جرائم البورصة النظامية وأحكامها الفقهية
ملخص
البحث:
باتت
الأسهم تشغل حيزاً كبيراً من اقتصاد الدول والأفراد، ومن هنا صار لقضاياها أهمية
بارزة على المستوى المحلي والعالمي. ومن أهم الأمور المتعلقة بالأسهم، ما يتعلق
بالممارسات الممنوعة في سوق المال -جرائم البورصة- لا سيما ما يختص بالمضاربات
السوقية وما يحتف بها من قرائن وملابسات، تؤدي غالباً إلى درجة مرتفعة من تذبذب
الأسعار، واختلال السوق وإرباك استقراره. وهو ما يؤدي بالتالي إلى ضرر كبير جداً،
على المستثمرين بشكل عام، وعلى صغارهم بشكل خاص. وقد حاولت من خلال هذا البحث أن
ألقي الضوء على نوعين من الجرائم وهما: التلاعب بالأسعار، ويتم غالباً من خلال
أربعة أساليب. والنوع الآخر هو إفشاء المعلومات السرية (الداخلية). لأنهما أهم الجرائم
وأكثرها انتشارا، كما أن كل الأضرار التي تقع على المساهمين تنشأ عن هذين النوعين
من الجرائم. وبالمقابل فإن الجرائم الأخرى المذكورة في أنظمة أسواق المال نادراً
ما تقع، لأنها تتعلق باستكمال الأوراق النظامية للشركة، وعدم التلاعب بها، وهي
غالباً مضبوطة ومدققة. ومن جهة أخرى لا يترتب على هذه المخالفات -غالباً- ضرر على
عامة المساهمين.
مقدمة
الحمد لله
رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
باتت
الأسهم تشغل حيزاً كبيراً من اقتصاد الدول والأفراد، ومن هنا صار لقضاياها أهمية
بارزة على المستوى المحلي والعالمي.
ومن أهم
الأمور المتعلقة بالأسهم، ما يتعلق بالممارسات الممنوعة في سوق المال -جرائم
البورصة- لا سيما ما يختص بالمضاربات السوقية وما يحتف بها من قرائن وملابسات،
تؤدي غالباً إلى درجة مرتفعة من تذبذب الأسعار، واختلال السوق وإرباك استقراره.
وهو ما
يؤدي بالتالي إلى ضرر كبير جداً، على المستثمرين بشكل عام، وعلى صغارهم بشكل خاص.
وغالباً -أو
دائماً- ما تكون التلاعبات التي يقوم بها كبار المضاربين وراء كل ذلك، إذ يدفعهم
الطمع وزيادة الحرص على افتعال المضاربات الصورية، والتي يقصد منها تضليل صغار
المضاربين، ودفعهم إلى الخسائر المتتالية؛ ليقوموا في نهاية المطاف يحني الأرباح
الفاحشة، المترتبة على هذه الأعمال، وكل ذلك على حساب تلك الفئة المستضعفة.
وقد
حاولت من خلال هذا البحث أن ألقي الضوء على نوعين من الجرائم وهما:
1-
التلاعب بالأسعار.
2-
إفشاء المعلومات السرية (الداخلية).
وإنما
خصصت هذين النوعين بالكلام:
لأنهما أهم الجرائم وأكثرها انتشارا، وإذا نظر
الإنسان إلى الواقع وجد أن أكثر أوكل الأضرار التي تقع على المساهمين تنشأ عن هذين
النوعين من الجرائم، وسيأتي ما يدل على أنها الأكثر انتشارا عند الكلام عن صور
التلاعب في أسواق المال وهو على كل أمر لا نزاع فيه.
كما يدل
على ذلك أيضاً العقوبات التي تصدر بحق المخالفين في سوق المال فهي تتعلق دائماً
بالتلاعبات السوقية وإفشاء المعلومات السرية (الداخلية).
وبالمقابل
فإن الجرائم الأخرى المذكورة في أنظمة أسواق المال نادراً ما تقع؛ لأنها تتعلق
باستكمال الأوراق النظامية للشركة، وعدم التلاعب بها، وهي غالباً مضبوطة ومدققة.
ومن جهة
أخرى لا يترتب على هذه المخالفات -غالباً- ضرر على عامة المساهمين.
ومن جهة
ثالثة الأحكام الفقهية المذكورة لهذين النوعين تنطبق على سائر المخالفات الأخرى
لترتب الضرر والظلم على المساهمين نتيجة لهذه الجرائم.
ومن
أمثلة هذه الجرائم:
1-
جريمة إثبات بيانات غير صحيحة في نشرات الاكتتاب
أو أوراق التأسيس أو الترخيص أو مستندات وإعلانات الشركة.
2-
جريمة التزوير في سجلات الشركة.
3-
جريمة ممارسة النشاط في سوق المال بدون ترخيص.
4-
جريمة مخالفة اللائحة التنفيذية في سوق المال.
ولما سبق
رأيت أن أبحث في نوعين من الجرائم، مبيناً حقيقتهما، وصورهما الواقعية، مع بيان
حكمهما الفقهي، الذي تدل عليه نصوص الشرع، وقواعده العامة.
خطة البحث:
مقدمة: وفيها أهمية الموضوع ونطاقه.
تمهيد: في بيان معنى جرائم البورصة.
المبحث
الأول: التلاعب
بالأسعار في سوق المال.
وفيه
ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: التعريف به وبيان طرقه وأنواعه
المطلب الثاني: صور واقعية من التلاعب بالأسعار.
المطلب الثالث: حكمه الشرعي.
المبحث
الثاني: إفشاء
المعلومات السرية (الداخلية) في سوق المال.
وفيه
ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: التعريف به.
المطلب الثاني: مفهوم وخصائص المعلومات السرية (الداخلية).
المطلب الثالث: صور واقعية لإفشاء المعلومات.
المبحث الثالث: حكم التلاعب بالأسعار و إفشاء المعلومات السرية
(الداخلية) في سوق المال.
وفيه
ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الأصول العامة الدالة على حكم المسألة.
المطلب الثاني: الأدلة الشرعية الخاصة الدالة على حكم المسألة.
المطلب الثالث: حكم العقد المبني على التلاعب بالأسعار أو إفشاء
الأسرار.
خاتمة: وفيها أهم النتائج.
وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...
تمهيد: في بيان معنى جرائم البورصة
لم أجد
تعريفاً محدداً لمصطلح "جرائم البورصة"، والسبب أن التعريفات النظامية
والقانونية تتناول كل جريمة على حدة.
وسأجتهد
في بيان معناه كما يلي:
أولا الجريمة لغة:
لهذه
الكلمة في لغة العرب عدة معان لا تتعلق بمقصود البحث منها:
الجَرْمُ:
القَطْعُ جَرَمَه يَجْرِمُه جَرْماً قطعه.
الجُرْمُ:
الباطِلُ، حَلَفْتَ يَمِيناً ما فيها جُرُماتٌ: أي أباطِيْلُ.
والجرُمُ:
ألواح الجسد وجثمانه ورجل جَرِيم، وامرأة جريمة: ذات جِرْم وجسم.
وذهب ابن
فارس على أن القطع هو أصل جميع المعاني.
ونأتي
إلى المعنى الذي يهمنا من المعاني المذكورة لهذه الكلمة:
الجُرْمُ:
الذَنْبُ، والجريمةُ مثله. تقول: جَرَمَ وأجْرَمَ واجْتَرَمَ بمعنىً.
والمُجرمُ:
المذنب، والجارِمُ: الجاني وفِعله الإجرام وأَجْرَم جَنَى جِناية.
ويقال:
أصابَهُ ذاكَ من جَرَمِك: أي من جَرِيمَتِكَ وجِنَايَتِكَ.
فلان له
جريمة إليَّ: أي جُرْمُ، وقد جَرَمَ وأَجْرَمَ جُرْماً وإجراماً، إذا أذنب([2]).
ثانياً الجريمة شرعاً:
الجرائم
هي: محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير، ولها عند التهمة حال استبراء
تقتضيه السياسة الدينية، ولها عند ثبوتها وصحتها حال استيفاء توجبه الأحكام
الشرعية([3]).
ثالثاً الجريمة في القانون الوضعي الحديث:
وتعريفها
قريب من التعريف الشرعي، ولعله مكتسب منه.
فالجريمة
في القانون: كل عمل يحرمه القانون، أو امتناع عن عمل يقضي به القانون، ولا يعتبر
الفعل أو الترك جريمة في القانون، إلا إذا كان معاقباً عليه في التشريع الجنائي([4]).
تعريف البورصة:
هي سوق
منظمة للتعامل في الأوراق المالية، من أسهم وسندات الشركات، تنعقد في مكان معين،
في أوقات دورية، يلتزم المتعاملون فيها بمراعاة القوانين، واللوائح، التي تنظم
التعامل فيها([5]).
الخلاصة:
بعد
التعريفات السابقة، يمكن تعريف مصطلح "جرائم البورصة" بأنها:
الممارسات
التي منعها نظام سوق المال -البورصة- ورتب عليها عقوبات محددة.
المبحث الأول: التلاعب بالأسعار في سوق المال
المطلب الأول: التعريف به وبيان طرقه وأنواعه:
التلاعب
بالأسعار هو: قيام المضارب بأفعال، من شأنها إحداث ارتفاع، أو انخفاض مصطنع في
الأسعار؛ بغرض الاستفادة من فروق الأسعار، بالاعتماد على طرق احتيالية، من
التدليس، والغش، والنصب، تحدث تموجات شديدة، وفوارق سعرية مصطنعة، تؤثر على
التوازن الاقتصادي([6]).
والتلاعب
بالأسعار وفق التعريف السابق يعتبر من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الوضعي
المعاصر، لما ينتج عنه من ضرر كبير على عموم المستثمرين([7]).
ومما
تقدم يتبين أن التلاعب بالأسعار يقوم على ركنين:
الأول:
الأعمال التي من شانها التأثير بالأسعار، وإعاقة الوظيفة العادية للسوق.
الثاني:
تضليل الغير بهذه الأعمال([8]).
وقد نص
نظام سوق المال السعودي على أنه يعد مخالفا لأحكام النظام، أي شخص يقوم عمدا بعمل،
أو يشارك في أي إجراء، يوجد انطباعا غير صحيح، أو مضلل، بشأن السوق، أو الأسعار،
أو قيمة أي ورقة مالية، بقصد إيجاد ذلك الانطباع، أو لحث الآخرين على الشراء، أو
البيع، أو الاكتتاب، في تلك الورقة، أو الإحجام عن ذلك، أو لحثهم على ممارسة أي
حقوق تمنحها هذه الورقة، أو الإحجام عن ممارستها.
ويدخل في
الأعمال، والتصرفات، التي تعد من أنواع الاحتيال التصرفات الآتية:
- القيام
بأي عمل أو تصرف بهدف إيجاد انطباع، كاذب، أو مضلل، يوحي بوجود عمليات تداول نشط
مالية خلافا للحقيقة.
ويدخل في
تلك الأعمال والتصرفات على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
1-
القيام بعقد صفقات في أوراق مالية لا تنطوي على
انتقال حقيقي لملكية تلك الأوراق المالية.
2-
القيام بإدخال أمر أو أوامر لشراء ورقة مالية
معينة، مع العلم المسبق بأن هناك أمرا أو أوامر بيع مشابهة من حيث الحجم، والسعر، والتوقيت،
قد أدخلت أو ستدخل من قبل طرف، أو أطراف أخرى مختلفة، لنفس الورقة المالية.
3-
القيام بإدخال أمر أو أوامر لبيع ورقة مالية
معينة، مع العلم المسبق بأن هناك أمرا أو أوامر شراء مشابهة من حيث الحجم، والسعر،
والتوقيت، قد أدخلت أو ستدخل من قبل طرف أو أطراف أخرى مختلفة، لنفس الورقة
المالية.
4-
التأثير بشكل منفرد، أو مع آخرين، على سعر ورقة
أو أوراق مالية معينة، متداولة بالسوق، عن طريق إجراء سلسلة من العمليات، في تلك
الورقة أو الأوراق المالية، من شأنه أن يحدث طلبات فعلية، أو ظاهرية نشطة في
التداول، أو يحدث ارتفاعا أو انخفاضا في أسعار تلك الأوراق، بهدف جذب الآخرين،
وحثهم على شراء أو بيع هذه الأوراق، حسب واقع الحال.
5-
التأثير بشكل منفرد، أو مع آخرين، بإجراء سلسلة
من الصفقات كشراء أو بيع، أو كليهما معا، ورقة مالية متداولة في السوق، بهدف تثبيت
أو المحافظة على استقرار سعر تلك الورقة، بالمخالفة للقواعد التي تضعها الهيئة،
لسلامة السوق، وحماية المستثمرين([9]).
