القائمة الرئيسية

الصفحات



العقد بالكتابة والإشارة وآلات الاتصال الحديثة

العقد بالكتابة والإشارة وآلات الاتصال الحديثة

العقد بالكتابة والإشارة وآلات الاتصال الحديثة





العنوان : 
المؤلف : 


العقد بالكتابة والإشارة وآلات الاتصال الحديثة

سعد بن عبدالله السبر

10/4/1429   
مقدمة
الحمد لله  الذي  أحل بنعمته  الطيبات , وحرم  الخبائث , أحمده سبحانه حمداً حمداً , وأشكره شكراً شكراً وأثني عليه الخير كله فهو أهل الثناء والمجد , مسدي الخيرات , ودافع النكبات , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له , وأصلي وأسلم على من بعثه ربه بالحق هاديا ,وبشيراً إلى قيام الساعة  نبينا محمد صلى الله  عليه وسلم , صلاة دائمة إلى يوم لقاه , وعلى آله وصحبه أجمعين , والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .   أما بعد : 
فإن  من نعم الله  علينا أن هدانا لدينه الذي ارتضاه لنا وأكمله وأتمه  , وجعلنا من المسلمين , فبين لنا ما هو واجب فعله , وبين ما هو واجب تركه , وأبان ذلك بجلاء ووضوح , فما من نازلة بالمسلمين إلا ولها في شريعتنا حكمٌ , ويبرز ذلك بشدة في المعاملات المالية المعاصرة  حيث بين الله سبحانه وتعالى ما حرم على عباده وما أحل لهم بقوله : {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وحرم الربا} (275)  سورة البقرة ، وبيّن ذلك غاية التبيين ، حتى نزل قوله تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (3) سورة المائدة .
هذا وقد امتن الله علي بفضله وكرمه وجوده أن اخترت موضوعا في المعاملات هو " حكم العقد بالكتابة والإشارة" ,  وسبب اختياري هذا  الموضوع حيث أن التعاقد بين الناس أصبح واقعا مهما لكثرة تعاقد الناس وتطور وسائل التعاقد , وخاصة في المعاملات المالية والنكاح ,  ولاختلاف أراء العلماء الأفاضل مابين مبيح لهذا الصورة ومحرم لها , مما يجعل الإنسان في حيرة من أمره , مع أنه في الحقيقة الذي يحرم له صورة , والذي يحل المسألة له صورة , وسيتبين ذلك من خلال العرض , و  لحاجة الناس له كافة لكثرة التعامل به و  لرغبتي في فهمه فهما كاملا, وضبط المسألة ضبطا كاملا  , وللتدريب على البحث,  والاستمرار في الاطلاع والدراسة ,فلأجل ذلك  استعنت بالله واخترت هذا الموضوع .
وهذا الموضوع تعرض له علماؤنا السابقون وأجادوا وأفادوا, ولكن في عصرنا ظهرت بعض الوسائل الحديثة للتعاقد مثل البرقية والفاكس والأنترنت والبريد الإلكتروني.......الخ  تحتاج  لتكييف فقهي وتبيين أحكامها لأن شريعتنا كاملة صالحة لكل زمن  وتستوعب كل النوازل والمستجدات  .
واعتمدت على مصادر أهمها  كتب المذاهب الأربعة  , وكتب  الاجتهاد الاجتماعي 
وأهداف البحث توضيح الموضوع توضيحا كاملا وتبسيطه للناس ليسهل  فهمه , ومعرفة أحكامه  وصوره المحرمة وصوره الحلال  وتكييف التعاقد بآلات الاتصال الحديثة  فقهيا .
و قمت بتقسيم  البحث إلى مقدمة ، وتمهيد ، وأربعة فصول ، وملحقات ، وخـاتمة ، وفهارس عامة.
مقدمة ، وقد اشتملت على :عنوان البحث, سبب اختيار موضوع البحث ، وأهميته  , وأهداف البحث ,  وخطة البحث,  ومنهج البحث.
تمهيد ، وقد اشتمل على مبحثين :
1- المبحث الأول : تعريف العقد.
2- المبحث الثاني  أركان العقد
الفصل الأول ، وقد اشتمل على أربعة  مباحث : 
1- المبحث الأول : حكم التعاقد بالكتابة غير المستبينة.
2- المبحث الثاني : حكم التعاقد بالكتابة المستبينة 
3- المبحث الثالث:  حكم التعاقد بالكتابة المرسومة .
4- المبحث الرابع : حكم التعاقد بين حاضرين بالكتابة .
 5-المبحث الخامس : حكم التعاقد بين غائبين بالكتابة .
6- المبحث السادس :مجلس العقد ابتداؤه ونهايته عند التعاقد بين غائبين بالمكاتبة 
الفصل الثاني ، وقد اشتمل على أربعة  مباحث : 
1- المبحث الأول : تعريف الرسول.
2- المبحث الثاني : مقارنة بين التعاقد عن طريق الرسول والتعاقد بالكتابة بين غائبين.
3- المبحث الثالث : حكم التعاقد عن طريق الرسول
4- المبحث الرابع :  صور التعاقد بواسطة الرسول .
الفصل الثالث , وقد اشتمل على  تسعة مباحث :
1-  المبحث الأول : تعريف آلات الاتصال الحديثة
2- المبحث الثاني : القواعد المهمة المتعلقة بالتعاقد بآلات الاتصال الحديثة
3- المبحث الثالث : حكم التعاقد عن طريق الهاتف 
4- المبحث الرابع  :مجلس التعاقد في الهاتف
5- المبحث الخامس :حكم التعاقد بالراديو والتلفزيون .
6- المبحث السادس :حكم التعاقد بشريط الكاسيت والفيديو .
7- المبحث السابع  : حكم التعاقد بالبرقية , والتلكس , والفاكس , البريد الإلكتروني .
8- المبحث الثامن : مجلس العقد في التعاقد بالبرقية , والتلكس , والفاكس, البريد الإلكتروني, وزمن الخيار .
9- المبحث التاسع : حكم التعاقد عن طريق الكمبيوتر .
الفصل الرابع  ، وقد اشتمل على أربعة مباحث وملحقات :
 1-المبحث الأول : تعريف الإشارة.
 2-المبحث الثاني : حكم  عقد الأخرس بالإشارة  .
 3-المبحث الثالث : حكم عقد غير الأخرس بالإشارة.
 4-المبحث الرابع : شروط صحة الإشارة.
الخاتمة ، وقد اشتملت على أبرز النتائج.
      الملحقات، وقد اشتمل على: 
         1- قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة . 
الفهارس العامة، وقد اشتملت على:
1- فهرس المصادر والمراجع.
2- فهرس الآيات القرآنية.
3- فهرس الأحاديث.
4- فهرس الموضوعات

منهج البحث:

   المنهج الذي سرت عليه في هذا البحث هو كما يلي:
1- أوثق الأقوال التي أنقلها من كتب القائلين بها أنفسهم ما استطعت، وإلا ذكرت الكتب التي ذكرت ذلك النقل.
2- في المذاهب الفقهية الأربعة، أوثق قول كل مذهب من كتب المذهب نفسه.
3- اذكر الآية القرآنية بين القوسين التاليين: { ... } ، وألتزم ذكر رقم الآية ، والسورة التي وردت فيها تلك الآية.
4- اذكر الحديث النبوي بين القوسين التاليين : « ... » ، وألتزم بتخريجه ، وإن لم يكن الحديث في الصحيحين بيّنت درجة ذلك الحديث بأقوال الأئمة.
5- إذا نقلت قولا من أقوال العلماء أو غيرهم ، فإن وضعت الإشارتين التاليتين : " ... " فمعنى ذلك أني ألتزم بنقل القول نصاً ، وأما إن نقلت قولاً دون تلك الإشارتين ، فمعنى ذلك أني سوف أنقله بالمعنى.
6- قمت بالرجوع إلى مصادر الاجتهاد الاجتماعي وهي: مجمع الفقه الإسلامي بجدة التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
        أما جهدي في البحث فقمت بالرجوع لكتب المذاهب, وكتب اللغات, وكتب الاجتهاد  
          الاجتماعي, واحتجت لوقت للحصول عليها وقراءتها وجمع الأقوال.
          وضيق الوقت الذي هو أعظم صعوبة ومشقة واجهتها لظروفي العملية  
       وأعتذر عن تجاوز الحد المسموح من الصفحات وذلك لأن المسألة تحتاج إلى نوع من البسط.
  ختاماً :  أسأل الله أن يغفر لوالدي  وأن يرحمها كما ربياني صغيرا , كما أسأله سبحانه أن يجزي مشايخي  
   خير الجزاء, حيث بينوا  لنا الطريق في طريقة البحث للنوازل المعاصرة ,  و أستغفر الله مما حصل من خطأ وزلل وتقصير , وأساله سبحانه  
     التجاوز, والغفران. 
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين,,,
كتبه
سعد بن عبدالله السبر
المشرف العام على شبكة السبر
وامام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله
0504250193
salsaber@hotmail.com
 
تمهيد
 المبحث الأول:تعريف العقد
تعريف العقد في اللغة
قال ابن فارس ( 1 ) العين والقاف والدال أصل واحد يدل على شد وشدة وثوق, وإليه ترجع فروع 
   الباب كلها 
والعقد مصدر عقده يعقده عقدا, ويستعمل اسما فيجمع على عقود (2)
ويطلق على معاني كثيرة في اللغة منها: الربط, والشد, والتوثيق, والإحكام, والقوة, والجمع بين 
الشيئين, والعهد تقول: عقدت الحبل, إذا شددته.
وعقدت البناء بالجص , ألزقته . وعقد التاج فوق رأسه واعتقده , عصبه به . واعتقد بينهما الإخاء, إذا  
صدق وثبت , وعقد اليمين , توثيقها باللفظ مع العزم عليها . وعقد كل شئ إبرامه ( 3)وهذه المعاني 
متقاربة يجمعها معنى واحد الربط الذي هو نقيض الحل (4).












ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  معجم مقاييس اللغة 4 /86 
2 انظر لسان العرب  3/296   مادة عقد
3  انظر لان العرب 3/296  والصحاح للجوهري  2/510
4 انظر صيغ  العقود في الفقه الإسلامي  ( ص 26 )


 
تعريف العقد في الاصطلاح :

أما في الاصطلاح الفقهي فنجد أن للعقد معنيان عام وخاص فالمعنى العام يطلق على كل التزام تعهد به الإنسان على نفسه سواء كان يقابله التزام آخر أم لا، وسواء كان التزاماً دينياً كالنذر أو دنيوياً كالبيع ونحوه (1).
أما المعنى الخاص فيطلق العقد على كل اتفاق تم بين إرادتين أو أكثر على إنشاء التزام أو نقله، فهو لا يتحقق إلا من طرفين أو أكثر، وهذا هو المعنى الغالب عند إطلاق الفقهاء للعقد في الاصطلاح الفقهي   (2) 
ذكر الكمال تعريف العقد "مجموع إيجاب أحد المتكلمين مع قبول الآخر . أو كلام الواحد القائم مقامهما" ( 3 )

ومن التعاريف الواردة على هذا المعنى تعريف العقد بأنه "ارتباط الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر على وجه مشروع يثبت أثره في المعقود عليه" (4).  وذكر تعريف في مجلة الأحكام العدلية  " إلتزام النتعاقدين وتعهدهما أمرا , وهو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول " (5) .




المبحث الثاني : أركان العقد

    الأركان جمع ركن , و الركن في اللغة : جانب الشئ الأقوى 
      والركن : الناحية القوية وما تقوى به من ملك وجند وغيره ، وبذلك فسر قوله عز وجل : فتولى بركنه ، ودليل ذلك قوله تعالى : فأخذناه وجنوده ، أي أخذناه وركنه الذي تولى به ، والجمع أركان وأركن ، أنشد سيبويه لرؤبة : وزحم ركنيك شديد الأركن . وركن الإنسان : قوته وشدته ، وكذلك ركن الجبل والقصر ، وهو جانبه . وركن الرجل : قومه وعدده ومادته . وفي التنزيل العزيز : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ، قال ابن سيده : وأراه على المثل . وقال أبو الهيثم : الركن العشيرة ، والركن : الأمر العظيم في بيت النابغة : لا تقذفني بركن لا كفاء له . وقيل في قوله تعالى : ( أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) سورة هود آية 80 ، إن الركن القوة . ويقال للرجل الكثير العدد : إنه ليأوي إلى ركن شديد . وفلان ركن من أركان قومه أي شريف من أشرافهم ، وهو يأوي إلى ركن شديد أي عز ومنعة . وفي الحديث أنه قال : « رحم الله لوطا إن كان ليأوي إلى ركن شديد » أي إلى الله عز وجل الذي هو أشد الأركان وأقواها ، وإنما ترحم عليه لسهوه حين ضاق صدره من قومه حتى قال : أو آوي إلى ركن شديد ، أراد عز العشيرة الذين يستند إليهم كما يستند إلى الركن من الحائط . (1)
والركن في اصطلاح جمهور الفقهاء هو: ما توقف عليه , سواء كان جزءا من حقيقته أم كان خارجا عنه .  وخالف  في هذا الحنفية  إذ قصروا  الركن على ما كان داخلا  في الماهية . (2)
وبسبب هذا الخلاف حصل خلاف  بين الجمهور والحنفية  في أركان العقد
القول الأول في أركان العقد وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة (3)  أنها ثلاثة :
الأول الصيغة المراد بها الإيجاب والقبول
الثاني العاقدان اللذان يصدران الإيجاب والقبول .
الثالث  المحل . وهو المعقود عليه 
القول الثاني :  أن  للعقد ركن واحد هو الصيغة  قال الكاساني الركن هو الايجاب والقبول (4)
 ـــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1) انظر لسان العرب  لابن منظور (ج 31   ص 185 ) ومختار الصحاح ( 5/2126 ) مادة ركن .
(2) انظر حاشية ابن عابدين  (1/446 )
(3) انظر كشاف القناع (ج1 ص251 ) و إعانة الطلبين للبكري ( ج3  ص6 ) و مواهب الجليل  ( ج6 ص 29 ) والمجموع للنووي (ج9 ص 149 )
(4) بدائع الصنائع  الكاساني  (ج 5   ص 134)

الفصل الأول
أحكام التعاقد بالكتابة
وقد اشتمل على خمسة مباحث :المبحث الأول : حكم التعاقد بالكتابة غير المستبينة 
وهي الكتابة التي لا يكون لها أثر بعد الانتهاء منها ولا يمكن قراءتها , كالكتابة في الهواء وعلى الماء. 
وقد ذهب جماهير الفقهاء (1) إلى عدم الاعتداد بهذا النوع من الكتابة, واعتبارها في   حكم العدم (2).  
وعللوا لذلك : بأن ما لا تستبين به الحروف لا يسمى كتابة, فكان ملحقاً بالعدم (3). 
المبحث الثاني : حكم التعاقد بالكتابة المستبينة: 
وهي ما كان لها بقاء بعد الانتهاء منها ويمكن قراءتها, مثل الكتابة على اللوح أو الورق أو الجدار. 
وقد اختلف الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في الاعتداد بهذا النوع من الكتابة ونوع دلالتها على ثلاثة أقوال. 
القول الأول : 
أنه يعتد بهذا النوع من الكتابة , ودلالتها من قبيل الكناية, فلا يلزم بها عقد أو فسخ حتى ينوي الكاتب إيقاع ما كتب. 
 
وهذا قول الحنفية (1) مذهب المالكية (2). 
وهو قول عند الشافعية (3) وهو رواية عند الحنابلة (4). 
القول الثاني : 
أن الكتابة المستبينة يعتد بها, وهي في حكم الصريح في الطلاق, فيقع من غير نية. 
وهذا قول عند الشافعية(5) ورواية عند الحنابلة (6).
القول الثالث : 
أن الكتابة المستبينة لا يعتد بها, وهي لغو لا يقع بها طلاق وإن نواه. 
وهذا قول عند الشافعية (7) وقول  لبعض الحنابلة (8). 



الأدلـــــــة :


استدل القائلون بالاعتداد بالكتابة المستبينة بتعليل مفاده : أن الكتابة حروف يفهم منها المراد , فإذا اقترنت بالنية صارت كاللفظ  (9) 
أما دليلهم على أنها كناية فتعليل قالوا فيه : إن الإنسان قد يكتب ولا يريد حقيقة ما كتب, وإنما يريد تجرية القلم والمداد أو تجويد الخط, فنقصت عن مرتبة صريح الكلام لهذا الاحتمال(1). 
أدلة القول الثاني : 
استدل القائلون بان الكتابة في حكم الصريح في الطلاق بدليلين : 
الدليل الأول : 
أن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب , ألم تر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ رسالته , فحصل ذلك في حق البعض بالقول , وفي حق آخرين بالكتابة (2) 
الدليل الثاني : 
القياس على كتاب القاضي , فإن كتابه يقوم مقام لفظه في إثبات الديون (3) 
أدلة القول الثالث : 
استدل القائلون بان الكتابة المستبينة لغو لا يعتد بها في الطلاق بدليلين: 
 
الدليل الأول : 
أن الكتابة فعل من قادر على القول فلم يقع به الطلاق كالإشارة من الناطق (1). 
الدليل الثاني : 
أن كتابة اليد ترجمان اللسان ومعبر عنه , كما ان كناية الكلام ترجمان القلب ومعبر عنه, فلما لم تقم الكتابة مقام الصريح إلا بنية القلب. لم تقم الكناية مع الكلام إلا بنطق اللسان (2). 
الترجيح : 
"يظهر لي أن القول الأرجح في الكتابة المستبينة أنه يعتد بها إلا أنها أسلوب محتمل لا صريح؛ لأن من كتب شيئا احتمل أنه يريد إحداث الأثر الشرعي لمضمون كتابته, واحتمل أنه لايريد ذلك. فمن كتب طلاق زوجته ـ مثلا ـ احتمل أنه يريد إيقاع الطلاق, واحتمل أنه كتب حاكياً عن غيره, أو مجربا خطه, أو مرهبا زوجته. 
لذا كانت دلالة الكتابة المستبينة دلالة محتملة" (3). 
المبحث الثالث : حكم التعاقد بالكتابة المرسومة :
وهي الكتابة التي تكون مصدرة معنونة على وجه الرسالة والخطاب. 
مثالها  أن يكتب إلى زوجته: أما بعد : فيا فلانة أنت طلاق , أو يكتب البائع إلى المشتري : أما بعد : فإني بعت سيارتي لك بكذا . 
والكتابة المرسومة أقوى أنواع الكتابة , لذلك حصل خلاف بين الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في اشتراط النية أو القرينة مع هذا النوع من الكتاب, ومن تتبع كلامهم ظهر لي في المسألة قولان. 
 
 
القول الأول : 
أن الكتابة المرسومة من أسالي الصراحة ,  سواء اتجهت إرادة صاحبها إلى إحداث الأثر الشرعي أم لم تتجه. 
وبهذا قال الحنفية (1) و مذهب المالكية  (2). 
وهو قول مروي عن الإمام الشافعي(3) ضعفه النووي حيث قال(4) : إن لم ينو إيقاع الطلاق .. قيل تطلق وتكون الكتابة به صريحا, وليس بشيء . 
وهو رواية عند الحنابلة جاء في الكافي(5) . 

وهذا النص عام , سواء كانت الكتابة مستبينة مرسومة, أم مستبينة غير مرسومة. وإذا كان يقع في غير المرسومة بدون نية ففي المرسومة من باب أولى.








القول الثاني : 
أن الكتابة المرسومة من أساليب الكناية , لا يعمل بها إلا إذا صاحبتها نية أو قرينة. 
وبهذا قال الشافعية (1) وهو رواية عند الحنابلة(2). 

أدلة القول الأول : 
استدل القائلون بأن الكتابة المرسومة من أساليب التعبير الصريحة, بالأدلة الآتية : 
الدليل الأول : 
أن الله سبحانه وتعالى قد أنذر بكتبه فقال تعالى :( لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ )  سورة الانعام آية 19(3) . 
فدل على أن الإنذار بالكتب كالإنذار باللفظ (4). 
الدليل الثاني : 
أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبلغ بالخطاب مرة, وبالكتاب أخرى, وبالرسول ثالثة. وكان التبليغ بالكتاب والرسول كالتبليغ بالخطاب, فدل على أن الكتابة المرسومة بمنزلة الخطاب (5). 





الدليل الثالث : 

أن الكتابة تقوم في الإفهام مقام الكلام, ثم هي أعم في إفهام الحاضر والغائب من الكلام المختص بإفهام الحاضر دون الغائب (1). 
الدليل الرابع : 
أن العادة جارية باستعمال الكتابة في موضع الكلام , فاقتضى أن تكون جارية في الحكم مجري الكلام (2). 
الدليل الخامس : 
أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ قد جمعوا القرآن في المصحف خطا, وأقاموه مقام تلفظهم به نطقا , حتى صار ما تضمنه إجماعا لا يجوز خلافه(3). 
أدلة القول الثاني : 
استدل القائلون بأن الكتابة المرسومة من أساليب الكناية , بالأدلة الآتية : 
الدليل الأول : أن الله سبحانه وتعالى ـ قد أرسل رسوله نذيرا لأمته, ومبلغا لرسالته, فقال : (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا  ) سورة البقرة آية 119(4) فلو كانت الكتابة كالكلام الصريح لمكن الله تعالى رسوله منها, ولعلمه إياها ليكون مع تكليفه الإنذار معانا عليه من سائر جهاته, حتى لا يناله نقص فيقصر, ولا ضعف فيعجز. فلما لم يمكن الله رسوله منها دل على أن الكتابة ليست في رتبة صريح الكلام (5). 




الدليل الثاني : 
لو قامت الكتابة مقام صريح الكلام لأجزاء من كتب القرآن في الصلاة عن أن يتكلم به في الصلاة , ولا أُكتُفي من المرتد إذا كتب الشهادتين عن أن يتكلم بهما, وفي امتناعنا من ذلك خروج الكتابة من حكم الكلام الصريح (1). 
الترجيح : 
"يظهر لي أن الأمر في الكتابة المرسومة راجع إلى العرف , فإن كان العرف جاريا باعتبار الرسم قرينة قوية تدل على إرادة الكاتب إحداث الأثر الشرعي صارت دلالتها صريحة, وإن لم يجز في ذلك عرف بقيت الكتابة المرسومة محتملة, إلا أن دلالتها أقوى من دلاله الكتابة المستبينة". (2)  والله أعلم. 

المبحث الرابع : حكم التعاقد بين حاضرين بالكتابة
اختلف الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في هذه المسألة على قولين: 
القول الأول : 
صحة التعاقد بين حاضرين بالمكاتبة ـ وهذا ما يُفهم من مذهب الحنفية(3) 








وهو مذهب المالكية (1)ووجه عند الشافعية(2) وقول عند الحنابلة(3) وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية(4) وتلميذة ابن القيم (5). 
وقد استثنى الحنفية (6)والمالكية(7) والشافعية (8) والحنابلة(9) على الصحيح من مذهبهم ـ عقد النكاح, فقالوا ينعقد بالكتابة بين حاضرين. 
القول الثاني : 
عدم صحة التعاقد بين حاضرين بالكتابة . 
وهو وجه عند الشافعية (10)وقول عند الحنابلة(11) . 





 
دليل القول الأول : 
استدل القائلون بصحة التعاقد بين حاضرين بالمكاتبة بتعليل مفاده : أن أساس صحة العقود التراضي, والكتابة وسيلة يعرف بها رضا المتعاقدين من عدمه فصح التعاقد بها(1) وهو الراجح والله أعلم. 
أما أدلة من استثنى منهم عقد النكاح فهي كما يلي : 
الدليل الأول : 
أن الكتابة أسلوب كناية, والنكاح لا ينعقد بالأساليب الكنائية (2). 
بهذا استدل الشافعية. ويعترض عليه بأنه استدلال بالمذهب , والاستدلال بالمذهب لا يصح ثم إن الراجح صحة انعقاد النكاح بأسلوب الكناية كما سبق(3). 
الدليل الثاني : 
أن الشهادة شرط لصحة النكاح, ولا اطلاع للشهود على نية العاقدين بالكتابة, فلم يصح التعاقد بها (4). 
وهذا دليل الشافعية أيضا. ويعترض عليه بان نية المتعاقدين لا يطلع عليها الشهود , سواء تعاقدوا باللفظ أو بالكتابة . والشهادة إنما تكون على حسب ما ظهر للشهود, فإذا تم العقد بالكتابة كانت الشهادة على ما كتبه المتعاقدان ظاهرا, أما السرائر فأمرها على الله     سبحانه وتعالى . 


 
الدليل الثالث  
أن القادر على النطق لا ضرورة تدعوه للكتابة, والنكاح عقد عظيم الخطر(1) فيحتاط له ما لا يحتاط لغيره لتعلقه بالأبضاع , والكتابة أسلوب محتمل فلا يصح عقد النكاح بها للاستغناء عنها بالنطق(2). 
ويعترض على هذا الدليل بأن أساليب الكناية وإن كانت محتملة فيصح التعاقد بها إذا أحاطت بها القرائن الدالة على رضا العاقدين, وقد سبق بيان الدليل على ذلك (3). 
دليل القول الثاني: 
استدل القائلون بعدم صحة التعاقد بالكتابة بين حاضرين بتعليل مفاده : أنه لا ضرورة تبيح للقادر على النطق العدول عن اللفظ إلى غيره (4) 
ويعترض على هذا الدليل بأنه لا يلزم من العدول عن النطق إلى الكتابة قيام ضرورة لذلك؛ لأن الشرع لم يلزم المتعاقدين بالنطق عند التعاقد والألفاظ لم تقصد لذواتها , وإنما هي أدلة يستدل بها على مراد المتكلم , فإذا ظهر مراده ووضح بأي طريق كان عمل بمقتضاه, سواء كان بإشارة أو كتابة أو بإيماء أو دلالة عقلية ونحو ذلك. 



 



 المبحث الخامس : حكم التعاقد بين غائبين بالمكاتبة :

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين : 
القول الأول : 
صحة التعاقد بالكتابة بين غائبين. 
بهذا قال الحنفية (2), وهو قول المالكية (3), ووجه عند الشافعية (4), وهو مذهب الحنابلة(5). 
 
واستثنى المالكية (1)والشافعية في قول لهم (2)والحنابلة في رواية لهم (3)عقد النكاح, فقالوا لا يصح بالكتابة بين غائبين. 
القول الثاني : 
عدم صحة التعاقد بين غائبين بالكتابة. 
وهذا وجه عند الشافعية (4). 

أدلة القول الأول : 
استدل القائلون بصحة التعاقد بين غائبين بالكتابة بالأدلة الآتية : 
الدليل الأول : 
أن الكتاب ممن نآى كالخطاب ممن دني ؛ فإن الكتاب له حروف ومفهوم يؤدي عن معنى معلوم , فهو بمنزلة الخطاب من الحاضر(5) . 
الدليل الثاني : 
أن العقد إذا صح بالكتابة بين حاضرين فينبغي أن يصح بين غائبين , بل هو أولى , لأن الضرورة تدعوا لتصحيح العقد بالكتابة بين غائبين(6). 
 
الدليل الثالث : 
أن شرط صحة العقود الرضا , والكتابة بين غائبين وسيلة لتحقيقه , بل هي أبلغ دلالة من المعاطاة على الرضا(1). 
أما دليل من استثنى عقد النكاح فتعليل مفاده: 
أن عقد النكاح عظيم الخطر, جليل القدر , والشيء إذا عظم قدره شدد فيه, واحتيط له ما لا يحتاط لغيره ؛ لذا فلا ينعقد النكاح بالكتابة بين غائبين (2) 
ونوقش هذا الدليل من وجهين : 
الوجه الأول : أنه جاء في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم« كتب إلى النجاشي يخطب أم حبيبة رضي الله عنها ـ فزوجها النجاشي منه » (3)وكان هو وليها بالسلطة (4). 
فهذا كتاب من غائب في عقد النكاح. 





الوجه الثاني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ الرسالة بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (1)وقد بلغ تارة بالكتاب وتارة باللسان, وكان ذلك تبليغا تاما , فإنه كتب إلى ملوك الآفاق يدعوهم إلى الدين. فكذلك في عقد النكاح الكتاب بمنزلة الخطاب (2) 
أدلة القول الثاني : 
استدل القائلون بعدم صحة التعاقد بين غائبين بالكتابة بالدليلين الآتين : 
الدليل الأول : 
أن الكتابة كناية, والعقود التي تحتاج إلى قبول كالبيع والإجارة والنكاح لا تنعقد بالكناية (3) 
الدليل الثاني : 
أن اتصال القبول بالإيجاب شرط, وفي الكتابية بين غائبين يتأخر القبول عن الإيجاب (4). 

والقول الأول الراجح لقوة الأدلة  ولأنه كما صح بين حاضرين فيصح بين غائبين للضرورة. 
ولكن لابد من الاحتياط والتثبت في عقد النكاح بين غائبين والتأكد من صحة الكتابة من المرسل والمرسل إليه عملا بقاعدة  إذا ضاق الأمر اتسع. 
وفي هذا التفصيل عمل بالأدلة الدالة على جواز إجراء عقد النكاح بين غائبين بالكتابة, وتحقيق لمقاصد الشريعة من أخذ الحيطة والحذر في عقد النكاح, ومزيد عناية في حفظ الفروج والأعراض . والله أعلم. 




المبحث السادس: مجلس العقد ابتداؤه ونهايته عند التعاقد بين غائبين بالمكاتبة : 
مما لا شك فيه أن تصور بداية المجلس ونهايته عند التعاقد بالكتابة بين حاضرين يعد أمرا سهلا ميسروا ؛ لأن العاقدين حاضران في مجلس العقد.. 
 أما تصور بداية المجلس ونهايته عند التعاقد بين غائبين بالكتابة ففيه شيء من الغموض والصعوبة , نظرا لتباعد المتعاقدين , إذ يحدث بسبب ذلك تأخير اتصال القبول بالإيجاب , وتأخير علم الموجب بقبول من وجه إليه الإيجاب. 
ولا يختلف اثنان في أهمية تحديد بداية المجلس ونهايته ؛ إذ يترتب على ذلك آثار شرعية كلزوم العقد والنماء والضمان . ونحو ذلك. 
ولقد عرض فقهاء الحنفية والشافعية ـ رحمهم الله ـ لهذه المسالة واتفقوا على أن مجلس العقد يبدأ ـ عند التعاقد بين غائبين بالكتابة ـ وقت وصول الكتاب إلى المجلس الذي يكون فيه القبول وقراءته , فالعبرة بمجلس القراءة لا الكتابة.
جاء في بدائع الصنائع (1): وأما الكتابة فهي أن يكتب الرجل إلى رجل : أما بعد : فقد بعت عبدي فلانا منك بكذا فبلغه الكتاب فقال في مجلسه : اشتريت ؛ لأن خطاب الغائب كتابه, فكأنه حضر بنفسه وخاطب بالإيجاب, وقبل الآخر في المجلس. 
وجاء في الهداية (2): والكتاب كالخطاب , وكذا الإرسال حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتاب وأداء الرسالة. 
وجاء في المجموع (3)مانصه : إذا صححنا البيع بالمكاتبة فكتب إليه فقبل المكتوب إليه ثبت له خيار المجلس ما دام في مجلس القبول. 
فهذه النصوص تنص صراحة على أن مجلس العقد هو مجلس بلوغ الكتاب وقراءته.   
 
أما المالكية والحنابلة فلم يذكروا صراحة ما ذكره الحنفية والشافعية, ولا أظنهم يخرجون عنه ؛ لأن المتأمل في حقيقة التعاقد بين غائبين بالمكاتبة يلاحظ أن وصول الإيجاب إلى مجلس القابل عن طريق الكتابة لا يعدو إلا أن يكون نقلا حسيا للإيجاب إلى مجلس القبول , فيكون حينئذ ابتداء المجلس هو لحظة وصول الكتاب وقراءته في مجلس العقد. 
أما نهاية مجلس العقد عند التعاقد بين غائبين بالمكاتبة فمحل خلاف بين الفقهاء وانحصرت في أربعة أقوال. 

القول الأول : 
أن مجلس العقد ينتهي بانفضاض المجلس الذي بلغ القابل فيه الإيجاب : 
وهو مذهب الشافعية . فقد جاء في روضة الطالبين(1) : وإذا قبل المكتوب إليه, ثبت له خيار المجلس ما دام في مجلس القبول . 
وهو   مذهب الحنابلة (2). جاء في المقنع (3): وإن تراخي القبول عن الإيجاب صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه. 
 
القول الثاني : 
أن مجلس العقد بين غائبين بالكتابة لا ينتهي بانفضاض المجلس ولكنه يتجدد كلما قرئ في مجلس آخر على الرغم من انفضاض المجلس الأول دون قبول. 
وبهذا قال بعض الحنفية (1). 
القول الثالث : 
أن مجلس العقد بين غائبين بالكتابة ينتهي عند علم الموجب بالقبول . 
وهذا القول لازم مذهب الحنفية على رأي بعض الفقهاء المعاصرين (2). 
 
القول الرابع : 
أن مجلس العقد بين غائبين بالكتابة ينتهي وقت إصدار القبول في مجلس بلوغ الكتاب. 
وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية. جاء في حاشية ابن عابدين (1): صورة الكتابة أن يكتب أما بعد : فقد بعت عبدي فلانا منك بكذا . فلما بلغه الكتاب قال في مجلسه ذلك : اشتريت , تم البيع بينهما (2). 
فهذا النص يدل على أن العقد بين غائبين بالكتاب يتم حين يصل المكتوب إلى الشخص الذي وجه إليه فيقبله في المجلس. 
والحنفية لا يقولون بخيار المجلس(3) . فمعنى ذلك أن المجلس ينتهي بمجرد القبول . وهو مقتضى مذهب المالكية (4). 
الأدلـــــــــة : 
أدلة القول الأول : 
يستدل للقائلين بأن مجلس العقد ينتهي بانفضاض المجلس الذي بلغ القابل فيه الإيجاب بدليلين : 






الدليل الأول : 

أن الأصل اتصال القبول بالإيجاب, وإنما خولف هذا الأصل في التعاقد بين غائبين بالكتابة للضرورة , والضرورة تقدر بقدرها , فيكون انفضاض مجلس بلوغ الكتاب للقابل هو آخر المجلس, ولا يزاد على هذا القدر (1). 
الدليل الثاني : 
قياس التعاقد بين غائبين بالكتابة على التعاقد بين حاضرين , فإذا كان مجلس العقد ينتهي في التعاقد بين حاضرين بانفضاض المجلس, فكذلك يجب أن ينتهي المجلس في حالة التعاقد بين غائبين بالكتابة؛ لأن الكتابة لغائب ليست أقوى من خطاب الحاضر. 
دليل القول الثاني : 
استدل القائلون بأن مجلس العقد بين غائبين بالكتابة يتجدد كلما قرئ في مجلس آخر بتعليل مفاده. 
أن الغائب إنما صار موجبا بالكتاب, والكتاب باق في المجلس الثاني فصار بقاء الكتاب بمنزلة ما لو تكرر الخطاب من الحاضر في مجلس آخر(2). 
وقد اعترض على هذا الدليل من وجهين : 
الوجه الأول : أنه قياس غير صحيح ؛ لأن فيه إعطاء الإيجاب المنقول بالكتاب من قوة الأثر ما ليس للإيجاب الصادر من الموجب مباشر الذي ينتهي بانتهاء المجلس نفسه(3). 





الوجه الثاني : 
أن بقاء الإيجاب معلقا إلى مجلس آخر قد يلحق ضررا بالموجب, وعدم جواز القبول بعد المجلس ليس فيه ضرر على القابل ؛ لأنه أعطي فرصة للتدبر إلى آخر المجلس (1). 
دليل القول الثالث : 
استدل القائلون بأن مجلس العقد بين غائبين بالكتابة ينتهي عند علم الموجب بالقبول بقياس التعاقد بين غائبين بالكتابة على التعاقد بين حاضرين . ووجه القياس : أنه في حالة التعاقد بين حاضرين يجب سماع كل من المتعاقدين عبارة الآخر , فكذلك يجب  السماع عند التعاقد بين غائبين (2)وإن لم يمكن السماع حقيقة أمكن حكماً (3), وقد سمع القابل عبارة الموجب فلزم أن يسمع الموجب عبارة القابل (4). 
وقد نوقش هذا الدليل : بأن نصوص الحنفية الدالة على وجوب سماع كل من العاقدين كلام الآخر , إنما هي في حالة التعاقد باللفظ دون التعاقد بالطرق الأخرى كالمعطاة والإشارة والكتابة. فكل طريقة شروط خاصة بها, فما يشترط في التعاقد باللفظ لا يلزم أن يكون شرطا في الطرق والوسائل الأخرى المعبرة عن إرادة العقد. 
 
وقد نص على هذا صاحب التحرير المختار لرد المحتار(1) فقال : قوله : لأن قراءته مقام الخطاب الظاهر أن مسألة الكتاب مستثناة من اشتراط سماع كل من العاقدين لفظ الآخر , لأن القراءة وإن أقيمت مقام الخطاب لم يوجد من الكاتب سماع القبول من الآخر لا حقيقة ولا حكما, وإن وجد من المكتوب إليه السماع حكما بالقراءة. 
دليل القول الرابع : 
استدل القائلون بأن مجلس العقد بين غائبين بالكتابة ينتهي وقت إصدار القبول في مجلس بلوغ الكتاب بقياس التعاقد بين غائبين بالكتابة على التعاقد بين حاضرين. فإذا كان مجلس العقد ينتهي في التعاقد بين حاضرين فإذا كان مجلس العقد ينتهي في التعاقد بين حاضرين بوقت صدور القبول , فكذلك يجب أن ينتهي المجلس في حالة التعاقد بين غائبين بالكتابة . 
ويمكن أن يقال مناقشة لهذا الدليل : بان الأصل المقيس عليه لا يسلم به ؛ لأنه مبني على عدم الأخذ بخيار المجلس , وهو قول ضعيف (2). 
الترجيح : 
 الراجح هو القول الأول الذي يعد انفضاض المجلس الذي بلغ القابل فيه الإيجاب نهاية مجلس التعاقد بين غائبين بالكتابة, وذلك لقوة ما استدلوا به, ولأن فيه نظرة موضوعية للمسألة من جميع جوانبها, وتوفيقا بين اشتراط الفورية في العقود . بأن لا يتأخر القبول عن الإيجاب ـ وحاجة القابل إلى التروي والتفكير والتأمل , وضرر الموجب بالتأخير الكثير, فكان ضبط الأمر بمجلس بلوغ الكتاب جامعا لتلك المتفرقات. 
والله أعلم  (2).

الفصل الثاني: ويشتمل على أربعة مباحث : المبحث الأول تعريف الرسول

تعريف الرسول في اللغة : 
قال صاحب اللسان : الرسول اسم من أرسلت , وكذا الرسالة . ومعناه الذي يتابع أخبار الذي بعثه, أخذا من قولهم : جاءت الإبل رسلا , أي : متتابعة. وسمي الرسول رسولاً ؛ لأنه ذو رسول , أي رسالة (1). 
تعريف الرسول هو : من أرسل يحمل إيجاب العاقد أو قبوله مشافهة للطرف الآخر الغائب (2). 

المبحث الثاني: مقارنة بين التعاقد عن طريق الرسول والتعاقد بالكتابة بين غائبين:  
يذكر الفقهاء ـ عادة ـ أحكام التعاقد عن طريق الرسول , والتعاقد بالكتابة بين غائبين معا بصفة عامة دون أن يفرقوا بينهما من جهة الحكم , لذلك فلا يوجد فرق بينهما, فأحكامهما واحدة فما ثبت لطريقة التعاقد بالرسول من الأحكام ثبت لطريقة التعاقد بالكتابة بين غائبين , وما لم لإحداهما لم يثبت للأخرى. 
إلا أن ابن عابدين ـ من الحنفية ـ ذكر فرقا بينهما وهو : أن الإيجاب بالكتابة يتجدد بالقراءة في مجلس آخر , أما الإيجاب بالرسول فلا يبقى إلى مجلس آخر ؛ لأن مهمة الرسول انتهت بانتهاء المجلس الأول. 
يقول ابن عابدين (3)موضحا هذا الفرق: الظاهر أنه لو كان مكان الكتاب رسول بالإيجاب فلم تقبل المرأة ثم اعاد الرسول الإيجاب في مجلس آخر فقبلت لم يصح ؛ لأن رسالته انتهت أولا, بخلاف الكتابة لبقائها. 







المبحث الثالث : حكم التعاقد عن طريق الرسول :
لا يختلف حكم التعاقد عن طريق الرسول عن التعاقد بالكتابة بين غائبين, والفقهاء ـ رحمهم الله ـ يذكرون أحكامهما جملة واحدة (1)؛ لأن حقيقتهما واحدة. فالتعاقد بين غائبين بالكتاب لا يعدو أن يكون نقلا للإيجاب من مكان الكتابة إلى مجلس بلوغ الكتاب. 
والتعاقد عن طريق الرسول لا يعدو أن يكون نقلا للإيجاب من مكان الإرسال إلى مجلس أداء الرسالة. 
وفي كلتا الحالتين كأن الموجب قد حضر بنفسه , وخاطب الشخص الغائب وأوجب العقد. 
وحيث إن حقيقتهما واحدة, فإن مجلس العقد فيهما واحد, وهو بلوغ الكتاب أو أداء الرسالة, فإذا صدر القبول من المرسل إليه اتصل حينئذ بالإيجاب حكما في مجلس واحد هو مجلس بلوغ الكتاب, أو أداء الرسالة. 
المبحث الرابع : صور التعاقد بواسطة الرسول :
 ثلاث صور للتعاقد عن طريق الرسول (2). 
الصورة الأولى : 
أن يعين المرسل الرسول ويأمره بتليغ العاقد الغائب الإيجاب, فيقوم الرسول بتبليغ الرسالة, ويقبل المرسل إليه في المجلس فيتم حينئذ العقد. 
الصورة الثانية : 
أن يعين المرسل الرسول ويأمره بتبليغ العاقد الغائب الإيجاب, فيقوم غير الرسول بتبليغ الرسالة , فإذا قبل المرسل إليه تم العقد, لأن المرسل قد أذن في إخبار المرسل إليه, حينئذ فلا فرق بين أن يقوم بتبليغ الرسالة من كلفه المرسل أو غيره. 
الصورة الثالثة : أن يعلن المرسل إيجابه ولكنه لم يأمر أحدا بتبليغ الرسالة , فيتطوع شخص فيبلغ 
الرسالة فإذا قبل المرسل إليه لم يصح العقد؛ لأن المبلغ ليس رسولا بل فضوليا.
يقول ابن الهمام (1)في بيان هذه الصور: والرسالة إذا قال : بعت عبدي فلاناً من فلان بكذا,  فاذهب يا فلان فأخبره فذهب فأخبره فقبل ؛ وهذا لأن الرسول ناقل, فلما قبل اتصل لفظه بلفظ الموجب حكماً, فلو بلغه بغير أمره فقبل لم يجز؛ لأنه ليس رسولا بل فضوليا, ولو كان قال : بلغه يا فلان فبلغه غيره فقبل جاز. 


















الفصل الثالث : تحته تسعة مباحث : المبحث الأول تعريف آلا ت الاتصال الحديثة
تعريفها : هي عملية تساعد المرسل على إرسال المعلومات بأي وسيلة من وسائل النظم الكهرومغناطيسية 
وإن المتأمل في طرق إنشاء العقود عبر الاتصالات الحديثة يجد أنها تتم من خلال طريقين (1).
1) اللفظ كالتليفون ، واللاسلكي ، والراديو ، والتلفزيون ، 
2) الكتابة كالبرقية ، والتلكس والفاكس.
وما يجمع بينهما كأجهزة الحاسب الآلي
ثم إن وسائل نقل اللفظ تنقسم إلى قسمين فمنها المباشر ومنه غير المباشر
المبحث الثاني القواعد المهمة المتعلقة بالتعاقد بآلات الاتصال الحديثة
أولا : القاعدة الأساسية في العقود هي تحقق الرضا للطرفين والتعبير عنه، وإظهاره بأية وسيلة مفهومة ، قال ابن نجيم " واعلم أن اعتبار العادة والعرف يرجع إليه في الفقه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلاً ، فقالوا في باب ما تترك به الحقيقة : تترك الحقيقة بدلالة الاستعمال والعادة".(2). 
ويقول الدسوقي : " والحاصل أن المطلوب في انعقاد البيع ما يدل على الرضا عرفاً ... " (3). 
 ثانيا :المرد عند التنازع إلى العرف مالم يخالف نصا قال النووي : " .. ولم يثبت في الشرع لفظ له – أي للعقد – فوجب الرجوع إلى العرف ، فكل ما عده الناس بيعاً كان بيعاً .. "(4).  
ويقول ابن قدامه : " إن الله أحل البيع ، ولم يبين كيفيته فوجب الرجوع فيه إلى العرف " (5) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإذا لم يكن له – أي للبيع ونحوه – حد في الشرع ، ولا في اللغة ، كان المرجع فيه إلى عرف الناس وعاداتهم، فما سموه بيعاً فهو بيع ، وما سموه هبة فهو هبة ) (6)
 ثالثا : الركن الأساسي في العقد هو صدور الإيجاب والقبول ووصول كل منهما إلى علم الآخر بصورة معتبرة شرعاً ، وفهم كل واحد منهما ما طلبه منه الآخر
المبحث الثالث : حكم التعاقد عن طريق الهاتف
العقد بالهاتف (التليفون ) كالعقد بين شخصين بعيدين لا يرى أحدهما الآخر، ولكنه يسمعه ومن نصوص الفقهاء المشابهة للمسألة ما أورده الإمام  النووي في كتابه المجموع حيث قال : " لو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع بلا خلاف " ،  (1) ,ويقول الشاطبي  (اللفظ إنما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد ، والمعنى المقصود ... ) (2) ، ومن هنا فما الهاتف (التليفون )  إلا آلة معتبرة عرفاً لتوصيل تلك الوسيلة – اللفظ – إلى سمع الآخر ، فيكون مقبولاً شرعاً 
المبحث الرابع : مجلس التعاقد في الهاتف ( التليفون )
إن من يعمق النظر في التعاقد بالهاتف (التليفون )  يجد أنه نوع خاص ليس مثل التعاقد بين الحاضرين في جميع الوجوه ، ولا مثل التعاقد بين الغائبين عن طريق الكتابة ، أو المراسلة – من كل الوجوه - ، ولذلك وقع الخلاف عند القائلين بخيار المجلس (وهم جمهور  الفقهاء من والشافعية ، والحنابلة ، والظاهرية) في المدى الذي ينتهي به الخيار 
     هل ينتهي مجلس التعاقد بينهما بانتقال أحد المتعاقدين من مكانه الذي أجرى فيه الاتصال أم أن المجلس ممتد حتى ينتقلان كلاهما أم أن مجلس العقد منته بانتهاء المكالمة بينهما أو يقال أنه لا خيار لهما 
على أربعة أقوال وإليك من نصوص الفقهاء السابقين ماله تعلق بالمسألة  قال النووي : " لو تناديا وهما متباعدان ، وتبايعا صح البيع بلا خلاف، أما الخيار فقال إمام الحرمين : يحتمل أن يقال : لا خيار لهما ، لأن التفرق الطارئ يقطع الخيار ، فالمقارن يمنع ثبوته ،قال : ويحتمل أن يقال : يثبت ما داما في موضعهما ، فإذا فارق أحدهما موضعه بطل خياره .
...والأصح في الجملة ثبوت الخيار ، وأنه يحصل التفرق بمفارقة أحدهما موضعه ، وينقطع بذلك خيارهما جميعاً ، وسواء في صورة المسألة كانا متباعدين في صحراء ، أو ساحة ، أو كانا بيتين من دار ، أو في صحن وصفّة ، صرح به المتولي . والله أعلم) . (3) ,والذي يظهر لي رجحانه والله أعلم أن المجلس قائم ما دام المتحدثان متصلين من خلال الهاتف (التليفون )  ، ولم يغلقا الهاتف (التليفون )  حتى ولو تحدثا بعد العقد في أمور أخرى طالت أم قصرت فإن حق الفسخ قائم لهما ، إذ بإمكان كل منهما أن يفسخ العقد ما دام الحديث موصولاً بالتليفون  لأن التفرق لما لم يرد تفسيره في الشرع ، وليس له حد معين في اللغة يرجع فيه إلى العرف ، يقول ابن قدامه : " والمرجع في التفرق إلى عرف الناس ، وعادتهم فيما يعدونه تفرقاً ، لأن الشارع علق عليه حكماً ولم يبينه ، فدل ذلك على أنه أراد ما يعرفه الناس كالقبض والإحراز" (4)  ثم إن القول بدوام خيار المجلس إلى أن يفارق أحدهما مكان تحدثه يؤدي إلى عدم استقرار العقود وكثرة النزاعات والجدال 

المبحث الخامس : حكم التعاقد بالراديو والتلفزيون :
يمكن إجراء العقد من خلال الراديو أو التلفزيون ، ولاسيما في الإيجابات الموجهة للجمهور ، فلو عرض أحد من خلال الراديو أو التلفزيون عرضاً خاصاً ببيع شيء معين ، أو إيجار ، وأوضح الشروط المطلوبة ، والمواصفات المطلوبة المعرفة للمعقود عليه بشكل يزيل الجهالة عنه فإن هذا الإيجاب مقبول ويبقى قائماً إلى أن يتقدم آخر فيقبله 
.وإذا حصل تزاحم في كثرة القابلين فالاعتبار بأولوية الوصول إلى علم الموجب .
وقد تطور إجراء العقود عن طريق التلفزيون بشكل كبير ، حث أنشئت شبكات تلفزيون تجارية لها فروعها لمن يشترك فيها ، وبالتالي يستحق من خلاله التعاقد . 
المبحث السادس : حكم التعاقد بشريط الكاسيت والفيديو ( غير الفوري ) 
وهي تشمل شريط التسجيل (كاسيت) والفيديو سواء أكانا أرسلا إلى العاقد الآخر أو نقل مضمونها عبر الراديو ، أو جهاز الفيديو أو التلفزيون. 
وذلك بأن يعرض الموجب ، بنود عقده وشروطه من خلال شريط صوتي أو مرئي مسجل ، فيبعثه إلى الآخر فإذا قبل الآخر فلقد تم العقد سواء أرسل قبوله عن طريق شريط مسجل آخر أم أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير . فهاتان المسألتان حكمها حكم التعاقد بالرسالة والكتابة (كما سبق) .
المبحث السابع  حكم التعاقد بالبرقية والتلكس والفاكس والبريد الإلكتروني :
تشمل هذه الوسائل كل من ( البرقية والتلكس والفاكس) حيث تطورت هذه الوسائل بشكل عجيب
حتى أصبح في مقدور الإنسان أن ينقل ما كتبه خلال ثواني ، أو دقائق معدودة ، إلى المكان الذي يريده 
وإليك نبذ موجزة عن هذه الآلات قبل الشروع في أحكامها
البرق :  يعتمد البرق على النموذج الخاص المعد لهذا الغرض فيقوم المرسل بكتابة المطلوب عليه ، ثم يقوم المكتب الرئيسي للبريد بإرساله إلى بلد المرسل إليه ، ثم يكتب على ورقة خاصة لترسل عن طريق موظف البريد ليسلمها باليد . 
التلكس :التلكس له مفاتيح مثل الآلة الكاتبة ، وكل مفتاح له رقم يرمز إلى حرف متعارف عليه دولياً ، وحينما يجمع فيه الأرقام – أي الحروف المقصودة – يحولها إلى إشارات كهربائية ليتلقها جهاز التلكس المرسل إليه . 
الفاكس : يتم الإرسال عن طريق (الفاكس) من خلال جهازين مرتبطين بالخطوط التليفونية ، حيث يضع المرسل الورقة المكتوبة في الجهاز ويضرب الأرقام للجهاز الثاني ، وبعد فتح الخط، فإن صورة من تلك الورقة تنطبع على الورقة الخاصة الموجودة في الجهاز الثاني لتظهر للمرسل إليه .
البريد الإلكتروني: يتم الكتابة وإرسال الإيجاب عبر شبكة الانترنت ويرسل مباشرة للطرف الآخر ليتم القبول.
وأما حكم العقود من خلال هذه الأجهزة فهو كحكم التعاقد بالكتابة سواء بسواء . 
وكما ذكرنا آراء الفقهاء في هذه المسالة ، نذكر حكم إجراء العقود بهذه الوسائل الحديثة من حيث مجلس العقد ، ووقت تمام العقد . 
الوقت الذي يتم فيه العقد : التساؤل يثور لكل متمعن في هذه المسألة (التعاقد عن طريق الكتابة) حول الوقت الذي يتم فيه العقد ، هل يتم بمجرد قبول من أرسل إليه البرقية ، أو التلكس ، أو الفاكس ، (وهذا ما يسمى في الفقه المدني الوضعي بنظرية إعلان القبول). أو أنه يتم بقبوله ، وإرساله إلى الموجب (وهذا ما يسمى في الفقه المدني الوضعي بنظرية تصدير القبول) . أو أنه يتم بإيصال الجواب إلى الموجب- أي يصله القبول من خلال الرسالة ، أو البرق ، أو التلكس أو الفاكس ، بحيث إذا وصل إليه فقد تم العقد حتى ولو لم يعلم بمحتواه (وهذا يسمى في الفقه الوضعي بنظرية تسليم القبول) أو أنه لا يتم العقد إلا إذا وصل القبول إلى الموجب وعلم به فعلاً (وهذا يسمى في الفقه المدني الوضعي بنظرية العلم بالقبول) . ويمكن صياغة نظرية خامسة تكون وسطاً بين نظريتي تصدير القبول واستلام القبول ، بحيث يكون مفعول العقد سارياً منذ تصدير القبول ، لكن لا يعتبر العقد تاماً إلا من وقت استلام القبول. ولكن جانباً من الفقه الوضعي الحديث يتجه إلى تفضيل نظرية الإعلان عن القبول على غيرها لما لها من مزايا عدة من أهمها (1): أولاً : إن هناك صعوبة في تحديد وقت انعقاد القبول ، إذا قلنا بغير نظرية الإعلان ، فليس من الميسور معرفة لحظة إرسال الخطاب، أو تسليم القبول ، أو العلم به ، بالإضافة إلى احتمال الإنكار ، وتأخير الإطلاع عليه عمداً ، وغير ذلك مما يؤدي إلى عدم استقرار العقود ، وإلى الفوضى التي ينبغي أن تكون المعاملات والعقود بمنأى عنها . 
ثانياً : إن الأخذ بنظرية الإعلان من شأنها كسب الوقت حيث ينشأ العقد بمجرد إعلان القبول ، ولاسيما في العصر الذي يحتاج فيه إلى مزيد من السرعة في التبادل حتى لا تتعطل المصالح . 
المبحث الثامن:مجلس العقد في التعاقد بالبرق , والتلكس , والفاكس , والبريد الإلكتروني وزمن الخيار :
إن من المقرر عند جمهور فقهاء الإسلام أن مجلس التعاقد بين الغائبين هو مجلس وصول الخطاب أو الرسول ، قال الكاساني : " وأما الكتابة فهي أن يكتب الرجل إلى رجل : أما بعد فقد بعت عبدي فلاناً منك بكذا فبلغه الكتاب ، فقال في مجلسه: اشتريت، لأن خطاب الغائب كتابه ، فكأنه حضر بنفسه ، وخاطب بالإيجاب وقبل الآخر في المجلس) . (2)  ويقول النووي : " وإن قلنا : يصح – أي البيع بالمكاتبة – فشرطه أن يقبل المكتوب إليه بمجرد إطلاعه على الكتاب .. وإذا صححنا البيع بالمكاتبة جاز القبول بالكتب ، وباللفظ ، ذكره إمام الحرمين وغيره .. ثم نقل عن الغزالي قوله في الفتاوى... إذا صححنا البيع بالمكاتبة فكتب إليه ، فقبل المكتوب إليه ثبت له خيار المجلس ما دام في مجلس القبول ، قال : ويتمادى خيار الكاتب إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه ، حتى لو علم أنه رجع عن الإيجاب قبل مفارقة المكتوب إليه مجلسه صح رجوعه ولم ينعقد البيع ) (3) وبالنظر إلى هذه النصوص ، وغيرها يتبين أن مجلس العقد بالنسبة للمتعاقدين بالبرقية ، أو التلكس ، أو الفاكس ، هو مجلس وصول البرقية ، أو التلكس أو الفاكس ، فإذا وصل وقرأه وقال : قبلت ، أو كتب الموافقة فقد انعقد العقد . وحينئذٍ ليس لأحدهما الحق في الفسخ بعد انتهاء المجلس.
المبحث التاسع :حكم التعاقد عن طريق الكمبيوتر : 
قد دخل الكمبيوتر والأسواق المالية من أوسع أبوابها ، فأصبح يقوم بتنظيمها ، وتنظيم العقود فيها ، بل بإجراء بعض العقود والتحويلات ولاسيما في النقود والصيرفة. 
ومعلوم أن كل ما يقوم به كمبيوتر لا يخرج عن دائرة توجيه الإنسان وتحريكه إياه نحو ما يريد فهو وسيلة للتوصيل وليس وسيلة للتعبير. ومن هنا فحكم ما يسجله حكم المكتوب (إن كان العقد عن طريق الكتابة) وحكم الملفوظ (إن كان العقد عن طريق اللفظ) ، وأنه جائز إلا فيما يحتاج فيه إلى القبض الفوري كتبادل العملات ، وشرائها فهذا لا يجوز إلا إذا وجد وكيل للطرفين بالقبض (1). 
ضوابط ينبغي التنبيه عليها : تبين لنا أن العقود – سوى النكاح – تتم عن طريق التلفون أو الراديو أو التلفزيون أو اللاسلكي ، ولكنه مع ذلك فالتعاقد بهما يبقى معه احتمال التزوير وتقليد الصوت ، والدبلجة ، ولذلك فالأصل هو انعقاد العقد ، ولكن إذا ادعى أحدهما أن الصوت ليس له ، فعليه إثبات ذلك من خلال الأدلة التي تقنع القضاء الذي هو الفيصل ، لأنه المدعي "والبينة على المدعي ، واليمين على ما أنكره" (2) 
أما عقد النكاح فلابد أن يسمع الشهود الإيجاب والقبول ، حيث أن الشهادة من شروط صحة النكاح عند الجمهور ، وأما المالكية فقالوا لابد منها قبل الدخول . 
ثانياً : إن العقود بالتليفون ونحوه إنما تصح فيما لا يشترط فيه القبض الفوري ، أما إذا بيع ربوي بمثله فلا يصح العقد بالتليفون ، إلا إذا تم القبض كأن يكون لكل واحد منهما وكيل بالتسليم عند الآخر
ثالثاً : إن مجلس العقد بالتليفون واللاسلكي ونحوهما ، ينتهي بانتهاء المحادثة  كما سبق . إلا إذا كان العقد يتم من خلال المزايدة ، حيث ذهب المالكية إلى أن الشخص الذي يعرض رضاه بثمن معين في المزايدة فليس له حق الرجوع حتى ولو طال ، يقول العلامة الصاوي : " ولا يضر في البيع الفصل بين الإيجاب والقبول إلا أن يخرج عن البيع بغيره عرفاً ، وللبائع إلزام المشتري في المزايدة ولو طال حيث لم يجر عرف بعدمه "(3) 
رابعا :خيار الرجوع ، وخيار القبول فيما سبق من طرق للعقود 
خيار الرجوع عند جمهور الفقهاء – ما عدا المالكية : عندما يكون الإيجاب بصيغة الماضي – يجوز للموجب أن يرجع من إيجابه في غير الخلع والعتق قبل قبول المكتوب إليه ، فإذا قبل فقد تم العقد ولزم العقد عند الحنفية والمالكية الذين لا يقولون بخيار المجلس ، وأما عند الشافعية والحنابلة فيبقى لكل واحد منهما حق خيار المجلس
وأما المالكية فقد ذهبوا إلى أن الإيجاب ملزم – بشروطه كما سبق – وحينئذٍ إذا أنشأ العقد بأي طريقه من الطرق السابقة فقد أصبح ملزماً به فلا يجوز له الرجوع ما دام الموجه إليه قبله في مجلس الوصول .
 وأما خيار القبول فعلى ضوء ما ذهب إليه الجمهور – أي ما عدا الشافعية – فإن المكتوب إليه له الحق في القبول ما داما في المجلس إلا إذا صدر من أحدهما ما يدل على الإعراض عن العقد، وأما الشافعية فاشترطوا الفورية في القبول ، لكنهم أعطوا حق خيار المجلس بعد القبول للطرفين 
  يقول النووي : " قال أصحابنا : وإن قلنا : يصح – أي البيع – ونحوه بالمكاتبة – فشرطه أن يقبل المكتوب إليه بمجرد إطلاعه على الكتاب ، هذا هو الأصح وفيه وجه ضعيف : أنه لا يشترط القبول ، بل يكفي التواصل اللائق بين الكتابين " (1)
والمرجح في ذلك قول الجمهور القائلين بأحقية الموجب في الرجوع قبل قبول الطرف الثاني 
و بعدم فورية القبول ، مادام العاقدان في مجلس وصول الإيجاب ما دام لم يعرض عنه ، أما إذا اعرض عنه ، أو قام من مجلسه دون قبوله ،فقد سقط حقه ، وبذلك يجمع بين مصلحة التروي والتفكير ، ووضع ضوابط من خلال التقيد المجلس








ــــــــــــــــــــ
(1) ينظر : (المجموع(9/167)
 

الفصل الرابع : تحته أربعة مباحث : المبحث الأول تعريف الإشارة
 تعريف الإشارة  لغة : التلويح بشيء يفهم منه يفهم من النطق , وأشار إليه وشوّر: أوما. 
ويتعدي الفعل ب (إلى ) و (على) فإن عدي ب (إلى ) كان المعنى الإيماء باليد ونحوها كما قال تعالى : (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) (1). وإن عدي ب (على ) كان المعنى الراي كقولك: أشار عليه بكذا أي أبدي له رأيه (2) . 
ولا يختلف المعنى الاصطلاحي الفقهي عن المعنى اللغوي , فيقصد الفقهاء بالإشارة في باب العقود : تحريك عضو من أعضاء الإنسان , كاليد أو الرأس أو العين ونحوها للدلالة على الرضا بالعقد أو رفضه. 
 المبحث الثاني حكم  عقد الأخرس بالإشارة  
وفيه مسألتان : المسألة الأولى : الخرس الأصلي هو : الذي يكون صاحبه عاجزا عن النطق بأصل الخلقة, بأن يولد أخرس (3): 
عقد الأخرس خرسا أصليا بالإشارة محل خلاف بين الفقهاء على ثلاثة أقوال : 
القول الأول : 
أن عقد الأخرس خرسا أصليا بالإشارة صحيح مطلقا, سواء أكان قادرا على الكتابة أم غير قادر عليها. 
وهذا هو القول المعتمد عند الحنفية(4) وبه قال المالكية(5) وهو الراجح من مذهب الشافعية(6) وهو قول الحنابلة (7). 


القول الثاني : 
أن عقد الأخرس خرسا أصليا بالإشارة لا يصح إذا كان قادرا على الكتابة, ويصح إن لم يكن قادرا عليها. 
وهذا قول بعض الحفنية (1)والشافعية (2). 
القول الثالث : 
أن عقد الأخرس خرسا أصليا بالإشارة يصح في سائر التصرفات ما عدا عقد الضمان, وعقد النكاح باشارة من الولي الأخرس . 
وهذا قول عند الشافعية (3). 
أدلة القول الأول :
استدل القائلون بصحة عقد الأخرس خرسا اصليا بالإشارة بالأدلة الآتية : 
الدليل الأول : 
أن الإشارة من الأخرس تقوم مقام العبارة العبارة من الناطق ؛ لأنها وسيلته إلى الإفهام والإفصاح عما في نفسه , وعدم الاعتداد بها ضرر في حقه يؤدي إلى موته جوعا وعطشا وعريا (4). 
الدليل الثاني : 
أن القصد من اشتراط الصيغة معرفة الرضا , وهو حاصل بالإشارة (5).
الدليل الثالث : 
أن الشرع اعتبر الإشارة من الأخرس في العبادات ؛ ألا ترى أنه إذا حرك لسانه بالقراءة والتكبير كان صحيحا معتبرا, فكذا في المعاملات (6). 
 
دليل القول الثاني : 
استدل القائلون بعدم صحة عقد الأخرس بالإشارة إن كان قادرا على الكتابة بتعليل مفاده. 
أن دلالة الكتابة أقوى وأوضح وأضبط وأبعد عن الاحتمال , فلا تترك إلى إشارة لا يفهمها كثير من الناس, ولا تخلو عن احتمال (1). 
دليل القول الثالث : 
استدل القائلون بصحة عقد الأخرس بالإشارة في سائر التصرفات ما عدا عقد الضمان وعقد النكاح بإشارة من الولي الأخرس بتعليل مفاده: عدم قيام ضرورة تدعو لإجراء هذين العقدين بالإشارة (2). 

والراجح ,  القول الأول القاضي بصحة عقد الأخرس خرسا أصليا بالإشارة مطلقا, سواء أكان قدارا على الكتابة أم غير قادر عليها, وذلك لقوة ما استدلوا به, وضعف أدلة الأقوال الأخرى (3). 
ثم إن الإشارة من الأخرس خرسا أصليا لا تقل في دلالتها على الرضا عن المعاطاة وإذا كان القول المرجح صحة التعاقد بالمعاطاة , فلأن يصح العقد من الأخرس خرسا أصليا بالإشارة من باب أولى , لأن إشارة الأخرس هي وسيلته السهلة للتعبير عن رضاه , وتكليفه بالكتابة عند كل عقد فيه مشقة وحرج عليه, والشريعة جاءت برفع الحرج. 
المسألة الثانية : الخرس الطارئ (المصمت) (4): 
الخرس الطارئ لا يخلو من حالتي : 
الحالة الأولى : الخرس الطارئ الذي لا يرجي زواله, فحكم هذه الحالة كحكم الخرس الأصلي .
الحالة الثانية : الخرس الطارئ لا يرجى زواله  مثل الخرس الأصلي والخلاف في الخرس الذي يرجي زواله . وحكم عقد الأخرس بالإشارة في هذه الحالة محل خلاف بين الفقهاء على قولين: 
القول الأول : 
أن إشارة من كان خرسه طارئا غير صحيحة إذا كان يرجى زواله , وإنما ينتظر حتى يتبين حاله. 
وهذا قول الحنفية (1), إلا أنهم اختلفوا في مدة الانتظار , فمنهم من حدها بالموت, ومنهم من قال ينتظر حتى يقع اليأس من كلامه , ومنهم من قال ينتظر سنة (2). 
وهو قول عند الشافعية (3) ومذهب الحنابلة في الوصية خاصة (4). 
القول الثاني : 
إن إشارة من كان خرسه طارئا صحيحة, سواء أكان زوال خرسه مرجوا أم كان غير مرجو. 
وهو ظاهر مذهب المالكية (5), وهو مذهب الشافعية(6) وقول عند الحنابلة (7). 

أدلة القول الأول : 
استدل القائلون بعدم صحة إشارة من كان خرسه طارئا إذا كان يرجي زواله. 
 

الدليل الأول : 
أن امرأة قيل لها في مرضها : أوصي بكذا , أوصي بكذا . فأومأت برأسها, فلم يجزه علي بن أبي طالب(1) 
وهذا الدليل استدل به الحنابلة (2)
الدليل الثاني : 
أن معتقل اللسان غير ميئوس من نطقه , فلا تصح إشارته أشبه القادر على الكلام (3). 
ويناقش هذا الدليل من وجهين: (4)
الوجه الأول : أن المقيس عليه محل خلاف بين الفقهاء , فلا يصح القياس حينئذ, 
إذ من شرط القياس أن يكون متفقا عليه بين الخصمين (5). 
الوجه الثاني : أنه يترتب على عدم الاعتداد بإشارة الأخرس في هذه الحالة إلحاق الضرر به ؛ لأن تعليق صحة عقوده بزوال خرسه فيه تعطيل لمصالحه , إذ هو بحاجة إلى البيع والشراء والإجارة ونحوها. 
الدليل الثالث : 
أن خرس معتقل اللسان عارض طارئ , فلا تكون إشارته معهودة معلومة حتى تطول مدة خرسه , فيلحق حينئذ بالأخرس الأصلي (6). 
ويناقش هذا الدليل : بأن الإشارة لا يعمل بها أصلا حتى تكون مفهومة تنبئ عن مراد صاحبها , سواء أكان الخرس أصليا أم عارضا (7). 
أدلة القول الثاني : 
استدل القائلون بصحة إشارة من كان خرسه طارئا , سواء أكان زواله مرجوا أم غير مرجو بالأدلة الآتية : 
الدليل الأول : 
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت : « صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك, فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما , فأشار إليهم أن اجلسوا(1)» استدل بهذا الحديث ابن المنذر (2). 
ويوجه الاستدلال منه فيقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل الإشارة لتبليغ الصحابة بحكم من أحكام الصلاة. 
فإذا كانت الإشارة صالحة في الصلاة ـ التي هي أهم ركن من أركان الدين بعد الشهادتين ـ فلأن تكون صالحة في الدلالة على الرضا بالعقد من باب أولى , لكونها أخف من الصلاة. 
ونوقش الاستدلال بهذا الدليل : بأنه غير ملزم للخصم ؛ لكونه في غير موضع النزاع, فالنبي صلى الله عليه وسلم كان قادرا على الكلام , ومحل النزاع في معتقل اللسان غير القادر على البيان (3). 
وأجيب عن هذه المناقشة : بأن النبي صلى الله عليه وسلم يعد في هذه الحالة في حكم غير القادر على النطق ؛ لكونه في صلاة , ويؤيد هذا حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فبعثني في حاجة , فرجعت وهو يصلي على راحلته فكلمته , فقال لي« بيده هكذا  وأومأ زهير ـ راوي الحديث ـ بيده » ثم كلمته فقال لي« هكذا فأومأ زهير ايضا بيده نحو الأرض »   وأنا أسمعه يقرأ يومئ برأسه, فلما فرغ قال : «ما فعلت في الذي أرسلتك له؟ فإنه لم يمنعني أن أكلمك إلا أني كنت أصلي» (4). 


الدليل الثاني : 
قول النبي صلى الله عليه وسلم : « فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه, وعقد تسعين » (1)
وقد وجه ابن حجر ـ رحمه الله ـ الاستدلال من هذا الحديث فقال (2): إن العقد على صفة مخصوصة لإرادة عدد معين يتنزل منزلة الإشارة المفهمة , فإذا اكتفي بها عن النطق مع القدرة عليه دل على اعتبار الإشارة ممن لا يقدر على النطق بطريق الأولى . 
الدليل الثالث : 
عن أنس بن مالك رضي الله عنه ـ قال : عدا يهودي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جارية فأخذ أوضاحا كانت عليها, ورضخ رأسها, فأتى بها أهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في آخر رمق وقد أصمتت , فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : «" من قتلك ؟ فلان ؟ (لغير الذي قتلها ) فأشارت برأسها أن : لا قال : فقال لرجل آخر (غير الذي قتلها) فأشارت أن : لا فقال : ففلان ؟ (لقاتلها ) فأشارت أن : نعم : فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين» (3). 
ويوجه الاستدلال من الحديث : بأن اليهودي طولب بالدم وقبلت الدعوى ضده بمجرد إشارة من معتقل لسان , فلأن تقبل في العقود ونحوها من باب أولى.  
 
قال ابن حجر(1) عند بيان فوائد هذا الحديث : وفيه أنه تجب المطالبة بالدم بمجرد الشكوى وبالإشارة . 
الدليل الرابع : 
أن معتقل اللسان محتاج للتصرف , وهو غير قادر على الكلام, فيلحق بالأخرس الأصلي في الأحكام , ومن ذلك صحة عقده بالإشارة المفهمة (2). 

القول بصحة إشارة من كان خرسه طارئا سواء أكان زوال خرسه مرجوا أم غير مرجو هو القول الراجح ـ في نظري ـ لقوه أدلته وضعف القول الآخر (3). 
لذلك فالقول الصحيح الموافق لسماحة الشريعة الإسلامية ورفعها الحرج عن الناس, ما أمكن ـ صحة إشارة معتقل اللسان في العقود إذا كانت إشارته مفهومة تدل على الرضا . والله أعلم. 












المبحث الثالث : حكم عقد غير الأخرس بالإشارة :
اختلف الفقهاء رحمهم الله ـ في عقد غير الأخرس بالإشارة قولين : 
القول الأول : 
أن عقد غير الأخرس بالإشارة صحيح : 
وهذا قول للشافعية(1) ووجه عند الحنابلة (2)اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (3)وتلميذة ابن القيم (4)عليهما رحمة الله. 
وهو مذهب المالكية (5)ـ والعقد بالإشارة أولى بالقبول عندهم من المعاطاة إلا أنهم استثنوا إشارة الأعمى الأخرس في العقود (6)كما استثنوا أيضا عقد النكاح (7)ولبعضهم فيه تفصيل مفاده (8). 
1ـ عدم صحة عقد النكاح بالإشارة من العاقدين الناطقين بحيث يقع الإيجاب  والقبول بالإشارة . 
 
ب ـ صحة عقد النكاح بالإشارة من احد العاقدين إن ابتدأ أحدهما بلفظ الإنكاح أو التزويج(1) أما إن كان الابتداء بلفظ الهبة ونحوه فتصح الإشارة من الزوج فقط دون الولي (2). 
القول الثاني : 
أن عقد القادر على النطق بالإشارة غير صحيح : 
هذا مذهب الحنفية (3)والشافعية (4)والحنابلة (5). 
أدلة القول الأول : 
استدل القائلون بصحة عقد غير الأخرس بالإشارة بالأدلة الآتية : 
الدليل الأول : 
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء أعجمية, فقال : يا رسول الله , إن علي عتق رقبة مؤمنة فقال لها رسول الله : « أين الله ؟ فأشارت إلى السماء بأصبعها السبابة , فقال لها: من أنا ؟ فأشارت بأصبعها إلى 
 
رسول الله, وإلى السماء أي : أنت رسول الله فقال : أعتقها»  (1). 
وجه الاستدلال من الحديث : 
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز الإسلام بالإشارة , الذي هو أصل الديانة, به يحرز الدم والمال, وتسحق به الجنة, وينجي به من النار, وحكم بإيمانها كما يحكم بنطق من يقول ذلك وإذا كان الأمر كذلك فيجب أن تكون الإشارة عاملة في سائر الديانة ومنها العقود (2). 
ولكن يعترض على الدليل بأنه في غير محل الخلاف؛ لأن الجارية في حكم العاجز عن النطق لكونها أعجمية.(3) 
هذا بالإضافة إلى أن الحديث بهذا اللفظ ضعيف . 
الدليل الثاني :
 أن الشرع أجاز الإشارة في أحكام مختلفة من الدين منها ما هو أهم من عقود المعاملات (4). 


الدليل الثالث : 
قول الله تعالى : (قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا)(1) والرمز هو  الإشارة . فسمى الله الإشارة كلاما (2). 
قال القرطبي (3): في هذه الآية دليل على أن الإشارة تنزل منزلة الكلام . 
 
الدليل الرابع : 
قياس إشارة الناطق على كتابته بجامع الإفهام في كل منهما, فكما يحصل الإفهام بكتابته, فكذلك يحصل الإفهام بإشارته (1). 
وأجيب عن هذا الدليل بأن تفهيم الناطق إشارته نادر , مع أنها غير موضوعة له, بخلاف الكتابة فإنها حروف موضوعة للإفهام كالعبارة (2). 
الدليل الخامس : 
أن المقصود من اشتراط الصيغة دلالتها على الرضا , بالإشارة الدالة على الرضا يحصل المقصود, فتصح بها العقود (3). 
واستدل المالكية على استثناء إشارة الأعمى الأخرس بتعذر معاملته ؛ لعدم القدرة على التعرف على رضاه (4). 
واستدل المالكية على استثناء إشارة الأعمى الأخرس بتعذر معاملته ؛ لعدم القدرة على التعرف على رضاه. 
واستدلوا على استثناء عقد النكاح بأنه عقد يفتقر إلى التصريح ليقع الإشهاد عليه (5). 
أدلة القول الثاني : 
استدل القائلون بعدم صحة عقد غير الأخرس بالإشارة بتعليل مفاده: 
أن إشارة الناطق مستغنى عنها بنطقه, وإنما قامت الإشارة مقام العبارة في حق الأخرس لموضع الضرورة , ولا ضرورة هاهنا فلم تقم مقام العبارة (6). 
ويناقش هذا الدليل : بعدم التسليم باشتراط قيام الضرورة لصحة الإشارة(7). 
 
والمشترط قد بني شرطه على أصل فاسد وهو : عدم الخروج عن الصيغة اللفظية في العقود إلى غيرها من الصيغ إلا عند قيام ضرورة تدعو لذلك. 
قال الدكتور صالح الغليقة في صيغ العقود في الفقه الإسلامي ويمكن أن يستدل لهذا القول بتعليل آخر مفاده: 
أن الإشارة مهما قويت دلالتها فهي لا تفيد اليقين الذي تفيده العبارة, فلا يترك حينئذ اليقين إلى ما دونه لغير سبب يدعو لتركه. 
ولكن يناقش هذا التعليم بأن الإشارة إذا كانت مفهومة , وقد جرى العرف عليها, أفادت اليقين بلا شك . 
 
والذي يظهر لي أن القول بصحة العقد بالإشارة من القادر على النطق هو القول الذي يعضده الدليل بشرط أن تكون الإشارة مفهومة معهودة عرفا ؛ وذلك لأن المطلوب لصحة العقود أن يوجد ما يدل على الرضا من العاقدين, وإذا كانت الإشارة المفهمة تدل على الرضا فما المانع من صحة العقد بها ؟ ! . 
والألفاظ لم تقصد لذواتها, وإنما هي أدلة يستدل بها على مراد المتكلم , فإذا ظهر مراده ووضح بأي طريق كان عمل بمقتضاه, ومن ذلك الإشارة. 
والقائلون بعدم صحة عقد الناطق بالإشارة قد أجاز أكثرهم التعاقد بالمعاطاة, والإشارة لا تقل دلالتها على الرضا عن المعاطاة, فيلزمهم إذن القول بصحة إشارة الناطق في العقود. 
والإذا كان هناك من تحفظٍ في بعض العقود فهو في عقد النكاح؛ لما له من خطورة, والملاحظ أن الشارع يحتاط له مالا يحتاط لغيره من العقود , لذلك فلا يدخل عقد النكاح في العقود التي يجوز للناطق عقدها بالإشارة. 
 
المبحث الرابع شروط صحة الإشارة:
اشتراط الفقهاء ـ القائلون بصحة التعاقد بالإشارة ـ الشروط التالية لصحة العمل بها : 
الشروط الأول : 
أن تكون الإشارة مفهومة : 
وهذا الشرط محل اتفاق بين الفقهاء القائلين بصحة التعاقد بالإشارة (1). 
وهو شرط صحيح ؛ لأن الإشارة غير المفهومة لغو لا يعتد بها , فوجودها وعدمها سواء. وحينئذ يكون أحد أركان العقد ـ الصيغة ـ غير موجود, فلا يتم العقد. 
وإذا كان الإفهام في الإشارة شرطا لصحتها فما ضابطه؟ 
اهتم فقهاء الشافعية بتحديد ضابط للإفهام المشروط لصحة الإشارة فقسموا الإشارة إلى قسمين : 
القسم الأول : إشارة يفهم المقصود منها كل واقف عليها, وهي الإشارة المعهودة عرفا في اصطلاح الحنفية (2). 
وهذا القسم ـ من حيث الدلالة ـ يلحق بالصيغ الصريحة. 
القسم الثاني : إشارة لا يفهم المقصود منها إلا أهل الفطنة والذكاء . 
وهذا القسم ـ من حيث الدلالة ـ يلحق بالصيغ الكنائية. 
ويلزم للعمل بهذا القسم أن تقوم إشارة أخرى لاحقة توضح وتحدد المراد من الإشارة الأولى , وهي في الوقت نفسه مفتقرة إلى نية لكونها من الصيغ الكنائية. 
جاء في نهاية المحتاج (3): إشارة الأخرس إن فهمها كل أحد فصريحة , أو الفطن وحده فكناية, وحينئذ فيحتاج إلى إشارة أخرى. 
وفي الأشياء والنظائر (1) : " إشارته ( أي : الأخرس ) منقسمة إلى صريحة مغنية عن النية, وهي التي يفهم منها المقصود كل واقف عليها, وإلى كناية مفتقرة إلى نية, وعي التي يختص بفهم المقصود بها المخصوص بالفطنة والذكاء (2), 
الشرط الثاني : 
اقتران التصويت بالإشارة : 
نص على هذا الشرط الحنفية (3)وعللوا له : بأن الأخرس من عادته عند التعبير عن شيء أن يقرن الإشارة بالتصويت. 

والذي يظهر أنه ليس بشرط؛ لعدم ارتباط فهم الإشارة بالتصويت , فقد تفهم الإشارة بدون صوت يصدر من المشير. 
ثم إن قولهم : إن من عادة الأخرس عند التعبير عن شيء أن يقرن الإشارة بالصويت غير صحيح, والواقع يشهد بعدم صحته ؛ حيث يلاحظ ذلك في مجموعة منهم فلا يسمع منهم صوت عند تعبيرهم عما في نفوسهم والله أعلم (4) . 







 
الخاتمة:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد : 
      فمن خلال ما بينه سابقا ً يمكن استخلاص أحكام وضوابط وشروط عامة في العـقد بالكتابة والإشارة (1) :
     1- العقد في الشريعة الإسلامية ينعقد بكل ما يدل عليه من قول أو فعل أو كتابة أو إشارة من كلا العاقدين أو من أحدهما
 2-أن العقد بالكتابة المستبينة  والمرسومة يجوز  بالضوابط المذكورة  .
 3-أن العقد عن طريق الرسول صحيح حتى في النكاح إذا كان بالوكالة.
 4-شمولية الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان .
 5-جواز التعاقد بآلات الاتصال الحديثة عدا عقد النكاح وهذا من سماحة الشريعة للتوسيع على الناس بالضوابط المذكورة  والشروط المحددة .
 6-أن الكتابة ليست محصورة بشيء معين كالورق بل تصح على الأشجار والأحجار والجلود وغيرها, وكان هذا مستخدماً في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، فكذلك التوقيع ليس محصوراً بالطريقة العادية من الإمضاء باليد أو الختم أو بصمة الأصبع.
       7-أن الشريعة الإسلامية جعلت الرضا هو الأساس في انعقاد العقود من دون تحديد لفظ معين أو شكل محدد مما       
       جعل أحكام الشريعة تستوعب ما استجد من طرق وأشكال لانعقاد العقود, ومن ذلك "التعاقد عن طريق   
         الالكترونيات أو آلات الاتصال الحديثة. 
     8- يشترط في صيغة العقد (الإيجاب والقبول) أن يكونا واضحين ودالين على إرادة التعاقد، وأن يكون القبول موافقاً للإيجاب ومتصلاً به وهذه الشروط يلزم تحقيقها في التعاقد بطريق الإنترنت أو آلات الاتصال الحديثة حتى يكون صحيحاً ومعتبراً

و أخيراً: فإن يجب على المرء أن يتق الله عز وجل وأن يراقبه في السر والعلن, وأن يراجع أهل العلم في ما أشكل عليه حتى يعبد الله على بصيرة 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ,,,
______________
 (1) هذه النتائج صغتها وأضفت عليها من بحث  العقود الإلكترونية دراسة فقهية مقارنة  د. عبد الله  الناصر


 
الملحقات والفتاوى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين
قرار رقم: 52 (3/6)[1]
بشأن حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان  1410 الموافق 14 – 20 آذار (مارس) 1990م،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة،
ونظراً إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات، وباستحضار ما تعرّض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس – عدا الوصيـة والإيصاء والوكالة – وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف. 
قرر ما يلي:   أولاً: إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد، ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة ( الرسول )، و ينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الحاسوب)، ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجَّه إليه وقبوله.
ثانياً:  إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة.
ثالثاً: إذا أصدر العارض، بهذه الوسائل، إيجاباً محدّد المدة يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عنه.
رابعاً:إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.
خامساً:ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للإثبات.والله أعلم ؛؛(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر مجلة مجمع البحوث الفقهي الإسلامي ع 6، ج2 ص 785 .
أولاً: فهرس المصادر والمراجع
     مصادر هذا البحث ومراجعه بعد القرآن الكريم هي :
1- الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، اختارها الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي ، أشرف على تصحيحه الشيخ عبد الرحمن حسن محمود ، الناشر المؤسسة السعيدية في الرياض.
2- المحرر في الفقه على مذهب الامام أحمد بن حنبل . تأليف مجد الدين أبي البركات  ابن تيمية . تحقيق محمد حامد الفقي . نشر دار الكتاب العربي , بيروت ..
3- حاشية الصاوي على الشرح الصغير  على أقرب المسالك . لأحمد الصاوي المالكي. وهي مطبوعة مع الشرح الكبير .
4- روضة الطالبين وعمدة المفتين .  للامام أبي زكريا محي الدين بن شرف  النووي .طز المكتب الإسلامي .الطبعة الثانية 1405.
5- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، للإمام علاء الدين أبي بكر ابن مسعود الكاساني الحنفي ، تحقيق محمد خير طعمه حلبي ، الناشر دار المعرفة في لبنان ، الطبعة الأولى 1420هـ.
6- الخرشي على مختصر الخليل . لمحمد الخرشي المالكي .ط. دار الكتاب الإسلامي , القاهرة .
7- الحاوي الكبير . للامام علي بن محمد الموردي .ط. دار الفكر ,بيروت . 1414هـ.
8- مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى . تأليف  مصطفى السيوطي الطبعة الثانية 1415
9- الفواكه الدواني . شرح الشيخ أحمد بن غنيم النفراوي  على رسالة ابن أبي زيد القيرواني ط. دار المعرفة , بيروت . توزيع دار الباز للنشر والتوزيع , مكة المكرمة.
10- المبسوط ، لشمس الدين السرخسي ، الناشر دار المعرفة في لبنان ، طُبع عام 1414هـ.
11- تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ، تأليف فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي ، الناشر دار الكتاب الإسلامي ، الطبعة الثانية. 
12- العقد في الفقه الإسلامي د.عباس حسني محمد .الطبعة الأولى 1413 هــ.ط.دار الحرمين , القاهرة .
13- حاشية ابن عابدين على شرح الشيخ علاء الدين محمد بن علي الحصكفي لمتن تنوير الأبصار للشيخ شمس الدين التمرتاشي ، تحقيق عبد المجيد طعمه حلبي ، الناشر دار المعرفة في لبنان ، الطبعة الأولى 1420هـ.
14- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، للعالم شمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقي على الشرح الكبير ، لأبي البركات سيدي أحمد الدروير ، وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للمحقق سيدي الشيخ محمد عليش ، الناشر دار الفكر.
15- رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ، لمحمد أمين الشهير بابن عابدين ، دراسة وتحقيق وتعليق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ، والشيخ علي محمد معوض ، الناشر دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع في المملكة العربية السعودية ، طُبع عام 1423هـ.
16- مجلة الأحكام العدلية  وهي مسائل وضعية  صيغت على شكل مواد . وضعها جماعة من فقهاء الدولة العثمانية . وهي مطبوعة مع شرحها  درر الحكام .
17- الروض المربع بشرح زاد المستقنع ، للشيخ منصور بن يونس البهوتي ، مراجعة وتحقيق وتعليق  محمد عبد الرحمن عوض ، الناشر دار الكتاب العربي في لبنان ، الطبعة الثانية 1406هـ.
18- سنن أبي داود ، حكم على أحاديثه وآثاره وعلّق عليه : محمد ناصر الدين الألباني ، الناشر مكتبة المعارف للنشر والتوزيع في الرياض ، الطبعة الأولى.
19- مسند الامام أحمد بن حنبل . دار الكتب العلمية , بيروت الطبعة الثانية 1398.
20- سنن النسائي . ط.دار إحياء التراث العربي , بيروت. وهو مطبوع مع شرح  جلال الدين السيوطي , وحاشية السندي .
21- مصنف ابن أبي شيبة  للامام  الحافظ أبي بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة العبسي  نشر دار القرآن , والعلوم الإسلامية , كراتشي ,باكستان 1406
22- سنن البيهقي الكبرى  للبيهقي  , الناش مكتبة دار الباز  الطبعة 1414  , تحقيق محمد عبد القادر عطا.
23- غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم ، شرح السيد أحمد بن محمد الحموي ، الناشر دار الكتب العلمية في لبنان ، الطبعة الأولى ، 1405هـ.
24- إعلام الموقعين عن رب العالمين . تأليف شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم . راجعه وقدم له وعلق عليه , طه عبدالرؤوف سعد .ط. دار الجيل بيروت .
25- المنثور في القواعد. لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي  . تحقيق . تيسير فائق أحمد محمود . نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت 0
26- الأشباه والنظائر . تأليف جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي .ط. دار الفكر بيروت .
27- المبدع في شرح المقنع ، لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد ابن مفلح ، الناشر المكتب الإسلامي في دمشق ، طُبع عام 1394هـ.
28- المجموع شرح المهذب للشيرازي ، للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي ، تحقيق محمد نجيب المطيعي ، الناشر دار عالم الكتب للطباعة والنشر ، طُبع عام 1423هـ.
29- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ، وساعده ابنه محمد ، الناشر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، طُبع عام 1415هـ.
30- معجم مقاييس اللغة ، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ، تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون ، الناشر دار الجيل في لبنان ، طُبع عام 1420هـ.
31- المغني ، لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن قدامة المقدسي ، تحقيق الدكتور عبد الله ابن عبد المحسن التركي ، والدكتور عبد الفتاح محمد الحلو ، الناشر مطبعة هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان في القاهرة ، الطبعة الثانية 1412هـ.
32- لسان العرب ابن منظور , الناشر دار إحياء التراث العربي الطبعة 1405 هـ
33- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ، شرح الشيخ محمد الشربيني الخطيب ، على متن المنهاج لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي ، الناشر دار إحياء التراث العربي في لبنان 1377.
34- المقنع , لموفق الدين أبي محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة , والشرح الكبير , لشمس الدين أبي الفرج عبدالرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي , والإنصاف  في معرفة الراجح من الخلاف , لعلاء الدين أبي الحسين علي بن سليمان بن أحمد المرداوي , تحقيق عبدالله بن عبدالمحسن التركي , الناشر مطبعة هجر للطباعة والنشر والتوزيع .
35- شرح الزر قاني على مختصر خليل . لمؤلفه محمد  الزر قاني . ط.دار الفكر ,بيروت.
36- المدخل للفقه الإسلامي  محمد مدكور  طبع دار الكتاب الحديث , القاهرة بيروت . الطبعة الثانية 1996 .
37- ضوابط العقد في الفقه الإسلامي . د.عدنان التركماني الطبعة الثانية 1413 هـ . نشر مكتبة دار المطبوعات الحديثة , جدة .
38- مجلة مجمع الفقه الإسلامي . المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي . طبعة دار البشائر 1418 هـ.
39- صيغ العقود الفقه الإسلامي ، تأليف د:صالح الغليقة ، الطبعة الأولى 1427هـ الناشر دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع.
40- حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة (تأليف د/علي محيي الدين القره داغي).



 
 ثانيا ً :فهرس الآيات القرآنية
 
 {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا ... وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ... } (275) سورة البقرة ..............................   1
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ...} 
(3) سورة المائد ..............................................................................................1
{ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) } هود80  ........................7 
 { لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ   }الأنعام (19).................................................13 
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ } سورة البقرة 119
 ......................................................................................................................14
 {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ... } سورة المائدة 67 ..............................22
{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا... }سورة مريم29
...........................................................................................39
{قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} سورة ال عمران 41......................... ,....50


 
فهرس الأحاديث

« رحم الله لوطا إن كان ليأوي إلى ركن شديد »……………………           7
« كتب إلى النجاشي يخطب أم حبيبة رضي الله عنها ـ فزوجها النجاشي منه »
.........................................................................................21 
« صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك, فصلى جالسا
 وصلى وراءه قوم قياما , فأشار إليهم أن اجلسوا »..........................:               44
«ما فعلت في الذي أرسلتك له؟ فإنه لم يمنعني 
أن أكلمك إلا أني كنت أصلي»............................................               44 

« فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه, وعقد تسعين »....................................       45
« فقال لرجل آخر (غير الذي قتلها) فأشارت أن: لا فقال: ففلان ؟ (لقاتلها )فأشارت
 أن : نعم : فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين» .........     45
« أين الله ؟ فأشارت إلى السماء بأصبعها السبابة .....»................................     48-49  





 
فهرس الموضوعات
المقدمة .................................................................... .... .....    1 - 4 
 تمهيد...................................................................................    5
المبحث الأول : تعريف العقد..............................................5-6
 المبحث الثاني  أركان العقد .............................................7
الفصل الأول ، وقد اشتمل على أربعة  مباحث : 
المبحث الأول : حكم التعاقد بالكتابة غير المستبينة..............8
المبحث الثاني : حكم التعاقد بالكتابة المستبينة ..................8-10 
المبحث الثالث :  حكم التعاقد بالكتابة المرسومة .............10-15
 المبحث الرابع : حكم التعاقد بين حاضرين بالكتابة ................15-18
 المبحث الخامس : حكم التعاقد بين غائبين بالكتابة ..............19-22
 المبحث السادس :مجلس العقد ابتداؤه ونهايته عند 
التعاقد بين غائبين بالمكاتبة ..............................................23-30
الفصل الثاني ، وقد اشتمل على أربعة  مباحث : 
المبحث الأول : تعريف الرسول.........................................30
المبحث الثاني : مقارنة بين التعاقد عن طريق الرسول 
                   والتعاقد بالكتابة بين غائبين..........................30
المبحث الثالث : حكم التعاقد عن طريق الرسول...................31
المبحث الرابع :  صور التعاقد بواسطة الرسول ..................31-32
الفصل الثالث , وقد اشتمل على  تسعة مباحث :
 المبحث الأول : تعريف آلات الاتصال الحديثة....................33
المبحث الثاني : القواعد المهمة المتعلقة 
               بالتعاقد بآلات الاتصال الحديثة ............................33
المبحث الثالث:حكم التعاقد عن طريق الهاتف................ ......  34 
المبحث الرابع  :مجلس التعاقد في الهاتف.............................34
المبحث الخامس :حكم التعاقد بالراديو والتلفزيون ..................35
المبحث السادس :حكم التعاقد بشريط الكاسيت والفيديو ...........35
المبحث السابع  : حكم التعاقد بالبرقية , 
والتلكس , والفاكس والبريد الإلكتروني ..............................35-36
المبحث الثامن : مجلس العقد في التعاقد بالبرقية , والتلكس 
, والفاكس ,والبريد الإلكتروني , وزمن الخيار .....................36
المبحث التاسع : حكم التعاقد عن طريق الكمبيوتر .................37-38
الفصل الرابع  ، وقد اشتمل على أربعة مباحث وملحقات :
المبحث الأول : تعريف الإشارة.........................................39
المبحث الثاني : حكم  عقد الأخرس بالإشارة........................39-46
المبحث الثالث : حكم عقد غير الأخرس بالإشارة..................47-52
المبحث الرابع : شروط صحة الإشارة...............................52-54
 الخاتمة ...............................................................................  55
الملحقات والفتاوى................................................................ 56
قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي رقم  : 52 (3/6)[1] 
بشأن حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة....................................................56
الفهارس العامة ....................................................................  57
فهرس المصادر والمراجع ...............................................................  57-59
فهرس الآيات القرآنية .................................................................  60
فهرس الأحاديث ........................................................................61
فهرس الموضوعات ....................................................................  62-63 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ,,,
                                            سعد بن عبدالله السبر  salsaber@hotmail.com

تعليقات