الشرط الجزائي في الديون دراسة فقهية مقارنة
الشرط
الجزائي في الديون دراسة فقهية مقارنة
أ.د. علي
محمد الحسين الصَـوَا([1])
ملخص البحث:
عالج هذا البحث موضوع (الشرط الجزائي في الديون)
عند أهل الفقه والقانون، وبين أن معناه: (اتفاق مقترن بعقد، أو لاحق له، يحدد
بموجبه العاقدان مبلغاً من المال، أو تعويضا تأخيرياً لمن اشترط له، عند عدم
الوفاء بالدين أو التأخير فيه)، وكشف البحث عن خصائص الشرط الجزائي والعوامل التي
أدت إلى ظهوره، وتطبيقه في عقود الديون، كما بين موقف أهل القانون منه، وأنهم
أقروه في الجملة، سواء أكان موضوع الالتزام في العقد عملاً أم مالاً في الذمة، وأن
أهل الفقه الإسلامي وافقوهم في الشرط الذي محله عمل، وخالفهم جمهورهم في الشرط
الذي محله مال في الذمة، حيث قرروا عدم جواز الشرط الجزائي، إما لأنه رباً، وإما
لأنه ذريعة إليه، وأيد الباحث منع الشرط الجزائي في الديون التي محلها مال في
الذمة؛ لانسجام ذلك مع مقاصد التشريع في تحريم الربا وشبهه وذرائعه.
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
المبعوث رحمة للعالمين.
أما بعد: -
فهذا بحث قدِّم في مؤتمر "دور المؤسسات
المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية" الذي عُقد في رحاب كلية الشريعة
والدراسات الإسلامية في جامعة الشارقة، في الفترة ما بين (7-9) من شهر أيار عام
2002م، بعنوان "الشرط الجزائي في الديون".
والشرط الجزائي: اصطلاح قانوني، عرف أول ما عرف في الفقه الغربي، نتيجة ازدياد قيمة الزمن في الحركة الاقتصادية، حيث أصبح تأخر أحد المتعاقدين أو امتناعه من تنفيذ التزامه في موعده المشروط مضراً بالطرف الآخر - في وقته وماله - أكثر مما كان قبلاً، ولا يعوض هذا الضرر القضاء على الملتزم بتنفيذ التزامه الأصلي، لأن هذا القضاء إنما يضمن أصل الحق لصاحبه، وليس فيه جبر لضرر التعطل أو الخسارة من جراء تأخر الملتزم عن الوفاء بالتزامه في حينه، تهاوناً أو امتناعاً.
وقد استدعى الحال أن يشترط الناس في عقودهم
ضمانات مالية على الطرف الذي يتأخر عن تنفيذ التزامه في حينه، أو يمتنع عن ذلك
كله، وقد سماه الفقه الغربي أو الأجنبي بالشرط الجزائي([2]).
وقد حظي هذا المصطلح بتفصيل في القانون، والقضاء، والفكر، ثم بدأ الفقه الإسلامي
المعاصر ببحث هذه المسألة في عقد السبعينات وما بعدها من القرن العشرين، بعد ظهور
مشكلة تأخر أحد المتعاقدين أو امتناعه عن الوفاء بالتزامه في حينه، خاصة في دائرة
المتعاملين مع المؤسسات المصرفية الإسلامية، مما استدعى بحث هذه المشكلة ومناقشتها،
إما من خلال الاجتهاد الجماعي عبر المجامع الفقهية والمؤتمرات العلمية، وإما من
خلال الاجتهاد الفردي بواسطة الأبحاث العلمية أو الفتاوى الشرعية.
ويأتي هذا البحث ليناقش مسألة الشرط الجزائي في
الديون على وجه الخصوص، بناءً على تكليف اللجنة المنظمة لمؤتمر دور المؤسسات
المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية، وقد بنيته على ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الشرط الجزائي وبيان
خصائصه.
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للشرط
الجزائي، والطبيعة الشرعية له.
المطلب الثالث: آراء العلماء في الشرط الجزائي، والرأي الراجح.
منهج البحث:
اعتمدت في بحث هذه المسالة على المنهج الوصفي
والتحليلي القائم على الاستقراء، وتحليل المعلومات ومناقشتها، ثم بيان الحكم
الشرعي حيثما لزم، وترجيح ما يبدو لي راجحاً، رائدي في ذلك كله الدليل الشرعي،
والله تعالى أسأل التوفيق والسداد.
المطلب الأولتعريف الشرط الجزائي والشرط الجزائي في الديون الخاصة
أولاً: الشرط الجزائي في اللغة:
نبين فيما يأتي: معنى الشرط في اللغة والاصطلاح،
ومعنى الجزائي، ثم نحاول بيان معنى الشرط الجزائي باعتباره مركباً إضافياً، فنقول وبالله
التوفيق:
معنى الشرط في اللغة: للشرط عدة معان في اللغة،
والذي يعنينا منها ما جاء في لسان العرب من أنه: إلزام الشيء والتزامه في بيع
ونحوه، والشرط: العلامة، والجمع أشراط([3]).
معنى الشرط في الاصطلاح: هو "ما يتوقف وجود الحكم على وجوده وجوداً شرعياً،
بأن يوجد الشرط ويكون خارجاً عن حقيقة المشروط، ويلزم من عدمه عدم المشروط، وذلك
كالشاهدين في عقد الزواج، فهما شرط له يلزم من عدمهما عدم صحة عقد الزواج، ولا
يلزم من وجودهما وجود العقد ولا عدمه([4]).
وهذا معنى الشرط الشرعي أو الحقيقي في اصطلاح
الأصوليين، غير أن هناك نوعاً آخر من الشروط يشترطها الناس ويضعونها في معاملاتهم
بإرادتهم، ويوقفون عقودهم عليها، ويعلقونها بها، ويجعلونها مرتبطة بهذه الشروط،
بحيث لا تتحقق تلك العقود إلا إذا تحققت هذه الشروط، يطلق عليها الشرط التقييدي
المقترن بالعقد، وهو التزام وارد في التصرف القولي عند تكوينه، زائد عن أصل مقتضاه
شرعاً"([5]).
فالشرط
المراد - هنا - التزام المتصرف في تصرفه بأمر من الأمور زائد على أصل التصرف، سواء
أكان هذا الالتزام الزائد من مقتضى التصرف، أم لم يكن، وسواء أكان فيه منفعة
للملتزم له أو لغيره، أم لم يكن فيه منفعة لأحد.
معنى: الجزائي: نسبة إلى الجزاء، وأصل فعله: جزى
يجزي جزاء، بمعنى عاقب، وجازيته بذنبه: عاقبته.
وجزيت الدين: قضيته، لأن قضاء الدين جزاء على
فعل صاحبه([6])
وعلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "يجزيء عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك
وعمرتك"([7]).
تعريف الشرط الجزائي في الاصطلاح:
في دراسة علمية لعبد المحسن بعنوان الشرط
الجزائي في الفقه الإسلامي([8])
ذكر أن تعريفات الشرط الجزائي عند أهل القانون ترجع إلى زمرتين: الأولى: تعريفات
تشريعية، والثانية: تعريفات وظيفية.
وقصد بالتعريف التشريعي: التعريفات التي أوردتها
النصوص القانونية، فقد نقل الباحث عن القانون الفرنسي في مادته 1229 تعريفه للشرط
الجزائي وأنه: "التعويض عن الأضرار التي يتحملها الدائن بسبب عدم تنفيذ
الالتزام الأصلي"([9]).
وذكر الباحث أن هذا التعريف أثار معارضة شديدة
تتعلق بموضوع الشرط الجزائي، لأن كلمة التعويض الواردة فيه تعني: أنه لا محل
لتطبيق الشرط الجزائي في حالة عدم تحمل المدين أية أضرار، وهو ما يصعب التسليم به
في القانون الفرنسي الذي يعترف للدائن بجواز المطالبة بالشرط الجزائي في حالة
انعدام الضرر الناتج عن عدم تنفيذ الالتزام الأصلي أو تأخير تنفيذه([10]).
ولذلك لم يعوّل الباحث على التعريف القانوني،
واعتبر أن قيمته نسبية، لا تيسر عمل نظرية الشرط الجزائي البحتة إلا نادراً،
وامتدح القانون المصري والقوانين الأخرى التي دارت في فلكه كالقانون السوري،
والعراقي، واللبناني، والليبي، لأنها لم تضع تعريفاً جدياً للشرط الجزائي مكتفية
بذكر أحكامه([11]).
أما التعريف الوظيفي: فقد قصد به التعريفات التي ركزت على الوظيفة
التي يمنحها القانون، أو العرف والتقاليد للنظام القانوني المعرف، أي للشرط
الجزائي([12]).
لذلك يجد الباحث نفسه أمام تعريفات متعددة
ومتباينة، تبعاً لتعدد وظائف الشرط الجزائي، لأن الباحثين لا يتفقون غالباً على
تلك الوظائف المتوخاة من الشرط الجزائي، وفيما يلي بعض التعريفات الوظيفية:
عرفه أحمد حشمت بقوله: "الشرط الجزائي:
اتفاق المتعاقدين في ذات العقد، أو في اتفاق لاحق - وبشرط أن يكون ذلك قبل الإخلال
بالالتزام - على مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن عند عدم قيام المدين بتنفيذ
التزامه، أو تأخيره عنه فيه"([13]).
وعرفه الشرقاوي بأنه: "اتفاق سابق على
تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن في حالة عدم التنفيذ أو التأخير فيه"([14]).
ويلاحظ أن هذه التعريفات أبرزت الوظيفة
التعويضية للشرط الجزائي، وكأنها الوظيفة الوحيدة، مع أنها ليست كذلك، لذلك نجد
المادة الأولى من اتفاقية (بيوتلكس) المتعلقة بأحكام الشرط الجزائي، والموقعة في
لاهاي في 26 نوفمبر سنة 1973 م عرفت الشرط الجزائي مبرزة وظيفة العقوبة فيه إلى
جانب الوظيفة التعويضية، فعرفته بأنه: "كل شرط يلتزم بموجبه المدين بدفع مبلغ
من المال أو أي عمل قانوني بصفة جزاء أو تعويض، إذا لم يف بالتزامه"([15]).
والاتفاقية، بتعريفها هذا جمعت اتجاهات التشريعات في الدول المشتركة فيها.
وقد استحسن عبد المحسن الرويشد هذا الاتجاه في
الاتفاقية، فعرف الشرط الجزائي تعريفاً يجمع الوظيفتين معاً، الوظيفة التعويضية
والعقابية ملاحظاً في تعريفه الطبيعة القانونية للشرط الجزائي، والبناء القانوني
له، فقال: الشرط الجزائي هو "اتفاق مقارن، أو تابع، يحدد بموجبه الطرفان
مسبقاً التعويض أو العقوبة عند عدم التنفيذ أو التأخر فيه"([16]).
إن عبارة الشرط الجزائي دقيقة في معناها وفي
مداها، وتشير بصفة عامة إلى كل شرط مضاف إلى العقد، أو إلى التصرف القانوني الصادر
من جانب واحد، وتشمل في الوقت ذاته توقع الحادث الذي يستتبع توقيع العقوبة
وتحديدها، أو التعويض ومقداره.
وإذا كان هذا هو معنى الشرط الجزائي في القانوني
وفقهه فإن المستقريء لتعريفات الشرط الجزائي عند علماء الشريعة المعاصرين يلاحظ
أنها سارت خلف التعريفات التي ركزت على إبراز الجانب الوظيفي للشرط الجزائي.
حيث عرفه الصديق الضرير بأنه "اتفاق بين
المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شرط له، عن الضرر الذي يلحقه إذا لم
ينفذ الآخر ما التزم به أو تأخر في تنفيذه"([17]).
إن جميع التعريفات السابقة عرضت لمعنى الشرط
الجزائي الذي يرد في العقود والتصرفات عموماً، وهي تشير إلى نوعين منه.
الأول: الشرط الجزائي المترتب على عدم تنفيذ
الأعمال، أو التأخر فيه، كالاتفاق على دفع مبلغ مالي إذا لم ينفذ المقاول العمل
الذي تم التعاقد عليه، أو إذا تأخر في تنفيذه عن الوقت المحدد، أو اشتراط اقتطاع
مبلغ معين من أجرة العامل، وراتب الموظف إذا أخل بعمله، أو وظيفته، والثاني: الشرط
الجزائي المترتب على تأخير الوفاء بالديون المالية عن آجالها كلياً أو جزئياً،
كاشتراط مبلغ مالي مقترن بعقد بيع، الثمن فيه آجل، أو عقد قرض، يدفعه المدين عن كل
يوم تأخير، أو عن كل شهر، أو عن كل سنة، أو اشتراط تعجيل باقي الأقساط، إذا تأخر
المدين عن دفع قسط منها([18])،
فمحل الالتزام في العقد الأصلي في النوع الأول قيام بعمل أو امتناع عن عمل، ومحله
في النوع الثاني أداء مبلغ من المال في وقت محدد.
والنوع الثاني من الشرط الجزائي هو موضوع بحثنا،
ويمكنني أن أضع تعريفاً خاصاً للشرط الجزائي في الديون، منتزعاً من التعريفات
الوظيفية السابقة على النحو التالي: "هو اتفاق مقترن بعقد، أو لاحق له، يحدد
بموجبه العاقدان مسبقاً مبلغاً من المال، أو تعويضاً تأخيرياً لمن اشترط له عند
عدم الوفاء بالدين أو التأخر فيه". وأعني بالدين هنا المبلغ المالي الثابت في
ذمة المدين.
ثالثاً: خصائص الشرط الجزائي:
يظهر من التعريف الخصائص التالية للشرط الجزائي
في الديون.
أ-
الشرط الجزائي في الديون: اتفاق بين الدائن
والمدين في ذات العقد - وهذا هو الغالب فيه - أو في عقد لاحق يرتب على المدين عند
إخلاله بالتزامه - إما بامتناعه عن دفع الدين المالي الثابت في ذمته، أو التأخير
فيه - دفع مبلغ مالي يحدده العاقدان - مسبقاً أو لاحقاً - بعد وقوع الضرر.
فالشرط الجزائي مؤسس على إرادة الأطراف، وهذا هو
أساسه الفلسفي، وعلى هذا فلا يصح أن يكون شرطاً جزائياً ناتجاً من قانون، وليس
للجزاءات القانونية أية علاقة مشتركة مع نظام الشرط الجزائي، حتى ولو أدت إلى
النتائج نفسها، ولكن ينبغي أن يعبر عن إرادة الأطراف بطريقة قانونية([19])،
إن في إجراءات العقد الأصلي، أو في الأهلية، أو في محل الشرط الجزائي، وهو الأداء
المستحق على الطرف الآخر في حالة إخلاله بالتزامه، فهو يختلف عن الغرامة التعويضية
التي يحكم بها القاضي على المدين بعد إخلاله بالتزامه([20])،
والعقوبة جزاء يرتبه الشرع على مخالفته، وهذا مبلغ يفرضه العاقدان بإرادتهما، في
أصل العقد، أو بعد وقوع الضرر.
كما أنه يختلف عن الصلح، لأنه يرد في العقد
الأصلي أو في عقد لاحق، قبل وقوع الإخلال من المدين، والتعويض - هنا - وان كان
اتفاقياً لكنه تقدير عن الضرر الذي يعتقد وقوعه عند عدم الوفاء، أو التأخير فيه،
بينما يقع الصلح بين الدائن والمدين بعد وقوع الإخلال بالالتزام، ويتفقان على
مقدار من المال لرفع النزاع وقطع الخصومة بين المتصالحين([21])،
وقد يتلاقى الشرط التأخيري مع الصلح من جهة وقوع الضرر فقط.
ب-
الشرط الجزائي تقدير جزافي لمبلغ من المال، عن
ضرر قد يلحق بالدائن عند عدم الوفاء بالدين أو التأخّر فيه، وقد يكون المبلغ أكبر
من الضرر، أو مساوياً له، أو أقل منه، فهو تعويض معلق على ضرر ينتج عن عدم الوفاء
بالدين أو التأخّر فيه، أو هو بمثابة عقوبة معلقة على ذلك، وهو بهذا يختلف عن
العربون الذي يقصد به استكمال إجراءات العقد، ويعد من الثمن إذا أمضى العاقدان
العقد([22]).
ج-
الشرط الجزائي: إلزام تبعي أي أنه يبرم لضمان
تنفيذ الالتزام الأصلي، فوجوده يفترض وجود التزام أصلي صحيح، ويقع تابعاً له، فإذا
بطل الالتزام الأصلي أو سقط بطل الشرط الجزائي، والعكس ليس صحيحاً، إذ بطلان
الشرط الجزائي لا يترتب عليه بطلان العقد الأصلي([23])،
وهذا حسب التشريعات الوضعية.
وعلى هذا يبطل الشرط في عقد لم يتم بعد، فإذا
اتفق الطرفان - مثلاً - على بيع عقار، ولم يدفع إلا عربوناً، فلا يصح طلب الشرط
الجزائي، لأن العقد لم يتم بعد، وحق العدول عنه قائم بدلالة العربون نفسه.
كذلك إذا وضع الشرط الجزائي في بيع المرابحة للآمر
بالشراء في العقد الابتدائي دون العقد النهائي، فإنه لا تصح المطالبة بحكم الشرط
الجزائي، لأن العقد النهائي دون الابتدائي هو الذي تستقر به العلاقة بين الطرفين،
ومن ثم فإذا تبين أن عقد البيع النهائي قد خلا من الشرط الجزائي، فإن هذا يدل على
أن الطرفين قد تخليا عن هذا الشرط.
وكذلك فإنه إذا كان العقد الأصلي مرتبطاً بأجل
أو خاضعاً إلى شرط خيار، فإن الشرط الجزائي لا يطبق إلا عند حلول الأجل، أو تحقق
الشرط، ولا يمكن توقيع حكم الشرط الجزائي إذا صرف الأطراف النظر عن تنفيذ الالتزام
الأصلي صراحة أو ضمناً، كذلك في حالة فسخ العقد، فإن الفسخ يرفع الشرط الجزائي([24])،
ويتعرض الشرط الجزائي للسقوط بالتقادم في الوقت الذي يسقط فيه الالتزام الأصلي
بالتقادم.
كما أن اتساق مبدأ التبعية الذي يتميز به الشرط
الجزائي يقضي بأن لا يكون لبطلان الشرط الجزائي أي أثر على الالتزام الأصلي، لأن
الأول فرع والثاني أصل، إذ قد يبطل الشرط الجزائي بسبب نقص الأهلية، أو العيب في
الرضا، أو لأن محله مخالف للنظام العام([25]).
ففي عقد القرض - مثلاً - يبطل الشرط الجزائي إذا
كان من شأنه إباحة الربا المحرم في الشريعة الإسلامية، والربا النسبي في القانون
الوضعي([26]).
المطلب الثانيالطبيعة القانونية للشرط الجزائي في الديون، والطبيعة الشرعية له
أولاً: الطبيعة القانونية للشرط الجزائي في الديون
المالية في التشريعات الوضعية وفقهها:
بحث علماء القانون في الطبيعة القانونية للشرط
الجزائي عموماً من غير تفريق بين أن يكون في الديون المالية المتعلقة بالذمة أو
الديون الأخرى، وهي القيام بعمل أو امتناع عن عمل، ويذكرون في ذلك خمس نظريات،
ينسب أهل كل نظرية لنظريتهم أنها الأساس القانوني الذي يرتكز عليه الشرط الجزائي، وهي:
1. نظرية
العقوبة الخاصة: يرى
أصحابها أن للشرط الجزائي طبيعة العقوبة الخاصة حيث يلتقي في غايته مع الجزاء
العام، فإذا كان الجزاء العام يقي من خرق النظام الاجتماعي العام فالشرط الجزائي
يقي من خرق النظام التعاقدي، حيث يعلم المدين ما يتعرض له إذا أقدم على خرق العقد
بعدم تنفيذه أو التأخير فيه، ومن هنا فإن التأثير النفسي للعقوبة الخاصة بالشرط
الجزائي تدفع المدين إلى تنفيذ الالتزام الأصلي([27]).
فالجزاء الخاص في نظر أصحاب هذا الاتجاه مبني
على حرية إرادة المتعاقدين، وأنه لا شيء أكثر عدالة من هذه الحرية في فرض العقوبة مقدماً،
وأن الجزاء للعقوبة الخاصة هو وحده الذي يضمن احترام التعهدات المتعاقد عليها، وقد
انتقدت هذه النظرية من جهة أنه لا يصح أن نترك مسالة العقوبة في يد الأفراد في ظل
مراكز غير متكافئة، خاصة في ظل انعدام تام لرقابة القضاء، حسب منطق هذه النظرية،
ومن جهة أخرى فإن دور التأثير الزاجر للشرط الجزائي يبدو واضحاً في حالة كونه أكبر
من الضرر، لكن هذا الدور يقل أو يكاد يختفي في حالة كونه أقل من الضرر([28]).
2. نظرية
التعويض الاحتمالي: الشرط
الجزائي عند أصحاب هذه النظرية هو تقدير مسبق للتعويض المحتمل نتيجة عدم تنفيذ
العقد أو التأخير فيه، وتترك هذه النظرية للقاضي حرية تعديل المبلغ المحدد مسبقاً
في العقد وفقاً للضرر الحقيقي الواقع فعلاً([29]).
وقد أورد المعارضون لهذه النظرية أنها تلغي
الحكمة من مشروعية الشرط الجزائي، الذي توخى مقرروه تحييد القضاء وإجراءات
التقاضي، إن هذه النظرية أتاحت للقاضي التدخل لتعديل ما اتفق عليه العاقدان، ومؤدى
هذا أن يفقد الشرط الجزائي أثره العقابي الذي يحمله في طياته، كما يفقده أساسه الفلسفي
المرتكز على إرادة الطرفين([30]).
3. نظرية
الاتفاق: تذهب
هذه النظرية إلى أن الشرط الجزائي أساسه إرادة العاقدين واتفاقهما على التعويض
المستحق في حالة عدم الالتزام أو التأخير فيه، فالشرط الجزائي حسب هذه النظرية
يلزم المدين بدفع الشرط الجزائي المتفق عليه، دون أن يلتزم الدائن ببيان الضرر أو
بيان مقداره، وذلك نتيجة منطقية لهذه النظرية، ولهذا لا يمكن للمدين طلب تخفيض
الشرط الجزائي إذا كان أكبر من الضرر، كما لا يمكنه طلب إلغائه في حالة انعدام
الضرر، كما لا يمكن للدائن طلب رفع مبلغ الشرط الجزائي إذا كان أقل من الضرر
الواقع فعلا([31]).
وانتقدت هذه النظرية بأنها ترتكز على مبدأ سلطان
الإرادة الذي يخول الأفراد أن ينشئوا من العقود، ويرتبوا من الالتزامات على أنفسهم
ما يريدون ما لم يخالف النظام العام أو الآداب، وهذا المبدأ لم يعد في معظم
التشريعات الوضعية أساساً صالحاً لكل عقد، بعد ما شكل التمسك الحرفي به قدراً من
المساويء والمظالم، مما استدعى إطلاق يد القاضي في كثير من العقود ليحقق التوازن
بين الادعاءات([32]).
4. اتجه آخرون
إلى القول: بأن الأساس الصحيح للشرط الجزائي يكمن في كونه تعويضاً له بعض آثار
العقوبة، لأنه
لو كان عقوبة محضة، فإنه لا يستحق على المدين إلا إذا كان مخطئاً، لأن هدف العقوبة
إجبار المدين على تنفيذ التزامه ولو كان تقديراً للتعويض الاحتمالي، فإن خطأ
المدين قد لا يؤخذ في الاعتبار، إذ المدين قد يتحمل مخاطر العقد بتعهده بدفع
التعويض، ولو لم يكن مخطئاً([33]).
إن هذه النظرية تقر بالتعويض من خلال افتراض
الخطأ كشرط لترتب المسؤولية ومن خلال استحقاق الشرط الجزائي بوقوع الضرر، أو عدم
استحقاقه إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر.
كما أنها تقر بالعقوبة من خلال إعفاء الدائن من
عبء إثبات الضرر الذي لحقه ليحكم به، وإلقاء عبء إثباته على المدين ليتخلص من
الحكم عليه به.
بعد هذه الجولة في الطبيعة القانونية للشرط
الجزائي - عموماً - نلاحظ اتفاق التشريعات الوضعية وفقهائها على إعمال الشرط
الجزائي وإن اختلفت اتجاهاتهم في تكييفه، أو في طبيعته القانونية، ولم أقف على قول
لأحد يعارض في شرعية الشرط الجزائي، بل لقد ساق العلماء جملة من المزايا للقول به([34])،
منها: ما هو متعلق بالمصلحة الخاصة كضمان تنفيذ العقد، ومنع وقوع النزاع، وتحقيق
التعويض الأمثل، وتوفير المال والجهد والوقت، وحفظ الحقوق، ومنها ما هو متعلق
بالمصلحة العامة، كالإسهام في زيادة الروابط العقدية التي تحرك رؤوس الأموال بسبب
ما يمنحه الشرط الجزائي من الأمان، مما يترتب عليه من الازدهار العام، وقد رسخت
فكرة وجود صلة بين تكاثر المعاملات والازدهار رسوخاً عميقاً عند علماء الاقتصاد.
ومنها: أن الشرط الجزائي يساهم في دعم تنفيذ خطة
الدولة التي تعتمد الخطة أساساً في سياستها الاقتصادية، لأن الشرط الجزائي بالنسبة
لهيئة التحكيم في الدولة هو أحد الوسائل الأكثر واقعية وفاعلية للقيام بالمهمات
الملقاة على هذه الهيئة، ومنها: التخفيف عن كاهل المحاكم إذ يقلل الشرط الجزائي من
فرص الالتجاء إليها؛ لأنه يقوم بتحديد مواطن النزاع مسبقاً كالضرر، ومبلغ التعويض.
وإذا كانت التشريعات الوضعية المدنية لم تحظر
الشرط الجزائي بل اعترفت به إلى جانب اعترافها بالإجبار على تنفيذ الالتزام بواسطة
الإكراه البدني([35])
والغرامات التأخيرية، إلا أنها تباينت في تنظيم أحكامه، مما لا يتسع المقام لذكره.
ثانياً: الطبيعة الشرعية للشرط الجزائي في الديون:
يلزمني قبل بيان الطبيعة الشرعية للشرط الجزائي
في الديون أن أحدد معنى الدين المراد، فأقول:
حقيقة الدين عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين
فيها عيناً. والآخر في الذمة نسيئة([36])
فإن العين عند العرب ما كان حاضراً، والدين ما كان غائباً، والمداينة: مفاعلة، لأن
أحدهما يرضاه والآخر يلتزمه([37])،
فالدين: هو المال الذي يكون في الذمة لا المصدر، ويطلق عند الفقهاء على معنيين:
الأول
عام: يطلق
على ما يشغل ذمة الإنسان ويطالب بالوفاء به من مال أو عمل، كثمن المبيع، وبدل
القرض، والزكاة، والصلاة، وأعمال المقاولة، وغير ذلك، "فهو كل ما ثبت في
الذمة"([38]).
والثاني خاص: الدين: "اسم مال واجب
في الذمة"([39]).
فالمال الثابت في الذمة يسمى ديناً، سواء كان بدلاً
من: مبيع أم من قرض، أم من مال أهلكه أو استهلكه "الفعل الضار" أو من
منفعة، أو كان التزاماً مالياً أثبته الشرع: كالمهر ونفقة القاضي([40]).
أو اقتضته الضرورة مع نية الرجوع على المنتفع، وأكثر ديون المصارف الإسلامية ناتجة
عن البيوع الآجلة: كبيع المرابحة بالتقسيط، والسلم، والقرض الحسن، ويسمى مستحق
المال الثابت في ذمة الأخر دائناً، ومن ثبت في ذمته المال مديناً، والمال الثابت
ديناً.
والمدين نوعان: معسر، وهو الشخص الذي لا
يجد ما يقضي به دينه عديماً كان أو ممن يضر به الأداء([41]).
فحقه على أخيه تأخيره إلى أن يوسر لقوله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ
فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)([42]).
ومدين قادر على الوفاء: وهذا نوعان: مبادر للوفاء: بالدين في وقته
حالّاً كان دينه، أو مؤجلاً، والثاني: مدين مماطل: وهو المدين
الموسر.الممتنع عن أداء الدين الحالّ، أو الذي يتأخر فيه، من غير عذر أو مانع،
فيكون بامتناعه وتأخيره ظالماً: يقول القرطبي: "قوله تعالى (وَإِن كَانَ ذُو
عُسْرَةٍ) مع قوله: (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ) يدل على
ثبوت المطالبة لصاحب الدين على المدين وأخذ ماله بغير رضاه، ويدل على أن الغريم
متى امتنع من أداء الدين مع الإمكان كان ظالماً([43])،
فالغريم المليء يجب عليه الأداء، ولا يحل له المطل، ولذلك استحق العقوبة.
فما حقيقة الشرط الجزائي؟ وما طبيعته الشرعية؟
وللإجابة على هذا السؤال فإني أعرض نماذج من أسئلة المصارف الإسلامية التي تقدموا
بها لهيئات الرقابة الشرعية، أو للمجامع الفقهية، أو لبعض العلماء، يطلبون فيها
حكم الشرع في الشرط الجزائي.
1. سؤال من
بيت التمويل الكويتي: نرجو إفادتنا - من الناحية الشرعية - بالنسبة للعملاء
المدينين لبيت التمويل الكويتي، ومعلوم لدى بيت التمويل الكويتي أنهم قادرون على
السداد، لكنهم يماطلون لعامل الوقت، أي يحاولون بقدر استطاعتهم تأخير السداد أكبر
فترة ممكنة عن موعد استحقاق الدين، مما يسبب أضراراً ببيت التمويل الكويتي؛ لعدم
تمكنه من استثمار المبالغ المسددة في حينها، مثال ذلك: شركة (أ) التجارية، تعلم
اللجنة أنه من خلال مركزها المالي تستطيع السداد بالكامل، من واقع موجودات الشركة،
علماً بأنها مدينة لبيت التمويل بحوالي ستة ملاين دينار مستحق الدفع من تاريخ كذا،
ولدى هذه الشركة تدفقات نقدية شهرية أيضاً، وتبين للجنة من أسلوب مفاوضتهم هو كسب
الوقت لصالحهم بالمماطلة وغير ذلك، مما يعود بالضرر على بيت التمويل الكويتي، فهل
يجوز لبيت التمويل الكويتي أخذ زيادة على الدين مقابل مماطلة الشركة؟([44]).
2. سؤال من
المراقب الشرعي أمين هيئة الفتوى لبنك دبي، هل يجوز أخذ زيادة على الدين مقابل
مماطلة المدين؛ سعيا إلى إلزامه بالوفاء في مواعيده؟([45]).
3. سؤال من
البنك الإسلامي الأردني: أرجو أن أوضح بأن كثيراً من العملاء لا يقومون بتسديد
الأقساط المطلوبة منهم للبنك في المواعيد المحددة، مع أن كثيراً منهم موسرون،
وكذلك فإن البعض يتأخر في التسديد لفترات طويلة لذا نرجو التكرم ببيان الرأي
الشرعي حول إضافة بند في عقودنا يجيز للبنك أن يطلب من العميل في تلك الحالة
التعويض عن الضرر الذي يصيب البنك في الحالات المشار إليها؟([46]).
4. عرض السؤال
التالي على المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في مكة في دورته الحادية عشر،
وصيغته: " إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة فهل له - أي البنك
- الحق بأن يفرض على المدين غرامة مالية جزائية بنسبة معينة بسبب التأخير عن
السداد في الموعد المحدد؟".
5. سؤال: هل يمكن تطبيق غرامة التأخير على القرض الحسن؟([47]).
6. سؤال:
نرجو إفادتنا هل يجوز اشتراط غرامة تأخير على المدين المماطل؟([48]).
7. سؤال:
حول إمكانية فرض عقوبات مالية على العميل المقتدر والمماطل بالسداد([49]).
8. سؤال:
يتعمد بعض العملاء التأخر في سداد مستحقات المصرف؛ لعلمهم أن المصرف لا يحتسب
عليهم فوائدا تأخير عن السداد؛ علماً بأن هؤلاء العملاء لا ينطبق عليهم نص الآية
الكريمة: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) فهل يجوز فرض
غرامة تأخير على هؤلاء العملاء؟([50]).
9. سؤال:
لوحظ أن بعض العملاء دأبوا على التأخير في سداد بعض الأقساط المستحقة عليهم، أو
جميع المبالغ المستحقة للمصرف في عمليات المرابحات والمشاركات التي سبق أن أجريت
بين هؤلاء العملاء والمصرف، وذلك لعلمهم بأن تأخيرهم في السداد لن يقابله أي نوع
من أنواع الجزاء، وفي حالة اتخاذ الإجراءات القانونية فإنها تطول أمام المحاكم
المدنية الابتدائية والاستئنافية لعدة سنوات، بعدها يتم تقسيط المبالغ المستحقة
مما يؤدي ذلك إلى تحمل المصرف لخسائر كبيرة من جراء هذا التأخير، وخاصة أن كثيراً
من هؤلاء العملاء لا ينطبق عليهم نص الآية الكريمة (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ
إِلَى مَيْسَرَةٍ) فهل يمكن فرض غرامات تأخير على مثل هؤلاء العملاء يتم الاتفاق
على قيمتها مسبقاً في عقد المرابحة؟ حتى يمكن خلالها وضع حد للتلاعب، وتطبيقاً
للشريعة الإسلامية السمحاء بأنه (لا ضرر ولا ضرار)([51])؟
10. سؤال:
هل يقبل - شرعاً - مبدأ إلزام المدين المماطل بالتعويض على الدائن؟([52]).
11. سؤال: ما
الحكم الشرعي عن تعويض المصرف عما أصابه من ضرر ناتج عن تأخير في السداد؟([53]).
نظرة تحليلية في الأسئلة السابقة:
أ-
إن غالب الأسئلة تصف المدين بأنه موسر، لكنه
مماطل، يسوّف في سداد الدين، وهو غير ممتنع عن السداد، كسباً للوقت، كالأسئلة ذات
الأرقام (9،8،7،6،5،3،2،1).
ب-
إن بعض الأسئلة تصرح بأن الدائن يرى تأخير السداد
عن وقته ضرراً يلحق به، كما في الأسئلة ذات الأرقام (10،8،3،1)، وأن الأسئلة
الأخرى وإن لم تصرح بأن الدائن يراه ضرراً لكن التصريح بالتعويض يدل على أن التأخير
في سداد الدين ضرر يلحق بالدائن، إذ التعويض لا يكون إلا عن ضرر واقع أو متوقع،
وقد حدد السؤال الأول نوع الضرر، وأنه تفويت فرصة استثمار الأموال المستحقة الدفع
بتأخيره عن موعده المحدد في الاتفاق الأصلي.
ج-
يرى الدائن في الأسئلة ذات الأرقام (1،3،9،10)
أن فرض زيادة على المدين المماطل تعويض عن الضرر اللاحق بالمصرف، جراء تأخير
السداد عن وقته، بينما يرى الدائن في الأسئلة ذات الأرقام (2،4،5،6،7،8) أن شرط
الزيادة في العقد، غرامة لإلزام المدين بالسداد في الوقت المضروب في العقد الأصلي.
د-
بعض الأسئلة مثل رقم (1،2،4،5،6،7) لم تحدد
كيف يمكن فرض الزيادة؟ هل تحصل بحكم الشرط الجزائي الذي يضمَن في العقد الأصلي؟ أو
أنها غرامة يفرضها المصرف نفسه؟ والباحث يستبعد أن تكون الزيادة المقصودة في
الأسئلة بفرض المصرف على المدين إذا تأخر في السداد، لأن القانون يمنع من ذلك،
ويرجح أن السائل يقصد الزيادة المشروطة في أصل العقد، وأن المدين قد وافق عليها
ابتداء، بينما أوضحت الأسئلة ذات الأرقام (3،8) أن الزيادة تشرط في العقد الأصلي.
ه-
ذكر السؤال رقم (8) مسوغات الشرط الجزائي على
التأخير في سداد الديون، وأنها تجنب الدائن إجراءات التقاضي وما يترتب عليها من
ضياع للوقت، ونفقات مالية باهظة، ولا شك في أن هذا أحد الدوافع الرئيسية في طلب
وضع الشرط الجزائي وإقراره في صلب العقد الأصلي.
وقد لاحظ الباحث إلحاح المصارف الإسلامية على
طرح السؤال حول مشروعية الشرط الجزائي، على هيئات الرقابة الشرعية والمجامع الفقهية،
وفي المؤتمرات والندوات المتعلقة بالمصارف الإسلامية مرات متعددة، وعلى فترات
متعاقبة، مما يشعر بوجود مشكلة في كيفية تحصيل الديون المتعثرة من الدائنين
المماطلين، وأنهم يرون في الشرط الجزائي حلاً لهذه المشكلة.
كما تبين له من طبيعة الأسئلة التي سبق ذكرها أن
السائلين يرون أن استحقاق المبلغ في الشرط الجزائي، إما أنه يستند إلى مبدأ
التعويض عن الضرر المفترض بسبب تأخير سداد الدين عن موعده، وإما أنه يستند إلى الغرامة
الخاصة، التي من شأنها أن تحمل المدين المماطل على الوفاء بسداد دينه في وقته
المحدد - سلفاً - في العقد الأصلي، أو أنها مزيج منهما، أي أنها تعويض مشوب
بالعقوبة، وهذا التصور يتطابق تماماً مع رؤية القانون وشرائحه للشرط الجزائي كما
سبق بيانه.
المطلب
الثالث
آراء
العلماء في الشرط الجزائي في الديون
وصورته: أن يتضمن العقد الأصلي شرطاً
يدفع بموجبه المدين مبلغاً من النقود للدائن إذا تأخر المدين عن سداد الدين في
الوقت المحدد في أصل العقد، يتفق عليه الدائن مع المدين عند التعاقد. وللمسالة
حالتان:
الحالة الأولى:
أن يكون مبلغ الشرط مستحقاً عند عدم الوفاء
بالدين أو التأخر فيه دون أن يتوقف ذلك على شريطة أخرى، كأن يقول: إذا لم يوفه
دينه في وقت كذا فله عليه كذا وكذا من المال.
فهذا الشرط باطل، مبطل للعقد كما صرح بذلك
الحطاب من المالكية، حيث قال: "إذا التزم المدعى عليه (المدين) للمدعي: أنه
إذا لم يوفه حقه في كذا فله عليه كذا وكذا، فهذا لا يختلف في بطلانه، لأنه صريح
الربا، سواء أكان الشيء الملتزم به من جنس الدين، أم غيره، وسواء أكان شيئاً معيناً
أم منفعة"([54])
وينبغي أن يكون هذا هو رأي جميع الفقهاء المتقدمين، قال الجصاص: "ولا خلاف
أنه لو كان عليه ألف درهم حالة، فقال: أجلني أزيدك فيها مائة درهم، لا يجوز، لأن
المسالة عوض عن الأجل، كذلك الحط في معنى الزيادة إذا جعله عوضاً من الأجل، وهذا
هو الأصل في امتناع جواز أخذ الأبدال عن الآجال"([55]).
وقال ابن عبد البر: "أجمع العلماء من السلف
والخلف على أن الربا الذي نزل بالقرآن تحريمه هو: أن يأخذ الدائن لتأخير دينه بعد
حلوله عوضاً عينياً أو عرضاً، وهو معنى قول العرب: إما أن تقضي وإما أن تربي"([56]).
قال أبو
عمر: "قد بين مالك - رحمه الله - أن من وضع من حق له لم يحلّ أجله، يستعجله،
فهو بمنزلة من أخذ حقه بعد حلول أجله، لزيادة يزدادها- من غريمه لتأخيره، ذلك لأن
المعنى الجامع لهما هو: أن يكون بإزاء الأمد الساقط، والزائد بدل وعوض يزداده الذي
يزيد في الأجل".
كما نقل ابن قدامة الإجماع على تحريم ربا
النسيئة([57]).
إن الشرط الجزائي ينطوي على زيادة يلتزم المدين
دفعها إذا تأخر في سداد دينه، وهذه الزيادة مشروطة في أصل العقد، ولا يقابلها شيء من
العوض، فهي عوض عن الأجل، أو غرامة مرتبة على تأخير سداد الدين عن وقته، تدفع
للدائن، بدليل اقتران العقد بها، فهي بهذا الاعتبار من ربا النسيئة، والربا حرام
باتفاق العلماء، خاصة ربا النسيئة وربا القرض([58])،
ومعلوم تحريمه من الدين بالضرورة.
قال ابن المنذر: "أجمعوا على أن المسلف إذا
شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة على ذلك رباً".
وقال ابن عبد البر: "وكل زيادة في سلف أو
منفعة ينتفع بها المسلف فهي رباً، ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط"([59]).
وقال النووي: "يحرم كل قرض جر منفعة، فإن
شرط زيادة في القدر حرم إن كان المال ربوياً، وكذا إن كان غير ربوي على الصحيح ...
فإن جرى القرض بشرط من هذه، فسد القرض على الصحيح"([60]).
وفي المحلَّى: ولا يحل أن يشترط رد أكثر مما
أخذ، ولا أقل، وهو رباً مفسوخ([61]).
وفي
البدائع: "وأما الذي يرجع إلى نفس القرض، فهو أن لا يكون فيه جر منفعة فإن
كان لم يجز"([62]).
وعلل عدم الجواز بقوله: "ولأن الزيادة المشروطة تشبه الربا، لأنها فضل لا
يقابله عرض، والتحرز عن حقيقة الربا، وعن شبه الربا واجب، وهذا إذا كانت الزيادة
مشروطة في أصل القرض([63]).
وبالنظر في النصوص الفقهية السابقة على اختلاف
مذاهب أصحابها نجد أن الزيادة المشروطة في أصل عقد الدين تعد رباً صريحاً أو من
شبه الربا المنوعة، ووفقاً لقاعدة الفقهاء هذه، فإن مقتضى كلامهم أن يكون الشرط
الجزائي في الديون ممنوعاً، لأنه زيادة مشروطة في أصل العقد، لا يقابلها عوض، بل هي
بدل تأخير الدين عن وقته، وكل زيادة هي عوض عن الأجل تعتبر ممنوعة، كما قال
الجصاص: "وهذا هو الأصل في امتناع جواز أخذ الأبدال عن الآجال"([64]).
وممن ذهب إلى منع الشرط الجزائي في الديون من
المعاصرين: المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، في دورته الحادية عشرة،
القرار الثامن، حيث جاء فيه:
إن مجلس
المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي المنعقد بمكة في الفترة من يوم
الأحد 13 إلى 20 رجب 1409هـ الموافق من 19 إلى 29 فبراير 1989م، قد نظر في
موضوع السؤال التالي: إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة، فهل له -
أي البنك - الحق بأن يفرض على المدين غرامة مالية جزائية بنسبة معينة بسبب
التأخير عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟".
الجواب:
"وبعد البحث والدراسة قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي: إن الدائن إذا شرط
على المدين، أو فرض عليه أن يدفع مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة،
وبنسبة معينة إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو فرض باطل،
ولا يجب الوفاء به، بل ولا يحل، سواء أكان الشارط هو المصرف أم غيره، لأن هذا
بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه".
وفي
قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بعد الاطلاع على البحوث الواردة إليه بخصوص
(البيع بالتقسيط) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، وفي البند "ثالثاً"جاء
ما يلي: "إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد، فلا يجوز إلزامه
أيَّ زيادة على الدين، بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم"([65]).
وفي قرارات وتوصيات المجمع الفقهي الإسلامي في
دورته التاسعة المنعقدة في "أبو ظبي"، قرار رقم 89/2/95، في الفقرة (ز)
بخصوص السلم جاء ما يلي: "لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم
فيه، لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير"([66]).
وممن
صرح بحرمة الشرط الجزائي على التأخير في سداد الديون من المعاصرين: مصطفى الزرقاء([67])،
والصديق الضرير([68])،
وزكي الدين شعبان([69])،
ورفيق المصري([70])،
وعبد الناصر العطار([71]).
وفيما يلي بعض النصوص المنقولة عن بعض الفقهاء
المعاصرين، تأكيداً على حرمة الشرط الجزائي: يقول مصطفى الزرقاء: "إن الاتفاق
على مقدار ضرر الدائن عن تأخير الوفاء له محذور كبير، وهو أنه قد يصبح ذريعة لربا
مستور، بتواطؤ من الدائن والمدين، بأن يتفقا في القرض على فوائد زمنية ربوية، ثم
يعقد القرض في ميعاده، لكن يستحق عليه الدائن تعويض تأخير متفق عليه يعادل سعر
الفائدة، فلذلك لا يجوز في نظري".
ويقول الصديق الضرير: "لا يجوز أن يتفق
البنك مع العميل المدين على أن يدفع له مبلغاً محدداً، أو نسبة من الدين الذي عليه
في حالة تأخره عن الوفاء في المدة المحددة، سواء أسمي هذا المبلغ غرامة، أم تعويضاً،
أو شرطاً جزائياً، لأن هذا هو ربا الجاهلية المجمع على تحريمه".
ويقول زكي الدين شعبان: "وتصوير الربا الذي
حرمه الله على هذا الوجه يدخل فيه - بلا ريب - الفائدة التي يأخذها الدائن مقابل
التأخير في دفع ثمن المبيع الذي لم يدفعه عند حلول أجله، وهي ما أجازه القانون
الوضعي وعرفت فيه بفائدة التعويض عن التأخير في الوفاء بالالتزام"([72]).
ويقول عبد الناصر العطار: "أما الفوائد
التأخيرية فهي فوائد تستحق عن مبلغ من النقود حل ميعاد استحقاقه وتأخر المدين في
الوفاء، ومن الملاحظ أن الفوائد تعويضية أو تأخيرية هي ربا النسيئة المحرم في
الإسلام والمسيحية واليهودية"([73]).
كما لاحظ الباحث أن جلّ الفتاوى الشرعية الصادرة
عن المصارف الإسلامية، ويمثلها المستشارون الشرعيون تؤكد حرمة الشرط الجزائي على
الديون، وتعدها ربا نسيئة. جاء في الفتوى رقم (491) ورقم (508) الصادرة عن بيت
التمويل الكويتي في كتاب الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية ما نصه: "لا
يجوز أخذ زيادة على الدين مقابل مماطلة المدين، ولو كان مماطلاً عن عمد وغنى، تفادياً
من الوقوع في ربا النسيئة"([74]).
كما تدل الفتوى رقم (45) الصادرة عن البنك
الإسلامي الأردني على حرمة الشرط الجزائي، بدليل تقديم صيغة بديلة. عن الشرط
الجزائي، وإن تضمنت الصيغة البديلة جواز التعويض بعد وقوع الضرر([75]).
وجواباً على السؤال رقم (28) صدر عن هيئة
الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي السوداني ما يلي: "وقد لاحظنا في مشروع
الاتفاق الذي يتضمن شروط شراء البنك للمنزل والتزام الواعد بالشراء أن الفقرة
السادسة تفرض على المشتري شرطاً جزائياً بأن يدفع بعد الفترة المحددة لشراء المنزل
خمسة آلاف جنيه عن كل شهر يمضي بعد نهاية الفترة المذكورة، وهذا شرط لا يجوز في
مثل هذا الاتفاق، لأن فيه زيادة على المبلغ الذي يُلزم الاتفاق المشتري بدفعه،
وهذه الزيادة من جنس الدين، وتزيد بالمدة التي يتأخر فيها العميل عن سداد المطلوب،
وهي - أي الزيادة - بوصفها هذا تقع في نطاق الربا المحرم، ولا توافق الفقرة (6)
المتضمنة لهذا الشرط ..."([76]).
وفي الفتوى رقم (11) الصادرة عن إدارة التطوير
والبحوث مجموعة دلة البركة، ما يلي: " لا يجوز تطبيق غرامة التأخير على القرض
الحسن"([77]).
وجاء في الفتوى رقم (57) ما يلي: "لا يجوز
للدائن أن يشترط على المدين المماطل غرامة تأخير لصالح الدائن، لأن ذلك ذريعة إلى
المراباة بطريقة (زدني أنظرك)، ولا يحل للدائن تملك تلك الغرامة"([78]).
وفي الفتوى رقم (18) الصادر عن هيئة الرقابة
الشرعية لمصرف قطر الإسلامي ما نصه: "لا يجوز فرض أية غرامة للتأخير، وإنما
يمكن فقط اتخاذ الإجراءات القانونية ضد هؤلاء العملاء"([79]).
ونصت
الفتوى رقم (14) الصادرة عن هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي المصري على
حرمة أخذ الزيادة المترتبة على التأخير في سداد الديون ورأتها فائدة ربوية([80]).
وجاء في الفتوى رقم (17) الصادرة عن هيئة
الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي لغرب السودان ما يلي: "بعد اطلاع الهيئة على
فتوى الأستاذ الدكتور صديق الضرير رئيس هيئة الرقابة الشرعية في بنك البركة
السوداني وعلى فتوى الأستاذ الدكتور يوسف حامد العالم رئيس هيئة الرقابة الشرعية
ببنك التنمية الإسلامي فهي تصدر الفتوى الآتية: أما بالنسبة للتعويض عما فات
الدائن من ربح فالهيئة لا ترى مكاناً للقول بجواز النص في العقد بتعويض الدائن"([81]).
وقد ألمح القانون المدني الأردني إلى عدم الأخذ
بالشرط الجزائي بالمعنى المحدد في هذه الحالة، وسار على منهج الفقه الإسلامي([82]).
تلاقت القرارات، والآراء، والفتاوى التي سبق
ذكرها على أن الطبيعة الشرعية للشرط الجزائي - أي تكييفه الشرعي - في الديون
المالية هي من ربا النسيئة، سواء أطلق عليها "الغرامة المالية" جزاء مطل
المدين، أو أطلق عليها "التعويض عن الضرر" بسبب تأخير سداد الدين عن
وقته، ولذلك أسقطوا حكم ربا النسيئة على الشرط الجزائي، فقالوا بحرمته، لتحقيق
مناط ربا النسيئة فيه، كما أسقطوه على الغرامة التي يلزم بها المدين عند التأخير
في سداد الدين مع قدرته على الوفاء.
ولم يروا في طبيعة الشرط الجزائي أنه تعويض أو
عقوبة، لأنه لا تعويض عن أية خسارة تلحق بالدائن عن ربح فاته، فالتعويض لا يكون
إلا عن فوات مال بالإتلاف أو تفويت منافع ما يمكن إجارته.
الحالة الثانية:
أن يتضمن العقد شرطاً يلزم المدين بالتعويض عن
الضرر الواقع فعلاً على الدائن المماطل بسبب التأخير في سداد الدين عن وقته، سواء
نص في العقد على ترك تقدير التعويض للعاقدين بعد ظهوره، أو للجنة محكمة، أو
للقاضي، وقد أطلق على هذا النوع التعويض([83]).
والفرق بين هذه الحالة والحالة الأولى: أن الشرط
في الأولى يتضمن تحديد مقدار التعويض عن الضرر الذي يحتمل وقوعه مسبقاً بإرادة
العاقدين ورضاهما، ويلزم المدين بدفعه إذا تأخر عن دفع التزامه في حينه، سواء ألحقه
ضرر فعلي أم لا. ويفترض وجود الضرر بمجرد التأخير، وقد يكون مبلغ الشرط أكبر من
الضرر، أو مساوياً له، أو دونه، ولا يتدخل القاضي في تعديل الالتزام، فالمبلغ فيه
مقابل الأجل.
أما الشرط في الحالة الثانية: فيخلو من ذكر
مقدار التعويض الافتراضي، ولا يلزم المدين بدفع شيء للدائن مع تأخره إلا إذا وقع ضرر
فعلي، ويرجع للعاقدين في تحديد مقدار التعويض عن هذا الضرر، أو إلى لجنة يرتضيانها،
أو إلى المحكمة.
وفي حكم هذه الحالة وقع خلاف بين العلماء
المعاصرين، وهما فريقان في الجملة:
الفريق الأول: المجيزون:
اتجه هذا الفريق إلى جواز التعويض عن الضرر
الواقع فعلاً، وإلزام المدين المماطل بالوفاء به، وممن ذهب إلى هذا: مصطفى الزرقاء([84])،
والصديق الضرير([85])،
وعبد الله بن منيع، وأفتت به لجنة الفتوى في المصرف الإسلامي الدولي، مصر([86])
فتوى رقم (3،4)، ولجنة الفتوى في مجموعة دلة البركة الفتوى رقم (2)([87])،
وقد أفتى بجواز الشرط الجزائي في مثل هذه الحالة هيئة كبار العلماء بالمملكة
العربية السعودية، ومما جاء فيها: "... لذلك كله فإن المجلس يقرر بالإجماع أن
الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر، يجب الأخذ به ما لم
يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له([88]).
كما أجازت التعويض التأخيري: هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية([89]).
اعتمد الشيخ الزرقاء فيما ذهب إليه بأن تعويض
الدائن عن ضرره الناتج عن التأخير مبدأ مقبول في الشريعة، من جهة أنه لا ينافي
نصوص الشريعة ومقاصدها العامة، بل في الشريعة ما يؤيده، ولعله يشير بهذا إلى قواعد
الشريعة في إزالة الضرر، أما الصديق الضرير، ولجنة الفتوى في المصرف الإسلامي
الدولي (مصر): فقد اعتمدا على أن المدين المماطل ظالم بنص الحديث: "مطل الغني
ظلم"، فهو بامتناعه عن سداد الدين مع القدرة عليه كالغاصب، وقد قرر أكثر
الفقهاء تضمين الغاصب منافع الأعيان المغصوبة علاوة على رد الأصل، إن تفويت منافع
المال الثابت في ذمة المدين بتأخيرها عن موعد الوفاء كتفويت منافع الأعيان
المغصوبة، فتأخذ حكمها من حيث وجوب تضمين المدين، إذ كل منهما مال أزيلت عنه يد
مالكه بغير حق، ومنافع الدين تقدر عند هذا الفريق بمقدار ما فاته من فرصة الربح في
أدنى حدوده المعتادة في التجارة، لو أنه قبض دينه في ميعاده، واستثمره بالطرق
المشروعة فهذا الربح المقدر هو المقصود بالتعويض المالي([90]).
وقد دعم
هذا الفريق رأيه بقاعدة (الأصل في الشروط: الصحة واللزوم) وهي قاعدة أصبحت متكأً
لمعظم العلماء المعاصرين، فاشتراط التعويض عن الضرر الفعلي على المدين لمصلحة
الدائن المضرور: شرط صحيح لازم، لعدم ورود دليل ينافيه.
بل عدته هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية
السعودية من مصالح العقد، إذ هو حافز لإكمال العقد في وقته المحدد له، كما دعمت
الهيئة رأيها بما رواه البخاري في صحيحه عن ابن سيرين: أن رجلاً قال لِكَرِيّه: أرْحِل
ركابك، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح "من
شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه"([91]).
واعتبرت الهيئة أن الشرط الجزائي في مقابلة الإخلال بالالتزام، حيث إن الإخلال به
مظنة الضرر وتفويت المنافع، وفي القول بصحة الشرط الجزائي سد لأبواب الفوضى
والتلاعب بحقوق العباد، وسبب من أسباب الحفز على الوفاء بالعقود([92]).
وتقدر المحكمة التعويض بمعرفة أهل الخبرة، تبعاً
لطرق الاستثمار المقبولة في الشريعة الإسلامية، وفي حالة وجود مؤسسة مالية غير
ربوية في بلد الدائن، كالمصارف الإسلامية، فإنه يمكن الاسترشاد بمتوسط ما حققته فعلاً
تلك المؤسسات من ربح عن مثل هذا المبلغ للمستثمرين فيها خلال مدة التأخير، أو على
أساس سعر الفائدة التي تأخر فيها عن وفاء الحق.
إلا أن القانون المدني الأردني قصر التعويض على
الضرر الواقع فعلاً وهو ما أشارت إليه المادة (363) دون الربح الذي فاته، وهو ما
أخذت به محكمة التمييز في قرارها الصادر في 12/8/1983م([93]).
الفريق الثاني: المانعون:
وقد ذهب إلى القول بعدم جواز هذا التعويض كل من:
على الخفيف([94])،
وزكي الدين شعبان([95])،
ونزيه حماد([96])،
ومحمد شبير([97])،
وأيدهم فيه من الاقتصاديين: رفيق المصري([98])،
ومن أهل القانون: عبد الناصر العطار([99]).
وقد استدل هذا الفريق لرأيه بأن التعويض
التأخيري من نوع ربا النسيئة المحرم، كما أن القول به يستبعد المؤيدات الشرعية
لحمل المدين المماطل على أداء الدين، كما أن فتح باب التعويض التأخيري قد يصبح
ذريعة للربا المحرم.
المناقشة والترجيح:
أ-
مناقشة أدلة المجيزين:
بنى الفريق الأول رأيه على مبدأ مسلم في الفقه
الإسلامي، وهو مبدأ التعويض عن الضرر الواقع، اعتماداً منهم على أن المطل في الدين
ظلم، وقد تسبب الدائن بمطله هذا بالضرر، لأن الرأي قائم على أن التعويض مبني على
الضرر الواقع لا المتوقع، ومن تسبب بالضرر كان ضامناً وفقاً لقواعد الضمان، ولذلك
قاسوه على الغصب، بجامع أن كلاً منهما متعدٍ، أو متسببٌ بالضرر بتفويت منفعة المال
على صاحبه.
وبإنعام النظر فيما قاله المجيزون نجد أنهم
يوافقون أهل القانون باعتمادهم على المسؤولية العقدية التي يقوم الضمان فيها على
أساس أنه تعويض عن ضرر نشأ عن عدم تنفيذ المدين ما التزم به بناء على العقد، ولذا
فإن المسؤولية العقدية يتطلب في وجودها وجود عقد صحيح واجب التنفيذ، لم يقم عاقده
بتنفيذه.
والواجب هنا أداء مال، امتنع المدين عن أدائه، أو
تأخر في أدائه، فإن اشترط العاقدان في العقد الأصلي جزاء مالياً على المدين لقاء
التأخير أو قدَّره نص القانون، فإن المدين يلزم به، وإن أحيل التقدير في العقد على
القاضي، فالقاضي هو الذي يقدره، وإن أحيل به على لجنة تحكيم فهي التي تقدره ولجنة
التحكيم - هنا - كالقاضي، ويناط هذا التقدير بعنصرين، قوامهما: ما لحق الدائن من
خسارة، وما فاته من ربح، ويشترط لاستحقاق التعويض أن يكون الضرر نتيجة طبيعية لعدم
الوفاء بالالتزام، أو للتأخير فيه، سواء أكان أساسه فوات هذا المكسب أم تحقق تلك
الخسارة([100]).