وهذه
الأعمال والتصرفات التي أشار إليها نظام السوق المالي السعودي وغيرها من أنواع
الاحتيال تمارس بطرق كثيرة ومتنوعة، وقد يصعب على المضاربين الصغار اكتشافها
ومعرفتها بل هم غالباً من ضحاياها.
يقول أحد
المحللين:
"تعد
الأفعال القذرة داخل البورصة هي أشد أنواع الجرائم ذكاء وفهما للمتغيرات الاقتصادية،
وتأثيرا بالمكسب والخسارة، لاسيما أنه عادة ما يرتكبها بعض رجال الأعمال الذين
يملكون سطوة وثروة تمكنهم من إتمام هذا الدور، ويسمون "صانعي السوق
القذرين".
وأقرب
مثال على ذلك ما قام به الملياردير جورج سورس في انهيار دول النمور الآسيوية حيث
إن انهيار بورصات تلك الدول ساهم بدرجة كبيرة في انهيار العملة الوطنية لتلك
الدول، ومن ثم تعرضها لانهيار اقتصادي.
ولأن بعض
المستثمرين الصغار يتحركون بمنطق المضارية وبعقلية القطيع الجماعي في التداول على
الأوراق المالية، لذا يقع بعضهم ضحية هذه الممارسات القذرة، ومن ثم من المهم
معرفتها، وفهم كيف تتم في أسواق المال والبورصات، حتى يمكن تلافيها([10]).
وقد نُشر
في جريدة النهار الكويتية([11])
تقرير مهم ومفيد جدا عن التلاعبات السوقية جاء فيه:
"يخسر
المتعاملون في البورصات والأسواق المالية فيتذكرون أن هناك من خدعهم وتلاعب بهم
وتتعالى أصواتهم الغاضبة ليقولوا كانت هناك طلبات وهمية وأخبار كاذبة لقد خدعونا
أين المراقبة داخل السوق؟
أما
المتلاعبين فهم من المضاربين في أسوق الذين يهمهم فقط أن تتم الصفقة بنجاح ويقف
خلفهم فريق من الداعمين بينهم وسطاء ماليون وشخصيات معروفة لترويج الإشاعات وهيئات
ومؤسسات وسلسلة طويلة تتعاون لتنفيذ خطة لتضليل صغار المستثمرين".
ثم ينتقل التقرير للكلام عن الأسباب الرئيسة في التلاعب ناقلاً عن بعض المحللين الماليين:
"يقول
المحلل المالي مدير المحافظ بدر الشيخ عن أساليب التلاعب ويذكر أن هناك أشخاصا
يصنفون أنفسهم بصناع السوق يستخدمون أساليب متعددة ومتنوعة مع الأحداث لا يمكن
حصرها وتتنوع باستمرار لأن اللصوص يغيرون خططهم مع تطور أجهزة الأمن ويمكن ذكر
الأسباب الرئيسة في التلاعب وهي:
1- توقيت
الإشاعة:
فللإشاعة
دور مهم في تضليل المتعاملين والمتلاعبين به يمكنون نفوذاً إعلامياً لبث الإشاعات
من خلال الصحف والمنتديات الاقتصادية أو عن طريق الديوانية ودائما "تأتي
الإشاعة في توقيت مخطط له وتكون الإشاعات مخالفة لما يحدث في السوق وهنا فإن صغار
المستثمرين هم كبش الفداء على طول الطريق"
2-
الطلبات والعروض الوهمية:
وهذا
الأسلوب الأشهر في عملية خداع المتداولين ودائماً يحدث حسب رغبة "الكبار"
فإذا كانت رغبتهم تتجه لبيع ما يملكون من أسهم يهجمون على السوق بطلبات شراء قوية
ويشترون نسباً تجعل المتعاملين في السوق يلاحظون الإقبال على السهم لتأتي الآراء
وتؤكد أن أمراً ما يحدث في السوق وفي هذه الأثناء يقتنع المتداول بأن عليه الشراء
وفي هذه اللحظة يكون من شجع على الشراء هو نفسه من يقوم بالبيع عليه. والعكس يحدث
في حالة رغبتهم في الشراء حيث يقومون بيع كميات كبيرة من الأسهم التي يملكونها،
وبمعنى أصح تنفيذ أمر البيع لمن يطلب وبأي سعر حتى تهتز نفوس المتعاملين ويقتنعون
بأن السوق في هبوط مستمر فيندفع المتعاملون نحو البيع وفي هذه اللحظة يأتي من باع
ليهز السوق ويشتري كميات كبيرة بأسعار متدنية.
3- نفوذ
أصحاب الشركات:
هناك
طريقة أخرى للتلاعب بالمتعاملين وتثبت عدم الشفافية داخل السوق، ويتم تنفيذها عن
طريق أصحاب الشركات أنفسهم، فهؤلاء على علم بحكم تملكهم للشركات عن الصفقات
الإيجابية التي ستبرمها الشركة في المستقبل القريب وبناءً على ذلك يبدأ أصحاب هذه
الشركات بالشراء من خلال أسماء زوجاتهم وأبنائهم والأقارب وبعد ذلك تسرب المعلومة
مع نصائح بالشراء للمقربين والأصدقاء وبعد إتمام صفقات الشراء التي تنفذ بشكل غير
ملحوظ تعلن الشركة عن الصفقة الإيجابية التي ستعقدها الشركة سواء كانت أرباحاً
قياسية أو الاستحواذ على صفقة فيندفع الجمهور للاستفادة من الحدث والانتفاع
فيقومون بالشراء وفي هذه الأثناء يكون أصحاب الشركات الذين اشتروا بأسعار ضعيفة جاهزين
بأوامر البيع والخروج الفوري ويكون المتداولون هم الضحية.
4-
التلاعب بالأخبار:
استخدام
الأخبار للتلاعب هو الأكثر انتشاراً وبأساليب مختلفة فقد تعلن شركة عن أخبار
إيجابية تخصها وهذه الأخبار قد لا تحدث في الوقت القريب ولن تنفذ من الأصل ولكنها
استغلت للتضليل وجذب المتعاملين.
5-
المجموعات الكبيرة تسهم في التلاعب:
هناك
مجموعات تتفق على عمليات شراء وبيع وهمية وتنفيذ صفقات بين المجموعة والأخرى بمعنى
أنهم يبيعون ويشترون الوهم.
6-
التلاعب في المؤشر:
المؤشر
هو الوسيلة الحقيقية لوصف حالة السوق والمتلاعبون يستغلون المؤشر في تنفيذ عملية
التضليل وذلك عن طريق المؤشر في الدقائق الأخيرة حسب رغبة الكبار وذلك لخلق حالة
بلبلة لتداولات اليوم الثاني."
ثم ينتقل
التقرير للكلام عن بعض الحلول المقترحة للحد من هذه الممارسات كما يلي:
"يقول
مجدي صبري كبير المحللين في شركة مينا للاستشارات المالية: "للأسف أكثر من
مرة يحاول القائمون تشكيل لجان لبحث تشريعات لحماية صغار المستثمرين والبيع
والشراء في البورصة ولكن الأمور تعود للهدوء ولا يحدث شيء وهنا نطالب:
1-
إصدار تشريعات لحماية الصغار.
2-
تشكيل لجنة فنية للمراقبة الفورية الصارمة على
أوامر البيع والشراء والتحقق منها وهل هي حقيقية أم وهمية؟ وفي حالة المخالفة توقع
الجزاءات الضخمة على المتلاعبين.
3-
أن يتم احتساب المؤشر بناء على متوسط البيع
والشراء وليس بنظام تداولات اللحظة الأخيرة.
4-
تشكيل لجنة إعلامية تتبع هيئة سوق الكويت([12]) تتخصص في مراقبة الأخبار
التي تضلل المتعاملين ومحاسبة الناشرين والرد الفوري على هذه الأخبار وترويجها
بأسلوب يكفل وصولها إلى المتعاملين.
5-
معاقبة الشركات التي تقوم بتسريب الأخبار وفقاً
لمصالح شخصية ولا ينتفع بها المتعاملون العاديون.
6-
إلغاء نظام العرض دون امتلاك أسهم بمعنى قيام شخص
بعرض كميات من أسهم لا يمتلكها رغبة منه في تضليل السوق، وللأسف هذا النظام تم إلغاؤه
من معظم الأسواق ما عدا السوق الكويتي.
7-
أن يكون لسوق المال هيئة مختصة يرأسها متخصصون
يردعون هؤلاء المتلاعبين وأصحاب الأموال الساخنة.
8-
أن يكون هناك صناع سوق حقيقيين يتحكمون في السوق
وأن تعود الأسهم التشغيلية للقيادة لأنها أسهم يصعب التلاعب بها عكس الأسهم الورقية([13]).
وكما قلت
في هذا التقرير الصحفي إشارات مهمة للأسباب والحلول ينبغي للمعنيين بسوق المال
الاستفادة منها.
وبعد هذه
الجولة في التلاعبات السوقية سنلقي نظرة تفصيلية على بعض تلك الممارسات وهي تعطي
فكرة عن باقيها:
أولاً
أسلوب التدوير:
وهو من
الأساليب المستخدمة بكثرة في الأوراق المالية وفيما يلي التعريف به.
تعريف
التدوير:
التدوير
هو: إيجاد إيحاء لحالة معينة من النشاط غير الطبيعي على تداولات سهم شركة ما،
بواسطة عمليات بيع وشراء وانتقال غير حقيقي للكميات، ما بين محافظ محدودة ذات وعاء
استثماري واحد، وبكميات ضخمة خلال فترات محددة، مما يساعد على اجتذاب الكثير من
المتداولين إلى تلك الدائرة بسبب ذلك النشاط الوهمي.
أنواع
التدوير:
يختلف
مستوى الأداء ما بين المضاربين، حيث نرى بعض المضاربين المحترفين يستمر في عمليات
التدوير لفترات طويلة (حتى بعد خروجه من السهم)، بل أحياناً يقوم بدعم محدود للسهم
في الفترة التي تعقب خروجه المباشر من السهم، أيضاً يتميز أداء هذه النوعية من
المضاربين عند الخروج من السهم أنه يتم ذلك بشكل تدريجي غير محسوس في الأغلب، حيث
تتم عمليات التصريف بكميات صغيرة وعلى فترات طويلة، كذلك يكون هناك حرص أن يتم
توزيع كميات الأسهم ما بين أكبر شريحة من المتداولين لأن ذلك سيكون أكبر دعم لسعر
السهم من الانهيار بعد الخروج التام منه.
بعكس ذلك
تماما، حيث انتهت عملية الخروج من السهم لبعض المضاربين فاقدي الخبرة في تلك
العمليات إلى انهيار كامل لسعر السهم حتى قبل اكتمال خروجهم منها، وذلك طبيعي جداً
حيث إن الخروج القاسي السريع من السهم بكميات كبيرة يتبعه بشكل مباشر موجة بيع
جماعية من معظم مالكي السهم، وتلك الموجة في الأغلب لا تجد أي طلبات شراء ولا
يستطيع ذلك المضارب الذي زرع الخوف أن يقدم أي دعم للسهم أثناء عملية الانهيار
الذي يستمر حتى يصبح سعر السهم مغرياً لمضارب آخر يتقدم لتقديم الدعم للسهم أو أن
يكون سعر السهم أصبح مغرياً بالنسبة لفئة كبيرة من المتداولين.
أساليب
التدوير:
تختلف
أساليب التدوير من شركة إلى أخرى حسب القيمة السوقية لسهم الشركة والعدد الإجمالي
لأسهم الشركة والمتاح منها في التداول، وملكية الدولة أو أحد صناديقها فيها وكذلك
مدى وجود ملكية آخرين في السهم بكميات كبيرة، والأهم من ذلك كله أن يكون السهم ذا
اتجاه شعبي بمعنى أن يكون هناك قدرة على اجتذاب المضاربات له.
كيف نحدد
أن السهم يتعرض لعملية تدوير؟
لا يمكن
أن يتم ذلك خلال دقائق، بل من خلال مراقبة مكثفة لتداولات السهم، ويتم من خلالها
قياس القوة بين العرض والطلب على مدى فترات التداول وقياس المدى السعري لتذبذب
السهم لتحديد نقطة الارتكاز للمضارب، وكذلك قياس معدل الكميات، لمعرفة أي تغيرات
عليها قبل فترة اتخاذ قرار الشراء أو البيع لاكتشاف أي تغيرات جذرية على تلك
المعدلات. هنا تجدر الإشارة إلى أن عمليات التدوير لا ترتبط بشكل جذري بصعود السهم
أو هبوطه، حيث إنها تطبق في كلتا الحالتين([14]).
ثانيا
أسلوب التجميع والتصريف:
وهو كذلك
من الأساليب المستخدمة في خداع المضاربين الصغار والإيقاع بهم.
