رقابة القضاء الدستوري على أعمال السلطة التشريعية والانحراف التشريعي
137-رقابة القضاء الدستوري على أعمال السلطة التشريعية
والانحراف التشريعي هاني محمد محمد كامل فهيم الجزء الأول
جامعة الإسكندرية
كلية الحقوق
قسم الدراسات العليا
دبلوم العلوم الإدارية
بحث بعنوان
رقابة القضاء الدستوري
على
أعمال السلطة التشريعية والانحراف التشريعي
إعداد
الباحث: هاني محمد محمد كامل فهيم
إشراف
الأستاذ الدكتور
محمد باهي أبو يونس
أستاذ القانون الدستوري
كلية الحقوق – جامعة الإسكندرية
ربيع 2012
المقدمة:
الإنسان كائن اجتماعي يعيش في مجتمعات فهو ذو طبيعة مدنية بطبعه الذي خلقه الله تعالى عليه، وهذا المجتمع يؤدي إلى وجود علاقات بين أفراده سواء كانت فردية شخصية أو سياسة، ويستلزم ذلك وجود تنظيم معين أو وجود نظام ملزم يحكم وينظم العلاقات في المجتمع ويبين الحقوق والواجبات، فيؤدي ذلك إلى إقامة مجتمع منظم ووجود توازن بين السلطة العامة والحقوق والحريات الفردية وهذه هي فكرة القانون الذي تقوم بإصداره السلطة التشريعية في كل دولة.
فالدولة في السابق كان لها نشاط تقليدي حيث انها تتدخل للمحافظة على الأمن الخارجي والداخلي وإقامة العدالة، ولذلك كان يطلق عليها الدولة الحارسة اما الأن أصبحت الدولة تتدخل في جميع المجالات حيث لم يصبح لها دور تقليدي الحارس او الحاكم بل اصبح لها دور أجتماعي فتدخلت في اصغر الأمور، ومع تزايد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتضخمها احتاج الامر الى مزيد من التدخل من قبل الدولة وبالتالي زادت التشريعات التي تنظم ذلك وتوالت التشريعات الفردية والعادية التي تحقق الدور الاجتماعي للدولة.
وفي هذا الكم الهائل من التشريعات تعرضت الضمانات الفردية والحريات العامة والمبادئ الدستورية والفصل بين السلطات إلى اعتداءات عديدة لمما تتصف به هذه التشريعات من عجلة وسرعة في صدورها هذا فضلاً عن وفرة التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية بسب انتشار المبادئ الاشتراكية وتدخل الدولة في العديد من أنشطة الأفراد لتوفير حاجاتهم المتجددة والتوسع في سياسة التفويض التشريعي لذلك يجب البحث عن وسيلة لضمان أن السلطة قد راعت حدودها الدستورية المرسومة لها أم لا.
أهمية البحث:
إن سبب اختيارنا موضوع (رقابة دستورية القوانين) باعتبارها من اهم الوسائل التي تستطيع ان تردع السلطة التشريعية وتلزمها بالسير في حدود الدستورية وتحقق مبدأ الشرعية باعتبارها الضمان الفعال لحماية الحريات العامة من تعسف السلطة التشريعية في استعمال سلطتها والتأكيد على المبدأ سيادة القانون الذي هو أساس الحكم في الدولة الذي يستوجب عدم خروج القوانين واللوائح على أحكام الدستور ضماناً لالتزام سلطات الدولة بأحكامه فيما يصدر عنها من قواعد تشريعية ومن هنا تظهر.
المطلب الأول
المخالفة الشكلية
تتمثل المخالفة الشكلية للدستور في أمرين هما:
الفرع الأول: مخالفة قواعد الاختصاص:
يقصد بعدم الاختصاص هو (عدم المقدرة من الناحية القانونية على اتخاذ تصرف معين، نتيجة لانتهاك ومخالفة القواعد المحددة لاختصاص السلطة صاحبة التصرف).
وترتبط هذه الفكرة بمبدأ الفصل بين السلطات، حيث يهدف هذا المبدأ إلى توزيع الاختصاصات بين سلطات الدولة الثلاثة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) على نحو يكفل تحديد المسؤوليات وعدم التداخل في مابين هذه السلطات.
وتستمد هذه السلطات مصدرها من الدستور، بحيث انه لا يجوز أن يباشر الاختصاص إلا من قبل الجهة التي حددها الدستور، وبالتالي فلا يجوز لسلطة منحها الدستور اختصاصاً معيناً أن تفوض غيرها في ممارسة هذه الاختصاصات الأبناء على نص صريح فيه.
وعلى ذلك يرتكز عيب عدم الاختصاص في المجال الدستوري على مخالفة السلطة المختصة بالتشريع لقواعد الاختصاص التي يرسمها الدستور، وهذا العيب قد يكون عضوياً أو موضوعياً أو زمنياً أو مكانياً.( )
1- عدم الاختصاص العضوي:
- يتمثل العنصر العضوي أو الشخصي في الاختصاص في أن يصدر القانون من العضو أو السلطة التي أعطاها القانون ذلك الاختصاص.
- والأصل هو أن يصدر القانون من السلطة التشريعية والتي يمثلها البرلمان، ولا يجوز الخروج على هذا الأصل الا بنص صريح في الدستور.
ولذلك فان السلطة التنفيذية لا يجوز لها ان تتدخل في أعمال التشريع الا اذا تضمن في اعمال التشريع نصاً يمنحها هذا الحق، وان كانت بعض الدساتير قد حددت مجالاً
معيناً يشرع فيه البرلمان ومن ذلك الدستور الفرنسي الصادر 1958م والذي وزع الوظيفة التشريعية بين البرلمان والسلطة التنفيذية، بحيث أصبحت هذه الأخيرة هي صاحبة الولاية في التشريع، وأصبح دور البرلمان في ذلك محدداً على سبيل الحصر بحيث اذا شرع في غير المجالات المحددة دستورياً له اعتبر ما يصدر عنه تشريعاً غير دستوري لمخالفته العنصر العضوي أو شخصي في الاختصاص.
2- عدم الاختصاص الموضوعي:
بعد التأكد من أن التشريع محل الطعن قد صدر من السلطة المختصة به، يتعين بعدها التأكد من الاختصاص الموضوعي، ويقصد به ( إن السلطة المختصة بالتشريع قد مارست اختصاصها التشريعي في الموضوع الذي أسنده إليها الدستور وإلا كان التشريع مخالفاً للدستور لتخلف العنصر الموضوعي في الاختصاص).
والدستور المصري الصادر في سنة1971م التزم الموضوع التقليدي والأصل العام الذي يسمح لمجلس الشعب بالتشريع في أي موضوع من الموضوعات باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل في التشريع، ولا يرد على سلطته هذه قيود إلا بعض القيود الموضوعية التي ينص عليها الدستور كعدم جواز تقرير رجعية القوانين الجنائية ما لم تكن أصلح للمتهم، وعدم الإخلال يحق التقاضي وغيرها، حيث إن هذه القيود الموضوعية التي نص عليها الدستور يتوجب على السلطة التشريعية مراعاتها عندما تقوم بمهمتها في سن القوانين، فلا تخرج عنها وإلا كانت عرضة لتقرير عدم دستوريتها من قبل المحكمة الدستورية العليا.
وتكون حالات عدم الاختصاص الموضوعي أكثر ظهوراً عندما تقوم السلطة التنفيذية بممارسة مهمة التشريع كاستثناء من الأصل العام، حيث تكون مهمتها في هذا المجال محدودة بنصوص دستورية، حيث ان ذلك يعتبر استثناء أملته ظروف واعتبارات معينة لا يجوز التشريع في غيرها أو الخروج على المجال المحدد لها، فإذا تعددت السلطة التنفيذية المحال لها في الدستور، فإن ما يصدر عنها يعتبر مشوباً بعيب عدم الدستورية لتخلف العنصر الموضوعي في الاختصاص.( )
3- عدم الاختصاص الزمني:
قد يضع الدستور قيداً زمنياً على ممارسة اختصاص التشريع من قبل السلطة التشريعية أو من قبل السلطة التنفيذية، فإذا لم تراع السلطة التي تقوم بتلك المهمة القيد الزمني وأصدرت التشريع في وقت لم يكن لها حقاً ممارسة هذا الاختصاص، عندها تكون قد خرجت عن الحد الزمني المحدد دستورياً لإصداره، وبالتالي يترتب على ذلك مخالفة التشريع للقيد الزمني الذي جاء به الدستور.
ومن الفروض التي تحقق فيها تخلف القيد الزمني في الاختصاص إقرار البرلمان لقانون بعد حله أو انتهاء المدة المحددة له في الدستور، أو أن يصدر رئيس الجمهورية تشريعاً في حالة التفويض التشريعي بعد انتهاء المدة الزمنية المحددة لممارسة هذا التفويض، حيث إن صدور هذا التشريع فيه مخالفة صريحة للقيد الزمني الذي ورد بالدستور لممارسة هذا الاختصاص الاستثنائي من جانب السلطة التنفيذية.( )
4- عدم الاختصاص المكاني:
تحدد بعض الدساتير مكاناً معيناً تمارس فيه السلطة التشريعية التي تتمثل في البرلمان، بحيث انه مارس البرلمان هذا الاختصاص خارج النطاق المكاني المحدد في الدستور فان التشريع الذي يصدر في هذه الحالة يكون غير دستوري لمخالفته قواعد الاختصاص المكاني.
ولذلك نصت المادة (100) من الدستور المصري الصادر عام 1971م على أن ( مدينة القاهرة مقر مجلس الشعب ويجوز في الظروف الاستثنائية أن يعقد جلساته في مدينة أخرى بناء على طلب رئيس الجمهورية أو أغلبية أعضاء المجلس ).
وقد أحالت المادة (205) من هذا الدستور بعد تعديلاته عام 1981 إلى المادة (100) فيما يتعلق بمجلس الشورى.
ويفهم من ذلك بان مدينة القاهرة هو المكان الذي حدده الدستور المصري لعقد جلسات مجلس الشعب والشورى إلا انه يلاحظ بان الدستور المصري او رد استنثاء هو اذا ما دعت الظروف الاستثنائية التي يقدرها رئيس الجمهورية او غالبية أعضاء مجلس الشعب و الشورى ويترتب على مخالفة هذا العنصر المكاني في الاختصاص بطلان التشريع.( )
الفرع الثاني: مخالفة قواعد الشكل الواجب اتباعه:
يمر التشريع بمراحل متعدده حتى يكون دستورياً، ووفقاً لإجراءات محدده وجوهرية يتطلبها الدستور يتعين اتباعها، حيث عدم مراعاة ذلك يترتب عليه ان يصبح التشريع باطلاً يتعين إلغاؤه أو الامتناع عن تطبيقه.
ومن امثلة المخالفات التي تتعلق بالشكل والإجراءات، ان يصدر التشريع دون موافقة الأغلبية البرلمانية التي حددها الدستور، أو دون تصديق رئيس الدولة في الاحوال التي يوجب فيها الدستور ذلك.( )
ويترتب على مخالفة القواعد الشكلية والإجرائية أن يكون للجهة المنوط بها الرقابة على دستورية القوانين حق مراقبة التشريع وتقرير عدم دستوريته اذا ما تعلق الامر بمخالفة جوهرية لتلك القواعد والاجراءات.
والملاحظ بان قواعد الشكل والإجراءات المصاحبة لعملية التشريع قد ترد في الدستور ذاته، كما انها قد ترد في اللوائح الداخلية للبرلمان.
والفقه انقسم في ذلك الى اتجاهين حيث أن الاتجاه الاول ذهب بان العيب الشكلي يمكن ان يتحقق عند مخالفة التشريع للقواعد الشكلية المتصلة باقتراحه التشريع او اقراره او اصداره سواء كانت تلك القواعد قد وردت في الدستور أو في اللوائح الداخلية للبرلمان فيما ذهب الاتجاه الاخر بان عيب عدم الدستورية لمخالفة الشكل الواجب ارتباطه لا يتحقق الا اذا كانت الشكلية التي خولفت قد ورد النص عليها في الدستور ذاته.
فالمعول عليه في الرقابة الدستورية هو ما ورد من اجراءات في الدستور، اما ماتضمنه النصوص القانونية الاخرى الاقل مرتبه من قواعد شكلية فان مخالفتها لا تؤدي الى عدم دستوريته.
واخيراً فان المحكمة الدستورية وهي بصدد قيامها بفحص العيوب الشكلية في التشريع المطعون بعدم دستوريته لا يتصور ان يكون بحثاً تالياً للخوض في العيوب الموضوعية، حيث ان المحكمة الدستورية لا تبحث في العيوب الموضوعية الا بعد ان تتاكد من خلو ذلك التشريع محل البحث من المخالفات الشكلية للأوضاع والإجراءات التي تطلبها الدستور، وذلك لان العيوب الشكلية تتقدم العيوب الموضوعية، وهذا الأخيرة سوف أتناولها بشيء من التفصيل في المطلب الثاني( ).
المطلب الثاني
المخالفة الموضوعية
لايكفي لاعتبار التشريع دستورياً ان يكون مستوفياً للشكل الواجب اتباعه طبقاً للدستور، وانما يجب ان يكون ذلك التشريع متفقاً من حيث الموضوع مع المبادئ التي حددها الدستور في اطار القيود التي وضعها لاستعمال السلطة التشريعية لحقها في سن التشريع، وان يصدر ذلك التشريع غير متجاوزاً في غاياته لروح الدستور.( )
وسوف نقسم دراستنا لهذا الموضوع الى قسمين:
اولاً: مخالفة القيود الموضوعية الوارده بالدستور.
ثانياً: خروج التشريع على روح الدستور.
الفرع الأول: مخالفة القيود الموضوعية الواردة بالدستور:
تتضمن الدساتير عادة العديد من القيود التي لا يجوز للهئية التشريعية وهي بصدد استعمالها لحقها في التشريع ان تخرج عليها، ومن هذه القيود على سبيل المثال وليس الحصر إسقاط الجنسية، ورجعية القوانين الجنائية مالم تكن اصلح للمتهم، وحق التقاضي.
ومن امثلة هذه القيود التي تضمنها الدستور المصري عام 1971م تحريم إبعاد أي مواطن عن البلاد او منعه من العودة، وشخصية العقوبة وحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل او قرار إداري من رقابة القضاء( ).
وقد تضمن دستور دولة الامارات العربية المتحدة أيضا على هذه القيود والتي يجب ان يراعيها المشرع ومن امثلتها حظر استبعاد أي إنسان، وتحريم ابعاد أي مواطن أو نفيه من من الاتحاد ( ).
ولذلك فإن التشريع يكون غير دستوري اذا خالف بشكل مباشر نصوصاً وردت بالدستور، وكذلك اذا خرج على نطاق التشريع كله الى نطاق اخر جعله الدستور لسلطة اخرى.
وتتضمن المخالفة الدستورية الموضوعية للقيود الورادة بالوثيقة الدستورية ثلاث حالات وهي
1- خروج القانون على قاعدتي العمومية والتجريد في التشريع:
إذا كانت القاعدة ان التشريع هو قاعدة عامة مجرده فانه يترتب على ذلك ان البرلمان اذا اصدر قراراً فردياً وقصد به ان يكون تشريعا عاماً بعدم الدستورية لعيب في المحل ( ويقصد بالعمومية تطبيق التشريع على جميع الحالات المتماثلة وعلى كل الافراد الذين يوجدون في وضع قانوني واحد، اما التجريد فيقصد به ان يصدر التشريع لكي يطبق على حالات متماثله بصفة مجرده وليس على حالة معينة بذاتها وبذلك ينتفي التجريد لفرد دون أخر اومجموعه دون أخرى).( ).
ولكن لا يمنع من ان يكون التشريع متصفاً بالعمومية والتجريد ان يقتصر تطبيقه على فرد واحد طالماً انه يقبل التطبيق على فرد اخر يخالفه في المركز القانوني الذي ينظمه هذا التشريع، وكما لا يمنع من اكتساب التشريع صفتي العمومية والتجريد من ان يكون تشريعاً مؤقتاً بمدة محدده كالتشريعات الصادرة في الظروف الاستثنائية.
ويظهر بوضوح انعدام لصفتي العمومية والتجريد في التشريعات التي تحرم طائفه معينة من حق او حرية محدده أو تمنح طائفه من الطوائف امتيازا خاصا دون تطبيقه على الطوائف الاخرى رغم تماثل وتساوي المراكز القانونية بينها.( ).
2- خروج المشرع على السلطة المقيدة:
عندما يباشر المشرع اختصاصه فانه يجب ان يراعي القيود التي فرضها الدستور، والتي تتراوح بين السعه والتضيق فقد يتولى الدستور صراحة تحديد نطاق موضوع معين تحديداً كاملاً بحيث يحرم المشرع عند مباشرة اختصاصه من أية سلطة تقديرية.
ولقد تضمن الدستور المصري الصادر عام 1971م نصوصاً عديده تنعدم فيها السلطة التقديرية للمشرع ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر المادة 36 (المصادرة العامة للاموال محظورة ولا تجوز المصادرة إلا بحكم قضائي).
والمادة 51 ( لا يجوز إبعاد أي مواطن عن البلاد أو منعه من العوده اليها ).
ففي جميع هذه الحالات تكفل الدستور المصري ببيان الاحكام المتعلقه بها والمنظمة لها فلا يستطيع المشرع يستطيع المشرع الخروج على القيود المفروضة فنص المادة 51 من الدستور المصري يمنع ابعاد المواطن المصري او منعه من العوده اليها فهذا النص لم يترك للمشرع أي مجال من أن يمنع المواطن المصري من العودة الى وطنه كان يعطي الادارة الحق في اسقاط الجنسية عن وبالتالي منعه ممن العوده الى وطنه.حيث انه اذا ماصدر مثل هذا القانون يصبح مشوباً بعدم الدستورية.
وهكذا الحال في بقية النصوص التي لم يترك الدستور المصري أي مجال للمشرع سلطة تقديرية على الاطلاق، حيث انه اذا ماصدر أي قانون غير مراعياً للقيود التي فرضها الدستور فان مصيره يكون الحكم عليه بعدم الدستورية من قبل المحكمة الدستورية العيا.( )
3- السلطة التقديرية للمشرع:
على الرغم من ان هناك قيود تفرضها الدساتير على السلطة التشريعية في تنظيمها لبعض الموضوعات، إلا انها أي السلطة التشريعية تملك السلطة التقديرية في كثير من الأمور.
ويقصد بالسلطة التقديرية التي تملكها المشرع (حرية المفاضلة بين بدائل وخيارات موضوعية بالنسبة للتنظيم التشريعي الذي يهدف اليه، دون ان يفرض الدستور عليه طريقاً بذاته يجب عليه اتباعه أو توجيهاً محددا يتعين عليه التزامه).
ومن هنا نجد ان البرلمان يملك سلطة تقديرية عند قيامه بإصدار تشريع، ولكن يجب عليه ان لايمس اصل الحق أو المبدأ الذي موضوع التنظيم التشريعي، وذلك حتى لايكون القانون مخالفاً للدستور.
ولذلك فان السلطة التقديرية من ادق المسائل التي يجب بحثها وذلك لمعرفه ما اذا كان المشرع باستعمالها قد هدف الى تحقيق المصلحة العامة ام لتحقيق أغراض اخرى بجانب الصالح العام.( )
الفرع الثاني: خروج التشريع على روح الدستور
- لايكفي ان يصدر التشريع مراعياً لما جاء في الدستور من قواعد وقيود، وانما يجب ايضاً ان يكون هذا التشريع متلائماً مع روح الدستور وما استهدفه هذه الاخير من مقاصد وغايات.( )
ولقد كان للفقه المصري فضل السبق في ابراز هذه الفكرة من خلال العالم الجليل الاستاذ الدكتور عبدالرزاق السنهوري في حبثه بعنوان ( مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية.( )
وقد حاول هذا الفقيه قياس فكرة الانحراف التشريعي على نظرية الانحراف الإداري ( وقياساً على تعريف الانحراف الاداري حاول وضع معيار الانحراف التشريعي حيث يقول الاستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري اذا قسنا الانحراف في استعمال السلطة الادارية لقلنا بان المشرع يجب ان يستعمل سلطته التشريعية لتحقيق المصلحة العامة، فلا يتوخى غيرها، ولا ينحرف عنها إلى غاية اخرى، وإلا كان التشريع بالطلاً، والمعيار هنا ذا شقين:
شقاً ذاتياً وشقاً موضوعياً: فالشق الذاتي يتعلق بالنوايا والغايات التي أضمرتها السلطة التشريعية وقصدت الى تحقيقها باصدارها تشريعاً معيناً والشق الموضوعي هو المصلحة العامة التي يجب ان يتوخاها المشرع دائماً في تشريعاته، وكذلك الغاية المخصصة التي رسمت لتشريع معين ).( )
وقد استبعد الدكتور عبد الرزاق السنهوري فكرة الغرض الذاتي والغايات الشخصية في تصرفات السلطة التشريعية وذلك لعدم استساغة ذلك بالنسبة لهذه السلطة، وقد اتجه لمعيار موضوعي بحت يتمثل في المصلحة العامة التي يجب ان يهدف اليها المشرع، وقد حدد خميسة فروض لتطبيقات المعيار الموضوعي وهي:
الفرض الأول: الرجوع إلى طبيعة التشريع ذاتها باعتبارها معياراً موضوعياً:
إن التشريع بطبيعته قاعدة عامة مجرده، فإذا جاء البرلمان وهو يمثل السلطة التشريعية وأصدر تشريعاً معيناً لا يطبق إلا على حالة فردية فإن مثل هذا التشريع يعتبر معيباً بعيب في استعمال التشريعية.
الفرض الثاني: مجاوزة التشريع للغرض المخصص له:
وهذا الفرض نادر، وذلك لأن الدستور قلما يحدد غرضاً بذاته للتشريع والدستور المصري الصادر عام 1923 يضرب مثال لذلك من خلال المادة 15 والتي تحظر على السلطة التشريعية اصدار تشريعاً يعطي الادارة حق انذار الصحف أو وقفها أو الغائها بالطريق الاداري، إلا اذا كانت الغاية من ذلك هو وقاية النظام الاجتماعي حيث ان وقاية النظام الاجتماعي هي الغاية المخصصه لأي تشريع يوضع لمصادرة الصحف بالطريق الاداري ولذلك فإنه اذا ما صدر تشريع يبيح مصادرة الصحف بالطريق الإداري لغير وقاية النظام الاجتماعي، فإن مثل هذا التشريع يكون مجاوزاً للغاية المرسومة له ( )
الفرض الثالث: كفالة الحريات والحقوق العامة في حدودها الموضوعية:
يمكن أن نقسم الحقوق والحريات العامة الى نوعين الاول لا يقبل التقيد بطبيعته ومن أمثلة ذلك حق المساواة، وحظر ابعاد المواطن عن بلاده، وحظر المصادرة العامة للامول، فهذه الحقوق لا تقبل التقيد، فإذا ما صدر تشريع يقيدها كان باطلاً وذلك لمخالفة ذلك التشريع للدستور.
اما الموضوع الثاني فإن المشرع يتدخل في تنظيمها وذلك بقصد يتمكن الافراد من التمتع بها دون اعتداء على الغير، ومن أمثلة هذه الحقوق والحريات حرية الرأي وحق التملك ( ) ولذلك فانه اذا ما صدر تشريعاً يفرض قيوداً كبيره على حرية القيام بالشعائر الدينية على سبيل المثلا كان هذا التشريع باطلاً.
الفرض الرابع: احترام الحقوق المكتسبة وعدم المساس بها في غير ضرورة أو من غير تعويض:
تحرص الدساتير عادة على تقرير مبدأ عدم رجعية القوانين وذلك احتراما للحقوق المكتسبة، ومثال ذلك عدم رجعية قانون العقوبات، وعد رجعية سائر القوانين الا بنص صريح في التشريع، فالدستور يحرص على احترام الحقوق المكتسبة بحيث لايجوز المساس بها في غير ضرورة.( )
الفرض الخامس: مخالفة التشريع لمبادئ الدستور العليا والروح التي تهيمن على نصوصه:
يقوم هذا الفرض على أنه توجد مبادئ تسود الدستور وتهيمن على أحكامه، وهذه المبادئ هي روح الدستور ويتم استخلاصها موضوعيا من نصوصه المدونة، ولذلك كان واجب على المشرع أن يلتزم بها عندما يصدر تشريعا تجنباً من الوقوع في الانحراف في استعمال سلطته الممنوحة له.
ومن أمثله على ذلك مبدأ استقلال القضاء بحيث إذا صدر تشريع.
(وقد استهدف الأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري من نظريته في الانحراف التشريعي توسيع نطاق الرقابة على دستورية القوانين، بحيث لا تقف عند حد المخالفة الصريحة والواضحة لنصوص الدستور، بل تتعدى ذلك الى البحث في بواعث التشريع وملاءمته).( )
وقد استقر الفقه والقضاء المصري على أن الرقابة القضائية على دستورية القوانين هي في جميع الأحوال رقابة مشروعية وليست رقابة ملاءمة، حيث تقتصر على التحقق من مطابق النص التشريعي المطعون عليه مع النصوص الدستورية، ولم يتمسك الفقه والقضاء المصري بالبواعث التي دفعت المشرع على إقرار نص تشريعي باعتبارها من الملائمات التي يجب تركها للمشروع.( )
المبحث الثاني
وسائل الرقابة على دستورية القوانين
إن مبدأ علو الدستور يتطلب أن تحترم السلطات العامة التي أنشأها الدستور لاختصاصاتها الدستورية، وذلك لما لهذا الدستور من سمو وعلو مطلق.
ولكن قد يصبح هذا المبدأ بغير ذي قيمة إذا لم يتحقق نوع من الرقابة على القوانين الصادرة والتأكد من عد م مخالفتها لنصوص الدستور.
ويثور تساؤل هنا وهو إذا كان البرلمان يمثل الشعب هو الذي يقوم بإصدار تلك القوانين، فكيف يمكن مراقبته في القوانين الصادرة عنه ؟
رغم ذلك الا أنه انتهى الفقه الدستوري، وكذلك الواقع العملي في أغلب الدساتير، الى ضرورة ايجاد الرقابة على دستورية القوانين، وذلك لضمان علو الدستور واحترامه( )
ولكن الفقهاء ما إن اتفقوا على وجوب إيجاد الرقابة على القوانين لضمان دستوريتها، الا أن الفقهاء ما لبثوا أن اختلفوا في الهيئة التي يجب أن تمارس هذه الرقابة فبينما نجد أن البعض ذهب إلى إعطاء الهيئة السياسية تلك المهمة نجد أن البعض الآخر أعطى تلك المهمة لهيئة قضائية.
والرقابة على دستورية القوانين تعتبر أنجح الوسائل التي ابتكرها العلم الدستوري لحماية سيادة القوانين.
وقد اختلف القائلون بوجوب رقابة دستورية القوانين في الهيئة التي يمكن أن تتولى الرقابة فبعضهم قالوا بأن يعهد بالرقابة لهيئة سياسية والبعض الآخر قالوا بأن تعهد الى هيئة قضائية.
وقبل أن نقوم بشرح كل اتجاه نود أن نلفت النظر الى ملاحظات هامة وهي: -
- أن مشكلة الرقابة لا تثور أصلا الا في الدول ذات الدساتير الجامدة فالدول ذات الدساتير المرنة لا تعرف رقابة دستورية الوانين، لان القوانين الدستورية توضع وتعدل لذات الإجراءات التي تتبع في القوانين العادية.( )
وسوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين نخصص الأول منه للرقابة السياسية والثاني للرقابة القضائية
المطلب الأول
الرقابة السياسية على دستورية القوانين
الفرع الأول: معنى الرقابة السياسية:
الرقابة السياسية هي رقابة وقائية تسبق صدور القانون ومن ثم تحول دون صدوره إذا خالف نصا في الدستور وتقوم بها لجنة سياسية يتم اختيار أعضائها بواسطة السلطة التشريعية أو بالاشتراك مع السلطة التنفيذية، فالرقابة تمارس على مشروعات القوانين.( )
وتختلف الدساتير في تشكيل هذه الهيئة وذلك حسب ما يأتي به الدستور من تنظيم لذلك، فقد يتم تشكيل هذه الهيئة بالتعين من جانب البرلمان أو من جانب السلطة التنفيذية، واما بطريق الانتخاب.ويعتبر النموذج البارز للرقابة السياسية هو النموذج الفرنسي، حيث ان فرنسا أخذت بالرقابة السياسية في دساتيرها وخاصة دستوري سنتي 1946،1958م
ولكن هناك دولا أخرى قد تبنت فكرة الرقابة السياسية ومنها الدول التي أخذت بالنزعة الاشتراكية من بعد الحرب العالمية الثانية ومن قبل تفكك الاتحاد السوفيتي وعدول عدد من الدول في شرق أوروبا عن نزعتها الاشتراكية في التسعينات من القرن العشرين.( )
ومن الدول الغربية التي سارت على نهج النظام الفرنسي دول المغرب العربي ،فالدستور المغربي 1996 أسند مهمة الرقابة على دستورية القوانين لمجلس دستوري، والدستور الجزائري 1996م نص أيضا على ايجاد مجلس دستوري، والدستور التونسي 1995م نص على انشاء مجلس دستوري يتولى النظر في مشاريع القوانين التي يعرضها على رئيس الجمهورية من حيث مطابقتها للدستور ( )
الفرع الثاني: مميزات الرقابة السياسية:
تتميز الرقابة على دستورية القوانين بواسطة هيئة سياسية بأمرين: -
1- إنها رقابة سابقة على صدور القانون لا تهدف إلى التحقق من مدى دستوريته، وليست رقابة لاحقة على صدور القانون كما هو الحال عليه في الرقابة القضائية، وبالتالي فان هذه الرقابة تهدف الى الحيلولة دون صدور القانون المخالف للدستور
2- وتتميز الرقابة السياسية بأن من يتولاها ليس هيئة قضائية تتكون من قضاة كما هو الحال في الرقابة القضائية، بل يتولى مهمة هذه الرقابة هيئة سياسية، يكون اختيار أعضائها بواسطة السلطة التشريعية وحدها أو بالاشتراك مع السلطة التنفيذية.( )
3- وتتميز الرقابة السياسية بأنه تستمد أساسها من مبدأ الفصل بين السلطات، باعتبار أن هذا المبدأ يقوم على أنه لا يجوز للسلطة القضائية التدخل في أعمال السلطة التشريعية، وبهذه الرقابة يتمكن البرلمان من تفادي سيطرة القضاء وتدخله وبالتالي فان هذه الرقابة تتفادى الصدام بين السلطات
الفرع الثالث: عيوب الرقابة السياسية:
رغم ما تمتاز به الرقابة السياسية إلا أنها تعرضت لسهام النقد من قبل فقهاء القانون وأهم تلك الانتقادات: -
1- إن الهيئة السياسية التي تقوم بمهمة الرقابة على دستورية القوانين ليست بمنأى من الخضوع للنزوات السياسية وهذا يفسد الغاية من تقرير الرقابة ( )
حيث إن تشكيل هذه الهيئة قد يتم بالتعين من جانب البرلمان، أو بالانتخاب من قبل الشعب وبلا شك الأخذ بهذه الطريقة في تشكيل هذه الهيئة يشكل خطورة على استقلال هذه الهيئة وبالتالي حيادها ونزاهتها.