لكن هذا الذي ذهب إليه القانون وشراحه لا تبيحه
الأصول الشرعية التي تقضي بأن أخذ المال لا يكون إلا تبرعاً، أو في مقابلة مال،
أخذ أو أتلف، وإلا كان أكلاً له بالباطل؛ لأن أصل التعويض في نظر فقهاء الشريعة هو
مقابلة المال بالمال([101])،
وبناء عليه فليس على المدين تعويض مقابل أجل يعطاه للوفاء، أو جزاء تأخير الوفاء،
وإن ترتب على ذلك ضرر بالدائن، والتعويض لا يستحق نظير ما فات الدائن من ربح وما
أصابه من خسارة، إلا إذا نشأت الخسارة عن هلاك الشيء([102])،
ولما كان الالتزام أداء مقدار من النقود: فإن التنفيذ العيني ممكن في ذاته، وهذا
ظاهر في مسألتنا هذه، وذلك بقضاء الحاكم دين الدائن من مال المدين جبراً، إذا كان
من جنس الدين؛ لأنه مدين مليء كما هو مفروض، أو إجباره على بيع ماله وقضاء دين الغريم
عندما لا يكون له مال من جنس الدين الثابت في ذمته، وغير ذلك من الإجراءات.
كما أن قياس التعويض في عقد الدين إذا تأخر
المدين في سداده على تضمين الغاصب منافع الأعيان المغصوبة، قياس مع الفارق؛ لأن
ضمان منافع الأعيان المغصوبة ضمان يد، ومنافعها غير مضمونة عند الحنفية، لأن
المنافع ليست أموالاً في نظرهم، ولا تكون مالاً إلا بالعقد، وهي أموال عند الجمهور
إذا كان المغصوب مما تصح به إجارته، وهو ما أقول به، غير أنها تضمن بالقيمة
لهلاكها بالتفويت، بخلاف ضمان العقد الذي هو ضمان مال تالف بناء على عقد اقتضى
الضمان، وليس منه التأخير في سداد الدين، فلا يستحق التعويض بناء عليه، وإنما
يستحق بناء على المسؤولية التقصيرية عند أهل القانون.
ومن جهة أخرى فإن ضمان العقد في الشريعة لا
يستلزم صحة العقد حتى يثبت التضمين، كما يذهب إلى ذلك القانون، وإنما يثبت التضمين
مع فساد العقد، وقد اتفق الفقهاء على أن كل عقد يجب الضمان في صحيحه يجب الضمان في
فاسده.
ومن هنا فإن تطبيق أحكام المسؤولية العقدية على
المدين المماطل بتحميله تعويضاً عند وقوع الضرر على الدائن - بسبب تأخيره في سداد
دينه - لا يستقيم، ويبقى الإشكال قائماً، لأن التعويض بالمال يقوم على الجبر "الجبر
بالتعويض" وذلك بإحلال مال محل مال فاقد مكافيء لرد الحال إلى ما كانت عليه؛
إزالة للضرر، وجبراً للنقص، وذلك لا يتحقق إلا بإحلال مال محل مال مكافيء له؛
ليقوم مقامه، ويسد مسده، وكأنه لم يفت على صاحب المال الفاقد شيء، وليس ذلك بمتحقق
في حال امتناع المدين عن الوفاء بدينه في وقته، أو تأخيره فيه، لذلك لم يجز أن
يعطى - في مثل هذه الحالة - تعويضاً، لأنه إذا أُعطي كان أخذ مال لا في مقابلة
مال، فيكون من أكل أموال الناس بالباطل، وهو محظور([103])،
أو كان أخذ مال في مقابل الأجل، وهذا من ربا النسيئة، وهو ممنوع بالإجماع، وأخذ
المال في مقابل من تعاقد معه على أن يقوم له بتنفيذ ما التزم به لا تزول به آثار
ذلك الامتناع، ويصير به الممتنع قائماً منفذاً لالتزامه، ولما كان ظلم المدين
المماطل غير قابل للجبر بالتعويض، وهو جريمة في نظر الشرع، فإن الشريعة سعت لدرئه
بالعقوبة التعزيرية الزاجرة، وهذا مقصود حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لي
الواجد يحل عرضه وعقوبته"([104]).
قال النووي: "قال العلماء: يحل عرضه، يقول:
ظلمني، ومطلني، وعقوبته الحبس والتعزير([105])،
وعلى هذا المعنى أهل الفقه والحديث. ولم أقف على رأي واحد لأحد من العلماء
المتقدمين يقول بجواز التعويض المالي بدلاً من التأخير في سداد الدين، ولا يمكن
حمله على العقوبة التعزيرية؛ لأن مصدر العقوبة التعزيرية الحاكم لا الشرط، ومصرفها
المال العام لا الدائن، وغايتها الزجر لا التعويض.
أما ما اعتمد عليه المجيزون من القول: بأن الأصل
في الشرط الصحة واللزوم فإني أوافقهم عليه، ولكن قاعدة تصحيح الشروط مقيدة بما لا
يحل حراماً أو ينافي كتاب الله وشرطه، بأن يكون المشروط مما حرمه الله تعالى، فإذا
كان كتاب الله قد دل على تحريم هذا المشروط بخصوصه وعمومه، لم يدخل في العقود التي
أمر الله بالوفاء بها؛ لأنه تعالى لا يأمر بالوفاء بما حرمه، فمن اشترط شيئا ينافي
كتاب الله فإن شرطه يكون ممنوعا شرعاً، ولا يحل الوفاء بالمشروط، والمشروط من
الشرط الجزائي مبلغ من المال نظير الأجل، وليس نظير مال أو بدل تالف، فهو إما أن
يكون أكلاً لمال الغير بغير حق، وهو حرام، أو هو من ربا النسيئة، وهو حرام - أيضا
- بالإجماع، وإذا صح هذا فإن الشرط الجزائي لا يكون مباحاً، بل حراماً، لأنه مخالف
لكتاب الله، أو أحل ما حرم الله، وعلى هذا فإن الأدلة النافية لتحريم العقود
والشروط والمثبتة لحلها مخصوصة بجميع ما حرم الله ورسوله من العقود والشروط، فلا
ينتفع بأنواع هذه المسائل إلا مع العلم بالحجج الخاصة في ذلك النوع([106]).
إن مقصود الشروط وجوب ما لم يكن واجباً ولا حراماً([107])،
والشرط الجزائي حرام؛ لأنه من الربا، فإن قلنا بجوازه، فقد أوجب الشرط ما كان حراماً
في شرع الله، لأن القاعدة فيه أن كل ما كان حراماً بدون الشرط فالشرط لا يبيحه،
كالربا([108])،
إذ العقد والشرط يرفع موجب الاستصحاب، ولكن لا يرفع ما أوجبه كلام الشارع([109])،
وقد اوجب الشارع ترك الربا بقوله تعالى: (وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا)،
والشرط الجزائي منه.
ب-
مناقشة أدلة المانعين من جواز التعويض التأخيري:
لم يسلم المجيزون بما قاله المانعون من أن شرط
(التعويض التأخيري) ربا نسيئة، أو ربا قرض، وبينوا أنه يختلف عنه من وجهين:
الأول: أن حقيقة الربا استغلال من الدائن للمدين، بصورة
تجعل الاحتمالات السيئة جميعها على المدين، وتضمن للدائن أصل دينه وربحاً ثابتاً،
دون النظر إلى حال المدين، وهذا الاستغلال يخل بالتوازن الاقتصادي بين موقف
الطرفين، أما تعويض ضرر التأخير فبعيد عن هذه المعاني، فهو إقامة عدل، يزيل ضرر
المدين المماطل بحجب مال الدائن بلا عذر، في الوقت الذي يستمتع هو بهذا المال بغير
حق فيلزم إنقاذ المظلوم من ظالمه، وتعويضه عما فوته عليه من منافع ماله، فأين هذا
من الربا الذي هو ظلم واستغلال([110])؟.
الوجه الثاني: إن الفوائد الربوية في المداينات تعقد المداينة
على أساسها من البداية، فتكون طريقاً استثمارياً أصلياً يلجأ إليها المرابون، مما
يخل بالتوازن الاقتصادي بين العاقدين، بخلاف تعويض ضرر التأخير، فإنه ليس طريقاً استثمارياً،
وإنما هو إعادة عادلة لتوازن العقد الأصلي الذي أخل به المدين المماطل، ولا تكون
المداينة قائمة على الاستثمار من البداية([111]).
نوقش الوجه الأول بأن العلة في تحريم الربا
الزيادة المشروطة بلا عوض بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن زاد أو استزاد فقد
أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء)([112]).
أما استغلال الآخرين فهي حكمة التحريم، لا مناطه، والأحكام الشرعية تناط بالعلل،
لا بالحكم عند الأصوليين.
كما نوقش الوجه الثاني بأن الزيادة في التعويض
التأخيري مشروطة منذ البداية، سواء كانت استثمارية أم لا، والزيادة في الديون ربا([113]).
خاتمة
إن الشرط الجزائي، والتعويض التأخيري المترتب على
التأخير في سداد الدين من جهة المدين المماطل لا يجوزان شرعاً، لما قدمنا من أدلة
المانعين، وهي أدلة قوية لا تنهض على معارضتها أدلة المجيزين، ولأن تسمية الشرط الجزائي،
بالتعويض عن الضرر، أو بالتعويض عن التأخير لا تغير من كونه شرطاً تضمن إلزام
المدين المماطل بدفع مبلغ من المال لقاء امتناعه عن دفع الدين أو التأخير فيه، وهو
لا يختلف عن الربا الذي كانت تعرفه العرب وتفعله، سواء - في ذلك - قرض الدراهم
والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به، أو كانت الزيادة
نظير تأجيل الدين المستحق باتفاق لاحق، قبل استحقاق الدين أو عند استحقاقه، لذلك
قال الله تبارك تعالى: (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ
النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ) أخبر سبحانه أن تلك الزيادة المشروطة إنما
كانت ربا في المال العين؛ لأنه عوض لها من جهة المقرض، وقال تعالى: (لاَ
تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً) إخبار عن الحال التي خرج عليها
الكلام من شرط الزيادة أضعافاً مضاعفة، فأبطل الله تعالى الربا الذي كانوا
يتعاملون به، وأبطل ضروباً أخرى من المبيعات وسماها ربا، فانتظم قوله تعالى: (وَحَرَّمَ
الرِّبَا) تحريم جميع الربا، لشمول الاسم عليها من طريق الشرع سواء([114])
أكان في الصرف أم في القرض، أو في السلم، أو في جميع البيوع، وفيما تقرر في الذمة
من الديون([115]).
قال ابن عبد البر: "وكل زيادة من عين أو
منفعة يشترطها المسلف على المستسلف فهي ربا لا خلاف فيه"([116])،
ولما كانت مفسدة الربا كبيرة، وجاء تحريمه شديداً في كتاب الله وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم فقد شدد الفقهاء فيه حق التشديد، ومنعوا الاحتيال له بكل طريق،
والذريعة المفضية إليه وإن لم تكن حيلة، وجعلوا شبهة الربا كحقيقته في الحرمة،
فمنع جمهور الفقهاء بيع العينة، وكرهوا بيع التورق وحرموا بيع المزابنة
والمحاقلة، ومنع الحنفية السلم في الحيوان، لشبهة الربا، وغير ذلك كثير في كتب
الفقهاء، فالبيوع التي ظاهرها الصحة ويتوصل بها إلى الربا تعد حراماً باعتبارها
وسيلة إليه([117]).
وهكذا، فقد تضمن الشرط الجزائي، زيادة في مقابل
الأجل، فكأن الدائن قال للمدين: إذا دفعت الدين في وقت كذا فقد برئت من الحق، وإذا
أخرته عن الوقت فعليك كذا من المال، زيادة على أصل الدين، أو يلزمك تعويض نتفق
عليه عند وقوع التأخير، أو يحكم به القاضي، أو لجنة التحكيم، فوافقه المدين على
ذلك. ثم اختار المدين التأخير، وأن يدفع مبلغ الشرط الجزائي بدلاً منه، وهذا
حقيقة الربا، أو هو ذريعة إليه، وإن لم يحتل لأجله، واتفاق العاقدين ورضاهما
بالشرط لا يجعله حلالاً، إذ لا عبرة بالرضا المخالف لأمر الشارع كما هو معلوم.
وذكر ابن عبد البر هذا الباب كله - يعني باب ما
لا يجوز من السلف - عن عمر وابن عمر وابن مسعود على أنه لا ربا في الزيادة في
السلف إلا أن يشترط تلك الزيادة ما كانت، فهذا ما لا شك فيه أنه ربا، والوَأْي
والعادة من قطع الذرائع، ومن ترْك ما ليس به بأس مخافة مواقعة ما به بأس([118])..
كما جاء في الحديث: "واترك ما يريبك إلى ما لا يريبك" كما قال صلى الله
عليه وسلم: "دع ما يريبك لما لا يريبك"([119]).
إن هذه الأحاديث والآثار تؤكد ما انتهينا إليه:
من كون الشرط الجزائي أو التعويض التأخيري يُعدّان من الممنوعات؛ إما لأنهما
كالربا حقيقة، أو أنهما ذريعة إليه.
مراجع
البحث
1. الأجوبة
الشرعية في التطبيقات المصرفية، إدارة التطوير والبحوث، مجموعة دلة البركة.
2. أحكام
القرآن، أحمد بن علي الرازي الجصاص، دار المصحف - بالقاهرة، بلا تاريخ.
3. أحكام
القرآن، محمد بن عبد الله بن العربي، عيسي الحلبي، ط3، بلا تاريخ.
4. أحكام
الشرط الجزائي، منذر الفضل، بحث مقدم إلى المؤتمر الفقهي الأول تحت عنوان -
المستجدات الفقهية - المنعقد في عمان - الجامعة الأردنية، سنة 1994م.
5. الاستذكار،
يوسف بن محمد بن عبد البر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، سنة 2000م.
6. أصول
الفقه، محمد الخضري، المكتبة التجارية الكبرى، ط5، سنة 1965م.
7. بدائن
الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين بن مسعود الكاساني، مطبعة الإمام بالقاهرة،
سنة 1967م.
8. تحرير
الكلام في مسائل الالتزام، أبو عبد الله محمد بن محمد الحطاب، دار الغرب
الإسلامية، ط1، سنة 1984م.
9. الجامع
لأحكام القرآن، محمد بن أحمد القرطبي، دار الكتاب العربي، ط3، سنة 1976م.
10. جامع
الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بلا تاريخ.
11. روضة
الطالبين في فروع الفقه الشافعي، محيي الدين النووي، المكتب الإسلامي، بيروت، سنة
1985م.
12. شرح
النووي على صحيح مسلم، محيي الدين النووي، دار إحياء التراث العربي، طبعة 12، سنة
1977م.
13. الشرط
الجزائي في الشريعة والقانون، زكي الدين شعبان، مجلة الحقوق والشريعة الإسلامية،
جامعة الكويت، السنة الأولى، عدد (2)، سنة 1977م.
14. الشرط
الجزائي في الفقه الإسلامي، عبد المحسن الرويشد، رسالة دكتوراه في جامعة القاهرة
(مخطوط) كلية الحقوق، سنة 1983م.
15. صحيح
البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، طبعة دار الشعب، القاهرة 1976م.
16. صحيح
مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بلا تاريخ.
17. صيانة
المديونيات ومعالجتها من التعثر في الفقه الإسلامي، بحث منشور في كتاب قضايا
اقتصادية معاصرة، محمد عثمان شبير، دار النفائس ط1، سنة 2000م.
18. الضمان
في الفقه الإسلامي، علي الخفيف، دار الفكر العربي، سنة 1997م.
19. الفتاوى
الشرعية في المسائل الاقتصادية، بيت التمويل الكويتي من سنة 1979 - 1989م.
20. الفتاوى
الشرعية الصادرة عن البنك الإسلامي الأردني.
21. الفتاوى
الشرعية في الاقتصاد، إدارة التطوير والبحوث، مجموعة دلة البركة.
22. فتاوى
هيئة الرقابة الشرعية، مصرف قطر الإسلامي.
23. فتاوى
هيئة الرقابة الشرعية، للبنك الإسلامي لغرب السودان.
24. فتاوى
المصرف الإسلامي الدولي، مصر.
25. فتاوى
هيئة الرقابة الشرعية، بنك فيصل الإسلامي المصري.
26. فتح
القدير، الكمال بن الهمام، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بلا تاريخ.
27. القانون
المدني الأردني.
28. قضايا
فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، نزيه حماد دار القلم، دمشق، ط1 ، سنة 2001م.
29. القواعد
النورانية الفقهية/أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، ط1، سنة 1951م.
30. قوانين
الأحكام الشرعية ومسائل الفروق الفقهية، محمد بن أحمد بن جزئي، ط1، عالم الفكر،
بيروت.
31. لسان
العرب، جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، دار إحياء التراث العربي، بيروت،
لبنان، ط2، سنة 1993م.
32. مجمع
الأنهر، شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن شيخ زاده، دار إحياء التراث
العربي، بيروت.
33. المدخل
الفقهي العام، مصطفى أحمد الزرقاء، دار الفكر، بيروت، طبعة 1967م.
34. المصباح
المنير، أحمد بن محمد الفيومي، ط2 سنة، 1906م.
35. المغني،
عبد الله بن أحمد بن قدامة، مكتبة الجمهورية العربية ومكتبة الرياض.
36. مجلة
أبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز عدد 2 مجلد 2، وعدد 1 مجلد 3،
سنة 1405هـ
37. مجلة
بحوث فقهية معاصرة، بحث بعنوان "منهج الفقه الإسلامي في عقوبة المدين المماطل"،
نزيه حماد، عدد 14، سنة 1412هـ-1992م.
38. مجلة
مجمع الفقه الإسلامي، جدة، الدورة السادسة، العدد 6 ج2، سنة 1412هـ-1992م.
39. مجلة
أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، مجلد 1، دار أولي النهى،
الرياض، ط2، سنة 1982م.
40. مصادر الالتزام
في القانون المدني الأردني، أنور سلطان، منشورات الجامعة الأردنية، ط1، سنة 1987م.
41. معايير
المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية - الطبعة الأولى.
42. المذكرة
الإيضاحية للقانون المدني الأردني، ط2، سنة 1985م.
43. مسند
الإمام أحمد بن حنبل - طبعة المكتب الإسلامي، بلا تاريخ.
44. المحلى،
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، دار الفكر، بيروت.
45. نظرية
الالتزام في القانون المدني المصري، أحمد حشمت أبو ستيت، مطبعة مصر، القاهرة، سنة
1945م.
46. النظرية
العامة للالتزام، جميل الشرقاوي، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1976م.
47. النظرية
العامة للالتزام، عبد الحي حجازي، مطبعة الفجالة بمصر، سنة 1954م.
48. الوسيط
في شرح القانون المدني المصري، عبد الرزاق السنهوري، دار النهضة العربية، ط2، سنة
1964م.
([34]) الشرط الجزائي/ الرويشد، الصفحات من (57-73).
وانظر: بحث الدكتور منذر الفضل، أحكام الشرط الجزائي، مخطوط ضمن بحوث، المؤتمر
العلمي الأول حول المستجدات الفقهية في معاملات البنوك الإسلامية المنعقد في
الجامعة الأردنية في الفترة ما بين2-4/5/1994م، ص2، 3. وانظر: الشرط الجزائي في
الشريعة والقانون، بحث منشور بمجلة الحقوق والشريعة - بجامعة الكويت - السنة
الأولى عدد (2) يونيو سنة 1977م، ص136، 140، لزكي الدين شعبان.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم