القائمة الرئيسية

الصفحات



العقود الإلكترونية دراسة فقهية مقارنة

العقود الإلكترونية دراسة فقهية مقارنة

العقود الإلكترونية
دراسة فقهية مقارنة





العنوان : العقود الإلكترونية
المؤلف : عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الناصر

العقود الإلكترونية
دراسة فقهية مقارنة


إعداد
د. عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الناصر
الأستاذ المساعد بقسم الثقافة الإسلامية - كلية التربية –
 جامعة الملك سعود – الرياض – المملكة العربية السعودية

ملخص بحث
العقود الإلكترونية. دراسة فقهية مقارنة
د. عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الناصر
الأستاذ المساعد بقسم الثقافة الإسلامية - كلية التربية –
جامعة الملك سعود – الرياض – المملكة العربية السعودية

العقود الإلكترونية هي العقود التي تتم عبر الآلات التي تعمل عن طريق الإلكترونيات وهي كثيرة ومن أهمها وآخرها الحاسب الآلي .
     والتعاقد بطريق الإنترنت في الحاسب الآلي صحيح ومعتبر شرعاً ذلك أن الفقه الإسلامي جعل الرضا هو الأساس في انعقاد العقود من دون تحديد شكل معين، فالعقد ينعقد في الشريعة الإسلامية بكل ما يدل عليه من قول أو فعل أو كتابة أو إشارة. والإنترنت عبارة عن آلة لتوصيل الكتابة وهذه الوسيلة معتبرة شرعاً  كما هو الحال في التعاقد بطريق الكتابة بين الغائبين.
والتعاقد بطريق الإنترنت هو تعاقد بين حاضرين من حيث الزمان وغائبين من حيث المكان إلا إذا وجد فاصل طويل فإنه يكون بين غائبين زماناً ومكاناً .
     والعقود المالية تصح بطريق الإنترنت ولكن يشترط في عقد الصرف أن يتم التقابض مباشرة وفي عقد السلم أن يتم تسليم رأس المال في الحال ، أما عقد النكاح فإنه لا يصح – حسب رأي الباحث – بطريق الإنترنت .
     والنظام الذي يحكم العقد هو النظام الذي اتفق عليه المتعاقدان شريطة أن يكون هذا النظام مستمداً من الشريعة الإسلامية وراجعاً إليها , أما المحكمة المختصة فهي محكمة المدعِي لأنه الطرف الأضعف في العقد وهذا قول جمهور العلماء , ويستثنى من ذلك إذا كانت الدعوى تتعلق بعقار فإن المحكمة المختصة محكمة محل العقار.
     ويعتبر استخدام التوقيع الإلكتروني وخاصة الرقمي منه لإثبات العقود الإلكترونية متفقاً مع مبادئ الإثبات في الشريعة الإسلامية التي لم تحصر وسائل الإثبات بعدد معين أو شكل محدد وإنما كل وسيلة يبين فيها الحق فهي من أدوات الإثبات.
ونظراً لما يترتب على الاعتداء على التوقيع الإلكتروني من مخاطر فإن وضع العقوبات المناسبة للجرائم المتعلقة بقصد الحماية الجنائية له يتفق مع مقاصد الشريعة  الإسلامية في حفظ الأموال والحقوق الخاصة وهذا داخل ضمن  التعازير التي يقدرها ولي الأمر بحسب الجريمة وحالها وملابساتها.
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ,,, وبعـد
فتختلف النظم التشريعية والحضارية في نظرتها إلى العقود والحقوق المالية سواءً في كيفية انعقادها أو في شروطها وأحكامها أو آثارها اختلافاً قد يصل إلى حد التباين.
فمثلاً كانت بعض القوانين الوضعية تشترط الشكلية في انعقاد العقود , فلا يصح العقد ولا يعتبر إلا إذا كان بهيئة معينة وشكل محدد , ثم تطورت إلى الرضائية بعد المرور بمراحل مختلفة(1) , أما الشريعة الإسلامية فقد جعلت الرضا منذ البداية هو الأساس في نشأة العقود بأي شكل  كانت يقول تعالى : ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ[ [النساء آية (29)] "أي بطيبة نفس كل واحد منكم"(2) ويقول الرسول صلى الله عليه   وسلم :" إنما البيع عن تراض".(3)
إن منهجية الإسلام في تقريره لهذه القاعدة – الرضا – أساساً لصحة نشأة العقود دلالة إعجاز تشريعي واضح ، يؤكد أنها شريعة خالدة صالحة لكل زمان ومكان وفي كل بيئة ومجتمع.
وقد مرت العصور السابقة بأنواع مختلفة من أشكال انعقاد العقود كالبيع عن طريق الراديو والتلفزيون والهاتف والفاكس والتلكس وغيرها وها نحن نشهد في السنوات الأخيرة تطوراً هائلاً في وسائل الاتصال المختلفة وخاصة التقنيات الإلكترونية التي دخلت جميع مجالات الحياة بما فيها المجال التجاري وظهر ما يسمى "بالتسوق الآلي" أو "تجارة الإنترنت" أو "التجارة الإلكترونية" أو "التعاقد عن بعد". عبر شبكة الإنترنت التي ربطت العالم بعضه مع بعض وألغت الحدود الجغرافية والوسائط المالية وأصبح بإمكان تاجر التجزئة أن يشتري مباشرة من المنتج, والمستهلك أن يتسوق وهو في منزله.
وانتشرت التجارة الإلكترونية في الأعوام الأخيرة وأُسست الكثير من الشركات العالمية والمحلية مواقع خاصة بها على شبكة الإنترنت وتقدر بعض الدراسات حجم التجارة الإلكترونية حالياً بـ 20%  من مجمل التجارة العالمية ويتوقع أن ترتفع النسبة إلى أكثر من ذلك خلال هذا العقد .(1)
وعلى أهمية هذا الموضوع ومسيس الحاجة إليه إلإ أننا نجد قلة الدراسات الفقهية فيه التي تبين أحكامه , وتقترح البديل المناسب عند عدم صلاحية بعض أعماله لأحكام الشريعة الإسلامية.
 ويأتي هذا البحث مشاركة من الباحث في بيان أحكام التعاقد بواسطة الإنترنت من حيث انعقاد العقد والنظام الذي يجب تطبيقه فيه، وإثباته عن طريق التوقيع الإلكتروني والحماية الجنائية للتوقيع الإلكتروني.
وقد قسمت البحث إلى المباحث التالية:
·        المبحث الأول: انعقاد العقود الإلكترونية.
·        المبحث الثاني: النظام الواجب تطبيقه والمحكمة المختصة.
·        المبحث الثالث: إثبات العقود الإلكترونية بالتوقيع الإلكتروني .
وقبل ذلك نبين مفهوم العقود الإلكترونية.

مفهوم العقود الإلكترونية:
تعريف العقد:
العقد في اللغة العربية يطلق على معان ترجع في مجملها إلى معنى الربط الذي هو نقيض الحل يقال : "عقدت الحبل فهو معقود"(1) فالعقد في أصل اللغة "الشد والربط ثم نقل إلى الأيمان والعقود كعقد المبايعات ونحوها"(2)
أما في الاصطلاح الفقهي فنجد أن للعقد معنيان عام وخاص فالمعنى العام يطلق على كل التزام تعهد به الإنسان على نفسه سواء كان يقابله التزام آخر أم لا، وسواء كان التزاماً دينياً كالنذر أو دنيوياً كالبيع ونحوه (3).
أما المعنى الخاص فيطلق العقد على كل اتفاق تم بين إرادتين أو أكثر على إنشاء التزام أو نقله، فهو لا يتحقق إلا من طرفين أو أكثر، وهذا هو المعنى الغالب عند إطلاق الفقهاء للعقد في الاصطلاح الفقهي.(4) ومن التعاريف الواردة على هذا المعنى تعريف العقد بأنه "ارتباط الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر على وجه مشروع يثبت أثره في المعقود عليه"(5).
وعلى هذا فإن العقد في الاصطلاح الفقهي الشرعي يشمل جميع العقود  المالية التي تتضمن طرفين أو أكثر كعقد البيع والإجارة والرهن والحوالة والمسابقة ... الخ كما يتضمن العقود غير المالية كعقد النكاح ونحوه.

تعريف الإلكترون:
         الإلكترون عبارة عن شحنات كهربائية دقيقة جداً دائمة الحركة حول جسم هو النواة الذي هو جزء من الذرة(6)، وقد استخدمت الإلكترونيات في التصنيع ودخلت في كثير من المجالات فظهر الراديو الذي يستقبل هذه الموجات الإلكترونية ثم ظهر التلفزيون والتلكس والهاتف والفاكس والحاسب الآلي وغيرها من الأجهزة التي تعمل عن طريق الإلكترونيات(1).
وعلى ذلك فإن العقود الإلكترونية هي العقود التي تتم عبر هذه الوسائل ونحوها من الآلات التي تعمل عن طريق الإلكترون, وهذا من حيث الأصل , إلا أنه بعد ظهور الحاسب الآلي وانتشار المراسلة والتعاقد بواسطته , خصص هذا المصطلح للعقود التي تتم عن طريقه , أما التعاقد عبر الراديو أو الهاتف أو غيرها من وسائل الاتصال فلا يشملها عرفاً هذا المصطلح في العقدين الأخيرين , وأصبح مصطلح العقود الالكترونية ينصرف مباشرة إلى: العقود التي تتم عبر شبكة الإنترنت, ولذا نجد أن مصطلح التجارة الإلكترونية يطلق على: مجموعة العمليات التي تتم عبر الوسائل الإلكترونية وخاصة عبر شبكة المواقع (web) والبريد الإلكتروني(2).

المبحث الأولانعقاد العقود الإلكترونية


المطلب الأول: الوصف العملي للتعاقد بطريق الإنترنت:
تتعدد طرق التعاقد عبر الإنترنت ومن أهمها وأكثرها انتشاراً التعاقد عبر شبكة المواقع ويب (web) والتعاقد عبر البريد الإلكتروني (Email) والتعاقد بطريق المحادثة والمشاهدة.

أولاً :التعاقد عبر شبكة المواقع (web) :
         تعمد كثير من الشركات إلى عرض سلعها وخدماتها على شبكة المواقع web وتقوم بتصوير السلعة بطريقة ثلاثية الأبعاد مع تسجيل سعرها ومواصفاتها، ويكون ذلك في موقع خاص بالشركة، وفي المقابل يقوم الراغب في التعاقد بالبحث عن السلعة أو الخدمة التي يريدها عن طريق استخدام الرمز الذي يساعد في الوصول إلى هذه السلعة أو الخدمة، وعند اقتناعه بها وبالشركة العارضة لها ومعرفة سعرها ومواصفاتها يقوم بالتعاقد على الشراء بعد التأكد من السعر الفردي والإجمالي (في حال شراء مجموعة سلع) وذلك بالنقر على مفتاح الموافقة فيظهر العقد المتعلق بالشراء والمعد من قبل الشركة العارضة الذي يتضمن آلية الدفع وشروط التعاقد ومكانه وكيفية التسليم والقانون الذي يحكم العقد وغير ذلك من الشروط والمعلومات التي تختلف كثرة وقلة بحسب كل شركة أو عقد(1).

ثانياً: التعاقد عبر البريد الإلكتروني (E,mail) :
         يقصد بالبريد الإلكتروني: استخدام شبكات الحاسب الآلي في نقل الرسائل بدلاً من الوسائل التقليدية، حيث يخصص لكل شخص صندوق بريد إلكتروني خاص به، وهذا الصندوق عبارة عن ملف وحدة الأقراص الممغنطة التي تستخدم في استقبال الرسائل.
        

     وللتعاقد عبر البريد الإلكتروني أنواع متعددة منها: أن بعض الشركات تقوم بإرسال رسائل دعائية لنوع معين من السلع أو الخدمات في البريد الإلكتروني الخاص بالشخص، فإذا نظر صاحب البريد هذه الرسالة ورغب في السلعة أو الخدمة قام بمراسلة الشركة حول التعاقد معهم على هذه السلعة أو الخدمة ثم تتم المبايعة كالطريقة السابقة في التعاقد عبر شبكة المواقع.(1)

ثالثاً: التعاقد بالمحادثة عبر الإنترنت :
         توجد برامج تتيح للشخص تبادل الحديث صوتياً مع الطرف الآخر بشكل مباشر سواءً كان طرفاً أو أكثر, كما يوجد أيضاً برنامج يمكن من خلاله إرسال صور فيديو للتعبير عن الحركة(2).

سداد الثمن :
يتم سداد ثمن العقد المبرم عبر الشبكة بعدة طرق من أسهلها استخدام بطاقات الإئتمان (الفيزا كارد والماستر كارد ونحوها) ويكون إعطاء معلومات البطاقة عبر الهاتف أو الفاكس وذلك تجنباً لإرسالها عبر الإنترنت مما يؤدي إلى سرقة المعلومات المتعلقة بالبطاقة.
وقد يكون الدفع عن طريق النقود الإلكترونية (البينز) حيث يتم تحويل النقود العادية إلى وحدات نقدية إلكترونية يكون من الممكن التعامل بها بشكل آمن عبر شبكة الإنترنت, كما يمكن الدفع عبر الشيك المصدق والمصرفي أو الشبكات الإلكترونية وغير ذلك من الطرق المتعددة.(3)

المطلب الثاني: الوصف الفقهي للتعاقد بطريق الإنترنت

من خلال العرض السابق للطريقة التي يتم بها التعاقد عبر الإنترنت يتبين أنها تتم في غالب الحالات بطريقة الكتابة، وقد تكون بالمحادثة , أو الإشارات والرموز.
         والعقد في الشريعة الإسلامية ينعقد – على القول الصحيح - بكل ما يدل عليه من دون اشتراط صيغة معينة أو شكل محدد , جاء في بدائع الصنائع:( وكذا إذا قال البائع: خذ هذا الشيء بكذا أو أعطيتكه بكذا , أو هو لك بكذا , أو بذلتكه بكذا , وقال المشتري: قبلت أو أخذت أو رضيت أو هويت ونحو ذلك , فإنه يتم الركن لأن كل واحد من هذه الألفاظ يؤدي إلى معنى البيع وهو المبادلة , والعبرة للمعنى لا للصورة)(1).
وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (وينعقد العقد بكل ما يدل على الرضا من قول أو كتابة أو إشارة منهما أو من أحدهما)(2).
 وجاء في الكافي لابن قدامة( الثاني(3): المعاطاة , مثل أن يقول: أعطني بهذا خبزاً , فيعطيه ما يرضيه , أو يقول: خذ هذا الثوب بدينار , فيأخذه , فيصح , لأن الشرع ورد بالبيع وعلَّق عليه أحكاماً , ولم يعين له لفظاً , فعلم أنه ردَّهم إلى ما تعارفوه بينهم بيعاً , والناس في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك)(4) 
وقد توسع في بيان هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبين الأدلة والأمثلة عليها وتعقب القائلين بأن العقد لا يتم إلا بلفظ مخصوص أو شكل محدد، يقول رحمه الله (فأما التزام لفظ مخصوص فليس له أثر ولا نظر، وهذه القاعدة الجامعة التي ذكرناها من أن العقود تنعقد بكل ما يدل على مقصودها من قول أو فعل هي التي تدل عليها أصول الشريعة)(5).


 

(1) 5/133.
(2) 3/3 , وانظر: المغني لابن قدامه 6/9 , والموافقات للشاطبي 2/87.
(3) أي من أنواع البيع .
(4) 3/6.
(5) الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية 29/13.      
      ويتفق العلماء على صحة التعاقد بالكتابة إذا كانت بين غائبين لأن ذلك هو الوسيلة المستطاعة لاتمام العقد(1) ولذا أتت القاعدة الفقهية المشهورة من أن "الكتاب كالخطاب"(2) أي: أن الكتابة بين الغائبين كالنطق بين الحاضرين.
والإنترنت ما هو إلا وسيلة لتوصيل الكتابة, وهذه الوسيلة معتبرة شرعاً لعدم تضمنها محذوراً شرعياً، ولأنها شبيهة في حقيقة الأمر بالتعاقد عن طريق الرسول أو البريد العادي التي أجاز العلماء التعاقد بواسطتهما(3).
وحيث  أن الركن الأساسي في العقد هو صدور الإيجاب والقبول من طرفي العقد ووصول كل منهما إلى علم الآخر بصورة معتبرة شرعاً، وفهم كلا الطرفين ما قصده الآخر، وهذا كله متحقق في التعاقد بطريق الإنترنت سواءً عبر شبكة المواقع (web) أو عبر البريد الإلكتروني أو المحادثة والمشاهدة, فيكون التعاقد صحيحاً تترتب عليه آثاره المعتبرة شرعاً .
وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة في دورته السادسة.(4) وصدر بذلك القرار رقم (52/3/6) ونص على صحة إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة ومنها الحاسب الآلي وبَّين بعض الأحكام المتعلقة به . ونظراً  لأهمية القرار وتعلقه بموضوع البحث أذكره بنصه:
(إن مجمع الفقه الإسلامي في دورته..... وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول ، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس- عدا الوصية والإيصاء والوكالة - وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والمولاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف.
قرر مايلي:
1-   إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد ولا يرى أحدهما الآخر معاينة ولا يسمع كلامه وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة "الرسول" وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الحاسوب) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
2-   إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة .
3-   إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجاباً محدد المدة يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة وليس له الرجوع عنه.
4-   إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه ولا الصرف لاشتراط التقابض ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال .
5-       ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للاثبات.(1))

طبيعة التعاقد :

         النص الوارد في قرار مجمع الفقه الإسلامي السابق ذكره اعتبر التعاقد بطريق الحاسب الآلي بين غائبين وذلك لأن كلا طرفي العقد غائب عن الآخر من حيث المكان، كما أنه يوجد فاصل زمني بين الإيجاب والقبول فالتعاقد بين غائبين من حيث الزمان أيضاً، وذلك قياساً على التعاقد بطريق المراسلة أو البريد العادي.
ولعل هذا يكون صحيحاً في فترة صدور القرار من المجمع (سنة 1400هـ- 1990م) حيث كان التعاقد عبر الحاسب الآلي يختلف عن التعاقد عن طريقه في هذا الزمن إذ لم توجد الشركات العارضة عبر شبكة المواقع وإنما كان الطرف الراغب في التعاقد يرسل بطريق البريد الإلكتروني رسالة يبين فيها رغبته في التعاقد ثم يحصل الرد من الطرف المقابل بالموافقة أو الرد، ولا شك أن ذلك يستغرق شيئاً من الوقت الذي يجعل التعاقد بينهما أشبه بالتعاقد عن طريق البريد العادي فيكون له حكم التعاقد بين الغائبين من حيث المكان والزمان.
أما في الوقت الحالي فقد تغيرت طريقة العرض والتسوق, وأصبحت الشركات تعرض بضاعتها عبر شبكة المواقع (web) وما على العميل إلا أن يبدي رغبته في الموافقة على التعاقد فيتم فوراً ويبدأ سريان آثار العقد من تسليم الثمن والسلعة ونحو ذلك.
وعلى ذلك فالذي أراه أن التعاقد بطريق الإنترنت يعتبر في الأصل( تعاقداً بين غائبين من حيث المكان وحاضرين من حيث الزمان).
وبيان ذلك : أن مكان المتعاقدين مختلف سواءً كانا في بلدة واحدة أو دولة واحدة أو دول مختلفة, فهما لا يجتمعان في مكان واحد كما هو الحاصل في التعاقد العادي.
 أما زمان التعاقد فهو واحد حيث أن صفحة العقد تكون معدة سلفاً من قبل العارض وما على المتعاقد سوى القبول أو الرفض، فلا توجد فترة زمنية تفصل ما بين الإيجاب والقبول, ويستثنى من هذا الأصل بعض الحالات التي يكون فيها انقطاع بين الإيجاب والقبول ومن ذلك على سبيل المثال :
1)  إذا كان العرض عن طريق البريد الإلكتروني سواءً كان موجهاً إلى موقع أو مجموعة مواقع وكان هذا العرض بشكل غير متصل مع الطرف المقابل أي لا توجد كتابة مباشرة بين الطرفين.
2)     إذا كان العارض في شبكة المواقع قد تحفظ بحقه في قبول التعاقد أو رفضه.
ونخلص في ذلك إلى أن الأصل في التعاقد عبر الإنترنت أنه بين غائبين من حيث المكان حاضرين من حيث الزمان, إلا إذا وجدت فترة زمنية طويلة نسبياً تفصل بين الإيجاب والقبول فإن التعاقد قد يكون بين غائبين مكاناً وزماناً.


المطلب الثالث : الإيجاب والقبول في التعاقد بطريق الإنترنت

أولاً : تحديد الإيجاب والقبول في التعاقد بطريق الإنترنت :
نبين في البداية أن العلماء – رحمهم الله- اختلفوا في تحديد الإيجاب من القبول في التعاقد، فذهب الجمهور منهم (المالكية، والشافعية ، والحنابلة)(1) إلى أن الإيجاب هو ما صدر من المملِّك والقبول ما صدر من المتملِّك سواءً صدر أولاً أم ثانياً.
وذهب الحنفية(2). إلى أن الإيجاب هو ما صدر أولاً من أحد المتعاقدين والقبول ما صدر ثانياً من المتعاقد الآخر وذلك لأنه قبول ورضاً بما أثبته الأول(3). والاتجاه الأخير (الحنفية) هو الذي أخذت به أكثر الأنظمة في الدول العربية لأنه الأيسر والأسهل في تحديد الموجب من القابل.
وبناءً على هذا الاتجاه (الحنفية) كيف نحدد الإيجاب والقبول في التعاقد عن طريق الإنترنت؟ وبعبارة أخرى هل يعتبر عرض السلعة أو الخدمة من قبل الشركة المنتجة أو المسوقة إيجاباً، وموافقة العميل على التعاقد قبولاً؟ أم أن هذا العرض مجرد دعوة من قبل الشركة للتعاقد، وأن الإيجاب يكون من قبل العميل لأنه هو المبتدئ والقبول هو في موافقة الشركة على العقد إما موافقة صريحة أو ضمنية؟
نقول جواباً عن ذلك: حينما نتأمل الطرق التي يتم بها التعاقد عبر الإنترنت نجد أنها متعددة، ولذا فإن الإيجاب والقبول يختلف بحسب الطريقة التي تم بها التعاقد، وأبرز الطرق المستخدمة حالياً في التعاقد هي: التعاقد عبر شبكة المواقع (web)، والتعاقد عبر البريد الإلكتروني، والتعاقد عبر المحادثة والمشاهدة، ونبين الإيجاب والقبول في هذه الطرق الثلاث:
1)     الإيجاب والقبول عبر شبكة المواقع (web) :
يعتبر الإعلان عن السلعة أو الخدمة في شبكة المواقع  (web)إيجاباً من العارض وذلك لأنه إيجاب مستمر على مدار الساعة، والغالب أنه موجه إلى الجمهور وليس إلى فرد بعينه، فهو لا يختلف في حقيقته عن الإيجاب الصادر مباشرة بين طرفي التعاقد.
وفي حالات مستثناة يكون العرض مجرد دعوة للتعاقد وليس إيجاباً وذلك في الحالات التي تكون فيها شخصية المتعاقد الآخر محل اعتبار عند من صدر منه العرض كالإعلان عن وظائف، أو طلب مستأجرين ونحو ذلك.
وفي حالة حدوث تزاحم بين الراغبين بالشراء فالاعتبار يكون بأولوية الوصول إلى علم الموجب، حيث ارتبط القبول بالإيجاب على وجه مشروع فيكون القبول الذي أتى بعد نفاذ الكمية وارداً على محل غير موجود.
2)     الإيجاب والقبول عبر البريد الإلكتروني (E,mail):
إذا كان العرض للسلعة أو الخدمة قد تم عبر البريد الإلكتروني وكانت حالة الاتصال بالكتابة مباشرة، فإن الإيجاب هو ما صدر أولاً والذي هو من العارض ، وعلى الراغب في التعاقد القبول أو الرفض.
أما إذا كانت حالة الاتصال ليست مباشرة بحيث توجد فترة زمنية تفصل ما بين الإيجاب والقبول، كما إذا كان العرض موجهاً إلى شخص محدد أو لعدة أشخاص في آن واحد فإن الإيجاب هو ما صدر أولاً , وعلى الموجب (العارض) أن يبقى على إيجابه إذا كانت المدة محددة وليس له الرجوع عنه (1), وإذا كانت المدة غير محددة فإنه يمكن استخلاص المدة بحسب طبيعة الإيجاب وموضوعه والأعراف المتداولة لهذا الإيجاب.
3)     الإيجاب والقبول عبر المحادثة أو المشاهدة:
إذا كان التعاقد بطريقة الإنترنت تم عبر المحادثة أو المشاهدة فإن الموجب هو من بدأ أولاً بالعرض وله أن يستمر في إيجابه خلال مجلس التعاقد وله أن يتراجع عن إيجابه قبل اقترانه بالقبول، كما أن لكلا الطرفين أن يتراجعا عن العقد مادامت المحادثة أو المشاهدة قائمة، وسيأتي مزيد تفصيل لهذه المسألة(2).

 

(1) انظر: المادة الثالثة من قرار المجمع السابق عرضه.
(2) أنظر الشرط الثالث من شروط الإيجاب والقبول.

ثانياً : شروط الإيجاب والقبول (الصيغة) وتطبيقها في التعاقد بطريقة الإنترنت :
يشترط في صيغة العقد (الإيجاب والقبول) الشروط التالية :
الشرط الأول : وضوح دلالة الإيجاب والقبول :
يلزم لصحة التعاقد أن يكون كل من الإيجاب والقبول واضحى الدلالة على مراد المتعاقدين, بأن تكون الوسيلة المستخدمة للتعبير عن الإرادة واضحة إما لغةً أو عرفاً, سواء كانت بطريقة الدلالة الحقيقية أو المجازية.
فإذا لم يعرف بيقين أن المتعاقدين قد قصدا عقداً بعينه فإنه لا يمكن إلزامهما أو إلزام أحدهما بأحكامه وآثاره(1).
والصيغة المستخدمة في التعاقد بطريقة الإنترنت إما أن تكون اللفظ. كما في المحادثة وهذه يسري عليها ما يسري على التعاقد اللفظي المباشر فالعلماء يتفقون على انعقاد العقد بصيغة الفعل الماضي (اشتريت, بعت) وكذلك المضارع إذا دلت قرائن الحال على الرغبة في التعاقد, أما فعل الأمر والاستفهام ففي ذلك خلاف وتفصيل يرجع إليه في محله(2).
وقد يكون التعاقد عبر الإنترنت بطريق الكتابة, فمجرد عرض السلعة من قبل الشركات المنتجة والمسوقة وكتابة سعرها عليها دليل على إرادة التعاقد بشأنها.
وقد تستعمل الإشارات والرموز في الصيغة كعلامة ( < ) على الموافقة و (> ) على عدم الموافقة والإشارة معتبرة شرعاً إذا جرى بها العرف.
الشرط الثاني : توافق الإيجاب والقبول :
يشترط لصحة التعاقد أن يتَّحد موضوع الإيجاب والقبول ويكونا دالين على توافق الإرادتين.
فإن لم يتفقا بأن كان الإيجاب وارداً على شيء والقبول على شيء آخر فإن العقد لا ينعقد, وكذا إذا كان الإيجاب وارداً على شيء والقبول على بعضه(3).

 

(1) انظر: ضوابط العقد في الفقه الإسلامي- د. عدنان التركماني ص42 .
(2) انظر: المرجع السابق, وضوابط العقود - د. عبد المجيد البعلي ص90, والفقه الإسلامي وأدلته- د. وهبة الزحيلي4/94.
(3) انظر: المراجع السابقة .

الشرط الثالث : اتصال القبول بالإيجاب :

يقصد بهذا الشرط أن يتصل القبول بالإيجاب في محل التعاقد إذا كان المتعاقدان حاضرين أو في مجلس علم القابل إذا كانا غائبين(1) .
ويتضمن هذا الشرط ما يلي :
1- عدم رجوع الموجب عن إيجابه قبل قبول الآخر.
2- أن لا يصدر من القابل ما يدل على إعراضه عن التعاقد.
3- اتحاد مجلس التعاقد, وهو الوقت الذي يكون فيه المتعاقدين مشتغلين بالعقد, أي الفترة الزمنية التي تفصل بين الإيجاب والقبول في حال انشغال المتعاقدين بالعقد, وليس المراد باتحاد المجلس كون المتعاقدين في مكان واحد إذ قد يكون أحدهما في مكان غير مكان الآخر.
ويختلف اتصال الإيجاب بالقبول في العقد بين الحاضرين عنه في العقد بين الغائبين, ففي العقد بين الحاضرين يكون الإيجاب مرتبطاً بمجلس صدوره بحيث أنه إذا انقضى المجلس انعدم الإيجاب ولم يبق له وجود.
أما بين الغائبين فإن الإيجاب يكون مستمراً إلى حين وصوله إلى القابل, ويبقى مستمراً طوال بقائه في مجلس الوصول إلا إذا صدر ما يدل على إعراض القابل عنه أو إلغائه من قِبل الموجب.

الخيارات في مجلس العقد :
يرتب العلماء في حال انشغال المتعاقدين بالعقد (مجلس العقد) وحتى الانتهاء منه بالتفرق ثلاثة خيارات هي :
1) خيار الرجوع : فيحق للموجب أن يرجع عن إيجابه قبل أن يتصل به القبول وهذا عند جمهور العلماء(2) , غير أن المالكية يستثنون من خيار الرجوع حالتين يكون الإيجاب فيهما باتاً غير قابل للرجوع ما دام مجلس العقد باقياً لم ينته وهاتان الحالتان هما: إذا كان الإيجاب بصيغة الماضي, أو كان العقد متعلقاً بالتبرعات(3) .
 

(1) انظر ضوابط العقد في الفقه الإسلامي د. عدنان التركماني ص48 .
(2) أنظر: في فتح القدير 6/253, والمجموع 9/169, والمغني 6/10.
(3) انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/ 3 , وشرح فتح الجليل 2/ 464 .
2) خيار القبول : وهو أن يكون للقابل الحق في الرفض أو القبول ما داما جميعاً في مجلس العقد, إلا إذا رجع الموجب عن إيجابه قبل القبول, ويخالف في هذا الخيار الشافعية حيث يشترطون الفورية بين الإيجاب والقبول وعدم وجود فاصل زمني أو لفظي بينهما(1).
3- خيار المجلس : وهو أن يكون لكل من الموجب والقابل الحق في فسخ العقد بعد صدور الإيجاب والقبول منهما ما داما في مجلس العقد.
وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء(2) رحمهم الله مستدلين بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً أو يخير أحدهما الآخر , فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع , وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع(3) ".
وذهب الحنفية والمالكية(4) إلى عدم القول بخيار المجلس وأن العقد يكون لازماً بمجرد الإيجاب والقبول إذا توفرت شروطه وليس لأحد العاقدين الفسخ إلا إذا اشترط الخيار وحملوا التفرق الوارد في الحديث على التفرق بالأقوال دون الأبدان.
والذي يظهر للباحث هو قول جمهور الفقهاء رحمهم الله لوضوح النص من الحديث الدال على ثبوت خيار المجلس ما دام المتعاقدان لم يتفرقا "ما لم يتفرقا وكانا جميعاً" . ولكن هذا التفرق لم يرد تفسيره في الشرع وليس له حد معين في اللغة فيُرجع فيه إلى العرف, جاء في المغني لابن قدامة "المرجع في التفرق إلى عرف الناس وعاداتهم فيما يعدون تفرقاً, لأن الشارع علق عليه حكماً ولم يبينه فدل على أنه أراد ما يعرفه الناس كالقبض والإحراز .. فالمفارقة أن يفارق من بيت إلى بيت أو إلى مجلس أو صفةٍ"(5) .


 

(1) انظر: المراجع السابقة ومغني المحتاج 2/ 6 .
(2) انظر: المراجع السابقة .
(3) متفق عليه, أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب البيوع, باب إذا لم يوقت في الخيار هل يجوز البيع- برقم 1967, كما أخرجه من طريق حكيم بن حزام في باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا- برقم 1968, وأخرجه مسلم واللفظ له في كتاب البيوع, باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين برقم 2822.
(4) انظر: فتح القدير 5/78 , وبدائع الصنائع 5/134 , والشرح الكبير على مختصر خليل 3/81 .
(5) 6/12 , وانظر المجموع شرح المهذب 9/180 .
مجلس العقد في التعاقد بطريق الإنترنت :
يختلف مجلس العقد في التعاقد عبر الإنترنت ومن ثم الخيارات الواردة فيه حسب الطريقة التي تم بها هذا التعاقد.
ففي التعاقد عبر شبكة المواقع (Web) يبدأ مجلس العقد من دخول الراغب في التعاقد إلى الموقع الصادر فيه الإيجاب وبدايته في التفاوض والاختيار ويستمر مجلس العقد حتى خروج القابل من الموقع.
وفي التعاقد عبر البريد الإلكتروني إذا كان التعاقد يتم بالكتابة مباشرة بين الطرفين فإن مجلس العقد يبدأ من حين صدور الإيجاب ويستمر حتى خروج أحد الطرفين من الموقع.
أما إذا كان التعاقد لم يتم مباشرة فإن مجلس العقد يبتدئ من حين اطلاع القابل على المعروض عليه ويستمر حتى تنتهي المدة المحددة إذا وجدت, وإلا رجع في ذلك إلى الأعراف.
وفي حال التعاقد عبر المحادثة والمشاهدة فإن مجلس العقد يبتدئ من حين صدور الإيجاب ويستمر حتى الانتهاء من المحادثة.
وتكون الخيارات في مجلس العقد حسب التالي:
1-       يكون من حق الطرف الموجب أن يتراجع عن إيجابه قبل اقترانه بالقبول (خيار الرجوع عن الإيجاب) إلا في حالة تحديده بمدة فإنه يكون ملزماً بالبقاء عليها.
2-       من حق الطرف الراغب في التعاقد أن يتأمل الأمر المعروض عليه وليس ملزماً بأن يختار العقد مباشرة (خيار القبول).
3-       بعد التعاقد من قِبل الطرفين يكون من حقهما جميعاً أن يتراجع أحدهما عن العقد بدون رضا الآخر وذلك مادام الاتصال بالموقع المخصص للتعاقد لازال قائماً (خيار المجلس) إلا في حالة وجود شرط عدم الخيار فإن العقد يكون باتاً وليس من حق أحدهما التراجع إلا في حال رضا الطرف الآخر (الإقالة).
وهذا عند جمهور العلماء القائلين بخيار المجلس, أما على قول الحنفية والمالكية فإن العقد يكون لازماً بعد توافق الإيجاب والقبول ولا يشترط الانتهاء من المحادثة أو الخروج من الموقع.

المطلب الرابع :العقود المستثناة من صحة التعاقد بطريقة الإنترنت :
استثنى قرار مجمع الفقه الإسلامي من صحة التعاقد بطريقة الإنترنت (النكاح لاشتراط الإشهاد عليه, والصرف لاشتراط التقابض, والسلم لاشتراط تعجيل رأس المال)(1). وسنناقش هذه العقود الثلاثة :
أولاً: عقد النكاح:
من شروط النكاح الإشهاد(2), بأن يَشهد على عقد النكاح شاهدان رجلان عدلان, أو رجل وامرأتان, لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا نكاح إلا بولي وشاهدين عدلين"(3) ولأن في الشهادة حفاظاً على حقوق الزوجين والولد منهما, وفيها درء التهمة عن الزوجين وبيان أهمية النكاح وعظيم مكانته(4).
وحينما نتأمل شرط الإشهاد نجد أنه في ظل الطرق الحالية للتعاقد بطريق الإنترنت من الممكن حضور وتحكيم للشهادة وخاصة إذا كان التعاقد عبر المحادثة والمشاهدة (5) فبناء على إمكان تحقق هذا الشرط هل يصح إجراء عقد النكاح بطريق الإنترنت؟
القول بصحة ذلك له حقه من النظر خاصة على مذهب الحنفية الذين يجيزون انعقاد النكاح بالكتابة , إذا كان الزوجان غائبين عن بعض وحضر شاهدان عند وصول الكتاب(6).
ولكن الذي يظهر للباحث هو عدم صحة عقد النكاح بطريق الإنترنت وذلك لما يلي:
1-       أن للنكاح مكانته الخاصة حيث يترتب عليه آثار مهمة تتعلق بالزوجين وولدهما طول الحياة, وعلى ذلك فإنه لا يمكن مساواة عقد النكاح بالعقود المالية التي تكون آثارها مقصورة في الغالب على جانب معين وبشكل محدود.
2-       أن الشكل في إنشاء عقد النكاح معتبر وهذا ظاهر لمن تأمل أحكامه ومقاصده، وهو بخلاف العقود المالية التي مبناها على التراضي دون النظر إلى شكل العقد.

(1)             أنظر القرار السابق عرضه ص9.
(2)     انظر: بدائع الصنائع 2/252 والشرح الكبير على مختصر خليل 2/236 , ومغني المحتاج 3/144 , والمغني 6/347 .
(3)             رواه الدارقطني في كتاب النكاح 3/221 ,والبيهقي في كتاب النكاح 7/125.
(4)             انظر: الفقه الإسلامي وأدلته. د. وهبة الزحيلي 7/71 .
(5)     يختلف الفقهاء في صحة عقد النكاح بغير اللفظ أي بالكتابة والإشارة, فذهب الجمهور إلى عدم صحة النكاح بالكتابة سواء كان المتعاقدان حاضرين أو غائبين, وذهب الحنفية إلى صحة عقد النكاح بأن يكتب الرجل للمرأة : تزوجتك, أو زوجيني نفسك فقالت المرأة في مجلس وجود الكتاب : قبلت الزواج بحضور شاهدين فالعقد صحيح والزواج منعقد .
أنظر بدائع الصنائع 2/252 , والشرح الكبير على مختصر خليل 2/236 , ومغني المحتاج 3/144 , والمغني 6/347.
(6) أنظر: بدائع الصنائع 2/231, أما بقية المذاهب فلا يرون صحة الزواج بالكتابة , أنظر مواهب الجليل للحطاب 4/228 , ومغني المحتاج 3/141 ومنتهى الإرادات 4/59.

3-       ما يترتب على القول بصحة عقد النكاح بطريق الإنترنت من الأضرار والمفاسد التي تخالف مقتضى عقد النكاح ومقاصده التي شُرع من أجلها.
فلهذه الأسباب ولغيرها أرى أن عقد النكاح لا يصح – حالياً – بطريق الإنترنت(1) والله أعلم .

ثانياً: عقد الصرف :
عقد الصرف هو بيع النقد بالنقد سواء بجنسه أو غير جنسه(2) , ومن شروط صحته التقابض قبل الافتراق بين المتعاقدين لقوله صلى الله عليه وسلم "الذهب بالذهب , وزناً بوزن مِثلاً بمِثل والفضة بالفضة وزناً بوزن مِثلاً بمثل , فمن زاد أو استزاد فهو ربا"(3).
وعدم تحقق هذا الشرط يوقع في ربا النسيئة وهو التأخير(4) .
 والتصارف بطريق الإنترنت يختلف حكمه بحسب الطريقة التي تم بها العقد:
فإذا تم التعاقد على الصرف مباشرة سواء عبر شبكة المواقع (Web) أو البريد الإلكتروني المباشر أو المحادثة وتم تنفيذ العقد بتحويل المبلغ محل العقد من حساب كل من الطرفين إلى الآخر عن طريق الشيك المصرفي أو النقود الإلكترونية (البينز) أو الحوالة البنكية المباشرة أو غير ذلك من الوسائل والطرق التي تجعل التقابض متحققاً في الحال بين الطرفين فإن العقد صحيح.
وذلك لأن التقابض ليس مقصوراً على التقابض الحقيقي بين الطرفين مباشرة وإنما يكون أيضاً بالقبض الحكمي كالقيد المصرفي في حساب العميل بطريقة الحوالة المصرفية أو الإنترنت المصرفي.


 

(1)     وهذا القول هو ما رأته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية في المملكة العربية السعودية بشأن عقد النكاح عن طريق الهاتف, أنظر الفتوى في فتاوى إسلامية 2/336.
(2) انظر: المغني 6/52 .
(3) أخرجه مسلم في صحيحه, عن أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب المساقاة, باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً برقم2973 , وقريباً منه حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواءً بسواء , والفضة بالفضة إلا سواءً بسواء , وبيعوا الذهب بالفضة والفضة بالذهب كيف شئتم " رواه البخاري في كتاب البيوع , باب بيع الذهب بالذهب برقم 2029.
(4) انظر: المغني 6/53 وما بعدها .
وهذا ما صدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (55/4/6) بشأن القبض وصوره المستجدة حيث نص على أن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً ما يلي :
1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:
(أ) إذا أودع في حساب العميل مبلغاً من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية.
(ب) إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل .
(ج) إذا اقتطع المصرف بأمر العميل, مبلغاً من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى في المصرف نفسه أو غيره لصالح العميل أو لمستفيد آخر , ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسليم الفعلي للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلا بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسليم الفعلي .
2- تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه من قِبل المصرف ).
وعلى ذلك فإن ما ذهب إليه قرار المجمع السابق ذكره فيما يتعلق باستثناء عقد الصرف من صحة التعاقد بطريق الإنترنت يعتبر صحيحاً في حالة كون التعاقد قد تم عبر البريد الإلكتروني بشكل غير مباشر كما هو الحال حين صدور القرار (سنة 1410هـ , 1990م).
أما في العصر الحالي فالأمر تغير عما كان عليه العمل سابقاً وأصبح بالإمكان تحويل النقود مباشرة من كلا الطرفين إلى الآخر عن طريق وسائل متعددة مما يحقق شرط التقابض الحكمي الذي يقوم مقام التقابض الحقيقي .
ونخلص إلى صحة عقد الصرف بطريق الإنترنت إذا توفر فيه شرط التقابض . والله أعلم.
ثالثاً: عقد السلم :
السلم هو : عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد(1).
 

(1) انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/195 , والقوانين الفقهية ص269 , ومغني المحتاج 2/102 , والمغني 6/385.
ومن شروط صحته تعجيل رأس مال السلم, بأن يتم قبضه في مجلس العقد, وأجاز المالكية تأخيره اليومين والثلاثة(1).
وإذا تفرق المتعاقدان قبل القبض بطل العقد وانفسخ لأنه يؤدي إلى بيع دين مؤجل بدين مؤجل, وقد ورد النهي عن ذلك(2).
وبيع السلم بطريق الإنترنت يختلف حكمه بحسب الطريقة التي يتم بها التعاقد ودفع الثمن, فإذا تم دفع رأس المال (الثمن) بعد التعاقد مباشرة سواء بطريق الشيك المصرفي أو بحوالة مصرفية مباشرة أو بالنقود الإلكترونية أو نحو ذلك فإن العقد صحيح.
 أما إذا لم يتم تسليم الثمن في مجلس العقد فإن العقد باطل عند جمهور العلماء وعلى رأي المالكية يكون العقد صحيحاً إذا كان هذا التأخير أقل من ثلاثة أيام حتى لو كان ذلك مشروطاً ومتفقاً عليه في العقد .
والعمل بقول المالكية هو الأيسر خاصة في التعاقد بطريق الإنترنت . والله أعلم .


 

(1) أنظر المراجع السابقة.
(2) وذلك بنهيه صلى الله عليه وسلم عن " بيع الكالي بالكالي " , وهو الدَّين المؤجل بالدَّين المؤجل . رواه الدارقطني وابن عدي والبزار وابن أبي شيبة وغيرهم من حديث عبد الله بن عمر ورافع بن خديج رضي الله عنهم, وفي سنده موسى بن عبيده , وفيه كلام , والحديث ضعيف كما ذكر المحققون من أهل الحديث , ولكن الأمة تلقت معناه بالقبول حتى نقل بعض العلماء الإجماع على منع بيع الدين المؤجل بالدين المؤجل.
أنظر: نصب الراية للزيلعي 4/39 , ونيل الأوطار للشوكاني 5/656 , وإرواء الغليل للألباني 5/220 برقم 1382.

المبحث الثاني
النظام الواجب تطبيقه والمحكمة المختصة

المطلب الأول : النظام الواجب تطبيقه :
أولاً : أهمية تحديد النظام الواجب تطبيقه :
تعتبر الأعمال والعقود التي تتم عبر شبكات الإنترنت ذات طابع دولي لأن أطرافها في الغالب ينتمون إلى دول مختلفة, فقد وضعت شبكة الإنترنت أكثر دول العالم في حالة اتصال مستمر حيث أن المعلومات التي يتم تحميلها على الشبكة تنتشر في أنحاء العالم في لحظات وجيزة.
وهنا يأتي السؤال عن النظام الذي يجب تطبيقه في هذه العقود والأعمال, هل هو نظام المشتري ( المستهلك ) أم نظام البائع, أم نظام الوسيط في حالة وجوده, أم نظام موِّرد خدمة الإنترنت,...؟
لقد ناقشت الاتفاقيات الدولية والفقه القانوني هذه المسألة وتوصلوا إلى أن النظام الذي يجب تطبيقه هو نظام إدارة المتعاقدين الذي اتفقا عليه عند العقد ( قانون الإرادة ) شريطة أن لا يتبع ذلك حرمان المستهلك في عقود الاستهلاك(1) من الحماية التي توفرها الأحكام الآمرة لنظام الدولة التي بها محل إقامته العادية, ولعل السبب في ذلك واضح وهو حماية المستهلك بصفة أنه الطرف الأضعف أمام شركات الإنتاج والتسويق العالمية(2)  ولما تستخدمه هذه الشركات من أساليب دعائية قد تتسبب في إيقاع الغرر لدى المتعاقد(3) .
ثانياً : النظام الواجب تطبيقه في الفقه الإسلامي :
يحدد - في الغالب - أطراف التعاقد النظام الذي يجب تطبيقه على العقد, بأن يكونا اتفقا عليه في بداية العقد، أو أن الشركة قد نصت عليه في نموذج العقد .


 

(1) وهي البيع والإيجار والقرض ونحوها من العقود التي يكون موضوعها تقديم سلع وخدمات لمن هو في حاجة إليها.
(2) انظر: النظام القانوني لحماية التجارة الإلكترونية- د. عبد الفتاح حجازي 1/168 .
(3) أنظر: المرجع السابق - 1/176 .
وهذا الاتفاق صحيح ويعمل به لقوله صلى الله عليه وسلم " والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً "(1)
ويستوي أن يكون هذا النظام لدولة معينة أو لجهة من الجهات أو المؤسسات التحكيمية, ولكن هذا الاتفاق محكوم بقاعدة شرعية أساسية هي أن يكون هذا النظام الذي اتفق عليه المتعاقدان راجعاً إلى الشريعة الإسلامية ومستمداً منها. وهذه المسألة مقررة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، واتفق عليها أئمة الهدى في جميع الأعصار والأمصار.
قال تعالى: ]فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ[ [النساء:59](2) وقال سبحانه:] وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ[
[الشورى 9].
 ويستوي في ذلك أن يكون جميع الخصوم من المسلمين, أو من المسلمين وغيرهم أو كانوا جميعاً من غير المسلمين. قال تعالى : ] وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ * فإِنْ تَوَلَّوْا فاْعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيِبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيِراً مِنَ اْلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[ [المائدة:49-50] فالضمير في قوله " بينهم " راجع إلى اليهود, وذلك حينما أتى كبارهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريدون تحكيمه بينهم وبين غيرهم من عامتهم وتعهدوا له إن حكم لهم ضدهم أن يؤمنوا به فتتبعهم بقية اليهود . فأنزل الله هذه الآيات(3), وحكم الجاهلية: كل ما سوى حكم الله سواءً كان قبل دين الإسلام أو بعده.(4)
ووصف جلّ وعلا  من لم يحكم بما أنزل بالكفر والظلم والفسوق(5)، وبيَّن سبحانه وتعالى أن من شأن المنافقين أنهم إذا دعو إلى من يحكم بينهم وكان الحق عليهم يحكِّمون غير دين الله، وإن يكن الحق لهم يحكِّمون دين الله (6).
ومن خلال هذه النصوص القرآنية الكريمة يتبين لنا بوضوح وجلاء وجوب تحكيم شرع الله، وحرمة تحكيم غيره، وعلى ذلك فإنه لا يجوز الاتفاق على تحكيم نظام ليس مستمداً من الشريعة الإسلامية مهما كان هذا النظام , والاتفاق على ذلك اتفاق باطل غير صحيح , ولا يعمل به لأنه شرط "أحل حراماً" .
أما إذا كان الاتفاق على نظام دولة أو جهة تحكِّم الشريعة الإسلامية في تعاملاتها وتحكم وفق ما شرع الله فإنَّ هذا الاتفاق صحيح ويعمل به بين الأطراف .

ثالثاً: الواقع, والحلول المقترحة:
         ما سبق أن قررناه من وجوب أن يكون النظام المحكَّم راجعاً إلى الشريعة الإسلامية ومستمداً منها محل اتفاق لا نزاع فيه، ولكن الوضع العملي للتعاقد بطريق الإنترنت حالياً قد لا يساعد على تطبيق هذه القاعدة الرئيسة من قواعد الدين الإسلامي، ذلك أن الشركات المتواجدة عبر شاشات العرض من دول اجنبية غير إسلامية، أومن دول إسلامية ولكن لا تحكم بالشريعة الإسلامية، وغالباً ما يكون العقد المعدُّ من قبل الشركة العارضة موجوداً به اسم النظام الذي يحكم العقد، فكيف نوفق بين هذا الأساس في الدين الإسلامي وهو تحكيم  شرع الله وبين الوضع العملي المنتشر حالياً؟ وما هي الحلول المناسبة لهذا الأمر ؟
إننا نجد أنفسنا بين خيارين هما :
الخيار الأول: أن نرضى بالأمر الواقع ونسلم به وهو التحاكم إلى تلك الأنظمة والقوانين بدعوى الضرورة والحاجة.
وهذا الخيار غير معتبر لأن تحكيم الشريعة الإسلامية أمر لا خيار فيه وليس متروكاً لرغبات المتعاقدين وإرادتهم، وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن الذين يصدُّون ويعرضون عن تحكيم شرعه, فقد أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره(1) : أن رجلاً يزعم أنه مسلم كان بينه وبين رجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي : أحاكمك إلى أهل دينك, لأنه قد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ رشوة في الحكم, وأبى المسلم, فنزل قوله تعالى: ] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا[ [النساء 60-61] .
أما قاعدة الضرورة والحاجة فإنها غير متوفرة في هذه الحالة إلا في حالات مستثناه لا تنطبق على أكثر حالات التعاقد بطريق الإنترنت.
الخيار الثاني: البحث عن حلول مناسبة تتفق مع هذا الأساس في الدين الإسلامي.
 ومن الحلول المقترحة التي أراها مناسبة للتطبيق ما يلي :

أولاً: اعتماد  نص صريح بتحكيم الشريعة الإسلامية :
         عندما يتعاقد المسلم مع الشركات الأجنبية والعالمية فإن عليه أن لا يرضى بالعقد الذي ينص على تحكيم نظام معين لدولة أجنبية لا تحكم بما أنزل الله, بل عليه أن يشترط أنَّ الذي يحكم العقد هو الشريعة الإسلامية، أو يذكر نظام دولة معينة تطبق الشريعة الإسلامية في معاملاتها.
ومن عوامل نجاح هذا الاقتراح الإلحاح في إيراد هذا الشرط من قبل المتعاقدين المسلمين، فإذا رأت شركات التسويق والإنتاج العالمية هذا الإلحاح المستمر والرغبة العامة فإنها لا شك سترضي بهذا الشرط وتضمنه عقودها مع المسلمين.


ثانياً: إنشاء مؤسسات تحكيم شرعية عالمية يكون لها مواقع عبر الإنترنت مما يتيح المجال لتحكيم الشريعة الإسلامية، وتلافي الوقوع في المخالفات الشرعية التي نصت عليها القوانين الوضعية وتكون هذه المؤسسات متميزة بما يلي:
1- النظام الواضح: ينبغي أن يكون لهذه المؤسسات نظام واضح وصريح تعتمد فيه على الأقوال الراجحة في الفقه الإسلامي مع الاستفادة مما توصلت إليه المجامع الفقهية وهيئات الرقابة الشرعية لبعض الدول الإسلامية كهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، ومجمع البحوث الإسلامية التابع لجامعة الأزهر، واللجنة العليا لتطبيق الشريعة الإسلامية في الكويت وغيرها من الهيئات العلمية الشرعية في وطننا الإسلامي.
2- الإشراف المباشر: يلزم أن يكون لهذه المؤسسات ارتباط مباشر بأهل العلم والتقى بأن يكون على كل مؤسسة تحكيم هيئة رقابة شرعية تمتاز بالعلم والأمانة والعدل والقدرة على فهم المسائل المستجدة وتكييفها حسب الأحكام والمقاصد الشرعية.
3- التأهيل الشرعي : وذلك بأن يكون القائمون على التحكيم مؤهلين لهذا الأمر ولديهم الإلمام الكافي بالأحكام الشرعية في مسائل التحكيم التي يختصون بها.
ومما يؤيد جدوى هذا الحل ونجاح هذه الفكرة ما يلي :-
1.     أن التحكيم يمتاز بالبساطة والحرية في اختيار المحكِّم والنظام الذي يجب تطبيقه.
2.     ما يمتاز به التحكيم من السرعة في فصل الخصومة، والسرية، وقلة التكاليف والرسوم وأتعاب المحامين .
3.  أن التحكيم أصبح  في العصر الحالي الوسيلة الرديفة للقضاء وخاصة تسوية المنازعات الناشئة عن تنفيذ أو تفسير الأنظمة .
4.  أن أكثر الأنظمة تعتبر بالتحكيم المطلق الذي يجيز للطرفين المتحاكمين تولية محكِّم يفصل بينهما بمقتضى العدالة والإنصاف(1).

المطلب الثاني : المحكمة المختصة

عقود التجارة الإلكترونية تتم في الغالب بين أطراف مقيمين في أماكن مختلفة إما في دولة واحدة أو دول متعددة، وهنا يأتي السؤال بعد تحديد النظام الذي يحكم العقد عن المحكمة المختصة بالنظر فيه؟
تختلف الأنظمة الدولية في الاختصاص القضائي لقضايا التجارة والعقود الإلكترونية على اتجاهات مختلفة منها :
1.  أن الاختصاص القضائي يكون للمحكمة التي اتفق عليها المتعاقدان, وذلك من أجل التيسير على المدعي حتى يتمكن من الحصول على الحماية القضائية المطلوبة .
2.     أن الاختصاص القضائي يكون لمحكمة إبرام العقد أو تنفيذه وهذا الاتجاه تأخذ به بعض الأنظمة العربية(1).
3.     أن الاختصاص القضائي يكون للمحكمة التي فيها إقامة المدعي عليه.(2)

المحكمة المختصة في الفقه الإسلامي :
بحث الفقهاء رحمهم الله المحكمة المختصة عند التنازع تحت مسمى "القاضي المختص" , وقد اختلفوا في تحديد القاضي المختص بالنظر في النزاع بين المدعي والمدعى عليه عند الاختلاف المكاني بينهم, مع اتفاقهم على أنه إذا كان الخصوم ومحل الدعوى في مكان واحد (أي مدينة واحدة) فإن الدعوى تقام عند قاضي المدينة, أما إذا اختلفوا في محل الإقامة أو كان محل الدعوى في مدينة أخرى فإن العلماء يختلفون في القاضي المختص في نظر الخصومة , وذلك على أربعة أقوال هي:(3)
القول الأول: أن القاضي المختص هو قاضي المدعي , وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية.(4)
ووجه ما ذهبوا إليه: أن المدعي هو المنشئ للخصومة وهو صاحب الحق فيها فله الحق أن يقيم الدعوى عند قاضيه أو قاضي خصمه(1).
القول الثاني: أن القاضي المختص هو قاضي المدعي إلا إذا تعلق الحق بعقار فإن القاضي المختص هو قاضي المكان الذي فيه محل الدعوى وهذا ما ذهب إليه بعض الحنفية وبعض المالكية(2)
القول الثالث : أنه لا يوجد قاضٍ مختص وإنما تقام الدعوى أمام أي قاضٍ بصرف النظر عن محلات المتداعين, وهذا ما ذهب إليه بعض الحنفية والمالكية (3), ووجه ما ذهبوا إليه: أنه لا يوجد دليل يحدد ذلك فيبقى الأمر على إطلاقه بدون تحديد قاضٍ معين والإلزام به.
القول الرابع : أن القاضي المختص هو قاضي المدعى عليه,  وهذا هو المعتمد عند الحنفية وقول لبعض المالكية(4). ووجه ما ذهبوا إليه : أنَّ الأصل براءه ذمة  المدعي عليه فكان أولى بعدم الكلفة عليه بالانتقال إلى محل الخصوم وتعطيل مصالحه حتى يثبت شغل ذمته .

الرأي المختار للعقود الإلكترونية:
         بعد عرض الأقوال تبين أن لكل قول وجاهته وحظه من النظر ، وأنه لا يوجد نص صريح في تحديد جهة التقاضي, ولذا فالمسألة تحكمها القواعد العامة للشريعة الإسلامية التي تعود إلى تحقيق العدل والإنصاف للمظلوم.
         ولعل من المناسب في العقود الإلكترونية العمل بما ذهب إليه أصحاب القول الثاني من أن القاضي المختص هو قاضي المدعي بصفته صاحب الحق في الخصومة وذلك لما عليه الحال في التعاقد عبر الإنترنت حيث أن المستهلك هو الطرف الأضعف في العقد  فإذا تضرر منه بسبب عدم مطابقة السلعة للإعلان أو الوصف أو عدم تنفيذ العقد كما تم الاتفاق عليه ونحو ذلك فيكون غالباً هو المدعي، وهذا يحقق حماية المستهلك من تلاعب الشركات العالمية التي قد تستخدم وسائل تسويقية فيها شيء من الإغراء فكان من المناسب حماية المستهلك في هذا الحال ، مع مراعاة ما اتفق عليه أطراف التعاقد والمكان الذي فيه محل الدعوى وذلك حسب ما يراه قاضي الموضوع المختص ,أما إذا تعلقت الدعوى بعقار فإن القاضي المختص هو قاضي محل المدعى به , لأنه أقرب إلى محل الدعوى وأقدر على معرفة الأعراف والأنظمة المتعلقة به. وهذا القول قريب من قول جمهور العلماء الذين يرون أن القاضي المختص هو قول المدعي مطلقاً.
 وفي جميع الحالات يلزم التقيد بقاعدة الشرعية بأن تكون المحكمة التي تنفذ الموضوع محكمة شرعية. والله أعلم ..

المبحث الثالث
 إثبات العقود الإلكترنية بالتوقيع الإلكتروني
المطلب الأول : تعريف التوقيع الإلكتروني وأهميته :

يعتبر التوقيع من العناصر المهمة والضرروية للكتابة حتى يكون لها قوة في الإثبات .
والتوقيع عبارة عن علامة أو إشارة أو بيان ظاهر مخطوط اعتاد الشخص استعماله للتعبير عن موافقته على المكتوب في المستند، ويتم التوقيع عادة بالإمضاء وذلك بكتابة الاسم أو اللقب، أو بعلامة رمزية بحيث يتكَّون التوقيع من الأحرف الأولى للاسم واللقب، وقد يكون التوقيع بالختم أو ببصمة الأصبع(1).
وقد كان التوقيع العادي هو المستخدم في جميع المستندات وغالباً ما يوضع في آخر المستند لأهميته وحرصاً على وضوحه.
وبعد استخدام بطاقات الائتمان والحاسب الآلي ظهرت الحاجة إلى توقيع آخر يقوم مقام التوقيع العادي على المستندات الورقية فظهر التوقيع الإلكتروني(2).
والتوقيع  الإلكتروني عبارة عن ملف رقمي صغير يصدر عن إحدى الهيئات المتخصصة والمستقلة، والمعترف بها من قبل الحكومة، وفي هذا الملف  يتم تخزين الاسم وبعض المعلومات الهامة كرقم التسلسل وتاريخ انتهاء الشهادة ومصدرها ونحو ذلك(3).
وللتوقيع الإلكتروني صورتان:
1-   التوقيع الرقمي (الكودي) وذلك عن طريق استعمال عدة أرقام يتم تركيبها  لتكِّون في النهاية كوداً  خاصاً يتم التوقيع به.
2-   التوقيع بالقلم الإلكتروني: ويتم ذلك عن طريق استخدام قلم إلكتروني حسابي يمكن عن طريقه الكتابة على شاشة الحاسب الآلي باستخدام برنامج مخصص لذلك(4).
وقد اعترفت بعض الدول بالتوقيع الإلكتروني وساوت بينه وبين التوقيع العادي في الإثبات(5).

المطلب الثاني: حجية التوقيع الإلكتروني  في الإثبات في الفقه الإسلامي

يعدُّ أول ظهور للتوقيع (1) في استخدامه في المحررات الرسمية في الإسلام في السنة السادسة للهجرة النبوية بعد غزوة الحديبية حيث أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكاتب الملوك في الدول المجاورة ويدعوهم إلى الإسلام قياماً بالواجب من تبليغ رسالات الله إلى الناس كافة, فعن أنس رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى رهط أو أناس من الأعاجم, فقيل له: إنهم لا يقبلون كتاباً إلا عليه خاتم, فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضة ..(2)وفي رواية لمسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من فضة ونقشت فيه " محمد رسول الله " فلا ينقش أحد على نقشه"(3).
واستمر استخدام التوقيع بالختم بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم في القرون الإسلامية الأولى, فعن الإمام مالك بن أنس رحمه الله أنه قال" كان الأمر القديم إجازة الخواتيم"(4).
وقد بحث العلماء رحمهم الله تأكيد المحررات بالتوقيع وأوردوا لها أسماء متعددة حسب الجهة التي تصدر منها (السلطان أو القاضي أو الأفراد) ومن تسمياتها: الصك والحجة والسجل والوثيقة، كما بينوا تأكيدها بالاشهاد عليها خاصة إذا خيف التزوير.(5)
ولما كان المقصود من التوقيع تحديد الشخص الذي صدر منه وتمييزه عن غيره ودلالة على رضاه بمضمونه والتزامه به فقد تطورت صوره وأنواعه وخاصة في العصور المتأخرة وكان من آخرها التوقيع الإلكتروني  بأنواعه المختلفة.
والذي يظهر للباحث صحة استخدام التوقيع الإلكتروني وخاصة التوقيع الرقمي لإثبات العقود الإلكترونية في الفقه الإسلامي، وأن هذا يتفق مع مبادئ الإثبات في الشريعة الإسلامية وذلك لما يلي:
1.  أن وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية غير محصورة في عدد معين أو شكل محدد على القول الراجح بل تشمل كل وسيلة يبيَّن فيها الحق وتوصل إلى العدل(1).
2.  أن القصد من التوقيع دلالته على صاحبه وعلمه بمضمون الكتابة التي وقَّع عليها, وهذا متحقق في التوقيع الإلكتروني كما هو متحقق في التوقيع العادي إن لم يكن أكثر.
3.  أن الكتابة ليست محصورة بشيء معين كالورق بل تصح على الأشجار والأحجار والجلود وغيرها, وكان هذا مستخدماً في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، فكذلك التوقيع ليس محصوراً بالطريقة العادية من الأمضاء باليد أو الختم أو بصمة الأصبع بل يصح بالرقم من خلال معادلات رياضية لا يمكن إعادتها لصيغتها المقروءة إلا من قبل الشخص الذي له المعادلة، خاصة وأن هذا التوقيع منسجم مع الكتابة المستخدمة فيه وهو المحرر الإلكتروني حيث يتم وضع المعلومات في صورة رقمية وتخزينها على شرائط ممغنطة أو أقراص CD، وهذا يتحقق في التوقيع الإلكتروني فهو يدل على شخصية الموقِّع وعلاقته بالواقعة المنسوبة إليه إلى أن يثبت خلاف ذلك.
وللإمام ابن القيم كلام نفيس في القرائن الكتابية وحجتها في الإثبات حيث يقول رحمه الله: "فإن القصد حصول العلم بنسبة الخط إلى كاتبه فإذا عرف ذلك وتيقن كان كالعلم بنسبة اللفظ إليه، فإن الخط دال على اللفظ، واللفظ دال على القصد والإرادة , وغاية ما يقدَّر اشتباه الخطوط وذلك كما يفرض من اشتباه الصور والأصوات"(2)
4.  إن التوقيع الإلكتروني الرقمي يحدد هوية المرسل والمستقبل ، ويحافظ على مستوى الأمن والخصوصية لدى المتعاملين على الشبكة من حيث سرية المعلومات والرسائل بشكل لا يستطيع معه الأجنبي الاطلاع عليها وهذه المزايا وغيرها تؤكد صحة استخدام التوقيع الإلكتروني في الإثبات على المحررات الإلكترونية.

المطلب الثالث : الحماية الجنائية للتوقيع الإلكتروني:

للتوقيع الإلكتروني أهمية رئيسة في التجارة الإلكترونية، فعن طريقه يتم تأكيد العقود والاتفاقيات التجارية ، وتحديد هوية المرسل  والمستقبل ، والتأكد من صحة وصدق البيانات ..الخ ونظراً لهذه الأهمية فإن من الضروري وجود حماية جنائية للتوقيع الإلكتروني إذ إن الاعتداء عليه يعتبر اعتداءً على مضمون التجارة الإلكترونية وليس فقط على البيانات المتعلقة بها (1).
وقد قامت بعض الدول العربية(2) بالنص على تجريم بعض الأعمال المتعلقة بالاعتداء على التوقيع الإلكتروني ووضع العقوبات المناسبة لهذه الجرائم.
ومن هذه الجرائم ما يلي :
1-       الدخول  بطريق الغش على قاعدة بيانات  تتعلق بالتوقيع الإلكتروني .
2-       جريمة صنع أو حيازة برنامج لإعداد  توقيع إلكتروني .
3-       جريمة تزوير وتقليد المحررات الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني(3).

الحماية الجنائية للتوقيع  الإلكتروني في الفقه الإسلامي :
اهتمت الشريعة الإسلامية بحفظ الأموال، وأمرت باتخاذ الوسائل الكفيلة بحفظها ، وشرَّعت العقوبات الرادعة لمن يتجرأ أو يحاول الاعتداء عليها بالتزييف أو التزوير أو غير ذلك من طرق الاعتداء.
وقد حرَّم الله عز وجل أكل الأموال بالحيل الماكرة والطرق الملتوية, قال تعالى : ] وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ [البقرة 188] وأباحت الشريعة الإسلامية  للإنسان المدافعة عن ماله إذا اعتدى عليه ولو باستعمال القوة وأنَّ "من قتل  دون ماله فهو شهيد"(4).
وجعلت كل من تسبب في اتلاف مال متقوم بغير حق فإنه يضمنه حتى لو كان ذلك بطريق الخطأ(1).
وهذه الأحكام وغيرها تبين مدى حرص الشريعة الإسلامية على إيجاد الحماية الجنائية للأموال ذاتها وعلى وسائل حفظها أيضاً .
وبما أن الاعتداء على التوقيع  الإلكتروني  أو محاولة القيام بذلك يترتب عليه مخاطر كبيرة على المجني عليه خاصة, وعلى التجارة الإلكترونية عامة ,حيث يؤدي إلى استخدام هذا التوقيع في المعاملات والحقوق المالية مما يسبب سرقة الأموال وضياعها فإن وضع الحماية الجنائية  للتوقيع الإلكتروني يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ الأموال والحقوق  الخاصه وحرمة الاعتداء عليها بأي وجه كان.

والعقوبات في الشريعة الإسلامية  ثلاثة أقسام:
1)    الحدود: وهي العقوبات المقدرة شرعاً لحق الله تعالى, وهي حد الزنا والقذف والشرب والسرقة  والحرابة والردة.
2)  القصاص: وهي عقوبة مقدرة شرعاً لحق الأفراد ،  فمن حق المجني عليه أو ورثته أن يستوفيه أو يعفو عنه ، وهو قسمان: في النفس، وفي الأطراف .
3)  التعزيرات : وهي عقوبات غير مقدرة شرعاً، وإنما ترك شأنها وتقديرها إلى ولي أمر المسلمين,(2) فمن حِكَم الشارع أن جعل لولي الأمر مجالاً لينظر الجرائم التي تقع في عصره والتي تكون مخالفة لأحكام الشريعة ومقاصدها, فيضع لها العقوبات الرادعة الزاجرة مراعياً في ذلك نوع الجريمة والآثار المترتبة عليها(3).
والاعتداء على التوقيع الإلكتروني أو محاولة القيام بذلك يعتبر جريمة بحد ذاته, سواءً كان بصنع برنامج لإعداد توقيع إلكتروني بدون إذن الجهة صاحبة الصلاحية، أو تزوير وتقليد التوقيع الإلكتروني، أو الدخول بطريق الغش على قاعدة بيانات تتعلق بالتوقيع الإلكتروني, أو غير ذلك من الجرائم التي تقع على التوقيع الإلكتروني.
ووضع عقوبة محدَّدة على هذه الجرائم هو من باب التعزير الموكول إلى ولي أمر المسلمين سواءً بنفسه أو عن طريق السلطة التنظيمية في الدولة الإسلامية التي تتولى تحديد الجرائم ووضع العقوبات المناسبة لها.

الخـــاتمة

أحمد الله سبحانه وتعالى الذي يسَّر لي إتمام هذا البحث ، وأذكر في نهايته أهم النتائج التي توصلت إليها وهي ما يلي:
1- أن الشريعة الإسلامية جعلت الرضا هو الأساس في انعقاد  العقود من دون تحديد لفظ معين أو شكل محدد مما جعل أحكام الشريعة تستوعب ما استجد من طرق وأشكال لانعقاد العقود, ومن ذلك "التعاقد  عن طريق الالكترونيات".
2- العقود الإلكترونية هي العقود والتي تتم عبر الوسائل والآلات التي تعمل عن طريق الإلكترون, ومن آخرها وأهمها التعاقد بطريق الإنترنت.
3- للتعاقد بطريق الإنترنت عدة طرق من أهمها وأكثرها انتشاراً التعاقد عبر شبكة المواقع  (web), والتعاقد عبر البريد الإلكتروني  (E,mail), والتعاقد عبر المحادثة والمشاهدة .
4- العقد في الشريعة الإسلامية ينعقد بكل ما يدل عليه من قول أو فعل أو كتابة أو إشارة من كلا العاقدين أو من أحدهما .
5- الإنترنت عبارة عن آلة ووسيلة لتوصيل الكتابة وهذه الوسيلة معتبرة شرعاً لعدم تضمنها محذوراً شرعياً ، ولأنها شبيهة بالتعاقد عن طريق الرسول أو البريد العادي .
6- التعاقد بطريق الإنترنت يعتبر- من حيث الأصل - تعاقد بين حاضرين من حيث الزمان وغائبين من حيث المكان إلا إذا وجدت فترة زمنية طويلة نسبياً تفصل بين الإيجاب والقبول فإن التعاقد يكون بين غائبين زماناً ومكاناً.
7- بناءً على قول الحنفية في أن الإيجاب ما صدر أولاً والقبول ما صدر ثانياً  فإن الإعلان عن السلعة أو الخدمة في شبكة المواقع (web) يعتبر إيجاباً من العارض إلا في بعض الحالات التي تكون فيها شخصية المتعاقد الآخر محل اعتبار عند من صدر منه العرض فالإعلان في هذه الحالة وأمثالها يعتبر دعوة للتعاقد وليس إيجاباً .
وقريباً من ذلك إذا كان العرض عبر البريد الإلكتروني أو المحادثة والمشاهدة.
8- يشترط في صيغة العقد (الإيجاب والقبول) أن يكونا واضحين ودالين على إرادة التعاقد، وأن يكون القبول موافقاً للإيجاب ومتصلاً به وهذه الشروط يلزم تحقيقها في التعاقد بطريق الإنترنت حتى يكون صحيحاً ومعتبراً.
9- يبدأ مجلس العقد في التعاقد بطريقة الإنترنت من بداية دخول الراغب في التعاقد إلى موقع الشركة العارضة عبر شبكة المواقع (web) ويستمر حتى خروجه من الموقع.
وفي التعاقد عبر البريد الإلكتروني المباشر يبتدئ المجلس من صدور الإيجاب ويستمر حتى خروجه من الموقع. وكذا في التعاقد عبر المحادثة والمشاهدة.
أما في التعاقد عبر البريد الإلكتروني الذي لم يتم مباشرة فإن المجلس يبتدئ من اطِّلاع القابل على المعروض ويستمر حتى نهاية المدة إن وجدت وإلا رُجع في ذلك إلى الأعراف التجارية.
10- العقود المالية تصح بطريق الإنترنت حتى عقد الصرف والسلم وذلك لإمكان السداد مباشرة، أما عقد النكاح فنظراً لمكانته الخاصة ولوجود عنصر الشكلية فيه ولما يترتب على القول بصحته عبر الإنترنت من مفاسد فإنه لا يصح إجراءه بطريق  الإنترنت.
11- إذا اتفق المتعاقدان على تحديد قانون معين يحكم العقد فإن الاتفاق صحيح ويعمل به شريطة أن يكون هذا القانون مستمداً من الشريعة الإسلامية, لا فرق في ذلك بين أن يكون أطراف التعاقد جميعهم مسلمين أو بعضهم مسلم والآخر غير مسلم, فإن لم يكن القانون مستمداً من الشريعة فإن الاتفاق باطل ولا يعمل به .
12- من الحلول المقترحة عن تحكيم القوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية اعتماد نص صريح في العقد بتحكيم الشريعة الإسلامية والإلحاح في طلب ذلك، وكذلك الدعوة إلى إيجاد مؤسسات تحكيم شرعية عالمية لها مواقع ثابتة في شبكة المواقع (web) تتميز بالنظام الواضح ووجود هيئة رقابة شرعية وتأهيل أعضائها التأهيل الشرعي المناسب .
13- اختلف العلماء رحمهم الله في المحكمة المختصة (القاضي المختص) بالنظر في النزاع عند الاختلاف المكاني بين الخصوم ومحل الدعوى، ولعل من المناسب في التعاقد بطريق الإنترنت العمل بما ذهب إليه جمهور العلماء من أن القاضي المختص هو قاضي المدعِي , لأنه - في الغالب - هو المستهلك وهو الطرف الأضعف في العقد فكان من المناسب حمايته، مع مراعاة ما اتفق عليه أطراف التعاقد ومحل التنفيذ حسب ما يراه القاضي المختص إلا إذا كان محل الدعوى عقاراً فإن المحكمة المختصة محكمة محل العقار , وفي جميع الحالات يجب التقيد بقاعدة الشرعية .
14- ظهر للباحث صحة استخدام التوقيع الإلكتروني (وخاصةً الرقمي منه) لإثبات العقود الإلكترونية في الفقه الإسلامي, وأن هذا متفق مع مبادئ الإثبات في الشريعة إذ إنها غير محصورة بعدد معين أو بشكل محدد وإنما تشمل كل وسيلة يبين فيها الحق وتوصل إلى العدل .
15- نظراً لأهمية التوقيع الإلكتروني , ولما يترتب على الاعتداء عليه من مخاطر على المجني عليه والتجارة الإلكترونية فإن الذي يظهر للباحث أن وضع الحماية الجنائية للتوقيع الإلكتروني يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ الأموال والحقوق الخاصة وحرمة الاعتداء عليها, وهذا داخل ضمن التعازير الموكولة في تحديدها وتقديرها إلى ولي أمر المسلمين ليرى العقوبة المناسبة لكل جريمة حسب نوعها وآثارها مع مرعاة المكان والزمان الذي يعيش به.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ؛؛؛؛

ثبت المراجع
1.     أحكام القرآن, لأبي بكر أحمد بن علي الجصاص(ت370هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
2.     أحكام وقواعد عبء الإثبات في الفقه الإسلامي وقانون الإثبات. د. محمد فتح الله النشار، دار الجامعة الجديدة للنشر ، مصر، الأسكندرية 2000م.
3.     أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية د. محمد حسن قاسم، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت 2002م.
4.     أصول عقد البيع في الفقه الإسلامي، د. محمد فهمي السرجاني، دار الإتحاد العربي ، القاهرة ، 1406هـ.
5.     أصول نظام الحكم في الإسلام، د. فؤاد عبد المنعم، مركز الإسكندرية للكتب ، الإسكندرية .
6.     الاختصاص القضائي في الفقه الإسلامي، ناصر محمد الغامدي، مكتبة الرشد، الرياض، 1420هـ .
7.           الإلكترون وأثره في حياتنا، جين بندك، دار المعارف، مصر 1957م.
8.     البيع والتجارة عبر الإنترنت وفتح المتاجر الإلكترونية، عبد الحميد بسيوني، مكتبة ابن سينا، القاهرة .
9.     التجارة الإلكترونية في الوطن العربي، الفرص والتحديات، حسن الحفني، من اصدارات مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية 2002م.
10.   التحكيم بواسطة الإنترنت، محمد إبراهيم أبو الهيجاء، دار الثقافة الأردن عمان 2002م.
11.   التحكيم في الشريعة الإسلامية، عبد الله بن محمد الخنين، مؤسسة فؤاد بعينو، الرياض، الطبعة الأولى 1420هـ.
12.   التعاقد بالبيع بواسطة الإنترنت- دراسة مقارنة- محمد إبراهيم أبو الهيجاء، دار الثقافة ، الأردن، عمان 2002م.
13.   التعاقد عن طريق الإنترنت- دراسة مقارنة- أحمد خالد العجلون، دار الثقافة، الأردن، عمان 2002م.
14.   الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، لشمس الدين محمد بن قيم الجوزية(ت751هـ)، دار إحياء العلوم، بيروت.
15.   الفتاوي الكبرى ، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية (ت728هـ) جمع عبد الرحمن القاسم وابنه محمد طبع تحت إشراف الرئاسة العامة لشئون الحرمين الشريفين – المملكة العربية السعودية.
16.      الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر, دمشق ,الطبعة الثالثة 1409هـ.
17.   القاموس المحيط للفيروزآبادي (ت817هـ) مؤسسة الرسالة, بيروت، الطبعة الثانية 1407هـ.
18.      القواعد لابن رجب الحنبلي، دار الجيل، بيروت, الطبعة الثانية 1408هـ.
19.   المؤتمر الإسلامي الثاني للشريعة والقانون(التحكيم المطلق في ضوء الشريعة والقانون) ، انعقد سنة 1412هـ 2000م في معهد طرابلس، لبنان، الطبعة الأولى.
20.   المشروعية الإسلامية العليا، د. علي محمد جريشة ، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى 1396هـ.
21.   المغني لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة (ت620هـ)، تحقيق د. عبد الله التركي ود. عبد الفتاح الحلو. دار عالم الكتب ، الرياض، الطبعة الثالثة 1417هـ.
22.   الموافقات في أصول الشريعة، للإمام إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت790هـ)، دار المعارف، بيروت.
23.   النظام القانوني لحماية التجارة الإلكترونية، د. عبد الفتاح بيومي حجازي، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية 2002م.
24.   بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين الكاساني الحنفي (ت587هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ.
25.   تطبيقات الإنترنت في التسوق ، د. بشير عباس العلاق، دار المناهج ، عمان ، الأردن، 1422هـ.
26.   تفسير البغوي المسمى (معالم التنزيل) لحسين بن  مسعود البغوي(ت516هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة الأولى 1414هـ.
27.   تفسير الطبري المسمى (جامع البيان في تأويل القرآن)، لمحمد بن جرير الطبري(ت310هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ.
28.   حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، لمحمد بن عرفة الدسوقي(ت1230هـ)، دار الفكر، بيروت.
29.   حكم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة في ضوء الشريعة والقانون محمد عقلة الإبراهيم، دار الضياء، الأردن، عمان الطبعة الأولى 1406هـ .
30.   صحيح البخاري ، لابن عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري(ت256هـ) دار القلم – بيروت 1987م.
31.   صحيح مسلم – لمسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261هـ) دار إحياء التراث العربي – بيروت 1954م.
32.   ضوابط العقد في الفقه الإسلامي، د. عدنان خالد التركماني، دار المطبوعات الحديثة، جدة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية. 1413هـ.
33.   ضوابط العقود دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي وموازنة بالقانون الوضعي وفقهه، د. عبد الحميد محمود البعلي، مكتبة وهبة، مصر، القاهرة , الطبعة الأولى.
34.   لسان العرب، لابن منظور(ت711هـ)، دار أحياء التراث العربي، بيروت 1408هـ.
35.      مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الدورة السادسة.
36.   مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، لمحمد الشربيني الخطيب، مطبعة الحلبي 1377هـ.
37.   وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية، د. محمد مصطفى الزحيلي, مكتبة دار البيان, دمشق، الطبعة الأولى 1402هـ.
38.   معجم مقاييس اللغة, لأبي الحسن أحمد بن زكريا بن فارس(ت395هـ) دار إحياء التراث العربي – بيروت – الطبعة الأولى 1422هـ.
39.   سنن ابن ماجه , لأبي محمد بن يزيد القزويني (ت275هـ) دار إحياء التراث العربي – بيروت .
40.      سنن أبي داود – لسليمان بن الأشعث (ت307هـ) – المكتبة العصرية – بيروت.
41.      المصباح المنير – لأحمد بن محمد الفيومي – المكتبة العلمية – بيروت.
42.      سنن الترمذي – لأبي عيسى الترمذي (ت279هـ) دار الكتب العلمية – بيروت.
43.   المسند – للإمام أحمد بن حنبل الشيباني (ت241هـ) دار المعارف , القاهرة 1980م.
44.   إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل – محمد ناصر الدين الألباني – المكتب الإسلامي – بيروت – الطبعة الثانية 1405هـ).
45.   نصب الراية لأحاديث الهداية لجمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي (ت762هـ) دار الحديث – القاهرة.
46.   منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات لتقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي (ت972هـ), تحقيق د. عبد الله التركي – الطبعة الأولى – بيروت 1419هـ.




(1) انظر في ذلك: ضوابط العقد في الفقه الإسلامي ، د. عدنان خالد التركماني ص18.
(2) تفسير البغوي 1/331.
(3) رواه ابن ماجه واللفظ له في كتاب التجارات, باب بيع الخيار برقم 2176 , ورواه أحمد بنحوه في المسند , كتاب باقي مسند المكثرين برقم10501 , والترمذي في كتاب البيوع برقم 1169 , وأبو داود في كتاب البيوع أيضاً برقم 2999  .
(1) انظر التجارة الإلكترونية في الوطن العربي . حسن الحفني ص19.
(1) انظر: معجم مقاييس اللغة ص654 ولسان العرب لابن منظور 9/309,والقاموس المحيط للفيروز أبادي ص 383 , والمصباح المنير للفيومي ص421.
(2) أحكام القرآن  للجصاص 3/285.
(3) انظر: القواعد لابن رجب, القاعدة الثانية والخمسين ,ص78.
(4) انظر في ذلك: ضوابط العقد في العقد الإسلامي- د. خالد التركماني ص24, وضوابط العقود- د. عبد الحميد البعلي ص44.
(5) مرشد الحيران- لمحمد قدري باشا ، المادة 168 بتصرف .
(6) انظر: الألكترون وأثره في حياتنا – لجين نيدك ص9.
(1) انظر المرجع السابق وموسوعة الإلكترونيات لمحمد المتنبي (الجزء الأول).
(2) أنظر: البيع والتجارة على الإنترنت – عبد الحميد بسيوني ص54.
(1) انظر: التعاقد عن طريق الإنترنت - أحمد العجلوني. ص16، وتطبيقات الإنترنت في التسويق - د. بشير العلاق ص20، كما تمت المقابلة مع بعض الشركات والمؤسسات التي لها مواقع تسويقية في الشبكة العنكبوتية.
(2) أنظر المراجع السابقة .
(3) انظر تفصيل هذه الطرق التجارة الإلكترونية في الوطن العربي. حسن الحفني ص 13-17 والتعاقد بالبيع بواسطة الإنترنت . محمد أبو الهيحاء ص54.
(2) أنظر هذه القاعدة: مجلة الأحكام العدلية وشرحها لعلي حيدر, المادة 69 1/61.
 (3) انظر ضوابط العقد في الفقه الإسلامي . د. عدنان التركماني ص74.
(4) المنعقدة بمدينة جدة من 17-23/8/1410هـ الموافق 14-10/3/1990م.

(1)  مجلة مجمع الفقه الإسلامي  - العدد السادس -2/785.
(1) انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/3. والمجموع شرح المهذب 9/165. وكشاف القناع 3/165.
(2) انظر بدائع الصنائع 3/196.
(3) لمزيد من التفصيل في هذه المسألة أنظر: ضوابط العقود. د. عبد الحميد اليعلي. ص87., وضوابط العقد في الفقه الإسلامي د.عدنان التركماني ص41.
(1) رواه الترمذي من حديث عمرو المزني, في كتاب الأحكام, باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح, برقم 1272 وقال عنه حسن صحيح.
(2) أنظر: تفسير  البغوي 2/34-35، الآيات 48-49 من سورة المائدة.
(3) أنظر: تفسير الطبري 4/614 , وتفسير البغوي 2/35.
(4) أنظر: تفسير ابن كثير 2/64.
(5) الآيات: 47-50 من سورة النور.
(6) في الآيات 44-47 من سورة المائدة.
(1) تفسير الطبري 4/155 وانظر تفسير البغوي 3/299.
(1) انظر في ذلك: المؤتمر الإسلامي الثاني للشريعة والقانون  وهو بعنوان (التحكيم المطلق في ضوء الشريعة والقانون) 1421- 2000م- معهد طرابلس الجامعي للدراسات الإسلامية، وانظر التحكيم في الشريعة الإسلامية - عبد الله بن محمد الخنين ص39 وما بعدها .
(1) انظر مثلاً: قانون المرافعات المصري (المادة 30 الفقرة الثانية).
(2) وهو ما تأخذ به المملكة العربية السعودية انظر: التعميم رقم (2394/2) ويرد على ذلك بعض الاستثناءات أنظرها في التعميم المشار إليه.
(3) انظر في تفصيل هذه الأقوال: الاختصاص القضائي في الفقه الإسلامي بحث ماجستير – جامعة أم  القرى – مكة المكرمة – ناصر بن محمد الغامدي ص418.
(4) انظر: البحر الرائق 7/192، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/129 ,ومغني المحتاج 6/269 , وكشاف القناع 6/292.

(1) أنظر: المراجع السابقة.
(2) انظر: البحر الرائق 6/280, والشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 4/164.
(3) أنظر: البحر الرائق 6/280, وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 164, وهذا القول راجع في غالب الحالات إلى القول الأول حيث أن القاضي إذا لم يكن محدداً فأن المدعي سيقيم الدعوى أينما يريد وهذا هو مؤدي القول الأول .
(4) انظر البحر الرائق 7/192, والتاج والإكليل للمواق 9/146.
(1) انظر: أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية – د. محمد حسن قاسم ص158.
(2) انظر: التعاقد بالبيع بواسطة الإنترنت ، محمد أبو الهيجاء 56/60 , ومدى حجية التوقيع الإلكتروني في الإثبات بحث مقدم المؤتمر الكويت الأول للقانون والحاسب الآلي المنعقد من 4-7/11/1989 – منشور في كتاب مجموعة أبحاث المؤتمر .
(3) انظر: النظام القانوني لحمايته التجارية الإلكترونية - د. عبد الفتاح حجازي 1/182، والتجارة الإلكترونية في الوطن العربي ص17, والتحكيم بواسطة الإنترنت - محمد أبو الهيجياء ص87.
(4) انظر: النظام القانوني لحماية التجارة الإلكترونية - د. عبد الفتاح حجازي 1/190-198.
(5) انظر المرجع السابق 1/200.
(1) جاء في معجم مقاييس اللغة في لفظ وقع " ومنه التوقيع: ما يلحق بالكتاب بعد الفراغ منه" ص1026 وانظر القاموس المحيط ص998.
(3) أخرجه مسلم في صحيحه باب اللباس والزينة برقم 3901 , وكان هذا الخاتم في أصبعه البنصر من يده اليسرى صلى الله عليه وسلم , ثم لبسه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بعده, فلما كان عثمان جلس على بئر أريس فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط في البئر, وانظر صحيح البخاري كتاب اللباس رقم الحديث 5429.
(4) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/160
(5) انظر: وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية د. محمد مصطفى الزحيلي ص474.
(1) وهذا هو قول ابن قيم الجوزية وقد أقاض القول في بيان هذه القاعدة والاستدلال على صحتها , انظر كتابه االطرق الحكيمة في السياسة الشرعية, وانظر مقدمة الكتاب .
(2) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص203.
(1) انظر: القانوني لحماية التجارة الإلكترونية - د. عبد الفتاح حجازي 2/294.
(2) من الدول العربية مصر, أنظر المواد 26و27و28 من مشروع التجارة الالكترونية في مصر.
(3) أنظر: النظام القانوني لحماية التجارة الالكترونية – د. عبد الفتاح حجازي 2/296-304.
(4) متفق عليه ,أخرجه البخاري في كتاب المظالم باب من قتل دون ماله برقم 2300, ومسلم في كتاب الإيمان برقم 202.
(1) انظر في حفظ المال وأهميته : الإسلام مقاصده وخصائصه – لمحمد عقله ص 209-224.
(2) انظر: بدائع الصنائع 7/63, والشرح الكبير على مختصر خليل 4/354, والكافي لابن قدامه 5/439.
(3) انظر: التشريع الجنائي الإسلامي – عبد القادر عودة 10/129.

تعليقات