مفهوم
التجميع (+):
هي القوة
الخفية (غير الظاهرة) التي تختبي تحت سعر السهم أو هي عملية شراء مكثف للسهم
بأسعار مختلفة مما يدفع المضارب إلى الشراء لتوقعه أن سعر السهم سوف يتجه إلى
الأعلى وذلك لوجود أخبار جيدة عن السهم.
مفهوم
التصريف (-):
هي الضعف
الخفي (غير الظاهر) التي تختبي تحت سعر السهم أو هي عملية بيع مكثف للسهم بأسعار
مختلفة مما يدفع المضارب إلى البيع لتوقعه أن سعر السهم سوف يتجه إلى الأسفل وذلك
لوجود أخبار سيئة عن السهم.
كيف يمكن
لنا معرفة التجميع من التصريف([15]):
كيف يحدث
التجميع؟
يمكننا
معرفة ذلك من خلال تحرك سعر السهم بحيث:
إذا كان
إقفال السهم فوق متوسط التذبذب اليومي للسهم ((أعلى+أدنى)/2) فإنه يعتبر يوم
تجميع.
مثال:
إذا كان
تذبذب السهم من 100 إلى 105 في اليوم وكان إقفاله عند 104 وبتطبيق المعادلة (أعلى+
أدنى)/2)=((100+105)/2=102.5 ريال الإقفال كان 104 أكبر من 102.5 وهذا يعني أن كامل
كمية التداول لهذا اليوم تجميع (+) كلما كان الإقفال أعلى من 102.5 كلما كان
التجميع أقوى إذا كان إقفال السهم عند سعر 101 فتعتبر كامل كمية التداول لهذا
اليوم تصريف (-) وذلك لأن إقفال السعر تحت متوسط التذبذب 102.5 كلما كان الإقفال
أقل من 102.5 كلما كان التصريف أقوى بطرح مجموع كميات التداول لأيام التصريف من
مجموع كميات التداول لأيام التجميع (مجموع كميات التداول لأيام التجميع-مجموع
كميات التداول لأيام التصريف) إذا كان الناتج بالموجب (+) فإن السهم يمر في مرحلة
تجميع.
أما إذا
كان الناتج بالسالب (-) فإن السهم يمر في مرحلة تصريف.
مثال
عملي:
سوف نأخذ
مثال "سهم بيان" من سوق المال الكويتي وبتطبيق المعادلة السابقة سوف
نعرف الحالة التي يمر بها السهم سوف نعرف هل السهم يمر في مرحلة تجميع أو تصريف
وكم هي عدد الأسهم التي تم تجميعها أو تصريفها على السهم تداول اليوم الاثنين أقل
صفقة كانت بسعر 1000 وأعلى صفقه كانت بسعر 1100 فلس وأقفل السهم على سعر 1080
فلساً فإذا أردنا أن نعرف هل هذا تجميع أو تصريف اليوم نحسب كالتالي:
الأدنى+الأعلى=الناتج
نقسم على 2 يعني بالأرقام.
1000+1100=2100
2100/2=1050
فلس
المتوسط
السعري لتداول اليوم هو 1050 فلساً والإقفال هو 1080 فلساً فبما أن الإقفال أعلى
من متوسط تداول اليوم فهذا يعني تقريبا أن تداول اليوم هو تجميع والعكس طبعا صحيح
عادة تستغرق عمليات التجميع والتصريف أسابيع وتتعداها إلى شهور.
كلمة
أخيرة:
عادة ما
تكون العلاقة بين سعر السهم وكمية التداول علاقة طردية، بحيث إذا ارتفع سعر السهم
فإن كمية التداول ترتفع في نفس اليوم عن متوسط كمية التداول اليومي (والعكس صحيح)
إذا تحولت هذه العلاقة إلى علاقة عكسية هنا يفترض أن يتغير اتجاه السهم بحيث إذا
كان اتجاه السهم إلى الصعود فإنه يتحول إلى نزول والعكس صحيح([16]).
ثالثا:
أنواع أخرى للممارسات الممنوعة:
فتح
حسابات متعددة للتداول:
وهو أحد
الطرق التي يلجأ إليها صانعو السوق الخفي([17]) لتحقيق مكاسب كبيرة على
حساب المستثمرين الصغار، ولإضفاء شرعية على الفعل القذر للتداول، فضلا عن جني
الأرباح في يدهم.
ويمكن
هذا الأسلوب من التحكم في العرض داخل سوق المال، كما يؤدي إلى زيادة أو نقصان
الطلب حسب رؤية صانع السوق، ويعد هذا الأسلوب من أساليب الاحتكار الذي يعمل ضد
مصلحة المستثمر الصغير في البورصة.
ولكي
تتضح الصورة بشكل أكبر، نضرب لهذا الأسلوب المثال التالي:
لدى صانع
السوق شركة من شركات الاتصالات، ويملك 80% من أسهم تلك الشركة، وسعر السهم عند
بداية الإدراج بقوائم البورصة هو 10 دولارات، فتعال لنرى كيف تتم الممارسات غير المشروعة
على هذا السهم.
يبدأ
صانع السوق بداية بطرح 20% من أسهم تلك الشركة التي يتملكها في البورصة، فينخفض
السعر عند 8 دولارات، فيدفع هذا بعض الأشخاص إلى بيع ما لديهم من أسهم، فيقوم صانع
السوق بشراء الكمية التي طرحها من قبل في السوق عند السعر المنخفض، ومن ثم يزيد
الطلب على السهم وينقص المعروض فيرتفع سعر السهم إلى 15 دولارا، فيقوم صانع السوق
بطرح 25% مما لديه من أسهم عند السعر المرتفع الجديد في البورصة، فينخفض السعر إلى
12 دولارا، فيشتري مرة أخرى كمية أكبر من التي طرحها عند سعر 12 دولارا، فيرتفع
السعر عند 18 دولارا فيقوم بطرح 30% من أسهمه عند السعر الجديد.
وهكذا
يقوم صانع السوق الخفي بعمل موجات صعود وهبوط على السهم، ويجني الكثير من الأرباح
على حساب خسارة المستثمر الصغير الذي يتبع سياسة القطيع في البيع والشراء دون
النظر للتحليلات المالية أو الفنية لهذه الشركة.
أسلوب
الصدمات السعرية:
وهو يشبه
الأسلوب السابق إلى حد ما، ولكن من جانب عدد من الأفراد متفقين اتفاقا غير معلن
على القيام بمضاربات واسعة على سهم رخيص تحطم نظرية العرض والطلب، وتدفع المستثمرين
للبيع أو الشراء بكميات كبيرة.
وعرفت
سوق المال عمليات تلاعب من ابتكار بعض المضاربين الذين يستغلون ثغرات القانون، هذا
التلاعب يمس بالدرجة الأولى العرض والطلب ويجعل منهما مجرد، آلية وهمية لا تعبر عن
حقيقة أوضاع السوق.
فمثلاً
تتم المضاربة على أحد الأسهم النشطة، بحيث يتم شراء أو بيع كميات كبيرة من هذا
السهم، وبالتالي يتم تصدير شعور غير حقيقي لبقية المتعاملين في السوق بأن هذا
السهم مرشح للصعود في حالة شراء كميات كبيرة منه، أو أنه مرشح للهبوط في حالة بيع
كميات كبيرة منه، وبالتالي يحدث نوع من الصدمة السعرية حول السهم تدفع بقية
المستثمرين لشرائه أو بيعه بكميات هائلة وبذلك يحقق المضاربون أهدافهم.
ورغم أن
هذه التعاملات قانونية مائة بالمائة، ولا يمكن لأحد أن يعترض عليها فإنها في واقع
الأمر تضر بالسوق وبالمستثمرين بالخسائر.
المضاربات
الوهمية:
وهي من
أقدم الممارسات الضارة في البورصات وتعتمد على البيع الصوري للأصول، سواء كانت في
بورصة أسهم أو سلع أو عقارات. ولعل الكثيرين يتذكرون أن المضاربات الوهمية بوجود
أوامر بيع للأصول في بورصات دول النمور الآسيوية كان السبب الرئيسي في انهيار تلك الأسواق
الناشئة، كما أن عدوى الأسواق ساهمت في انتقال الانهيارات المالية من بورصة لأخرى،
حتى إن أحد خبراء سوق المال العالميين يقول إنه إذا أصاب البرد بورصة وول ستريت
نيويورك عطست بورصة طوكيو في الحال.
ويدل هذا على ارتباط الأسواق المالية من خلال
الانتقال السريع للمعلومات، كما يوجد أسلوب آخر من المضاربات الوهمية التي تعتمد
على المراهنات بغض النظر عن وجود مراكز مالية حقيقية، كما لا توجد أصول حقيقية
يمكن تسييلها في حالة الضرورة، وهذا أيضا يؤدي إلى انهيار في الأسعار داخل
البورصات.
التلاعب
في نقل المعلومات:
- حيث
يوجد شريط للأسعار الخاص بالأسهم المدرجة بالبورصة يعرض في كثير من القنوات
الفضائية، والمواقع الإلكترونية، ويقوم بعض الأفراد بشكل غير معلن عندما تبدأ
الجلسة بالاتفاق على محاولة تثبيت سعر رخيص للسهم بعيدا عن السعر الفعلي، حتى إذا
شاهده صغار المستثمرين ومحدودو المعلومات ينخدعون به سواء فعليا بالجلسة أو عبر
شاشات الفضائيات، والوسائل المختلفة، ومن ثم يبدءون في البيع بأسعار منخفضة خوفا
من انخفاض قيمة السهم.
ونفس
الشيء في نهاية الجلسة حيث يقوم صانعو السوق الخفي بمحاولة تثبيت سعر رخيص لبداية
الجلسة القادمة، حتى يقع في شراكهم صغار المستثمرين ومحدودو المعلومات، حيث
يشاهدون سعر الإغلاق على أغلب الفضائيات والمواقع فيقومون بالبيع لتخفيض الأسعار.
تسريب
معلومات خاطئة وشائعات: فالمعلومة في المجال الاقتصادي تترجم فورا إلى قرار يجلب
الربح إذا كانت صحيحة، ويضيع معها رأس المال إذا كانت خاطئة.
وصانعو
السوق الخفي يعتبرون قواعد اللعبة هنا بسيطة ما دامت أجهزة الرقابة بعيدة، ويد
القانون قاصرة، فيكفي فقط خبر مغلوط يتم تسريبه بطريقة أو بأخرى إلى الصحافة،
فترتفع أسعار سهم معين إلى عنان السماء وبعدها يبيع المستفيد، كما قد يحدث تسريب
شائعة أخرى تهوي بالسهم إلى سعر متدن فيشتري المستفيد.
وفي الحالتين يحقق صاحب الشائعة المكاسب من وراء
الزبائن الذين يصدقون ما يسمعون أو يقرأون، وذلك فإخفاء المعلومات يعد تلاعبا
قذرا؛ حيث إن بعض الأسهم ترتفع دون مبرر، ثم يكتشف بعد فترة وجود صفقة بيع أو
تحقيق أرباح عالية للشركات صاحبة هذه الأسهم، دون أن يكون قد تم الإعلان عن هذه المعلومات
حيث تم الاكتفاء بإبلاغ أناس معينين قد لا تزيد نسبتهم عن 1% من المتعاملين في
البورصة، وهؤلاء فقط هم الذين يتمكنون من تحقيق أرباح سريعة.
كما توجد
ظاهرة خطيرة تتمثل في عروض شراء لأسهم بعض الشركات، وسرعان ما يتضح عدم جدية هذه
العروض، بل يصل الأمر إلى أن تكون هذه العروض مجرد شائعات، أما النتيجة الخطيرة
التي تترتب على مثل هذه العروض غير الجادة فتتمثل في التلاعب بأسعار الأسهم محل المضاربة
عليها لصالح البعض، وعلى حساب البعض الآخر.
تلاعب شركات
السمسرة:
ضعف
الرقابة في السوق وعدم وجود عقوبات رادعة، يؤدي إلى مسلسل المخالفات الحادة وتلاعب
شركات السمسرة بصغار المستثمرين سواء عن طريق استخدام المعلومات الداخلية أو
التلاعب في تحريك أسعار الأسهم صعودا وهبوطا بالتعاون بين الشركات صاحبة الأسهم
وبعض شركات السمسرة لتحقيق أرباح استثنائية وغير مشروعة.
كما قد
تقوم شركة السمسرة بالبيع والشراء لأسهم العملاء دون علمهم ودون موافقتهم بغرض
تحقيق مكاسب للشركة، وهو نفس ما أدت إليه الممارسات الخاطئة التي قامت بها بعض
شركات السمسرة من خلال التلاعب في أرصدة العملاء المحفوظة لديها وإجراء عمليات بيع
وشراء دون علم العملاء، أو بيع جميع الأسهم المملوكة للعملاء والهرب، بعد تصفية
الشركة، والضحية دائما هم صغار المستثمرين([18]).
النموذج
الأول:
العمليات
التي من شأنها اصطناع خفض كبير في الأسعار الخاصة بسهم شركة معينة عن طريق بيع
كميات كبيرة منه، وربما يتم هذا البيع على المكشوف، دون أن يكون هناك سبب يتصل بالموقف
المالي، أو الأداء الاقتصادي للشركة، يبرر هذا الانخفاض، ثم يتبعه عمليات إعادة
شراء كميات كبيرة من ذات السهم، بسعر منخفض جداً، مما ينتج عنه تحقيق أرباح كبيرة
عندما تعاود الأسعار ارتفاعها إلى المستوى الطبيعي.
النموذج
الثاني:
العمليات
التي تتم عن طريق بث أخبار كاذبة، أو إشاعات عروض بالبيع، تتم بانتظام بطريقة
مقاربة، أو في نفس مستوى الانخفاض؛ كي تعجل من الانخفاض في الأسعار.
النموذج
الثالث:
العمليات
التي تتم بذات الطريقة السابقة، ولكن تتم في سوق الاختيار، وذلك في البورصات التي
يسمح فيها بالتعامل بالعقود المستقبلية.
النموذج
الرابع:
العمليات
التي من شأنها رفع سعر سهم ما عن طريق الشراء بأسعار مرتفعة تزيد عن السعر
الطبيعي، وقد يتم ذلك قبل إصدار أسهم رأس المال، عن طريق تعظيم سعر العرض بالنسبة
للسعر الطبيعي للسهم، وقد يتم على أسهم متداولة بالفعل، ويطلق على ذلك مصطلح فني
يعرف باسم (الغلاية bouilloire) بإجراء عمليات مصطنعة بأسعار متسارعة في الارتفاع دون ارتباط
بالأداء الاقتصادي للشركة، أو بظروف العرض والطلب الطبيعية في أسواق رأس المال، وتستخدم
هذه الطريقة غالباً على الأسهم ذات التداول المحدود.
وتتلخص
هذه الطريقة في إعطاء العديد من أوامر الشراء، حتى يقتنع المتعاملون بأهمية
التعامل على هذا السهم، فيقبلون على الشراء ويستمر تصاعد السعر، ويزداد مع كل
عملية صورية إلى النسبة القصوى المسموح بها للارتفاع، حتى يصل إلى السعر الذي يهدف
إليه المتلاعبون، ثم يعطون بعد ذلك أوامر بيع الأسهم التي في حوزتهم مسبقاً
ويحصلون على الأرباح التي يحققونها، ويخرجون من السوق.
هذه
العملية التي تعتمد أساساً على الغش، ويتحقق لها النجاح كلما كان السوق ضيقاً،
فالنمو المفاجئ في حجم التعامل بالنسبة لمثل هذا السهم، والارتفاع المصطنع للسعر
يخدع المستثمرين لصالح المتلاعبين.
وينبغي
التنبيه إلى أن إجراء عمليات ضخمة في سوق ضيقة أو على سهم محدود التداول لا يعد -بذاته-
دليلاً على التلاعب بالسعر، فيجب أن يتم ذلك في نطاق مشروع إجرامي يهدف إلى تعطيل
آليات السوق والإضرار بالآخرين، ومن المعلوم أن إجراء عدة اتفاقات بيع وشراء ضخمة
في سوق ضيقة يؤثر بالطبع في الأسعار، إلا أن ذلك لا يعد مثيراً للشك أو دليلاً على
التلاعب.
أمثلة
نظرية لما سبق:
مثال (1):
إجراء
تعامل صوري نشط على سهم ما مخالف للواقع، كقيام شخص ببيع أوراق مالية صورياً لابنه
أو أحد أفراد أسرته، أو قيامه بشراء وبيع ذات الورقة في ذات اليوم لشخص يتفق معه
على ذلك، وبسعر أكبر أو أقل حسب الاتفاق؛ وذلك بقصد اصطناع تعامل نشط، أو الإيهام بوجود
تغيرات سعرية ارتفاعاً أو نزولاً([20]).
مثال (2):
الشراء
المكثف لورقة مالية معينة في وقت معين حتى يصبح المتلاعب بالسعر هو الحائز الرئيسي
لهذه الورقة، وهو ما يسمى بالاستحواذ accaparement، الذي يهدف إلى تحطيم
المنافسة -أولاً- عن طريق الشراء المكثف حتى الوصول إلى سعر احتكاري يتحكم فيه
المتلاعب بسعر الورقة، وقد يحدث أن يقوم شخص أو أكثر من كبار المضاربين بشراء
كميات من ورقة مالية معينة، وبيع أخرى تساويها لتوجيه اهتمام الناس إلى هذه
الورقة، وقد يقرن ذلك بنشر أخبار هذه العمليات في الصحف المالية مما يعمل على رواج
هذه الورقة، ثم يقتصر المتلاعبون على الشراء دون البيع وبأسعار متزايدة في
الارتفاع، فيبادر الجمهور إلى الشراء، وتواصل الأسعار ارتفاعها حتى تصل إلى الحد
المطلوب لأطماع المضاربين، فيبيعون ما لديهم محققين أرباحاً كبيرة، وتتدهور
الأسعار بعد زوال العوامل المفتعلة، وقد يغتنم المضاربون الفرصة ويشاركون في زيادة
التدهور ببيع كميات تزيد من السعر المتدني للسهم، حتى يصل إلى سعر غير حقيقي في
التدني فينقلبون إلى الشراء، وعندما يعود السعر إلى وضعه الطبيعي يحققون أرباحاً
أخرى([21]).
↚
المطلب الثاني: صور واقعية من التلاعب بالأسعار:
تقدم في
المطلب الأولى التعريف بالتلاعبات وبيان أنواعها وطرق المضاربين لخداع صغار
المضاربين.
وسأذكر
في هذا المطلب مجموعة من الأمثلة الواقعية التي تدل على كيفية تلاعب بعض كبار
المساهمين بالمضاربات السوقية، بقصد تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، ولو على حساب
الخسارة الفادحة للآخرين.
والصور
المذكورة هنا تشمل غالب الطرق التي يستخدمها المضاربون المتلاعبون، وما لم يذكر
هنا فإنه لا يخرج عن الأفكار العامة لهذه الأساليب.
والأمثلة
كما يلي:
المثال الأول:
قام
أربعة -اثنان من الضاربين واثنان من الوسطاء- بالتلاعب بأسهم شركة فتيحي والأحساء
في السوق المالية السعودية.
ووصل
مجموع العقوبات أكثر من 12 مليون ريالا.
حيث أصدرت لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية قرارا نهائيا بإدانة اثنين من المتعاملين بالأسهم مع وسيطي تداول من بنك الجزيرة لمخالفتهما نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية.
وجاءت
العقوبات في ظل تأكيدات هيئة السوق على حماية المتعاملين في سوق الأسهم من
الممارسات غير العادلة والتي تنطوي على احتيال وتدليس وتلاعب.
وقد
أعلنت هيئة السوق المالية عن صدور قرار نهائي من لجنة الفصل في منازعات الأوراق
المالية بتاريخ 9/5/1428هـ بإدانة كل من:
1-(......)،
2-(......) مخالفين، و 3-(......)، 4-(......) وسيطي تداول أسهم لدى بنك الجزيرة([22]).
في
الدعوى المقامة من هيئة السوق المالية ضدهم لمخالفتهم نظام السوق المالية ولوائحه
التنفيذية وتضمن القرار إيقاع العقوبات الآتية عليهم وفق التالي:
-
إدانة (......) بمخالفة المادة التاسعة والأربعين
من نظام السوق المالية أثناء تعامله في أسهم شركة أحمد حسن فتيحي وشركاه خلال
الفترة من 20/5/2006م إلى 23/5/2006م وشركة الإحساء للتنمية خلال الفترة من 15/5/2006
إلى 20/5/2006م وإيقاع العقوبات الآتية عليه:
-
إلزامه بدفع المكاسب التي حققها نتيجة هذه
المخالفات والبالغة ستة ملايين وأحد عشر ألفاً وتسعمائة وثلاثين ريالاً.
-
فرض غرامة مالية عليه قدرها مائة وخمسون ألف
ريال.
-
منعه من العمل لمدة ثلاث سنوات في الشركات التي
تتداول أسهمها في السوق.
-
إدانة (......) بمخالفة المادة التاسعة والأربعين
من نظام السوق المالية أثناء تعامله في أسهم شركة أحمد حسن فتيحي وشركاه خلال
الفترة من 20/5/2006م إلى 23/5/2006م وشركة الإحساء للتنمية خلال الفترة من 15/5/2006
إلى 20/5/2006م وإيقاع العقوبات الآتية عليه وهي:
-
إلزامه بدفع المكاسب التي حققها نتيجة هذه
المخالفات والبالغة خمسة ملايين وسبعمائة وتسعة وثمانين ألفاً وأربعمائة وستة
وخمسين ريالاً.
-
فرض غرامة مالية عليه قدرها مائة وخمسون ألف
ريال.
-
منعه من العمل لمدة ثلاث سنوات في الشركات التي
تتداول أسهمها في السوق.
-
إدانة (......) بمخالفة المادة التاسعة والأربعين
من نظام السوق المالية، والمادة الحادية عشرة فقرة (أ-2 و3) من لائحة سلوكيات
السوق وإيقاع العقوبات الآتية عليه:
-
غرامة مالية عليه قدرها مائة ألف ريال.
-
إلغاء الترخيص الممنوح له.
-
إدانة (......) بمخالفة المادة الحادية عشرة
الفقرة (أ-2 و3) من لائحة سلوكيات السوق وإيقاع العقوبات الآتية عليه:
-
غرامة مالية عليه قدرها عشرة آلاف ريال.
-
تعليق الترخيص الممنوح له لمدة سنتين.
وأكدت
هيئة السوق المالية حرصها على تطبيق نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية، بما
يكفل استقرار السوق ويحقق عدالة التداول وحماية المتعاملين من الممارسات غير
العادلة والتي تنطوي على احتيال وتدليس وتلاعب([23]).
المثال الثاني:
جاء في
مقال نشر في جريدة الاقتصادية المثال التالي لأحد تلاعبات المضاربين:
"عندما
يقرر الكبار (مضاربون أم مستثمرون) التحرك في سوق الأسهم، تواجههم دائماً مشكلة
تتمثل في كيفية التحرك دون أن يراهم الآخرون، وذلك لضمان تحقيق أهدافهم
الاستثمارية بأقل التكاليف الممكنة، وهي مهمة صعبة تحتاج منهم إلى الكثير من
الخبرة والمتابعة والذكاء، هنا سنسلط الضوء على جانب مهم من إستراتيجياتهم
الاستثمارية في الأسواق المالية عامة والسوق المالية السعودية بشكل خاص.
بداية،
يجب أن تكون لديهم توقعات إيجابية عن أداء سهم معين في الفترة المقبلة (إما من
توقعات الأداء المستقبلي للشركة، وإما من معلومات داخلية تحصلوا عليها بطرق غير
نظامية) ويكون أمامهم هدف مهم، يتمثل في تجميع كمية ضخمة من ذلك السهم بأقل سعر
ممكن (مثلاً تجميع عشرة ملايين سهم من الشركة "س" بسعر يقل عن 100 ريال).
لتحقيق هذا الهدف يجب أن يتوافر لهم رصيد نقدي كبير (لا يقل في المثال أعلاه عن
مبلغ ملياري ريال)، ويمكن لنا أن نلخص عملية التجميع في المراحل التالية:
·
يقومون بالشراء باستخدام طلبات بسعر محدد دون
مستوى 100 ريالا للسهم (95 ريالا مثلاً) حتى يصلوا إلى مستوى معقول من كمية الأسهم
(مثلاً نصف مليون سهم).
·
ثم يقومون بوضع عروض بأوامر محددة على سعر 98
ريالا لكامل الكمية المشتراة، بهدف منع أي انطلاقات سعرية للأعلى (لأنهم لا يزالون
في بداية مرحلة التجميع) وفي الوقت نفسه يقومون بوضع طلبات بأوامر محددة على سعر
95 ريالا (غالباً باستخدام الأوامر غير المعلنة)، ما يعني قيامهم بدور صانع سوق
مؤقت، يشتري بسعر منخفض ويبيع بسعر مرتفع، وهو بذلك يقوم بعملية تجميع هادئة تمكنه
مع مرور الوقت من تخفيض متوسط سعر الشراء (وهي بلا شك أهم وأطول المراحل).
