس زكور  باحث في العلوم السياسية جامعة محمد الخامس أكدال

 

 

يعرف الإرهاب بأنه: "استخدام للعنف من أجل إحداث حالة من الخوف داخل مجتمع ما, بغية تحقيق أهداف سياسية " , والإرهاب بهذا المعنى يشترك مع الجريمة السياسية في الهدف أو في الموضوع السياسي الذي يدعيه أو تقع عليه أفعال مرتكبي الإرهاب مما يسبب صعوبة في تمييزهما والفصل بينهما, ومسألة رسم الحدود بين الإرهاب والجريمة السياسية هي مسألة ذات أهمية بالغة على اعتبار أن المعاملة الجنائية تختلف من الإرهابي إلى المجرم السياسي, وعلى هذا الأساس فالسؤال الذي سوف نحاول توضيحه هو ما المقصود تحديدا بالجريمة السياسية وما هي الحدود الفاصلة بين الجرم السياسي والعمل الإرهابي ؟

المبحث الاول : مدلول الجريمة السياسية:

 يمكن تحديد مدلول الجريمة السياسية من خلال تعريفها وتمييزها عن الجريمة العادية.

1- تعريف الجريمة السياسية:

التعريف الفقهي للجريمة السياسية: تعددت التعاريف المعطاة للجريمة السياسية واختلفت في مضامينها, فالبعض يرى أنها: "الأفعال التي تثير مخاطر سياسية أو التي تمس مصلحة أساسية ذات طابع سياسي مساسا مباشرا بحكم ما يكون لها من صدى في الميدان السياسي". وعرفها الفقيه "دالوز" بأنها: " الجريمة التي تقترف وتكون السياسة هي الغرض أو الدافع إليها ...", وعرفها الفقيه "فابريجيت" بأنها " الأعمال التي يقصد منها بطرق جنائية تحديد أو تحوير أو هدم أو قلب النظام السياسي وإثارة الاضطرابات سياسية أو كراهية لنظام الحكم , فهي إذن الجريمة التي تهاجم بها الحكومة في ذاتها معتبرة في نظامها السياسي وحقوقها المعترف بها...". أما الفقيه الألماني "فوت ليست" فيرى أن الجرم السياسي :" يشمل مجموعة الأفعال المعاقب عليها الموجهة ضد حقوق المجتمع السياسية أو ضد حقوق المواطنين السياسية ". ويعرفها "السعيد مصطفى السعيد" بأنها: "جريمة توجه مباشرة ضد الدولة باعتبارها هيئة سياسية سواء من حيث موضوعها أو البواعث التي تدعوا إليها " وإجمالا فإن الجريمة السياسية, والتي يقصرها معظم الفقهاء على الجرائم الموجهة ضد أمن الدولة الداخلي دون الخارجي, هي تلك التي تنطوي على معنى الاعتداء على نظام السلطات العامة أو حقوق الأفراد السياسية".

وخلاصة القول فإن الجريمة السياسية هي الجريمة التي يوجه الاعتداء فيها إلى نظام الدولة السياسي القائم بهدف تغييره أو تعديله, وهي تقتصر على الجرائم الموجهة ضد أمن الدولة الداخلي دون الخارجي , نظرا لخطورة الجرائم الموجهة ضد أمن الدولة الخارجي والتي يمكن حصرها في الخيانة والتجسس اللذان لا يمكن اعتبارهما جرائم سياسية.

- التعريف التشريعي للجريمة السياسية: تجدر الإشارة بداية إلى أن مهمة التشريعات الجنائية , ليست إيراد التعريفات, ولكن تبيان عناصر الجريمة وتحديدها على وجه الدقة, ومن ثمة فقد أحجمت معظم التشريعات الجنائية للدول على إيراد تعريف للجريمة السياسية. وقد أحجم أيضا المشرع المغربي عن إيراد تعريف لها, إلا أن هذا لم يمنع مجموعة من التقنينات التشريعية العربية من وضع تعريف محدد للجريمة السياسية, وفي هذا السياق تنص المادة 153 من قانون العقوبات السوري إلى أن : "...الجرائم السياسية من الجرائم المقصودة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي وهي كذلك الجرائم الواقعة على الحقوق السياسية العامة أو الفردية ما لم يكن الفاعل قد انقاد لدافع أناني دنيء..."

وقد عرفها أيضا قانون العقوبات الليبي في المادة التاسعة, حيث نص على أنه: " ... تعد جريمة سياسية في حكم القانون الجنائي, كل جريمة تمس بمصلحة سياسية لدولة أو بحق سياسي لأحد الأفراد , كما تعد جريمة سياسية الجريمة العادية التي يكون الدافع الأساسي لارتكابها دافعا سياسيا..."

ويلاحظ على هذه التعاريف الفقهية أو التشريعية أنها تتسم بالغموض والعمومية بل حتى الارتجالية أحيانا حيث يظهر تداخل كبير في هذه التعريفات بين الجرائم السياسية والجرائم الأخرى المتعلقة بأمن الدولة الخارجي منها والداخلي مما يجعل هذه التعاريف قاصرة الدلالة وعاجزة عن الإحاطة بالمعنى الحقيقي للجريمة السياسية , وهو ما سوف نحاول توضيحه في الخطوات القادمة, ولكن يجب بداية تمييز الجريمة السياسية عن الجريمة العادية.


2- تمييز الجريمة السياسية عن الجريمة العادية

هناك ثلاث مذاهب أساسية يمكن من خلالها تحديد معايير التمييز بين الجرائم السياسية والجرائم العادية وهي المذهب الشخصي , والمذهب الموضوعي , والمذهب المختلط .

أولا- المذهب الشخصي: يرتكز هذا المذهب في التفرقة بين الجريمة العادية والجريمة السياسية على الباعث أو القصد أو الغرض الذي من أجله ارتكب الجرم دون التقيد بموضوع الجريمة أو المصلحة التي تهددها, وعلى هذا الأساس يمكننا أن نميز داخل هذا المذهب بين ثلاث معايير:

أ- معيار الباعث أو الدافع : ينظر هذا المعيار إلى السبب المحرك الذي دفع الجاني ابتداءا , إلى ارتكاب الجريمة, فإذا كان هذا الباعث أو الدافع سياسيا اعتبرت الجريمة سياسية وإلا فإنها تصبح جريمة عادية.

ب- معيار الغرض أو الهدف: حسب هذا المعيار فإن الجرائم تعتبر سياسية إذا كان هدفها أو كان غرض الجاني منها سياسيا , ومن رواد هذا الاتجاه الفقيه الأماني "فون بار von bar- " الـذي يـرى أن الـجـريمة السـياسية هـي مـجموعة من الأفعال التي يتضح أن اتجاهها أو غرضها القيام بانقلاب غير قانوني على الدولة أو مؤسساتها أو الأعمال الحكومية المخالفة للمبادئ الأساسية للعدل والإنصاف .

ج- الجمع بين معيار الدافع والهدف : حيث يميل جانب من الفقه إلى الأخذ بمعيار مزدوج في إطار هذا المذهب الشخصي, يعتبر الجريمة سياسية إذا حركتها دوافع أو بواعث سياسية أو كان الهدف منها سياسيا.

ثانيا- المعيار الموضوعي (المادي): وقوام هذا المذهب أن الصفة السياسية التي تتوافر فيها أركان الجريمة تتوقف على طبيعة الفعل في ذاته, فتكون الجريمة السياسية إذا كانت موجهة ضد الدولة, أما غير ذلك فهي جريمة عادية, وهكذا فإن المذهب الموضوعي على العكس من المذهب الشخصي, لا يكتفي لاعتبار الجريمة سياسية بأن يكون الدافع الذي سبب اقترافها سياسيا, فقط بل يعتمد على صفة الحق المعتدى عليه بها, فالجريمة تعد سياسية إذا كان موضوع الاعتداء فيها واقعا على حقوق الأفراد السياسية أو على أحد حقوق الدولة السياسية .

ثالثا- المعيار المختلط : وهو معيار يمزج بين المعيار الشخصي والمعيار الموضوعي. فهو معيار توفيقي يري الغاية والموضوع متلازمان, وبالتالي يكون تحديد الجريمة : السياسية في هذا المعيار معتمدا على محل الجريمة والشخص الفاعل ونوع الفعل والبواعث والهدف.

وبعد أن رأينا معايير تميز الجريمة السياسية عن الجريمة العادية, بقي أن نميز الجريمة السياسية عن الجريمة الإرهابية وهو ما سوف يوضح لنا بجلاء مضمون وحدود الجريمة السياسية.

المبحث الثاني. الفرق بين الإرهاب و الجريمة السياسية

إن التفرقة بين الإرهاب والجريمة السياسية هي مسألة محسومة في المجتمع الدولي منذ معاهدة باريس عام 1937 الخاصة بمكافحة الإرهاب, والتي استبعدت بصورة قاطعة جرائم الإرهاب والجرائم الأخرى التي ترتكب بغرض دنيء من نطاق الجرائم السياسية. وقد تكرر النص على استبعاد جرائم الإرهاب من نطاق الجرائم السياسية في أغلب الاتفاقيات الثنائية وكل الاتفاقيات المتعددة الأطراف وجميع الاتفاقيات الدولية والإقليمية بشأن تسليم المجرمين.

وإذا كانت الجريمة الإرهابية والجريمة السياسية قد تتوحد أحيانا في الهدف الذي ترميان إليه, فإنهما تختلفان في الآليات المعتمدة لتحقيق ذلك, وكذلك في الصدى والتأثير اللذان تخلفانه على مستوى الرأي العام الدولي, الذي وإن كان يتعاطف أحيانا مع الجريمة السياسية فإنه يجمع على الإدانة الكلية وغير المشروطة للجريمة الإرهابية , لا من حيث وسائلها ولا من حيث أهدافها

ويرى البعض أن الفرق بين الجريمة الإرهابية والجريمة السياسية هو كون الإرهاب من الجرائم العادية بالنظر إلى الجرائم السياسية التي تخص فقط جرائم الرأي المتمثلة في اعتناق رأي أو عقيدة أو الانضمام إلى جمعية سياسية محظورة وكذلك التظاهر والاعتصام , أما إذا خرج الأمر عن ذلك في صور أفعال مثل الاغتيال والخطف والقتل حتى لو كان الدافع عليها سياسيا فإنها تصبح جرائم عادية, وإذا اتخذت هذه الجرائم صفة التنظيم والاستمرار والنضال بقصد إفشاء الرعب والخوف العام, تصبح جرائم إرهاب مع استثناء أعمال الكفاح المسلح المشروع،
ومن أهم هذه المذاهب التي تفرق بين الجرائم السياسية والجرائم الأخرى بما فيها الإرهاب ما يعرف بمذهب "جنيف" هذا المذهب الذي أسس على إثر ما ذهب إليه المعهد الدولي للعلوم الجنائية في دورته المنعقدة في جنيف عام 1892 ويقوم هذا المذهب على المبادئ الآتية :

- عدم جواز التسليم في الجرائم السياسية المحضة أي جرائم رأي.

- الأفعال المرتكبة أثناء الثورات والحروب التحريرية والمدنية لكسب معركة يستفيد فاعلها من حق اللجوء السياسي إلا إذا كانت من أفعال النذالة والضرر والوحشية.

- الأفعال الفردية الخطيرة من حيث الأخلاق والاعتداء عل الحقوق العادية لا تستفيد من حق اللجوء السياسي .
ومن جهة أخرى يمكن أن نميز بين الجريمة الإرهابية والجريمة السياسية من خلال أن الضحايا في حالة الجريمة الإرهابية غير محددين بذواتهم في أحيان كثيرة مما يساهم في خلق شعور عام بالخطر يؤدي إلى إثارة حالة من الرعب في المجتمع, بينما في الجريمة السياسية لا يقع ضرر مادي على ناس من المجتمع, كما ينعدم فيها الإحساس بالخطر العام , وليس لها ضحايا لأنها تتعلق غالبا بإبداء رأي مخالف لما هو منصوص عليه في القوانين الداخلية للدول. وعلى هذا الأساس منح القانون الدولي من يرتكب هذه الأفعال ويكون مطاردا من السلطات المحلية حق اللجوء السياسي, بينما حرم هذا الحق على المجرم الإرهابي, هذا ولا يعتبر القانون الدولي الجريمة الإرهابية, جريمة سياسية بأي حال من الأحوال حتى لو كان الدافع أو الباعث لها سياسيا وإنما هي جريمة من نوع خاص. ومن تمة يمكننا أن نستخلص من خلال ما تقدم أن الجريمة السياسية هي تنطبق فقط على الآراء والأفكار والمعتقدات التي تشكل منهجا فكريا معينا يتفق أو يتعارض مع فكر مجموعة سياسية تتواجد في السلطة , وينطبق أيضا على الأنشطة المحظورة أو الترويج لفكر سياسي محظور , عن طريق الخطابة أو المنشورات أو الملصقات أو أي وسيلة أخرى لا يستخدم فيها العنف أو التحريض عليه وهذه هي فقط التي ينطبق عليها لفظ جرائم سياسية. أما الجرائم الإرهابية فهي التي تستهدف كمبتغى إحداث صدمة أو حالة من الذهول , أو التأثير على الجهات الرسمية أو المؤسسات الحكومية والنظامية وتتجاوز ضحايا الإرهاب المباشرين, باعتماد العنف أو التهديد باستعماله لتحقيق أهداف سياسية .



تعليقات