القائمة الرئيسية

الصفحات



 الحماية الجنائية لأملاك الجماعات السلالية في ضوء القوانين الجديدة 

 


 الحماية الجنائية لأملاك الجماعات السلالية في ضوء القوانين الجديدة 


من إعداد الدكتوين:

محمد مومن: أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق مراكش

احمد الساخي قاضي بالمحكمة الابتدائية بتزنيت

باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة السلام على سيدي محمد الصادق الأمين وعلى صحبه وكل من والاه إلى يوم الدين.     

تمهيد أولي:

لاشك أن مقاربة موضوع أملاك الجماعات السلالية[1] والذي هو محور هذه الدراسة المباركة ينبثق من قناعة راسخة بالدور المهم الذي تلعبه هذه الأراضي كرصيد عقاري له أدوار تنموية على الصعيد الوطني سواء في المجال الاجتماعي أو الاقتصادي، فغالبية هذه الأراضي تستغل من طرف الجماعات السلالية في إطار مجالات متعددة خصوصا الرعي والفلاحة والسكن لكن يبقى تدبير هذا الرصيد يواجه عدة إكراهات وإشكالات جد معقدة تتمثل أساسا في النزاعات والصراعات المتعلقة باستغلالها والمحافظة عليها وكذلك تثمينها.

وفي نفس الإطار فإن أهمية هذه الدراسة تكمن في راهنية موضوعها حيث يندرج في سياق الاهتمام المتزايد على الصعيد الوطني بقطاع العقار كعامل إنتاج استراتيجي ورافعة للتنمية المستدامة وأيضا كحافز للاستثمار المنتج والمدر للدخل والموفر لفرض الشغل وهذا ينسجم مع التوجيهات النيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والمضمنة في الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول "السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية" المنعقدة في مدينة الصخيرات في شهر  دجنبر 2015 هذه التوجيهات السامية التي تعتبر خارطة طريق ملكية تروم معالجة الاكراهات والرهانات بمنظور شامل يستحضر كل الأبعاد القانونية والمؤسساتية والتنظيمية والإجرائية مع مراعاة خصوصيات هذا القطاع.

وإذا كانت هذه التطلعات ترتكز على الملكية العقارية باعتبارها المادة الأولية وأساس أي مشروع تنموي اقتصادي أو اجتماعي، فإن توزيع هذه الملكيات في الوقت الراهن بالمغرب يثير مجموعة من الصعوبات، خصوصا في ظل تعدد الأنظمة العقارية وتشتت المقتضيات المنظمة لها.

ويقصد بالأراضي الجماعية تلك الأراضي التي تعود ملكيتها الى جماعات سلالية[2] على شكل قبائل أو عشائر تربط بينهم روابط عرقية أو عائلية او اجتماعية أو دينية يتم استغلالها في إطار ملكية شائعة بين جميع أفراد الجماعة مع إمكانية توزيع حق الانتفاع فيما بينهم.[3]

وتشكل المنازعات المرتبطة بالعقار، عموما وتلك المرتبطة بأملاك الجماعات السلالية على وجه الخصوص، نسبة مهمة من القضايا المعروضة على محاكم المملكة حيث بلغت المنازعات المرتبطة بهذه الأملاك فقط خلال سنة 2019  ما مجموعه 7625 قضية رائجة امام مختف محاكم المملكة، وترجع كثرة هذه المنازعات لعدة عوامل، من بينها ما هو مرتبط بطبيعة البنية العقارية السائدة في المغرب، ومنها ما هو مرتبط بأهمية العقار في وجدانية المواطن المغربي، علما أن الحيز الكبير من الدعاوي المقدمة أمام المحاكم تقدم في إطار الدعوى العمومية بمناسبة المتابعة من أجل الترامي على ملك الغير وتفويت أملاك غير قابلة للتفويت واعداد وثائق تنفي الصبغة الجماعية ومنع أو عرقلة عمليات التحديد الإداري والتحفيظ العقاري المتعلق بأملاك الجماعات السلالية بأي وسيلة وعرقلة تنفيذ عقود التفويت والكراء والمبادلة المنصبة على تلك الأملاك متى تم ابرامها بطريقة قانونية.

وتتعرض أراضي الجماعات السلالية بين الفينة والأخرى إلى اعتداءات ترمي إلى انتزاع  حيازتها أو تخريبها أو إتلاف حدودها او اعداد وثائق تنفي الصبغة الجماعية عنها من الاغيار وبمساهمة ومشاركة احيانا من نوابها او الاعضاء المنتمين لها ومن ثم فهي تكون موضوعا لجميع الجرائم التي يكون العقار موضوعا لها.

ولحماية الأملاك العقارية الجماعية من أي اعتداء يستهدف الترامي عليها أو تخريبها أو تعييبها أو إتلافها أورد المشرع بعض مجموعة من النصوص والمقتضيات الزجرية الجديدة في القانون رقم 62.17 المتعلق بتنظيم الوصاية الادارية على أملاك الجماعات السلالية وتدبير أملاكها[4].

ويمكن حصر الحماية الجنائية لأملاك الجماعات السلالية في ضوء المقتضيات الجديدة بالنظر لصفة مرتكبي الافعال المخالفة للقانون بين أفعال يرتكبها الأعضاء المكونين للجماعة للسلالية وتناولها المشرع في المادة [5]34 من القانون 62.17 و بين أفعال يرتكبها الاجانب عن الجماعة السلالية  تم تنظيمها ضمن مقتضيات المادة 35[6] من ذات القانون وأخيرا أفعال يرتكبها الأغيار وأعضاء الجماعة السلالية أو نوابها على حد سواء وتمت الإشارة اليها ضمن المادة [7]36 من القانون أعلاه فضلا عن بعض الجرائم الأخرى التي ورد التنصيص عليها في نصوص قانونية أخرى من قبيل المادة [8]70 من القانون رقم 12.66 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير.

وباستقراء مقتضيات التشريعية أعلاه عموما يمكننا حصر أوصاف الجرائم الاكثر شيوعا التي تنصب على أملاك الجماعات السلالية في الاعتداء على أملاك الجماعات السلالية بوصفيه القانونين الترامي والاحتلال وجنحة تفويت أملاك عقارية أو حقوق انتفاع غير قابلة للتفويت وجنحة إعداد وثائق تنفي الصبغة الجماعية ومنع أو عرقلة عمليات التحديد الإداري والتحفيظ العقاري المتعلق بأملاك الجماعات السلالية بأي وسيلة وعرقلة تنفيذ عقود التفويت والكراء والمبادلة والشراكة المنصبة على تلك الأملاك متى تم إبرامها بطريقة قانونية، وأخيرا البناء فوق أراضي الجماعات السلالية.

ولتفصيل القول عن تجليات الحماية الجنائية لأملاك الجماعات السلالية في ضوء المستجدات التشريعية الجديدة قد  ارتاينا صياغة مضامين هذه الدراسة في اطا منهجي واقتضى المقام اعتماد المنهج الانجلوسكسوني وذلك من خلال تقسيم الموضوع إلى خمسة مطالب على النحو التالي :

 المطلب الأول: جرائم الاعتداء على أراضي الجماعات السلالية أو على نصيب أو حصة احد أعضاء الجماعة السلالية.

   المطلب الثاني: الجرائم المتعلقة بالوثائق المنصبة على أملاك الجماعات السلالية.

  المطلب الثالث : جرائم البناء فوق أملاك الجماعات السلالية دون ترخيص إداري.

  المطلب الرابع: جرائم عرقلة عمليات التحديد الاداري والتحفيظ العقاري لأملاك الجماعات السلالية.

     المطلب الخامس: جرائم عرقلة تنفيذ العقود المنصبة على أملاك الجماعات السلالية والمبرمة بطريقة قانونية.

 

المطلب الأول: جرائم الاعتداء على أراضي الجماعات السلالية أو على نصيب أو حصة احد أعضاء الجماعة السلالية.

    تعد جنحتي الترامي على أملاك الجماعات السلالية أو على حصة أحد أعضاء الجماعات السلالية من أهم مظاهر الإعتداء التي تطال أراضي الجماعات السلالية أو المنتفعين منها والتي نظمها المشرع المغربي ضمن مقتضيات المادتين 34 و35 من القانون 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، لذلك سنعمد على مقاربة هذا المطلب، من خلال تقسيمه الى نقطتين وفق الأتي بيانه.

الفقرة الأولى: جنحة الترامي أو إحتلال أراضي الجماعات السلالية.

تناول المشرع في سابقة قانونية لم يكن ظهير 27[9] أبريل 1919 يعرف مثيلا لها الحديث عن جرائم الاعتداء على أملاك الجماعات السلالية سواء من طرف الأغيار أو من طرف أعضاء الجماعات السلالية نفسها، واقتصرت الحماية الجنائية في ظل الظهير السالف ذكره فقط على التدابير التي تتخذها جماعة النواب في باب تنفيذ مقررات الانتفاع الصادرة عنها أو مقررات مجلس الوصاية دون باقي أوصاف الاعتداء التي تطال الملك الجماعي، حيث نصت مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل الرابع من الظهير أعلاه على أن "كل تعرض على تدبير التنفيذ التي تتخذها (جماعة النواب) يعاقب عنه بالسجن لمدة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر وبغرامة 120 إلى 500 درهم أو بإحدى العقوبتين فقط بصرف النظر على العقوبات المنصوص عليها في حالة العصيان"

وبطبيعة ظل النقاش قائما ضمن الاوساط القضائية وأثير التساؤل حول ما إذا كان هناك تعارض بين مقتضيات الفصل 4 من ظهير 27/4/1919 أعلاه، ومقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي؟ وبالتالي ما إذا كان يمكن تطبيق مقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي على أراضي الجماعات السلالية موضوع اعتداء مادي؟

أمام التضارب الذي طبع محاكم الموضوع بشأن تطبيق مقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي من عدمه، تولت محكمة النقض منذ سنة 2011 الحسم في هذه الإشكالية من خلال الانتهاء إلى القول إن الاختصاص في جرائم انتزاع عقار من حيازة الغير في أراضي الجماعات السلالية ينعقد للقضاء الزجري لا لجماعة النواب أو مجلس الوصاية في حالة انتزاع الحيازة العقارية لأرض جماعية من طرف أي شخص آخر حتى ولو كان هذا الأخير ينتمي لنفس الجماعة، ومن تم تطبق على النزاع مقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي،وهو ما ذهبت إليه في قرار حديث صادر عنها ورد في حيثياته ما يلي: "وحيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما ألغت الحكم الابتدائي وقضت بعدم قبول المتابعة بعلة أن النزاع ينصب على أرض جماعية تخضع لمسطرة خاصة منصوص عليها في ظهير 27 أبريل 1919 الذي يبقى نصا خاصا يقدم من حيث التطبيق على النص العام وهو الفصل 570 من القانون الجنائي. في حين أن الفصل المذكور بخلاف ما أورده القرار المطعون فيه يتعلق بتنظيم اختصاص جمعية المندوبين ومجلس الوصاية بخصوص تقسيم الانتفاع يأراضي الجموع بين أفراد الجماعة السلالية، وأن موضوع القضية لا يتعلق بقسمة الانتفاع بأرض جماعية وإنما بانتزاع الحيازة المادية والفعلية الذي تنطبق عليه مقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي ولو كان المعتدي من أعضاء نفس الجماعة، وتكون بقضائها على النحو المذكور قد عللت قرارها تعليلا فاسدا موازيا لانعدامه وعرضته للنقض والإبطال".[10]

وذات السياق المرتبط بالاعتداء تطال أملاك الجماعات السلالية من طرف أعضاء الجماعة السلالية نفسها ذهبت محكمة في إحدى القرارات الصادر عنها إلى ما يلي: "حيث يتجلى من تنصيصات القرار المطعون فيه أن المحكمة المصدرة له حينما قضت بعدم الاختصاص بعد إلغائها للحكم الابتدائي الذي أدان المطلوب في النقض من أجل جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير اعتمدت في ذلك على أن كلا من المطلوبين في النقض والمشتكي أدلى بما يفيد أنه هو صاحب الحق في استغلال القطعة الأرضية الجماعية موضوع النزاع واعتبرت أن الحسم في النزاع المعروض عليها لا يدخل ضمن اختصاصاتها، وإنما ينعقد الاختصاص فيه لجماعة النواب ولمجلس الوصاية طبقا لظهير 27/04/1919. في حين أن الفصل 4 من هذا الظهير يتعلق بتوزيع أراضي الجموع من قبل جمعية المندوبين على أفراد الجماعة كما يتعلق نفس الفصل بالتعرض على تدبير أمرت به جمعية المندوبين المذكورة، وأن الأشخاص فيما بينهم المستفيدين من هذا التوزيع تحمى حيازتهم، وتبقى لهم الصفة القانونية للتدخل قضائيا، وإن انتزاع الحيازة من بعضهم البعض، تنطبق عليه مقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي، اعتبارا للحيازة المادية والفعلية والتصرفية والوقتية التي يتمتع بها من أعطيت له أرض جماعية لاستغلالها، وبالتالي فإن الاختصاص ينعقد للقضاء الزجري، وأنه كان على المحكمة مناقشة الشواهد الإدارية والرخص المدلى بها من قبل كلي الطرفين، وكذا إفادة  كافة الشهود للتأكد من الحيازة المادية التي يحميها الفصل 570 من القانون الجنائي، وأنها حينما قضت على النحو المذكور تكون قد أضفت على قرارها فساد التعليل ونقصانه الموازيان لانعدامه وعرضته للنقض.[11]

وحسما للفراغ التشريعي، نصت مقتضيات المادة 35 من القانون 62.17 على ما يلي: "دون الاخلال بالعقوبة الأشد المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل، يعاقب بالحبس ستة أشهر إلى سنة وغرامة من 5000 درهم إلى 20000.00 درهم، مع ارجاع الحالة الى ما كانت عليه، كل من اعتدى أو احتل بدون موجب عقارا تابعا لجماعة سلالية."

إن المتأمل في مقتضيات المادة أنفا، يتلمس الرغبة الاكيدة للمشرع في التصدي لظاهرة الاعتداء على أملاك الجماعات السلالية واحتلالها سواء من طرف الاغيار أو من طرف أعضاء الجماعة السلالية نفسها بدليل استعمال المشرع لاصلاح "كل" الذي تفيد العموم على حد قول أصحاب الأصول اللغوية، من منطلق ان عموم اللفظ يؤخذ على إطلاقه.

وأثبت الممارسة القضائية أن جنحة الترامي أو احتلال أراضي الجماعات السلالية غالبا ما تطرح في صورتين اثنتين، أولهما أن يكون المشتكى به من أعضاء الجماعة السلالية  والجهة المشتكية هي الجماعة السلالية ، وثانيهما أن تكون الجهة المشتكية هي الجماعة السلالية، والمشتكى به أجنبيا عن أفرداها[12].

وقبل الحديث عن صور جريمة الترامي واحتلال أراضي الجماعات السلالية لابد ان نقف عن العناصر التكوينية لهذه الجريمة والتي يمكننا استخلاصها انطلاقا من مقتضيات الماديتن 34 و 35 من القاون 17.62 والتي تتمثل في ما يلي:

-فعل الاعتداء ، وهو كل فعل يؤدي إلى الاستيلاء المادي على العقار، ووضع اليد عليه بدون إذن مالكته الجماعة السلالية أو المنتفع منه أحد أعضاء الجماعة السلالية ، ويتجسد بقيام المعتدي بأعمال تؤدي إلى قطع الصلة الجماعة السلالية وملكها او بين عضو الجماعة السلالية ونصيبه من العقار الجماعي المنتفع به.

-أن يكون محل الاعتداء عقارا سلاليا أو حصة أو نصيب أحد أعضاء الجماعة السلالية، ومن تم لا يعد فعل الترامي أو الاحتلال قائما، متى كان  محله منقولا والعقار هنا يشمل حسب المادة الخامسة من مدونة الحقوق العينية العقارات بطبيعتها[13]، باعتبارها كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله من دون تلف أو تغيير في هيئته، وكذا العقارات بالتخصيص[14]، باعتبارها ذلك المنقول الذي يضعه مالكه في عقار يملكه رصدا لخدمة هذا العقار واستغلاله أو يلحقه به بصفة دائمة

- أن يكون العقار في ملكية الجماعة أو في حيازة أحد أعضائها المنتفعين منه بموجب مقرر للجماعة النيابية وذلك بصرف النظر عن الاستغلال الفعلي والمادي من عدمه.

 وتعد جريمة الترامي أو احتلال الملك الجماعي او حصة نصيب من أعضاء الجماعة السلالية بالوصف المذكور أعلاه، من حيث طبيعتها القانونية، جريمة فورية تتحقق بالاعتداء على عقار الجماعة السلالية أو حصة أو نصيب أحد أعضائها بدون موجب قانوني، وهي ترتكب في مدة من الزمن، وتنتهي بوقوع الفعل الذي يتحقق بأي نشاط يظهر فيه الجاني في مظهر واضع اليد والحكم فيها يكتسب حجيته بالنسبة إلى الجريمة التي قام بها المتهم، فلا يجوز متابعته مرة ثانية عن نفس الجريمة وإن استمرت آثارها بعد الحكم الصادر في حقه، على اعتبار أن هذه الآثار لا تشكل جريمة مستقلة.[15]

والملاحظ أن المشرع المغربي خفف من شروط اعمال الحماية الجنائية للعقار السلالية أو لحصة أحد أعضاء الجماعة على خلاف الوضع القانوني الذي ينظمه المشرع في الفصل 570 من القانون الجنائي من خلسة وتدليس وباقي العناصر المقررة في ذات الفصل.[16] لكن إذا كانت مقتضيات المادتين 34 و35 من القانون 62.17 تخصان الأراضي الجماعية وكذا حصص المنتفعين منها من أعضائها، فإنه عندما يتعلق الأمر بالفصل في النزاع فان ذلك يقتضي بحثا دقيقا من طرف القاضي الجنحي سواء النيابة العامة أو قضاء الحكم  للحسم بداية في طبيعة الأرض موضوع الحماية أو نصيب المنتفع، وهو أمر يقتضي بداهة الإلمام بخصوصيات المنازعات المرتبطة باراضي الجماعات السلالية خاصة ما يتعلق منها بالاثبات ويمكننا تفصيل صور الاعتداء على العقار السلالي وفق ما تضمنته المادة 35 كما يلي:

الصورة الأولى: حالة كون الجماعة هي المشتكية والمشتكى به من أعضاء الجماعة السلالية .

إن التجسيد العملي لهذه الصورة يفترض أن تقوم الجماعة النيابية[17] بتوزيع الانتفاع بين ذوي الحقوق[18] مع الإبقاء على بعض البقع خارج عملية التوزيع حيث يتم استغلالها إما في الرعي أو كمقبرة لدفن الأموات أو إقامة صلاة العيد أو محروما جماعيا للمناسبات، وبعد ذلك يقوم أحد الأفراد من نفس الجماعة بالترامي على جزء من البقع التي بقيت خارج التوزيع، أواحتلالها كاملا. فهل في هذه الحالة يكون من حق الجماعة السلالية أن تتقدم بشكاية إلى النيابة العامة تتعلق بالترامي واحتلال الملك الجماعي ؟

لقد ظلت هذه الصورة محل خلاف قضائي، بين مؤيد للجوء الجماعة السلالية إلى الطريق الزجرية لحماية ممتلكاتها عن طريق نوابها، وذلك من منطلق أن حيازة الجماعة السلالية للأرض الجماعية هي افتراض ولا تحتاج إلى إثبات وبين معارض لذلك، وهو الأمر الذي تولت محكمة النقض حسمه في العديد من القرارات الصادرة عنها منها على سبيل المثال لا الحصر، غير أن محكمة النقض اوقفت ذلك على ضرورة حصول نائب الجماعة السلالية على إذن بالتقاضي من طرف الوصي ومما جاء في قرارها ما يلي: "وحيث إنه يتجلى من مستندات الملف أن موضوع النزاع ينصب على أرض تابعة للجماعتين السلاليتين القصر الكبير وقصر أيت اسعيد اعمرو وأنه لا يوجد ضمن وثائق الملف مما يفيد أن هناك شكاية مقدمة بواسطة مندوب أو مندوبين ممثلين للجماعتين المذكورتين بعد الحصول على الإذن بالتقاضي من الجهة الوصية، علما أن مقتضيات الفصل المذكور جاءت بصيغة عامة تشمل الدعويين المدنية والعمومية بشقيها الجنائي والمدني وبالتالي فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما بثت في القضية دون التأكد من وجود ما ذكر قد خرقت الظهير أعلاه وأضفت على قرارها نقصان التعليل الموازي لانعدامه وعرضته للنقض".[19]

إن المشرع ورغبة منه في تكريس الحماية الخاصة لأراضي الجاعات السلالية أوجب على أعضاء الجماعات السلالية الانضباط لقرارات الجماعة النيابة في باب توزيع الانتفاع من الملك الجماعي وعدم الترامي على أي جزء من الملك الجماعي او احتلاله دون موجب قانوني وهو الحصول على مقرر انتفاع من جماعة النواب المكلفة بتدبير الملك الجماعي.

الصورة الثانية : حالة كون المشتكي والمشتكى به من ذوي حقوق الجماعة السلالية

 تعمد الجماعات السلالية عند كل ضرورة الى اجراء تقسيم للانتفاع بين أعضائها للأرض الجماعية على بحسب الأعراف المحلية ووفقا لتعليمات سلطة الوصاية، وتضع حدودا بين الأنصبة، ، ويكون هذا التقسيم على وجه الانتفاع. وتعين حدود نصيب كل واحد من العائلات المستفيدة بواسطة علامة متعارف عليها كالحبل، أو الأحجار، مثلا  حتى يتمكن كل رب عائلة من ضبط حدود القطعة الأرضية الجماعية التي يتعين عليه استغلالها والانتفاع بها.[20]

وليس من الضروري أن تكون هذه الحدود فاصلة بين نصيب كل واحد من رب العائلات المستفيد من قطعة أرضية جماعية آلت إليه عن طريق  القسمة وعلى وجه الانتفاع وإنما قد تكون هذه الحدود موضوعة ومثبتة لتكون علامات فاصلة بين العقارات المختلفة، بحيث قد تكون فاصلة بين أراضي جماعية وملك الخواص، أو الأملاك العامة، او الحبسية، أو ملك جماعة سلالية أخرى.

وهكذا تنص مقتضيات المادة 34 من القانون 62.17 على مايلي: "دون الاخلال بالعقوبات الأشد المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل، يعاقب بالحبس ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر وغرامة من 5000 الى 15000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل عضو في الجماعة السلالية قام بالأفعال التالي:

-منع أو عرقل عمليات التحديد الإداري والتحفيظ العقاري المتعلقة بأملاك الجماعات السلالية بأي وسيلة،

-الترامي على أملاك الجماعات السلالية أو على نصيب أو حصة عضو من أعضائها، أو استغلالها دون سند قانوني،

-عرقلة تنفيذ المقررات الصادرة عن جماعة النواب أو مجلسي الوصاية الإقليمي ةالمركز،

-عرقلة تنفيذ عقود الكراء أو التفويت أو الشراكة أو المبادلة المنصبة على أملاك الجماعات السلالية، والتي تم ابرامها بطريقة قانونية."

وتفترض هذه الحالة أن يكون كلا من المشتكي والمشتكى به من ذوي الحقوق في نفس الجماعة السلالية، ويكون العقار المتنازع عليه عائدا لنفس الجماعة أيضا، وهنا يتعين لكي تتحقق الجريمة أن يكون المشتكي منتفعا بالعقار موضوع النزاع وأن يستمد وجوده القانوني من الجماعة السلالية التي تسلمه العقار للانتفاع به واستغلاله، ويتعين على المشتكي أن يثبت هذه الواقعة إما عن طريق الإدلاء بإشهاد صادر عن نائب الجماعة السلالية أو بشهادة إدارية صادرة عن السلطة المحلية  تمنح له بناء على إفادة نائب الجماعة، أو عن طريق حضور هذا الأخير شخصيا أمام هيئة المحكمة والإدلاء بشهادته في الموضوع، فإذا ثبت انتفاع المشتكي للعقار موضوع النزاع بأحد الوسائل المذكورة وثبت إعتداء المشتكى به على هذا النصيب أو الحصة، فإن التهمة تكون قائمة في حق هذا الأخير ويتعين إدانته من أجلها.

بيد أنه ورغم وضوح هذه الصورة وبساطتها، فإنه عادة ما يطرح بشأنها إشكال أكثر تعقيدا في الحالة التي يدلي فيها كل من المشتكي والمشتكى به بمقرر للانتفاع من المجلس النيابي، ويكون أحدهما فقط حائزا للعقار بشكل فعلي، فهل في هذه الحالة يتعين التصريح ببراءة المتهم لأن مسألة توزيع الانتفاع ما تزال محل نزاع بين الطرفين مع المجلس النيابي أم يتعين التعامل مع النازلة في إطار مقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي التي تحمي الحائز وواضع اليد على العقار؟

جوابا على هذا الإشكال، فإن محكمة النقض سبق لها ان أكدت في احد قراراتها أن الحيازة التي يحميها الفصل 570 من القانون الجنائي هي الحيازة المادية، وأن صاحب هذه الحيازة له الصفة للتدخل قضائيا من أجل حمايتها، ومما جاء في حيثيات هذا القرارما يلي: "حيث يتجلى من تنصيصات القرار المطعون فيه أن المحكمة المصدرة له حينما قضت بعدم الاختصاص بعد إلغائها للحكم الابتدائي الذي أدان المطلوب في النقض من أجل جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير اعتمدت في ذلك على أن كلا من المطلوبين في النقض والمشتكي أدلى بما يفيد أنه هو صاحب الحق في استغلال القطعة الأرضية الجماعية موضوع النزاع واعتبرت أن الحسم في النزاع المعروض عليها لا يدخل ضمن اختصاصاتها، وإنما ينعقد الاختصاص فيه لجماعة النواب ولمجلس الوصاية طبقا لظهير 27/04/1919. في حين أن الفصل 4 من هذا الظهير يتعلق بتوزيع أراضي الجموع من قبل جمعية المندوبين على أفراد الجماعة كما يتعلق نفس الفصل بالتعرض على تدبير أمرت به جمعية المندوبين المذكورة، وأن الأشخاص فيما بينهم المستفيدين من هذا التوزيع تحمى حيازتهم، وتبقى لهم الصفة القانونية للتدخل قضائيا، وإن انتزاع الحيازة من بعضهم البعض، تنطبق عليه مقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي، اعتبارا للحيازة المادية والفعلية والتصرفية والوقتية التي يتمتع بها من أعطيت له أرض جماعية لاستغلالها، وبالتالي فإن الاختصاص ينعقد للقضاء الزجري، وأنه كان على المحكمة مناقشة الشواهد الإدارية والرخص المدلى بها من قبل كلي الطرفين، وكذا إفادة  كافة الشهود للتأكد من الحيازة المادية التي يحميها الفصل 570 من القانون الجنائي، وأنها حينما قضت على النحو المذكور تكون قد أضفت على قرارها فساد التعليل ونقصانه الموازيان لانعدامه وعرضته للنقض.[21]

ومما تجدر الإشارة اليه أن رئاسة النيابة عملت على اعداد دورية في الموضوع تحت عدد 52 س/ر ن ع بتاريخ 05/12/2019 من اجل توحيد العمل بين النيابات العامة في كيفية التعامل مع مقتضيات القانون الجديد حيث ورد ما يلي : " خلافا الأصل العام ال\ي يجعل الاعتداءات على الأملاك العقارية خاضعة لأحكام الفصل 570 من القانون الجنائي في إطار جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير، فإن الاعتداء أو احتلال عقار تابع لجماعة سلالية من قبل أحد الاغيار عن هذه الجماعة يشكل جريمة مستقلة واردة في المادة 35 من القانون 62.17.

غير ان ما انتهى إليه المشرع في المادتين 34 و 35 من القانون 62.17  أعلاه يجرنا إلى الحديث عن إشكالية الإذن بالتقاضي في جنحة الترامي واحتلال العقار الجماعي وسلطة المحكمة الزجرية في إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، ذلك ما سنعمل على مقاربته في النقطتين المواليتين:

 الفقرة الثانية:  إشكالية الإذن في جنحة الاعتداء على أراضي الجماعات السلالية أو نصيب أحد أعضائها.

إن تحريك المتابعة بجنحة الترامي على ملك الجماعة السلالية او على نصيب او حصة احد أعضائها  يكون بالكيفية المتبعة عادة في تحريك جميع الدعاوى العمومية الأخرى، كرفع شكاية بالاعتداء على العقار إلى النيابة العامة المختصة، من طرف الجماعة او المنتفع من العقار السلالي وهي تقوم بإجراءات البحث بواسطة ضباط الشرطة القضائية، وإما عن طريق تقديمها للشرطة القضائية مباشرة أو عن طريق توجيه شكاية مباشرة للمحكمة للنظر فيها طبقا لما هو متبع عند البت في الشكايات المباشرة.

وإذا كان قانون المسطرة الجنائية لا يلزم الجماعة السلالية بضرورة الحصول مسبقا على الإذن بالترافع من الوصي على الجماعات السلالية متى تعلق الأمر بالترامي على املاكها وكذا أحد أعضائها المنتفعين من العقار السلالي فإن الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض ذهب في ظل التتنظيم القانوني السابق إلى إشتراط  ضرورة الحصول على هذا الإذن عند مناقشة الدعوى أمام المحكمة وذلك إعمالا للفصل الخامس من ظهير 27 أبريل 1919 ومما جاء في قرار صادر عنها ما يلي: "حيث إنه بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل الخامس من ظهير 27 أبريل 1919 المعدل بظهير 06/02/1963 المتعلق بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وضبط شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها، "لا يمكن للجماعات أن تقيم أو تؤيد في الميدان العقاري أية دعوى قصد المحافظة على مصالحها الجماعية ولا أن تطلب التحفيظ إلا بإذن من الوصي بواسطة مندوب أو مندوبين معينين ضمن الشروط المحددة في الفصل 2.

وحيث إن المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه لما أيدت الحكم المستأنف فيما قضى به من إدانة الطاعن من أجل انتزاع عقار من حيازة الغير واعتمدت في ذلك على ثبوت الحيازة للمشتكية كأحد ساكنة الدوار بموجب شهادة الشاهد عبد الله رفيع وقيام الطاعن بالحرث في غيابها دون التأكد من صفة المشتكية في رفع الدعوى بالنيابة عن الجماعة السلالية "الغربية" وحصولها على الإذن بالترافع من طرف الجهة الوصية تكون قد خرقت مقتضيات الفصل أعلاه ويكون قرارها قد جاء ناقص التعليل ومعرضا للنقض والإبطال".[22] 

وفي نفس المنحى جاء في قرار آخر صادر عنها على أنه: "إن مقتضيات الفصل الخامس من ظهير 25 أبريل 1919 المعدل بظهير 06/02/1963 المتعلق بتنظيم الوصاية الإدارية  على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها جاءت بصيغة عامة تشمل الدعويين المدنية والعمومية بشقيها الجنائي والمدني، والمحكمة لما أيدت الحكم الابتدائي فيما قضى به من عدم قبول المتابعة الجارية في حق المطلوبين بعلة أن موضوع النزاع ينصب على أرض تكتسي صبغة جماعية، وخلو الملف مما يفيد الحصول على الإذن بالتقاضي من الجهة الوصية يكون قرارها معللا ومؤسسا".[23]

وقد نصت مقتضيات المادة الخامسة من القانون 62.17 المتعلق بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية على ما يلي: يمكن للجماعات السلالية، بعد إذن من سلطة الوصاية، أن تباشر جميع الدعوى أمام جميع محاكم المملكة، من اجل الدفاع عن حقوقها والمحافظة على مصالها.

إن هذا المقتضى التشريعي ورد ضمن الأحكام العامة المنصوص عليها  في الباب الأول من القانون أعلاه، ومعلوم أن الاحكام العامة تسري على باقي مقتضيات القانون ما لم يتم تخصيص أي مقتض منها بأوضاع قانونية خاصة، وترتيبا على ذلك يكون الإذن بالتقاضي كاجراء مسطري يهم جيع الدعاوى التي تباشرها الجماعات السلالية لحماية مملتكاتها  ومنها تلك التي ترمي إلى رد مظاهر الترامي والاحتلال وذلك تحت طائلة عدم قبول المتابعة، والمستفاد بمفهوم المخالفة للمادة المذكورة أنفا، أن الاذن بالتقاضي غير لازم لصحة الدعوى العمومية التي يقيمه أحد أعضاء الجماعة السلالية لحماية حصته أو نصيبه الذي ينتفع منه، والأمر نفسه بالنسبة للحالة التي تضع النيابة العامة يدها وتثير الدعوى العمومية بناء على تقرير السلطة المحلية بصفتها وصية على الجماعات السلالية متى تم الترامي على لكها او احتلال دون سند.

لكن إذا كان عمل محكمة النقض قد استقر على ضرورة الإدلاء بإذن صادر عن الوصي كشرط لقبول الشكاية المقدمة حماية لأراضي الجماعات السلالية، وتم تكريس ذلك تشريعيا بموجب المادة الخامسة انفا، فإن التساؤل الذي يطرح وبإلحاح حول من هي الجهة المكلفة بإستصدار هذا الإذن، هل هو نائب الجماعة السلالية أم السيد وكيل الملك الذي قام بتحريك الدعوى العمومية في حق المترامي والمحتل أم دفاع الجماعة في حالة تنصيبه للدفاع عن مصالحها؟

جوابا عن الإشكالات المثارة، فإن محكمة النقض اسلتزمت صدور الإذن بالتقاضي في إسم نائب الجماعة السلالية دون دفاع الجماعة، الذي تنعدم صفته في هذا الإطار، ومما جاء في قرارها ما يلي: " حيث إنه بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل الخامس من ظهير 27 أبريل 1919 المعدل بظهير 06/02/1963 المتعلق بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وضبط شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها، "لا يمكن للجماعات أن تقيم أو تؤيد في الميدان العقاري أية دعوى قصد المحافظة على مصالحها الجماعية ولا أن تطلب التحفيظ إلا بإذن من الوصي بواسطة مندوب أو مندوبين معينين ضمن الشروط المحددة في الفصل 2.

وحيث إن الإذن بالترافع لدى المحاكم الموجود ضمن وثائق الملف ورد في اسم الأستاذة نزهة بوهو للدفاع عن السيد عبد الرحمان الشروف نائب جماعة دوار اسكا، والحال أن ذلك الإذن يجب أن يسلم للنائب المذكور في اسمه الشخصي وليس في اسم دفاعه عملا بما توجبه الفصل المومأ إليه أعلاه.

وحيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أدانت الطاعن من أجل جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير من غير أن تتأكد من توفر الطرف المشتكي على الإذن بالترافع من الجهة الوصية، مما تكون معه قد خرقت القانون وعرضت قرارها للنقض والإبطال".[24]

الفقرة الثالثة: إشكالية إرجاع الحالة الى ماكانت عليه في أراضي الجماعات السلالية

تعتبر النيابة العامة طرفا رئيسا في الدعوى الجنائية، أوكل إليها مشرع قانون المسطرة الجنائية، إقامة الدعوى العمومية وممارستها[25]، ما لم يكن القانون قد أسند الاختصاص فيها لجهة أخرى، وهي تتدخل بكفية تلقائية، كلما بلغ إلى علمها خبر ارتكاب جريمة، كيفما كان نوعها وطبيعتها، ما لم يقرر المشرع شرطا أو قيدا لذلك، وذلك للقيام بالأبحاث اللازمة، وترتيب الأثر القانوني المناسب، إي تحريك المتابعة أو حفظ القضية عند الاقتضاء.[26]

كما يمكن للنيابة العامة أن تتدخل لاتخاذ بعض الإجراءات الرامية إلى حماية الحيازة، في الحالات التي يكون هذا الاعتداء واضحا لا لبس فيه، حيث خولها المشرع في المادة 40([27]) من قانون المسطرة الجنائية حق إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه كلما تعلق الأمر بإنتزاع عقار بعد تنفيذ الحكم، ونفس الأمر خولته المادة 49 في فقرتها الحادية عشر من ذات القانون للسيد الوكيل العام للملك لدى محاكم الاستئناف حيث نصت على أنه : "يجوز له - أي للوكيل العام للملك - إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ حكم أن يأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي يراه ملائما لحماية الحيازة، وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه على أن يعرض هذا الأمر على المحكمة أو هيئة التحقيق التي رفعت إليها القضية والتي سترفع إليها خلال ثلاثة أيام على الأكثر لتأييده أو تعديله أو إلغائه...".

ولعل العبرة في إسناد هذا الاختصاص للنيابة العامة هو تلافي آثار الجريمة في انتظار صدور حكم قد تطول إجراءاته[28]، غير أن تدخل النيابة العامة لحماية حيازة العقار الجماعي يكون رهينا بتوفر شرطين أساسييين يتمثل الأول منهما في ضرورة تحقق الإعتداء على الحيازة بعد تنفيذ حكم قضائي قضى بها بمعنى أن يكون المتضرر قد استصدر حكما قضائيا لفائدته وعمل على تنفيذه[29] سواء كان هذا الحكم صادرا عن القضاء الجنحي أو القضاء المدني، ويستوي في ذلك أن يكون صادرا عن قضاء الموضوع أو عن القضاء الاستعجالي[30]، شريطة إدلاء المتضرر بمحضر التنفيذ.

وأما الشرط الثاني، هو أن تدخل النيابة العامة محصور في جنحة انتزاع عقار بعد تنفيذ حكم قضائي بإرجاعها دون غيرها من باقي الجرائم التي تستهدف العقارات.[31]

وقد أعطى المشرع للمحكمة سلطة تقديرية في أن تأمر بإرجاع الحيازة للحائز تلقائيا، إستنادا على الفصل 106[32] من مجموعة القانون الجنائي، وهوما أكدته محكمة النقض بالقول على أن للمحاكم الزجرية أن تأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه([33]) بل أضاف إلى إنه متى أدانت المحكمة الفاعل لها تأمر برد الحالة إلى ما كانت عليه تلقائيا دون طلب من المعتدي على حيازته وذلك بسبب ارتباط احتلال المأمور برفعه بالجريمة المدان من اجلها المحكوم عليه([34]).

أما بالنسبة للوضع القانوني الجديد فان المادة 35 من القانون 62.17 المتعلق بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها فقد أوجب على المحكمة المصدرة للحكم ضرورة الحكم بإرجاع الحالة الى ماكانت عليه ضمن مقرر الإدانة الصادر عنها وجوبا، ويتمثل ذلك بإزالة كافة مظاهر الترامي والاحتلال المنصبة على أملاك الجماعات السلالية، وإفراغ المتواجدين فوق العقار الجماعي دون سند قانوني يبرر ذلك التواجد وكيفما كانت صفته احجنبيا عن الجماعة السلالية او احد أعضائها على حد سواء.

 لكن اذا كان الوضع هكذا متى تعلق الأمر بالترامي أواحتلال ملك الجماعة السلالية، فان التساؤل يثار متى تعلق الأمر بالترامي على نصيب أو حصة عضو من أعضائها، أو استغلالها دون سند قانوني هل تكون المحكمة كذلك ملزمة بارجاع الحالة الى ماكانت عليه وذلك بمحو اثار الجريمة وافراغ المعتدي وتمكين المنتفع من حصته من جديد ام فقط تقضي بالادانة ولها السلطة التقديرية في إرجاع الحالة من عدمه عملا باحكما المادة 106 من قانون المسطرة الجنائية؟

نعتقد من جهتنا المتواضع أنه ومن خلال تحليل المادتين 34 و 35 من القانون 17.62   نتوصل إلى نتيجة مفادها أن غاية المشرع تمكن في توفير حماية كاملة على قدر من المساواة سواء تعلق الأمر بالجماعة السلالية نفسها أو لأحد أعضائها المنتفعين من أراضيها، وعليه فان عدم الإشارة في لإرجاع الحالة متى تعلق الأمر بالاعتداء على حصة أو نصيب أحد أعضاء الجماعة السلالية من طرف عضو أو أعضاء اخرين ينتمون اليها لا يعدوا ا، يكون مجرد سهو تشريعي وان منطق الامر يقتضي تمتيع العضو المنتفع من نفس الحمايية المقررة لفائدة الجماعة التي ينتمي اليها.

المطلب الثاني:  الجرائم المتعلقة بالوثائق المنصبة على أملاك الجماعات السلالية

سن المشرع بمقتضى المادة 36 من القانون رقم 62.17 جرائم جديدة سعى من خلالها الى تعزيز الحماية القانونية للصبغة الجماعية التي طبع الأملاك السلالية، وكذا احصين التصرفات القانونية التي ترد عليها.وللإلمام بهذه المعطيات المستوحاة أغلبها من مقتضيات الفصل 542 من القانون الجنائي ومن الممارسة القضائية، كان لزاما علينا التساؤل بداية عن العناصر التكوينية لجريمة تفويت عقار سلالي أو حق انتفاع  ؟ ثم التطرق بشيء من التفصيل لجريمة اعداد وثائق تنفي الصبغة الجماعية عن عقار سلالي المنصوص عليهما في المادة 36 من اعلاه ، وذلك وفق الاتي.

الفقرة الأولى: جنحة التفويت أو التنازل عن عقار سلالي أو عن حق انتفاع.

تنص مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 36 من القانون 17.62 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها على مايلي:" دون الاخلال بالعقوبة الأشد المنصوص عليه المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 10000 درهم إلى 100000 درهم :

-كل من قام أو شارك بأي صفة في إعداد وثائق تتعلق بالتفويت أو التنازل عن عقار أو بالانتفاع بعقار مملوك لجماعة سلالية خلافا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل"

أضاف المشرع بموجب الفقرة أعلاه حماية أخرى لأملاك الجماعات السلالية تنضاف الى الحماية القانونية ذات الصبغة المدنية  التي أقرتها مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 13 من القانون أعلاه من خلال تقرير مبدأ عدم قابلية اجراء أي تصرف ناقل للملكية محله أملاك الجماعات السلالية مع اعتبار أي تفويت خارج القواعد المحددة قانونا في المرسوم التطبيقي رقم 2.19.973 باطلة  كقاعدة عامة، إلا أن تزايد الحاجة إلى العقار بهدف تشجيع الاستثمار وتحقيق مشاريع ذات مصلحة عامة، جعل القاعدة تتقلص على مستوى التطبيق لفائدة الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية، والفاعلين الاقتصادين العمومين والخواص وفق المساطر الإدارية والقانونية المقررة في المادة 33 وما يلها من المرسوم التطبيقي أعلاه[35].

لذلك، فإن الجزاء الذي أقره المشرع في حالة مخالفة مقتضيات الفقرة المذكورة أعلاه سواء تعلق الأمر بنواب الجماعة السلالية متى تعلق الأمر بتفويت الملك الجماعي أي حق الرقبة لأي جهة كانت وبأي صفة أو تعلق الأمر بالتصرفات التي ينجزها أعضاء الجماعة السلالية نفسها سواء فيما بينهم أو لفائدة الأجانب عن الجماعة السلالية تحت مسمميا مختلفة من قبيل التنازل عن حق الانتفاع او التسليم أو غيرها والتي من شأنها اخراج العقار السلالي من زمرة المنتفعين الشرعين له وكذا كل من ساهم أو شارك في انجاز تلك العقود الناقلة تلك الحقوق، سواء تعلق الأمر بالمهنين من عدول ومحامي وموثقين أو غيرهم ممن اوكل لهم المشرع مهمة تحرير التصرفات القانونية، وينصرف الجزاء كذلك، الى ضابط الحالة المدنية متى عمل بصفته هاته على تصحيح إمضاء الأطراف في الوثيقة التي تتضمن تفويت عقار سلالي أو حق انتفاع خلافا للضوابط القانونية، ونفس الجزاء يطال كذلك حتى رئيس كتابة ضبط المحكمة متى قام تصحيح امضاء المحامي محرر العقد المنصب على ملك جماعي وكذا قاضي التوثيق اثناء خطابه على الوثائق العدلية المنجزة خلافا للقانون.

إن غاية المشرع من توسيع الحماية الجنائية لأملاك الجماعات السلالية وكذا لحقوق الانتفاع المنصبة عليها هو التصدي لما اضحى ينتشر من تصرفات قانونية خلافا للقانون تحت مسميات مختلفة مع ما ترتب عن ذلك من انتشار للبناء العشوائي واستنزاف للفرشة المائية وصعوبة ضبط العنصر البشري للجماعات السلالية بسب تواجد أجانب فوق الأملاك الجماعي، وهي أوضاع ميدانية تعذر إيجاد حلول قانونية مناسبة لها ما عدا ما تضمنته مقتضيات المادة 30 من المرسوم التطبيقي بالنسبة للعقار الجماعية المنجزة عليها مشاريع استثمارية، حيث جاء فيها ما يلي: "يمكن عند الاقتضاء تسوي وضعية القطع الأرضية المقامةعليها مشاريع منجزة قبل تاريخ نشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية عن طريق كرائها بالمراضاة"

لذلك، فقد جاء في قرار لمحكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) بتاريخ 24/12/1997 ما يلي: "حيث إنه خلافا لماء جاء في الوسيلة، فالمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه عندما أدانت العارض من اجل جنحة التصرف في مال غير قابل للتفويت المنصوص عليها بمقتضى الفصل 542 من ق.ج عللت قرارها بالقول انه من الثابت من  مراسلة  السبب قائد المقاطعة القروية بزاكورة عدد 232 بتاريخ 08/03/1993 أن القطعة الأرضية جماعية تابعة لجماعة سلالية، وأن تصريحات الأظناء تفيد أن الأرض جماعية، وأنهم فوتوها بالبيع، وأن الفصل 4 من ظهير 27/04/1919 المعدل بظهير 06/02/1963 المتعلق بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط وتسيير شؤون الأملاك الجماعية يمنع تفويت الأراضي الجماعية، وأن التكييف السليم للأفعال المرتكبة من طرف الأظناء هو تفويت أملاك غير قابلة للتفويت، وهي جنحة تدخل في زمرة جرائم الأموال التي تنتمي إليها الجنحة التي توبع من أجلها الأظناء، مما تكون معه المحكمة بذلك قد استعملت ما خيوله لها القانون من سلطة وصف الأفعال التي تحال عليها بالوصف الصحيح وطبقت النص القانوني الملائم عليها حسب ما استخصلته من دراسة القضية، الأمر الذي يكون معه قرارها مرتكزا على أساس صحيح وتكون الوسيلة على غير أساس".[36]

ومما ورد في دورية رئاسة النيابة العامة عدد 52 س/ر ن ع بتاريخ 05/12/2019 ما يلي: "أن أعضاء الجماعة السلالية يخضعون لأحكام القانون رقم 62.17 باعتباره القانون الخاص الواجب التطبيق في حقهم عند ارتكابهم فعلا من الأفعال المجرمة الواردة في المادة 34، وفي حالة ارتكابهم سلوكا يشكل جريمة معاقب عليها بعقوبة أشد، يخضعون بذلك لأحكام النصوص الجنائية التي تم خرقها كما لو صاحب عرقلة التنفيذ أفعال تشكل عصيانا بالمفهوم الوارد في الفصل 300 من مجموعة القانون الجنائي.

 ان ما تضمنته صياغة المواد 34 و 35 و 36 من القانون 62.17 لامحال سوف تطرحه اشكلات عملية في تحديد معيار العقوبة الأشد سيما في الحالة التي يجيز فيها المشرع إمكانية الخياربين اعمال العقوبة السالبة للحرية والعقوبة المالية خلافا للوضع ال\ي يلزم المحكمة بالحكم بهما معا اقترنا حتى وو كانت العقوبات المقررة فيهما معا اخف مما هو منصوص عليه في المواد أعلاه.


الفقرة الثانية: جنحة اعداد وثائق تنفي الصبغة الجماعية عن عقار تابع لجماعة سلالية.

تنص مقتضيات المادة 36 من القانون 62.17 على مايلي: "دون الاخلال بالعقوبات الأشد المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات  وغرامة من 1000 درهم إلى 100000 درهم:

-كل من قام أو شارك في إعداد وثائق تنفي الصبغة الجماعية عن عقار تابع لجماعة سلالية، خرقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. "

تعتبر مسطرة منح الشواهد الإدارية التي تنفي الصبغة الجماعية على العقارات إحدى الإشكاليات التي تحظى باهتمام وانشغال سلطة الوصاية الهدف منها مواجهة بعض الأشخاص الذين يلجأون إلى طرق ملتوية من أجل القيام بعمليات تحفيظ عقارات قد تكون جماعية، مما يترتب عنه ضياع حقوق الجماعات السلالية.

وتناول المشرع تنظيم مسطرة استصدار الشواهد الإدارية النافية للصبغة الجماعية ضمن مقتضيات المرسوم التطبيقي رقم 2.08.378 الصادر بتاريخ 28 أكتوبر 2008  بتطبيق القانون رقم 03.16 المتعلق بخطة العدالة وخاصة المادة 18 المتعلقة بتسليم الشهادة الإدارية بالنسبة للعقار غير المحفظ، حيث اوجب المادة المذكورة على العدل التأكد بواسطة شهادة صادرة عن السلطة المحلية من كون العقار المراد تحفيظه ليس ملكا جماعيا أو حبسيا وليس ن أملاك الدولة وغيرها.

وحتى يتسنى التصدي وبكل حزم إلى مثل هذه التصرفات غير القانونية، فقد بادرت سلطة الوصاية الى وضع مجموعة من الإجراءات الاحترازية من خلالها السلطة المحلية التقيد بها ورد التنصيص عليها ضمن الدورية الوزارية عدد 11 الصادرة بتاريخ 19/02/2013 .

غير أن الواقع العلمي اثبت ان مجموعة من الشواهد الإدارية تصدر طبقا للقانون غير ان واقع الحال يثبت خلافا ذلك وان العقار موضوع الشهادة يكتسي صبغة جماعية. لذلك، فان كل من استصدر شهادة إدارية خارج الضوابط المسطرية المحددة في الدورية الوزارية المشتركة عدد 50/س2 الصادرة بتاريخ 17 دجنبر 2012 المتعلقة بتسليم الشهادة الإدارية الخاصة بالعقار غير المحفظ، او من شارك في اعداد تلك الشهادة سواء من نواب الجماعة السلالية أو الاغيار يكون تحت طائلة التجريم، أو استصدر وفقا للضوابط القانونية لكن على خلاف الواقع المثبت للصبغة الجماعية للعقار السلالي، يكون تحت طائلة العقاب.

وقد ذهبت محكمة النقض الى من يحدد الصبغة الجماعية للأرض هو موقعها وطبيعتها والقسمات المنجزة عليها ونمط استغلالها ماضيا المثبت بشهادة الشهود والقرائن الدالة عليه وذلك في العديد من القرارات المتواترة عنها، منها على سبيل المثال لا الحصر القرار الذي جاء فيه ما يلي[37]:"حيث صح ما عابه الطاعن على القرار، ذلك أنه علل قضاءه بأن"المتعرض لم يدل ولو ببداية حجة على صحة تعرضه وأن تمسكه بحيازة الجماعة السلالية الطويلة الأمد يقتضي كذلك الإثبات، وهو ما لم يتحقق للمستأنف في نازلة الحال، وأن الطلب الرامي إلى التحقيق في الدعوى بالبحث أو الخبرة أو المعاينة يقتضي الإدلاء بالأدلة والمستنتدات المعتمدة للتأكد من صحتها ومطابقتها للعقار المدعة فيه وهي منعدمة في ملف النازلة". في حين أن الطابع الجماعي لا يثبت فقط بالملكيات والحجج وإنما يثبت أيضا من خلال البحث الذي تجريه المحكمة بعين المكان حول طبيعة العقار وطرق استغلاله وصفة مستغله، وأن الطاعن لما تمسك في مذكرته المؤرخة في 20/10/2014 بكون الحيازة هي بيد الجماعة السلالية الوصي عليها، وطالب بالوقوف بعين المكان للتأكد من ذلك، فقد كان على المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه اتخاذ التدابير التكميلية للتحقيق المنصوص عليها في الفصل 43 من ظهير التحفيظ العقاري وبصفة خاصة الوقوف على عين المكان للبحث في من يحوز فعليا العقار المدعى فيه لما لذلك من أثر في تحديد المراكز القانونية للأطراف من حيث الإثبات، وأنها لما لم تقم بذلك فقد جاء قرارها ناقص التعليل مما عرضه للنقض والإبطال."

وفي سياق مواكبة رئاسة النيابة لمضامين القوانين الجديدة جاء في الدورية الصادرة عنها ما يلي: " ان ما تضمنته مقتضيات الفقرة أعلاه يجب أن يحظى بالأولوية في التطبيق عن اتصاف الفعل الواحد بأكثر من وصف كما هو الشأن بالنسبة لبعض الجرائم المماثلة له كالتزوير في المحررات العرفية أو صنع شواهد غير صحيحة الواردة في الفصول 358 و 360 و 366 من القاون الجنائي، غير أنه في الأحوال التي يشكل فيها السلوك الاجرامي جريمة معاقب عليها بعقوبة أشد من قبيل جريمة التزوير في محررات رسمية، فإن التطبيق ينصرف إلى النص الذي يتضمن العقوبة الأشد، و\لك اعتبارا للقيد الذي وضعته المادة 36 صدرها وهو عدم الاخلال بالعقوبة الأشد المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل، مع ما قد تطرحه هذه المحكمة الفقرة من اشكلات عملية في تحديد معيار العقوبة الأشد سيما في الحالة التي يجيز فيها المشرع إمكانية الخيار.

المطلب الثالث : حماية أراضي الجماعات السلالية من خلال المادة 70 من القانون 12.90

يكتسي تنظيم وتدبير المجال العمراني أهمية قصوى نظرا لما له من أنعكاسات إيجابية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، لذلك عملت الدولة على إصدار مجموعة من التشريعات لتنظيم المجال العمراني نجد على رأسها القانون رقم 12.90، كما تم تعديله وتتميه بالقانون رقم  [38]12.66.

ويهدف هذا القانون في فلسفته إلى تعزيز الحكامة في ميدان مراقبة وزجز المخالفات، وتجاوز الاختلالات التي عرفتها هذه منظومة التعمير والمتمثلة  أساسا في تعدد الجهات المكلفة بالمراقبة وفي غياب الإجراءات الوقائية لتفادي المخالفات، وفي ضعف البعد الردعي والزجري للعقوبات المنصوص عليها في المقتضيات القانونية المعمول بها سابقا.

ونظرا لخطورة مخالفة التعمير وما يترتب عنها من آثار جد سلبية على جمالية  العمران ورغبة في الارتقاء بفعالية المنظومة الرقابية في ميدان التعمير وضمان تحقيق التجانس والتكامل بين بعديها الوقائي والزجري، فقد أفرد القانون 66.12 أعلاه عدة مقتضيات لضمان احترامه، فحدد مجموعة من الموظفين العموميين وضباط الشرطة القضائية  خولهم مهام مراقبة أشغال البناء والبحث عن المخالفات وضبطها، كما حدد بدقة مختلف عمليات البناء الخاضعة للمراقبة والضبط[39]، فضلا عن توسيع نطاق التجريم من خلال اعتبار المهنيين شركاء في المخالفات متى ثبت تورطهم في تلك المخالفات أو تغاضيهم عنها[40]، وتشديد العقوبات حسب حالات المخالفات بما في ذلك إقرار عقوبات سالبة للحرية في بعض المخالفات الجسيمة.[41]

وتقضي الفقرة الثانية من المادة 70 من القانون 12.66 على أنه : "غير أنه إذا كانت الأشغال تتمثل في القيام ببناء على ملك من الأملاك العامة أو الخاصة للدولة والجماعات الترابية وكذا الأراضي التابعة للجماعات السلالية، من غير رخصة سابقة يجب الحصول عليها قبل مباشرة ذلك، أو في منطقة غير قابلة للبناء بموجب وثائق التعمير، يجب على السلطة الإدارية المحلية أن تقوم بهدمها تلقائيا وعلى نفقة المخالف، ولايحول هدم البناء دون تحريك الدعوى العمومية ولا يتربت عليه انقضاؤها إذا كانت جارية".

إن السلطة الإدارية المحلية التي يتواجد بدائرة نفوذها العقار الجماعي موضوع مخالفة التعمير بالبناء أو الشروع في البناء فوقه دون الحصول على الرخص القانونية اللازمة، تكون ملزمة بمباشرة عملية الهدم بصفة تلقائية وعلى نفقة المخالف دونما حاجة لإصدار الأمر بالهدم أو الاعذار المنصوص عليها في القانون أعلاه ودون احترام للآجال القانونية  المقررة بموجب القانون 12.66، ولابد من التنبيه إلى أن المشرع قد استعمل صيغة الوجوب في المادة 70 أعلاه، مما يفيد أنه ليس هناك أي خيار آخر سوى مباشرة عملية الهدم.

وجدير بالإشارة أن مقتضيات المادة 70 أعلاه تأتي في سياق اكساب الدورية الصادرة عن سلطة الوصاية عدد 16 في هذا الاطار بعدا شرعيا، حيث ساهمت هذه الدورية إلى حد ما في الحد والتصدي لظاهرة البناء العشوائي فوق أراضي الجماعات السلالية، التي كان يقف وراءها غالبا مضاربون يعبثون بمصالح المواطنين البسطاء، وذلك من خلال حث السادة الولاة والعمال على اتخاذ كل الاجراءات الضرورية قصد تقديم كل من يعبت بالعقارات الجماعية إلى العدالة، فضلا عن تبني سياسات إستباقية في هذا الإطار.[42]

غير أنه ومن خلال اطلاعنا على بعض المحاضر المنجزة من طرف بعض رجال السلطة المحلية نجد نوعا من الحذر في تفعيل عملية الهدم بصفة تلقائية وإنما يكتفون فقط بتحرير محضر مخالفة البناء بدون رخصة فوق أراضي الجماعات السلالية دون هدمه، علما أن المشرع ألزمهم بذلك، ولعل مبررهم في ذلك يجد سنده في عدم صدور ن تنظمي يحدد ممثلي السلطات الحكومية داخل اللجنة الإدارية المشرفة على عملية الهدم[43]،  ومن ذلك نقرأ ما ورد بالمحضر عدد 04/2017 المنجز بتاريخ 13/02/2017: "نحن نعمان فيلالي شكير قائد قيادة تغزوت، وضابط الشرطة القضائية طبقا للمادة 20 من قانون المسطرة الجنائية، وبناء على مقتضيات المادة 65 من القانون رقم 12.66، عاينا أشغال بناء بيت بدون ترخيص ولا تصميم على أرض سلالية متنازع بشأنها بالمكان المسمى تاوريرت أوراغ باكديم، والتي يقوم بها المدعو أحمد حد … وحدود البقعة، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا أرض الجموع، ومساحة البناء 9 أمتار مربعة، ويكون بذلك قد ارتكب مخالفة في مجال التعمير طبقا للمادة 64 من القانون 12.66 ببناء بيت بدون ترخيص ولا تصميم بشأنه على أرض سلالية متنازع بشأنها، ولم يمتثل لأوامر السلطة المحلية بالعدول عن أفعاله مستعينا بالمشرف على الأشغال بالمخالف هو نفسه، وقد حرر هذا المحضر طبقا لأحكام المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية والمادة 66 من القانون رقم 12.66، وتم توجيه لنائب وكيل الملك بمركز القاضي المقيم بتنغير".[44]

وفي إطار شرح منهجية ومضامين القانون رقم 12.66 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء، بادرت وزارتا الداخلية وإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة إلى إصدار دورية مشتركة تحت عدد 07/17 أضحتا من خلالها المسطرة الواجبة الاتباع في إنهاء مخالفة البناء أو الشروع في البناء بدون رخصة بعد تصنيف تلك المخالفات إلى ثلاثة أصناف، منها المخالفات التي لا تشكل الأفعال المكونة لها إخلالا خطيرا بضوابط التعمير والبناء، وتلك التي تشكل الأفعال المكونة إخلالا خطيرا بضوابط التعمير والبناء، حيث يتعين على السلطة المحلية فور توصلها بمحضر معاينة المخالفة إلى تفعيل مسطرة الهدم، ويدخل في زمرة هذه الأفعال حسب نفس الدورية إحداث تجزئة  عقارية أو مجموعة سكنية دون إذن سابق، أو القيام ببناء دون الحصول على ترخيص مسبق، ثم الصنف الثالث، ويهم المخالفة المتمثلة في القيام ببناء أو إحداث تجزئة عقارية دون الحصول على رخصة سابقة فوق الأراضي التابعة للجماعات السلالية والدولة وغيرها من المؤسسات العمومية.[45]

وفي هذا السياق، أكدت الدورية المذكورة على أنه وتنزيلا لمبدأ الهدم التلقائي في هذه الحالة، فإن السلطة الإدارية المحلية مدعوة بعد التأكد والتثبت من وقوع المخالفة فعلا فوق أراضي الجماعات السلالية إلى هدم البناء المقام أو الذي شرع فيه وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه على نفقة المخالف، على أن تتألف اللجنة المشرفة على عملية الهدم من والي الجهة أو عامل العمالة أو الأقليم  أو من يمثله بصفته رئيسا، ورئيس مجلس الجماعة أو من يمثله والقائد الإقليمي للوقاية المدنية أو من يمثله، ومدير وكالة توزيع الماء والكهرباء أو الشركة المفوض لها هذا المرفق أو من يمثله.

وتنتهي عملية الهدم بتحرير محضر الهدم، وتوقيعه من طرف جميع أعضاء اللجنة السالف ذكرها، على أن يوجه رئيس اللجنة نسخة منه للنيابة العامة الت تلحقه بالملف، وإلى السلطة الإدارية المحلية.[46]

يمكن القول إن هذه الإمكانية التي خولها المشرع لرجال السلطة المحلية، إن  تم دعمها بالوسائل المادية والبشرية الضرورية، وتم استعمالها بشكل عقلاني وبمهنية وتجرد وفهم عميق للمقتضيات القانونية، لا محال ستساهم بشكل كبير في ردع مخالفات البناء والحفاظ على أراضي الجماعات السلالية من زحف البناء العشوائي.

المطلب الرابع: جرائم عرقلة عمليات التحديد الاداري والتحفيظ العقاري لأملاك الجماعات السلالية.

يتميز نظام التحفيظ العقاري بأثره المباشر على استقرار المعاملات العقارية وإشاعة الثقة والاطمئنان بين الأفراد، فإلى جانب دوره القانوني، يؤدي أيضا دورا اقتصاديا كبيرا، يتجلى في توفير أسس الأمن العقاري، وفي تشجيع تطور العمليات العقارية[47].

 

ونظرا للأهمية التي تكتسيها أملاك الجماعات السلالية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، دعت الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول موضوع: السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، للعمل على تسريع وتيرة تصفية الوضعية القانونية للأراضي الجماعية، بهدف توفير مناخ ملائم لدمج أمثل لهذه الأراضي في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

وقد جعلت مصالح الوصاية من التصفية القانونية لعقارات الجماعات السلالية إحدى أولويات مخططها الاستراتيجي الرئيسي، وذلك نظرا لما لها من دور رئيسي في الدفع بكل عمليات تثمين أراضي الجماعات السلالية، وكذا الحفاظ عليها من الترامي والاستغلال غير القانوني من طرف الأغيار، والحد من النزاعات بخصوصها وتهيئ جزء كبير من هذا الرصيد لإيواء المشاريع الاستثمارية. لذلك فإن مصالح الوصاية التابعة لوزارة الداخلية تعمل على تحديد هذه الأراضي في إطار مسطرة التحديد الإداري.

 ويعتبر التحديد الإداري والتحفيظ العقاري معا من المساطر التي يمكن مباشرتها من أجل تصفية الوضعية القانونية لأراضي الجماعات السلالية بهدف حمايتها وصيانتها وتأمينها، بما يؤدي إلى تطهير الأرصدة العقارية المملوكة للجماعات السلالية، وبالتالي سلامة تعبئتها بما يعود بالنفع على الدولة وعلى أعضاء الجماعات السلالية المعنية، لذلك، اقتضت المرحلة إعادة النظر في الظهير الشريف المؤرخ في 18 فبراير 1924 المنظم لمسطر التحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية، من خلال تحيين مقتضياته وتبسيط إجراءاته، واعادة صياغته من جديد بموجب المنصوص عليها في القانون الجديد 63.17  المتعلق بالتحديد الإداري[48].

   غير أن عمليات التحديد الإداري على الرغم من أهميتها في حماية وتأمين الأرصدة العقارية للجماعات السلالية، إلا أنها كثيرا من الأحيان يصعب استكمالها بل ومنعها وعرقلة الإجراءات المرتبطة بها من طرف أعضاء الجماعات السلالية نفسها وذلك بمنع المهندسين المكلفين بهذه العملية ومضايقات وهو ما يترتب عنه وجود تحديدات سلبية بين الفينة والأخرى مما يدفع بالسيد المحافظ كثيرا في الحالات إلى تفعيل مقتضيات الفصل 23 من ظهير التحفيظ العقاري، وبالتالي إلغاء هذه مطالب تحفيظ التي تتقدم بها الوصاية أو الجماعات السلالية  مع ما يترتب على ذلك من نتائج سلبية يمكن أن تمهد الطريق للترامي على أملاك الجماعات السلالية، فضلا عما تتحمله الجماعات السلالية من مصاريف وأعباء مالية إضافية يصعب توفيرها. لذلك، تدخل المشرع بموجب الفقرة الثانية من المادة 34 من القانون 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، واعتبر أن عرقلة عمليات التحديد الإداري أو التحفيظ العقاري المتعلقة بأملاك الجماعات السلالية من طرف أعضاء الجماعة وبأي وسيلة كانت جريمة مستقلة بذاتها يعاقب عليها بالحبس ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر وغرامة من 5000 درهم إلى 15000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين ودون الاخلال بالعقوبة الأشد المنصوص عليها عليها في القوانين الجاري بها العمل.

ولا جدال أن تجريم الأفعال التي تعرقل أو تمنع عمليات التحديد الإداري أو التحفيظ العقاري، سيكون لها الأثر الايجابي في تصفية جزء كبير من الأرصدة العقارية للجماعات السلالية سيما تلك التي تم المصادقة على تحديدها إداريا، والتي ترغب الجماعات المعنية أو الوصاية في تحفيظها عملا بمقتضيات المادة [49]13 من القانون 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري، أو تلك التحديدات التي تم ايداعها منذ مدة طويلة تعود لعقود خلت.

المطلب الخامس: جرائم عرقلة تنفيذ العقود المنصبة على أملاك الجماعات السلالية والمبرمة بطريقة قانونية.

تسعى مؤسسة الوصاية على الدوام إلى تنمية أملاك الجماعات السلالية بما يعزز دور ومكانة تلك الأملاك في الدفع بقاطرة التنمية الشاملة للبلاد، بما يعود على أعضاء الجماعات السلالية بالنفع. وتنهج لتحقيق هذه الغايات عدة اليات تدبيرية أهمها التفويت والكراء والشراكات وغيرها من الانماط التدبيرية.

وفي هذا السياق نصت المادة 20 من القانون 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية على أنه " يمكن إبرام عقود التفويت بالمراضاة واتفاقات الشراكة والمبادلة بشأن عقارات الجماعات السلالية لفائدة الدولة  والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والجماعات السلالية الأخرى."

ولعل من المستجدات التي واكبت التعديل التشريع أعلاه هو السماح بإبرام العقود والاتفاقات المذكورة أعلاه عن طريق المنافسة أو المراضاة لفائدة الفاعلين العموميين والخواص.

كما عملت القانون أعلاه على تنظيم عقود الأكرية التي تنصب على  أراضي الجماعات السلالية وحدد مددها وطيبعة الاستثمار المنجزة عليها، بموجب المادة 19 من نفس القانون أعلاه.

وقد حدد المرسوم التطبيقي رقم 2.19.973 بتطبيق أحكام القانون 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، الاجراءات المسطرية الواجبة الاتباع والجزاءات المدنية المترتبة عن الإخلال بالتعاقدات المبرمة مع الجهات المذكورة أنفا.

غير أن الواقع العملي ومنذ مدة طويلة أثبت أن العقود التي يتم ابرامها مع المستثمرين من الخواص أو المؤسسات العمومية والجماعات الترابية تتعرض لكثير من التشويش من طرف أعضاء الجماعات السلالية، الأمر الذي يترتب عنه تفويت فرص مهمة على الجماعات السلالية وبالتالي تنمية مواردها المالية وغيرها.

لذلك، عمل المشرع، على اضفاء الصغبة الجرمية على كل فعل يقوم به أعضاء الجماعات السلالية يترتب عنه عرقلة تنفيذ العقود والاتفاقات المبرمة بطريقة قانونية مع الجماعات السلالية أو الوصي عليها، ووفق النظم المسطرية المقررة في المرسوم التطبيقي وبالتالي معاقبته بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 34 من القانون 62.17.

ولا جدال في أن تجريم هذه الافعال سيمكن المستثمرين من انجاز المشاريع التي التزموا بها فضلا عما توفره هذه الحماية لوضعية الأملاك الجماعية نفسها.

خاتمة:

من خلال دراستنا لموضوع الحماية الجنائية لأملاك الجماعات السلالية اتضح لنا رغبة المشرع الاكيدة في التصدي لظاهرة الاعتداءات التي تطال الملكية الجماعية وحقوق الانتفاع المترتبة عنها لفائدة اضاء الجماعة السلالية وهي مستجدات تشريعية زجرية بالغة الأهمية وتستحق التنويه ومن شان تفعليها بالحزم والصرامة اللازمتين تعزيز أوجه الحماية الجنائية لأملاك الجماعات السلالية. ولابد من التنويه إلى أن محاولتنا هذه لا تزعم مقاربة الموضوع بشموليته، فهو معقد في جزئياته، مما يجعل ملامسة جميع تفاصيله أمر صعب المنال وحسبنا في ذلك أجر المجتهد إن اصاب وإن لم يحالفه الصواب فذاك من عمل الانسان البشري الموسوم بالنقصان وعدم الكمال.

والله المستعان وهو الموفق


تحميل المقال PDF من هنا

تعليقات