القائمة الرئيسية

الصفحات



اشكالات تجريم الشيك في ضوء التشريع الجديد

 


اشكالات تجريم الشيك في ضوء التشريع الجديد

 

 عبد الاله المستاري

الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بمراكش

 

لقد اصبح الشيك في الوقت المعاصر، ضرورة ملحة باعتباره اداة وفاء تقوم مقام النقد،  حيث اصبح يلعب دورا اساسيا في معاملاتنا المختلفة وفي حياتنا اليومية، من مختلف الشرائح الاجتماعية، من تجار وموظفين، وعمال  وصناع وفلاحين، وان التعامل به لم يعد مقتصرا على المجال  الداخلي  فحسب بل تعداه الى المجال الخارجي بفعل اتساع حجم المعاملات الدولية والتجارة الخارجية مما يبرز بشكل واضح الدور الايجابي والفعال الذي يقوم به الشيك، في مجال صرف الاموال وتداولها، ومع ذلك فان اتساع التعامل بالشيك في  مختلف المجالات، قد افرز عدة سلبيات  وانعكاسات  جعلت  الاهتمام بها ودراسة اسبابها وتقصي عواملها، رغبة اجمع عليها كل المهتمين بهذا الموضوع، وكافة الفعاليالت الاقتصادية والحقوقية .

 

وفي هذا الاطار تدخل المشرع وابرز في قانون التجارة مقتضيات جديدة من شانها ان تعيد للشيك اعتباره ومكانته، وتثبيت مصداقيته وفعاليته حفاظا على الثقة التي يجب ان تبقى شائعة في مختلف المعاملات التي تتم بواسطته، وصونا لسلامتها .

 

وسنحاول في مداخلتنا المتواضعة هذه التطرق الى بعض الملاحظات والتدابير والاجراءات التي عينت  لها  من  خلال  التطبيق الفعلي  لبعض المقتضيات التي جاءت بها الاحكام الجديدة الخاصة بالشيك، وسنقتصر في ذلك على الجانب الزجري من هذا القانون الذي تضمن جرائم مستحدثة وجزاءات جديدة لم يتطرق اليها التشريع من ذي قبل، باعتبارها الحماية الناجعة التي توفر الثقة بين المتعاملين بالشيك، واكبر  حافز  للافراد  على التعامل به، والتي يمكن تصنيفها على النحو التالي :

 

الجزء الاول : جرائم خاصة بالساحب .

الجزء الثاني : جرائم خاصة بالمستفيد .

الجزء الثالث : جرائم خاصة بالمسحوب عليه .

الجزء الرابع : جرائم اخرى .

 

كما سنتناول الحديث عن مسائل اخرى متفرقة تتعلق : بالعقوبة - تطبيق ظروف التخفيف - محضر الاحتجاج - الاختصاص - التقادم - مؤكدين في ذات الوقت على ان هذا المداخلة هي مجرد مقاربة لفهم بعض الاحكام الجديدة، وستبقى لا محالة قاصرة، نظرا لكون الاحكام الجديدة التي تضمنها الظهير الشريف الصادر بتاريخ 3 اكتوبر1996 المتعلق بتنفيذ القانون الصادر بتاريخ فاتح غشت 1996، المتعلق بمدونة التجارة هي احكام حديثة العهد لم يصبح العمل جاريا بها بالنسبة لمادة الشيك الا بتاريخ 3/10/1997، وهي فترة لا يمكن بتاتا ان تفرز كل الاشكالات والصعوبات المثارة بمناسبة تطبيق الاحكام التي جاءت بها .

 

وان ذلك رهين بتنظيم مثل هذه الندوات والمناظرات التي تتفاعل فيها الافكار والاراء، والتي ستساهم لا محالة في اثراء العمل القضائي، وتوحيد الاجتهاد، وازاحة كل غموض عن المقتضيات المبهمة وسد الثغرات التي قد تعتري التشريع - وتذليل الصعوبات التي قد تعترضنا في مسيرة عملنا القضائي .

 

وقبل الخوض في الموضوعات التي ذكرناها سلفا، لابد من الاشارة الى ان بعض المحاكم ومعها بعض النيابات العمومية لازالت مستمرة في تطبيق مقتضيات الفصل 543 من القانون الجنائي المتعلق بجريمة اصدار شيك بدون رصيد، التي لم يعد لها وجود وتم الغاؤها بمقتضيات المادة 316 من قانون مدونة التجارة الذي يعتبر نصا خاصا جديدا جاء هو الاخر بمقتضيات زجرية، اذ من المعلوم قانونا ان النص الجديد يغلي دائما النص القديم، ما لم يوحد نص خاص يسمح بذلك، وان المنطق القانوني لا يسمح بهذه الثنائية في التشريع، كما انه ليس من المنطق في شيء ان يتضمن الفعل الواحد عدة عقوبات، فقبل صدور المجموعة الجنائية سنة 1962 كانت المقتضيات الزجرية المطبقة من قبل هي المقتضيات المنصوص عليها في ظهير 19/1/1939 وخاصة مقتضيات الفصل 70 منه التي ما لبثت ان الغيت بمقتضى الفصل 543 من القانون الجنائي، فضلا عن ان المشرع في مدونة التجارة قد نص صراحة على هذا الالغاء في المادة 733 التي قضت بما يلي : ان احكام هذا القانون تنسخ وتعوض الاحكام المتعلقة بالموضوعات نفسها حسبما وقع تغييرها او تتميمها" فجريمة اصدار شيك بدون رصيد المنصوص عليها سابقا في الفصل 543 من القانون الجنائي هي نفسها الواردة في المادة 316 من مدونة التجارة التي تعتبر  من جهة ثانية بمثابة القانون الاصلح للمتهم باعتبار ان العقوبة المالية المقررة لها لا يمكن ان تقل قيمتها عن 25%  من قيمة الشيك او الخصاص، عكس ما كان عليه الامر بالنسبة لمقتضيات الفصل 543 م ق ج التي كانت تقضي بغرامة مالية يجب لان لا تقل عن قيمة الشيك او الرصيد الناقص .

لذلك فلا مجال للحديث مجددا عن اعمال تلك المقتضيات .

 

الجزء الاول

حول اهم الجرائم الخاصة بالساحب

الفرع الاول 1 : جريمة ساحب الشيك الذي اغفل او لم يقم بتوفير مؤونة الشيك قصد ادائه عند تقديمه .

الفرع الثاني 2 : جريمة ساحب الشيك المتعرض بصفة غير صحيحة لدى المسحوب عليه .

الفرع الثالث 3 : جريمة الساحب المخالف للمنع من اصدار شيكات جديدة .

الفرع الرابع 4 : جريمة الساحب الذي يصدر شيكا بدون ذكر مكان او تاريخ الاصدار او ذكر تاريخ غير حقيقي .

وسنتحدث تباعا عن كل جريمة على حدة من الجرائم المذكورة .

 

الفرع الاول

جريمة ساحب الشيك الذي اغفل او لم يقم بتوفير مؤونة

لقد عاقب المشرع في المادة 316 من مدونة التجارة ساحب الشيك، الذي اغفل او لم يقم بتوفير مؤونة الشيك قصد ادائه عند تقديمه بعقوبة الحبس من سنة الى خمس سنوات، وبغرامة تتراوح بين 2000 درهم و10.000 درهم دون ان تقل قيمتها عن خمسة وعشرين في المائة من مبلغ الشيك او من الخصاص .

 

أ‌-   فعل الاصدار :

الساحب لكي تكون مساءلته قائمة، يتعين ان يتوفر ركن اساسي الا وهو فعل الاصدار الذي يقتضي التخلي عن حيازة الشيك ودخوله في الحيازة المستفيد، ويتم ذلك عند تسليم الساحب الشيك للمستفيد تسليما مصحوبا بارادة التخلي عن حيازته نهائيا، بحيث يتم طرح الشيك للتداول لتسري عليه الحماية القانونية التي اسبغها القانون على الشيك بالعقاب على اصداره بدون مؤونة، فالساحب الذي يحتفظ بالشيك رغم تحريره وتوقيعه، ثم يضيع منه لسبب من الاسباب فانه لا يساءل اذا ما تبين بانه لم تكن له مؤونة قائمة وقابلة للتصرف فيها، لان فعل الاصدار لم يتم من جانبه، وانما عمله هذا قد اقتصر على الاعمال التحضيرية  - قرار محكمة النقض المصرية رقم 1209 لسنة 30 الصادر بتاريخ 22/11/1960 المنشور بموسوعة القضاء والفقه للدول العربية الجزء 20 ذ. حسن الفكهاني الصفحة 327 .

 

واذا كان اعطاء الشيك لا يتاتى الا من جانب الساحب، فقد عاقب المشرع كل من قام عن علم بتظهير شيك بشرط ان لا يستخلص فورا وان يحتفظ لبه على سبيل الضمانة، على اعتبار ان التظهير ينقل جميع الحقوق الناشئة عن الشيك ولا سيما ملكية المؤونة المادة 316 من مدونة التجارة، كما ان الشيك يمكن ان يكون موقعا وصادرا عن وكيل بمقتضى وكالة خاصة اذ يتعين التنصيص في هذه الحالة على صفة الوكيل بالشيك وعلى المسحوب عليه ان يتحقق من صفة الوكيل قبل صرف الشيك .

 

كما يمكن ايضا ان يسند توكيل عام لشخص طبيعي كما هو الشان بالنسبة للشخص  المعنوي الذي ينتدب احد ممثليه بالتوقيع على الشيكات نيابة عنه وباسمه، حيث يتعين اخبار المسحوب عليه باسم وكيله المفوض له بالتوقيع على الشيكات نيابة عنه مع تزويده بنموذج من توقيعه، ونرى ايضا تزويد المسحوب عليه بنسخة من بطاقة تعريفه الوطنية على غرار ما نص عليه المشرع في المادة 251 من مدونة التجارة بالنسبة للاشخاص الطبعيين، لما ينطوي عليه هذا الاجراء من اهمية بالغة اذ عند تعذر سداد قيمة الشيك، يسهل تعقب الوكيل الموقع على الشيك بكافة الوسائل المفيدة للبحث عنه، بما في ذلك، تحرير برقية بحث في حقه على الصعيد الوطني من طرف الضابطة القضائية. وقد حسم المشرع الجدل القائم بشان ملاحقة الشخص المعنوي من اجل اصدار شيك بدون رصيد في اطار مقتضيات الفصل 127 من القانون الجنائي، حيث نص صراحة في المادة 249 من مدونة التجارة بانه : لا يجوز توقيع الشيك نيابة عن شخص اخر بدون تفويض مكتوب لدى المسحوب عليه، واذا تم توقيع الشيك بدون تفويض مسبق فان موقعه هو الوحيد الملزم بالوفاء، فان وفاه الت اليه الحقوق التي كانت ستؤول الى من ادعى النيابة عنه " ويسري الحكم نفسه على من تجاوز حدود النيابة" .

 

وبذلك يكون المشرع قد تبنى ما استقر عليه العمل القضائي في بعض الدول العربية ومنها مصر التي كانت محاكمها تعتبر دائما الوكيل مسؤولا عن الشيكات التي يصدرها بدون رصيد، لانه يعتبر الساحب الفعلي لشيك ولو بصفة الوكالة اذ انه كان يعلم بكل تصرفاته واثارها فكان من اللازم عليه التحقق من وجود الرصيد، الذي يامر بالسحب عليه، حتى اذا ما اخل بهذا الالتزام وقعت عليه مسؤولية الجريمة باعتباره مصدرا للشيك الذي تحقق بفعله  طرحه للتداول " محكمة النقض المصرية بتاريخ 5/2/1963 احكام النقض ص 13 قاموس 22" - وهو نفس الاتجاه الذي درجت عليه محاكم مراكش التي وجدت الاساس القانوني في مقتضيات المادة 879 من قانون الالتزامات والعقود المتعلقة باحكام الوكالة التي تقضي بان الوكالة عقد بمقتضاه يكلف شخص شخصا اخر باجراء عمل مشروع لحسابه الخ

 

كما نص الفصل 903 من نفس القانون على ما يلي : على الوكيل ان يبذل في ادائه المهمة التي كلف بها عناية الرجل المتبصر حي الضمير، وهو المسؤول عن الضرر الذي يلحق الموكل نتيجة انتفاء هذه العناية الخ

 

ب- اعطاء شيك لا تقابله مؤونة قائمة ومعد للدفع

الغاية من سحب الشيك ان يحل محل النقود وان يتسلم المستفيد النقود بمجرد تقديمه للمسحوب عليه، فاذا الشيك سليما في مظهره وتحريره ولكن المستفيد لم يتمكن من قبض المبلغ، فان الساحب يعاقب، وعلى العكس من ذلك فان الجريمة لا تتحقق اذا تاخر المستفيد عن تقديم الشيك للاداء فتمكن الساحب من توفير المؤونة او من اتمام الخصاص خلال فترة التاخير، لان النص صريح في كون الساحب يجب ان يوفر مؤونة الشيك للادلاء عند تقديم الشيك ولقد حددت المادة 268 من مدونة التجارة الاجال التي يجب تقديم الشيك خلالها للاداء فهي عشرون يوما اذا كان الشيك صادرا بالمغرب، ومستحق الوفاء به وستون يوما اذا كان صادرا خارج المغرب وكان مستحق الوفاء به، ويبدا احتساب هذه الاجال من التاريخ المثبت بالشيك كتاريخ لاصداره، وليس معنى هذا بان حق المستفيد يسقط بانصرام هذه الاجال بل حقه يبقى قائما طوال مدة سنة ابتداء من تاريخ انقضاء اجل التقديم. اذ جاء في المادة 271 من مدونة التجارة، يجب على المسحوب عليه ان يقوم بالوفاء ولو بعد انقضاء اجل تقديم الشيك ما لم يتعدى اجل السنة المحدد لتقادم دعوى الحامل ضد المسحوب عليه، كما تقضي بذلك المادة 295 من المدونة .

 

ومعلوم ان هذه المدد تتعلق اساسا بسقوط حق الحامل المهمل في الرجوع على المظهرين وكذا الساحب الذي قدم مقابل الوفاء، اما الساحب الذي لم يقدم مقابل الوفاء، او الذي يسحب الرصيد بعد اعطاء الشيك وقبل وفائه، ولو تم هذا السحب بعد انقضاء ميعاد التقديم، فانه لاحق له في الاحتجاج بمدد التقديم، لان تلك المدد لم تقرر لمصلحة الساحب الذي عليه ان يحتفظ بالمؤونة التي تمثل قيمة الشيك لدى المسحوب عليه الى ان تنتهي بالوفاء، وهذا من قررته محكمة التمييز السورية في قرارها الجزائي تحت رقم 1026 بتاريخ 28/12/63 المنشور بموسوعة القضاء والفقه للدول العربية عدد 20 ص 373 للاستاذ حسن الفكهاني .

 

فغاية المشرع من تحديد تلك الاجال هي تحفيز الساحب، على وضع المؤونة الكافية لدى المسحوب عليه من اجل الوفاء بقيمة الشيك، ومنحه ايضا فرصة الاستفادة من تخفيض العقوبة الحبسية، او تجنبها بالمرة، كما تقضي بذلك المادة 325 من مدونة التجارة .

 

ومما تجدر الاشارة اليه في هذا الصدد فان الشيكات البريدية تخضع لمقتضيات ظهير 12/5/1926 ، الا ان مقتضيات المادة 728 من مدونة التجارة نصت على تطبيق المواد من 311 الى 318 على الشيكات البريدية الصادرة وفقا للشروط المنصوص عليها في هذه المواد والتي لا يقع الوفاء بها عند نهاية اليوم الثامن الموالي لتوصل مكتب الشيكات بها .

 

وقد يقيم الساحب الدليل على وجود المؤونة وقت التقديم كادلائه بالكشف البنكي او اثبات وقوع المؤسسة البنكية في خطا حسابي، فانه لا يساءل جنائيا، ويعود امر تقدير ذلك للمحكمة، ومن الضروري ان تكون المؤونة قابلة للتصرف والسحب اي معدة للدفع فاذا كانت غير معدة للدفع كان تكون محجوزة لوجود دين على الساحب فالامر هنا يقتضي التمييز بين حالتين :

 

1- حالة ايقاع الحجز قبل اصدار الشيك وتقديمه للبنك

وفي هذه الحالة لا يمكن للساحب ان يدفع عنه المسؤولية ويحتج بكون الحجز اوقعه الغير ولا يد له فيه طالما انه كان عالما بوقوع الحجز على المؤونة، وبعدم قابليتها للتصرف فيها عند اصداره للشيك .

2- حالة ايقاع الحجز بعد اصدار الشيك وتقديمه

وهنا يجب التمييز ايضا بين ايقاع الحجز على المؤونة بشكل صوري ولمجرد منع المستفيد من صرف الشيك كان يتم الاتفاق على ذلك بين الحاجز والساحب وبين ايقاع الحجز من طرف الغير بصورة حقيقية .

ففي الحالة الاولى لا عبرة بالحجز الواقع اذ يعتبر مجرد تحايل لا يتاثر به حق المستفيد، حسبما قضت بذلك محكمة الاستئناف بالرباط في قرارها الصادر بتاريخ 19/2/1946 المنشور بمجلة المحاكم المغربية بتاريخ 10/5/46 ص 79 .

 

اما في الحالة الثانية التي يمارس فيها الحجز بصورة حقيقية فان مسؤولية الساحب الجنائية تكون منعدمة لانعدام القصد الجنائي لديه، اذ بتاريخ اصداره للشيك كان يعمل بوجود المؤونة القائمة القابلة للتصرف، وما طرا بعد ذلك يعتبر عنصرا خارجا عن ارادته تنتفي معه مسؤوليته الجنائية، اللهم اذا كان عالما بان هناك نزاعا قائما بينه وبين الغير من المحتمل ان يؤدي بهذا الاخير الى ايقاع الحجز اذ بامكانه التحكم في هذه الظروف وذلك بتسوية النزاع قبل اصداره للشيك وتقديمه للبنك .

 

وللمستفيد من الشيك الحق في تملك مقابل الوفاء الناقص واستيفاء قيمته من المسحوب عليه، الذي عليه ان يطالب باثبات الوفاء على الشيك ذاته، وان يعطي مخالصة بذلك، كما تقضي بذلك المادة 273 من مدونة التجارة. ومن الوجهة العملية فان هذه المقتضيات عادة لا تحترم من طرف الابناك التي تظل ترفض الوفاء الجزئي وتحتفظ دائما بالمؤونة الناقصة بقيمة الشيك، وتعتمد في ذلك على ان من شان تسليم المؤونة الناقصة المتوفرة لديها ان تؤدى لا محالة على اغلاق حساب الزبون الذي يصطدم بعدة صعوبات عملية .

 

ومهما يكن من امر فيبقى الحق للحامل او المستفيد في مطالبة البنك المسحوب عليه قضائيا بالوفاء الجزئي للشيك طالما ان المشرع جعل من هذا الوفاء امرا الزاميا اذ نص صراحة في المادة 273 المذكورة على ما يلي: اذا كانت المؤونة اقل من مبلغ الشيك فان المؤسسة البنكية المسحوب عليها ملزمة بعرض اداء الشيك في حدود المؤونة المتوفرة، ولا يمكن للمسحوب عليه ان يرفض هذا الاداء الجزئي" .

كما قضت نفس المادة بان الحامل لا يجوز له ان يرفض الوفاء الجزئي .

 

ج- القصد الجنائي

لئن كان سوء نية الساحب  يعتبر العنصر الاساسي لقيام جريمة اصدار شيك بدون رصيد المتمثل في علم الساحب بعدم كفاية او انعدام الرصيد عند الاصدار، كما كان ينص على ذلك الفصل 543 ق.ج فان سوء النية في ظل المقتضيات الجديدة التي جاءت بها مدونة التجارة ولا سيما المادة 316 اصبح من ضمن شروط قيام هذه الجنحة وليس شرطا لازما لها، ذلك ان الجريمة تتحقق بمجرد اغفال الساحب عن تكوين المؤونة وقت تقديم الشيك للاداء لاي سبب من الاسباب .

 

وهكذا يتاكد من خلال صراحة المادة 316 التي قضت " يعاقب بالحبس من سنة الى خمس سنوات، وبغرامة تتراوح ما بين 2000 درهم و10.000 درهم دون ان تقل قيمتها عن خمسة وعشرين في المائة من مبلغ الشيك او من الخصاص، ساحب الشيك الذي اغفل او لم يقم بتوفير مؤونة الشيك قصد ادائه عند تقديمه .

 

فالجريمة تتحقق سواء كان السب في عديم تكوين المؤونة راجع الى اغفال الساحب في تكوين المؤونة او الى سوء نيته المتمثل في اصداره لشيك بدون رصيد، او وجود رصيد يقل عن قيمة الشيك، اذ المفروض فيه ان يتتبع حساباته لدى البنك المسحوب عليه، وان لا يصدر شيكا الا بعد ان يتحقق من توفره على قيمته، كما قرر - ذلك المجلس الاعلى في قراراه الصادر في الملف الجنحي عدد 15372 بتاريخ 26/7/1983 .

 

ويتضح من ذلك ان المشرع باعتماده عنصر الاغفال يكون قد وسع مجال المساءلة الجنائية بالنسبة لهذه الجريمة حتى تتم ملاحقة وتعقب كل المتلاعبين بالثقة المفترضة في الشيك، ويكفي بالتالي تحقق هذا الشرط من دون حاجة الى عنصر سوء النية لقيام هذه الجريمة .

 

الفرع الثاني

جريمة الساحب المتعرض بصفة غير صحيحة لدى المسحوب عليه

الاصل ان الشيك يعتبر اداة وفاء واجب الدفع بمجرد الاطلاع اي بمجرد تقديمه للاداء الا انه استثناء من هذه القاعدة اجاز المشرع للساحب التعرض على اداء الشيك وبعدم صرف قيمته في احوال محدودة نصت عليها الفقرة الثانية من المادة 271 من مدونة التجارة التي جاء فيها : - لا يقبل تعرض الساحب على وفاء الشيك الا في حالة فقدانه او سرقته او  الاستعمال التدليسي للشيك او تزويره او في حالة التسوية والتصفية القضائية للحامل ويتعين على الساحب ان يؤكد كتابة تعرضه بصفة فورية كيفما كانت الوسيلة المستعملة في تلك الكتابة، وان يدعم ذلك بالوثائق الضرورية" .

 

كما قضت المادة 316 من نفس المدونة بمعاقبة الساحب المتعرض بصفة غير صحيحة. فاجراءات التعرض اصبحت بمقتضى التشريع الجديد منصوص عليها صراحة عكس ما كان عليه الامر في السابق، وهكذا فالتعرض يجب ان يكون صريحا لا لبس فيه معبرا عن ارادة الساحب في منع الوفاء بقيمة الشيك، وقد يتم في شكل تصريح يدلي به الساحب للبنك المسحوب عليه تحت مسؤوليته وعهدته او بواسطة البرق اوالهاتف، على ان يؤكد كتابة ويكون مستندا لاحدى الاسباب المذكورة في المادة 271 المشار اليها سالفا، وان يدعم بالوثائق الضرورية كالادلاء بشهادة السرقة او الضياع في شكل محضر محرر من طرف الضابطة القضائية، الى غير ذلك من الوثائق التي تبرره .

 

والاصل ان يستمر التعرض على الاداء قائما حتى يسقط بالقضاء .

وللحامل في حالة وقوع التعرض على الوفاء في غير الحالات المذكورة ان يطلب من قاضي الامور المستعجلة رفع التعرض المذكور بعد تبليغ الطلب للساحب المتعرض، وعلى قاضي الامور المستعجلة ان يامر بناء على طلب الحامل برفع التعرض على الوفاء حتى ولو كانت قد اقيمت دعوى المطالبة بالدين الاصلي ( المادة 271 الفقرة الاخيرة من مدونة التجارة ) .

 

لكن ما الحكم اذا ما وقع الاعتراض على الاداء دون ذكر الاسباب المخولة قانونا للساحب للقيام بهذا التعرض، هل يحق للمسحوب عليه عدم الاكترات به، وان يقوم بصرف مبلغ الشيك، ام انه يخضع لارادة الساحب ويحترم تنفيذ تعليماته على علاتها - بعدم صرف قيمة الشيك ؟

 

نعتقد بان المشرع في المقتضيات الجديدة عندما نص صراحة على الاسباب المبررة للاعتراض على الاداء والتي ذكرها على سبيل الحصر وحدد شكليات هذا الاجراء، كان الغرض من ذلك قطع دابر الاعتراض الجزافي الذي كان يتم دون تبرير وقوعه باية وثائق معقولة في اطار العلاقة الرابطة بين البنك والزبون، ونرى بان البنك المسحوب عليه في غياب الشروط المنوه عنها اعلاه يمنع عليه قبول التعرض، ويتعين عليه الوفاء بمبلغ الشيك لحامله أو المستفيد منه بل وان المسحوب عليه وفي حالة امتناعه في ظل الظروف المذكورة قد يتعرض للعقوبة المقررة في المادة 319 .

 

اولا : حالات التعرض

أ‌-   حالة التعرض على الاداء لسبب فقدان الشيك او سرقته :

يحدث احيانا ان يفقد الساحب أو الحامل الشيك لسبب من الاسباب، كضياعه او نسيان مكانه الخ والعلة في تقرير حق المالك في التعرض على الاداء في هذه الحالة هي حماية امواله وصيانتها من ان يتولى عليها من لا حق له فيها، ومعارضته هنا صحيحة وشرعية يستطيع بمقتضاها ان يمنع المسحوب عليه من صرف قيمة الشيك لعدم احقية من عثر عليه او قام بسرقته في استيفاء قيمته .

 

وقد اعتبرت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في قرارها الصادر في الملف التجاري رقم 2350 بتاريخ 2/2/1982 التعرض في حالة ضياع الشيك او سرقته امرا الزاميا، حيث جاء في القرار المذكور " انه كان يتعين على المدعى في حالة ضياع او سرقة الشيك منه اتباع الاجراءات المنصوص عليها في الفصلين 32 و37 من ظهير 39/19/1 المتعلق بالشيك " .

 

هذا وان الاصدار كعنصر اساسي من عناصر الركن المادي لجريمة اصدار شيك بدون مؤونة ينعدم في هذه الحالة، فاصدار الشيك يقتضي خروجه من الحيازة القانونية للساحب، وهذا يستلزم تخليه عنه في تسليمه وانصراف ارادته الى وضعه تحت  حيازة المستفيد او من ينوب عنه، فلو خرج الشيك من حيازة الساحب دون ان تنصرف ارادته إلى التخلي عنه، كما لو سرق منه او ضاع، فان عنصر الاصدار بالمفهوم المذكور ينعدم، وانعدام هذا العنصر يفضي الى انعدام الركن المادي للجريمة، وبالتالي الى انتفاء الجريمة من اساسها هذا طبعا ما لم يصاحب ذلك اهمال او عدم الحيطة اللذان ساهما في سرقة الشيك، حيث عندئذ تجب مساءلة الساحب في هذه الحالة .

 

وان امكانية الاعتراض على الاداء في هذا الشان بسبب السرقة او الضياع لا يمكن ان تحول دون قيام المستفيد او الحامل بالمطالبة بالاداء بناء على نظير ثان او ثالث او رابع من الشيك، كما تشير الى ذلك المادة 276 وما يليها من مدونة التجارة .

وقد يحصل فقدان الشيك لوكالة البنك التي اودع لديها هذا الشيك من اجل تحويله في حساب المستفيد، فهل بامكان البنك التعرض على الاداء نيابة عن المستفيد ؟

 

لقد ذهبت محكمة النقض المصرية في قرارها الصادر بتاريخ 6/5/49 المنشور بكتاب ( نصوص واجتهادات للاستاذين زعيم وفركت) ص 268 الى امكانية قيام البنك بهذا التعرض نيابة عن الزبون .

هذا وقد استبعد التشريع والفقه والقضاء حالات اخرى لم يدرجها ضمن حالة الضياع، كالمنازعة في اصل الدين الذي تضمنه الشيك، ووفاة الساحب، وتوقيع الشيك على بياض، وكذا انصرام اجل الوفاء، اذ لم يعتبرها كحالات مبررة للاعتراض على الاداء لانها ليس لها اي اثر على الاحكام المترتبة على الشيك .

 

ومسؤولية الساحب في حالة فقدان الشيك او سرقته تتجلى في انه يتحتم عليه ان يخطر البنك بواقعة الضياع او السرقة كما سبقت الاشارة الى ذلك سلفا، حتى يكون هذا الاخير على علم بها ويمتنع عن الاداء فيما لو قدم اليه الشيك الضائع أو المسروق قصد الوفاء، وفي حالة تقاعسه عن ذلك، يعتبر وحده مسؤولا عن هذا الاهمال، وفي هذا السياق اصدرت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في الملف التجاري عدد 1522 بتاريخ 1/4/1986 قرارا جاء فيه : " ان الشركة المستانف عليها هي المسؤولة الوحيدة على المحافظة على دفتر الشيكات الذي يوجد بحوزتها، وتسال مباشرة عن ضياعه او سرقته، وكان عليها فور ضياع الشيك، ان تتقدم بشكاية لدى السلطات المختصة، وان تتعرض لدى البنك، كي لا يؤدي قيمة الشيك" .

 

كما ان مسؤولية المسحوب عليه تعتبر قائمة في حالة تقديم التعرض بكيفية صحيحة تبعا للشروط المنصوص عليها في المادة 271 من مدونة  التجارة، وعلى الرغم من ذلك قام بوفاء قيمة الشيك، اذ انه يخضع في الاداء لاوامر الزبون الساحب فلو خالفها اصبح مسؤولا بقيمة الشيك في مواجهة الساحب لانه في هذا العمل يعتبر بمثابة الوكيل ان خرج عن حدود الوكالة لزمته اثارها .

ونفس المسؤولية قد يتحملها المسحوب عليه في حالة صدور تعرض عن المستفيد لانتقال الحق اليه .

 

ب‌- حالةالاستعمال التدليسي للشيك

يتعين في كل التزام ناتج عن علاقة قانونية ان يكون مبنيا على رضى صحيح خال من العيوب، فان شابه غلط او اكراه او تدليس ترتب عن هذا ابطال الالتزام .

فاذا ثبت ان تحرير الشيك وتوقيعه كان مشوبا بعيب الاكراه والتدليس بمفهومه القانوني، فان المسؤولية الجنائية تنتفي لعدم وجود القصد الجنائي بانعدام الارادة الحرة، كان يقر الساحب بصحة الامضاء ولكن يدعي رغم ذلك عدم رضائه كان يمضي عن طريق المباغثة والتدليس بجعل الشيك بين اوراق اخرى وتقديمها لتوقيع عليها من طرفه دون شعور .

 

وتندرج ضمن الحالات المذكورة ايضا حالة اصدار الشيك تحت تاثير افعال النصب والاحتيال، وحالة تسليم ورقة تحت التهديد فلقد جاء في حكم صادر عن محكمة النقض المصرية بتاريخ 1/2/1963 المنشور بمجلة احكام النقض السنة 14 ص 15 ما يلي :

" لما كان ما تقدم وكان من المسلم به ان يدخل في حكم الضياع، السرقة البسيطة والسرقة الموصوفة بظروف والحصول على ورقة بالتهديد" .

" كما انه من المقرر ان القياس في اسباب الاباحة امر يقره القانون بغير خلاف، فانه يمكن بحق الحاق حالتي تبديد الشيك والحصول عليه بطريقة النصب، بتلك الحالات من حيث اباحة حق المعارضة في الوفاء بقيمته، فهي بها اشبه على تقدير انها جميعا من جرائم سلب المال، وان الورقة فيها متحصلة من جريمة .".

 

كما ان القضاء الفرنسي من جهته تبنى نفس الاتجاه بقبوله للتعرض عن الاداء اذا كان توقيع الشيك تم عن طريق الاكراه - المحكمة الابتدائية بدار كينيان - مستعجلات - بتاريخ 9/7/76 دالوز 1976 مختصر 65 .

وهكذا فان الساحب الذي يصدر شيكا في الاحوال المذكورة يجوز له التعرض عن اداء قيمته، ولكن شريطة ثبوت فعل الاكراه الذي مورس عليه او فعل النصب والاحتيال الذي كان ضحيته فلا يكفي مجرد الادعاء، وذلك حماية لحقوق المستفيد وقطعا لكل تحايل قد يلجا اليه الساحب للتملص من اداء قيمة الشيك .

 

ج- حالة تزوير وتزييف شيك

لقد سبق لظهير 19/1/1939 المتعلق بالشيك ان اغفل صراحة هذه الحالة ولم يوردها ضمن الحالات المبررة للتعرض على الاداء حسبما كان منصوصا عليه في الفصل 33 من الظهير المذكور الا انه في ظل التشريع الجديد الخاص بمدونة التجارة، نص صراحة على هذه الحالة وجعلها من ضمن الحالات المنصوص عليها على سبيل الحصر في المادة 271 من مدونة التجارة .

 

والقاعدة انه اذا ثبت عدم صحة التوقيع أو أي تزوير لحق الشيك، كتقليد التوقيع او اضافة بعض الارقام .

فيكون الشيك باطلا بحيث يجوز للساحب التمسك به ضد الجميع وبدون الالتفات إلى حسن نيتهم، اذ لا يوجد تعاقد بدون رضى، سواء كانت المعاملة مدنية او تجارية، ويمكن للساحب التعرض على اداء قيمته، ويكون تعرضه هذا مبرر تنتفي معه مسؤوليته الجنائية شريطة ان يثبت زورية الشيك، اللهم اذا كان التزوير واضحا يمكن للبنك المسحوب عليه وبكيفية تلقائية للامتناع عن  الوفاء .

وتجدر  الاشارة هنا الى  ان انتفاء المسؤولية  الجنائية للساحب مرتبطة بعدم ارتكابه لاي تقصير او اهمال ملحوظ ساعد على تزوير الشيك او تزييفه - كان لم يقم الساحب بالمحافظة على دفتر الشيكات، ولم يعره العناية اللازمة مما سهل السرقة وتقليد التوقيع، او ترك فراغ في كتابة مبلغ الشيك تم استغلاله بكتابة رقم اضافي .

 

كما يمكن ان تلقى المسؤولية ايضا على المسحوب عليه الذي لم يتحر عند الاداء من صحة مطابقة توقيع الساحب من جهة ومن مظهر الشيك، والتعرف على هوية الحامل الخ والمشرع لم يعالج هذه المسؤولية حيث ترك ذلك الى القواعد العامة التي تحكم المسؤولية نظرا لما يصاحب ذلك من احتمال ارتكاب خطا من قبل المسحوب عليه او الساحب، حيث  ترك امر البت في كل قضية على حدة الى تقدير المحاكم .

 

وبصدد هذه المسؤولية اعتبرت محكمة الاستئناف بالرباط البنك المسحوب عليه مسؤولا عن صرف الشيك، من المحتمل ان يكون التوقيع المضمن به مزورا رغم عدم الاعتراض، عليه من طرف الساحب. ( مجلة المحاكم المغربية سنة 1952 ص 125 ) .

 

ومن المعلوم انه في اطار هذه المساءلة فان البنك، لا يملك صلاحية تفحص الشيك واجراء العمليات التقنية عليه للتتبث من صحته وانما يكفي ان يكون التزييف أو التزوير بارزا ومع ذلك قام بصرف قيمته .

 

د- حالة التسوية والتصفية القضائية

لقد اجازت المادة 271 من مدونة التجارة التعرض عن اداء قيمة الشيك، بسبب وجود حالة التسوية او التصفية القضائية للحامل او المستفيد الذي ترفع يده ادارة امواله .

والعلة في جواز التعرض عن الاداء في هذه الحالة تكمن في حماية وصيانة حقوق دائني الحامل او المستفيد الموجود في حالة التسوية او التصفية القضائية، اذ يخشى تصرف هذا الاخير في مبلغ الشيك، فيؤدي ذلك الى ضياع حقوقهم على امواله .

 

واذا كان الاصل ان يتم التعرض على الاداء من طرف الساحب، فانه في هذه الحالة يتم من طرف وكيل الدائنين - السنديك - الذي يتعين على البنك المسحوب عليه وضع قيمة الشيك بين يديه فاذا لم يحصل اي تعرض على  الوفاء وقام المسحوب عليه بتسديد مبلغ الشيك للحامل في هذه الحالة فان الوفاء يكون صحيحا ما لم يثبت ان المسحوب عليه كان عالما بحالة التسوية او التصفية القضائية قبل الوفاء .

 

اما التعرض عن الاداء من طرف الساحب، في هذه الحالة، فلا محل له لكون علاقته بالمستفيد قد انتهت بتسليم الشيك له، ويبقى من حقه الحفاظ على مصالحه فيما يتعلق بالالتزامات المقابلة الواقعة على كاهل المستفيد، بان ينضم الى كتلة الدائنين الذين يتصرف السنديك باسمهم جميعا .

 

الفرع الثالث

جريمة خرق المنع في اصدار شيكات جديدة

لم يكن ظهير 19/1/39 يعنى بمثل هذه الجريمة وتعتبر بحق من اهم وانجع المقتضيات الجزائية التي حفل بها التشريع الجديد في مجال حماية الثقة المفترضة في التعامل بالشيك .

فقد نصت المادة 313 من مدونة التجارة، على مقتضيات المنع الذي يصدر عن البنك المسحوب عليه والتي تعتبر مقتضيات واجبة اذ جاء في المادة المذكورة ما يلي : يجب على المؤسسة البنكية المسحوب عليها التي رفضت وفاء الشيك، لعدم وجود مؤونة كافية ان تامر صاحب الحساب بارجاع الصيغ التي في حوزته والتي في حوزة وكلاءه الى جميع المؤسسات التي يعتبر من زبنائها والا يصدر خلال مدة عشر سنوات شيكات غير تلك التي تمكن من سحب مبالغ مالية من طرف الساحب لدى المسحوب عليه او التي يتم اعتمادها. تخبر المؤسسة البنكية المسحوب عليها في نفس الوقت وكلاء زبونها وكذا اصحاب الحساب الاخرين .

 

ان المقصود بالمنع هو ذلك الذي يسري على سحب الشيكات، ويرجع سبب المنع البنكي الى احد عوارض الاداء الناتج عن امتناع البنك المسحوب عليه باداء مقابل الشيك لانعدام المؤونة الكافية، اذ ان باقي العوارض الاخرى التي تحول دون الاداء لم يدعها المشرع من ضمن الحالات التي خول فيها للمؤسسة البنكية تطبيق الحظر، ولكي يتاتى تطبيق هذا الحضر من طرف البنك المسحوب عليه يتعين اذن ان يصدر الساحب شيكا دون توفير المؤونة الكافية للاداء، عند تقديمه لدى المسحوب عليه. وان يمتنع المسحوب عليه عن الوفاء بقيمته، اما اذا قام بالوفاء رغم عدم توفير المؤونة من طرف الساحب. فان الساحب لا يساءل جنائيا .

 

ويجب على البنك المسحوب عليه قبل اجل تطبيق المنع ان يوجه للساحب اخطارا بان يرجع دفتر الشيكات اليه، وبان لا يسحب اي شيك خلال مدة المنع المحددة في عشر سنوات التي تبتدئ من تاريخ الانذار وذلك طبقا لمقتضيات المادة 314 من مدونة التجارة، والمشرع لم يحدد الكيفية التي يتم بها هذا الاخطار كما لم ينص على الاجل الذي بمقتضاه يتعين على الساحب ان يقوم بارجاع صيغ الشيكات، ونرى من المفيد جدا ان يتم تبليغ هذا  الاخطار بواسطة احد الاعوان القضائيين او بواسطة رسالة مضمونة، مع الاشعار بالتوصل على ان يتضمن تحديد مهلة لا تتعدى الخمسة ايام قياسا على الاجل المنصوص عليه في الفصل 40 من ق م م وذلك حتى يكون متتبعا لكافة اثاره القانونية، بالنظر لخطورة التقدير الذي ينطوي عليه .

 

أ‌-   الاشخاص الذين يرتكبون خرق المنع من اصدار شيكات .

اذ الشخص المقصود هنا هو اما الساحب او وكيله او الشركاء في الحساب البنكي الواحد .

 

1) الساحب :

يكون الساحب معنيا مباشرة بقرار المنع بحيث يمنع عليه سحب شيكات جديدة خلال اجل المنع، ولو كان ذلك بصفته وكيلا لاحد الاشخاص الذين لم يصدر في حقهم اي قرار بالمنع، وذلك سواء كان المنع قضائيا او بنكيا ويمتد اجراء المنع الى جميع المؤسسات البنكية التي له حسابات فيها بما في ذلك المؤسسة التي رفضت وفاء الشيك، وكذا باقي الابناك التي اخطرت من طرف بنك المغرب، طبقا للمادة 312 .

 

2) الوكيل :

لقد نصت المادة 313 من مدونة التجارة، على منع الوكيل من سحب شيكات بالنيابة عن موكله، ويقتضي ذلك بان يكون الوكيل هو أيضا عالما بقرار المنع الصادر في حق موكله، ويتحقق ذلك بتبليغه هو الاخر بقرار المنع، بنفس الوسائل السابق ذكرها، والمشرع جعل مجرد اصدار شيك في اسم ولحساب موكله فعلا معاقبا عليه - طبقا للمادة 318 من مدونة التجارة .

 

3) الشركاء في الحساب المشترك

عندا يصدر الامر بالمنع من سحب لشيكات في حق احد الشركاء، فان ذلك المنع يمتد لباقي الشركاء في الحساب المشترك، سواء كانوا متضامنين ام لا، وهذا المنع المصرفي لا يقتصر على حرمان الشركاء من سحب شيكات على الحساب المشترك بل يشمل حتى السحب على حساباتهم الشخصية، اذ نصت المادة 315 اذا وقع الاخلال بالوفاء من طرف صاحب حساب مشترك على وجه التضامن ام لا، تطبق بقوة القانون مقتضيات المواد من 311 الى 313 على باقي المشتركين في الحساب، سواء بالنسبة لهذا الحساب او بالنسبة للحسابات المشتركة الاخرى، وكذا الحسابات الشخصية للمخل بالوفاء، وعلى هذا فان كل شريك قام بسحب خلال مدة المنع، يكون قد خرق مقتضيات المنع المامور به ويعاقب طبقا للمادة 318 من مدونة التجارة .

 

واذا كان هذا الاتجاه، يشكل خرقا لمبدأ شخصية العقوبات فانه يجد تبريره في النظرية العامة للمصادرة، لان المشرع توخى حرمان الساحب وشركائه من استعمال الوسائل الخطيرة الموجودة بين أيديهم، ومن الشيكات الممسوكة من طرفهم، وهذا التدبير الوقائي ينتج اثره بغض النظر عن المسؤولية الشخصية او الاشخاص الذين يطالهم .

 

والمشرع سكت عن اخبار باقي الشركاء باجراء المنع الذي هو اجراء ضروري وذلك حتى يكونوا بتصرفهم، الذي صدر خرقا للمنع تحت طائلة العقاب، فالفقه الفرنسي يرى بواسطة كبريال بان البنك المسحوب عليه ملزم بضرورة تبليغ كل الشركاء بقرار المنع الصادر في حق شريكهم .

ولذلك فحتى يمكن مواجهة الشركاء بهذا المنع، يتعين اشعارهم به على غرار الساحب أو الوكيل .

 

ومن الجدير بالذكر فان المؤسسة البنكية تكون ملزمة باداء قيمة الشيك الصادر عن الساحب خرقا لمقتضيات هذا المنع اذ ان المشرع اوجب في المادة 320 من مدونة التجارة المسحوب عليه بصرف النظر عن وجود المؤونة او نقصانها او عدم قابليتها للتصرف، الوفاء بمبلغ كل شيك اصدر بواسطة صيغة شيك قام بتسليمها خرقا لمقتضيات المادتين 312 و317 او بواسطة صيغة لم يطالب باسترجاعها طبقا للمادة 313 - او بواسطة صيغة سلمها لزبون جديد دون استشارة سابقة لدى بنك المغرب ولا يلزم بالوفاء الا في حدود عشرة الاف درهم لكل شيك .

 

انتهاء الحظر البنكي :

ان الساحب الذي خضع للحظر يمكن ان يضع حدا لاجرائه فقد اشارت الفقرة الثالثة من المادة 313 من مدونة التجارة ان صاحب الحساب يمكن ان يستعيد امكانية اصدار الشيكات اذا اثبت انه :

ادى الشيك غير الموفى - او قام بتوفير مؤونة كافية وموجودة لادائه من طرف المسحوب عليه .

وان يؤدي الذعيرة المالية المنصوص عليها في المادة 314 .

و التي هي على النحو التالي :

5 % من مبلغ الشيك اوالشيكات غير المؤداة موضوع الانذار الاول، الموجه الى صاحب الحساب، من طرف المؤسسة البنكية .

10 % من مبلغ الشيك او الشيكات موضوع الانذار الثاني .

20 % من مبلغ الشيك او الشيكات موضوع الانذار الثالث وكذا الانذارات اللاحقة .

وفي حالة عدم التجاء صاحب الحساب، الى هذه التسوية، فان مدة الحظر تبقى سارية المفعول الى حين انتهائها .

 

ومما تجدر الاشارة اليه فانه بمجرد تحقق الشرطين المحددين لرفع الحظر المنوه عنهما سابقا فان حرية الاصدار لشيكات جديدة لم تقتصر فقط على الساحب وانما يسترجعها ايضا المشاركون في الحساب الجماعي مع الساحب حسبما تقضي بذلك القواعد العامة، لان المنع سبق وان طبق في حقهم بسبب تصرف احد الشركاء، وليس من المنطق في شيء ان تبقى اثار رفع الحظر قاصرة فقط على الساحب بمفرده، كما ان هذه الامكانية مستوحاة كذلك من صياغة المادة 313 التي لا تمنع سريان رفع الحظر على الشركاء .

وعلى البنك المسحوب عليه ان يشعر بنك المغرب بهذه التسوية حتى يعمل على تعميمها بالنسبة لباقي الابناك.

 

واذا ما حدث وان وقع خلاف بين صاحب الحساب والبنك المسحوب عليه بصدد رفع الحظر رغم توافر شروطه، فان من حق الساحب اللجوء الى القضاء للمنازعة في اسباب المنع، والتاكد مما اذا كان المنع البنكي قد تم بطريقة قانونية ودون شطط او تعسف، فاذا ثبت للمحكمة ان قرار المنع الصادر عن البنك المسحوب عليه لم يكن قانونيا، اصدرت قرارا برفع المنع المقرر من طرف البنك المسحوب عليه .

 

2- المنع القضائي

لقد اشارت المادة 317 من مدونة التجارة الى المنع القضائي من اصدار شيكات جديدة - حيث نصت على ما يلي : يجوز للمحكمة في الحالات المنصوص عليها في المادة السابقة ان تمنع المحكوم عليه خلال مدة تترواح ما بين سنة وخمس سنوات من اصدار شيكات غير التي تمكنه فقط من سحب مبالغ مالية  لدى المسحوب عليه، او اصدار شيكات معتمدة، ويمكن ان يكون هذا المنع مشفوعا بالنفاذ المعجل، ويرفق المنع بامر موجه الى المحكوم عليه يلزمه بارجاع صيغ الشيكات الموجودة في حوزة وكلائه الى المؤسسة البنكية التي سلمها، ويجوز للمحكمة ان تامر بنشر ملخص الحكم القاضي بالمنع في الجرائد التي تعينها وطبقا للكيفية التي تحددها، وذلك على نفقة المحكوم عليه .

ويجب على المحكمة ان تخبر بنك المغرب بملخص الحكم بالمنع، الذي يجب عليه بدوره ان يخبر المؤسسات البنكية بذلك المنع .

ونتيجة لهذا المنع يجب على كل  مؤسسة بنكية اخبرت به من طرف بنك المغرب ان تمتنع عن تسليم المحكوم عليه وكذا وكلائه صيغ غير الصيغ المنصوص عليها في الفقرة الاولى من هذه المادة .

 

بادئ الامر ينبغي ان نؤكد هنا وعلى خلاف المنع البنكي الذي هو اجراء الزامي، فان المنع القضائي يعتبر عقوبة اضافية واختيارية تابعة للحكم القاضي بالادانة من اجل كل الجرائم المنصوص عليها في المادة 316 من مدونة التجارة، وهي الاغفال او عدم توفير مؤونة للشيك، او قبول شيك على وجه الضمان، او الاعتراض على اداء الشيك بصورة غير صحيحة، او تزوير شيك واستعماله، او خرق الحظر البنكي والقضائي واصدار شيكات جديدة، في حين ان المنع البنكي لا يمكن تطبيقه الا في حالة واحدة تتعلق اساسا بالاغفال او عدم توفير مؤونة للشيك وقت تقديمه للاداء .

ويمكن ان يطال الحظر القضائي كذلك كلا من الساحب و الوكيل والشركاء في الحساب المشترك حسبما وقعت الاشارة الى ذلك سابقا بتفصيل عند الحديث عن المنع البنكي ومشمولاته .

 

والحكم القاضي بهذا المنع يشترط فيه ان يكون نهائيا بكيفية لا تقبل الرجوع او مشمولا بالنفاذ المعجل، ويمكن الحكم به ابتداء من سنة الى خمس سنوات، بحيث يمنع خلالها على الساحب صاحب الحساب، اصدار شيكات غير التي تمكنه من سحب مبالغ توجد لدى المسحوب عليه، او شيكات معتمدة. كما يامر الساحب بارجاع صيغ الشيكات الموجودة في حوزته او في حوزة وكلائه الى المؤسسة البنكية التي سلمتها له .

 

والمشرع رغم انه اوجب على المحكمة ان تشعر بنك المغرب بملخص الحكم القاضي بالمنع، فان النيابة العامة تعتبر هي المعنية بهذا الاشعار، باعتبارها الجهاز الموكول اليه قانونا تنفيذ المقررات والاحكام القضائية، الصادرة في الميدان الزجري. كما تقضي بذلك مقتضيات الفصلين 643 و644 من قانون المسطرة الجناية. وهكذا فان النيابة العامة تقوم باشعار بنك المغرب المركزي بهذا المنع الذي لم يحدد له المشرع شكلا معينا، ولا اجالا معينة، يتم خلالها هذا الاشعار .

 

ولقد دابت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بمراكش منذ صدور قانون مدونة التجارة، على مكاتبة بنك المغرب المركزي بالرباط مزودة اياه بنسخة الحكم القاضي بالمنع وكافة البيانات حسب تنصيصات المادة 317 من مدونة التجارة، وكذا بنسخة من الشيك المتضمن لرقم حساب الساحب الصادر في حقه المنع، وكذا اسم البنك المسحوب عليه، وان عملية الاشعار هذه تتم بمجرد طبع الحكم القاضي بالادانة على اعتبار ان كل الاحكام الصادرة بهذا الشان تكون عادة مشمولة بالنفاذ المعجل تبعا لملتمسات النيابة العامة، ويصرف النظر عن تبليغها الى الساحب لكونها تصدر عادة بصورة حضورية، اللهم اذا كانت قد صدرت بصورة غيابية او بمثابة حضورية، فان الامر حينئذ يسلتزم تبليغها الى المحكوم عليه لكون تحقيق شرط العلم بالمنع من اصدار شيكات جديدة، وبارجاع  صيغ الشيكات التي هي بحوزة الساحب او بحوزة وكلائه يعتبر من العناصر الجوهرية لقيام جريمة خرق الخظر المنصوص عليها في المادة 318 من قانون مدونة التجارة .

 

وعادة ما تطالب النيابة العامة من بنك المغرب المركزي بالرباط بان يشعرها بما يفيد تنفيذ مقتضيات الحكم الصادر بالمنع، وكذا بكل تقاعس قد يصدر عن المحكوم عليه بشان ارجاع صيغ الشيكات او تماديه في اصدار شيكات جديدة رغم المنع القضائي الصادر بشانه الحكم المذكور - الا ان ذلك لم يتم لحد الان، ويبقى مصير تنفيذ الحكم الصادر لهذا المنع مجهولا، وان هذا الواقع قد ساهمت فيه النصوص التي جاءت قاصرة من هذه الناحية. اذ لم تحدد اية مسطرة او اجراءات دقيقة لهذا الاشعار. ولم تعط بكيفية موازية اية صلاحية للرقابة على نشاط بنك المغرب في هذا المجال للوقوف على حقيقة الرقابة الصارمة التي ينبغي ان يمارسها على المؤسسات البنكية المخولة له بمقتضى الظهير الشريف الصادر بتاريخ 16/7/1993 المتعلق بممارسة نشاط مؤسسات القرض ومراقبتها .

 

ومن جهة اخرى فان المشرع لم يعالج حالة صدور احكام متعددة تقضي كلها بالمنع لمدة متفاوتة في حق احد الساحبين، وكذا حالة تزامن المنع القضائي مع المنع البنكي .

لحد الان فالعمل القضائي في المغرب لازال لم تتح له الفرصة لمعالجة هذا الوضع، ولم نعثر على اي عمل لحد الان بهذا الشان، وربما ذلك راجع لحداثة تطبيق هذه المقتضيات الجديدة التي لازال الواقع العملي لم يظهر بضع افرزاتها، وان كان العمل القضائي والفقه في فرنسا قد اعتبر بان صدور عدة احكام في حق ساحب واحد، تقضي كلها بالمنع، ينبغي تنفيذها بالتتابع، وكل حكم على حدة، والمخالف هنا، لا يمكن ان يستفيد من قاعدة دمج العقوبات. كما انه في حالة تزامن منع قضائي الى جانب منع بنكي، فانهما ينفذان معا في ان واحد          ( كبريال - المقتضيات الجنائية للشيك عدد 71) .

وهكذا فان ساحبا واحدا، قد يكون موضوع عدة جزاءات مما يخلق بعض الصعوبات في تنفيذ تلك المدد، ولا سيما المدة المقررة للحظر البنكي، المحددة في عشر سنوات، التي عند تعددها في حق شخص واحد، قد تؤدي الى وضع شاذ، بسبب طول تلك المدد عند جمعها، اذا ما تم تنفيذ كل منها على حدة .

 

لذلك يبدو انه في حالة وجود المنع القضائي الى جانب المنع البنكي، فان المنع البنكي يستغرق مدة المنع القضائي، باعتبار ان مدة الحظر البنكي المحددة في عشر سنوات هي المدة القصوى، وهي القابلة للتطبيق، نظرا لكون مدة الحظر القضائي لا يمكن في جميع الاحوال ان تتعدى خمس سنوات، وفي حالة سقوط الحظر البنكي بسبب تطبيق لمسطرة التسوية، فان مدة الحظر القضائي تبقى هي الواجبة التطبيق لانها لا تخضع لمسطرة التسوية، والقول بان الحظر القضائي يلغي مدة الحظر البنكي لا ينسجم مع غاية المشرع من سن هذه التدابير.

 

اما في حالة تعدد صدور عدة عقوبات بالمنع، قضت بها احكام قضائية وفي غياب اي نص يستثنى صراحة اعمال قاعدة الادماج، فان الاحكام السابقة تطبق ايضا على هذه الحالة وذلك بتنفيذ المدة القصوى للحظر، التي قضى بها احد الاحكام، تطبيقا لمقتضيات الفصل 120 من القانون الجنائي، اللهم اذا ارتات المحكمة غير ذلك، اذ  بامكانها. ان تطبق الفقرة الاخيرة منه التي تخولها تطبيق قاعدة الضم، اذا ما رات ظروفا خاصة املتها خطورة شخصية الفاعل .

 

أ‌-   النية الجرمية

لقد اعتبرت المادة 318 من مدونة التجارة ان خرق المنع البنكي او القضائي يشكلان معا جريمة، واشترطت لقيامها توافر عنصر النية الجرمية الذي يجب اثباته من طرف النيابة العامة، وتتم الاشارة اليه ضمن تنصيصات الحكم القضائي بالادانة، وتنتج النية الجرمية من العلم الشخصي الفعلي بقرار المنع، وهو ما نصت عليه مقتضيات المادتين 313 و318 من مدونة التجارة. التي اشترطت بان يقوم الساحب او وكيله او شركاؤه في الحساب المشترك، باصدار شيكات وهم على علم بقرار المنع، وبالتالي فمتى انعدم هذا العلم انعدم بالتبعية عنصر سوء النية، وتنتفي الجريمة .

 

ب - تحريك المتابعة وممارستها

ان فعالية الردع الجنائي في مادة الشيكات تقتضي ان تتوفر بشكل واسع اليات وسرعة المتابعة، فيجب ان لا يمنح الجاني اية فرصة للتملص من المتابعة، وان يوضع في وضعية يستحيل عليه معها ارتكاب اية مخالفة وتحقيقا لسرعة المتابعات فعاليتها فيمكن للنيابة العامة تقديم الجاني للمحكمة مباشرة بواسطة الاستدعاء المباشر او اللجوء الى مسطرة التلبس. ورغم هذه الوسائل المتاحة فان الامر متوقف على مدى نجاعة الاخبار بحالات الخرق من طرف بنك المغرب المركزي للنيابة العامة، اذ ان المشرع اكتفى فقط بالتنصيص في المدة 322 على ان بنك المغرب يقوم بمركزه المعلومات المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في المادتين 318 و319 ويبلغها لوكيل الملك دون تحديد الطريقة التي يتم بها هذا الاخبار، وكذا الاجال التي يتعين ان يتم خلالها ذلك، ولحد الان لا توجد اية ملاحقة قضائية بهذا الشان .

 

ج - العقوبة :

لقد نصت المادة 318 من مدونة التجارة على معاقبة من اصدر شيكات رغم الامر الموجه اليه، عملا بمقتضيات المادة 313 وخرقا للمنع الصادر ضده بمقتضى المادة 318 بالحبس من شهر الى سنتين وبغرامة من 1.000 الى 10.000 درهم، والمحكمة يمكنها  ان تطبق ظروف التخفيف في اطار سلطتها التقديرية بشان تفريد العقاب ويمكنها في هذا السبيل ان تنزل عن الحد الادنى المقرر للعقوبة، كما يمكنها ان تمتع الفاعل بنظام ايقاف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية فقط دون الغرامة التي لا يمكن قانونا الحكم بايقاف تنفيذها، كما تقضي بذلك مقتضيات المادة 324 من مدونة التجارة .

 

والمشرع في ظل التشريع الجديد المتعلق بمدونة التجارة لم يتبن نظام الاحالة في العقوبة بشان تطبيق تدابير وقائية وعقوبات اضافية اخرى كما سار على ذلك التشريع الفرنسي كسحب رخصة السياقة او الصيد او مصادرة سيارة او عدة سيارات يملكها المحكوم عليه، بالاضافة الى الحرمان من ممارسة احد الحقوق وكذا بعض الوظائف التي لها علاقة بالسوق المالية والتجارية كوظيفة المصرفي او المؤمن او مسير شركة .

 

ويمكن للمحكمة بخصوص هذه الجريمة ان تضاعف العقوبة اذا كانت الشيكات المسحوبة صدرت خرقا للانذار او المنع من طرف الاشخاص المشار اليهم في الفقرتين الاولى والثانية من المادة 318 شريطة ان لا يقع الوفاء بها عند التقديم لعدم وجود مؤونة كافية .

 

الفرع الرابع
جريمة اصدار شيك دون تعيين تاريخ ومكان اصداره

او بتاريخ غير حقيقي

لقد تبنت المقتضيات الجديدة هذه المخالفة بعدما كان ظهير 19/1/39 ينص عليها في الفصل 68، وكان يعاقب على من يصدر شيكات لا تحتوي لا على مكان الانشاء ولا تاريخه، بغرامة قدرها 6  % من قيمة الشيك وعلى ان لا تقل هذه الغرامة عن 100 فرنك .

وقد كانت تلك المقتضيات لا تطبق عمليا لكون الفصل 3 من ظهير 19 يناير 1939 كانت تعتبر الشيك الخالي من مكان انشائه يعتبر منشئا في المكان المبين بجانب اسم الساحب، كما ان تاريخ تقديمه للبنك يعتبر التاريخ المعتمد، لانه قابل للوفاء بمجرد الاطلاع .

 

ونظرا للاهمية التي ينطوي عليها تاريخ انشاء الشيك ومكان اصداره فقد ارتاى المشرع ومن جديد التنصيص صراحة على تجريم هذا الفعل وهكذا فقد نصت المادة 307 من مدونة التجارة على معاقبة الساحب الذي يصدر شيكا بدون ان يعين فيه مكان او تاريخ اصداره، وكذا من يضع له تاريخ انشاء غير حقيقي بغرامة قدرها ستة في المائة من مبلغ الشيك، على ان لا يقل مبلغ الغرامة عن مائة درهم الخ  

 

فتاريخ ومكان الانشاء يؤثر على اجل تقديم الشيك للوفاء، ويمكن من معرفة القانون الواجب تطبيقه في حالة تنازع القوانين سواء من حيث الزمان او المكان، ويتخذ كنقطة انطلاق تقديم الشيك للوفاء ونقطة سريان اجل حق الرجوع والمطالبة - ويؤخذ بعين الاعتبار لتقييم اهلية الساحب، وسريان مفعول الوكالة وانتهاؤها، ووفاة الساحب، وكذلك وجود الرصيد من عدمه - وتقادم الشيك .

بالاضافة الى ان تحديد مكان الاصدار يفيد من معرفة مكان اقتراف الفعل الجرمي، وتحديد مكان المحكمة المختصة .

 

ومسايرة للضمانات التي تضمنتها مدونة التجارة من اجل تفعيل التعامل بالشيك وتقوية وتعزيز الثقة المفترضة فيه - فقد اصبحت النيابات العامة تبسط رقابتها الصارمة على كل اخلال بالبيانات الواجب توافرها بالشيك، وتحرك بشانها متابعات قضائية تبعا للمخالفات المعاقب عليها بهذا الشان .

كما ان ادارة التسجيل بدورها عند تفحصها للوثائق المدرجة بالملفات المحالة عليها لا تتوانى في استخلاص الغرامات التي تفرضها قواعد المدونة بشان كل الاختلالات الشكلية اللاحقة بالشيك .

وعلى الرغم من ان المشرع فرض مثل هذه الجزاءات فان الشيك يظل محتفظا بكل مقوماته القانونية، وان غاية المشرع من تجريم مثل هذه الاخلالات هو سعيه بان يستوفي الشيك كل شرائطه القانونية باعتباره اداة وفاء تقوم مقام النقد .

 

كذلك نصت الفقرة الثانية من نفس المادة على تجريم انشاء شيك بتاريخ غير حقيقي، فالساحب غالبا ما يعمد الى تاخير تاريخ انشاء الشيك حتى يتمكن من توفير المؤونة لدى المسحوب عليه، وهذا مظهر من مظاهر اصدار شيك على وجه الضمان الذي قد يفقده قميته كاداة وفاء .

 

والمشرع قد تنبه الى مثل هذا التحايل وجعل هذا التصرف عديم الاثر، حيث نص في المادة 267 من مدونة التجارة على ان الشيك المقدم للوفاء قبل اليوم المبين فيه كتاريخ للاصدار، يجب وفاؤه في يوم تقديمه" .

ولان الشيك مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع .

 

أ‌-   حول الركن المادي للمخالفة :

يتجلى الركن المادي لهذه المخالفة في انتقال حيازة الشيك بصورة صحيحة الى الحامل  او المستفيد او من ينوب عنه، وتعتبر هذه المخالفة مستقلة تمام الاستقلال عن جنحة الاغفال او اصدار شيك بدون مؤونة، فهي تتحقق ولو كان الشيك يتوفر على مؤونة كافية لتسديد قيمته .

 

ب‌- حول الركن المعنوي للمخالفة :

المقصود بالقصد الجنائي لهذه المخالفة هو القصد العام المتمثل في كون الساحب عند انشائه للشيك كان يعلم بان المشرع جعل من عدم التنصيص على تاريخ ومكان اصدار الشيك فعلا مجرما قانونا، ولا يعتد بعنصر جهل تجريم هذا الفعل، كما لا يعتد ايضا بعنصر السهو او الاغفال، لانه من شان ذلك ان يجعل المخالفة لن تتحقق ابدا .

 

الجزء الثاني

جرائم المستفيد

لقد سبق للمشرع ضمن مقتضيات الفصل 544 ق ج ان عاقب على اصدار او قبول الشيك على ان لا يصرف فورا وان يحتفظ به كضمانة - وقد عاقب على هذا الفعل بنفس العقوبة التي كانت مقررة لاصدار شيك بدون رصيد .

الا ان المشرع ما لبت ان جعل من الفعل المذكور جريمة، معاقبا عليها ايضا ضمن المقتضيات الجديدة التي جاءت بها مدونة التجارة، اذ نص في الفقرة السادسة من المادة 316 على معاقبة كل شخص يقوم عن علم بقبول او تظهير شيك بشرط الا يستخلص فورا، وان يحتفظ به على سبيل الضمان، بالحبس من سنة الى خمس سنوات، وبغرامة تترواح بين 2.000 و 10.000 درهم دون ان تقل قيمتها عن خمسة وعشرين في المائة من مبلغ الشيك او من الخصاص .

كما عاقب في المادة 307 المظهر الاول او حامل الشيك الذي يكون ملزما شخصيا باداء الغرامة ذاتها دون ان يكون له حق الرجوع على احد، اذ لم يبين في الشيك مكان اصداره او تاريخه او كان يحمل تاريخا لاحقا لتاريخ تظهيره او تقديمه، ويلزم ايضا باداء الغرامة المذكورة كل من وفى او تلقى على سبيل المقاصة شيكا لم يبين فيه مكان اصداره او تاريخه، والغرامة هي 6  % من مبلغ الشيك، على الا يقل مبلغ الغرامة عن مائة درهم .

 

الفرع الاول

جريمة قبول او تظهير شيك على سبيل الضمان

في الوقت الذي كانت فيه اصوات تنادي بحذف هذه الجريمة من المقتضيات الزجرية اما لصعوبة اثباتها، او لكونها اصبحت تشكل واقعا مقبولا اجتماعيا، واقتصاديا، بالنظر لمحدوديتها وندرتها في الحياة العملية، ارتاى المشرع ومن جديد تجريم هذا الفعل ضمن المقتضيات الحديثة التي تضمنتها مدونة التجارة، وعلة التجريم هذه كانت ناتجة  بالاساس في المقتضيات السابقة الواردة في الفصل 544 من ق.ج عن التواطؤ بين كل من الساحب والمستفيد على تحويل الطبيعة القانونية للشيك كاداة وفاء وجعله مجرد وثيقة ائتمان .

 

ونفس العلة بقيت مهيمنة على التشريع الجديد، من حيث مبدا التجريم، مع تعديل طفيف شمل احد طرفي العلاقة، فبعد ان كان المشرع يعاقب كلا من المصدر والقابل لشيك الضمان، اصبح الامر مقتصرا فقط على القابل باعتباره الطرف الاكثر استجابة لتعطيل وتاخير صرف قيمة الشيك .

 

وعلى الرغم من ان هذه الجريمة تعتبر مستقلة بذاتها، وتعتبر قائمة سواء كانت المؤونة موجودة عند الاصدار ام لم تكن كذلك، فان الواقع العملي يكشف عن ارتباطها العضوي بجريمة اصدار شيك بدون مؤونة، اذ الاجابة تجعل المستفيد يقبل شيكا بشرط ان لا يصرفه فورا، الا اذا كانت المؤونة غير موجودة لديه .

 

أ‌-   حول الركن المادي للجريمة :

ويتحقق بانتقال حيازة الشيك بكيفية صحيحة ونائية من الساحب الى المستفيد او المظهر له .

 

ب‌- حول الركن المعنوي للجريمة :

ويتمثل في العلم المسبق، بان قبول التسلم الشيك مشروطا لى المستفيد الا يصرفه فورا وان يحتفظ به كضمانة، ويقبل المستفيد او المظهر له بذلك .

وعنصر اثبات سوء النية يقع على عاتق النيابة العامة، التي عليا ان تبحث عن العناصر الضرورية والقرائن الكافية بجميع وسائل الاثبات، كالاستماع الى المستفيدين، وكذا الشهود الذين يكونون قد حضروا واقعة الاصدار بين المستفيد او المظهر له الشيك والساحب، كما يمكنها ان تقف على حالة قبول الشيك على سبيل الضمان من خلال تاريخ تحرير الشيك، وكذا تاريخ تقديمه للبنك اول مرة، والذي عادة ما يكون مثبتا خلف الشيك، والذي يفيد بان الحامل قد تسلمه من الساحب مدة قد تعادل مدة تقادم مثلا، او من خلال احتفاظ الحامل بالشيك فترة توفي خلالها الساحب .

 

ج- اثار ارتكاب هذه الجريمة

من الاثار التي يمكن ان تتربت عن ادانة المستفيد بجريمة قبول شيك على سبيل الضمان، فقد لحق في استرجاع قيمة الشيك او المطالبة بالتعويض .

فلقد ذهب قرار الغرفة التجارية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء الى اعتبار ان قبول شيك على سبيل الضمان يفقد المستفيد الحق في استرجاع قيمت او المطالبة بالتعويض امام القضاء المدني بعدما ثبت ادانته من طرف القضاء الجنحي ( ملف تجاري رقم : 1047/83 ) المنشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 37  - يونيه1985 .

 

ويبدو ان القرار المذكور يجد اساسه في كون الساحب في شيك الضمان لم يتمكن من الحاق الضرر بالمستفيد الذي كان عالما من بطبيعة هذا الشيك عند قبوله بتسلمه، وكون هذا الاخير غالبا ما يترك شيك الضمان بحوزته تلبية لرغبة مصدر الشيك، وتسهيلا لظروف الاداء .

 

الجزء الثالث

الجرائم الخاصة بالمسحوب عليه

ان نظام الوقاية والردع المقرر من طرف المشرع في مدونة التجارة  يرتكز على التدخل المستمر للمسحوب عليه، الذي يجب عليه ان يعمل على تبليغ بنك المغرب المركزي بجميع المعلومات ، حتى يتاتى لهذا الاخير القيام بدوره الاعلامي اتجاه الابناك والنيابة العامة، كما تقضي بذلك المادة 322 من مدونة التجارة، وقد رتب المشرع على خرق هذه الواجبات عقوبات بزجرية .

 

وهكذا فقد نصت المادة 319 من مدونة التجارة على مجموعة من الجرائم وعاقبت عليا بما يلي :

يعاقب بغرامة من 5.000 الى 50.000 درهم .

1) المسحوب عليه الذي يصرح بمؤونة تقل عن المؤونة الموجودة والقابلة للتصرف .

2) المسحوب عليه الذي يخالف المقتضيات التي تلزم بالتصريح داخل الاجال القانونية بالاخلالات بوفاء شيكات وكذا بالجرائم المنصوص عليها في المادة 318 .

3) المسحوب عليه الذي يخالف مقتضيات المواد 217 الفقرة الاولى و 309 الفقرة الاولى و312 و313 و317 .

 

- جريمة التصريح بمؤونة تقل عن المؤونة الموجودة والقابلة للتصرف .

اولا : المشرع يهدف من خلا تجريم هذا التصرف، الى محاربة التصريح الكاذب الذي يمكن ان يسبب ضررا كبيرا للحامل وكذا للساحب الذي قد يكون عرضة للمتابعة الجنائية بجريمة اصدار شيك لا يتوفر على المؤونة الكافية، كما يهدف ايضا الى تفادي مناورات البنك الذي قد يفضل الاحتفاظ برصيد الزبون لمواجهة متطلبات بعض العمليات البنكية، او في انتظار  تسوية بعض القروض التي قد يكون الساحب مدينا بها لفائدة البنك عند حلول اجل استحقاقها.

 

ويتكون العنصر المادي لهذه الجنحة من التصريح بوجود بمؤونة اقل من المؤونة الفعلية .

والفقه في فرنسا اعتبر بهذا بالفعل لا يعدو ان يكون مجرد مخالفة مادية، ولا يتوفر على اي عنصر معنوي     ( كابرياك - القانون الجنائي للشيك رقم 82 ) .

كما ان الاعمال التحضيرية للجمعية الوطنية بفرنسا بخصوص هذه المسالة ذهبت الى انه يمكن تجريم حتى الاخطاء الصادرة عن الحاسوب، وبذلك في جنحة غير عمدية باعتبار ان الموظف البنكي مفترض في ان يكون بحكم عمله، قد اطلع على الحساب واخذ كافة الاحتياطات قبل ان يسلم التصريح بالمؤونة ( الاعمال التحضيرية للجمعية الوطنية جلسة 18 دجنبر 1971 صحفة 6966) .

 

الا ان الراي الغالب قضاء في فرنسا يعتبر الجريمة عمدية،  ويتوفر عنصر النية فيها من خلال العلم المسبق بتسليم تصريح غير مطابق لحقيقة وضعية الحساب ( المحكمة الجنحية للسين 26 يوليوز 1930 ) .

كما اعتبرت محكمة كرونوبل بفرنسا في قرارها الصادر بتاريخ 7 يوليوز1976، بان الجريمة تعتبر قائمة في حق الموظف البنكي الذي رفض اداء الشيك المتوفر على رصيد رغم الانذار الموجع اليه .

 

جريمة عدم التصريح داخل الاجال القانونية بالاخلالات بوفاء الشيك وبالمنع البنكي والقضائي .

ثانيا : لقد اوجب المشرع على البنك  المسحوب عليه القيام باخبار بنك المغرب، بكل حادث اخلال بالاداء يقع من طرف الساحب داخل اجل يحدده له بنك المغرب، وقد صدرت عن بنك المغرب دورية تحمل رقم 6/ ج97/ بتاريخ 22/9/97  تحدد اجل تقديم التصاريح بحوادث الاداء خلال اجل اقصاه اليوم الخامس الموالي لرفض الوفاء، ويقوم باعلانها  بنك المغرب بالنسبة لكل الابناك يوميا .

 

وعدم التصريح او التاخير في القيام به لدى بنك المغرب، يجعل مساءلة البنك المسحوب عليه جنائية قائمة  - كما ان التصريح الخاطئ، او المتضمن لبيانات ناقصة يترتب عن تطبيق بالعقوبة .

وقد حددت الدورية السالفة الذكر، الصادرة عن بنك المغرب، الشكليات والبيانات التي يجب مراعاتا في كل تصريح من قبل البنك المسحوب عليه المعني .

 

والمسحوب عليه ملزم من جهة ثانية باخبار بنك المغرب بالساحب الذي يصدر شيكا يقدم الى البنك، والحال انه منع من ذلك اما بامر صادر اليه من طرف البنك او بامر قضائي، طبقا للمادة 318 من مدونة التجارة التي تحيل على المادتين 313 بشان الحظر البنكي و317 المنظمة للحظر القضائي، ويتعين ان يتم هذا الاخبار داخل اجل اقصاه اليوم الخامس الموالي لتاريخ معاينة المخالفة من لدن البنك المسحوب عليه  - كما هو منصوص عليه في دورية بنك المغرب السالفة الذكر .

 

وفي حالة عدم القيام بهذا التصريح، او حصوله خارج الاجل او عدم تضمينه للبيانات الرئيسية، فان المسحوب عليه يكون عرضة للعقوبة المنصوص عليها في الفقرة الاولى من المادة 319 اعلاه .

 

ثالثا : ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المواد 271 ( الفقرة الاولى ) و 309 ( الفقرة الاولى) و312 و313 و317 من مدونة التجارة .

أ‌-   مخالفة الفقرة الاولى من المادة 271 من مدونة التجارة

لقد جاء في المادة المذكورة ما يلي :

" يجب على المسحوب عليه ان يقوم بالوفاء بعد انقضاء اجل تقديم الشيك، كما يتعين عليه الوفاء اذا صدر الشيك خرقا للامر المنصوص عليه في المادة 313 اوالمنع المنصوص عليه في المادة 317" .

ومعلوم ان البنك المسحوب عليه، ملزم باداء قيمة الشيك ولو انتهى اجل تقديم الشيك، كما مر معنا سابق ا - وملزم ايضا بوفاء الشيك، في حالة عدم احترامه للاجراءات الواجب عليه القيام بها، والمنصوص عليها في المادتين 313 و317، ان كل شيك صدر خلافا لتلك المقتضيات يعرض البنك الذي رفض الوفاء للعقوبة المنصوص عليها في الفقرة الاولى من المادة 319 المذكورة .

 

ب‌- مخالفة الفقرة الاولى من المادة 309 من مدونة  التجارة بشان بالامتناع عن التسليم شهادة رفض الاداء .

ان لكل حامل او مستفيد  او وكيله، الحق في تسلم شهادة برفض اداء قيمة الشيك لاي سبب من الاسباب، التي تحول قانونا دون ادائه، والمشرع في المادة المذكورة جعل هذا الاجراء امرا الزاميا يعرض البنك المسحوب عليه عند مخالفته للعقوبة المنصوص عليها في المادة 319 المذكورة .

 

ومما تجب الاشارة اليه في هذا الشان، ان المشرع لم يعاقب البنك  المسحوب عليه في حالة امتناعه عن وفاء شيك سحب عليه سحبا صحيحا، ورغم ان المؤونة متوفرة لديه، ودون ان يكون هناك اي تعرض من طرف الساحب، لكون العقوبة بمقتضى المادة 309 شملت فقط الفقرة الاولى من المادة المذكورة، والمتعلقة بالامتناع عن تسليم شهادة رفض الاداء، وكان حريا به ان يجعل من رفض الاداء في ظل الشروط المذكورة فعلا معاقبا عليه ايضا، لعدم وجود اي مبرر يجعل البنك بمناى عن اية عقوبة في مثل هذه الحالة، بل المشرع اكتفى باعتبار المؤسسة البنكية مسؤولة عن الضرر الحاصل للساحب من جراء عدم تنفيذ امره، وعن المساس بائتمانه .

 

حسبما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة السالفة الذكر فجزاء من هذا القبيل، لا يكفي لتوفير الحماية القانونية الكاملة، للتعامل بالشيك باعتباره يقوم مقام النقد، وواجب الوفاء بمجرد الاطلاع  - وان ذلك لن يتاتى الا بتدخل صريح من قبل المشرع، بجعل هذا التصرف تحت طائلة العقاب .

كما ان المشرع من جهة اخرى، لم يعاقب المؤسسة البنكية المسحوب عليها، في حالة امتناعها عن الوفاء الجزئي للشيك .

 

ج- مخالفة المادة 312 من مدونة التجارة المتعلقة بالمنع من تسليم صيغ شيكات :

لقد نصت المادة المذكورة، بان لا يجوز ان تسلم لمن له حساب بنكي او لوكيل، صيغ شيكات غير التي تمكن من سحب مبالغ مالية لدى المسحوب عليه، او معتمدة، وذلك خلال عشر سنوات، ابتداء من التاريخ الذي اخل فيه صاحب الشيك بالوفاء نتيجة عدم وجود مؤونة كافية، اذا لم يمارس صلاحية التسوية المنصوص عليها في المادة 313 .

 

فيتعين مراعاة مقتضيات هذه المادة من طرف المؤسسة البنكية التي رفضت وفاء شيك، لعدم وجود مؤونة كافية، وكذا من طرف كل مؤسسة بنكية اخبرت بالاخلال بالوفاء، لاسيما من طرف بنك المغرب .

 

ويتضح من المقتضيات المذكورة ان المسحوب عليه يمنع عليه تسليم صيغ شيكات لصاحب الحساب او وكيله، وذلك خلال اجل الحظر المحدد في عشر سنوات، وذلك ابتداء من اعلام الساحب بوقوع حادث الاخلال بالاداء بسبب عدم كفاية المؤونة، اذا لم يبادر الساحب الى سلوك مسطرة التسوية او اذا انصرم اجل ممارستها .

 

كما يتعين على باقي الابناك الاخرى التي اشعرت بالاخلال بالاداء ان تمتنع بدورها عن تسليم صيغ الشيكات الى نفس الساحب ويمكن ان تشعر بذلك، اما عن طريق بنك المغرب واما بواسطة اشعار من طرف البنك المسحوب عليه، الذي حدث لديه الاخلال بالاداء .

ويلقى عبء اثبات العلم على عاتق النيابة العامة .

 

د- خرق مقتضيات المادتين 313 و317 من مدونة التجارة بشان خرق المنع القضائي والبنكي بتسليم بصيغ الشيكات

عملا بمقتضيات المادة 313 من مدونة التجارة، يجب على المؤسسة البنكية المسحوب عليها التي رفضت وفاء الشيك لعدم وجود مؤونة كافية، ان تامر صاحب الحساب بارجاع الصيغ التي في حوزته والتي في حوزة وكلائه الى جميع المؤسسات البنكية التي يعتبر من زبنائا، والا يصدر خلال مدة عشر سنوات شيكات غير تلك التي تمكن من سحب مبالغ مالية، من طرف الساحب لدى المسحوب عليه او التي يتم اعتمادها، تخبر المؤسسة البنكية المسحوب عليها في نفس الوقت وكلاء زبونها وكذا اصحاب الحساب الاخرين .

 

والمقتضيات المذكورة تلزم المؤسسة البنكية بان تامر صاحب الحساب، بارجاع صيغ الشيكات التي في حوزته، او في حوزة وكلائه بمناسبة اصداره الشيكات بدون مؤونة كافية، فكما مر معنا سابقا فان الحظر البنكي يعتبر اجراء اجباريا، ولا يمكن ان تقوم به المؤسسة البنكية الا في حالة واحدة وهي هذه الحالة المتعلقة باصدار شيك بدون مؤونة كافية، عكس الحظر القضائي الذي يعتبر اجراء اختياريا يمكن الحكم به في سائر الحالات بالمتعلقة بعوارض الاداء .

 

والمشرع رغم انه رتب جزاء زجريا على البنك المسحوب عليه، في حالة اخلاله بالتزامه المتمثل في انذار الساحب برد صيغ الشيكات الا انه لم يحدد شكلا معينا ولا اجلا محددا يتم خلال هذا الاخطار .

وكما سبقت الاشارة الى ذلك، فانه من المفيد جدا ان يتم في شكل رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل او عن طريق التبليغ بواسطة احد الاعوان القضائيين، على ان تحدد المدة التي يتعين على الساحب ارجاع صيغ الشيكات خلالها في خمسة ايام قياسا على الاجل المنصوص عليه في الفصل 40 من قانون المسطرة المدنية، وقياسا ايضا من الاجال الواردة في دورية بنك المغرب، بخصوص الاشعارات التي ترد عليه المحددة هي الاخرى في خمسة ايام .

 

والبنك المخل بهذه الواجبات، يتعرض لا محالة للعقوبة المنصوص عليها في الفقرة الاولى من المادة 319 وهي الغرامة من 5.000 الى 50.000 درهم وهي نفس العقوبة التي يمكن ان يتعرض اليها في حالة عدم احترامه للحظر القضائي، المبلغ اليه بواسطة بنك المغرب، فيقوم رغم ذلك بتسليم الساحب المحكوم عليه صيغ الشيكات .

 

رابعا : النية الجرمية

ذهب بعض الشراح، الى ان الجرائم الخاصة بالمسحوب عليه تعتبر مخالفات مادية، مستبعدين بذلك عنصر النية الجرمية منها - كبريال - القانون الجنائي للشيك رقم 49 - غير ان اتجاها اخر يرى خلاف ذلك، باعتبار ان المشرع قرر لتلك المخالفات عقوبات جنحية، وفي غياب اية مقتضيات خاصة، فان القاعدة الواجب مراعاتها بهذا الشان، هي ان كل فعل يعاقب بقعوبة جنحية، يفترض فيه توافر عنصر النية الجرمية .

فالافعال المنسوبة الى المسحوب عليه، يشترط لقيامها ان يكون عالما او بامكانه ان يعلم بواسطة المعلومات المنشورة التي يزوده بها البنك المركزي بوضعية الزبون،  وبالواجبات التي تم خرقها .

 

خامسا : ممارسة المتابعات

لم يحدد بالمشرع اطارا معينا، او مقتضيات خاصة، للتثبت من وقوع الجرائم المقترفة من قبل المؤسسة البنكية، فالمقتضيات التي يكرسها القانون  العادي هي الواجبة التطبيق، الا ان هناك صعوبات عملية تقنية، تجعل بعض المخالفات لا يتم اكتشافها، الا من طرف بنك المغرب في اطار الصلة التي تربط بجميع الابناك، الملزمة قانونا ابشعاره بها - فالمشرع قد نص صراحة على ان الجرائم المرتكبة خرقا لمقتضيات المادتين 318 و319 سواء من طرف الساحبين او المسحوب عليهم، يتم اخبار النيابة العامة بها من طرف بنك المغرب، كما تنص على ذلك الفقرة الاخيرة من المادة 322 من مدونة التجارة - والمشرع لم يتحدث عن اجراءات وشكليات هذا الاشعار، وكذا الاجال التي يتعين ان يتم خلالها ذلك - كما لم يوضح الاجراءات الموازية، والبديلة، التي يمكن ممارستها للكشف عن ارتكاب تلك الافعال في حالة عدم الاخبار بها من طرف بنك المغرب .

 

فالمشرع خول لبنك المغرب صلاحية مراقبة الابناك وحدد اجراءات لهذه الرقابة في اطار ظهير 6 يوليوز 1993 المتعلق بمزاولة نشاط مؤسسات القرض ومراقبتها .

ولم يتحدث على صيغة معينة حول طريقة الاخبار بالجرائم والمخالفات المرتكبة من لدن المؤسسات البنكية واطلاع النيابة العامة عليها .

 

وتطبيقا للمقتضيات الواردة بشان الجرائم المرتكبة من طرف البنك المسحوب عليه، يمكن متابعته في اطار الفصل 127 من القانون الجنائي، ومعاقبته بالعقوبات المالية المقررة لتلك الجرائم، لكون المشرع في تلك المواد، قصر العقوبة على المؤسسة البنكية بصفتها هذه .

 

كما يمكن ممارسة اجراءات التنفيذ، بالحجز على الاموال الموجودة بحساب البنك الخاص الذي عادة ما يكون مفتوحا لدى بنك المغرب، والا فبسلوك المسطرة المنصوص عليها في ظهير 21 غشت 1925 المتعلق بنظام المتابعات في مادة الضرائب المباشرة، والرسوم المكلف باستخلاصها اعوان الخزينة كما تقضي بذلك المادة 70 من الظهير المذكور .

 

ومع ذلك فان المهام التي جاءت بها احكام مدونة التجارة، تقتضي خلق اليات لمراقبة الابناك، بكيفية صارمة وفعالة، حتى تتضح الواجبات وتحدد المسؤوليات، دفعا لكل تداخل او لبس او غموض، قد ينكس سلبا على هذا الاصلاح، ويقعد به عن بلوغ الاهداف المتوخاة منه، التي تستهدف القضاء على معضلة اصدار الشيك بدون مؤونة .

الجزء الرابع

ما يرتكب الاغيار من مخالفات

مخالفة مقتضيات المادة 306 من مدونة التجارة بشان الزاميته الوفاء بالشيك

لقد نصت المادة 306 من مدونة التجارة على وجوب الوفاء بين التجار في المعاملات بشيك مسطر او بتحويل اذا زاد المبلغ على عشرة الاف درهم .

وعاقب على مخالفة هذه المقتضيات بغرامة لا يقل مبلغا عن ستة في المائة من المبلغ الموفى .

ويسال كل من الدائن والمدين عن هذه الغرامة، على وجه التضامن .

والمشرع بسنه لهذه المقتضيات كان يهدف من ذلك تشجيع التاعمل بالشيك، نظرا لاهميته المتزايدة في الحياة الاقتصادية والتجارية، اذ من شان بذلك ان يحسس التجار بالمسؤولية المترتبة عن الوفاء بالشيك، والحد من التهاون اوالاخلال في التعامل به، كما ان الزامية الوفاء بالشيك، تجعل الابناك ملزمة في اطار فتح الحساب، ان تهيئ عقودا ملائمة لتعميم التعامل بالشيكات - ووضع شروط اكثر وقائية في فتح الحساب، كان لا يستعمل الشيك الا في حدود مبالغ او مقادير ميعنة، يتم الاتفاق عليها بين البنك وصاحب الحساب .

واخيرا يعتبر هذا الاجراء وسيلة تمكن المصالح المالية، من محاربة التملص الضريبي، ومراقبة اصحاب رؤوس الاموال لاداء واجباتهم الضريبية .

 

 وبخصوص المبلغ الواجب التعامل به بواسطة الشيك، فقد ارتفع الى  20.000 درهم بمقتضى المادة 8 من القانون المالي للسنة المالية 1997- 1998 التي بمقتضاها تم تعديل الفقرة الثانية من المادة 47 من القانون رقم 24-86 المتعلق بالضريبة على الشركات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف المؤرخ في 31/12/86 التي تنص على ما يلي :

 

بصرف النظر عن الجزاءات الضريبية الاخرى، فان كل تسديد يتعلق بمعاملة، ويتم يغير شيك مسطر، وغير قابل للتظهير او سند تجاري، او اي طريقة مغنطيسية للاداء او تحويل بنكي، يعرض الشركة البائعة او مقدمة الخدمات التي تم فحص محاسبتها بغرامة تساوي 6 %  من مبلغ المعاملة التي يساوي مبلغها او يفوق 20.000 درهم .

 

فهل تعتبر هذه المقتضيات، هي بمثابة تعديل للمادة 306 من مدونة التجارة، رغم سكوت النص على ذلك، ورغم ان الاختلاف الموجود بين المادتين، سواء من حيث النصاب المحدد لتوقيع الغرامة ام من حيث الاطراف في المعاملة - ام ان الغاية من تلك المقتضيات هي : حمل الشركات، على التعامل بالوسائل المعتمدة لدى الابناك، حتى تسهل مراقبتها بفضل نشاطها التجاري المتزايد، وارتفاع حجم معاملاتها ، تعتبر بالتالي مستثناة من تطبيق مقتضيات بالمادة 306 من مدونة التجارة ؟

 

ام ان الامر على خلاف ذلك، ويتعين تطبيق مقتضيات المادتين، على اعتبار ان الغرامة المنصوص عليها في المادة 306 من مدونة التجارة هي غرامة زجرية، تطبق على التجار فيما بينهم بصرف النظر عما اذا كانوا اشخاصا طبيعيين او معنويين، بينما الغرامة الاخرى تكتسي صبغة جبائية ، وتطبق على الشركات فقط في جميع معاملاتها سواء مع التجار او غيرهم .

 

ويثور تساؤل حول الزامية التعامل بالشيك المسطر، حسب مضمون المادة 8 من القانون المالي لسنة 97-98، يتعلق بتسديد مبالغ لفائدة شخص قد لا يتوفر على حساب بنكي، كالصلح الذي تبرمه شركات التامين مع بعض ضحايا حوادث الشغل او السير بصفة شخصية، او التعويضات التي تؤديها في نطاق المسؤولية التعاقدية، كالتامين على الحريق .

فهل في هذه الحالة، تكون الشركة ملزمة بالاداء بواسطة الشيك المسطر ؟

باستقراء نص المادة 8 من القانون المالي المذكور، يتضح بان المشرع قد فرض على الشركة التعامل بالشيك المسطر، عند حصول معالمة بالبيع او تقديم خدمات، وبالتالي فان اداء التعويضات لا يندرج ضمن هذه التصرفات ويمكن للشركة اداء تلك التعويضات بمجرد شيك عادي .

تعليقات