.ازدواجية دور النيابة العامة في قضايا الحالة المدنية وأثره عمليا
الزمالك عبد الكريم
مستشار لدى محكمة الاستئناف بالعيون
ان اول ما يبادر الى الذهن ان
بحث أي اشكالية فيما يخص تدخل النيابة العامة في قضايا الحالة المدنية مجرد عبث
امام وضوح النصوص، اذ كيف يعقل ان يكون هناك اشكال في هذا المجال رغم وضوح الفصول
التي عالجت هذا الموضوع. لكن رغم ان النصوص التي اهتمت اساسا بصورة تدخل النيابة
العامة في قضايا الحالة المدنية لا تحتاج الى شرح. فان العمل القضائي قد سار وجهة
تخالف ظاهر تلك النصوص، اذ اعتبر ان تدخل النيابة العامة في قضايا الحالة المدينة
او بالاحرى دور النيابة العامة في هذه القضايا دورا رئيسيا في جميع الاحوال، ورتب
على ذلك الاثر القانوني لهذه الصفة، الوارد النص عليه في الفصل 7 من قانون المسطرة
المدنية. ويتجلى هذا عمليا من جهة، فان
ان غالبية كتابات ضبط المحاكم تبادر عند وضع المقالات المقدمة من اغيار الى تسجيل
النيابة العامة بالملف كطرف مدعى عليه. وكذا ان غالبية النيابات العامة تبادر الى
استئناف الاحكام التي تصدر خلافا لملتمساتها الكتابية. وان محاكم الاستئناف تقبل
هذا الاستئناف بالرغم من ان الدعوى لم تقدم من طرفها. وهذا يقودنا الى
التساؤل عن الاسس التي قام عليها هذا الاتجاه الذي سارت عليه اغلب المحاكم، والذي
بمقتضاه خولت للنيابة العامة صفة الطرف الرئيسي في جميع قضايا الحالة المدنية سواء
التي باشرتها بنفسها عن طريق الادعاء او التي رفعت من طرف الاغيار الذين لهم مصلحة
مشروعة في ذلك. ان جل مؤيدي هذا الاتجاه يعتبرون قضايا الحالة المدنية من
النظام العام وانها ما دامت كذلك فان النيابة العامة تكون فيها طرفا رئيسيا بحكم
ذلك، ولعل هذا الراي جاء كتفسير للاتجاه الذي ساد عمليا في القضاء المدني الفرنسي،
الذي اجاز للنيابة العامة في الحالة التي تكون فيها طرفا منضما استئناف القضايا التي
لها صبغة النظام العام. وهو تقليد خاطئ لهذا المبدا، بحكم انه يقتصر في العمل
القضائي الفرنسي على اعطاء حق استئناف الاحكام التي لها صبغة النظام العام للنيابة
العامة، دون ان يفضي على ذلك صفة الطرف الرئيسي لها. في حين ان العمل القضائي
المغربي في اتجاهه المذكور يضفي صفة الطرف الرئيس على النيابة العامة في قضايا
الحالة المدينة بحكم انها من النظام العام.
واذا كانت الامكانية التي
أتاحها العمل القضائي الفرنسي للنيابة هناك لاستئناف الاحكام التي لها طابع النظام
العام ممكنة في هذا القانون، فانه بالنسبة للقانون المغربي تصطدم بمقتضيات الفصل 9
من قانون المسطرة المدنية الذي حدد حصرا حالات التدخل الاجباري للنيابة العامة.
وذكر ضمن حالاته القضايا التي تتعلق بالنظام العام. وهي تدخل في اطار دور النيابة
العامة الانضمامي الاجباري لا غير، وهذا لا يعطيها اطلاقا حق ممارسة أي طعن كما هو
مستفاد من مقتضيات الفصل 8 من ق م م.
في جهة اخرى نجد
المحاكم قد اتجهت فيما يخص مسطرة البث في قضايا الحالة المدنية وجهتين مختلفتين.
فبعضها يبت في اطار مسطرة الاوامر المبنية على طلب أي يصدر اوامر في غيبة الاطراف
ودون استدعائهم، والبعض الاخر يعرضها في جلسات علنية دون حضور النيابة العامة. مع
ان صفة الطرف الرئيسي تجعل حضورها الزاميا في الجلسة، خصوصا اذا تعلق الامر بمسطرة
شفوية كما هو الامر في قضايا الحالة المدنية. وهذا يؤدي الى نوع من التناقض في
الممارسة التي اتخذتها المحاكم بالرغم من تقيدها بالاتجاه الذي يقضي باعتبار
النيابة العامة طرفا رئيسيا من قضايا الحالة المدنية. وكما سبق بيانه اعلاه. ذلك
ان هذه الممارسة تجعل النيابة العامة طرفا انضماميا اكثر منه طرفا رئيسيا.
وبالرجوع للفصول التي
اهتمت بدور النيابة العامة في قضايا الحالة المدنية، ونخص بالذكر في هذا المجال
الفصلين 217 و218 من ق م م نجد ان الفصل 217 ينص على ما يلي: "يمكن لكل شخص
له مصلحة مشروعة وللنيابة العامة ان تطلب من المحكمة الابتدائية اصدار تصريح قضائي
بازدياد او بوفاة لم يسبق تقييده بدفاتر الحالة المدنية". كما ان الفقرة
الثانية من الفصل 218 من قانون المسطرة تنص على انه: " يتعين تبليغ المقال
الى النيابة العامة اذا لم تكن هي التي احالته على المحكمة لتبدي رايها بمستنتجات
كتابية".
واذا كان الفصل الاول قد اوضح بصفة صريحة دون النيابة
العامة كطرف رئيسي مدع. فان الفقرة الثانية من الفصل الثاني، وان كان ظاهرها يوحي
بصفة انضمامية، الا ان العبارات المستعملة وصياغتها تجعل امر تاويلها ضروريا
لاستجلاء ارادة المشرع، في خلال هذه الصياغة الخاصة ذلك ان المشرع لم يكتف بالزام
المحكمة بتبليغ النيابة العامة المقال اذا لم تكن هي التي رفعته، بل اضاف لتبدي
رايها فيه بمستنتجات كتابية. ولو كان المشرع يريد تاكيد الصفة الانضمامية
لاكتفى بالزام المحاكم بتبليغ الملفات او المقالات الى النيابة العامة كما
فعل في الفصل 50 من ظهير 1915 اذ نص على ان تصحيح الرسوم المتعلقة بالحالة المدنية
تقع باذن من رئيس المحكمة الابتدائية الفرنسية التي تمتد دائرة نفوذها الى المكان
المحرر فيه الرسم بدون اخلال بالاستئناف واذا كان المطلب المتعلق بالتصحيح غير
الصادر من وكيل الملك فمن الواجب اطلاعه عليه. كما جاء ايضا في القرار الوزيري
المؤرخ في 3/4/1950 انه " يجب اطلاع المندوب المخزني ( وكيل الملك) على كل عريضة
ترمي الى اصلاح رسم من رسوم الحالة المدنية وللمندوب المخزني ايضا صفة قانونية بان
يطلب في جميع الاحوال اصلاح رسوم الحالة المدنية".
تمشيا مع مقتضيات الفصل 8 من قانون المسطرة المدنية
الذي ينص على انه ( تتدخل النيابة العامة كطرف منظم في جميع القضايا التي يامر
القانون بتبليغها اليها وكذا في الحالات التي تطلب النيابة العامة التدخل فيها بعد
اطلاعها على الملف او عندما تحال عليها القضية تلقائيا من طرف القاضي، ولا يحق لها
في هذه الاحوال استعمال أي طريق للطعن) أي ان مجرد امر قانون بتبليغ الملف الى
النيابة العامة او امر المحكمة باطلاعها عليه لا يعطيها اكثر من صفة الطرف المنظم.
لكن وكما سبق القول ان عبارة " لتبدي رايها
بالمستنتجات الكتابية" تقتضي، ان المشرع قد اوكل للنيابة العامة امر اتخاذ أي
مسلك من المسلكين تريد التواجد به في الدعوى، اما طرفا رئيسيا مدعى عليه او طرفا
منظما لان ابداء الراي في امر يقتضي اتخاذ موقف معين. أي ان المشرع بمقتضى الفقرة
الثانية من الفصل 218 قد منح للنيابة العامة دورا مزدوجا اذ مكنها من الصفتين معا
واوكل لها امر اختيار أي منهما تريد التواجد به في الدعوى التي لم ترفعها الى
المحكمة استثناءا من المبدا العام الذي يحدد الدور الذي تتواجد به النيابة العامة
في قضايا الحالة المدنية عموما والمنصوص عليه في الفصل 6 من قانون المسطرة المدنية
وسندنا في ذلك ان المشرع في النصوص التي نظمت الحالة المدنية وهي ظهير 1915. وظهير
1950. وقرار 1950. قد تضمنت الصفتين معا، اذ احيانا اكدت على صفة النيابة العامة
كطرف منظم وهي الفصول التي سبق الاشارة اليها والتي اكتفى فيها المشرع بالزام
المحاكم باطلاع النيابة العامة على المقالات التي لم تقدم من طرفها واحيانا اخرى مكنها
من تنصيب نفسها كطرف مدعى عليه كما فعل عندما مكنها من التعرض عن الاسم العائلي
خلال اجل 30 يوما ابتداء من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية أي مكنها من المنازعة