في حال حصول انطلاقات سعرية للأعلى خلال هذه
المرحلة وقبل الانتهاء من تجميع الكمية المطلوبة، يقومون بوضع كميات أكبر من
العروض بهدف ضغط سعر السهم في السوق ليعود إلى ما دون مستوى 100 ريال (السعر المستهدف).
أما إذا حدثت انخفاضات سعرية للأسفل، فإنهم
سيستفيدون من ذلك بتطبيق إستراتيجية التجميع على السعر الجديد (مثلاً 90 ريالا
للسهم) بدلا من السعر القديم (100 ريال للسهم) وبالتالي تحقيق تجميع عدد أكبر من
الأسهم بتكلفة أقل.
·
مع أي تذبذبات سعرية حادة، فإنهم سيستغلون هذه
الظروف بتوسيع الهوامش بين سعر الطلب وسعر العرض وبزيادة الكميات المطلوبة أو المعروضة،
مما يعني تجميع كمية أكبر من الأسهم وتخفيض أسرع في متوسط سعر الشراء خلال فترة
زمنية بسيطة، ما يعني إمكانية إنجاز مهمة التجميع قبل الموعد المخطط له.
مع الإنتهاء
من تجميع الكمية المطلوبة، يقومون بعد ذلك بسحب جميع الكميات المعروضة والتركيز
على طلبات بسعر محدد أو بسعر سوق، مع كميات كبيرة وذلك للفت انتباه المتعاملين،
مما يفتح المجال لسعر السهم للانطلاق للأعلى، بحيث إنه كلما تمكن السهم من الوصول
إلى مستويات سعرية عالية جديدة يتم رفع أسعار الطلب على السهم، وذلك لتدعيم
الأسعار العالية الجديدة في مواجهة أي عمليات جني أرباح.
عندما
يصل سعر السهم في السوق للسعر المستهدف من قبل كبار المضاربين، أو المستثمرين (مثلاً
140 ريالا للسهم)، يتمثل أهم التحديات في كيفية تصريف هذه الكمية الكبيرة من
الأسهم بأسعار أعلى من السعر المستهدف؟ هنا يكون أمامهم عدة سيناريوهات كما يلي:
·
القيام بالتصريف بطريقة مشابهة لعملية التجميع،
ولكن بالاتجاه المعاكس بحيث يتم وضع طلبات على سعر 140 ريالا للسهم، وعروض على سعر
145 ريالا (مما يعني إعادة بناء رصيد النقدية في المحفظة الاستثمارية أو التحول
لتجميع سهم شركة أخرى)، لكن هذا سيستغرق غالباً فترة زمنية تقارب الفترة اللازمة
للتجميع.
·
القيام بالتصريف عند إغلاق سعر السهم، بالنسب
العليا المسموح بها أعلى من مستوى 140 ريالاً، مما يعني إمكانية تصريف كمية أكبر
من الأسهم في فترة زمنية أقصر حيث إن وضع طلبات متراكمة عند إغلاق سعر السهم بالنسبة
العليا تمثل في الحقيقة وجبة دسمة عادة ما يقدمها الصغار إلى الكبار على طبق من
ذهب، ويستمر مسلسل التجميع والتصريف"([24]).
المثال الثالث:
حدث في
الفترة من 6 إلى 11 مايو سنة 1988م، أن سجلت أسهم شركة Saulnes Chatillon، المسجلة في بورصة باريس،
نشاطاً غير طبيعي في البورصة، تمثل في الارتفاع المطرد لسعر هذا السهم، ونمو حجم
التعامل عليه.
ونتجت
عمليات المضاربة هذه عن أوامر شراء تمت بواسطة ما يقرب من عشرين شركة سمسرة، لحساب
عملاء تم فتح حسابات لهم بهذه الشركة بأسماء وعناوين وهمية، وقد كشفت تحقيقات COB (لجنة عمليات البورصة) -وقاضي التحقيق فيما بعد-
أن ثلاثة أشخاص قاموا بهذه العمليات بالتواطؤ فيما بينهم باستخدام ما يعرف بأسلوب
الغلاية bouilloire لرفع سعر السهم، وقد اختاروا ورقة مالية محدودة التداول تصلح
للتأثير بهذا الأسلوب، وهو سهم شركة Saulnes Chatillon والذي كان حجم التعامل
اليومي عليه لا يزيد عن ثلاثة آلاف سهم، ونتيجة لهذه الممارسة غير المشروعة ارتفع
السهم من 171 فرنكاً في 6 مايو إلى 197 فرنكاً في 11 مايو، ثم عاد ليهبط إلى 184.10
فرنكاً، رغم عدم وجود أي أنباء عن الأداء الاقتصادي للشركة مصدرة السهم في تلك الفترة،
تبرر هذه التقلبات السعرية، وقد تسبب مرتكبو هذه العمليات في وقوع خسارة مقدارها 2
مليون فرنك للشركات العاملة في البورصة.
وقد أحيل
المتهمون إلى المحاكمة الجنائية لارتكابهم الجريمة المؤثمة بالمادة (10-3) المعدلة
بقانون 22 يناير سنة 1988م، وقد أدانت محكمة جنح باريس المتهمين مقررة حيثيات
حكمها: "بأن المتهمين قد اتفقوا على تزييف الأداء الطبيعي لسوق الأوراق المالية
فيما يتعلق بسهم شركة Saulnes Chatillon وهم على علم بآليات البورصة، وذلك عن طريق الغش والاحتيال، ومع
إرادتهم إيقاع الغير في الخطأ للاستفادة -مباشرة- من الأرباح المتحققة عن العمليات
التي أجروها على المكشوف وعندما طعن المتهمون على هذا الحكم أيدته محكمة استئناف
باريس وقضت برفض الطعن"([25]).
المثال الرابع:
كشف
تقرير للكونجرس الأمريكي عن حجم الأرباح التي تحققت في أحد اتفاقات الاختيار عام
1929م وهو اختيار شراء أول (call
option) والتي أجريت على سهم إحدى شركات البترول، فقد قام التنظيم
المضارب بإبرام اتفاق اختيار شراء مع الشركة المعنية بمنحة حق شراء 1.13 مليون سهم
بالسعر الجاري وقدره 30 دولاراً للسهم، فضلاً عن شراء 634 ألف سهم من السوق
الحاضر، وقد ترتب على ذلك ارتفاع القيمة السوقية للسهم حتى وصلت إلى 40 دولاراً، وحينئذ
قام التنظيم بتنفيذ حق الاختيار وحصل على 1.13 مليون سهم بسعر 30 دولاراً للسهم،
وقام ببيعها مع باقي الأسهم التي اشتراها من السوق الحاضر بسعر 40 دولار للسهم
الواحد، بل زاد على ذلك ببيع 250 ألف سهم على المكشوف بالسعر الجاري (40 دولاراً)،
وعندما اكتشف المتعاملون في السوق أن رواج السهم لم يكن قائماً على أساس، انخفضت
الأسعار فقام التنظيم المضارب بتصفية صفقة البيع على المكشوف محققاً مزيداً من
الأرباح.
وقد
أسفرت تلك العمليات عن أرباح صافية بلغت قيمتها 12.5 مليون دولار على حسب مستثمرين
أبرياء، وهي مبالغ طائلة في عام 1929م([26]).
وكانت
هذه العمليات وما شابهها من أسباب الكساد العظيم الذي ضرب الولايات المتحدة
الأمريكية في عام 1929م، وأزمة الاثنين الأسود عام 1987م في بورصات العالم، وأزمة
دول جنوب شرق آسيا عام 1997م([27]).
المثال الخامس:
وهو من
السوق المصري، وهو يتعلق بأسهم البنك المصري البريطاني.
حيث قام
المتلاعبون برفع قيمة السهم بنسبة 5% يومياً، وتمكنوا من رفع السعر من 80 جنيهاً
إلى 210 جنيهات للسهم، ولم يكن ذلك نتيجة طبيعية لآليات السوق، وإنما نتج عن
عمليات تلاعب قام بها اثنان من المضاربين يتبادلان الأدوار يومياً من بائع إلى
مشتر على مائة سهم كل يوم، ويحققان بها سعر إقفال بارتفاع بنسبة 5%، وقد أكدت
تحقيقات إدارة البورصة وكذلك هيئة سوق المال الواقعة، بل وصل الأمر إلى مجلس الشعب
في صورة طلب إحاطة مقدم إلى وزير الاقتصاد، الذي أكد الواقعة وبرر ذلك بوجود ثغرات
في قانون سوق المال([28]).
المثال السادس:
نشرت
جريدة العالم اليوم خبراً عن التحقيقات التي أجرتها هيئة سوق المال وإدارة البورصة
بشأن التلاعب في سهم شركة أرابيا وكان عنوان المقال: "هيئة سوق المال تتهم
رئيس شركة آربيا وآخرين بالتلاعب وقيد سعر غير حقيقي".
وتتلخص
في النقاط التالية:
أولاً:
في تاريخ 3 أبريل سنة 1998 أعلنت شركة آرابيا للتعمير والإسكان في جريدة الأهرام
وكذلك في اليوم التالي بجريدة الأخبار عن صرف الكوبون رقم (1) بمبلغ 37 جنيهاً لكل
سهم قيمته الاسمية مائة جنيه اعتبارا من السبت 4 أبريل سنة 1998، وأشارت بالإعلان
إلى أن رأس المال المرخص به سبعون مليون جنيه، ورأس المال المصدر عشرون مليون
جنيه.
وقد كان
هذا الإعلان مخالفاً للواقع والحقيقة، حيث إن قيمة هذا الكوبون تخص حملة الأسهم في
31/12/1997 والبالغ عددها 25 ألف سهم فقط، حيث إن رأس مال الشركة المدفوع في ذلك
التاريخ كان 2.5 مليون جنيه، بقيمة اسمية للسهم مائة جنيه.
ولم تفصح
الشركة في الإعلان عن تمام زيادة رأس المال المصدر من 20 إلى 30 مليون جنيه بتاريخ
14/3/1998، لا سيما وأن الإعلان كان بتاريخ لاحق لتمام الزيادة مخالفة بذلك قواعد
الإفصاح والشفافية المقررة في هذا الشأن.
ثانياً:
من ناحية أخرى أظهرت نتائج أعمال الشركة عن السنة المالية المنتهية في 31/12/1998
عن تحقيق خسارة قدرها 343500 جنيه، وعن الربع الأول من عام 1999 خسارة قدرها 73200
جنيه، ولم تقم الشركة بنشر ذلك متبعة في ذلك سياسة من شأنها تضليل المتعاملين على
أسهم الشركة.
ثالثاً:
قام رئيس مجلس إدارة شركة آرابيا وزوجته نائب رئيس مجلس الإدارة من خلال شركتي
الصفوة وبروفنت لتداول الأوراق المالية، حال كونهما من المساهمين في الشركة
الأخيرة ببيع عدد 337724 سهماً من أسهم الشركة بقيمة إجمالية قدرها 7.311338 جنيهاً
بموجب 668 عملية.
وقد خلصت
التحقيقات إلى أن الغرض من هذه العمليات هو قيد سعر غير حقيقي للسهم، والتأثير على
أسعار السوق، مع علم المتلاعبين أن العمليات تتم بسعر غير مبرر، الأمر الذي يبين
منه وجود تلاعب بالأسعار على وجه القطع واليقين، ويستخلص ذلك من تقدم المذكورين
بطلبات شراء محدد بها سعر يزيد عن سعر الإقفال السابق بمقدار 5% في بداية تعاملات
الفترة لرفع السعر، ثم في نهاية تعاملات الفترة لرفع السعر مرة أخرى بعد هبوطه،
وقد تم جني أرباح رأسمالية كبيرة لصالح كل من رئيس مجلس إدارة شركة آرابيا وزوجته
نائب رئيس مجلس الإدارة، مما ألحق أضراراً بصغار المستثمرين الذين أقدموا على
الشراء متأثرين بعاملين.
أولهما: علمهم بأن آخر توزيع على السهم يقدر
بنسبة 37% من قيمته، وهو غير حقيقي.
وثانيهما:
صعود السعر 5% تقريباً يومياً، وهو أيضاً ارتفاع غير مبرر بل ومصطنع بفعل أصحاب
الشركة، وقد تعدت خسائر المستثمرين في بعض الأحيان 50% من قيمة السهم عندما هبط
سعره، ولهذه الأسباب قررت هيئة سوق المال:
أولاً:
إلغاء جميع العمليات التي عقدت على أسهم شركة آرابيا اعتبارا من جلسة تداول 8/6/1999
وحتى جلسة تداول 20/7/1999 وما يترتب على ذلك.
وثانياً:
وقف التعامل على أسهم الشركة المذكورة لحين تنفيذ التزاماتها بقواعد وأحكام الإفصاح.
ثالثاً:
إبلاغ نيابة الشؤون المالية والتجارية بصورة من التحقيق لإعمال شؤونها ضد المتهمين"([29]).
المطلب
الثالث: حكمه الشرعي:
إذا تأمل
الباحث هذه التلاعبات التي يستخدمها بعض المضاربين فإنه لا يشك في أنها محرمة وهي
من أكل أموال الناس بالباطل.
وإذا كان
الله تعالى حرم النجش وجعله من المكاسب الخبيثة، فكيف بهذه الممارسات المشينة التي
يصغر عندها النجش.
وسيأتي
في المبحث الرابع ذكر النصوص والقواعد العامة الدالة على تحريم هذه الأعمال في
الشرع.
وحيث إن
الحديث عن حكم التلاعب بالأسعار، وحكم إفشاء المعلومات متطابق رأيت أن أفرد لهما
مبحثاً مستقلاً، لبيان حكمهما وإنما أخرت الكلام عن حكم التلاعب بالأسعار بقصد أن
تكتمل الصورة المتعلقة بالممارسات الممنوعة في سوق الأسهم، ورأيت أن هذا أنسب من
تقديمه هنا، والله أعلم.
المبحث الثاني: إفشاء المعلومات السرية (الداخلية) في
سوق المال
المطلب الأول: التعريف به:
إفشاء
المعلومات السرية (الداخلية) هو: واقعة استغلال أو توصيل معلومات مميزة، من جانب
المطلعين عليها بحكم وظائفهم، في فترة زمنية يتعين عليهم فيها حفظ هذه المعلومات،
وهي تمثل انتهاكاً صارخاً لمبدأ المساواة والعدالة بين المتعاملين في سوق رأس المال"([30]).
وقد وضح
في نظام السوق المالي السعودي في المادة الخامسة حظر الإفصاح عن المعلومات
الداخلية كما يلي:
أ-
يحظر على الشخص المطلع أن يفصح عن أي معلومات
داخلية لأي شخص آخر، وهو يعلم أو يجدر به أن يعلم أن هذا الشخص الآخر من الممكن أن
يقوم بالتداول في الورقة المالية ذات العلاقة بالمعلومات الداخلية.
ب-
يحظر على أي شخص غير مطلع أن يفصح لأي شخص آخر عن
أي معلومات داخلية حصل عليها من شخص مطلع، وكان يعلم أو يجدر به أن يعلم أن ذلك
الشخص الآخر الذي تم الإفصاح له من الممكن أن يقوم بالتداول في الورقة المالية ذات
العلاقة بالمعلومات الداخلية.
كما وضع النظام
في المادة السادسة حظر التداول بناء على معلومات داخلية كما يلي:
أ-
يحظر على الشخص المطلع التداول بناء على معلومات
داخلية.
ب-
يحظر على الشخص غير المطلع التداول بناء على
معلومات داخلية إذا حصل على هذه المعلومات من شخص آخر وهو يعلم أو يجدر به أن يعلم
أن هذه المعلومات داخلية.
وقد جاء
في النظام ما يوضح المراد بالورقة المالية المذكورة في المادة الخامسة والسادسة
السابقتين حيث يقول:
يقصد
بالورقة المالية ذات العلاقة بالمعلومات الداخلية أي ورقة مالية يتأثر سعرها أو
قيمتها بشكل جوهري في حالة الإفصاح عن هذه المعلومات أو توفيرها للجمهور.
كما
يشترط أن تكون هذه الورقة المالية المتداولة([31]).
ويعتبر
إفشاء المعلومات السرية (الداخلية) في سوق المال من الجرائم التي تترتب عليها
عقوبات في القوانين الوضعية المعاصرة([32]).
والمطلعون
بحكم وظائفهم الذين ذكروا في التعريف هم فئتان([33]):
الفئة
الأولى المطلعون الرئيسيون على الأسرار:
وتشمل
هذه الفئة: رئيس الشركة، والمدين العموميين، وأعضاء الإدارة العامة، والعضو
المنتدب، وأعضاء مجلس الرقابة، وكذلك المساهمين الكبار عند بعض الأنظمة.
فهؤلاء
يفترض فيهم العلم بالمعلومات المميزة للشركة، لأنهم يملكون سلطة القرار بحكم
موقعهم في الشركة.
الفئة
الثانية المطلعون الثانويون على الأسرار:
وتشمل
هذه الفئة كل موظفي الشركة من غير طائفة المديرين مثل سكرتير المدير العام، أو
سكرتير المدير المالي، ويدخل في هذه الفئة الذين لا يرتبطون بعلاقة عمل وظيفي مع
الشركة، لكن طبيعة مهنهم وأعمالهم تسمح لهم بمعرفة هذه المعلومات السرية (الداخلية)،
مثل المستشار القانوني، والمحاسب، والمحلل المالي ونحوهم.
المطلب الثاني مفهوم وخصائص المعلومة السرية (الداخلية):
أولا مفهوم المعلومة السرية
(الداخلية):
لا يعتبر
الحصول على معلومة عن شركة من الشركات أمراً ممنوعاً في حد ذاته، لكن الممنوع هو
الحصول على معلومة سرية متميزة قبل وصولها إلى باقي المتعاملين قد تستخدم في تحقيق
أرباح مادية على حساب الآخرين، فهي بهذا تعد أداة الممارسات غير المشروعة في
البورصات([34]).
والمراد
بالمعلومة السرية (الداخلية) هنا: تلك المعلومات التي تتعلق بالموقف الحالي
والتصورات المستقبلية لمصدر أوراق مالية متداولة في سوق منظمة، أو تتعلق بتطور
مستوى أحد الأدوات المالية المعتمدة في سوق منظمة([35]).
ثانياً خصائص هذه المعلومات
المميزة:
هذه
المعلومات لا بد أن تتصف بخصائص معينة لتكون من المعلومات المميزة وهي كما يلي:
1-
أن تكون المعلومة سرية.
2-
أن تكون المعلومة محددة تحديداً كافياً، فالقول بأن
شركة تعتريها بعض الصعوبات لا تعتبر معلومة مميزة لأنها غير محددة، بخلاف معرفة
الأرباح التي حققتها الشركة، وكذلك معرفة أن الشركة تعاني من خسارة فادحة فهذه
معلومات محددة تعتبر مميزة.
3-
أن يكون من شأن المعلومات التأثير على سعر
الأوراق المالية المتعلقة بها لو وصلت إلى علم الجمهور([36]).
وجاء في
نظام سوق المال السعودي:
تعني
المعلومات الداخلية على وجه التحديد المعلومات التي يتحقق فيها الآتي:
1-
أن تتعلق بورقة مالية.
2-
أن لا يكون قد تم الإعلان عنها لعموم الجمهور،
ولم تكن متوفرة لهم بأي شكل آخر.
3-
أن يدرك الشخص العادي بالنظر إلى طبيعتها
ومحتواها، أن إعلانها أو توفيرها للجمهور يؤثر تأثيرا جوهريا على سعر الورقة المالية
أو قيمتها([37]).
المطلب الثالث صور واقعية لهذه الجريمة:
المثال الأول:
أدانت
هيئة عمليات البورصة C.O.B الفرنسية "السيد برجي" في القضية المتعلقة بشركات (Yves Laurent)، وذلك لاستغلال المعلومة
المتوفرة لديه قبل أن يعلمها العموم، حيث عمل على بيع أسهمه التابعة لمجموعة هذه
الشركات بالتراضي خارج البورصة، في حين أنه كانت لديه معلومات تفيد أنه سيحدث انخفاض
شديد لأسعار أسهم هذه المجموعة من الشركات، وألزمته الهيئة (c.o.b) بدفع غرامة مقدارها 3
مليون فرنك، وقد أيدت محكمة استئناف باريس هذا القرار مع تخفيض الغرامة إلى مليون
فرنك([38]).
المثال الثاني:
في عام
1959 حقق فريق من الباحثين بشركة (Texas Gulf sulfer co.) كشفاً جديداً عبارة عن مناجم ضخمة من النحاس والزنك، وقد احتفظت
الشركة بسرية الكشف الجديد لحين الحصول على ملكية هذه الأرض التي تقع بها المناجم،
وقد استغل أعضاء هذا الفريق المكون من مديرين وعدد من صغار الموظفين هذه المعلومات،
واشتروا عدداً ضخماً من أسهم الشركة قبل أن ترتفع أسعارها بعد الإعلان عن هذا
الاكتشاف، كما أفشوا هذا السر إلى أقاربهم وذويهم، ونصحوهم بشراء أسهم الشركة، وكان
سعر السهم 19 دولاراً، وقد ارتفع إلى 37 دولاراً بمجرد الإعلان عن الكشف.
وقد وجهت
هيئة البورصة الأمريكية SEC الاتهام إلى ثلاثة عشر شخصاً، منهم سبعة مديرين، والستة الآخرون
مجرد موظفين عاديين.
المثال الثالث:
اجتمع
أحد مديري الشركات مع رئيس الشركة في غداء عمل مع بعض المديرين الآخرين، وعلم من
خلال الاجتماع بمعلومة سرية وهي انخفاض شديد في الأرباح، ولم تعلق هذه المعلومة
إلا بعد ثمانية أيام قام خلالها مدير الشركة ببيع 1200 سهم من أسهم الشركة المعنية
لحساب زوجته قبل ظهور الإعلان متفادياً بذلك خسارة قدرها (75300) فرنك تقريباً.
وبناء
على ذلك عُد هذا المدير مستغلاً لتلك المعلومة السرية (الداخلية) المميزة.
وقد قررت
لجنة عمليات البورصة في باريس (c.o.b) معاقبته إدارياً بغرامة قدرها 40 ألف فرنك، ونشر العقوبة في
الجريدة([39]).
المبعث الثالث: حكم التلاعب بالأسعار وإفشاء
المعلومات السرية (الداخلية) في سوق المال
المطلب الأول: الأصول العامة الدالة على حكم المسألة.
الأصل
العام الذي قررته نصوص الكتاب والسنة في شأن المعاملات هو وجوب العدل والمنع من
الظلم فكل ما أباحه الله -سبحانه وتعالى- من المعاملات ففيه العدل وإصلاح الناس
وكل ما حرمه الله -سبحانه وتعالى- ففيه الظلم وفساد الناس قال تعالى: (وَإِلَى
مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ
إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ
وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي
الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)
[الأعراف: 85].
وقال
تعالى: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ
بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ
بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 188].
وقال
تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ
نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) [النساء: 58].
وقال
تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ
تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) [النساء: 29].
قال
القرطبي: "المعنى لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق فيدخل في هذا القمار والخداع
والغصوب وجحد الحقوق وما لا تطيب به نفس مالكه أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس
مالكه كمهر البغي وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك"([40]).
وقال الزمخشري:
"بما
لم تبحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا"([41]).
وقال صلى
الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"([42]).
وجاء في
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن بيع
الغرر"([43]).
وقال صلى
الله عليه وسلم: "المكر والخديعة في النار"([44]).
وقال
الشافعي:
"أصل
البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا إلا ما نهى
عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى
الله عليه وسلم محرم بإذنه داخل في المعنى المنهي عنه، وما فارق ذلك أبحناه بما
وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى"([45]).
وقال شيخ
الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
"عامة
ما نهى عنه الكتاب والسنة من المعاملات يعود إلى تحقيق العدل، والنهي عن الظلم دقه
وجله، مثل أكل المال بالباطل، وجنسه من الربا والميسر وأنواع الربا والميسر التي
نهى عنها النبي، مثل بيع الغرر وبيع حبل الحبلة وبيع الطير في الهواء والسمك في الماء
والبيع إلى أجل غير مسمى، وبيع المصراة، وبيع المدلس، والملامسة، والمنابذة،
والمزابنة، والمحاقلة، والنجش، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه، وما نهى عنه من أنواع
المشاركات الفاسدة، كالمخابرة بزرع بقعة بعينها من الأرض"([46]).
والممارسات
التي يقوم بها بعض كبار المضاربين المحترفين في سوق المال من تضليل المتعاملين
والتلاعب بهم وخداعهم: تدخل دخولاً أولياً في الظلم المنهي عنه شرعاً.
وتحريم
التلاعبات السوقية وإفشاء الأسرار شرعاً يقوم على ركيزتين:
الأولى: تحريم إيقاع الضرر على المسلمين.
الثانية: تحريم المكر والخديعة.
فإن
الأمرين واقعان في التلاعبات السوقية وإفشاء الأسرار.
ولعله من
المناسب تعريف الاحتيال لكون التلاعبات في الأوراق المالية غالباً ما تنبني على
نوع احتيال وخداع.
تعريف
الاحتيال:
الحيلة
في لغة العرب: "التحول من حال إلى حال بنوع تدبر ولطف يحيل به الشيء عن ظاهره
أو من الحول بمعنى المقدرة"([47]).
وقد بين
ابن القيم أن الحيلة في اللغة: "مشتقة من التحول وهي النوع والحالة كالجلسة
والقعدة والركبة فإنها بالكسر للحالة وبالفتح للمرة كما قيل الفعلة للمرة
والفِعْلة للحالة، والمفعِل للموضع والمفعَل للآلة"([48]).
وأما في
الاصطلاح الشرعي فهو: "سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه
بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة فهذا أخص من موضوعها في أصل اللغة
وسواء كان المقصود أمرا جائزا أو محرما وأخص من هذا استعمالها في التوصل إلى الغرض
الممنوع منه شرعا أو عقلا أو عادة"([49]).
وقال
الإمام الشاطبي: "التحيل مشتمل على مقدمتين إحداهما قلب أحكام الأفعال بعضها
إلى بعض في ظاهر الأمر والأخرى جعل الأفعال المقصود بها في الشرع معان وسائل إلى
قلب تلك الأحكام هل يصح شرعا القصد إليه والعمل على وفقه أم لا، وهو محل يجب
الاعتناء به وقبل النظر في الصحة أو عدمها لا بد من شرح هذا الاحتيال.
وذلك أن
الله تعالى أوجب أشياء وحرم أشياء إما مطلقا من غير قيد ولا ترتيب على سبب كما
أوجب الصلاة والصيام والحج وأشباه ذلك وحرم الزنى والربا والقتل ونحوها وأوجب أيضا
أشياء مرتبة على أسباب وحرم آخر كذلك كإيجاب الزكاة والكفارات والوفاء بالنذور
والشفعة للشريك وكتحريم المطلقة والانتفاع بالمغصوب أو المسروق وما أشبه ذلك فإذا
تسبب المكلف في إسقاط ذلك الوجوب عن نفسه أو في إباحة ذلك المحرم عليه بوجه من
وجوه التسبب حتى يصير ذلك الواجب غير واجب في الظاهر أو المحرم حلالا في الظاهر
أيضا فهذا التسبب يسمى حيلة وتحيلا"([50]).
المطلب الثاني: الأدلة الشرعية الخاصة الدالة على حكم المسألة:
تقدم
معنا بعض النصوص العامة وهي دالة على تحريم التلاعبات السوقية أما الأدلة الخاصة
فسأذكر ما يدل عليها من خلال ذكر جملة من البيوع التي نهى عنها الشارع مع بيان علة
النهي، مما يقطع الناظر فيه أن تلك الممارسات المشار إليها يحرمها الشرع بالقياس
الأولوي على البيوع التي ستذكر.
أولاً النجش:
النجش
هو: أن يزيد أحد في سلعة وليس في نفسه شراؤها، يريد بذلك أن ينفع البائع ويضر
المشتري([51]).
وقال
الشافعي: النجش: أن تحضر السلعة تباع فيعطي بها الشيء وهو لا يريد شراءها، ليقتدي
به السوام فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه([52]).
أولا
الأحاديث الدالة على النهي عنه:
1-
عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: قال: نهى رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- "عن النَّجَش"([53]). وفي الموطأ قال مالك: "والنَّجَشُ:
أن تُعْطِيَهُ بسلعته أَكْثَرَ مِنْ ثمنها، وليس في نفسك اشتراؤُها فيقتدي بك غيرُك".
2-
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن
يبيع حاضر لبادٍ أو يتناجشوا أو يخطُب الرجل على خِطبة أخيه أو يبيع على بيع أخيه
ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها أو إنائها ولْتَنْكِح فإنما رِزقُها
على الله([54]).
ثانيا الآثار
الدالة على النهي عنه:
1-
عن عمر قال: "إن النجش لا يحل وإن البيع
مردود"([55]).
2-
عن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه-: قال: "النَّاجِشُ
آكل ربا خائنٌ، وهو خِداعٌ باطل لا يحل"([56]).
والشارع
الحكيم إنما نهى عن النجش لما فيه من ظلم وتغرير سواء كان بقصد نفع البائع، أو ضرر
المشتري أو بقصد الأمرين.
وأيضاً
لأنه من الخديعة.
قال ابن
قتيبة: "النجش الختل والخديعة ومنه قيل للصائد ناجش لأنه يختل الصيد ويحتال
له"([57]).
وقال
الباجي في شرح الموطأ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش لأنه من
باب الخديعة في البيع، وإظهار الناجش للمبتاع أن قيمتها أكثر من قيمتها، وأنه يريد
أن يبتاعها"([58]).
قال ابن
دقيق العيد "ولا شك أن هذا الفعل حرام، لما فيه من الخديعة"([59]).
ولذلك
أجمع الفقهاء على أنه معصية، قال ابن عبد البر: أجمعوا أن فاعله عاص لله -عز وجل-
إذا كان بالنهي عالما([60]).
والنبي
صلى الله عليه و سلم يقول المكر والخديعة في النار([61]).
بل إن
الحافظ ابن رجب ينقل عن بعض العلماء أن المراد بالنجش معنى عام فيقول -وهو كلام
متين جداً مناسب للمقام-:
"ويحتمل
أن يفسر التناجش المنهي عنه في هذا الحديث بما هو أعم من ذلك([62])، فإن أصل النجش في اللغة:
إثارة الشيء بالمكر والحيلة والمخادعة، ومنه سمي الناجش في البيع ناجشاً، ويسمى
الصائد في اللغة ناجشاً، لأنه يثير الصيد بحيلته عليه، وخداعه له، وحينئذ، فيكون
المعنى: لا تتخادعوا، ولا يعامل بعضكم بعضا بالمكر والاحتيال. وإنما يراد بالمكر
والمخادعة إيصال الأذى إلى المسلم: إما بطريق الأصالة، وإما اجتلاب نفعه بذلك،
ويلزم منه وصول الضرر إليه، ودخوله عليه، وقد قال الله -عز وجل-: (وَلَا
يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر: 43]. وفي حديث
ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من غشنا فليس منا، والمكر
والخداع في النار"([63]).
وقد ذكرنا فيما تقدم حديث أبي بكر الصديق المرفوع: "ملعون من ضار مسلماً
أو مكر به" أخرجه الترمذي([64]).
فيدخل
على هذا التقدير في التناجش المنهي عنه جميع أنواع المعاملات بالغش ونحوه، كتدليس
العيوب، وكتمانها، وغش المبيع الجيد بالرديء، وغبن المسترسل الذي لا يعرف المماكسة،
وقد وصف الله تعالى في كتابه الكفار والمنافقين بالمكر بالأنبياء وأتباعهم، وما
أحسن قول أبي العتاهية:
ليـس
دنـيا إلا بـدين وليـ
إنمـا المكـر والخديـعـة في النـا |
|
ـس
الدين إلا مكـارم الأخـلاق
ر هـما من خصـال أهـل النفاق |
وإنما
يجوز المكر بمن يجوز إدخال الأذى عليه، وهم الكفار المحاربون، كما قال النبي -صلى
الله عليه وسلم-: (الحرب خدعة)([65])"([66]).
وسيأتي
في آخر المبحث بيان العلاقة بين النجش والتلاعبات السوقية.
ثانيا بيع الحاضر للبادي:
هو أن
يتولى الحاضر البيع للبادي، فيقول: لا تبع سلعتك بنفسك، أنا أعلم بذلك منك، فأبيعها
لك في السوق، أي يكون وكيل له في بيع سلعته([67]).
الأحاديث
الدالة على النهي عنه:
1-
عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يُتلقَّى الرُّكبان، وأن يبيع حاضر لباد، قال قُلْتُ لابن عباس: ما قولُهُ
حاضر لبادٍ قال: لا يكون له سمسارا([68])..
2-
عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يُتلقى الركبان أو يبيع حاضر لباد ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح
أو يدع ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس ولا بعد الصبح حتى ترتفع الشمس أو
تُضْحِىَ([69]).
3-
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن
يبيع حاضر لباد أو يتناجشوا أو يخطب الرجل على خطبة أخيه أو يبيع على بيع أخيه ولا
تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها أو إنائها ولْتنكح فإنما رزقها على
الله([70])..
الحكمة
من النهي عنه:
دفع
الضرر عن أهل البلد، لأن البادي إذا باع بنفسه سلعته رخصت على الناس، يدل عليه
قوله صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض"([71]).
قال شيخ
الإسلام: "فإذا كانت الطائفة التي تشترى نوعاً من السلع، أو تبيعها قد تواطأت
على أن يهضموا ما يشترونه فيشترونه بدون ثمن المثل المعروف، ويزيدون ما يبيعونه
بأكثر من الثمن المعروف، وينموا ما يشترونه كان هذا أعظم عدواناً من تلقي السلع
ومن بيع الحاضر للبادي ومن النجش، ويكونون قد اتفقوا على ظلم الناس حتى يضطروا إلى
بيع سلعهم وشرائها بأكثر من ثمن المثل، والناس يحتاجون إلى ذلك وشرائه، وما احتاج
إلى بيعه وشرائه عموم الناس فإنه يجب أن لا يباع إلا بثمن المثل، إذا كانت الحاجة
إلى بيعه وشرائه عامة"([72]).
ثالثاً تلقي الركبان:
تلقي
الركبان أو تلقي السلع أو تلقي الجلب هو:
أن يخرج
رجل من البلد لاستقبال التجار الذين يأتون بالأموال من الخارج فيشتريها منهم هناك
قبل أن يدخلوا البلد ويعرفوا سعره([73]).
والنصوص
السابقة دالة على المنع منه.
الحكمة
من النهي عنه:
دفع
الضرر عن الجالبين للسوق لأنه ربما اشترى المتلقي منهم بأقل من سعر السوق وأيضا دفع
الضرر عن أهل السوق لئلا ينتفع المتلقي وحده بهذه السلع فيرفع السعر على أهل البلد
إما مباشرة أو بالتربص حتى يرتفع السعر.
ولعل
الأصل في النهي هو مراعاة حال الجالب لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أتى
سيده السوق فهو في الخيار"([74]).
قال شيخ
الإسلام: "ومن المنكرات تلقي السلع قبل أن تجيء إلى السوق، فإن النبي نهى عن
ذلك لما فيه من تغرير البائع، فإنه لا يعرف السعر فيشتري منه المشتري بدون القيمة،
ولذلك أثبت النبي له الخيار إذا هبط إلى السوق، وثبوت الخيار له مع الغبن لا ريب
فيه"([75]).
وقال شيخ
الإسلام معلقاً على مسألة الغبن للمسترسل ثم مسألة تلقي السلع قال -رحمه الله-: "وثبوت
الخيار بالغبن للمسترسل، وهو الذي لا يماكس، هو مذهب مالك وأحمد وغيرهما، فليس
لأهل السوق أن يبيعوا المماكس بسعر، ويبيعوا المسترسل الذي لا يماكس أو من هو جاهل
بالسعر بأكثر من ذلك السعر، هذا مما ينكر على الباعة، وجاء في الحديث: غبن
المسترسل ربا، وهو بمنزلة تلقي السلع، فإن القادم جاهل بالسعر، ولذلك نهى النبي أن
يبيع حاضر لباد وقال: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، وقيل لابن عباس: ما قوله
لا يبيع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمسار، وهذا نهي عنه لما فيه من ضرر المشترين،
فإن المقيم إذا توكل للقادم في بيع سلعة يحتاج الناس إليها والقادم لا يعرف السعر ضر
ذلك المشترى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض"([76]).
وجه الاستدلال بالنصوص السابقة على
تحريم التلاعبات السوقية وإفشاء المعلومات السرية (الداخلية):
إن مجموع
ما سبق من النصوص يدل دلالة ظاهرة جداً على تحريم ضرر الغير وخداعهم، والتوصل إلى
أكل أموالهم بالحيل والتلاعب.
ولا تخرج
تلك الممارسات عن كونها مكراً وخديعة وإضراراً بالآخرين، والشارع نهى عن النجش
وغيره من البيوع المحرمة لهذا المعنى.
وإذا كان
النجش يقول عنه الصحابي الجليل عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه-: "الناجِش
آكل ربا خائِنٌ، وهو خِداعٌ باطل لا يحلُّ"([77]).
فالتلاعبات
السوقية التي نراها في أسواق الأسهم لاشك أنها أحق بهذا الوصف وهي أجدر بالتحريم.
لاسيما
على المعنى العام للنجش وهو أن المراد: "لا تتخادعوا، ولا يعامل بعضكم بعضاً
بالمكر والاحتيال. وإنما يراد بالمكر والمخادعة إيصال الأذى إلى المسلم: إما بطريق
الأصالة، وإما اجتلاب نفعه بذلك، ويلزم منه وصول الضرر إليه، ودخوله عليه كما تقدم
عن الحافظ ابن رجب -رحمه الله-.
وما أجمل
قول شيخ الإسلام، وهو في سياق الكلام عن الطائفة التي تشتري نوعاً من السلع أو
تبيعها، وقد تواطأت على أن يهضموا ما يشترونه، فيشترونه بدون ثمن المثل المعروف
ويزيدون ما يبيعونه بأكثر من الثمن المعروف قال: "كان هذا أعظم عدواناً من
تلقي السلع، ومن بيع الحاضر للبادي، ومن النجش"([78]).
وأقول إن
التلاعبات السوقية أعظم عدواناً وإجراماً في حق الناس من تلك المعاملات التي أشار
إليها شيخ الإسلام، فهي أولى بالنهي والتحريم الله أعلم.
المطلب الثالث: حكم العقد المبني على التلاعب بالأسعار أو إفشاء
الأسرار:
تقدم
معنا تخريج هذه التلاعبات على مسألة تلقي الركبان، وبيع الحاضر للبادي، والنجش،
لما في هذه البيوع من إلحاق الضرر بالناس وخداعهم.
وسأذكر
هنا خلاف الفقهاء في أثر النجش على عقد البيع، وذلك لأن النجش من أقرب الصور إلى
التلاعبات السوقية لما فيه من زيادة السعر وإغراء المشتري بالشراء بسبب المزايدة
والتنافس المصطنع على السلعة وهذا هو ما يقع في المخادعات التي تقع في أسواق
المال.
قال
الإمام الترمذي -رحمه الله-: "النجش أن يأتي الرجل الذي يفصل السلعة إلى صاحب
السلعة فيستام بأكثر مما تسوى وذلك عندما يحضره المشتري يريد أن يغتر المشتري به
وليس من رأيه الشراء، إنما يريد أن يخدع المشتري بما يستام، وهذا ضرب من
الخديعة"([79]).
وكأن
الإمام الترمذي -رحمه الله- يصف ما يقع في أسواق المال.
وقد
اختلف الفقهاء في حكم العقد مع وجود النجش على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أن بيع
النجش صحيح ويثبت الخيار للمشتري في الإمضاء أو الفسخ وهو مذهب المالكية([80])، وقول الشافعية([81])، والحنابلة([82])، واختاره ابن حزم([83])، وابن تيمية([84]).
الأدلة:
1- أن النهي
عاد إلى الناجش لا إلى العاقد فلم يؤثر في البيع.
2- أن
الشارع لم ينه عن بيع النجش -ونحوه من البيوع- لحق مختص بالله كما نهى عن الفواحش،
بل نهى عنها لحق الأدمي المظلوم فالحق له إن شاء أجازها وإن شاء أبطلها([85]).
3- القياس
على تلقي الركبان حيث جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم له الخيار إذا أتى السوق،
وفي هذا تصحيح للعقد وإثبات للخيار.
القول الثاني:
أن البيع
باطل وهو رواية عن أحمد اختارها أبو بكر وقول طائفة من أهل الحديث([86]).
دليلهم:
أن النهي
يقتضي الفساد وقد نهي عن النجش في الأحاديث الصحيحة.
الجواب:
أن النهي
إذا عاد إلى ذات المنهي عنه أبطله أما إذا عاد إلى أمر خارج -كما في مسألتنا- لم
يبطله ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن تلقي الركبان ومع ذلك أثبت
الخيار للبائع إذا جاء إلى السوق.
القول الثالث:
أن البيع
صحيح لازم فلا فسخ بلا رضى الطرفين وهو مذهب الحنفية([87])، ورواية لأحمد، والأصح
عند الشافعية([88]).
الأدلة:
1- أن
المشتري فرط في ترك التأمل وترك التفويض إلى من يعرف ثمن المتاع([89]).
الجواب:
أن تركه
التأمل أو التفويض لمن يحسن البيع لا يعني جواز خداعه وغشه وهو ظاهر.
2- أن
النهي يعود لأمر خارج عن البيع([90]).
الراجح:
الأقرب
من هذه الأقوال القول الأول، وذلك لما فيه من جمع بين الأدلة وأخذ بها كلها وأضعف
هذه الأقوال -فيما أرى- القول الثالث لأنه يبطل حق المغشوش بالنجش ويفرغ النص
الناهي عن النجش من مضمونه.
بناء على ما تقدم:
فإن
المخدوع بإحدى طرق التلاعب المذكورة في البحث يصح شراؤه أو بيعه للورقة المالية
ويثبت له مع ذلك الخيار بين الفسخ والإمضاء.
وغالباً
ما سيختار الفسخ لشدة الخسارة التي تقع عليه.
والعقوبات
التي ظهرت في حق بعض المخالفين لنظام سوق المال السعودي جاء فيها إلزام المضارب
المخالف بدفع جميع المكاسب التي حققها نتيجة هذه المخالفة([91]) لكن لم تبين هل تدفع
للمتضررين متى أمكن معرفتهم من خلال إحصاء المعاملات على السهم محل المخالفة.
وبعض
الأنظمة اتخذت طريقة أخرى للعقوبة على المخالفة وهي إلغاء جميع العمليات التي عقدت
على السهم محل المخالفة من تاريخ بداية المخالفة إلى تاريخ نهايتها وما يترتب على
ذلك من آثار([92])
وهذا في حقيقته فسخ للعقد وهو تصرف حسن بالنظر إلى أن غالب المتعاملين أو كلهم
يريد الفسخ كما تقدم وذلك بالنظر للخسارات التي أصابتهم.
واليوم
أصبح ضبط المعاملات التي جرت على سهم من الأسهم في تواريخ محددة من السهولة بمكان،
وعليه يسهل إبطالها، وإرجاع الأمر على ما كان عليه قبل سلسلة التلاعبات والمخادعة،
التي قام بها المضاربون، وهذا لا يمنع بطبيعة الحال إيقاع العقوبات المقررة في
النظام على هؤلاء المخالفين لردعهم عن هذه الممارسات مع إلغاء العمليات التي
استخدمها المضاربون المتلاعبون على ما سبق.
خاتمة
وفيها
أهم النتائج:
1-
مصطلح "جرائم البورصة" يعني: الممارسات
التي منعها نظام سوق المال ورتب عليها عقوبات محددة.
2-
يهدف البحث إلى التعريف بالتلاعبات السوقية وضرب
أمثلة واقعية لهذه التلاعبات من واقع سوق المال.
3-
كما يهدف إلى تعريف إفشاء المعلومات السرية
(الداخلية) في سوق المال وبيان أنواع المطلعين على المعلومات وخصائص هذه المعلومات
وصور واقعية لجرائم إفشاء المعلومات السرية (الداخلية).
4-
التلاعب بالأسعار هو: قيام المضارب بأفعال من شأنها
إحداث ارتفاع أو انخفاض مصطنع في الأسعار، بغرض الاستفادة من فروق الأسعار، بالاعتماد
على طرق احتيالية من التدليس والغش والنصب، تحدث تموجات شديدة وفوارق سعرية
مصطنعة، تؤثر على التوازن الاقتصادي.
5-
إفشاء المعلومات السرية (الداخلية) هو: واقعة
استغلال أو توصيل معلومات مميزة، من جانب المطلعين عليها بحكم وظائفهم، في فترة
زمنية يتعين عليهم فيها حفظ هذه المعلومات، وهي تمثل انتهاكا صارخاً لمبدأ
المساواة والعدالة بين المتعاملين في سوق رأس المال وهو من الجرائم التي يعاقب
عليها النظام.
6-
التلاعب بالأسعار يتم غالباً من خلال أربعة نماذج
مذكورة في البحث.
7-
النصوص الشرعية والقواعد العامة للشريعة تحرم هذه
الممارسات لاسيما قاعدة تحريم إيقاع الضرر على المسلمين وقاعدة تحريم المكر
والخديعة.
فهرس المراجع
التفاسير:
-
تفسير القرطبي.
-
تفسير الكشاف.
كتب الحديث:
-
صحيح ابن حبان.
-
مسند أحمد.
-
سنن أبو داود.
-
سنن النسائي الكبرى.
-
سنن البيهقي.
-
صحيح مسلم.
-
صحيح البخاري.
-
ابن ماجه.
-
مصنف ابن أبى شيبة.
-
أبو عوانة.
-
موطأ مالك.
-
معجم الطبراني الكبير.
-
معجم الطبراني الأوسط.
-
معجم الطبراني الصغير.
-
مسند الطيالسي.
-
مسند الشهاب للقضاعي.
-
حلية الأولياء لأبي نعيم.
شروح الأحاديث:
-
التمهيد ط .مكتبة ابن تيمية.
-
إحكام الأحكام ط.المكتبة السلفية.
-
نيل الأوطار ط.دار الجيل.
-
جامع العلوم والحكم ط.مؤسسة الرسالة.
-
فتح الباري ط.السلفية.
-
تكملة فتح الملهم ط.دار القلم 1427هـ.
-
المنتقى شرح الموطأ ط.دار الكتاب العربي.
كتب الفقه:
-
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي ط.دار
الكتاب الإسلامي ط. الثانية.
-
فتح القدير ط.مصطفى الحلبي.
-
بداية المجتهد ط.دار الفكر.
-
التاج والإكليل ط.دار الفكر.
-
مواهب الجليل ط.دار الفكر 1398.
-
الأم ط.دار المعرفة.
-
روضة الطالبين ط.المكتب الإسلامي.
-
المهذب ط.دار الفكر.
-
الشرح الكبير مع الإنصاف ط دار هجر.
-
الأحكام السلطانية ط.دار الفكر.
-
مجموع فتاوى ابن تيمية ط.مكتبة ابن تيمية.
-
الموافقات ط.دار المعرفة.
-
إعلام الموقعين.ط دار الجيل 1973.
-
المحلى ط.دار الآفاق الجديدة.
كتب اللغة:
-
العين دار ومكتبة الهلال.
-
لسان العرب دار صادر.
-
مقاييس اللغة دار الجيل.
-
تهذيب اللغة دار إحياء التراث العربي.
الكتب القانونية:
-
المضاربة والتلاعب بالأسعار في سوق الأوراق
المالية د. صالح البربري، بحث مقدم لمؤتمر أسواق الأوراق المالية والبورصات
المعقود في دبي 16-18 صفر 1428 هـ.
-
الحماية الجنائية للثقة في سوق رأس المال د. مظهر
فرغلي، ط. دار النهضة العربية، الطبعة الأولى 1427 هـ.
-
الممارسات غير المشروعة في بورصة الأوراق المالية
د. صالح البربري ص 287 الطبعة الأولى 2001م ط. مركز المساندة القانونية.
-
الأوراق المالية وأسواق رأس المال د. منير هندي
ط. منشأة المعارف بالإسكندرية 1993م.
-
الحماية الجنائية للمعلومات د. عمر سالم ط. دار
النهضة سنة 1999م.
-
سوق الأوراق المالية واستغلال المعلومات الداخلية
د. صالح البربري بحث مقدم لمؤتمر- أسواق الأوراق المالية والبورصات المعقود في دبي
16-18 صفر 1428 هـ.
-
المسؤولية الجنائية للوسطاء الماليين في عمليات
البورصة، منير أبو ريشة ط. دار الجامعة الجديد 2007.
-
القانون الفرنسي المادة 10- 1 الفقرة (1).
-
بورصة الأوراق المالية إعداد الغرفة التجارية في
الرياض.
-
البورصة مراد كاظم ط بدون.
الجرائد:
-
جريدة العالم اليوم المصرية 9/8/1999م.
-
الاقتصادية 17/رمضان/1427هـ.
-
جريدة الرياض في 16/6/1428هـ.
-
جريدة النهار الكويتية 6/مارس/2008 الموافق
28/صفر/1429هـ.
الأول: هو تحليل سعر السهم.
الثاني: هو تحليل كمية التداول.
عمليات التجميع والتصريف يتم رصدها من تحليل كمية التداول وربطها بحركة
الأسعار.
([61]) قال الحافظ في فتح الباري 4/356: "وأما
حديث الخديعة في النار فرويناه في الكامل لابن عدي من حديث قيس بن سعد بن عبادة،
قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المكر والخديعة في النار
لكنت من أمكر الناس. وإسناده لا باس به، وأخرجه الطبراني في الصغير من حديث ابن
مسعود والحاكم في المستدرك من حديث أنس
وإسحاق بن راهوية في مسنده من حديث أبي هريرة.
وفي إسناد كل منهما مقال لكن مجموعهما يدل على أن للمتن أصلاً وقد رواه بن
المبارك في البر والصلة عن عوف عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال فذكره".
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم