القائمة الرئيسية

الصفحات



القصد الجنائي في جريمة الشروع وعقابها في لقانون المصرى

القصد  الجنائي في جريمة الشروع وعقابها في لقانون المصرى



67- القصد الجنائي

الأحكام التي يخضع لها القصد الجنائي في الشروع:
ليس بين الشروع والجريمة التامة فارق من حيث الركن المعنوي، وإنما ينحصر الفرق بينهما في الركن المادي الذي تكتمل عناصره إذا كانت الجريمة تامة في حين تتخلف منه النتيجة الإجرامية إذا اقتصرت الجريمة على مجرد الشروع. ويترتب على ذلك أن القصد الجنائي الذي يتعين توافره بالنسبة للشروع في الجريمة هو عين القصد الجنائي الذي يتعين توافره إذا كانت الجريمة تامة، فيقوم في الحالين على نفس العناصر ويخضع لذات الأحكام، وعلى سبيل المثال، نقرر أنه إذا كان القصد الجنائي يتطلب في القتل التام نية إزهاق الروح وفي السرقة نية التملك، فهو يتطلب نفس النية بالنسبة للشروع في كل من الجريمتين.
========================================================================================
68-القصد الجنائي يتطلب إرادة إحداث النتيجة الإجرامية:
يفترض الشروع اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب جريمة تامة، ولا يتصور أن تتجه إرادته إلى مجرد الشروع فيها، إذ لن يحقق الشروع له غرضاً، وبالإضافة إلى ذلك فالفرض أن عدم إتمام الجريمة لم يكن مرجعه إلى إرادة الجاني، ولذلك لم يكن متصوراً أن تتجه إرادته إلى عدم إتمام الجريمة. وإذا ثبت أن إرادة الجاني لم تتجه إلى إتمام الجريمة، فإنه لا يُسأل عن شروع فيها، وإنما يسأل عن الجريمة التي تقوم بالأفعال التي أراد أن يقصر نشاطه على إتيانها.
========================================================================================

69-القصد الجنائي يتطلب إرادة ارتكاب جريمة معينة:

الشروع ينصرف إلى جريمة معينة، ولا يعرف القانون شروعاً مجرداً، أي شروعاً في غير جريمة محددة. ويترتب على ذلك أنه إذا لم تتحدد إرادة الجاني بالاتجاه إلى إحداث نتيجة إجرامية معينة فلا محل للشروع، ولا وجه للعقاب إلا إذا كان النشاط الذي صدر عنه يعد جريمة قائمة بذاتها وكانت الإرادة الصادرة عنه تصلح لأن تقوم بها هذه الجريمة. فمن يدخل منزلاً دون أن تكون إرادته متجهة إلى ارتكاب جريمة معينة لا يسأل عن شروع، ولكن قد يسأل عن انتهاك حرمة ملك الغير (المادة 369 وما بعدها من قانون العقوبات المصري).
========================================================================================
70-أهمية اعتبار القصد الجنائي ركناً للشروع:
يترتب على اعتبار القصد الجنائي ركناً للشروع حصر نطاقه باستبعاد طوائف من الجرائم لا يعد القصد الجنائي من أركانها، إذ يعني ذلك أن يتخلف بالنسبة للشروع فيها أحد الأركان المتطلبة لقيامه، فلا يكون الشروع طبقاً للقانون متصوراً. وهذه الجرائم طائفتان: الجرائم غير العمدية، والجرائم ذات النتائج التي تجاوز قصد الجاني.
========================================================================================
71-لا شروع في الجرائم غير العمدية:
لا يقوم الركن المعنوي في هذه الجرائم على القصد الجنائي. بل يفترض انتفاءه وتوافر الخطأ غير العمدي، ومن ثم لم يكن للشروع فيها محل، إذ ينقصه دائماً أحد أركانه. وعلى هذا النحو، فالفعل المنطوي على خطر يهدد حقاً والصادر عن خطأ غير عمدي لا يعد شروعاً إذا لم تحدث النتيجة التي يتمثل فيها الاعتداء على الحق وتقوم بها جريمة غير عمدية معينة، ولكن هذا الفعل قد يعد جريمة في ذاته إذا كان القانون يعاقب عليه مجرداً أو كان قد أحدث نتيجة تقوم بها جريمة غير عمدية أخرى. فقيادة سيارة بسرعة في طريق مزدحم بالمارة وعلى نحو يهدد بالخطر حياة بعضهم لا يعد شروعاً في قتل غير عمدي، ولكنه قد يعد جريمة تجاوز السرعة المسموح بها، أو جريمة إصابة غير عمدية إذا أفضى الفعل إلى إصابة ولكن لم تتحقق وفاة المصاب.
========================================================================================

72- لا شروع في الجرائم ذات النتائج التي تجاوز قصد الجاني:

تفترض هذه الجرائم أن الجاني قد أرتكب فعلاً أراد به إحداث نتيجة معينة ولكن حدثت نتيجة أشد جسامة لم يتجه إليها قصده، وبديهي أن يكون الشروع غير متصور بالنسبة للنتيجة الجسيمة، إذ لم يتجه القصد الجنائي إليها، فيعني ذلك أن أحد أركان الشروع يتخلف دائماً بالنسبة لها. فالشروع لا يتصور في جريمة الضرب المفضي إلى الموت، إذ لا يتجه القصد إلى إحداث الوفاة، وإلا كانت الجريمة قتلاً عمدياً، وإنما يقتصر اتجاه القصد على مجرد المساس بسلامة الجسد ثم تحدث الوفاة دون أن ينصرف القصد إليها. ويصدق الحكم نفسه على كل جريمة ذات نتيجة تجاوز قصد مرتكبها، مثال ذلك الجرائم المنصوص عليها في المواد 126 و 168 و 257 و 276 من قانون العقوبات (المصري).
أما جريمة الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة فلها صورتان: إذ قد تكون ذات نتيجة تجاوز قصد مرتكبها كما لو اقتصر قصده على مجرد المساس بسلامة الجسم ثم حدثت العاهة؛ وقد تكون عمدية عادية كما لو اتجه القصد إلى إحداث العاهة، مثال ذلك أن يصيب شخص جسم آخر بنية بتر يده أو فقء عينه. ففي الصورة الأولى لا يتصور الشروع، ولكن في الصورة الثانية يكون الشروع متصوراً، إذ يتوافر القصد المتجه إلى النتيجة، فإن توافرت سائر أركانه فلا مفر من العقاب عليه.
========================================================================================

73-سلطة القضاء في إثبات توافر القصد الجنائي:

التحقق من توافر القصد الجنائي يدخل في اختصاص قاضي الموضوع الذي يستخلصه من وقائع الدعوى وقرائنها. ولا رقابة لمحكمة النقض عليه إلا إذا أخطأ في تحديد عناصره وأحكامه، إذ يكون لمحكمة النقض أن ترده إلى التحديد الصحيح. ويلتزم قاضي الموضوع بأن يثبت في حكمه بالإدانة من أجل الشروع توافر القصد المتجه إلى الجريمة، فإن لم يفعل فحكمه قاصر التسبيب، إذ أغفل بيان ركن تقوم عليه المسئولية الجنائية عن الشروع.
========================================================================================
74-  عدم إتمام الجريمة لأسباب لا ترجع إلى إرادة الجاني
تمهيد:
يفترض الشروع المعاقب عليه أمرين: عدم إتمام الجريمة، وكون ذلك غير راجع إلى إرادة الجاني. فالأمر الأول يكفل التمييز بين الشروع والجريمة التامة، والأمر الثاني يكفل التمييز بين الشروع المعاقب عليه وحالات البدء في التنفيذ التي يعقبها عدول اختياري فلا يوقع فيها عقاب.

الفرق بين الجريمة التامة والشروع:

قدمنا أن هذا الفرق ينحصر في استكمال الركن المادي في الجريمة التامة كل عناصره في حين أنه تتخلف منه النتيجة الإجرامية في حالة الشروع. ونضيف إلى ذلك أن تحديد ما إذا كانت الجريمة تامة أم اقتصر النشاط الإجرامي على مجرد الشروع يقتضي الرجوع إلى نص القانون الخاص بالجريمة واستخلاص الكيفية التي يحدد بها عناصر الركن المادي، وبصفة خاصة تحديد الواقعة التي تعد نتيجة إجرامية بالنسبة لهذه الجريمة، ثم تطبيق ذلك على سلوك الجاني وآثاره لبيان ما إذا كانت النتيجة قد تحققت أم لم تتحقق. وتختلف الجرائم فيما بينها، ولذلك لا نستطيع أن نضع قاعدة عامة، وإنما نكتفي بالإشارة إلى بعض الجرائم: لا تتم جريمة القتل إلا بوفاة المجني عليه، فإن لم تتحقق هذه النتيجة فالجريمة في مرحلة الشروع أيا كانت خطورة الإصابات، ولا تتم جريمة السرقة إلا إذا أخرج الجاني الشيء من حيازة المجني عليه وأدخله في حيازة أخرى، فإن لم تتغير الحيازة على هذا النحو فالسرقة في مرحلة الشروع أيا كان المدى الذي بلغه الجاني في نشاطه الإجرامي، ولكن جريمة الحريق تتم بمجرد وضع النار في المكان المراد إحراقه سواء اشتعل الحريق أو لم يشتعل، ويعني ذلك أنه إذا وضع الجاني النار فانطفأت ولم تتلف شيئاً فالجريمة تامة. وكذلك تتم جريمة استيراد السلع من خارج الجمهورية (مصر) قبل الحصول على ترخيص من وزارة الاقتصاد بمجرد وصول السلع إلى أحد جمارك إقليم الجمهورية ما دامت قد شحنت من الخارج قبل الحصول على الترخيص، ولا يعلق تمامها على استلام السلع من الجمارك.
========================================================================================