في هذا الاختيار، اذا ما ارتات ضرورة ذلك، بالاضافة الى ان المشرع في ظهير
4/5/1915. قد نص على مسطرتين للدعوى فهي اما تصدر عن رئيس المحكمة بواسطة اوامر في
حالة عدم وجود نزاع، ولكن عند النزاع تحال على قاضي الموضوع وبعد سماع مقال
النيابة العامة أي ان المشرع قد اكد على الازدواجية محل البحث. اذ في الحالة التي
تكون فيها النيابة العامة مجرد طرف انضمامي أي عند عدم المنازعة لا داعي لعرض
القضية على جلسة لكن في الحالة النزاعية يعرض على محكمة الموضوع. زد على ذلك عمليا
ان نوعية القضايا التي تطرح امام المحاكم تنصب على جانبين اثنين اما التصريح
بازدياد او وفاة اغفل صاحبها عن التصريح بها في إبانها القانوني او اصلاح اخطاء في
السجل او كناش الحالة المدنية. وبالنسبة للزمرة الاولى لا يمكن ان يتصور ان تكون
النيابة العامة طرفا مدعى عليه ذلك انه من مصلحة المجتمع السماح بتسجيل من اغفل
التصريح بازدياده او وفاته ولا يمكن منازعة النيابة العامة في ذلك اطلاقا اذ لو
نازعت فيه لكانت ضد مصلحة المجتمع الذي يقتضي توفر كل شخص على هوية وحالة مدنية
خاصة به. اما الزمرة الثانية فانها مثار منازعة على اعتبار ان ما دون في سجلات
الحالة المدنية حقيقي الى ان يثبت العكس وبالتالي وجب ان تكون النيابة العامة فيها
طرفا رئيسيا مدعى عليه، اذا ما تبين لها عدم جدية او قانونية الطلب.
واذا كان مبدا الازدواجية هذا ما يمكن النيابة العامة
من التصرف في الدعوى المقامة في اطار الحالة المدنية التي لم تبادر هي الى رفعها
في المحكمة في الشكل الذي تريده، فانه يجب عليها بمجرد عرض المقال عليها ان تبين
الصفة التي تريد التواجد بها في الدعوى حتى يمكن ان يترتب على ذلك اثره القانوني.
لكن عمليا يستعصى تبيان الدور الذي يمكن ان تتخذه
النيابة العامة في الدعاوي التي ورد النص عليها في الفصل 218 من ق م م ذلك ان جل
النيابات العامة تعد مطبوعات مسبقة وتكتفي بملئها اما بقبول الطلب او رفضه او
اسناد النظر. سواء كانت طرفا رئيسا او طرفا منضما. ان هذا لا يمكن ان يقف امام
استجلاء هذا الدور، خصوصا وان المتفق عليه فقها وقضاء ان النيابة العامة حينما
تكون طرفا منضما لا تملك حق المواجهة او المنازعة ذلك انها لا يمكنها بتاتا ان
تتقدم بمطالب في شكل نزاع وانما دورها دورا محايدا ولفائدة القانون.
اما في حالة الطرف الرئيسي لها ما للاطراف وعليها ما عليهم.
وهذا هو معيار التفرقة لبيان نوعية المسلك الذي اتخذه النيابة العامة في دعوى
الحالة المدنية المثارة من طرف الاغيار.
وهكذا يتجلى ان دور النيابة العامة في قضايا الحالة المدنية
لا كما ذهب اليه الاتجاه الاول الذي اعتبر ان النيابة العامة طرفا رئيسيا في جميع
قضايا الحالة المدنية، ولا كما ذهب اليه البعض من انها بمقتضى الفصل 218 مجرد طرف
انضمامي فقط ولا تملك حق الاستئناف وانما ان دورها في قضايا الحالة المدنية دور
مزدوج أي تملك الصفتين معا وعليها اختيار أي منهما تريد سلكه.
المراجع :
·كتاب ذ. محمد
بوزيان، دور النيابة العامة امام المحاكم المدنية.
·بحث ذ. محمد
العربي المجبود المنشور بمجلة الملحق القضائي العدد الثالث سنة 1980.
·بحث ذ. محمود
حسن المنشور بالمجلة المغربية للقانون العدد 4 سنة 1985.
·عرض ذة. الحسني
فاطمة المنشور بمجلة الملحق القضائي عدد 14 السنة 1985.
تحت عنوان دور النيابة العامة ووظيفتها امام القضائي المدني
في التشريع المغربي.
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 50، ص 11.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم