القائمة الرئيسية

الصفحات



تفسير المادة 751 من قانون المسطرة الجنائية الدكتور احمد الخمليشي

 


تفسير المادة 765 من قانون المسطرة الجنائية   الدكتور احمد الخمليشي


المادة 751 من ق.م.ج

حول تفسير م. 765 – ق.م.ج

الدكتور احمد الخمليشي

أستاذ بكلية الحقوق الرباط

نشرت م. ق. ق في عددها رقم 133 134 ص 135، وجهة نظر حول قرار المجلس الأعلى عدد 248 ( 3/6/1982 ) للقاضي المحترم السيد اليوسفي المهدي.

 وتعرض في وجهة نظره هذه الى تعليقنا على ذات القرار عدد 148 المنشور في نفس المجلة عدد 131 ص 133.

ومجرد اختلاف في الراي لا يستدعي تعقيبا، لان الحق او الصواب ليس ملكا لاحد ومن يعرف شيئا تغيب عنه أشياء.

 ولذلك فان الذين حملني على هذا التعقيب هو ما اشارت اليه وجهة النظر من تفسير للمادة 765 ق م ج نظرا لما يكتسيه هذا التفسير من اهمية، خصوصا وان بعض الاحكام القضائية المنشورة اخذت بنفس الراي.

ولكن قبل التعرض لهذا التفسير، اود ان ابدي تعقيبا موجزا جدا عن وجهة نظر السيد اليوسفي.

 ان القرار 248 لم يؤاخذ محكمة الموضوع على : " انها اغفلت استدعاء الاشخاص الخمسة لتناقشهم في تصريحاتهم" كما يقوم السيد اليوسفي، وانما وأخذها على كون قرارها : " اعتمد شهادة الشهود لم يحضروا امام المحكمة" الفرق بين العبارتين واضح.

وتعليقنا تركز على هذه العبارة الثانية الواردة في القرار 248 لذلك فقلنا ان الزام المحكمة باستدعاء الشهود : " لا يعني انه عند تعذر الاستماع الى الشاهد لأي سبب كان، يتعين على المحكمة ان تستبعد تصريحاته او شهادته امام قاضي التحقيق" 

فموضوع المناقشة هو تصرف المحكمة ازاء شهادة شاهد ولم يحضر امامها لسبب من الاسباب، وليس اغفالها لاستدعائه.

 ومن ناحية ثانية، القرار 248 يتعلق بشهادة شهود ادوا اليمين، وادلوا بشهادتهم طبقا للقانون امام قاضي التحقيق، وليس بمجرد تصريحات وردت في محضر البحث التمهيدي.

وبالنسبة للملاحظة الثانية الواردة في وجهة النظر، ففي الحقيقة لا أدري كيف يمكن القول بان اثبات الجريمة هو غير اثبات عناصر الجريمة (؟!).

 وان م. 443 ظ ل ع تتعلق باثبات التصرفات القانونية التي تنشا، او تنقل او تعدل التزامات او حقا، فأي علاقة لها بتسلم مبلغ نتيجة وسائل احتيال، او على اساس الرشوة او غيرها من الوقائع التي يتحقق الوصف الاجرامي في جانبها المادي، ليس في التكييف الذي قد يضفيه عليها القانون المدني.

 وارجع الان الى ما ورد في وجهة نظر السيد اليوسفي من ان حكم محكمة الموضوع يكون : معتل التعليل

 ويتعرض للبطلان وفق ما ينص عليه ما ينص عليه الفصل 765 ( ق م ج) الذي يؤكد ان كل اجراء يامر به هذا القانون ولم يثبت انجازه على الوجه القانوني يعد كانه لم ينجز.

 ومقتضى ذلك :

1)   ان م .765 م ج تتعلق بالانجاز المعيب للاجراءات.

2)   ان اعتماد المحكمة في حكمها على الاجراء المعيب يعرض هذا الحكم للبطلان.

وقريب من ذلك ما ورد في بعض الاحكام القضائية المنشورة من :

1)   ان م. 765 م ج. تتعلق بالانجاز المعيب للاجراءات.

2)   ان عبارة " يعد كأنه لم ينجز " الواردة فيها تعني استبعاد الاجراء من الملف .

 

من هذه الاحكام :

        ·حكم محكمة العدل الخاصة الذي جاء فيه :

" وحيث انه يتبين من وثائق القضية ان المتهمين المدنيين المذكورين صدره ظلوا رهن اشارة الضابطة القضائية من اجل البحث التمهيدي مدة تتراوح ما بين 34 و49 يوما، قبل ان يقدموا الى قاضي التحقيق بمحكمة العدل الخاصة بتاريخ 6 نونبر1977 وهي مدة تجاوزت عدة ايامها بكثير الستة ايام المسموح بها قانونا .

وحيث ان مراعاة ما هو مامور به قانونا من شان الوضع تحت الحراسة المنصوص عليه في الفصل 82 من ق م ج هو من الاجراءات الجوهرية للمسطرة وان الاخال بها يدخل في نطاق ما نص عليه الفصل 765 من ق م ج. والذي يعد بمقتضاه كل اجراء لم ينجز على الوجه المتطلب قانونا كانه لم ينجز.

وحيث ان المحاضر الخاصة بالاستماع الى المتهمين المدنيين، سواء المتقدمون منهم بالدفع او غيرهم قد حررت اثناء فترة الوضع تحت الحراسة المنجزة كما سبق بيانه على وجه غير قانوني، فانه يتعين، بناء على ذلك، ابعادها عن الملف". (1)

         ·وحكم غرفة الجنايات لدى محكمة الاستئناف بالرباط في 1/7/1982 ومما جاء فيه :

" ان مدة الحراسة النظرية استغرقت 255 ساعة، وهو ما يتنافى مع مقتضيات الفصلين 68 و82 من قانون المسطرة الجنائية التي تحدد زمن الحراسة النظرية في 96 ساعة، وبالتالي يترتب عنه وفق ما ينص عليه الفصل 765 من قانون المسطرة الجنائية اعتباره كانه لم ينجز، لانه اجراء لم يثبت انجازه على الوجه الذي يفرضه القانون، فيجب اذن استبعاد محضر استماع المتهم".

وقد تعرض المجلس الاعلى لهذا التعليل ودون ان ينتقده في قراره عدد 6846 تاريخ 1/11/1983 (2).

 فما هو مدى سلامة التفسير السابق للمادة 765 م ج ؟

ان الذي نستخلصه من ذلك التفسير هو :

        ·ان م. 765 تتعلق بالإنجاز المعيب للاجراءات.

        ·وان النتيجة التي تترتب على الانجاز المعيب للاجراء هو اما بطلان الحكم ( حسب وجهة نظر السيد اليوسفي)، او استبعادا الاجراء المعيب ( حسب الحكمين السالفي الذكر).

 أولا : حول تعلق م 765 بالإنجاز المعيب للإجراءات .

يقول النصل العربي للمادة 765 م ج :

" كل اجراء يامر به هذا القانون ولم يثبت انجازه على الوجه القانوني يعد كانه لم ينجز، وذلك مع مراعاة مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 498 المتعلقة بجلسات المحاكم الجنائية".

بالتأكيد ان ترجمة النص كانت ركيكة، وذلك باستعمال عبارة :" على الوجه القانوني" غير السليمة مع تقديم كلمة "انجازه" عليها وزيادة حرف الكاف في " كانه" ..

ولكن حتى اذا اخذنا بما ذهب اليه المجلس الاعلى في بعض قراراته من وجوب اعتماد النص العربي للنصوص التشريعية (3) فان قراءة م. 765 كاملة، توضح المعنى المقصود منها .

وهو ان كل اجراء تامر به نصوص المسطرة، ولم يثبت قانونا انجازه يعتبر او يفترض انه لم ينجز.

والغاية من ذلك هو الزام المكلفين بتطبيق المسطرة الجنائية باثبات كل ما يقومون به من اجراءات، وتسجيله في مستندات الملف، بحيث يكون كل اجراء لم يثبت القيام به من هذه المستندات يعتبر انه لم ينجز.

فالمادة 765 لا علاقة لها نهائيا بالاجراءات التي انجزت بشكل مخالف للقانون مثل تجاوز المدة القانونية للوضع تحت الحراسة الذي يشير اليه الحكمان السابقان.

 وانما تتعلق بحالة ما اذا اثير اغفال القيام ببعض اجراءات المسطرة فتقرر ان المحكمة التي اثير امامها هذا الاغفال يجب عليها الا تعتبر منجزا الا الاجراءات التي تبث قانونا القيام بها، اما التي لا تثبت مستندات ملف انجازها فيتعين اعتبارها غير منجزة .

يؤكد هذا استثناء م. 765 للاجراءات الخاصة بجلسات محاكم الجنايات التي تقضي م. 498 بشانها بانه

" تعتبر الاجراءات المقررة قانونيا لسير جلسات المحاكم الجنائية قد استكملت، اللهم الا اذا اشير بكيفية صريحة الى عدم تطبيقها في المحضر او في الحكم او في طلب تسجيل ذلك.

 ولو كانت م. 765 تتعلق بالاجراءات المنجزة بشكل مخالف في القانون، ما بقي معنا لاستثناء مقتضيات م 498 منها.

والواقع ان اجراءات جلسات محاكم الجنايات كانت معقدة ( خصصت لها المسطرة حوالي اربعين مادة) فأعفى المشرع هذه المحاكم من وجوب النص في المحضر او في الحكم على جميع الاجراءات المقررة لها في المسطرة، موضحا في م. 498 انه لا يمكن تقرير ان اجراء ما لم ينجز الا اذا ثبت عدم القيام به من المحضر او الحكم او طلب تسجيله. وبعبارة اخرى، اجراءات جلسات محاكم الجنايات يفترض في كل الاحوال انها جميعها انجزت ما لم ينص المحضر او الحكم او طلب التسجيل صراحة على عدم القيام بها.

 وعلى العكس من ذلك، قرر المشرع في م. 765 انه فيما عدا اجراءات جلسات محاكم الجنايات، يفترض عدم انجاز الاجراءات التي تامر بها المسطرة الى ان يثبت من مستندات الملف القيام بها.

يتبين من هذا ان م. 765 لا تتعلق بالإنجاز المعيب للاجراءات ما دامت تستثني مقتضيات م. 498، اذ من البديهي ان انجاز اجراء ما بغير شكل الذي يقرره القانون ما يختلف حكمه بين جلسات محاكم الجنايات وبين غيرها من الهيئات والمراحل التي تمر بها الدعوى العمومية.

 ثانيا : نتيجة الإنجاز المعيب للإجراءات :

ان تفسير موضوع التعليق لا تقتصر مناقشته على المفهوم الذي اعطاه للمادة 765، وانما يبدو محل نظر كذلك النتيجة التي رتبها على ذلك المفهوم وهي : بطلان الحكم او استبعاد الاجراء المعيب.

 أ‌-    بطلان الحكم :

حسب وجهة نظر السيد اليوسفي، ان الحكم باعتماده اجراء انجز بشكل معيب " يتعرض الى للبطلان وفق ما ينص عليه الفصل 323 اعلاه وذلك الفصل 765 من نفس القانون الذي يؤكد ان كل اجراء يامر به هذا الفانون ولم يثبت انجازه على الوجه القانوني يعد كانه لم ينجز".

 ان رفض بطلان الحكم بالمادة 765 في صيغتها العامة " كل اجراء يامر به هذا القانون" يبدو منه ان البطلان يترتب عن كل اجراء انجز بشكل مخالف للقانون، وان عبارة " يعد كانه لم ينجز" تعين البطلان .

ولعل هذا ما لا تسعفه نصوص المسطرة وقواعدها العامة.

 فمن ناحية يصعب لغويا تفسير العبارة " يعد كانه لم ينجز" بالبطلان.

من ناحية ثانية من المسلم به ان البطلان يترتب عن خرق ومخالفة الاجراءات الجوهرية بشرط ان لا يكون التمسك بالبطلان قد فات اوانه .

اما اذا كانت المخالفة تتعلق باجراء غير جوهري، او باجراء جوهري لم يثر الاحتجاج به في الفترة المحددة من القانون، فلا بطلان .

وبناء على ذلك يبدو محل مناقشة القول بان كل اجراء تامر به المسطرة الجنائية يؤدي انجازه بشكل مخالف للقانون الى بطلان الحكم الذي يصدر في القضية.

 ب‌- استبعاد الإجراء المعيب

الحكمان السابقان يقرران: ان كل اجراء انجز بشكل مخالف للقانون يستبعد من الملف، وبصرف النظر عما قلناه من الخطا في استنتاج هذا المبدا من م. 765 من ج. وان المبدا في حد ذاته لا يبدو سليما .

ان بطلان الاجراء الذي خولف القانون في انجازه، لا يقتصر اثره دائما على مجرد استبعاد الاجراء الباطل، وانما في حالات غير قليلة ينسحب البطلان على كل وبعض الاجراءات الموالية للاجراء الذي خولف فيه القانون.

فالمحكمة التي اكتشفت او اثار امامها الاطراف البطلان يجب ان ثبت فيما اذا كان البطلان يقتصر على الاجراء الذي انجز بشكل مخالف للقانون، وفي هذه الحالة تقتصر على استبعاد الوثائق المتضمنة للاجراء الباطل (4).

او ان البطلان ينسحب على كل او بعض الاجراءات الموالية بما في ذلك الحكم الذي قد يكون صدر في القضية، وفي هذه الحالة لا تستبعد الاجراء الذي وقعت فيه المخالفة وحده، وانما تعلن كذلك عن بطلان الاجراءات الموالية التي ارتات تمديد البطلان اليها ( م 192 و194 م ج) (5) بما في ذلك الحكم نفسه ( م 415 و432 م ج ).

اذن عند الإنجاز المعيب للاجراءات لا يقتصر الامر على مجرد استبعاد الاجراء المعيب كما ورد في حكمي محكمة العدل الخاصة وغرفة الجنايات لدى محكمة الاستئناف بالرباط، وانما يتعين على المحكمة في هذه الحالة ان تبت في اقتصار البطلان على الاجراء المعيب او انسحابه على كل او بعض الاجراءات الموالية.

اما استبعاد الوثائق المتضمنة للاجراء المعيب فهو مجرد نتيجة او تنفيذ لقرار البطلان وليس هو الجزاء المباشر للمخالفة المرتكبة.

 -----------------------

(1)    حكم محكمة العدل الخاصة عدد 773 تاريخ 13/4/1979 - المحاماة عدد 15 ص 87.

(2)    قضاء المجلس الاعلى عدد 35 36 ص 255.

 (3)    انظر القرار عدد 321 تاريخ 12/1/1984 مجلة المحاكم المغربية عدد 36 ( مارس ابريل1985) ص 129

 (4)    هذا بالنسبة لمحكمة الموضوع، اما المجلس الاعلى فيقتصر على تقدير ما اذا كان الاجراء الباطل مؤثرا على سلامة الحكم او القرار المطعون فيه ام لا، ويقرر تبعا لذلك نقض الحكم او القرار او عدم نقضه.

(5)    وتملك هذه الصلاحية غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف رغم انعدام الصريح في موضوع انظر كتابنا شرح قانون المسطرة الجنائية ج. 2 فقرة 311 ص 37. بما في ذلك الحكم نفسه ( م. 415 و432 م ج).

الدكتور احمد الخمليشي

أستاذ بكلية الحقوق الرباط

 

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 45، ص 41.

------------------

الرموز : ق م ج : قانون المسطرة الجنائية

            م ق ق : مجلة القضاء والقانون

             ظ ل ع : ظهير الالتزامات والعقود

-----------------


تعليقات