75- الفرق بين العدول الاختياري وعدم إتمام الجريمة لأسباب لا ترجع إلى إرادة الجاني:

يضع هذا الفرق الحدود بين مجالين: مجال لا يعاقب القانون فيه ومجال يقرر القانون فيه توقيع العقاب. وتفسير عدم العقاب في حالة العدول الاختياري مستمد من سياسة العقاب. إذ يقدر الشارع أن مصلحة المجتمع تقتضي تشجيع من بدأ تنفيذ الجريمة على أن يعدل عن إتمامها باختياره، وفي تعبير آخر يقدر الشارع أن عدم إتمام الجريمة اختياراً يحقق للمجتمع مصلحة ترجح على مصلحته في توقيع العقاب من أجل البدء في التنفيذ. وهذا التفسير يجعل التكييف الصحيح للعدول الاختياري أنه مانع عقاب.
ويكون العدول اختيارياً إذا كان يرجع إلى أسباب نفسية خالصة جعلت مرتكب الفعل يتخذ قراره في حرية تامة بعدم المضي في إتمام الجريمة، وفي تعبير آخر يكون العدول اختيارياً إذا لم تكن ثمة عوامل خارجية مستقلة عن شخص الفاعل أثرت عليه ووجهت إرادته إلى عدم إتمام الجريمة، وعلى هذا النحو فالعدول الاختياري هو العدول التلقائي، فالفاعل يستطيع إتمام الجريمة ولكنه لا يريد ذلك. ولا يعتد القانون بالبواعث التي تحمل على العدول الاختياري: فقد تكون الإشفاق على المجني عليه أو الرغبة في احترام القانون أو تعاليم الأخلاق أو الدين، وقد تكون خشية مقاومة المجني عليه أو التعرض للقبض والمحاكمة.
ويكون العدول غير اختياري إذا كان راجعاً إلى أسباب خارجية فرضت على الجاني عدم إتمام الجريمة، فإرادة الفاعل لم تكن حرة في عدولها، بل كان ثمة إكراه مادي أو معنوي يرسم لها اتجاهاً؛ مثال ذلك أن يتعرض لمقاومة المجني عليه فيعجز عن التغلب عليه، أو أن يتدخل شخص يوقف نشاط الجاني كشرطي يقبض عليه أو شخص يناصر المجني عليه في مقاومته أو يهدده بشر جسيم إذا استمر في تنفيذ جريمته. وحكم العدول غير الاختياري لا يثير شكاً، إذ يوقع العقاب على الرغم منه.
وقد يكون العدول مختلطاً من حيث طبيعته، إذ فيه جانب غير اختياري وجانب اختياري؛ ويعني ذلك أنه لم يكن وليد عملية نفسية خالصة، وإنما عرضت للفاعل واقعة خارجية أثرت على تفكيره وإرادته وجعلته يقف في نشاطه الإجرامي، والفرض أنه إذا لم تعرض هذه الواقعة ما كان يعدل عن الجريمة، مثال ذلك أن يرى شخصاً مقبلاً نحو أو يسمع صوتاً قريباً منه فيعتقد أنه مهدد بالقبض عليه فيوقف نشاطه الإجرامي، وقد تكون الواقعة موهومة، كما لو توهم أنه يرى شخصاً أو يسمع صوتاً والحقيقة أنه لا وجود لذلك. وحكم العدول المختلط محل خلاف في الفقه: ففريق يرى إلحاقه بالعدول الاختياري محتجاً بأن الواقعة الخارجية – حقيقية كانت أو موهومة – لا تعدو غير أن تكون باعثاً على اتجاه إرادة الفاعل إلى عدم المضي في الجريمة، والقاعدة أن البواعث لا يعتد بها القانون. وهذا الرأي معيب، إذ أن الواقعة الخارجية هي منشأ الاتجاه الإرادي، وهي بذلك تباشر تأثيراً شبيهاً بما تباشره في حالة العدول غير الاختياري، الأمر الذي ينفي عن العدول أنه اختياري. وذهب رأي إلى وجوب تحديد العامل الغالب، فإن كان الإرادة فالعدول اختياري وإن كان الواقعة الخارجية فهو غير اختياري. ويعيب هذا الرأي صعوبة تطبيقه، إذ يتطلب تحليلاً دقيقاً لنفسية الفاعل، وليس من اليسير على القاضي القيام به. والصحيح في تقديرنا إلحاق العدول المختلط بالعدول غير الاختياري، إذ لا يكون العدول اختيارياً إلا إذا كان تلقائياً راجعاً إلى أسباب نفسية خالصة، وهذه الصفة التلقائية غير متوافرة في العدول المختلط، إذ ليس مرجعه إلى نفسية الفاعل وحدها. فالمفترض أن الجاني كان يريد إتمام الجريمة ولكنه لا يستطيع ذلك.
وتطبيقاً لهذه القاعدة فإن العدول يكون غير اختياري إذا دخل السارق مسكن المجني عليه فلم يجد ما يسرقه، ولكنه يكون اختيارياً إذ وجد ما يسرق ولكنه لم يره مطابقاً لما كان يتوقعه فلم يستول عليه. وفي التشريعات التي تعاقب على الشروع في الإجهاض – وليس القانون المصري منها – يكون العدول اختيارياً إذا حاولت الحامل إجهاض نفسها فوضعت في فمها المادة المجهضة ثم لم تبتلعها لرداءة طعمها، ويكون عدولها غير اختياري إذا أحدثت المادة التهاباً بالفم والبلعوم فلم تستطع ابتلاعها.
==========================================================================================

76- العدول في نوعي الشروع:


قدمنا أن الشروع نوعان: ناقص، وهو الجريمة الموقوفة، وتام، وهو الجريمة الخائبة. والعدول في صورتيه متصور في الشروع الناقص، وهو متصور كذلك في الشروع التام، فالجريمة قد تخيب لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها كما لو أطلق شخص الرصاص على عدوه فلم يصبه أو أصابه في مقتل ثم شفي من إصاباته؛ ولا يثير العقاب في هذه الحالة شكاً. ولكن هل يتصور العدول الاختياري في الشروع التام؟ أنكر ذلك بعض الفقهاء محتجين بأن الجاني قد أتى كل ما يلزم لتنفيذ الجريمة، ويعني ذلك أنه إذا كانت النتيجة لم تتحقق على الرغم من ذلك، فالمرجع إلى أسباب غير إرادية، فلا يكون للعدول الاختياري محل. وهذا الرأي معيب، فالعدول الاختياري متصور إذا أتى الجاني – بعد إتمام نشاطه الإجرامي – فعلاً أفسد به ذلك النشاط وحال دون تحقيق النتيجة، مثال ذلك أن يعطي شخص عدوه مادة سامة فيتناولها ثم يعدل عن مشروعه الإجرامي فيعطي المجني عليه ترياقاً يفسد أثر السم فلا تحدث الوفاة، أو أن يلقي به في الماء لإغراقه ثم يعدل عن ذلك فينتشله وينقذ حياته. فإن أفسد الجاني نشاطه على هذا النحو، فلا يقال أن خيبة الجريمة ترجع إلى أسباب "لا دخل لإرادة الجان فيها"، وإنما هي راجعة إلى أسباب إرادية، ومن ثم يخرج هذا الوضع من نطاق تعريف القانون للشروع، فلا يكون محل لتوقيع العقاب.
وعلى هذا النحو، فالفرق بين نوعي الشروع لا يقوم على أساس أن العدول الاختياري متصور في أحدهما دون الآخر، وإنما أساسه اختلاف صورته في كل نوع: فإذا كان الشروع ناقصاً فإن العدول الاختياري يتخذ صورة موقف سلبي يتخذه الجاني بدءاً من مرحلة معينة من مراحل تنفيذ الجريمة، إذ الفرض أنه بدأ في تنفيذها ولكنه لم يتم ذلك، ولذلك يتحقق العدول بكفه عن إتيان الأفعال التالية التي تلزم لإتمام الجريمة: فإذا رفع الجاني عصاه ليضرب المجني عليه بنية قتله فإنه يكفي للعدول الاختياري أن يمتنع عن إنزال ضربته به. أما إذا كان الشروع تاماً فإن العدول الاختياري يأخذ صورة فعل إيجابي يفسد به الجاني آثار عمله السابق ويحول بذلك دون أن يؤدي إلى تحقق النتيجة الإجرامية، إذ الفرض أنه قد قام من جانبه بكل الأفعال التي يسعه القيام بها لتنفيذ الجريمة وأن النتيجة توشك أن تتحقق كأثر لهذه الأفعال فيتعين أن يأتي فعلاً إيجابياً تالياً يحبط به علمه السابق، فإن عاق بإرادته تحقق النتيجة الإجرامية فلا عقاب عليه باعتباره شارعاً في جريمة. وقد سبق أن أتينا بأمثلة للعدول الاختياري في الشروع التام.
==========================================================================================

77-مرحلة الجريمة التي ينتج العدول الاختياري فيها أثره:


لا ينتج العدول الاختياري أثره فيحول دون العقاب إلا إذا كان سابقاً على لحظة تمام الجريمة وسابقاً كذلك على لحظة توافر أركان الشروع بوقوف التنفيذ أو خيبة أثره لأسباب لا ترجع إلى إرادة الجاني. فإذا تمت الجريمة استحق مرتكبها العقاب فلا يجديه بعد ذلك ندم أو إصلاح الضرر الذي ترتب على الجريمة، فالتوبة الإيجابية، أي اللاحقة لا أثر لها في القانون المصري. وتعليل ذلك أن الأهمية القانونية للعدول مقتصرة على الشروع دون الجريمة التامة. وإذا توافرت أركان الشروع فوقف التنفيذ أو خاب لأسباب غير راجعة إلى إرادة الجاني، فقد استحق العقاب فلا يجديه بعد ذلك أنه عدل اختياراً عن تكرار فعله على الرغم من أنه كان يستطيع ذلك، فمن أطلق النار على عدوه بنية قتله فلم يصبه فقد توافرت أركان الشروع وتعين العقاب، وانقضت بذلك المرحلة التي كان متصوراً أن يكون للعدول فيها تأثير، فلا يجدي الجاني القول بأنه كان يستطيع أن يطلق عياراً ثانياً، ومع ذلك فقد أحجم بإرادته عن ذلك.
==========================================================================================

78-أثر العدول الاختياري:

        يترتب على العدول الاختياري عدم توقيع العقاب من أجل الشروع، سواء في ذلك أقلنا أنه مانع عقاب أم اعتبرناه نافياً أحد أركان الشروع، وهو "إيقاف تنفيذ الفعل أو خيبة أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها". وعدم العقاب ينصرف إلى تكييف الفعل بأنه شروع، ولكن إذا كان القانون يكيفه في الوقت نفسه بأنه جريمة تامة وقع العقاب من أجله، فالفعل يحتمل في القانون تكييفين: ولا عقاب عليه طبقاً لأحدهما في حين يعاقب عليه وفقاً للآخر، ويدعم هذا الحكم أنه ليس مقبولاً أن يتخلص الجاني من عقاب جريمة لمجرد أنه فشل في ارتكاب جريمة أخرى أشد منها. فإذا بدأ الجاني في تنفيذ القتل ثم عدل باختياره عن إتمامه فلا عقاب عليه باعتباره شارعاً فيه، ولكن يعاقب باعتباره مرتكباً جريمة جرح أو ضرب إذا ترتب على فعله مساس بسلامة جسم المجني عليه؛ وإذا بدأ الجاني في تنفيذ جريمة تسميم ثم خيب اختياراً أثر فعله بإعطاء المجني عليه ترياقاً فلا عقاب عليه باعتباره شارعاً في تسميم، ولكنه يعاقب باعتباره مرتكباً جريمة إعطاء مواد ضارة؛ وإذا حاول الجاني ارتكاب جريمة وقاع أنثى بغير رضائها ثم عدل عنها باختياره فلا عقاب عليه باعتباره شارعاً فيها، ولكنه قد يعاقب باعتباره مرتكباً جريمة هتك عرض بالقوة أو التهديد.
========================================================================================
79-سلطة القضاء في إثبات إيقاف تنفيذ الفعل أو خيبة أثره:
 القول بأن تنفيذ الجريمة قد أوقف أو خاب أثره وتحديد ما إذا كان مرجع ذلك إلى إرادة الجاني فينتفي الشروع المعاقب عليه أم إلى أسباب غير إرادية على نحو يتوافر به الشروع، كل ذلك يدخل في سلطة قاضي الموضوع يستخلصه من وقائع الدعوى دون رقابة عليه من محكمة النقض. ولكن يلتزم القاضي – إذا أدان المتهم بالشروع – بأن يثبت في حكمه أن إيقاف التنفيذ أو خيبة أثره ترجع إلى أسباب غير إرادية، فإن لم يفعل فحكمه قاصر التسبيب، إذ أغفل بيان ركن يقوم عليه الشروع. ولما كان القانون يضع بواعث العدول الاختياري على قدم المساواة ويقرر كذلك حكماً واحداً لكل حالات الإيقاف أو الخيبة التي لا ترجع إلى إرادة الجاني، فإن قاضي الموضوع لا يلزم ببيان ذلك ولا يقبل فيه جدال أمام محكمة النقض.
==========================================================================================

 80-العقاب على الشروع في الجنايات

يعاقب على الشروع في الجنايات دون حاجة إلى نص خاص. فتنص المادة 46 من قانون العقوبات على أنه”يعاقب على الشروع في الجناية بالعقوبات التالية إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك…”. وتنظم المادة السابقة عقوبة الشروع وفقا لجسامة العقوبة المقررة للجريمة التامة كما يلي:
إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة التامة هي الإعدام، فإن عقوبة الشروع تصبح السجن المؤبد.
وإذا كانت العقوبة المقررة للجريمة التامة هي السجن المؤبد تصبح عقوبة الشروع هي السجن المشدد.
وإذا كانت العقوبة المقررة للجريمة التامة هي السجن المشدد تصبح عقوبة الشروع هي السجن المشدد مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى للجريمة أو تصبح العقوبة هي السجن.
=============================================وإذا كانت العقوبة المقررة للجريمة التامة هي السجن تصبح عقوبة الشروع السجن مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى أو تصبح العقوبة هي الحبس.
 ثانياً: العقوبة المقررة للشروع في الجنح
الأصل أنه لا عقاب على الشروع في الجنحة إلا إذا وجد نص بتلك الجنحة، عندئذ يحدد ذلك النص العقوبة المقررة للشروع.
======================================================
عقاب الشروع
تقسيم:
في دراسة عقاب الشروع يتعين البحث في موضوعين: مبدأ العقاب على الشروع، أي تحديد الجرائم التي يعاقب القانون على الشروع فيها؛ وبيان مقدار العقاب الذي يقرره القانون للشروع.

=========================================================================

81- الجرائم التي يعاقب على الشروع فيها

خطة الشارع في تحديد الجرائم التي يعاقب على الشروع فيها:
يرسم الشارع خطته على أساس تقسيم الجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفات: فالجنايات يعاقب على الشروع فيها ما لم يقض القانون استثناء بغير ذلك؛ والجنح لا يعاقب على الشروع فيها إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك، وقد عبر الشارع عن هذه القاعدة بالمادة 47 من قانون العقوبات (المصري) بقوله: "تعين قانوناً الجنح التي يعاقب على الشروع فيها"؛ أما المخالفات فلا عقاب على الشروع فيها.
 ويفسر هذه الخطة أنه إذا كانت الجريمة جسيمة فالشروع فيها جسيم بدوره ويستأهل العقاب، فإن قلت جسامة الجريمة قلت خطورة الشروع بدوره، وقد يبلغ ذلك الحد الذي تزول فيه جدارته بالعقاب. وتطبيقاً لذلك فالجنايات بصفة عامة جرائم جسيمة، ولذلك كانت القاعدة العامة أن يعاقب على الشروع فيها؛ أما الجنح فهي أقل جسامة، ولذلك كان الأصل في الشروع فيها أنه غير جدير بالعقاب ما لم ير الشارع أن بعضها على قدر واضح من الخطورة بحيث يمثل الشروع فيه القدر من الجسامة الذي يجعله جديراً بالعقاب. والمخالفات في النهاية قليلة الخطر، ولذلك لم يكن محل للعقاب على الشروع فيها.
==========================================================================================
82- الجرائم المُستبعدة من نطاق الشروع:
هذه الجرائم قسمان: قسم يتصور الشروع فيه، أي تتوافر للشروع أركانه، ومع ذلك يقرر الشارع عدم العقاب عليه؛ وقسم لا يتصور في شأنه الشروع، إذ تنقصه دائماً بعض أركانه. وجرائم القسم الأول لا تحكمها قاعدة عامة، وإنما المرجع في تحديدها إلى نصوص القانون؛ ومن أمثلتها جنايات الإجهاض، إذ تتوافر بالنسبة للشروع فيها جميع أركانه، ومع ذلك يقرر الشارع ألا عقاب عليها (المادة 264 من قانون العقوبات المصري). وبعض الجنح والمخالفات جرائم عمدية كجنح الضرب أو الجرح (المواد 241 و 242 و 243 من قانون العقوبات المصري) ومخالفة التعدي أو الإيذاء الخفيف (المادة 377 من قانون العقوبات المصري) والشروع فيها متصور ولكن الشارع أخرجه من نطاق العقاب.
أما جرائم القسم الثاني، وهي التي لا يتصور الشروع فيها فقد سبق أن أشرنا إلى طائفتين منها، الجرائم غير العمدية والجرائم ذات النتائج التي تجاوز قصد الجاني، ونشير فيما يلي إلى طائفتين أخريين: الجرائم السلبية البسيطة، والجرائم التي تأبى طبيعة ركنها المادي الخضوع لأحكام الشروع.
==========================================================================================

83- الجرائم السلبية البسيطة:

إذا كانت الجريمة سلبية بسيطة فالشروع فيها غير متصور، إذ لا يعاقب القانون على إحداث نتيجة بحيث يمكن القول بفشل الجاني في تحقيقها على الرغم من محاولته ذلك، وإنما يعاقب على سلوك سلبي في ذاته، فإن نسب إلى الجاني هذا السلوك فجريمته تامة وأن لم ينسب إليه فلا جريمة على الإطلاق. وليس بين الوضعين وسط. فجريمة امتناع القاضي عن الحكم (المادة 122 من قانون العقوبات المصري) تقع تامة إذا لم يتخذ القاضي الإجراءات اللازمة لإصدار الحكم في الوقت الذي يتعين عليه فيه ذلك، فإن لم يمض هذا الوقت، إذ ما زال في وسعه اتخاذ هذه الإجراءات، فلا تنسب إليه جريمة على الإطلاق.
أما إذا كانت الجريمة سلبية ذات نتيجة كامتناع الأم عن إرضاع طفلها بنية إحداث وفاته فالشروع فيها متصور، كما إذا اكتشف امتناع الأم قبل وفاة الطفل وأمكن إنقاذه: فالفرض أن للجريمة نتيجة، وأن الجاني يحاول بمسلكه السلبي تحقيقها، فمن المتصور أن يفشل في ذلك على الرغم من مسلكه.
========================================================================================
84- الجرائم التي تأبى طبيعة ركنها المادي الخضوع لأحكام الشروع:
هذه الجرائم متعددة، واستظهار طبيعة ركنها المادي ومدى تقبلها الخضوع لأحكام الشروع هو من موضوعات القسم الخاص. وأظهر مثال لها جريمة شهادة الزور (المادة 294 وما بعدها من قانون العقوبات المصري): فللشاهد العدول عن شهادته حتى إقفال باب المرافعة، فإن عدل فهو لم يرتكب جريمة على الإطلاق، وإن لم يعدل فقد ارتكب جريمته كاملة.
========================================================================================
85- مقدار العقاب على الشروع
خطة القانون في تحديد مقدار العقاب على الشروع:
يقرر القانون للشروع في الجريمة عقوبة أقل من عقوبتها لو كانت تامة. وتفسير هذه الخطة أن الشروع لا ينال بالاعتداء الحق الذي يحميه القانون وإنما يقتصر على مجرد تهديده بالخطر، والخطر أقل إضراراً بالمجتمع من الاعتداء، أي أن الشروع أقل إضراراً من الجريمة التامة، ومن ثم كان منطقياً أن يتدرج العقاب على النحو الذي يقرره القانون.
========================================================================================

86- مقدار العقاب على الشروع في الجنايات:

إذا كان الشروع في الجنايات معاقباً عليه دون حاجة إلى نص خاص يقرر ذلك بالنسبة إلى كل جناية على حدة لم يكن بد من وضع قاعدة تحدد عقوبة الشروع في الجنايات. وقد ضمن الشارع المادة 46 من قانون العقوبات (المصري) هذه القاعدة، وقرر بها ارتباطاً بين عقوبة الجناية التامة وعقوبة الشروع فيها، فالثانية أقل درجة، وقد تكون هي نفسها مع تخفيض حدها الأقصى: وقد نصت المادة 46 من قانون العقوبات (المصري) على أنه: "يعاقب على الشروع في الجنايات بالعقوبات الآتية إلا إذا نص قانوناً على خلاف ذلك: بالأشغال الشاقة المؤبدة إذا كانت عقوبة الجناية الإعدام؛ وبالأشغال الشاقة المؤقتة إذا كانت عقوبة الجناية الأشغال الشاقة المؤبدة؛ وبالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى المقرر قانوناً أو بالسجن إذا كانت عقوبة الجناية الأشغال الشاقة المؤقتة؛ وبالسجن مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى المحدد قانوناً أو الحبس أو غرامة لا تزيد على خمسين جنيهاً مصرياً إذا كانت عقوبة الجناية السجن".
وقد يخرج الشارع على القاعدة السابقة بنص صريح فيحدد عقوبة الشروع في جناية معينة غير متقيد بهذه القاعدة، ومثال ذلك الشروع في جناية هتك العرض بالقوة أو التهديد الذي يقرر له القانون نفس عقوبة الجناية التامة (المادة 268 من قانون العقوبات المصري).
 والقاعدة السابقة قد وردت في شأن العقوبات الأصلية، أما العقوبات التبعية والتكميلية فمن المتعين توقيعها دون تغيير، إذ لا يجوز استبعادها أو تخفيفها ما لم يقرر الشارع ذلك بالنسبة لجريمة أو عقوبة معينة.
والشروع في الجناية هو بدوره جناية، إذ يقرر له القانون عقوبة الجناية، سواء أقررها وحدها أم قررها إلى جانب عقوبة جنحة: فإذا وقع القاضي عقوبة الحبس أو الغرامة من أجل شروع في جناية فهذا الشروع جناية على الرغم من ذلك لأن القانون يقرر له عقوبة السجن إلى جانب هاتين العقوبتين، والعبرة في تحديد نوع الجريمة بأشد العقوبات المقررة لها.
========================================================================================

87- مقدار العقاب على الشروع في الجنح:

لا عقاب على الشروع في جنحة إلا بناء على نص خاص، ويحدد الشارع في هذا النص مبدأ العقاب على الشروع في هذه الجنحة ومقداره. ولم يضع الشارع قاعدة عامة في هذا الشأن، ولا يجري على خطة واحدة في ذلك. والغالب أن يقرر للشروع عقوبة تقل عن عقوبة الجنحة التامة، مثال ذلك السرقة (المادة 321 من قانون العقوبات المصري) والنصب (المادة 336 من قانون العقوبات المصري). ولكنه قد يوحد بين عقوبة الشروع والجنحة التامة، مثال ذلك نقل المفرقعات أو المواد القابلة للالتهاب في القطارات والمركبات (المادة 170 من قانون العقوبات المصري) وإدخال البضائع الممنوع دخولها في البلاد (المادة 228 من قانون العقوبات المصري).
=========================================================================================

المصدر: "شرح قانون العقوبات – القسم العام" – للدكتور/ محمود نجيب حسني – الطبعة الخامسة 1982 القاهرة – البنود من 358 : 410 – صـ 333 : 374 وهوامشها.
1-  راجع في شأن "نظرية السببية الملائمة" البند رقم 324 – صـ 287 من المرجع السابق. وقد جاء فيها ما يلي: "تذهب نظرية السببية الملائمة إلى التفرقة بين "عوامل النتيجة الإجرامية، والاعتداد ببعضها دون البعض"؛ فإن كانت جميعاً لازمة لإحداث النتيجة على النحو الذي حدثت به، فإن بعضها فقط يتضمن اتجاهاً إليها ويعبر عن ميل نحوها، وتكمن فيه تبعاً لذلك "الإمكانيات الموضوعية" التي من شأنها إحداثها، ويرى أنصار هذه النظرية أن علاقة السببية تقوم بين النتيجة وهذه العوامل دون سواها. ويقتضي تطبيق هذه النظرية تجريد التسلسل السببي من ملابساته الواقعية غير ذات الأهمية، وللتجريد مرحلتان: استبعاد بعض عوامل النتيجة، وهي العوامل الشاذة غير المألوفة والاقتصار على الاعتداد بالعوامل الطبيعية المألوفة، وهذه العوامل وحدها يضاف تأثيرها إلى آثار الفعل لتحديد ما ينطوي عليه من إمكانيات؛ أما المرحلة الثانية من التجريد فتقتضي أن تستبعد من النتيجة ظروفها الواقعية لكي تحدد باعتبارها نوعاً معيناً من النتائج الإجرامية، ولكن هذا التجريد لا يستتبع إغفال الوسيلة التي حدثت بها النتيجة. وللتحقق من توافر علاقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة ينبغي التساؤل عما إذا كان الفعل – مقترناً بالعوامل العادية المألوفة – يتضمن القدرة على تحريك القوانين الطبيعية التي من شأنها إحداث النتيجة عن طريق الوسيلة التي حدثت بها، فإن كانت الإجابة إثباتاً فعلاقة السببية متوافرة وإن كانت نفياً فهي غير متوافرة. ولتوضيح ذلك نستعين بالمثال التالي: أصاب الجاني شخصاً بجراح قاصداً قتله، ولكن المجني عليه لم يمت بجراحه وإنما مات في حريق المستشفى الذي نقل إليه. فإذا حاولنا التحقق مما إذا كانت علاقة السببية متوافرة بين فعل الإصابة والوفاة فالإجابة تختلف باختلاف ما إذا أخذنا بنظرية تعادل الأسباب أم قلنا بنظرية السببية الملائمة. فطبقاً للأولى تعد هذه العلاقة متوافرة، إذ لولا الجراح ما نقل المجني عليه إلى المستشفى وما هلك في حريقها، ويعني ذلك أن هذه النظرية تضيف إلى فعل الجاني جميع العوامل التي ساهمت في إحداث الوفاة، ومن بينها الحريق فتضخم بذلك آثاره ويغدو منطقياً القول بأنه سبب الوفاة. أما إذا أخذنا بنظرية السببية الملائمة فيتعين أن يستبعد حريق المستشفى من التسلسل السببي، وأن تستبعد من النتيجة ظروفها فتحدد باعتبارها "وفاة إنسان عن طريق الحريق"، وبعد ذلك نضع السؤال الآتي: هل إحداث جرح بشخص فعل ينطوي على الإمكانيات الموضوعية التي تجعل من شأنه إحداث الوفاة عن طريق الحريق؟ من البديهي أن الإجابة هي بالنفي، فيكون مقتضى ذلك اعتبار علاقة السببية غير متوافرة.. ويقتضي تطبيق هذه النظرية أن يحدد ضابط التمييز بين عوامل النتيجة التي توصف بأنها عوامل عادية مألوفة فتؤخذ في الاعتبار وتضاف إلى الفعل، والعوامل التي تعد شاذة استثنائية فتستبعد من التسلسل السببي ويفترض أنه لم يكن على الإطلاق وجود. وهذا الضابط هو "العلم"، فما أحاط العلم به هو عامل عادي وما خرج عن نطاقه هو عامل شاذ. ولكن تحديد المراد بالعلم محل للخلاف في الرأي بين أنصار هذه النظرية. (راجع المرجع السابق – نفس الموضع).
2-  وللقاضي أن يستظهر الخطر بالتساؤل عما إذا كان  ارتكاب الفعل قد جعل الحق غير مستقر لصاحبه على النحو المعتاد بحيث حرم بعض مزاياه أو قل اطمئنانه عليها، وليست العبرة برأي المجني عليه، ولكن برأي شخص معتاد، وللقاضي أن يعتبر نفسه هذا الشخص. (المرجع السابق – بند 379 – صـ 351 – هامش 3 بذات الصفحة).

تعليقات