ملف 19212/1965 قرار 251 بتاريخ 05/07/1967
إن ممارسة القضاء بالتراب المغربي مظهر من مظاهر السيادة
المغربية ولا يجوز لأي شخص أو سلطة كيفما كانت أن يقوم بها إلا بتفويض من جلالة
الملك الذي له صيانة حقوق وحريات المواطنين والهيئات والجماعات وله تعيين القضاة
وباسمه تصدر الأحكام وتـنفذ.
كل حكم صدر بالتراب المغربي خارج نطاق هذا التفويض يعد
معدوما ولا يترتب عليه أي مفعول بالنسبة للسلطات المغربية.
باسم جلالة الملك
بناء على طلب النقض
المرفوع بتاريخ 4 يناير 1965 من طرف بيريا فيكتور بواسطة نائبيه الأستاذان
فيرنانديز وبوطبول ضد حكم محكمة الاستئناف بفاس الصادر في 10 يوليوز 1964.
وبناء على مذكرة الجواب
المدلى بها بتاريخ 16 يوليوز 1965 تحت إمضاء الأستاذ بنجمان كوهين النائب عن
المطلوب ضدها النقض المذكورة أعلاه الرامية إلى الحكم برفض الطلب.
وبناء على الظهير المؤسس
للمجلس الأعلى المؤرخ بثاني ربيع الأول عام 1377 موافق 27 شتنبر 1957.
وبناء على الأمر بالتخلي
والإبلاغ الصادر في 5 يونيو 1967.
وبناء على الإعلام
بتعيين القضية في الجلسة العلنية المنعقدة في 28 يونيو 1967.
وبعد الاستماع بهذه
الجلسة إلى المستشار السيد امحمد بن يخلف في تقريره والى ملاحظات المحامي العام
السيد أحمد الوزاني.
وبعد المداولة طبقا للقانون.
بناء على الدستور
وبالأخص الفصول 19 و33 و83 منه وعلى ظهير 12 غشت 1913 بشان الوضعية المدنية
للفرنسيين والأجانب وبالأخص الفصلين 9 و19 منه وعلى الفصل 290 من قانون المسطرة
المدنية.
وحيث إن ممارسة القضاء
بالتراب المغربي مظهر من مظاهر السيادة المغربية وأنه لا يجوز لأي شخص أو سلطة
كيفما كانت أن تقوم بها إلا بتفويض من جلالة الملك الذي له صيانة حقوق وحريات
المواطنين والهيئات والجماعات وله تعيين القضاة وباسمه تصدر الأحكام وتنفذ.
وحيث إن كل حكم صدر
بالتراب المغربي خارج نطاق هذا التفويض يعد معدوما ولا يترتب عليه أي مفعول
بالنسبة للسلطات المغربية.
وحيث إن كل حكم صدر من
محكمة أجنبية لا يمكن تنفيذه أو العمل به إلا ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل
290 من قانون المسطرة المدنية والفصل 19 من الظهير المتعلق بالوضعية المدنية
للفرنسيين والأجانب.
حيث يتضح من أوراق الملف
ومن الحكم المطعون فيه (محكمة الاستئناف بفاس 10 يوليوز 1964) أن المحكمة الكنسية
بالرباط قضت في 23 نوفمبر 1956 بالتفريق الجسماني بين الزوجين الاسبانيين بيريا
وكيرادو المتزوجين زواجا كاثوليكيا محملة مسؤولية ذلك للزوج بيريا وحده وخولت
للزوجة كيرادو حق الحضانة على ولدي الزوجين "حسب الشروط التي ستحددها المحكمة
المدنية المختصة " وبعد الاستئناف ايدت هذا الحكم المحكمة الكنسية بالجزائر
في 28 نوفمبر 1961 ما عدا فيما يخص مدة التفريق التي اناطتها باستمرار الظروف
المعتد بها لتدعيم طرف التفريق، ثم أقامت الزوجة دعوى لدى المحكمة الابتدائية
بمكناس طالبة الحكم على زوجها بادائه نفقة لها ولولديها، فقدم المدعى عليه لنفس
المحكمة ردا على الدعوى الأصلية وطلبا فرعيا بتخويله حق الحضانة على ولديه مستندا
إلى الحكم الجنحي النهائي الصادر من محكمة مغربية (الدار البيضاء 23 فبراير 1960)
بإدانة زوجته بالخيانة الزوجية والذي لم يعتبره القضاة الكنسيون كحجة على ما نسب
للزوجة، و بتاريخ 22 ماي 1963 حكمت المحكمة الابتدائية بمكناس بتخويل حق الحضانة للزوجة
كما حكمت على الزوج بدفعه نفقة لزوجته قدرها 150 درهما ونفقة للولدين قدرها 300
درهما وذلك من 15 أكتوبر 1957 إلى 3 فبراير 1962، ورفعت ابتداء من التاريخ الأخير
قدر نفقة الزوجة إلى 200 درهم وبعد استئناف الزوج للحكم الابتدائي ابطلت محكمة
الاستئناف بفاس الحكم المستأنف لصدوره بعد مرافعات تمت اثناء جلسة عمومية خلافا
للفصل 416 من قانون المسطرة المدنية ثم تصدت لموضوع الدعوى وحكمت بما حكمت به
المحكمة الابتدائية من تخويل حق الحضانة للزوجة وإجراء النفقة عليها وعلى ولديها.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه اسند الحضانة إلى ميرسيديس كيرادو وحكم لها بالنفقة اعتمادا على حكم صدر من
محكمة الاسقفية بالرباط بعد تأييده من المحكمة الكنسية بالجزائر إذ جاء في حيثياته
ما نصه: "حيث إن المراة بيريا في هذه النازلة حكم عليها نهائيا بتاريخ 23
فبراير 1960 من طرف المحكمة الجنحية بالدار البيضاء بغرامة قدرها الفا فرنك مع
إيقاف التنفيذ من أجل الخيانة الزوجية وأن المحكمة الكنسية التي لها وحدها الحق
بمقتضى قانون الأحوال الشخصية الجاري على الزوجين في تقدير مدى تعدي أحدهما على
الآخر لم تعتبر رغم الحكم المشار له ان الخيانة الزوجية تبتت في حق الزوجة.
وحيث إن هذا التقدير من
طرف المحكمة الكنسية التي يجب اعتبارها محكمة أجنبية لها نفوذ مطلق بالنسبة
للأحوال الشخصية ويتحتم على المحاكم المغربية أن تعتبره عندما تقضي فيما يترتب
عليه من الاثار المدنية وإلا خرقت أحكام
قانون الأحوال الشخصية الخاصة بالزوجين بيريا وذلك بالرغم من المبدأ العام القاضي
بتقديم ما قضى به جنائيا على ما قضى به مدنيا وأنه بناء على ما ذكر يجب اعتبار
المستأنف عليها بريئة حسبما يقتضيه الفصل 73 المشار له".
وحيث إن الاسقفية
بالرباط لا تتمتع بأي تفويض مباشر أو بواسطة معاهدة دولية يبيح لها حق ممارسة
القضاء في التراب المغربي للبت في المنازعات القائمة بين المسيحيين الكاثوليكيين
ولو كانت منحصرة في الأحوال الشخصية.
وحيث إن الاتفاقية
الحاصلة بين فرنسا واسبانيا بتاريخ 2 دجنبر 1922 التي نالت موافقة الفاتيكان والتي
بمقتضاها باشرت اسقفية الرباط في عهد الحماية البت في بعض المنازعات الرامية إلى
التصريح ببطلان النكاح بين زوجين كاثوليكيين أو إلى التفريق الجسماني بينهما لم
يبق لها أي مفعول بعد استقلال المغرب والحصول على كامل سيادته.
وحيث إن ما يمكن لاسقفية
الرباط أن تقوم به داخل نطاق حرية ممارسة الشؤون الدينية المنصوص عليها في الفصل
السادس من الدستور مقصور على العبادات دون سواها ولا يبيح لها التدخل فيما هو من
اختصاص المحاكم المنصوبة لذلك.
وحيث إن الحكم الصادر من
المحكمة الكنسية بالجزائر المشار له في الحكم المطعون فيه والمبني على حكم اسقفية
الرباط لا يمكن اعتباره حكما أجنبيا قابلا للتنفيذ بدون مراجعة في الجوهر حسبما نص
عليه الفصل 19 من ظهير 12 غشت 1913 الصادر بشان الوضعية المدنية للفرنسيين
والأجانب بالمغرب لأن الشرطين الذين يشترطهما الفصل المذكور وهما تخلي الدولة
الأجنبية عن امتيازاتها القضائية والمعاملة بالمثل غير متوفرين فيما يخص علاقات
الدولة المغربية مع الفاتيكان.
وحيث كان من الواجب
والحالة هذه على محكمة الاستئناف بفاس ان لا تعتمد على الحكم الصادر من المحكمة
الكنسية بالجزائر إلا بعد مراجعته من حيث الجوهر وتسليمه تمشيا مع مقتضيات الفصل
290 من قانون المسطرة المدنية.
وحيث إن الفصل 9 من
الظهير المشار إليه لم يكن ليوجب عليها أن تطبق قانون الأحوال الشخصية الخاص
بالزوجين الأجنبيين المتنازعين إلا ما دام لم يحل بينها وبين الحكم بسبب فرض محكمة
أخرى أو ايجاب شروط منافية لمقتضيات النظام العام بالمغرب.
وحيث إن قانون الأحوال
الشخصية الاسباني الجارية أحكامها على الزوجين بيريا كيرادو يحتم أن تحال مسالة
التفريق الجسماني بين زوجين عقدا نكاحا دينيا كما في هذه النازلة على محكمة كنسية
وأن هذه المحكمة معدومة شرعا بالمغرب فكان من حق المحكمة الاستئنافية ومن واجبها
ان لا تعمل بهذا الاختصاص المفروض لاستحالة تطبيقه وتباشر البت في جوهر القضية.
وحيث إن محكمة الاستئناف
بفاس باعتبارها حكم اسقفية الرباط والحكم الصادر من المحكمة الكنسية بالجزائر
واستنادها إليهما خرقت النصوص المشار لها أعلاه.
وحيث إن هذا الخرق الماس
بقواعد النظام العام تجب اثارته تلقائيا من المجلس الأعلى.
لهذه الأسباب
قضى المجلس الأعلى بنقض
الحكم المطعون فيه وبإبطاله وبإحالة القضية والخصمين من جديد على محكمة الاستئناف
بالرباط لتبت فيها من جديد طبق القانون وعلى المطلوبة في النقض بالصائر.
كما قرر إثبات حكمه هذا
في سجلات محكمة الاستئناف بفاس إثر الحكم المطعون فيه أو بطرته.
وبه صدر الحكم بالجلسة
العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعلاه في قاعة الجلسات العادية بالمجلس الأعلى
بالمشور وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من معالي الرئيس الأول السيد أحمد اباحنيني،
والمستشارين السادة: امحمد بن يخلف، محمد عمور، إدريس بنونة، وسالمون بنسباط،
وبمحضر المحامي العام السيد أحمد الوزاني، وبمساعدة كاتب الضبط السيد الصديق
خليفة.
* من مجموعة قرارات المجلس الأعلى الجزء الأول 1966 – 1982 ص 536.
تعليقات
إرسال تعليق
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم