القائمة الرئيسية

الصفحات



عقدا النقل والتأمين البحر

 


عقدا النقل والتأمين البحري


                        مساوي رشيدة

                                موالدة عبد الواحد

                                           الترابي بوعبيد

                                                     عبد الإلاه الخلفي

 


 

للنقل البحري أهميته من الوجهتين الاقتصادية والتجارية إذ تعتمد الدولة بصفة أساسية على هذا النوع من النقل، سواء بالنسبة لصادراتها أو بالنسبة لوارداتها،وعقد النقل البحري يلعب دورا هاما في التنمية الاقتصادية نظرا لانخفاض تكاليفه بالمقارنة مع باقي وسائل النقل الأخرى،[1][1] وقد أدركت الدول في الوقت الحاضر حقيقة أساسية مؤداها أن توقف أو ضعف النقل البحري يؤدي حتما إلى تدهور في الاقتصاد بصفة عامة.

ورغم تقدم النقل الجوي للبضائع وتضاعف مقدار البضائع المنقولة جوا، فإن النقل البحري ما زال متفوقا في هذا المجال لضخامة حمولة سفن البضائع،[2][2] ولسهولة النقل عن طريق البحر.

ولا يمكن أن تتحقق الأهداف المتوخاة من النقل البحري بدون وجود تأمين ضد الأضرار التي يمكن أن تلحق بالسفينة، فالتأمين البحري يهدف بالأساس إلى تمكن الأطراف المعنية بعقد النقل من القيام بعملياتهم التجارية دون تحمل النتائج المالية التي قد تنجم عن الضياع المحتمل للبضاعة وكذا الأضرار التي يمكن أن تتعرض لها هذه الأخيرة نتيجة لمخاطر البحر.

وقد عمل المشرع المغربي من خلال القانون التجاري البحري، على تنظيم عقد النقل البحري وعقد التأمين البحري، إذ صدر ظهير شريف بتاريخ 31/03/1919 يتعلق بالتجارة والملاحة والصيد البحري، كما انضم المغرب إلى اتفاقية الأمم المتحدة لنقل البضائع بحرا لسنة 1978 والمعروفة بقواعد " هامبورغ"، بمقتضى ظهير شريف صادر في 14/11/1986.

لكن الفقه المغربي وجه انتقادات شديدة للمشرع المغربي، الذي لم يبذل مجهودا حقيقيا لتغيير القانون الحالي، إذ أصبح هذا الأخير عاجزا عن مواكبة ومسايرة التطورات التي يعرفها الميدان البحري، التي جاءت نتيجة للتغيرات التي يعرفها العالم، فمشروع قانون المدونة البحرية ما زال منذ مدة طويلة حبيس رفوف البرلمان ، والسبب في ذلك غياب الإرادة السياسية الحقيقية لإخراج هذا القانون إلى حيز الوجود ، بالإضافة إلى عدم قدرة الجهات المسؤولة عن تجاوز الاكراهات والضغوط الداخلية والخارجية من طرف بعض الجهات التي ليس في مصلحتها خروج المشروع المذكور إلى الوجود.[3][3]

وحتى نعالج موضوعنا نرى من الأنسب أن نقسمه إلى مبحثين، نخصص الأول للحديث عن عقد النقل البحري، في حين نتعرض في الثاني إلى عقد التأمين البحري، وذلك على الشكل التالي:

 المبحث الأول: عقد النقل البحري

المبحث الثاني: عقد التأمين البحري

  سنتعرض في هذا المبحث، إلى الأحكام العامة لعقد النقل البحري ( المطلب الأول)، ثم إلى مسؤولية الناقل البحري(المطلب الثاني).

 مما تنبغي الإشارة إليه في البداية أن عقد النقل البحري هو العقد الذي يلتزم الناقل بمقتضاه بأن ينقل بضائع بحرا لحساب شخص أخر هو الشاحن لقاء أجر معلوم.[4][4]

وبخصوص اتفاقية هامبورغ جاء في الفقة السادسة من المادة الأولى، أن المقصود بمصطلح عقد النقل البحري ، العقد الذي " يتعهد الناقل بموجبه بنقل بضائع بطريق البحر من ميناء إلى أخر لقاء أجرة...".

ويتطلب عقد النقل البحري كسائر العقود توافر مجموعة من الشروط التي حددتها القواعد العامة للعقود من محل وسبب والرضى والأهلية وهي أمور لا تثير أي إشكال. وبالرجوع إلى الفصل 207 من القانون البحري لسنة 1919 نجدة ينص على أنه:

" يثبت إيجار السفينة أو عقد النقل البحري بمشارطة إيجار أو تذكرة الشحن أو بأي محرر أخر " ، ومن هذا الفصل يتضح أن الكتابة ليست شرطا لصحة عقد النقل البحري،  فهي شكلية للإثبات وليست شكلية للانعقاد، فجل القوانين المقارنة تعترف بالطبيعة الرضائية لعقد النقل البحري حتى تلك التي تعد الأكثر تشبتا بالشكلية كالقانون الإنجليزي.

وبخصوص أطراف عقد النقل البحري، نجد أنه يضم ثلاثة أطراف الشاحن والناقل والمرسل إليه.

فبالنسبة للشاحن يلاحظ أن القانون المغربي استعمل مصطلح المرسل ولم يستعمل مصطلح الشاحن، الذي هو الأكثر تداولا في الميدان البحر ، هذا الأخير لم يتم تعريفه من طرف المشرع الغربي ، وقد عرفت اتفاقية هامبورغ الشاحن بأنه: كل شخص أبرم مع الناقل عقدا أو أبرم باسمه أو نيابة عنه مع الناقل عقدا لنقل بضائع بطريق البحر، أو كل شخص يسلم البضائع إلى الناقل أو تسلم بالفعل البضائع باسمه أو نيابة عنه إلى الناقل في إطار عقد النقل البحري، هذا التعريف تبناه المشرع المغربي من خلال مشروع القانون البحري [5][5].                                       

أما الناقل فهو إما مجهزا مالكا للسفينة أو مجهزا مستغلا للسفينة في إطار عقد الإيجار، الذي يلتزم نحو المرسل   بنقل بضائعه إلى ميناء ما خلال مدة معينة ومقابل أجر معين، وما سيخصص للبضاعة جزء أو كل السفينة،[6][6] وقد عرفته اتفاقية هامبورغ ومشروع القانون البحري المغربي بأنه :"ّ كل شخص أبرم عقدا أو أبرم باسمه عقد مع شاحن لنقل البضائع بطريق البحر".

ومن خلال هذه التعاريف، يلاحظ أن تحديد هوية الناقل تطرح عدة إشكالاتّ، فهل هو المذكور في سند الشحن أم الذي قام فعلا بنقل البضاعة، وقد طرح هذا الإشكال أمام القضاء المغربي.[7][7] 

أما بالنسبة للمرسل إليه فنادرا ما يرسل الشاحن البضاعة لنفسه أو إلى وكيله، وإنما يرسلها في الغالب الأعم إلى المرسل إليه الذي يكون بحوزته سند الشحن اسميا أو لأمر أو لحامله، وقد عرفت اتفاقية هامبورغ إلى أن المقصود بالمرسل إليه أنه الشخص الذي له الحق غي تسلم البضائع.

وبخصوص العناصر الموضوعية لعقد النقل البحري فتتمثل في البضاعة المراد نقلها، وأجرة النقل، حيث يلتزم الناقل بإيصال البضاعة إلى مينا الإفراغ مقابل أجرة، ولقد نظم المشرع المغربي مسألة الأجرة في الفصول من 228إلى 230.

وعلى غرار طرق النقل الأخرى، نجد أن عقد النقل البحري يثبتإما عن طريق عقد مشارطة الإيجار وهو عقد يثبت نقل البضاعة دون شحنها،[8][8]وقد يفضل المرسل أو الشاحن التعقد مع الناقل البحري، لنقل بضاعته من ميناء الإقلاع أو التحميل، إلى ميناء الوصول أو التفريغ، ويتم التعاقد في هذه الحالة باسطة سند الشحن، الذي يصدره الناقل البحري،والمقصود بسند الشحن أي وثيقة من شأنها إثبات عقد نقل بالبحر ومقررة استلام الناقل للبضائع أو شحنه لها على ظهر السفينة وتعهده للشاحن بتسليم البضائع مقابل استرداد تلك الوثيقة،[9][9] ولقد عرف الفصل 209 من القانون البحري المغربي سند الشحن بأنه: " اعتراف خطي بالبضائع التي يتسلمها الربان ".[10][10]                    

 إن الالتزام الذي يقع على عاتق الناقل البحري، هو التزام بنتيجة تتمثل في إيصال البضاعة التي تسلمها من المرسل أو الشاحن في ميناء الشحن، لمن له الحق في سلامتها في ميناء التفريغ، وذلك في الوقت المتفق عليه سليمة من كل عيب أو نقص يلحقها.[11][11]

فأي إخلال بالتزامات الناقل يوجب مسؤوليته، وهي مسؤولية عقدية ناجمة عن إخلال بالتزام تعاقدي.

وأساس المسؤولية هو الخطأ،وهو مفترض في الناقل كما جاء في الفصل 221 من القانون التجاري البحري :" يبقى مؤاجر السفينة مسؤولا عن كل هلاك أو عوار يصيب البضائع مادامت تحت حراسته..."،وأيضا المادة 5 من اتفاقية هامبورغ التي اعتبرت الناقل مسؤولا عن الخسارة التي تنتج عن هلاك البضاعة أو تلفها.

 فالالتزام الرئيسي الملقى على عاتق الناقل البحري للبضائع بموجب عقد النقل البحري، هو نقل البضاعة من ميناء الإقلاع أي ميناء الشحن إلى ميناء الوصول وتسليمها إلى المرسل إليه، فأي ضرر يلحق البضاعة سواء تمثل في هلاكها جزئيا أو كليا يرتب مسؤولية الناقل البحري، أما بالنسبة لتلف الطريق فإنه من المتعارف عليه أنه هو الهلاك أو التلف البسيط الناتج عن طبيعة البضاعة المنقولة لا يسأل عنه الناقل، وهو ما أكده القضاء المغربي في قرار للمجلس الأعلى[12][12] الذي اعتبر على أن[13][13] العرف جرى من قديم على قبول النقص اليسير والتلف البسيط الناتج عن طبيعة البضاعة ،ولقد حددت النسبة التي تعتبر تلفا بسيطا في حدود 2 في المائة، تحددها المحكمة عن طريق الأمر بإجراء خبرة.

ويسأل الناقل عن التلف أو العوار الذي يلحق البضاعة ابتداء من تاريخ تسلمه لها إلى حين تسليمها للمرسل إليه، كما يسأل عن التأخير في التسليم بعد مراعاة المدة المتفق عليها لإيصال البضاعة الواردة بسند الشحن، وهو ما أكده قرار للمجلس الأعلى [14][14] حيث جاء فيه:"...بمقتضى الفصلين المذكورين- ف 221 من ق ت ب والفصل 78من القانون التجاري – يتأكد أن الناقل البحري مسؤول عن كل البضاعة المسلمة له إلى يوم تسليمها إلى المرسل إليه، ومحكمة الاستئناف عندما طبقت الفصل 221 المشار إليه لم تلتفت إلى مقتضيات الفصل 78 المذكور واعتبرت أن المكاري قد انتهت مسؤوليته عن البضاعة منذ تسليمها  إلى مكتب الشحن مع أن مقتضيات الفصلين المذكورين يقتضي غير ذلك، بل تعتبر الناقل البحري مسؤولا إلى أن تسلم البضاعة إلى المرسل إليه وللناقل البحري حق الرجوع إلى مكتب الشحن إذا كانت مسؤوليته في ذلك."

فمن خلال هذا القرار نستخلص أن مسؤولية الناقل البحري مستمرة إلى حدود وصول البضاعة إلى المرسل إليه، لكن نعتقد أن هذا القرار تشدد اتجاه الناقل ، إذ كيف يعقل أن تبقى مسؤوليته قائمة في الحالة التي تخرج فيها البضاعة من تحت حراسته،ويمكن التساؤل هنا عن دور ككتب الشحن  ويسير فى هذا الاتجاه قرار للمجلس الأعلى[15][15] الذي اعتبر أن الناقل مسؤول عن كل عن كل ضياع أو تلف يصيب البضاعة مادامت في حراسته وتنتقل هذه المسؤولية إلى مكتب الشحن إذا وقعت الخسارة أثناء وجود البضاعة في عهدته  أو لم يبد تحفظاته على الروافع بشأن الحالة الظاهرة للبضاعة أو بشأن عدم إفراغ جميع الطرود كما وردت في وثيقة الشحن.

وإلى جانب الهلاك هناك ضرر قد يصيب البضاعة، نصت عليه المادة الخامسة من اتفاقية هامبورغ، حيث تصل البضاعة وهي في حالة سيئة فإذا لم يورد الناقل في سند الشحن تحفظاته فإنه يفترض انه استلم البضاعة في حالة جيدة، لذلك فإن كل تلف أو عوار يلحق البضاعة ، يفترض أنه حصل نتيجة خطأ أو إهمال الناقل، لكن ينتقد الفقه القضاء حين يضفي على سند الشحن قوة ثبوتية مطلقة في إثبات سلامة البضاعة.

ومن بين الحالات التي تثار فيها مسؤولية الناقل البحري، نجد حالة التأخير في  إيصال البضاعة، حيث بالرجوع إلى المادة الخامسة من اتفاقية هامبورغ فإنها تؤكد على أن هناك تأخير إذا لم يتم تسليم البضاعة في الوقت المنصوص عليه في عقد النقل البحري أو في حدود المهلة التي يكون من المعقول تطلب التسليم خلالها، كما نصت المادة 456من مدونة التجارة المغربية على أنه: " يجب أن يتم النقل داخل الأجل المحدد من قبل الأطراف أو طبقا للعرف التجاري وإلا فيتم داخل الأجل الذي يعتبر مقبولا"، فالناقل البحري يسال عن التأخير، ولقد نص الفصل 217من ق ت ب المغربي على انه: " إن الطرف الذي يتسبب في توقف السفينة أو تأخرها عند الإقلاع أو خلال السفر أو في مكان التفريغ يكون ملزما بأداء تعويض للطرف الآخر"، وما يلاحظ على عبارات هذا الفصل أنها غير واضحة عكس المادة الخامسة من اتفاقية هامبورغ التي أكدت في فقرتها الأولى على أنه:" يسال الناقل عن الخسارة الناتجة عن هلاك البضائع أو تلفها وكذا الناتجة عن التأخير في التسليم ".

زقك يلجأ الناقل البحري إلى تضمين سند الشحن شرطا يعفيه من المسؤولية عند التأخير في تسليم البضاعة، وهو شرط يعد باطلا حسب مقتضيات الفصل 264من ق ت ب ، لكن الفقه اعتبر هذا الشرط صحيحا ،أما إذا ثبت أن التأخير راجع لخطا الناقل البحري كان من نتيجته التأخير يسأل الناقل رغم وجود شرط الإعفاء.[16][16]

ولتقرير مسؤولية الناقل البحري يتعين إثبات الضرر وهو يكون بجميع الوسائل ،وهذا ما أكده الاجتهاد القضائي ففي قرار لاستئنافية الدار البيضاء[17][17] جاء فيه:"... من حيث إنه فضلا عن ذلك فمن المقرر فقها وقضاء جواز إثبات الضرر في مادة النقل البحري بكافة الوسائل،وحتى بخبرة معيبة أو ناقصة طالما أن الأمر يهم معاملة تجارية يسودها مبدأ حرية الإثبات...".

سبق القول أن أساس مسؤولية الناقل البحري هو الخطأ المفترض ، لكن في المقابل يبقى من حق الناقل أن يعفى من المسؤولية ، فيجوز إعفاؤه إذا أثبت أن سبب هلاك البضاعة أو عوارها أو التأخر في وصولها، يرجع ألا قوة قاهرة استنادا لمقتضيات الفصل 221من ق ت ب الذي نص على أنه: " يبقى مؤجر السفينة مسؤولا عن كل هلاك أو عوار يصيب البضائع مادامت تحت حراسته وما لم يثبت وجود قوة قاهرة"، فعليه أن يثبت بدل العناية الضرورية وأن ما وقع كان خارجا عن إرادته،  وهكذا جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء [18][18] :"... حيث يدفع الناقل البحري بالقوة القاهرة وبالتالي انعدام مسؤوليته نظرا لقوة العاصفة التي تعرضت لها الباخرة خلال السفرة البحرية التي تمت خلال شهر فبراير 1978، غير أنه كان على الربان أن يتوقع حدوث مثل هذه العاصفة في هاته الآونة واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتلافيها، وبالتالي فلا مجال للتمسك بمقتضيات الفصل 269قلع الذي يعتبر القوة القاهرة كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه في حين أن حدوث العواصف خلال تلك الفترة من الأمور التي يمكن توقعها في فصل الشتاء الذي تكثر فيه العواصف..."                         

ونعتقد أن هذا القرار تشدد اتجاه الناقل البحري لأن القوة القاهرة تتحقق أيضا في حالة استحالة الدفع إلى جانب عدم التوقع، وبالتالي لا يمكن تحميله المسؤولية، فلا يمكن للناقل توقع قوة العاصفة.

كما يعفى الناقل من المسؤولية إذا أثبت أن هلاك البضاعة كان نتيجة لحريق اتخذ معه جميع التدابير التي كان من المعقول تطلب اتخاذها لإخماد الحريق، وتجنب تبعاته أو التخفيف منه حسب الفقرة الرابعة من المادة الخامسة من اتفاقية هامبورغ، وفي ظل التشريع المغربي فإنه يبقى على عاتق الناقل البحري عبء إثبات أن الضرر الحاصل للبضاعة ناتج عن حريق لم يكن بالامكان توقعه وكذا التغلب عليه أي إثبات عناصر ومقومات القوة القاهرة طبقا للفصل 269من ق ل ع .

وفي حالة وجود عيب خفي في البضاعة، فإن الناقل يعفي نتيجة تقصير المرسل أو الشاحن في التلفيف أو التغليف ، أو في حالة عدم إخبار الناقل عن طبيعة البضاعة المراد نقلها حتى يتمكن من اتخاذ الاحتياطات الكافية للحفاظ عليها كما لو كانت معرضة للكسر وهي لا تحمل علامة تفيد ذلك،[19][19] ولقد اعتبر المجلس الأعلى [20][20] أن مكتب استغلال الموانئ يتوجب عليه تغطية البضاعة المودعة لديه وبالتالي المسؤولية ملقاة على عاتق المكتب.

ولا يسأل الناقل البحري عن هلاك البضاعة أو التأخير في تسليمها، إذا كان ذلك بسبب إنقاذ الأرواح والأموال في البحر.[21][21]      

  المبحث الثاني: عقد التأمين

 ظهرت مؤسسة التأمين منذ القدم [22][22]، حيث ارتبط وجودها بحالة الخوف من الأخطار وتأمين التقلبات الاقتصادية باللجوء إلى فكرة التكافل و التضامن بين الأفراد و الشخص المصاب بالخسارة.

والتأمين كنظام قانوني ارتبط وتطور مع تطور التجارة البحرية التي يعتبر تاريخها جزءا من تاريخه[23][23] .

 وقد ظهر نظام التأمين أول ما ظهر في أوربا في القرن الرابع عشر ، فأقدم وثيقة تأمين أبرمت في جنوا عام 1347 ، وتلتها التأمينات البحرية في عام 1370 ، واختلفت خلال هذه الفترة المقتضيات التشريعية المنظمة لعقد التأمين ، فكانت قوانين برشلونة لسنة 1435 تنظم عقد التأمين البحري وصحته وممارسة الوساطة في عمليات التأمين ، كما تبعتها العديد من الدول كفرنسا التي أصدرت مرشد البحر في القرن السادس عشر، الذي كان مرجع في صياغة أحكام التأمين البحري الفرنسي  في سنة 1807، غير أن أول قانون خاص بالتأمين البحري كان من نصيب انجلترا عام 1601 .

أما بالنسبة للمشرع المغربي باعتبار مرجعيته الإسلامية[24][24] فلم يعرف التأمين بالشكل الذي  عرفته أوربا  إلا سنة 1879 ، حيث مارست هذا النظام الشركات الأجنبية كإسبانيا وكذا ألمانيا في سنة 1893 ، تم أخد هذا النظام يعرف طريقه في المغرب بدخول الحماية في عام 1912 حيث أبرم الأجانب عقود التأمين مع الشركات الأجنبية السالفة الذكر ، و استمرت الوضع إلى غاية 1916 تاريخ إنشاء أول شركة تأمين بالمغرب تحت إسم المغرب ، ثم تلا ذلك صدور أول قانون ينظم بين ثناياه التأمين البحري وذلك بمقتضى ظهير 31 مارس 1919 بمثابة مدونة التجارة البحري[25][25] تم تلته عدة ظهائر و قرارات وزيرية تناولت جوانب من الموضوع[26][26] ، إلا أن أول شركة تأمين ذات رأس مال مغربي أنشئت سنة 1950 تحت إسم الشركة الملكية المغربية للتأمين ، وارتفع بعد ذلك عدد الشركات الممارسة للتأمين بالمغرب بعد الحصول على الاستقلال الأمر الذي برزت معه الحاجة إلى تدخل الدولة بمقتضى ظهير 2 مارس 1973 المتعلق بمغربة بعض القطاعات و الأنشطة التجارية من بينها قطاع التأمين .

والمشرع المغربي على غرار المشرع الفرنسي لم يعرف عقد التأمين ، إلا أن هذا لم يمنع الفقه من تولي هذه المهمة ، حيث عرفه بعض الفقه بأنه : عملية يحصل بمقتضاها أحد الطرفين وهو المؤمن له نظير دفع قسط على تعهد لصالحه أو لصالح الغير من الطرف الآخر وهو المؤمن على تعهد بمقتضاه يدفع هذا الأخير أداء معينا عند تحقيق خطر معين وذلك عن طريق تجميع مجموعة من المخاطر وإجراء المقاصة وفقا لقوانين الإحصاء، كما عرف التأمين البحري بأنه تأمين السفينة و ما عليها من بضائع من مخاطر البحر [27][27] ، و القضاء بدوره ساهم في وضع تعريف لعقد التأمين حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى : إن التذكرة المسماة تذكرة التأمين التي تم وضعها من طرف المعني بالأمر الذي سيصبح صاحب الورقة النهائية للتأمين و تلزم المستفيد بأداء قسط التأمين مقابل أخطار يتحملها المؤمن .

من الضروري و الكافي أن تنفذ تذكرة التأمين باعتبارها تشاهد الالتزام المتبادل للطرفين المتعاقدين والشروط التي تفرضها المادة 345 من ظ.ق.ت.ب.[28][28]

وتتجلى أهمية التأمين البحري في الدور الذي يلعبه هذا الأخير بالنسبة إلى مختلف المتدخلين في عملية النقل البحري التي سبق توضيحها في المبحث الأول ، كما أنها تبرز بشكل جلي في النزاعات البحرية التي تكون عادة بين المؤمنين .

     فإلى أي حد استطاع المشرع المغربي تنظيم التأمين البحري بشكل يتجاوب وحماية مصالح أطراف عملية النقل البحري من أخطار الرحلة البحرية ؟

وهو ما سنحاول معالجته من خلال مبحثين نتناول في :

المطلب الأول: كيفية إبرام عقد التأمين البحري

وفي المطلب الثاني: تنفيذ عقد التأمين البحري 

 أمام الأهمية القصوى التي يحظى بها عقد التأمين و نظرا لما يوفره من عنصر الثبات و تفادي المفاجأة خاصة في الحقل التجاري الذي تزداد تقلباته يوما عن يوم خاصة أمام شساعة السوق الدولية وما تتطلبه من حاجة إلى عبور القارات التي تفصلها مئات الأميال من المساحات البحرية ظهرت شركات التأمين للحلول مكان المؤمن في كل ما يشغل مسؤوليته عن الحادث البحري لكن ذلك لا يتم إلا بوجود عقد للتأمين ( الفقرة الأولى ) بالإضافة إلى صحته ( الفقرة الثانية ) .

الفقرة الأولى : عقد التأمين البحري

 يعتبر عقد التأمين من العقود الرضائية التي تنشأ بتوافق إرادة المأمن و المؤمن له ، كما أنها من العقود الاحتمالية [29][29]، على أساس أن الأخطار المؤمن ضدها لا أحد يعرف مدى إمكانية حدوثها، لكن السؤال الذي يمكن طرحه هل الرضائية يمكن أن تغني عن الشكلية في عقد التأمين أم الأمر بخلاف ذلك ؟

بالرجوع إلى الفصل 345 من القانون التجاري البحري المغربي نجده ينص على ضرورة كتابة عقد التأمين، وهكذا فإن المشرع الزم كتابة عقد التأمين لكنه لم يشترط نوعا خاصا من الكتابة إذ يمكن أن ترد وثيقة التأمين في محرر عرفي أو رسمي ويمكن أن تكون مكتوبة بخط اليد أو معالجة، لكن الناحية العملية أفرزت أن جل عقود التأمين تكون مطبوعة والغريب أنها كلها تحرر باللغة الفرنسية بالرغم أن المتعاقدين هم مغاربة، ربما يرجع ذلك إلى تقليد أعمى للتشريع الفرنسي الذي ألزم بمقتضى المادة 182 من قانون 1982 كتابة عقد التأمين باللغة الفرنسية ، فحبذا لو تدخل المشروع وألزم كتابة وثيقة التأمين البحري باللغة العربية .

وهكذا يجب أن تكون وثيقة التأمين مجسدة على ورق، تتضمن مجموعة من البيانات منها:

*  تاريخ انعقاد التأمين مع تبيان إن كان قبل الظهر أو بعده

* اسم وموطن الشخص الذي أبرم التأمين لحسابه أو لحساب الغير وفي هذا الصدد قرر المجلس الأعلى أن عدم ذكر اسم المؤمن له في تذكرة الشحن تجعل حلوله غير ممكن في الدعوى [30][30].

* الأخطار التي يتحمل بها المؤمن و الوقت الذي تبدأ فيه هذه الأخطار و الوقت الذي تنتهي فيه

* المبلغ المؤمن به

* وجيبة أو ثمن التأمين[31][31]

* خضوع الأطراف لمحكمين في حالة النزاع وذلك فيما إذا وقع الاتفاق على هذا الشرط ولكل من الأطراف المعنيين بالأمر الحق بأخذ نسخة من وثيقة التأمين مشهود بصحتها . 

وهذا ما جسده المجلس الأعلى في عدة قرارات نذكر منها القرار الآتي الذي نص على: إن التذكرة المسماة تذكرة التأمين التي تم وضعها من طرف المعني بالأمر الذي سيصبح صاحب الورقة النهائية للتأمين و تلزم المستفيد بأداء قسط التأمين مقابل أخطار يتحملها المؤمن .

من الضروري و الكافي أن تنفذ تذكرة التأمين باعتبارها تشاهد الالتزام المتبادل للطرفين المتعاقدين والشروط التي تفرضها المادة 345 من ظ.ق.ت.ب.[32][32]

 وتجدر الإشارة إلى أن هذه المقتضيات واردة على سبيل المثال لا الحصر يمكن للأطراف إضافة مقتضيات أخرى مع مراعاة المسائل المتعلقة بالنظام العام .

وهكذا بعد إبرام عقد التأمين فإن المؤمن يحل محل المؤمن له في تحمل التعويض عن الأضرار والخسائر المترتبة عن الخطر المؤمن ضده ، إلا أن السؤال يطرح في الحالة التي يتحقق فيها الخطر في نفس اليوم الذي تبرم فيه وثيقة التأمين ، هل يتحمل المؤمن المسؤولية أم أنها تضل التزاما على عاتق المؤمن له خاصة و أن تحديد وقت التأمين يكتسي أهمية بالغة؟

لتفادي مثل هذه الوقائع غالبا ما يتفق المؤمن و المؤمن له على خلاف الأصل على بدأ سريان  وثيقة التأمين بعد مدة معينة من إبرام العقد ، لكن مع ذلك لا تزال الصعوبة في تحديد الوقت الذي أبرمت فيه وثيقة التأمين داخل نفس اليوم ووقوع الحادث المؤمن ضده ، لذا عمد المشرع في الفصل 345 على ضرورة تبيان ما إذا انعقد التأمين قبل أو بعد الظهر. 

ويمكن للأطراف في أي وقت من سريان عقد التأمين إدخال تعديل على محتوياته و يتم ذلك في ملحق، هذا الأخير يعتبر جزءا لا يتجزأ عن  وثيقة التأمين ، وهو ما أقرته محكمة النقض المصرية حين ذهبت إلى أنه ْ من المقرر أن ملحق وثيقة التأمين الأصلية الذي يوقع عليه الطرفين يعتبر جزءا لا يتجزأ منها و يندمج ضمن شروطها ، ولا ينسخ من هذه الشروط إلا ما قصد تعديله ْ [33][33]

الفقرة الثانية : شروط صحة عقد التأمين

 عقد التأمين البحري باعتباره عقد فهو لا يخرج عن الشريعة العامة للعقود العادية التي تستلزم لصحة قيامها توافر كل من الرضا و الأهلية و المحل و السبب.

فبالنسبة للرضا و الذي مؤداه توافق إراديين على إحداث أثر قانوني، يتجلى في توقيع الوثيقة من طرف المؤمن و المؤمن له ، حيث أن هذه الوثيقة هي للإثبات لا الانعقاد كما أشرنا في المطلب الأول، فهي لإثبات هذا التوافق و محله حتى يتسنى للقضاء الوقوف على حقيقة النزاع  ومدى أحقية كل طرف، إلا أن هذا الرضا لا يتحقق بالرغم من التعبير عنه كما أسلفنا إلا إذا كان سليما من العيوب والتي حددها المشرع بشكل خاص في القانون البحري المغربي، حيث اعتبر بمقتضى الفصل 353    «كل سكوت وكل تصريح كاذب من طرف المؤمن له من شأنه أن يحمل المؤمن على الاعتقاد بأن الخطر أقل مما هو في الحقيقة يبطل التأمين، حتى ولو لم يكن هناك قصد احتيالي، ويكون التأمين باطلا حتى ولو لم يؤثر السكوت أو التصريح الكاذب على الضرر أو على ضياع الشيء المؤمن.ومنه يعتبر الكتمان  و التصريح الكاذب من عيوب الرضا التي تجعل المؤمن ضحية لتدليس المؤمن له الذي يكون أكثر إطلاع بالمخاطر التي يعزم التأمين ضدها، الأمر الذي جعل المشرع يعاقبه بنقيض قصده وفي هذا المنحى صار قرار للمجلس الأعلى قضى فيه بأنه :* لا يكون التصريح الكاذب أو السكوت المنصوص عليهما في الفصل 353 ثابتين إلا إذا كان من شأنهما تغيير فكرة الخطر لدى المؤمن [34][34] ، وبالإضافة إلى الحالة السابقة هناك حالات أخرى رتب عليها المشرع بطلان الاتفاق على التأمين و يتعلق الأمر بقصد الاحتيال و الذي مؤداه قيام المؤمن له بإبرام عقد التأمين بعد علمه بهلاك محل التأمين [35][35] أو التنصيص على إمكانية وقوع الخطر في عقد التأمين و لا مجال للتخوف منه [36][36] .

الأهليـــة

فعقود التأمين هي من عقود الإدارة ، والمشرع استلزم أن ينتظم المؤمن في شكل شركة مساهمة خاضعة لوصاية وزارة المالية الأمر الذي لا مجال معه للبحت عن أهلية المؤمن ، أما بالنسبة للمؤمن له فالأهلية التي يجب توفرها هي أهلية الإدارة إذ يمكن للقاصر المرشد إبرام عقد التأمين بالنسبة للأعمال المأذون له التصرف فيها[37][37]

المحـــل

نص الفصل 346 على أنه: يجوزلكل شخص له مصلحة أن يقيم تأمينا على السفينة وتوابعها وعلى صوائر التجهيز والمؤونة وأجور الملاحين وأجرة النقل والمبالغ المقرضة على وجه المخاطرة الجسيمة والربح البحري، والبضائع المشحونة على ظهر السفينة، والربح المؤمل من هذه البضائع ووجيبة التأمين وعلى وجه الإجمال كل الأشياء التي يمكن تقويمها بنقود وتكون معرضة لأخطار الملاحة.

انطلاقا من هذا الفصل نلاحظ أن المحل يمكن أن يكون سفينة كما يمكن أن يكون بضاعة:

التأمين على السفن :

لا يشمل هذا التأمين جسم السفينة فحسب، ولكنه يمتد أيضا ليشمل عدتها وعتادها أي ملحقاتها بما في ذلك صوائر التجهيز والمؤونة والوقود وهذا ما يمكن أن نسميه بالتأمين على الأشياء، كما أنه يشمل بعض الأضرار الحاصلة للغير وهذا ما يسمى بالتأمين على المسؤولية.

وينبغي التذكير أن المجهز غالبا ما يمؤمن على أجرة نقل البضائع أو الأشخاص وفي هذا الإطار نجد الفصل 347 من ق.ب.م ينص على أنه: إذا كان عمل التأمين هو أجرة النقل الصافية فإن مبلغ هذه الأجرة يقدر في حالة سكوت العقد بنسبة 60% من أجرة النقل الإجمالية، ومع ذلك فإن التأمين على أجرة النقل الصافية يبقى ناذرا في الحياة العملية، إذ لا يمكن تصوره إلا في حالة نقل بضائع معزولة.

التأمين على البضاعة

يكون التأمين على البضاعة برسم رحلة بحرية أو تأمين وفق بوليصة خاصة، وإما بواسطة الوثيقة العائمة أو وثيقة الاشتراك.

أولا : التأمين على الرحلة البحرية أو بواسطة بوليصة خاصة:

يسمى التأمين المبرم بخصوص الرحلة البحرية بالتأمين وفق بوليصة  خاصة، ويقع  هذا التأمين على جميع أنواع البضائع ما عدا القيم والأوراق البنكية التي تستوجب موافقة المؤمن. وفي جميع الحالات فإن قيمة البضائع يتم تحديدها في العقد، وفي حالة عدم تعيينها في العقد، يمكن إثباتها بواسطة الفواتير والدفاتر، وإن لم توجد وقع التقييم بمقتضى السعر الجاري به في زمن ومكان الشحن على أن تحسب داخلة في هذا السعر جميع الواجبات المؤداة والصوائر المنفقة حتى إيصال البضائع إلى ظهر السفينة وأجرة النقل المشترط أداؤها أية كانت الظروف وكذلك وجيبة التأمين، وكذلك الربح المؤمل إذا اقتضى الأمر ذلك (الفصل 342 من ق.ب.م).

ثانيا : الوثيقة العامة أو وثيقة الاشتراك:

في هذه الحالة تؤمن البضائع من المخاطر التي تتعرض لها بما يسمى بالوثيقة العائمة، وهي عقد يتفق فيه المؤمن والمؤمن له على تأمين كل البضائع التي يشحنها المؤمن له خلال فترة معينة تكون عادة اثنا عشر شهرا في حدود مبلغ معين، وتسمى بالعائمة لأن المؤمن له لا يعرف مقدار البضاعة التي يشحنها فهي تضع الشروط العامة للتأمين دون تفاصيل الشحنات التي تغطيها وتتحدد هذه الشحنات عند الشحن الفعلي، وعلى ذلك يلتزم المؤمن له  قبل المؤمن  بإعلان هذه الشحنات التي يغطيها التأمين، وهو أسلوب يتفق مع الشحنات الصغيرة المتكررة التي تتطلب من المؤمن إبرام عقود متعددة ومتلاحقة، لولا البوليصة العائمة.

 

المطلب الثاني: تنفيذ عقد التأمين

 

بعد إبرام عقد التأمين تأتي المرحلة الموالية والمتعلقة بتنفيذ الالتزامات[38][38] المتفق بشأنها والمضمنة في  وثيقة التأمين أو ملحقاتها ، وهكذا فإن وثيقة التأمين ترتب التزامات في عاتق المؤمن له (الفقرة الأولى ) كما هو الشأن بالنسبة للمؤمن ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : التزامات المؤمن له

 عندما يبرم المؤمن له عقد التأمين البحري، فإنه يلتزم بدفع قسط التأمين المتفق عليه إضافة إلى التزامات تبعية مختلفة.

فقسط التأمين وهو المبلغ الذي يدفعه المؤمن له للمؤمن مقابل تحمل هذا الأخير الخطر والالتزام بالتعويض عنه عند تحققه[39][39].

ويؤدى هذا القسط إما نقدا أو عينا أو في صورة القيام بعمل أو في شكل حصة من الأرباح، وذلك إما عند إبرام العقد أو عند نجاح الإرسالية البحرية، ولكن كيف يتم تحديد هذا المبلغ ؟ وماذا عن أدائه وضماناته؟

أولا : تحديد مبلغ التأمين

يحدد هذا المبلغ في عقد التأمين أو لمدة معينة [40][40]، وفي جميع الحالات لا يمكن أن يكون حسب الأخطار المؤمن عليها.

وتجدر الإشارة إلى أن عدم تحديد مبلغ التأمين لا يبطل عقد التأمين، بحيث أنه في هذه الحالة يعتد إما بالسعر القانوني لأقساط التأمين وإما بالسعر المعقول اللهم إذا تم الاتفاق عليه، وتم دفعه إلى المؤمن.

ففي التأمين على السفن تحدد وجيبة التأمين عمليا بالنظر إلى القيمة المؤمن عليها والتي يتم تحديدها بواسطة رتبة السفينة وعنصر احتمال الأخطار.

أما بالنسبة للتأمين على البضائع فإن الوجيبة تحدد بالنظر إلى الخطر الذي يهدد الإرسالية وكذا طبيعة هذه البضائع، وقد يتفق الأطراف على دفع علاوة واجبات التأمين إذا تعهد المؤمن بضمان بعض الأخطار المستثناة (المادة 11 من بوليصة التأمين على البضائع)، بل يجوز تخفيضها كلما قلت حدة هذه الأخطار. ذلك لأن قاعدة عدم تغيير قسط التأمين ليست من النظام العام.

ثانيا : الوفاء بوجيبة التأمين وضمانات ذلك

 على مستوى الممارسة العملية، فإن الوفاء بهذه الوجيبة وبطلب من المؤمن له يتم على أربع دفعات، وذلك  في المكان والزمان المتفق عليهما في العقد. وهكذا فإننا نلاحظ عمليا أن الوفاء بهذه الوجيبة، وذلك وفقا  لمقتضيات  المادة 14 من بوليصة التأمين على السفن، أي بعد 30 يومتا ثم بعد 3 أشهر ثم بعد 6 أشهر ثم أخيرا بعد 9 أشهر.

ومع ذلك فالمبدأ يقضي بدفعها كاملة، وبذلك فلا يبدأ الضمان في السريان إلا ابتداء من تاريخ الوفاء.

أما في التأمين لمدة محددة، فإن الوجيبة تكون واجبة الأداء داخل أجل 30 يوما من التعهد بضمان الأخطار بدون خصم إذا كانت المدة تقل عن 12 شهرا وبخصم 3 % إذا كانت تساوي هذه المدة، أما في التأمين على البضائع فإن الوجيبة تكون لازمة الوفاء في مكان التعاقد بمجرد ما يتسلم المؤمن له وثيقة التأمين، لكن إذا لم يقع الوفاء داخل أجل 8 أيام فإن التأمين يتوقف تلقائيا بدون إخطار، وبالتالي لا يطالب المؤمن بأي تعويض عن الضرر الحاصل خلال هذا التوقف، كما أن مؤمّن البضاعة يتمتع بامتياز عليها لضمان وفاء وجيبات التأمين[41][41].

فبالإضافة إلى الالتزام الأصلي المترتب في ذمة المؤمن له هناك التزامات تكميلية أوردها المشرع في االقانون البحري المغربي منها:

-تقديم العناية المعقولة لكل الأشياء التي هي محل التأمين.

-التصريح للمؤمن له أثناء إبرام عقد التأمين بكل الظروف التي تأخذ بعين الاعتبار من طرف المؤمن.

- إخبار المؤمن بكل تعقيدات الأخطار.

-المحافظة على حقوق الرجوع على الغير المسؤول والتخفيف من آثار الحادث.

يلتزم المؤمن له أيضا بالتصريح عن الحادث للمؤمن فور وقوعه وفقا لما هو منصوص عليه في بوليصة النقل، ويجب أن يتم هذا التصريح داخل أجل 3 أيام من وقوع الحادث حتى يتمكن المؤمن من مراقبة الظروف التي وقع فيها الحادث[42][42].

كما تفرض المادة 366 من ق.ب.م على المؤمن له اتخاذ جميع التدابير الضرورية لإثبات العواريات التي لحقت السفينة أو البضاعة المؤمن عليها وكذا أسباب هذه الخسارات، و  يقوم بهذه المعاينة من الناحية العملية وكيل المؤمن  بناء على طلب المرسل إليه ، و بذلك  تكون هذه المعاينة بمثابة الخبرة[43][43].

إلا أنها تقبل الخبرة المضادة داخل أجل 15 يوما، بل ويمكن للمرسل إليه أن يطلب من المحكمة المختصة خبرة قضائية.

الفقرة الثانية: التزامات المؤمـن

 إن أهم التزام يقع على كاهل المؤمن يتمثل في أداء التعويض عند حلول الخطر المؤمن ضده ، وقد عمل المشرع بالإضافة إلى المخاطر غير المشمولة بالتأمين على إقصاء بعض أسباب الحوادث وكذا بعض الأضرار من نطاق هذا الالتزام.

وهكذا لا يلزم المؤمن بضمان :

-الأضرار والخسائر المادية الناتجة عن عيب خفي بالبضاعة المؤمنة .

-الأضرار والخسائر المادية الناتجة عن غرامات الحجز، التهريب، التجارة المحظورة...

-التعويض الناتج عن حجز أو كفالة تم أداؤها لصالح الأشياء التي وقع عليها الحجز.

-الأضرار التي ليست لها علاقة بالأشياء المؤمنة، كالبطالة والتأخير، تباين سعرالعملات وفوائد التأخير، وكذا كل الأضرار الناتجة  عن عملية   تصدير أو استيراد ممنوعة [44][44].

         فإذا استجمعت شروط صحة العقد و حصل الحادث، ننتقل إلى التعويض عنه ، ويكون ذلك إما عن طريق التسوية الودية أو عن طريق القضاء وفي هذا الصدد صدر قرار عن المجلس الأعلى قضى فيه : * بأن إدارة اتفاقية التأمين تعود إلى مختار المؤمنين وحده الذي يجب أن يعترف له بحق المخاصمة باسم المؤمن له أمام القضاء ، و أنه من الطبيعي أن تحل الشركة المختارة التي سددت للمؤمن له التعويض عن الضرر محل هذا الأخير في الحقوق و الادعاءات طبقا للفصل 367 من القانون التجاري البحري[45][45]، وفي هذه الحالة الأخيرة نكون أمام دعوى الخسارة عندما يأخذ التعويض شكلا نقديا، ويقصد بالخسارة الهلاك والعوار اللاحق بالشيء المؤمن عليه. ويتم حساب هذا التعويض بناء على الضرر الذي أصاب المؤمن له. ونظرا للطابع الجبري للتأمين البحري، فإنه لا يمكن للمؤمن له أن يحصل على مبلغ التعويض يفوق حجم الضرر الذي تعرض له.

ومع ذلك فإن مبلغ التعويض عند تأديته يمكن أن يكون مساويا لقيمة الأشياء المؤمنة عندما تكون هذه الأخيرة أقل أو أكثر من القيمة الحقيقية لتلك الأشياء، بشرط أن يكون المؤمن حسن النية ويبقى له حق الرجوع على المسؤول عن الخطر وفي هذا الاتجاه قرر المجلس الأعلى أن: الفقرة الأولى للفصل 367 من ظهير التجارة البحرية تنص على أن أداء المؤمن للتعويضات الملقاة على عاتقه ينقل إليه بقوة القانون و عن طريق الحلول جميع الحقوق و الدعاوى و المتابعات التي يملكها المؤمن له ضد الغير بسبب الخسائر و العواريات التي استوجبت هذا الأداء [46][46] .

وينتج عن هذا أن أداء التعويض يختلف ويتعقد تبعا لإرادة الأطراف المتعاقدة، وفي جميع الأحوال يبقى على المؤمن أداء التعويضات الموجودة في ذمته داخل أجل 30يوما من تاريخ تقديم المؤمن له لجميع الوثائق المثبتة لذلك.

ولا يمكن متابعته قبل انصرام هذا الأجل، كما أن إثبات المؤمن لعكس ما يدعيه المؤمن له، لا يوقف الحكم الصادر بأداء التعويض بشرط أن يقدم المؤمن له كفالة، وينقضي التزام الكفيل بمرور سنتين إذا لم تكن هناك متابعة ([47][47]).

 


 الكتــب:

* محمد برادة غزيول: الاستيراد والتصدير والإشكالات القانونية، الطبعة الثانية1999 .

* محمد كمال حمدي: عقد الشحن والتفريغ في النقل البحري، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية 1977 .

* محمد طلبة عويض: ْ المبادئ الأساسية للتأمين ْ طبعة 1977.

* سعيد يحي حقي : مسؤولية الناقل البحري وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لنقل البضائع بالبحر لعام 1978/ منشأة المعارف الاسكندرية

* عبد السلام أحمد فيغو : ْ عقد التأمين ْ طبعة 2000

* يونس بنونة: مسؤولية الناقل البحري على ضوء القانون المغربي – دراسة مقارنة مع اتفاقية هامبورغ لسنة 1978-، أكتوبر 1993، المطبعة السريعة

المحاضرات

عزيز الفتح: محاضرات ألقيت على طلبة السلك الثالث، وحدة المهن القضائية والقانونية، كلية الحقوق- السويسي- الرباط، السنة الجامعية 2004/2005.

المجلات

* مجلة المحاكم المغربية عدد 56ص 106.

* قضاء المجلس الأعلى، الإصدار الرقمي، العدد 37- 38

القوانين

مدونة التجارة البحرية .


 

...........................................................................................1

 المبحث الأول: عقد النقل البحري..................... ............................................2

 المطلب الأول : الأحكام العامة لعقد النقل البحري..................................................2

المطلب الثاني: مسؤولية الناقل البحري.............................................................3

 المبحث الثاني:  التأمين البحري...................................................................7

 المطلب الأول: كيفية إبرام عقد التأمين البحري ....................... ...........................9

 المطلب الثاني: تنفيذ عقد التأمين البحري........................................................ 12



[1][1][1][1]- محمد برادة غزيول: الاستيراد والتصدير والإشكالات القانونية، الطبعة الثانية1999،ص 137.

[2][2]- انظر في هذا الاطار محمد كمال حمدي: عقد الشحن والتفريغ في النقل البحري ، دار المطبوعات الجامعية، الاسكنرية 1977ص5.

[3][3]- أستاذنا عزيز الفتح: محاضرات ألقيت على طلبة السلك الثالث، وحدة المهن القضائية والقانونية، كلية الحقوق- السويسي- الرباط، السنة الجامعية 2004/2005.

[4][4]- محمد كمال حمدي: مرجع سابق،ص35.

[5][5]- انظر المادة الأولى من اتفاقية هامبورغ.

[6][6]- انظر الفصل 206 من القانون البحري المغربي.

[7][7]- انظر مثلا القرار عدد 421 الصادر بتاريخ 26/02/1986 عن محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء ملف تجاري عدد 1302/83 منشور في مجلة المحاكم المغربية عدد 56ص 106.

[8][8]- محمد برادة غزيول" مرجع سابف، ص 141.

[9][9]- سعيد يحي حقي : مسؤولية الناقل البحري وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لنقل البضائع بالبحر لعام 1978/ منشأة المعارف الاسكندرية ص 120.

[10][10]- للمزيد من التوسع حول سند الشحن وأنواعه، انظر محمد برادة غزيول: مرجع سابق، ص 142و143. 

[11][11] - محمد برادة غز يول: الاستيراد والتصدير والإشكالات القانونية، الطبعة الثانية، 1999، ص 151.

[12][12]- قرار عدد 1604 الصادر بتاريخ 19/11/1999، ملف تجاري عدد 824/91.

[13][13]- أستاذنا عزيز الفتح: محاضرات ألقيت على طلبة السلك الثالث ، وحدة المهن القضائية والقانونية، كلية الحقوق السويسي الرباط، السنة الجامعية 2004/2005.

[14][14]- قرار عدد 1194، صادر بتاريخ 15ماي 1985 ملف مدني 94198 ، مجلة قضاء المجلس الأعلى، الإصدار الرقمي، العدد 37- 38، دجنبر 2000،ص 76.

[15][15]- قرار عدد 601 الصادر بتاريخ 13 مارس 1985، ملف مدني رقم 899370، مجلة قضاء المجلس الأعلى ، المرجع السابق، ص 24.

[16][16]- يونس بنونة: مسؤولية الناقل البحري على ضوء القانون المغربي – دراسة مقارنة مع اتفاقية هامبورغ لسنة 1978-، أكتوبر 1993، المطبعة السريعة، ص 63.

[17][17]- قرار رقم 1283ملف 1600/84 منشور في مؤلف: يونس بنونة، المرجع السابق، ص 65.

[18][18]- قرار رقم 706 ملف تجاري عدد2346/84 .

[19][19]- يونس بنونة: مرجع سابق، ص71.

[20][20]- القرار عدد 2915 المؤرخ في 6/05/1998 ملف مدني عدد 2255/97.

[21][21]- محمد برادة غزيول: مرجع سابق ، ص 157.

[22][22]-  ظهر مع الرومان وقد كان يطلق عليه اسم القرض ، لأن رض القرض كان مشروطا بوصول البضاعة سليمة إلى الميناء .[22][22]

[23][23] - عبد السلام أحمد فيغو : ْ عقد التأمين ْ طبعة 2000 ، ص : 11 .

[24][24] -  على اعتبار أن الإسلام يحرم التأمين ويعتبره نوعا من الربا و المقامرة و الغرر وتجدر الإشارة أن بعض الدول لا تعمل بنظام للتأمين على الأساس السابق ك السعودية .

[25][25] -  تم تنظيم التأمين البحري في القسم الرابع من الكتاب الثالث من القانون البحري المغربي في الفصول من 345 إلى 390

[26][26] -  انظر للمزيد من التوسع عبد السلام أحمد فيغو : ْعقد التأمين ْ مرجع سابق ، ص: 21 الهامش

[27][27] -  تعريف ليكار وبيسون أورده أورده عبد السلام أحمد فيغو: المرجع السابق ، ص: 25 و 43 .

[28][28] - قرار المجلس الأعلى رقم 4727 بتاريخ 23 فبراير 1955

[29][29] -  لهذا فهي محرمة في الشريعة الإسلامية .

[30][30] - قرار المجلس الأعلى رقم 4065 بتاريخ 3 ماي 1949 .

[31][31] - انظر الفصل 345 من مدونة التجارة البحرية .

[32][32] - قرار المجلس الأعلى رقم 4727 بتاريخ 23 فبراير 1955

[33][33] - أورده عبد السلام أحمد فيغو :ْ عقد التأمين ْ مرجع سابق ،ص: 169 .

[34][34] - قرار المجلس الأعلى رقم 4740 صادر بتاريخ 4 يوليوز 1956 .

[35][35] - الفصل 506و363  من القانون البحري المغربي .

[36][36] - الفصل 364 من القانون البحري المغربي .

[37][37] - انظرمحمد طلبة عويض: ْ المبادئ الأساسية للتأمين ْ طبعة 1977ص: 1010 و ما بعدها .

[38][38] - حددها المشرع في الفصول من 354 إلى 373 من مدونة التجارة البحرية .

[39][39] - أشار إليه المشرع في المادة 75 من القرار الوزيري التي نصت على أنه: قسط التأمين هو المقابل المالي الذي يلتزم المؤمن له بدفعه للمؤمن من أجل تغطية الخطر المؤمن ضده .

[40][40] -المادة 365 من ق.ب.م

[41][41] - المادة 387 من ق.ب.م

 

[42][42]-   الفصل 353/ 2 من ق.ب.م

 

- راجع قرار عدد 43 صادر بتاريخ 14/1/1986 عن محكمة الاستئناف بالبيضاء، منشور بالمجلة المغربية للقانون عدد 3 سنة 1986 صفحة 175. [43][43]

[44][44] - انظر الفصل 360 من ق.ب.م.

[45][45] - قرار رقم 4725 صادر بتاريخ 26 يناير 1955 .

[46][46] -  قرار المجلس الأعلى رقم 4065 بتاريخ 3 ماي 1949 .

[47][47] - انظر والفصل 367 من ق.ب.م.


تعليقات