فالهيئة التي يتم تشكيلها بالتعيين من قبل البرلمان تكون عرضة لأن تكون تابعة لها، وبالتالي تفقد السبب من وجودها وهو الرقابة على نشاطه وأما اذا كان التعيين بواسطة السلطة التنفيذية تصبح ملتزمة لتلك السلطة في تعليماتها وبالتالي فان رقابتها لأعمال السلطة التشريعية مثار لتصادم مستمر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وأما اذا كان تشكيل الهيئة بطريق الانتخاب من قبل الشعب فان ذلك يؤدي الى سيطرة الاتجاهات السياسية ذاتها التي تسيطر على البرلمان وبالتالي تنعدم القيمة من انشائها.( )
2- افتقار القائمين على أمر هذه الهيئة للقدرة الفنية على بحث ودراسة المشاكل القانونية حيث ان هذه الرقابة تتميز بطبعة قانونية خاصة تفترض في القائمين بها ضرورة توافر الكفاءة القانونية لامكان تحديد مدى تطابق القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية مع أحكام الدستور.
3- كيفية تشكيل هذه الهيئة، حيث أنه حتى يمكن أن تتحقق الفاعلية لما تقوم به، لابد أن تتوافر لدى أعضائها الحيدة والاستقلال عن باقي السلطات، ولكن بما أن هذه الهيئة يتم تشكيلها بواسطته فانه وبلاشك سوف تكون متأخرة باتجاهات الأغلبية في البرلمان وكذلك اذا كان تشكيلها من خلال السلطة التنفيذية فانها سوف تكون تابعة لها تأتمر بأوامرها، وأما اذا كان تشكيل هذه الهيئة عن طريق الانتخاب الشعبي فان هذه الهيئة وباعتبارها ممثلة للشعب لتنازع غيرها من الهيئات العامة وسوف تحاول اخضاعها لارادتها مما يؤدي الى خلق تصادم بينها وبين غيرها من السلطات في الدولة.
المطلب الثاني
الرقابة القضائية
نظراً للانتقادات التي ساقها الفقهاء للرقابة السياسية، والتي اثبتها الواقع العملي، اتجه الفقه الدستوري الى الرقابة القضائية كملاذ لضمان دستورية القوانين، من خلال ما تتصف به هذه الرقابة الحيدة والاستقلالية، وعدم تأثر اعضائها بالاهواء السياسية، والتكوين القانوني الذي يؤهلهم لممارسة دورهم على اكمل وجه.
والرقابة القضائية يقصد بها ( أن يتولى القضاء فحص دستورية القوانين الصادرة عن البرلمان، للتحقق من مطابقتها أو مخالفتها لقواعد الدستور ).( )
ولذلك فان الفرق بين الرقابة السياسية والرقابة القضائية في أن الأول سابقة على صدور القانون أما الثانية فإنها تفترض صدور ذلك القانون الغير دستوري لكي تتمكن من ممارسة دورها في الرقابة وبالتالي فإن الرقابة القضائية تعطي القاضي الحق في التحقق من تطابق القانون مع أحكام الدستور، لكي يقف على مدى التزام البرلمان للاختصاصات وكما أن فرنسا هي المثال البارز للرقابة السياسية فانه في المقابل تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هي مهد نشأة النظام القضائي في الرقابة على دستورية القوانين.
وكما انه لينظر لفرنسا بأنها المثال البارز للرقابة السياسية في المقابل فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى تعتبر مهد لنشأت النظام القضائي للرقابة على دستورية القوانين.( )
وسوف أتناول في هذا المطلب الثاني صور الرقابة القضائية تم سلطات المحكمة على دستورية القوانين وأخيراً تقييم الرقابة على دستورية القوانين.
صور الرقابة على دستورية القوانين:
يعرض الفقه الدستوري طريقتين لممارسة الرقابة القضائية على دستورية القوانين وهما:
1- الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية:
حيث انه في هذه الطريقة تكون الرقابة مركزية فيعهد الرقابة لجهة قضائية واحده يكون الحق للمواطن رفع دعوى أصلية مباشرة أمام المحكمة الدستورية العليا او المحكمة العليا، ففي هذه الصورة يقوم صاحب الشأن بمهاجمه القانون الذي يدعي عدم دستوريته طالباً إلغاءه لمخالفته نصوص الدستور وهكذا فإن هذه الطريقة تتمير بانها طريقة هجومية وليست دفاعية.بمعنى ان صاحب الشأن لا ينتظر لحين تطبيق ذلك القانون الذي يراه بانه غير دستوري بل يبادر بالطعن فيه، كما يتميز الحكم الصادر من المحكمة انه يكون حاسم لمسالة دستورية القانون بصفه نهائية فلا يجوز إثارة عدم دستوريته مرة أخرى
والدول التي تأخذ بهذه الطريقة تخصص محكمة دستورية تتولى الفصل في دستورية القوانين، حيث ان هذه المحكمة قد تكون محكمة دستورية عليا وقد تكون المحكمة العليا وذلك طبقاً لما ينص عليه دستور كل دولة.
ومن الدول التي تأخذ دساتيرها بطريقة الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية دستور سويسرا ودستور اسبانيا 1931م ودستور ايطاليا وتأخذ كل هذه الدساتير بنظام المحكمة الدستورية العليا المختصة في رقابة دستورية القوانين ( )
وتتميز هذه الطريقة التي تكون الرقابة فيها مركزية بانها تتجنب ماقد يثيره لامركزية الرقابة من إشاعة القلق وعدم الاستقرار في المعاملات والمراكز القانونية، وذلك من خلال تضارب احكام المحاكم في دستورية أو عدم دستورية قانون بعينة، فضلاً عن ذلك فإن اخذ الدولة بمركزية الرقابة على دستورية القوانين من خلال محكمة خاصة ينشائها الدستور محكمة خاصة ينشأها الدستور خارج نطاق السلم القضائي من شأنه أن يؤدي الى رفع شبهة الخروج على مبدأ الفصل بين السلطات التي يثيرها عادة تعرض المحاكم العادية لأعمال السلطة التشريعية، خصوصاً في ظل ا لنظم الدستورية التي تقوم على ذلك المبدأ.( )
2- الرقابة عن طريق الدفع الفرعي:
في هذه الطريقة القضائية لاترفع دعوى اصلية مباشرة لالغاء القانون لعدم دستورية، وانما يثور دستورية القانون بطريقة فرعية أثناء نظر قضية أصلية معروضة أمام إحدى المحاكم.
حيث ان في هذه الطريقة يفترض وجود دعوى أمام محكمة جنائية أو مدنية أو إدارية وهناك قانون معين مطلوب تطبيقه في هذا النزاع حينئذ يقوم الخصم بالمطلوب تطبيق القانون عليه بالدفع بعدم دستورية ذلك القانون.
فإذا ما تأكد قاضي الموضوع من جدية ذلك الدفع وأنه يخالف الدستور، فلا يقوم بإلغاء ذلك القانون، وإنما فقط يمتنع عن تطبيقه في القضية المطروحة.
ولذلك فان القانون يبقى قائماً وموجود بل وأكثر من ذلك يمكن لمحكمة أخرى أن تطبق ذات القانون في قضية أخرى إذا لم يدفع بعدم دستوريته ( من الناحية النظرية ولكن من الناحية الواقعية فان المحكمة التي قضت بعدم دستوريته تمتنع عن تطبيقه في النزاع وكذلك في المنازعات الأخرى، وقد تمتنع أيضا المحاكم الأخرى عن تطبيقه إذا كان الحكم صادر من محكمة عليا ).
ولذلك فان طريقة الدفع الفرعي هي طريقة دفاعية تستهدف فقط استبعاد تطبيق القانون في قضية ما ولا تستهدف إلغاءه.
والرقابة عن طريق الدفع الفرعي بما تتضمنه من امتناع القاضي عن تطبيق القانون المخالف للدستور يمكن ان يأخذ بها كل قاضي او أية محكمة حيث انه بعكس الحال عما هو الطريقة الأولى كما لاحظنا بان الامر مقصور على محكمة دستورية أو المحكمة العليا، ولذلك فان الدفع الفرعي لا يحتاج لقيام المحكمة لذلك الدور في الرقابة الى وجود نص دستوري، لان من جوهر وطبيعة القاضي ان يرجح كفة الدستور باعتباره التشريع الأعلى عند تعارضه مع قانون أدنى، لان النص الأعلى يقدم على النص الأدنى عند تعارضهما، ولذلك أخذت المحاكم الامريكية في الولايات المتحدة بهذه الطريقة رغم عدم نص الدستور الأمريكي عليها والولايات المتحدة الأمريكية هي مهد ومنشأ طريق الدفع الفرعي في الرقابة ودستورية القوانين، وأهم ما تتميز به هذه الرقابة أنها لا تعرض مع مبدأ الفصل بين السلطات.
3- الرقابة عن طريق الدفع المقترن بدعوى عدم الدستورية ( الجمع بينهما ):
هناك دساتير تبنت الجمع بين الطريقتين الالغاء والامتناع، حيث انه يمكن اثناء نظر دعوى قضائية يراد فيها تطبيق قانون معين ان يدفع احد افراد الدعوى بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه في هذه الدعوى امام ذات المحكمة التي تنظر فيها، فلا تتعرض المحكمة للفصل في هذا الدفع بل توقف نظر الدعوى، ويحال الطعن بعدم الدستورية القانون الى محكمة أخرى تختص بالفصل في دستورية القوانين، ويكون للحكم الصادر حجية مطلقة عامة.
ومن الدول التي أخذت بهذا الأسلوب مصر، حيث تنفرد المحكمة الدستورية العليا بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح ويمكن الطعن بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا بأحد الأساليب التالية:
1. دفع احد الخصوم بعدم دستورية قانون معين: فاذا رأت المحكمة ان الدفع جدي تؤجل نظر الدعوى وتحدد لمن اثار الدفع مدة معينة لرفع الدعوى امام المحكمة الدستورية العليا.
2. الاحالة من المحكمة المنظور امامها النزاع: ويكون ذلك في حالة ما اذا استشعرت المحكمة أثناء نظر احدى الدعاوى عدم دستورية نص قانوني لازم للفصل في الدعوى تتوقف نظر الدعوى وتحيل الأوراق بعدم رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها.
3. تتصدى المحكمة الدستورية العليا مباشرة ك فقد ترى المحكمة استثناء ممارسة اختصاصها ان القانون المتصل بالنزاع غير دستوري وتتصد له وتفحصه( )
138-منع أعضاء الوطني المنحل من الترشح للانتخابات
باسم الشعب
مجلس الدولة
محكمة القضاء الإداري بالمنصورة
الدائرة الأولى
بالجلسة المنعقدة علنا في يوم الخميس الموافق 10/11/2011
برئاسـة السيد المستشار / حاتم محمد داود فرج الـلـه نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين /عماد عبد المنعم عطية و أحمد عبد السلام أحمد حافظ نـائبي رئيس مجلس الدولة
وحضـور السيد الأستاذ المـستشار (م.أ /أحمد حسن محمد - مفوض الدولة )
وسكرتـارية السيد /…… أمين السـر
أصدرت الحكم الآتي في الدعوى رقم 1593 لسنة 34 ق
المقامة من
ضد
(1) رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته
(2) رئيس مجلس الوزراء بصفته
(3) وزير العدل بصفته
(4) رئيس اللجنة العليا للانتخابات بصفته
(5) رئيس اللجنة العامة لانتخابات مجلس الشعب بمحافظة الدقهلية
الإجراءات
أقام المدعى دعواه الماثلة بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 31/10/2011 وطلب في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبصفة مستعجلة بوقف إدراج المرشحين الواردة أسماؤهم بصدر الصحيفة أو من كانوا ينتمي للنظام البائد ـ الحزب الوطني الديمقراطي سابقا- بجداول الانتخابات البرلمانية لمجلسي الشعب والشورى 2011/2012 مع ما يترتب على ذلك من آثار وتنفيذ الحكم بمسودته بدون إعلان مع إلزام المدعى عليهم المصروفات، وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليهم المصروفات.
وذكر المدعى شرحا لدعواه أن اللجنة العليا للانتخابات مجلس الشعب أعلنت عن فتح باب الترشح لعضوية مجلس الشعب لسنة 2011/2012 وذلك بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير العظيمة التي أشاد بها الأعداء قبل الأصدقاء ووصفها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأنها لا تقل عن نصر حرب أكتوبر المجيدة. وعلى الرغم من صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بحل الحزب الوطني وأيلولة ممتلكاته للدولة، فقد قبلت اللجنة العامة للانتخابات بمحافظة الدقهلية أوراق ترشيح عدد ليس بالقليل من أعضاء الحزب الوطني المنحل لانتخابات مجلسي الشعب والشورى منهم على سبيل المثال ….. (فئات) ، …….. (فئات) ، ……. (عمال) ، …… (عمال) . ونعى المدعي على قرار اللجنة العامة للانتخابات بالدقهلية بقبول أوراق ترشح المذكورة أسمائهم مخالفته لحكم المحكمة الإدارية العليا بحل الحزب الوطني، ولحكم محكمة الأمور المستعجلة بإزالة اسم رئيس الحزب المنحل عن جميع المنشآت والميادين والأماكن العامة في الدولة.
وتحدد لنظر الدعوى أمام هذه المحكمة جلسة 10/11/2011 وتداولت المحكمة نظر الدعوى على النحو الثابت بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى حتى الساعة الثانية ظهرا للرد على الدعوى وتقديم المستندات والمذكرات، حيث أودع الحاضر عن جهة الإدارة حافظة مستندات طويت على ملفات ترشيح المذكورة أسمائهم بصحيفة الدعوى، وارتأت المحكمة اختصام المدعى عليهم من الأول إلى الثالث وكان ذلك في مواجهة الحاضر عن الدولة، وقررت المحكمة حجز الدعوى لإصدار الحكم بذات الجلسة وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على منطوقه وأسبابه.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانونا.
ومن حيث أن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أنه وأن كان للخصوم تحديد طلباتهم بالعبارات التي يصوغونها وفقا لما يرونه محققا لمصلحة كل منهم، ويختارون لهذه الطلبات السند القانوني الذي يرونه أرجح في قبول القضاء لهم موضوعيا بهذه الطلبات، فإن تحديد هذه الطلبات وتكييف حقيقة طبيعتها القانونية أمر مرجعه إلى المحكمة، إذ عليها أن تتعمق فيما يحدده الخصوم في المنازعة الإدارية من طلبات وأسانيد قانونية لتصل المحكمة إلى التكييف الصحيح لحقيقة هذه الطلبات وتنزل عليها أحكام القانون غير متقيدة بما أورده الخصوم من عبارات أو ألفاظ لا تتحقق من خلال معناها الظاهر حقيقة نواياه وغاياته في المنازعة ومقاصده منها. ذلك أنه من المسلمات أن العبرة بالمقاصد والمعاني وليس بالألفاظ والمباني. (المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 916 لسنة 26 ق جلسة 9/1/1983 ، والطعن رقم 2343 لسنة 32 ق- جلسة 25/5/1991 والطعن رقم الطعن رقم 4011 لسنة 50 ق ع جلسة 5/12/2006) .
ومن حيث أن المدعى قد أقام دعواه الماثلة تأسيسا على ما قضت به المحكمة الإدارية العليا بجلسة 16/4/2011 في الطعون أرقام (20030)(20459)(20279) لسنة 57 القضائية عليا بانقضاء الحزب الوطني الديمقراطي وتصفية أمواله وأيلولتها إلى الدولة على النحو المبين بأسباب الحكم.
ومن حيث أنه بالبناء على ما تقدم فإن حقيقة طلبات المدعى إنما تتمثل في الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار السلبي لجهة الإدارة المدعى عليها بالامتناع عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الساقط من الترشح لانتخابات مجلسي الشعب والشورى لعام 2011 /2012 ، تنفيذا للحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 16/4/2011 في الطعون أرقام (20030) (20459) (20279) لسنة 57 القضائية عليا، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها وقف تنفيذ ثم إلغاء قرار اللجنة العامة لانتخابات مجلس الشعب بمحافظة الدقهلية بقبول أوراق ترشيح أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الساقط لانتخابات مجلسي والشورى الشعب لعام 2011/2012.
ومن حيث إن الفقرة الأولى من المادة 118 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أن ( للمحكمة ولو من تلقاء نفسها أن تأمر بإدخال من ترى إدخاله لمصلحة العدالة أو لإظهار الحقيقة.(
ومن حيث إنه مفاد ما تقدم أن المشرع أجاز للمحكمة من تلقاء نفسها ودون طلب من الخصوم أن تُدخل في الدعوى من ترى ملائمة إدخاله فيها تحقيقاً للعدالة وإظهاراً لوجه الحق في الدعوى.
ومن حيث إنه تطبيقاً لما تقدم فقد قدرت المحكمة إدخال كل من:ـ رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، رئيس مجلس الوزراء، وزير العدل ـ خصوماً في الدعوى.
ومن حيث أن الطعن على القرارات السلبية بالإلغاء لا يتقيد بمواعيد دعوى الإلغاء متى استمرت حالة امتناع جهة الإدارة عن اتخاذ الإجراءات الواجب اتخاذها قانونا قائمة، وإذ استوفت الدعوى سائر أوضاعها الشكلية الأخرى فإنها تكون مقبولة شكلا.
وحيث أنه عن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإن الفقرة الأولى من المادة (49) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أنه (لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها)
ومن حيث أن قضاء المحكمة الإدارية العليا جرى على أن ولاية محاكم مجلس الدولة في وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من ولايتها في الإلغاء وفرع منها، ومردها إلى الرقابة القانونية التي يسلطها القضاء الإداري على القرار، على أساس وزنه بميزان القانون، وزنا مناطه مبدأ المشروعية، إذ يتعين على القضاء ألا يوقف قرارا إداريا، إلا إذا تبين له بحسب الظاهر من الأوراق وبدون مساس بأصل الحق أن طلب وقف التنفيذ قد توافر له ركنان: أولهما- ركن الجدية، ويتمثل في قيام الطعن في القرار، بحسب الظاهر من الأوراق، على أسباب جدية من حيث الواقع والقانون، تحمل على ترجيح الحكم بإلغائه عند نظر الموضوع. وثانيهما- ركن الاستعجال بأن يكون من شأن استمرار القرار وتنفيذه نتائج يتعذر تداركها فيما لو لم يقض بإلغائه. (المحكمة الإدارية العليا- الطعن رقم 4562 لسنة 57 القضائية عليا-جلسة 27/11/2010)
ومن حيث أنه عن مدى توافر ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فقد قضت المحكمة الإدارية العليا بجلستها المعقودة بتاريخ 16/4/2011 في الطعون أرقام (20030) (20459) (20279) لسنة 57 القضائية عليا “بانقضاء الحزب الوطني الديمقراطي وتصفية أمواله وأيلولتها إلى الدولة على النحو المبين بالأسباب………..”
وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة الإدارية العليا سالف البيان “أن إسقاط النظام يستتبع بحكم اللزوم والجزم سقوط أدواته التي كان يمارس من خلالها سلطاته بحيث لا ينفك عنها، وأهم هذه الأدوات ذلك الحزب الحاكم الذي ثبت بيقين إفساده للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية”. وإنه “إذا كانت ثورة 25 يناير سنة 2011 المجيدة قد أزاحت النظام السياسي وأسقطته وأجبرت رئيس الجمهورية السابق الذي هو رئيس الحزب الوطني الديمقراطي على التنحي في الحادي عشر من فبراير سنة 2011، فإن لازم ذلك قانونا وواقعا أن يكون الحزب قد أزيل من الواقع السياسي المصري رضوخا لإرادة الشعب، ومن ثم، فلا يستقيم عقلا أن يسقط النظام دون أداته وهو الحزب، ولا يكون على هذه المحكمة إلا الكشف عن هذا السقوط، حيث لم يعد له وجود بعد الحادي عشر من فبراير سنة 2011″.
ومن حيث أن المادة (24) من الإعلان الدستوري تنص على أن (تصدر الأحكام وتنفذ بأمر الشعب، ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون، وللمحكوم له في هذه الحالة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة)
وتنص المادة (280) من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أنه (لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي اقتضاء لحق محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء. والسندات التنفيذية هى الأحكام ………………………
ولا يجوز التنفيذ في غير الأحوال المستثناة بنص القانون إلا بموجب صورة تنفيذية من السند التنفيذي عليها صيغة التنفيذ التالية:
“على الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها وعلى السلطات المختصة أن تعين على إجرائه ولو باستعمال القوة متى طلب إليها ذلك”)
ومن حيث أنه يتبين من هذه النصوص أنه يتعين إعمالا للشرعية وسيادة القانون اللذين تخضع لهما جميع السلطات وتنزل على مقتضاها جميع الإدارات في الدولة، أن تنفذ الجهات الإدارية الأحكام القضائية الواجبة التنفيذ طبقا لأحكام القانون، وعلى كل من الموظفين العموميين المختصين بذلك إصدار القرارات الإدارية اللازمة لتحقيق هذا الغرض على سبيل الحكم والإلزام، فإن هي امتنعت دون حق عن تنفيذها في وقت مناسب أو تعمدت تعطيل هذا التنفيذ اعتبر ذلك بمثابة قرار إداري سلبي مخالف للقانون بالمعنى الذي قصده المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القانون رقم 47 لسنة 1972 بتنظيم مجلس الدولة. (المحكمة الإدارية العليا- الطعن رقم 1767 لسنة 34 القضائية- جلسة 22/11/1992(
ومن حيث أن هناك من الأحكام ما يتطلب لتنفيذه تدخلا من جانب جهة الإدارة بإصدار قرار معين لتنفيذ مقتضى الحكم، ومن ثم فإن امتناع جهة الإدارة عن إصدار هذا القرار يعد قرارا إداريا سلبيا يستعدى عليه قضاء الإلغاء أو التعويض بحسب الأحوال.(المحكمة الإدارية العليا- الطعن رقم 1835 لسنة 29 القضائية- جلسة 8/2/1986(
ومن حيث أنه من المظاهر الأساسية للمدنيات الحديثة خضوع الدولة في تصرفاتها لحكم القانون، حتى أن الدول تتباهى فيما بينها بمدى تعلقها بأهداب القانون ورضوخها لمبادئه وأحكامه، ولذلك فإن التزام الإدارة بالتنفيذ الكامل غير المنقوص للأحكام القضائية يعتبر عنواناً للدولة المتمدينة وللدولة القانونية، ويعد امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم القضائي الواجب النفاذ طبقاً لقانون مجلس الدولة أو تنفيذه تنفيذاً مبتسراً مخالفة قانونية صارخة، إذ لا يليق بحكومة في بلد متحضر أن تمتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية أو أن تنحرف عن التنفيذ الصحيح لموجباتها بغير وجه حق قانوني لما يرتبه هذا الانحراف من إشاعة للفوضى وفقدان للثقة في سيادة القانون، إذ لا قيام للدولة القانونية إلا بإعلاء مبدأ خضوع الدولة للقانون وإعلاء مبدأ المشروعية، ولا قيمة لهذا المبدأ الأخير ما لم يقترن بمبدأ تقديس واحترام أحكام القضاء ووجوب تنفيذها، فلا حماية قضائية إلا بتمام تنفيذ الأحكام الصادرة من السلطة القضائية، ولا قيمة للقانون بغير تطبيق وتنفيذ وإعمال مقتضاه على الوجه الصحيح.
وحيث أنه متى كان ما تقدم وكان الحزب الوطني الديمقراطي الذي قضى حكم المحكمة الإدارية العليا بسقوطه لما ثبت للمحكمة “بيقين إفساده للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية” للبلاد، لا يتصور عقلا ومنطقا، وهو لا يعدو أن يكون مجرد شخصية معنوية لا تملك من أمر نفسها شيئا، أن يفسد بنفسه الحكم والحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلاد لمدة تزيد على الثلاثين عاما. وحقيقة الأمر أن من أفسد الحكم والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد هم الأشخاص الطبيعيين القائمين على شئون هذا الحزب من قيادات وكوادر وأعضاء الحزب الذين أحدثوا هذا الفساد بأفكارهم وأفعالهم والسياسات المريبة التي ابتدعوها، فعاثوا في مصر فسادا، وجعلوا منها فريسة لأطماعهم، فسلبوا مواردها، ونهبوا ثرواتها، وباعوا أراضيها ومصانعها وتراثها لكل مغامر، واستغلوا نفوذهم للحصول على منافع شتى لأنفسهم ولذويهم، وأضروا إضرارا جسيما بالمصالح العليا للبلاد، وسنوا من القوانين ما يقنن الفساد ويقيد الحقوق والحريات، ثم ظنوا أنها دانت لهم وأصبحت مطية لطموحاتهم المريضة فوضعوا الخطط ويسروا السبل كي تورث لهم كتركة لا صاحب لها، ونسوا أن بها شعبا عظيما أبيا لا يقبل الظلم وإن طال أمده، ويرفض القهر والاستبداد وسلب الحريات، فثار عليهم وأسقطهم في ثورة مجيدة جددت آمال هذا الشعب في الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. وبذلك فإن من أسقطه الشعب في ثورته المجيدة لم يكن الحزب الوطني الديمقراطي فقط بل قيادات وكوادر وأعضاء هذا الحزب أيضا، ومن ثم فإن تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا لا يجب أن يقتصر على مجرد استرداد مقار الحزب وأمواله المملوكة بحسب الأصل للدولة، وإنما يجب أن يمتد بالضرورة وبحكم اللزوم إلى قيادات وكوادر وأعضاء هذا الحزب باتخاذ الإجراءات وإصدار القرارات الكفيلة بمنعهم من مزاولة العمل السياسي بكافة صوره وأشكاله بما في ذلك الترشح لانتخابات المجالس النيابية باعتباره أبرز صور العمل السياسي، الأمر الذي من شأنه أن يحول دون استمرارهم في إفساد الحكم والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد والتأثير سلبا على ثورة الشعب المجيدة. خاصة وأن المهمة الأساسية لمجلسي الشعب والشورى المقرر انتخابهما عام 2011/2012 إنما تتمثل، وفقا لنص المادة (60) من الإعلان الدستوري، في انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد. وبهذه المثابة يتعين على جهة الإدارة المبادرة إلى اتخاذ هذه الإجراءات ليصبح تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا كاملا غير منقوص، ويعتبر امتناعها عن اتخاذ هذه الإجراءات قرارا إداريا سلبيا مرجح الإلغاء يتوافر به ركن الجدية اللازم لوقف تنفيذ هذا القرار.
ومن حيث أنه لا ينال مما تقدم أن يكون الحق في الترشح لعضوية المجالس النيابية هو من الحقوق الدستورية التي لا يجوز الحرمان منها إلا بمقتضى أو موجب قانوني، ذلك أن احترام الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به وتنفيذها تنفيذا كاملا غير منقوص باعتبارها عنوان الحقيقة فيما فصلت فيه، هو من القواعد الدستورية الأساسية التي درجت الدساتير المصرية المختلفة على النص عليها وأكدت عليها المادة (24) من الإعلان الدستوري، ومن ثم يجب احترامها والالتزام بها بحسبانها تعبيرا عن سيادة القانون وخضوع جميع الأفراد والسلطات في الدولة لأحكامه. وبذلك فإن حرمان أعضاء الحزب الوطني الساقط من الترشح لانتخابات مجلسي الشعب والشورى يكون قائما على سند ومسوغ قانوني مشروع يتمثل في التنفيذ الكامل لحكم المحكمة الإدارية العليا سالف البيان.
وحيث انه بالإضافة إلى ما تقدم فإن من أهدروا الحقوق والحريات، وقوضوا دعائم الديمقراطية في البلاد، وقاموا بتزوير إرادة الشعب في جميع انتخابات المجالس النيابية طوال ثلاثين عاما، ومنعوا من عداهم من أفراد الشعب من الترشح لعضوية هذه المجالس، واحتكروا لأنفسهم زورا وبهتانا صفة تمثيل الشعب فيها، ليس لهم أن يطالبوا بحقوق طالما حرموا الشعب منها، بل عليهم أن يذوقوا ذات الحرمان لفترة مؤقتة ولحين تطهر المجتمع من أفعالهم، فلا يأمل في العدالة من أتى يطلبها ويداه ملوثتان.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم، ومتى تبين عدم مشروعية امتناع جهة الإدارة عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع أعضاء الحزب الوطني الساقط من الترشح لانتخابات مجلسي الشعب والشورى، وكانت اللجنة العامة للانتخابات بمحافظة الدقهلية قد قبلت أوراق ترشيح بعض أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الساقط لخوض انتخابات مجلسي الشعب والشورى لعام 2011/2012 ، على النحو الذي أشار إليه المدعى بصحيفة دعواه ولم تنكره جهة الإدارة أو تعترض عليه، دون مراعاة لمقتضى حكم المحكمة الإدارية العليا سالف البيان، وذلك بالنظر إلى امتناع جهة الإدارة المدعى عليها وتقاعسها عن تنفيذ مقتضى هذا الحكم تنفيذا كاملا غير منقوص، ومبادرتها إلى اتخاذ الإجراءات وإصدار القرارات الكفيلة بمنع أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الساقط عن الترشح للانتخابات، فقد أصبح من المتعين وقف تنفيذ القرارات الصادرة بقبول أوراق ترشيح من يثبت أنه كان عضوا بالحزب الوطني الديمقراطي الساقط وقُبلت أوراق ترشيحه، بحسبان أن ذلك يعد أثرا من آثار وقف تنفيذ قرار جهة الإدارة بالامتناع عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا المشار إليه.
ومن حيث أنه عن ركن الاستعجال فإن من شأن استمرار امتناع جهة الإدارة عن اتخاذ الإجراءات وإصدار القرارات اللازمة لتنفيذ مقتضى حكم المحكمة الإدارية العليا على النحو سالف البيان، ترتيب نتائج يتعذر تداركها في ضوء إجراء المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب بتاريخ 28/11/2011، الأمر الذي يتوافر بموجبه ركن الاستعجال في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، ليتحقق بذلك ركني طلب وقف التنفيذ من جدية واستعجال.
ومن حيث أن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملا بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الساقط من الترشح لعضوية مجلسي الشعب والشورى، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها وقف تنفيذ قرار اللجنة العامة للانتخابات بمحافظة الدقهلية بقبول أوراق ترشيح من يثبت أنه كان من أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الساقط ، وألزمت جهة الإدارة مصروفات طلب وقف التنفيذ، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم