📁 آخر الأخبار

قسمـة المـال الشائـع في القانون المدني الجزائري

قسمـة المـال الشائـع في القانون المدني الجزائري

قسمـة المـال الشائـع
في القانون المدني الجزائري


وزارة العــــــــدل

المـدرسـة العليـا للـقضاء

   

الدفعـة  الرابعـة عشر                                 مجلـس قضـاء بومـرداس                                                                                                         

         2003-2006                                         محـكمة الـرويـبـة

قسمـة المـال الشائـع

في القانون المدني الجزائري

 

مذكرة نهاية التكوين لنيل شهادة المدرسة العليا للقضاء


من إعداد الطالب القاضي:                                     تحـت إشراف السيّـد:

  بوحديش عادل                                             دعـلاش عبـد الحكيـم

                                                                        رئيس محكمة الرويبة

 

السنة الأكاديمية:

2005 - 2006

بسم الله الرحمن الرحيم

 

للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الاقربون و للنساء نصيب مما ترك الوالدين و الأقربون مما منه أو أكثر نصيبا مفرضا  "۷" و إذا حضر القسمة أولوا القربى و اليتامة و المساكين فارزقوهم منه و قولو لهم قولا معروفا "٨"

صــــدق الله العـظـيـم.

الآيتين 7 و 8 من سورة النساء

 

الشيوع حالة قانونية تنجم عن تعدد أصحاب الحق العيني، سواء كان حق الملكية أو حق عيني آخر كحق الإنتفاع مثلاً، غير أن المشرع نظم الملكية الشائعة فقط لأنها الصورة التي يتحقق فيها الشيوع في غالب الأحيان.

أما الحق الشخصي فالأصل فيه أنه لا يكون مالاً شائعاً إذا تعدد أصحابه لأنه ينقسم بينهم، إلا إذا كان غير قابلاً للإنقسام فهنا نطبق عليه الأحكام التي تطبق على الملكية الشائعة.

نظم القانون المدني الجزائري الملكية الشائعة في المواد 713 إلى 742 منه، فنصت المادة 713 منه على أن الملكية الشائعة هي حق ملكية، و بالتالي تشمل على حق الإستعمال و حق الإستغلال و حق التصرف, و وصفت الشركاء في الشيوع بأنّهم مالكين للشيء الشائع، كما أكدت المادة 714 منه على أن حق الشركاء في المال الشائع هو حق ملكية، فكل شريك في الشيوع يملك جميع عناصر حق الملكية من استعمال و استغلال و تصرف.

و الملكية الشائعة تقع على مال معين بالذات، يملكه أكثر من شخص واحد، فيكون حق كل شريك واقع على حصة شائعة في هذا المال، و حق الملكية على المال هو الذي ينقسم إلى حصص، دون أن ينقسم المال في حدّ ذاته.

فالحصة التي يملكها الشريك في الشيوع شائعة في كل المال لا تتركز على جانب منه بالذات، و هو ما يميز الملكية الشائعة عن الملكية المفرزة، و الشيء المملوك على الشيوع لا يملكه الشركاء مجتمعين، بل يملك كل شريك حصةً فيه ملكيةﹰ تامةﹰ، و هذا ما يميز الملكية الشائعة عن الملكية المشتركة (الجماعية).
فكل شريك في الشيوع يملك حصته ملكاً تاماً، فالملكية الشائعة على هذا النحو هي ملكية فردية، الشيء الذي يجعل أنّ مصادر الملكية الشائعة هي نفسها مصادر كسب الملكية، فقد تكون تصرفاً قانونياً كالعقد إذا اشترى شخصان مالاً على الشيوع، و قد تكون وصيةﹰ أو هبةﹰ، كما قد تكون واقعة مادية كأن يرث عدة أشخاص مالاً على الشيوع، أو يحوز شخصان شيئا حيازة مشتركة بصفة قانونية و ذلك طول المدة اللازمة لكسب الملكية بالتقادم.

و أكثر أسباب الشيوع وقوعاً في الحياة العملية هو الميراث، فبموت المورث تنتقل ملكية الأموال الشائعة التي تركها إلى الورثة، و كثيراً ما يستمر هؤلاء في الشيوع و لمدة طويلة، مما يسمح بتزايد عدد الشركاء بسبب موت بعضهم و حلول ورثتهم محلهم.

فـلا شك أنّ للملكية الشائعة مساوىء اجتماعية و اقتصادية تجعل الاستمـرار فيها أمراً غير مرغـوب فيه، بسبب مزاولة كل مـالك لسلطاته على الشيء الشـائع و لا سيما الاستعـمال و الاستغـلال، الشيء الذي يجعل المـال الشائع عديم المنفـعة من الناحية الاقتصادية، و سبـبا في كثرة النـزاعـات من الناحية الاجتماعية و القانونية، لذا فإن الشـيوع يعتبر حـالة مؤقتة مصيرها الانقـضاء و الزوال، و إن كانت تدوم في بعض الأحيان مدة طويلة كما يقع ذلك كثيرا في الجزائر، و ينقضي الشيوع بأسباب مختلفة، كبيع المال الشائع إلى أجنبي أو كأن يرث الشريك شريكاً آخر أو بالحيازة لمدة (15) خمسة عشر سنة، غير أن السبب الرئيسي و الأصلي لانقضاء الشيوع هو القسمة، و التي سنجعلها محل دراستنا خاصة و أن المشرع الجزائري أفرد لها قواعد خاصة سواء من حيث كيفية إجرائها أو من حيث الآثار المترتبة عنها.

و القسمة التي ينقضي بها الشيوع هي تلك القسمة الواردة على الملكية و التي تعرف بالقسمة النهائية، و ليست تلك الواردة على الانتفاع و التي يطلق عليها قسمة المهايأة، كون هذه الأخيرة ليست إلا درباً من دروب تنظيم الانتفاع بالمال الشائع، لذلك فهي تتسم بكونها مؤقتة.

و إذا أطلق لفـظ القسمة – دون وصـف- انصرف مدلولها إلى القسـمة النهائية، و هي إعطاء كل شريك في الشيوع قدراً يعادل نصيبه في المـال الشائع، فقد تتم بالتراضي بين الشركاء, وإذا لم يتوافر هذا التراضي تتم أمام القضاء، لأنه لا يجبر الشخض على البقاء في الشيوع إلاّ بنص القانون او الإتفاق, و من هنا فالقسمة قد تكون رضائية (اتفاقية) و قد تكون قضائية.

فما هي الحالات التي تكون فيها القسمة اتفاقية؟ و متى تكون قضائية؟

و ماهي الطبيعة القانونية للقسمة الاتفاقية؟ و كيف يتم الطعن فيها متى لم تحقق الهدف المرجو منها؟

و ماهي الإجراءات الواجب اتباعها في القسمة القضائية؟ و كيف يتم إجراء هذه القسمة؟ خاصة و أن المشّرع كفلها بضمانات قانونية.

و ماهي الآثار المترتبة عن هذه القسمة ؟

هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال الخطة الآتي بيانها:

 

  الفصل الأول: القسمة الاتفاقية و القسمة القضائية.

     المبحث الأول: القسمة الاتفاقية (الرضائية).

        المطلب الأول: الطبيعة القانونية للقسمة الاتفاقية و كيفية إجرائها.

           الفرع الأول: القسمة الاتفاقية عقد تسري عليه أحكام سائر العقود.

           الفرع الثاني: حالة وجود ناقص الأهلية أو غائب بين الشركاء

        المطلب الثاني: الطعن في القسمة الاتفاقية.

           الفرع الأول: نقض القسمة الاتفاقية بسبب الغبن.

           الفرع الثاني: دعوى نقض القسمة للغبن و الآثار المترتبة عليها.

     المبحث الثاني: القسمة القضائية.

        المطلب الأول: الخصوم في دعاوى القسمة.

           الفرع الأول: الشركاء في الشيوع.

           الفرع الثاني: دائني الشركاء.

    

   

المطلب الثاني: المحكمة المختصة بنظر دعاوى القسمة.

           الفرع الأول: الاختصاص في دعاوى القسمة.

           الفرع الثاني: الإجراءات المتبعة أثناء سير الدعوى.

الفصل الثاني: كيفية إجراء القسمة و الآثار المترتبة عليها.

     المبحث الأول: كيفية إجراء القسمة.

   المطلب الأول: القسمة العينية.

           الفرع الأول: مراحل القسمة العينية.

           الفرع الثاني: طرق إجراء القسمة العينية

   المطلب الثاني: القسمة بطريق التصفية.

           الفرع الأول: اقتصار المزايدة على الشركاء فقط.

           الفرع الثاني: كيفية التصفية في حالة وجود ناقص الأهلية أو غائب مع الشركاء.

     المبحث الثاني: آثار القسمة.

   المطلب الأول: الأثر الكاشف للقسمة.

           الفرع الأول: نطاق تطبيق الأثر الكاشف.

           الفرع الثاني: النتائج المترتبة على الأثر الكاشف.

   المطلب الثاني: ضمان التعرض و الاستحقاق.

           الفرع الأول: شروط الضمان في القسمة.

           الفرع الثاني: آثار تحقق الضمان.

الخاتمة.

 

 


الفصل الأول القسمة الاتفاقية و القسمة القضائية.

للقسمة النهائية باعتبارها قسمة ملك، صورتان إمّا قسمة اتفاقية و إما قسمة قضائية, و قد تكون القسمة واردة على جميع الأموال الشائعة فتعتبر قسمة كلية تحدد فيها نصيبا مفرزًا لكل شريك من مجموع الأموال الشائعة و هذا ما يعتبر الأصل فيها.

و قد تكون جزئية فتشمل جزءا فقط من المال الشائع، فتحدد لكل شريك جزء مفرزًا مع بقاء جزء من الأموال مملكوك على الشيوع.

كما قد تكون قسمة عينية فيأخذ كل شريك نصيبه المفرز عينا، و في حالة ما إذا كانت هذه القسمة غيـر ممكنة لسبب يرجع إلى طبيعة المال تكون القسمة بطريقة التصفية، فيباع المشاع و يقتسم الشركاء ثمن البيع كلٌ حسب حصته.

فالبقاء في الشيوع أمرٌ غير مرغوب فيه لكثرة ما ينجر عنه من خلافات بين الشركاء المشتاعين، خاصة من حيث إدارة هذا المال، لذلك كان الأصل هو عدم إجبار الشريك على البقاء في الشيوع إلا بموجب نص قانوني أو اتفاق، و هو ما نصت عليه المادة 722 من القانون المدني، و ما أكدتّه المحكمة العليا في العديد من قراراتها.

لذا سنخصص الفصل الأول لدراسة القسمة النهائية سواء كانت اتفاقية (مبحث أول) أو كانت قضائية (مبحث ثان).

 

 

 

المبحث الأول:القسمة الاتفاقية، إجرائتها و الطعن فيها.

لقد نص المشرع الجزائري على هذه الصورة من صور القسمة في المادة 723 من القانون المدني حيث تنّص " يستطيع الشركاء إذا انعقد اجماعهم أن يقسموا المال المشاع بالطريقة التي يرونها، فإذا كان بينهم من هو ناقص الأهلية وجب مراعاة الإجراءات الخاصة التي يفرضها القانون."

فالقسمة الاتفاقية هي اتفاق يبرمه الشركاء فيما بينهم لإنهاء حالة الشيوع، فما هي الطبيعة القانونية  لهذا الاتفاق و كيف يتم تنفيذه؟ (مطلب أول)، و في حالة عدم تحقق المساواة بين أطراف هذا الإتفاق فإنّ القانون أجاز للأطراف الطعن فيه(مطلب ثان).

المطلب الأول: الطبيعة القانونية للقسمة الاتفاقية و كيفية إجرائها.

ما يستنتج من نص المادة 723 ق م ج أن القسمة الاتفاقية هي عقد أطرافه هم الشركاء المشتاعون، و محله هو المال الشائع و سببه هو إنهاء حالة الشيوع.

فالقسمة الاتفاقية باعتبارها عقد وجب أن تسري عليها أحكام سائر العقود (فرع أول)، مع مراعاة حالة وجود ناقص الأهلية أو غائب بين الشركاء (فرع ثان).

الفرع الأول: القسمة الاتفاقية عقد تسري عليه أحكام سائر العقود.

لما كانت القسمة الاتفاقية، اتفاق تعاقدي يبرمه الشركاء بهدف إنهاء حالة الشيوع القائمة بينهم فإن هذا الاتفاق يخضع في انعقاده لما تخضع له سائر العقود، فلا بد من تراضي الشركاء جميعاً، و لا بد من توافر أهلية التصرف فيهم، و بالإضافة إلى ذلك وجب أن تكون إراداتهم سليمة خالية من العيوب التي تشوبها.

و محل هذا العقد هو المال الشائع الذي تعود ملكيته إلى جميع الشركاء و بالتالي فإن حق الاستغلال و حق الاستعمال و حق التصرف يعود لهم جميعاً.

كذلك فالقسمة الاتفاقية قد تكون قسمة صريحة أو قسمة فعلية أجمع عليها الشركاء إجماعاً ضمنياً و ليس صراحة، فيتصرف الشريك في جزء مفرز من المال الشائع بما يعادل حصته، و كذلك يتصرف باقي الشركاء كلٌ في جزء مفرز يعادل حصتهم كذلك، فيستخلص من ذلك ضمناً أنّهم ارتضوا قسمة المال الشائع بينهم، والاتفاق الضمني يستخلص من ظروف الحال، و هو يختلف عن المهايأة المكانية التي تنقلب إلى قسمة نهائية بمضي خمسة عشر(15) سنة، كون هذه الأخيرة وقعت بقوة القانون و ليس بالاتفاق(1).

وأذا اتفق بعض الشركاء على القسمة يبقى اتفاقهم قائمأ, فإذا أقرها باقي الشركاء نفذت في حقهم, فهي بالنسبة لهم تعتبر إيجابأ موجهأ لهم, ويبقى هذا الإيجاب قائمأ طيلة المدة المتفق عليها, وإذا لم تحدد مدة لذلك فإنه يبقى قائمأ لمدة معقولة تستنتج حسب ظروف الحال  وطبيعة المعاملة, عملأ بنص المادة 63 من ق م.  

كذلك فإنه يجوز تعليق القسمة الاتفاقية على شرط واقف, كأن يتفق الشركاء على تعليقها على ثبوت ملكية عينٍ لهم, أو تعليقها على شرطٍ فاسخٍ, كأن يتفق الشركاء على إنفساخ القسمة إذا لم يقر بها باقي الشركاء.

وعقد القسمة من العقود التبادلية التّي تتقابل فيها الحقوق والإلتزامات, وهي كذلك من التصرفات المالية الدائرة بين النفع والضرر, لذلك لا تكفي الوكالة العامة في ابرامها نيابة عن الأصيل، و إنما يجب توافر وكالة خاصة(2).

و تخضع القسمة الاتفاقية إلى القواعد العامة في الإثبات، فإذا زادت قسمة المال الشائع محل القسمة على مائة ألف (دج)، فلا يجوز إثباتها إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها، و إذا قلت عن ذلك فيجوز إثباتها بالبينة و القرائن طبقا للمادة 333 ق م ج.

كما سبق التطـرق إليه فإن القسمة الاتفاقية عقـد تسري عليه القواعـد العامة التي تحكم العقود، و هذا ما يجعل للشركاء الحرية في اختيار طريقة القسمة، غير أن هذا الاختيار مرتبط بإتباع بعض الإجراءات و هذا متى كان المال المشاع المراد قسمته عقاراً.

أولاً: للشركاء اختيار طريقة إجراء القسمة:

     يختار الشركاء الطريقة التي تتم بها قسمة المال الشائع، إما عيناً فيفرزون نصيب كل منهم عيناً في المـال الشائع، و قد تكون هذه القسمة العينية بمعدل أو بغير معدل، كما لهم الاختيـار   

(1) د/ عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني الجديد, الجزء الثامن، حق الملكية- منشورات الحلبي           الحقوقية- ص 894.

(2)  أ/محمد عزمي البكري: قسمة المال الشائع, أحكام دعوى الفرز والتجنيب-دار الفكر العربي- ط الثالثة-1994 –ص48 .

أن تكون القسمة عينية كلية شاملة لجميع المال الشائع, أو أن تكون جزئية فيبقون بعض المـال في الشيوع و يفرزون نصيب كل منهم في المال الباقي, أو يتفقون على تجنيب جزء مفرز من المال الشائع نصيبا لأحدهم و يستمر الباقون في الشيوع فيما بقي من المال بعد التجنيب.

و قـد يتفق الشركاء على أن تتم القسمة بطريقة التصفية، خاصة إذا تعـذر قسمة المـال الشائع عيناً، فيبيعون كل المال أو بعضه بالممارسة إذا أجمعوا على ذلك أو في المزاد إذا اختلفوا، و يقسمون ثمن البيع كلٌ حسب نصيبه المقابل لحصته.

و إذا اتفق الشركاء على البيع بالمزاد العلني جاز لهم حصر المزايدة فيهم فقط إذا أجمعوا على ذلك، و إذا لم يتفقوا جاز للأجانب عنهم أن يشاركوا في المزايدة، و في جميع الأحوال إذا رسى المزاد على شريك أُعتبر قسمة ًبطريق التصفية, أمّا إذا رسى المزاد على أجنبي أُعتبر رسو المزاد بيعاً لا قسمة ً(1).

ثانيا: الإجراءات القانونية في القسمة الاتفاقية للعقار.

لما كانت القسمة عقد تسري عليه الأحكام العامة المطبقة في العقود، فإن الاتفاق الوارد على قسمة عقار يجب أن يخضع للشكلية المطلوبة طبقا للمادة 324 مكرر1 ق م ج. فعقد القسمة في هذه الحالة يحرره موثق، و هو من يقوم بإجراءاتها في غالب الأحيان. فتتم هذه القسمة بإعداد مخطط لموقع الأمكنة و هذا بالرجوع إلى مخطط مسح الأراضي للمنطقة الموجود بها العقار.

و بعد الإطلاع على وثائق الملكية الشائعة و شهادة السلبية، يقوم خبير عقاري بإعداد مشروع القسمة الذي اتفق عليه الشركاء على خمس نسخ.

فإشتراط رخصة التجزئة لكل تقسيم إلى قطعتين أو أكثر في ملكية عقارية واحدة أو عدّة ملكيات مهما كان موقعها على أن يكون محل التجزئة هو أرض عارية و الهدف منها هو تشييد بناية عليها.

أما شهادة التقسيم فهي وثيقة تبين إمكانية تقسيم ملكية عقارية مبنية إلى قسمين أو أكثر،وإذا

كانت عمارة مجزئة فالمطلوب هنا هو إعداد جدول وصفـي للتقسيـم « Etat Descriptif » دون

(1) د/ حسن كيرة: الحقوق العينة الأصلية، أحكامها ومصادرها-دار الفكر العربي- ص 194.

الحاجة إلى شهادة التقسيم(1).

و الرخصة المسبقة سواء كانت رخصة تجزئة أو شهادة التقسيم يجب إشهارها بالمحافظة العقارية، لأن لهذا الشهر أثر قانوني و هو اختفاء وحدة  عقارية و إنشاء وحدتين أو عدة وحدات عقارية جديدة، و هو ما نصت عليه المادة 28 من المرسوم التنفيذي 91/176 المتعلق بكيفية تحضير شهادة التعمير ورخصة التجزئة وشهادة التقسيم.

أما إذا كان المال المشاع عقاراً فلاحياً، فإنّ المشرع وضع قيوداً على القسمة، فنصت المادة 55 من قانون التوجيه العقاري " ...لا تلحق هذه المعاملات المختلفة، ضررا بقابلية الأرض للاستثمار و لا تؤدي إلى تغير وجهتها الفلاحية، و لا تتسبب في تكوين الأراضي قد يتعارض حجمها مع مقاييس التوجيه العقـاري و برامجه..."، فالمشرع و بهدف حماية الوجهة الفلاحية للعقار تدخل و حد من سلطة الملاك في قسمة الأراضي الفلاحية، فتكون هـذه القسمة باطلة، و هذا  متى أدت إلى إنشاء وحدات عقارية تتعارض مساحتها مع مقاييس التوجيه العقاري.

و تطبيقا لهذا المبدأ صدر المرسوم التنفيذي 97-490  والذي حدد شروط عملية تجزئة العقار الفلاحي و هي:

- أن لا يقل الجزء المفرز لأصغر نصيب عن المساحة المرجعية المحددة بالمادة 3 من لمرسوم 97-490(2).

- يجب أن يحصل المتقاسمين على رخصة تقسيم الأراضي الفلاحية و هي رخصة تثبت قابلية الأرض الفلاحية للقسمة العينية، و تقدم هذه الرخصة من قبل مصالح مديرية الفلاحة على مستوى الولاية.

بنـاءا على مخطط الأمكنة و مخطط القسمة الودية و ترخيص الإدارة المختصة كما سبق بيانه, يقوم الموثق بعد التأكد من هوية الشركاء و أهليتهم بتحرير عقد القسمة ثم يسجله و يشهره بالمحافظة العقارية.


 


(1) أ/ حمدي باشا عمر: نقل الملكية العقارية- دار هومة - ص 91.

(2) أنظر الملحق .

للإشارة فإن شهر عقد القسمة مختلف عن شهر رخصة التجزئة أو شهادة التقسيم، فشهر عقد القسمة يهدف إلى شهر الحقوق العينية الأصلية الواردة على كل جزء مفرز مع ذكر هوية مالكه الجديد، خلافا لرخصة التجزئة أو شهادة التقسيم التي يكون الهدف منها هو إنشاء بطاقة عقارية للأجزاء الجديدة لكن الملكية تبقى على الشيوع.

الفرع الثاني: حالة وجود ناقص الأهلية أو غائب بين الشركاء.


حتى تكون القسمة سليمة، فإن المادة 723 ق م ج تلـزم مراعاة الإجراءات التي يفرضها القانون، متى كان أحد الشركاء ناقص الأهلية.

غير أن هذه المادة أغفلت الغائب، مع أن قانون الأسرة يعتبره في حكم ناقص الأهلية أثناء تمثيله قـانوناً، كما أنها أوجبت مراعـاة الإجراءات التي يفرضها القانون دون ذكـر هذه الإجراءات و دون ذكر القانون المقصود، فهل المقصود أن تكون القسمة قضائية؟.

فصياغة هذه المادة تمت بأسلوب عام, الأمر الذي جعل فهمها صعب، فهي منقولة من القانون المصري، و القانون المطبق في مصر في مثل هذه الحالات هو قانون الولاية العامة(1) , فبينت الإجراءات المتبعة حماية للقصر و من في حكمهم.

على خلاف هذا فإن قانون الأسرة الجزائري جاء خاليا من هذه الإجراءات، ونص على الإجراءات التي يفرضها القانون على الولي أو الوصي أو المقدم و هو الحصول على الإذن المسبق من القاضي في كل تصرف يتعلق ببيع العقار أو قسمته، طبقا للمادة 88 قانون للأسرة بالنسبة للولي, و المادتين 95 و100 فيما يتعلق بالوصي و المقدم؛ غير أن هذا القانون لم يحدد القاضي المختص بمنح الإذن في مثل هذه الحالات، فهل هو قاضي شؤون الأسرة، أم رئيس المحكمة.

و إذا حاولنا إعطاء تفسير لنص المادة 88 من قانون الأسرة و إسقاطه على حالة القسمة الاتفاقية، سنخلص إلى أن هذه القسمة تخضع إلى رقابة رئيس المحكمة، إذ أنّه المخول بمنح الإذن، باعتبار ذلك يدخل ضمن اختصاصاته الولائية التي تهدف إلى مراعاة مصلحة ناقص الأهلية أو الغائب.

(1) د/ توفيق حسن فرج: الحقوق العينية الأصلية-المكتبة القانونية- ص224 .

 

فإذا حصل اتفاق مبدئي على القسمة بين الشركاء والممثل القانوني لناقص الأهلية أو الغائب، فإن على هذا الأخير أن يتصل برئيس المحكمة و يعرض عليه الأمر، فإذا كانت القسمة غير ضارة بمصلحة ناقص الأهلية أو الغائب، يأذن رئيس المحكمة مبدئيا للممثل القانوني بأن يباشر مع الشركاء إعداد مشروع قسمة بواسطة خبير عقاري معتمد.

و بعد إنجاز مشروع القسمة يعيده إلى رئيس المحكمة فيصادق على التقرير إذا رأى أنه يراعي مصلحة ناقص الأهلية أو الغائب, و يمنح الإذن لهذا الممثل القانوني حتى يتم أفراغ تقرير القسمة في عقد رسمي أمام الموثق طبقا للقانون.

و من المستحسن أن يقوم رئيس المحكمة بالاطلاع على العقد النهائي للقسمة لمراقبة مدى تطابقه مع التقرير التقني الذي صادق عليه، و هي رقابة لاحقة.

غير أن المشرع نص صراحة في المادة 181 من قانون الأسرة على وجوب أن تكون القسمة قضائية في التركات، متى وجد قاصر بين الورثة.

هذا النص لم يحسم مسألة القسمة الواجبة الإتباع بصفة كلية، فهل يفهم منه بمفهوم المخالفة أن ما ليس تركة تجوز فيه القسمة الاتفاقية؟, حتى و إن كان أحد الشركاء ناقص الأهلية أو من في حكمه، ممّا يجعل الممثل القانوني يتبع الإجراءات المذكورة أعلاه، و هذا على اعتبار أنه ليس كل مشاع مصدره تركة.

و هل يفهم من باب أولى وجوب إجراء القسمة عن طريق القضاء؟, حتى و إن كان المال الشائع ليس تركة، على اعتبار أن كل تركة هي شيوع.

هذا ما جعل المحاكم تختلف في تطبيقاتها لمثل هذه الحالات.

المطلب الثاني: الطعن في القسمة الاتفاقية.
لأن القسمة الاتفاقية عقد تسري عليه أحكام سائر العقود، فإن أوجه الطعن فيها هي نفس أوجه الطعن المطبقة على سائر العقود, فيطعن فيها بالبطلان المطلق، كما إذا اتفق الورثة على قسمة تركة مستقبلية أي قبل وفاة مورثهم، هنا يجوز لكل ذي مصلحة أن يطعن فيها بالبطلان(1).

(1) انظر المواد 92 و ما يليها من ق م ج.

 

و قد يطعن في القسمة الاتفاقية إذا كان المال المراد قسمته مخالفاً للنظام العام طبقا للمادة 96 ق م ج كأن يكون هذا المال بضاعة محظورة حضرا مطلقا في النظام القانوني.

وقد يطعن فيها بالإبطال لنقص الأهلية، كأن يكون أحد الشركاء ناقص الأهلية أو غائب و لم تراع الإجراءات التي سبق ذكرها.

كذلك يمكن الطعن في القسمة الاتفاقية بالإبطال لعيب من عيوب الإرادة، فإذا شاب إرادة أحد الشركاء أو جمع منهم عيب من عيوب الإرادة كالغلط، كان لذوي الشأن أن يطلبوا إبطال القسمة للغلط، كما لو وقع الشركاء مثلا في غلط جوهري في قيمة عين من أعيان الأموال الشائعة، بأن قدرت قيمتها بأقل من القيمة الحقيقة أو بأكثر منها إلى حد أثناء القسمة بأكثر من قيمتها، طلب إبطال القسمة الاتفاقية للغلط، كما يجوز للشركاء الآخرين إذا قدرت قيمة هذه العين بأقل من قيمتها، طلب إبطال القسمة للغلط كذلك(1).

و يجـوز طلب إبطال القسمة الاتفاقية لتدليسٍ أو إكراهٍ أو لغبنٍ، غير أن المشرع الجزائري و على غرار المشرع المصري، خصص للغبن أحكاما خاصة في حالة قسمة المال الشائع بالتراضي، خلافا للغبن المنصوص عليه في القواعد العامة (فرع أول)، كما أفرد أحكامأ خاصة تحكم سير الدعوى و رتب آثارأ خاصة لهذا النوع من الغبن (فرع ثان).

الفرع الأول: نقض القسمة الاتفاقية بسبب الغبن.


الغبن La Lésion هو عدم التعادل بين ما يأخذه العاقد و ما يعطيه و بمعنى آخر فهو الخسارة التي تلحق أحد المتعاقدين(2).

و إن كان المشرع الجزائري لم ينص على الغبن المجرد من الاستغلال كعيب من عيوب الإرادة، في القسم المتعلق لشروط العقد في التقنين المدني، إلا أنه اعتبره كذلك في حالات معينة منها حالة البيع, و حالة القسمة الاتفاقية، و هذا بموجب نصوص خاصة، حيث تنص المادة 732 ق م ج:" يجوز نقض القسمة الحاصلة بالتراضي إذا أثبت أحـد المتقاسمين أنه لحقه منها غبن يزيد على الخُمُسْ، على أن تكون العبرة في التقدير بقسمة الشيء وقت القسمة...".


 


(1) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 898.

(2) د/ محمد صبري السعدي: شرح قانون المدني الجزائري، النظرية العامة للالتزامات- ص182.

ما يلاحظ أن نقض القسمة للغبن مقصور على القسمة الاتفاقية فقط، والمقصود هنا هو الغبن في ذاته دون أن يصطحبه تدليس أو غلط، فإذا بلغ الحد المنصوص عليه قانونا، يجعــل عقد القسمة قابلاً للإبطال، حتّى و لو لم يكن نتيجة لطيش بيِّنٍ أو هوىً جامح.

فهنا يكون المشرع قد راعى وظيفة القسمة التي تقتضي أن يسود مبدأ المساواة و العدالة في حصول كل متقاسم على نصيبه الذي يعادل حصته(1).

فنقض القسمة للغبن يغني عن إبطالها للغلط في قيمة الشيء(2)، أمّا الخطأ في الحساب فلا يترتب عليه القابلية للإبطال للغلط و لا نقض القسمة للغبن، و لكن يجب تصحيحه، و لو كانت الخسارة المترتبة عليه تساوي الخُمْس أو تقل عن ذلك و هذا طبقا للمادة 84 ق م ج, غير أن الغلط في الحساب قد يؤدي إلى الغلط في الصفة الجوهرية للشيء متى كان هذا الغلط دافعا للتعاقد، و مثالها بيع الوارث لحصته في التركة، فقد يكون الغلط في مقدار هذه الحصة راجعٌ إلى خطأ أثناء تحديد الأنصبة، و بهذا تكون الإرادة معيبة هنا(3).

فالغبن المنصوص عليه في المادة 732 ق م ج هو عيب من عيوب الإرادة سواء كان المال المراد قسمته عقاراً أو منقولاً، و هذا خلافأ للغبن في عقد البيع و الذي لا ينصبُ إلاّ على العقارات (مادة 358 ق م ج), فالقانون جعل الغبن في حـد ذاته أي مجردا من الاستغلال المادي، كاف وحده لجعل عقد القسمة قابلا للإبطال، بناءاً على طلب الشريك المغبون.

و لما كان عقد القسمة قابلا للإبطال، فإن للشريك الذي تقرر لمصلحته هذا الإبطال حق إجازة هذا العقد، فيصبح عقد القسمة بعد الإجازة غير قابل للنقض بالغبن، و تستقر القسمة بعد هذه الإجازة، و قد تكون الإجازة ضمنية إذا نفذ الشريك المغبون عقد القسمة تنفيذاً إختيارياً بعد علمه بالغبن الذي لحق به، أمّا إذا نفذ القسمة دون علمه بالغبن الذي لحقه فلا يعتبر تنفيذه هذا إجازةً ضمنية ًمنه.

و لمعرفة وقوع الغبن من عدمه يجب تقديره و حسابه (أولا)، إلاّ أنه هناك صور من القسمة لا يجوز الطعن فيها بالغبن (ثانيا).


 


(1) د/ رمضان أبو السعود، الوجيز في الحقوق العينية الأصلية- منشورات الحلبي الحقوقية-ط2002- ص551.

(2) الفرق بين الوسيلتين: فالغلط في القيمة لا يشترط فيه نصاب معين كما أشترط في الغبن، و مدة رفع دعوى الغبن هي سنة واحدة من تاريخ القسمة, أما مدة رفع دعوى الغلط هي عشرة سنوات من تاريخ اكتشافه.

(3) د/ محمد صبري السعدي، المرجع السابق، ص180.

أولا: مقدار الغبن و كيفية حسابه.

نصت المادة 732 من ق م ج فقرة 1 على أن مقدار الغبن يجب أن يزيد عـن الخُمــس و تكون العبرة في التقدير بقيمة الشيء وقت القسمة، فالمشرع الجزائري اعتمد نسبة الخُمُسْ أسوة بالمشرع المصري و الذي أخذها بدوره من الشريعة الإسلامية(1). و لمعرفة مدى وقوع الغبن، يجب تقدير نصيب كل من الشركاء في هذا المال.

يتم تقديرالمال الشائع بواسطة خبير، أمّا التقدير الوارد في عقد القسمة لا يعتد به- إلا في مجال المقارنة - ثم تقدر قيمة نصيب كل شريك في هذا المال، و بعدها تتم مقارنة قيمة نصيب الشريك الحقيقية مع تلك التي تحصل عليها بعد القسمة.

و إذا كان الفرق بين القيمة الحقيقية لنصيب الشريك و قيمة ما تحصل عليه يزيد عن الخُمُسْ كان هذا الشريك ضحية غبن في القسمة.

فإذا افترضنا أن القيمة الحقيقية للمال الشائع وقت القسمة هي خمسون ألف (50.000) دج   و كان هناك خمس الشركاء يملكون حصصهم بالتساوي، كانت القيمة الحقيقية للنصيب المفرز لكل شريك هي عشرة ألاف (10.000) دج.

و حتى يعتبر الشريك مغبونأ يجب أن تنزل قيمة نصيبه المفرز بعد القسمة عن أربعة أخماس القيمة الحقيقية لنصيبه المفرز, أي أقل من ثمانية ألاف (8.000) دج، أمّا إذا كانت مساوية أو أكثر فلا يجوز له نقض القسمة الاتفاقية للغبن، و في هذا الصدد صدر قرار عن المحكمة العليا - المجلس الأعلى سابقا- بتاريخ 14/04/1982 تحت رقم 19926، أهم ما جاء فيه:"حيث أن التقرير الذي صادق عليه قضاة الموضوع اكتفى بتقييم أموال التركة بصفة إجمالية و قارنها بقيمة نفس الأموال التي جاءت في تقرير القسمة، فكان ينبغي على الخبير أن يقوم:

أولا: تقييم أموال التركة وقت القسمة، و نصيب الشريك المغبون.

ثانيا: تقييم قيمة نصيب الشريك المغبون  حسب القيمة.

ثم يجري مقارنة بين القيمتين لمعرفة ما إذا كان الشريك المدعي قد لحقه غبن..."(2).


 


(1) د/ عبد الناصر توفيق العطار: شرح أحكام حق الملكية-دار الفكر العربي- ط1991- ص 138.

(2) نشرة القضاة، عدد خاص -سنة 1982- ص 111.

و العبرة بالغبن الواقع على كل شريك على حدى، و ليس على مجموعة من الشركاء، فإذا افترضنا نفس المثال السابق، خمس شركاء متساوين في الحصص، حصة كل شريك بعد القسمة هي 10.000 دج عشرة آلاف. و لو كان نصيب ما تحصل عليه أحد الشركاء هو 8.000 ثمانية ألاف دج فنحن لسنا بصدد غبن.

كذلك الحال فلو كان نصيب أربعة شركاء هو ثمانية آلاف دج للواحد منهم، و بالتالي فنصيب الشريك الخامس هو ثمانية عشر ألف( 18.000) دج، و هنا كذلك لسنا بصدد غبن لأنه لم يلحق أحداً من الشركاء على حدى.

غير أنه يعتبر الشريك مغبونأ إذا كان مجموع ما أصابه من غبن يزيد عن الخُمْس في جميع الأعيان التي وقعت في نصيبه(1). فلـو وقع في نصيبه منزل قيمته الحقيقية هي مليـون دج لكنه قـدر له بمليون و خمس مائة ألف دج، فكان مغبونا في المنزل بمقـدار خمس مائة ألف دج، و وقع في نصيبه كذلك قطعة أرض قيمتها الحقيقية مليون و مائتي ألف دج, لكنها قدرت أثناء القسمة بمليون دج فهنا يكون قد كسب في الأرض مائتي ألف دج، و ما كسبه في الأرض يستنزل به ما خسره في المنزل, و بالتالي يكون ما لحقه من خسارة هنا هي ثلاث مائة ألف دج و هذا المقدار لا يزيد عن خُمْس القيمة الحقيقية لمجموع المال الشائع فلا يوجد غبن في هذه الحالة.

أما إذا زاد الفرق عن الخُمْس، جاز للشريك الطعن في القسمة للغبن، و هنا يتم نقض جميع القسمة ما زاد فيها الغبن عن الخُمْس و ما لم يزد عن ذلك، لأن هذه العقود تعتبر مراحل متعاقبة من قسمة واحدة(2).

ثانيا: أنواع القسمة التي يجوز فيها النقض بالغبن.


نقض القسمة للغبن يكون في القسمة الاتفاقية فقط دون القسمة القضائية، لأن من المفروض أن هذه القسمة قد أحيطت بالضمانات و رعيت فيها الإجراءات التي تكفل عدالتها أو على الأقل ترفع الغبن عن المتقاسمين(3) .


 


(1) د/ عبد الرزاق السنهوري: مرجع السابق – ص 904 .

(2) أ/ محمد عزمي البكري : المرجع السابق-  ص 90 .

(3) د/ توفيق حسن فرج: المرجع السابق- ص225 .

يجوز الطعن في القسمة الاتفاقية للغبن سواء كانت قسمة كلية أو جزئية عينية ً أو بطريق التصفية، و الغبن المعتبر في هذه الأخيرة هو الغبن في قسمة الثَمن بين الشركاء، و ليس الغبن في بيع المال الشائع لأجنبي.

غير أنه إذا كان المشتري في قسمة التصفية هو احد الشركاء على الشيوع، فيعتد بالغبن لأننا هنا بصدد قسمة اتفاقية بطريق التصفية، إذا أن البيع هنا يعتبر قسمة، فإذا اشترى أحد الشركاء في الشيوع المال الشائع بأقل من أربعة أخماس القيمة الحقيقية أصبح لكل شريك من الشركاء حق نقض القسمة للغبن, أمّا إذا تمت القسمة بطريق التصفية بالمزاد العلني  فرسى المزاد على شريك فإنه لا يجوز نقضها لغبن حتى و إن كانت المزايدة مقتصرة على الشركاء وحدهم و ذلك بالرجوع إلى القواعد العامة مادة 360 ق م ج.

و تنص المادة 732 ق م ج في فقرتها الثانية :" ...يجب أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة، و للمدعى عليه أن يوقف سيرها و يمنع القسمة من جديد إذا أكمل للمدعي نقداً أو عينا ما نقص من حصته".

فهذه الدعوى يجب أن ترفع من خلال سنة من بوم القسمة و إلا كانت غير مقبولة، و مدة سنة في هذه الحالة هي ميعاد إسقاط و ليست مدة تقادم(1) و هذا بخالف نص المادة 359 ق م ج التي تنص:" تسقط بالتقادم دعوى تكملة الثمن بسبب الغبن إذا انقضت ثلاث سنوات من يوم انعقاد البيع....".

فمدة سنة التي يجب أن ترفع فيها دعوى نقض القسمة للغبن هي ميعاد لرفع الدعوى تحت طائلة سقوط الحق في رفعها و ليست مدة تقادم الحق في رفع الدعوى(2).

و يبدأ حساب مهلة سنة من يوم تمام عقد القسمة، فإذا كان المال المقسوم عقارا تحسب المدة من تاريخ شهر عقد القسمة(3).

 


 


(1) ميعاد الإسقاط على خلاف مدة التقادم، لا ينقطع و لا يتوقف سريانه.

(2) أ/ فتحي حسن: الملكية بالميراث- ص 173

(3) أنظر المادة 15 من الأمر 75-74 المتعلق بالشهر العقاري.

و إذا كان المال المقسوم عقارات و منقولات فتحسب المدة من تاريخ إتمام أخر عقد للقسمة، لأن هذه العقود تعتبر مراحل متعاقبة في قسمة واحدة, على أن يتمَ الاعتماد في حساب المواعيد بالتقويم الميلادي طبقا للمادة 3 من ق م ج.

و يقع عبء إثبات الغبن على الشريك الذي يدعي ذلك، و يتم ذلك بكافة طرق الإثبات، لأن محل الإثبات هنا هو واقعة مادية, غير أنّه يأخذ بالغبن حتى و لو تمت القسمة الاتفاقية في صورة عقد مقايضة أو عقد صلح أو غير ذلك من الصور، لأن العبرة بحقيقية العقد و ليس بصورته(1).

غير أنه إذا تمت القسمة في صورة عقد احتمالي, فلا يصلح نقضها للغبن لأن العقود الاحتمالية غير قابلة للنقض بالغبن بطبيعتها، و مثال ذلك كأن يتقاسم شريكين منزلا فيتفقا على أن يفرز المنزل كنصيب لأحدهما على أن يمنح أحدهما للآخر كمعدل إيراداً مدى الحياة(2).

الفرع الثاني: دعوى نقض القسمة للغبن و الآثار المترتبة عليها.

إذا ما تحقق الغبن في القسمة على النحو الذي سبق بيانه جاز للمغبون رفع دعوى نقض القسمة حتى و لو كان المال المقسوم منقولا، فمن هم أطراف هذه الدعوى؟ و ما هي الآثار المترتبة عليها؟ و كيف يتم تفادي هذا الإبطال؟.

أولا: أطراف الدعوى و آثارها.

المدعي في هذه الدعوى هو الشريك الذي لحقه غبن فقط، لكن هذا الحق في الدعوى ينتقل إلى ورثة الشريك المغبون فيجوز لهم أن يرفعوا دعوى أو أن يواصلوا السير فيها، كما يجوز لدائني الشريك المغبون أن يرفعوا هذه الدعوى باسم مدينهم طبقا للمادة 189 و ما يليها ق م ج.

و المدعى عليهم في دعوى الغبن هم سائر الشركاء لأن دعوى الغبن قد تؤدي إلى إبطال القسمة الاتفاقية التي تمت بتراضي جميع الشركاء.

و بصدور الحكم  بإبطال القسمة أعتبرت كأنها لم تكن و تعود حالة الشيوع بين الشركاء كما كانت عليه و اعتبر المال المملوك للشركاء شائعا بينهم منذ بدء الشيوع  و كأنه لم ينقطـع,

(1) أ/ محمد عزمي البكري: المرجع السابق- ص 90 .

(2) د/ عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق- ص 906.

ويترتب عن هذا, حق لكل شريك في طلب القسمة من جديد.

كما يترتب عن نقض هذه القسمة إبطال تصرفات الشركاء في الأموال المفرزة، فتعود هذه الأموال إلى حالة الشيوع خالية من الحقوق التي ترتبت للغير، أما أعمال الإدارة فتبقى محتفظة بآثارها حتى بعد نقض القسمة(1).

ثانيا: توقي نقض القسمة للغبن.

تنص المادة 732 ق م ج في فقرتها الثانية:" ... للمدعى عليه أن يوقف سيرها و يمنع القسمة من جديد إذا أكمل للمدعي عينا أو نقدا ما نقص من حصته"

طبقا لهذه المادة يحق للمدعى عليه في دعوى نقض القسمة للغبن أن يوقف سيرهذه الدعوى و يمنع القسمة من جديد إذا أكمل للمدعي ما نقص من حصته نقداً أو عيناً.

هناك حالات أخرى تشابه حالة تفادي نقض القسمة للغبن، منها حالة الغبن عن طريق الاستغلال طبقاً للقواعد العامة، وهو ما نصت عليه المادة 90 من ق م ج و في هذه الحالة يجوز للمتعاقد المغبون أن يطلب إبطال العقد أو إنقاص  التزاماته.

غير أن إنقاص الالتزامات ليس بالضروري أن يتم إلى حد رفع الغبن عن المتعاقد المغبون كلياً، بل يكفي أن يرفع عنه الغبن الفاحش, و هو ما نصت عليه المادة 358 من ق م ج كذلك.

أما في حالة توقي نقض القسمة للغبن طبقا للمادة 732 فقرة 2 من ق م ج، فيجب إكمال الشريك المغبون ما نقص من حصته بالكامل إما نقداً أو عيناً، و السبب في ذلك أن البيع و أمثاله من التصرفات يعتبر من عقود المضاربة يحتمل فيها الغبن و يتسامح فيه إلى حد معين على خلاف القسمة التي تقـوم على أساس المساواة بين المتقاسمين، وإذا إختلت  هذه المساواة اختل عقد القسمة، فالمشرع تسامح في الغبن الذي لا يزيد عن الخمس حتى لا تكثر المنازعات(2)، لكنه تشدد متى زاد الغبن عن الخمس فأوجب إكمـال نصيب الشريك المغبون بما يساوي حصته تماما ً.

 


 


(1) د/ عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق -ص 907.

(2) د/ عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق- ص908.

و حساب ما نقص من حصة الشريك المغبون يعتد فيه بوقت القسمة لا بوقت الدفع، و يضاف إليه ثمرات الجزء الناقص أو فوائده من وقت القسمة، و إكمال نصيب الشريك المغبون هنا يمكن أن يتم عيناً أو نقداً، فالخيار للمدعى عليه في دعوى نقض القسمة، و إذا تعدد المدعى عليهم وجب أن يتفقوا على إكمال حصة المدعي المغبون عيناً أو نقداً و على مقدار ما يُكَمِّل النقص.

أما إذا اختلفوا على مبدأ إكمال حصة الشريك المغبون، و أكمله بعضهم فليس لهم الرجوع على من لم يوافقوا على هذا الإكمال, كذلك يجوز لدائني المدعى عليهم التدخل في دعوى نقض القسمة للغبن و عرض إكمال حصة الشريك المغبون نيابة عن مدينهم(1).

و للمدعى عليه في دعوى نقض القسمة للغبن أن يعرض إكمال ما نقص من حصة الشريك المغبون في أية حالة كانت عليها الدعوى، حتى أمام المجلس الناظر بالاستئناف، فهو حق مقرر قانونا له.

و يرى الأستاذ عبد الرزاق السنهوري، في شرحه للمادة 845 من القانون المدني المصري و التي تطابق المادة 732  ق م ج، على أنه يجوز عرض إكمال النقص حتى بعد صدور حكم نهائي ينقض القسمة الاتفاقية للغبن و إلى وقت إجراء قسمة جديدة، فيمنع إجرائها بعرضه إكمال حصة المدعي المغبون بالإضافة إلى الفوائد و الثمار و المصروفات التي تكبدها المدعي، مستدلاً بعبارة:" ....يوقف سيرها، و يمنع القسمة من جديد...".

ألاّ أننا نرى أن الحكم الصادر بنقض القسمة للغبن يقرر إبطالها, و كما هو معروف فالعقد الباطل من العدم، و بالتالي فحق المدعى عليه بتكملة النقص الذي أصاب المدعي ينقضي مع الحكم النهائي القاضي بإبطال هذه القسمة.

كما أن المقصود بمنع القسمة من جديد ليس القسمة الاتفاقية التي تلي القسمة التي تقـرَّر إبطالها, و إنما المقصود بها هي القسمة القضائية التي تكون بناءاً على طلب أضافي أثناء نظر الطلب الأصلي المتعلق بنقض القسمة للغبن.


 


(1) د/ عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق- ص908.

المبحث الثاني: القسمة القضائية.

إن المشرع لا ينظر إلى الشيوع نظرة تشجيع و ترحيب لأنه يشكل في غلب الأحيان عقبة في سبيل استغلال المال الشائع، استغلالا اقتصاديا على أحسن وجه.

و على أية حال إذا لم يكن الشركاء مجبرين على البقاء في الشيوع بمقتضى نص القانون أو باتفاق بينهم، جاز لهم و في أي وقت أن يطالبوا بالقسمة، لأن حق طلب القسمة لا يسقط بالتقادم مهما طالت مدة عدم استعماله، فهذا الحق مرتبط بوجود حالة الشيوع، ومتجددأ  باستمرارها(1), وإتفاق الشركاء على قسمة المهايأة الزمنية أو المكانية، لا يمنع من طلب إجراء القسمة, لأن قسمة المهايأة ليست إلا طريقأ من طرق تنظيم الإنتفاع بالمال الشائع.

و إذا كان الأصل في القسمة هو أن تتم باتفاق جميع الشركاء إلا أنه في كثير من الأحيان يتعذر الإجماع، و هنا لا طريقأ آخر لفض حالة الشيوع إلا باللجوء إلى القضاء،غير أنّه و في بعض الأحيان فإنّ القانون هو الذي يفرض على الشركاء أن تتم قسمة المشاع بواسطة القضاء(2), و على العموم فإن قسمة المال الشائع تكون قضائية في القانون الجزائري وفق ثلاث حالات:

·        الحالة الأولى: إذا لم يتفق الشركاء على القسمة الاتفاقية، و أراد أحدهم الخروج من حالة الشيوع، فهنا ليس أمامه إلا اللجوء إلى القضاء.

·        الحالة الثانية: إذا انعقد إجماع الشركاء على إجراء قسمة اتفاقية، و لكن كان بينهم ناقص الأهلية أو غائب و هنا الولي أو المقدم أو الوصي يستأذن القاضي، و يرفض القاضي منحه الإذن، و هنا كذلك وجب على الشركاء اللجوء إلى القضاء.

·        الحالة الثالثة: و هي الحالة التي نصت عليها المادة 181 قانون الأسرة المتعلقة بقسمة التركات، و التّي تفرض على الورثة المالكين على الشيوع أن تكون القسمة عن طريق القضاء, متى كان معهم وارث قاصر.

فالقسمة القضائية هنا تتم في صورة دعوى تسمى بدعوى القسمة، و لهذه القسمة أهمية بالغة لذا ارتأينا أن نخصص لها هذا المبحث و الذي سندرس من خلاله أطراف هذه الدعوى (مطلب أول)، و اختصاص الجهة القضائية للفصل في مثل هذه النزاعات (مطلب ثان).


 


(1) د/ حسن كيرة : المرجع السابق، ص196.

(2)  أنظر المادة 181 قانون الأسرة.

 

المطلب الأول: الخصوم في دعوى القسمة.

تنص المادة 724 من ق م ج :" إذا اختلف الشركاء في اقتسام المال الشائع فعلى من يريد الخروج من الشيوع يرفع دعوى على باقي الشركاء...".

فإذا لم يجمع الشركاء في الشيوع على القسمة الاتفاقية، جاز لأي منهم أن يرفع دعوى القسمة على باقي الشركاء، و في هذا الصدد صدر القرار رقم 47222 بتاريخ 07/12/1988 عن المجلس الأعلى سابقا، و أهم ما جاء في حيثياته:" إن اختلاف الشركاء في قسمة المال يلزم من يريد الخروج من الشيوع أن يرفع دعوى على جميع الشركاء، و لما صادق قضاة الاستئناف على حكم المحكمة التي منحت منابا لأحد الشركاء دون الآخرين، دون أن يدخلوا في خصام جميع ذوي الحقوق، فإنهم بقضائهم كما فعلوا خرقوا المادة 724 ق م يستوجب نقض القرار"(1).

الظاهر من هذه المادة أن دعوى القسمة لا ترفع إلا من شريك على باقي الشركاء     (فرع أول)، غير أنه يوجد أشخاص آخرين يمكنهم رفع دعوى القسمة متى كانت لديهم مصلحة قانونية(فرع ثانٍ).

الفرع الأول: الشركاء في الشيوع.

كل شريك يريد الخروج من حالة الشيوع يجوز له رفع دعوى القسمة و يكون المدعى عليهم في هذه الحالة باقي الشركاء، فجميع الشركاء خصوم في دعاوى القسمة، و في حالة ما إذا رفعت الدعوى على بعض الشركاء دون البعض جاز للمدعي إدخالهم في الخصومة، كما يجوز لهؤلاء أن يتدخلوا في الخصومة طبقا للمادة 81 و المادة 94 من ق إ م ج.

و إذا أُغْـفِل اختصام بعض الشركاء في الشيوع فإن الحكم الصادر لن يكـون حجة عليهم(2), وما على هؤلاء الشركاء إلا أن يعترضوا بطريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة طبقا للمادة 191 و ما يليها من ق إ م، كما أنه ليس للخصوم أن يدفعوا بعدم نفاذ الحكم بحجة أنه يوجد من الشركاء من لم يختصم في هذه الدعوى, فالشركاء المتخلفين عن الخصومة هم وحدهم الذين يتمسكون بعدم نفاذ الحكم في حقهم(3).

(1) المجلة القضائية سنة 1990 العدد الثاني ص 26.

(2) د/عبد المنعم فرج الصده: الحقوق العينية الأصلية- دار النهضة العربية- ص210.

(3) د/ عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق- ص913.

و إذا باع أحد الشركاء حصته الشائعة لأجنبي، فإن صفة الشريك في الشيوع تكون لهذا المشتري ما دام قد انتقلت إليه ملكية الحصة الشائعة قبل تمام القسمة، و بالتالي يكون لهذا المشتري صفة المدعي أو المدعى عليه في دعوى القسمة، أمّا إذا كان المال الشائع عقاراً فإن المشتري لحصة شائعة لا يصبح شريكاُ, حتى يشهر عقد البيع فتنتقل إليه الملكية طبقا للمادة 793 ق م ج.

أما إذا اشترى أجنبي جـزءأ مفرزأ من المال الشائع, فإنّ هذا الشـراء لا ينفذ في حق سائر الشـركاء، و هو لا يعتبر شريكا في الشيوع و بالتّالي فـلا يكسب الصفة لرفع دعـوى القسمة، و لا يصح اختصامه فيها، غير أنّه يمكنه رفع دعوى القسمة طبقا لقواعد الدعـوى غير المباشرة و هذا باعتباره دائنا للشريك(1)، و هو ما سنتطرق إليه فيما يلي:

الفرع الثاني: دائني الشركاء.

تنص المادة 729 ق م :" لدائني كل شريك أن يعارضوا في أن تتم القسمة عينا أو أن يباع المال بالمزاد العلني بغير تدخلهم و توجه المعارضة إلى كل الشركاء و يترتب عليها إلزامهم أن يدخلوا من عارض من الدائنين في جميع الإجـراءات، و إلا كانت القسمة غير نافـذة في حقهم و يجب على كل حال إدخال الدائنين المقيدة حقوقهم قبل رفع دعوى القسمة.

أما إذا تمت القسمة فليس للدائنين الذين لم يدخلوا فيها أن يطعنوا فيها إلا حالة الغش".

و تنص المادة 189 ق م ج :" لكل دائن و لو لم يحل أجل دينه أن يستعمل باسم مدينه جميع حقوق هذا المدين إلا ما كان منها خاصا  شخص أو غير قابل للحجز، و لا يكون استعمال الدائن لحقوق مقبولا، إلا إذا اثبت أن المدين أمسك عن استعمال هذه الحقوق و أن هذا الإمساك من شأنه أن يسب عسره أو يزيد فيه و لا يجب على الدائن أن يكلف مدينه بمطالبة حقه غير أنه لا بد أن يدخله في الخصام".

طبقا لهذه المواد فإن لدائني الشريك استعمال ما يبيحه القانون في سبيل حماية حقوقهم، فالمشرع قدر أن للدائنين مصلحة جدية في أن يتدخلوا في إجراءات القسمة لحماية أنفسهم من تواطؤ يتحمل وقوعه بين الشركاء.

(1) د/ عبد المنعم فرج الصده: المرجع السابق- ص210.

و الدائنون هنا هم دائني الشركاء أو كل شريك سـواء كان الدائن ذا حق شخصي أو حـق مقيد، و يستوي أن يكون الحق واقعا على المال الشائع المراد قسمته أو واقعا على غيره من أموال الشريك، فالدائن على هذا النحو يعنيه أن تتم القسمة دون الأضرار بمصالحه كأن يتفق الشركاء على أن يختص الشريك المدين بحصة عينية تقل عن نصيبه الحقيقي ثم يكمـل نصيبه نقدا، فيسهل للمدين تهريبها و يصعب على الدائنين الوصول إليها، أو كأن يباع المال الشائع بالمزاد و اقتصاره على الشركاء فقط الشيء الذي قد يجعل المزاد ضئيل و غيرها...

فإذا علم الدائن أن للمدين حصة في المال الشائع و كان الشيوع على وجه الانقضاء بالاتفاق على القسمة، جاز لهذا الدائن طلب التدخل في إجراء القسمة كمراقب فقط، وإذا لاحظ وجود إضرار بمصالحه جاز له اللجوء إلى القضاء لطلب القسمة القضائية و ذلك باستعماله طريق الدعوى الغير مباشرة.

كذلك يجوز له التدخل سواء أثنـاء مباشرة إجراءات القسمة القضائية، و هذا طبقا للمـادة 94 ق إ م ج، أو حتى بعد صدور الحكم فيها و هذا عن طريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة طبقا للمواد 191 و ما يليها من ق إ م .

أما الدائنين المقيدة حقوقهم فعلى الشركاء إدخالهم في دعوى القسمة دون حاجة إلى أن يوجهوا معارضة مسبقا، و هذا متى كانت حقوقهم مقيدة قبل رفع هذه الدعوى, و إلا كانت القسمة غير نافذة في حقهم إذا اثبتوا الضرر الذي لحقهم من هذه القسمة.

و للدائنين حق الرجوع على الشركاء متضامنين تعويضا للضرر الذي لحقهم من جراء هذه القسمة على أساس الخطأ الذي ارتكبوه و المتمثل في عدم إدخالهم في الخصام، كما يجوز للشركاء أن يمنحوا للدائن حقه، فلا تصبح له مصلحة في الطعن في القسمة, ثم يرجع هؤلاء الشركاء على الشريك المدين(1).

المطلب الثاني: المحكمة المختصة بنظر دعاوي القسمة.

لم يحدد قانون الإجراءات المدنية و لا القانون المدني حين تنظيمه لقواعد قسمة المال الشائع، المحكمة المختصة لنظر دعاوى القسمة و في غياب أي نصوص خاصة وجب الرجوع


 


(1) د/ عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق- ص 943.

إلى القواعد المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية (فرع أول)، أما إجراءات سير الدعوى فهي لا تختلف عن سائر الدعاوى(فرع ثان).

الفرع الأول: الاختصاص في دعاوي القسمة.

طبقا للمادة 8 من ق إ م ج فإن الاختصاص بنظر دعاوى القسمة يؤول إلى محكمة موطن أحد الشركاء و في حالة تعددهم فمحكمة موطن أحدهم, و هذا متى كانت الأموال الشائعة المراد قسمتها منقولة.

و إذا كانت الأموال الشائعة عقارات فإن الاختصاص بنظر دعوى القسمة يؤول إلى محكمة موقع العقار طبقا للمادة 8 فقرة الثانية من ق إ م, و في مواد الميراث باعتباره حالة شيوع فإن الاختصاص يؤول إلى محكمة مكان إفتتاح التركة.

الفرع الثاني: الإجراءات المتبعة أثناء سير الدعوى.
بمجرد رفع الدعوى تقوم المحكمة بمراقبة صحة التكليف بالحضور و دراسة طلبات الأطراف و تفحص كل الوثائق و لسيما تلك المبيّنة  للملكية الشائعة خاصة إذا تعلق الأمر بعقار، و تقوم المحكمة بتعين خبير لتقويم المال الشائع و إعداد مشروع قسمة، إذا كان المشاع قابلا للقسمة عينا، أما إذا كان المال الشائع غير قابل للقسمة تمت القسمة بطريق التصفية طبقا للمادة 728 ق م.

غير أنّ الإشكال يثار حول المحكمة المختصة هنا, خاصة إذا تبين استحالة القسمة عينا بعد مباشرة إجراءات دعوى القسمة بطريقة سليمة و مطابقة للقانون، و كمثال عن هذه الحالة، دعوى قسمة عقار لا يقع باختصاص محكمة مقر المجلس، فهنا لا يمكن معرفة مدى استحالة القسمة إلا بموجب تقرير خبرة, فكيف يفصل القاضي في قضية الرجوع بعد الخبرة ؟ خاصة إذا بينت الخبرة استحالة القسمة عينا، و بالتالي بيع المشاع, فهنا نكون بصدد تصورين:

الأول: أن يقضي القاضي بعدم اختصاصه النوعي ببيع المشاع طبقا للمادة 8 الفقرة الأخيرة من ق إ م و يستند في ذلك إلى الخبرة الشيء الذي يجعله يصادق عليها قبل الحكم بعدم اختصاصه.

الثانية: أن يقضي القاضي ببيع المشاع و هذا بعد المصادقة على تقرير الخبرة و يقوم القاضي بتعين محضر قضائي لتنفيذ الحكم طبقا للإجراءات المفروضة قانوناً، كما يحدد ما إذا كانت المزايدة محصورة على الشركاء فقط أو مفتوحة للأجانب.

فالمحضر القضائي المعين من المحكمة له الاختصاص بتنفيذ حكمها أمام محكمة مقر المجلس, و تبدأ إجراءات البيع بالاتصال برئيس المحكمة المختصة بالبيع و هي محكمة مقر المجلس و يطرح عليه القضية, و هذا بعد تشكيله للملف المتكون من الحكم القاضي بالبيع      و الفريضة إذا كان المشاع تركة.

و يكلف جميع الشركاء بالحضور و معهم المحضر لإعداد قائمة التوزيع و تحديد شروط البيع، ثم تباشر إجراءات البيع.

و هو الحل السليم و البسيط و الذي يسهل الإجراءات على المتقاضين.

 

 ↚
الفصل الثاني

كيفية إجراء القسمة والآثار المترتبة عليها

يتطلب إجراء القسمة في الغالب وقتا قد يطول وإلى حين الفصل في دعوى القسمة، فإن الأموال المراد قسمتها تظل مملوكة على الشيوع، غير أنه يمكن للشركاء أثناء سير دعوى القسمة و حفاظً على مصالحهم، أن يتفقوا على قسمة المال مهايأةً بينهم و هذا إلى غاية الفصل في دعوى القسمة.
و إذا تعذر اتفاق الشركاء على قسمة المهايأة المؤقتة جاز للقاضي أن يأمر بها متى طلب بها أحد الشركاء، و هذا على اعتبار أن قسمة المهايأة هي قسمة انتفاع و ليست قسمة ملك، و مادامت كذلك فلا يمكن منع الشخص من الانتفاع طالما كان مالكا للشيء.

سنتعرض في هذا الفصل للكيفية التي تتم بها القسمة القضائية (مبحث أول)، كما نتطرق إلى الآثار المترتبة على القسمة بعد نفاذها (مبحث ثاني).

 

المبحث الأول: كيفية إجراء القسمة.

يقوم القاضي بقسمة المال الشائع وفق ما نص عليه القانون المدني في المواد من  724 إلى 728 , فتكون القسمة عيناً فيختص كل شريك بنصيبه المفرز (مطلب أول)، و إذا كان المال الشائع لا يقبل القسمة العينية أو كان من شأن هذه القسمة أن تحدث نقص كبير في قيمة هذا المال، فتكون القسمة حينئذ بطرق التصفية (مطلب ثان).

المطلب الأول: القسمة العينية.

تنص المادة 724 ق م ج فقرتها الثانية:" تعين المحكمة إن رأت وجها لذلك خبيرا أو أكثر لتقويم المال الشائع و قسمة حصصا إن كان المال يقبل القسمة عينا دون أن يلحقه نقص كبير في قيمته".

فالأصل في القسمة هو أن تكون عينية و حينها يختص كل شريك بجزء مفرز من المال الشائع، و مادامت القسمة العينية ممكنة فهي وجوبية، متى تمسك بها أحد الأطراف و هو ما أكدته المحكمة العليا في قرارها رقم 201854 الصادر بتاريخ 27/09/2000 "لكن حيث أن م 728 ق م تشترط لبيع العقار بالمزاد العلني أن تكون القسمة مسجلة أو ينجر عنها انخفاض كبير في قيمة المال المراد قسمته.

و حيث أن العقار المشترك قابل للقسمة كما بينت الخبرة المنجزة، و أن قسمته لا تؤدي إلى انخفاض قيمته...."(1).

فالقاضي هو الذي يتولى القسمة بنفسه، و له في ذلك أن يعين خبيرأ، خاصة إذا كان المال المراد قسمته عقاراً, وللخبرة دورا كبيرا في هذا المجال فتهدف بذلك إلى تحقيق العدالة و فرض مبدأ المساواة في القسمة و بالتالي إرضاء جميع الخصوم.

و يجب على الخبير أن يقيِّم المال الشائع بصفة كليّة، و يقيِّم نصاب كل شريك و يقوم بقسمة المال على أساس أصغر نصيب للشركاء، و يمكنه أن يقترح مشروع قسمة يبيّن أساس اقتراحه.

و يجب على القاضي عند توزيعه الحصص أن يبين حصة كل شريك عيناً و ما يقابل قيمتها، و إذا كان المال المقسوم عقاراً وجب عليه ذكر معالم الحصة التي آلت إلى كل شريك و

(1) المجلة القضائية: عدد خاص بالغرفة العقارية، ص 274.و في نفس العدد نجد قرار رقم 242694.

قيمتها كذلك, حتى يتسنى تسجيلها و شهرها، و بالتّالي إمكانية تنفيذ الحكم القاضي بالقسمة و هو ما أكدته المحكمة العليا في قرارها رقم 201854 الصادر بتاريخ27/09/2000:                      " حيث أنه بالرجوع إلى الحكم المعاد و القرار المؤيد له نجد بالفعل أن المحكمة صادقت على تقرير الخبير، و تبنت مشروع القسمة المقترح من طرفه لكنها لم تحدد أنصبة الأطراف باعتبار أن موضوع النزاع هو إنهاء حالة الشيوع و تحديد نصيب كل وارث و أن مصادقة قضاة المجلس على حكم لا يمكن تنفيذه بدون تبرير أو القول بأن الخبرة أعطت كل وارث نصيبه، بدون أن يبينوا ذلك النصيب و لم يحددوه، يعتبر قصورا في التسبيب مما يؤدي إلى نقض و إبطال القرار المطعون فيه"(2).

لذا يتعين على القاضي أن يحدد مهام الخبير بدقة، فيأمره بتقويم المال الشائع و قسمته حصصا متساوية على أساس أصغر نصيب، فإذا كان هناك ثلاث شركاء مثلا و كانت أنصبتهم هي النصف، الثلث ,السدس، قسم المال أسداساً، و هو ما نصت عليه المادة 725 فقرة 1 من ق م

بعد تكوين الحصص كما سبق بيانه يقوم القاضي بتوزيعها على الشركاء كل بنسبة نصيبه في الشيوع، فتمر القسمة العينية بعدة مراحل (فرع أول) كما تتم بطريقتين و هما طريق الاقتراع و طريق المعدل (فرع ثان).

الفرع الأول: مراحل القسمة العينية.

بمجرد إعداد تقرير الخبرة و إيداعه بأمانة ضبط المحكمة يقوم من يهمه التعجيل برفع دعوى إرجاع بعد الخبرة، و على فرض أن الخبير قسم المال الشائع إلى حصص عينية,فإنَّ هذه القسمة تمر بعدة  مراحل وهي:

المرحلة الأولى: الفصل في المنازعات.

تنص المادة 726 ق م ج: " تفصل المحكمة في كل المنازعات و خاصة منها ما يتعلق بتكوين الحصص".

يتبن من هذا النص أن المنازعات التي تقع بين الشركاء و التي يفصل فيها قبل الفصل في دعوى القسمة  هي المنازعات المتعلقة بتكوين الحصص (النوع الأول) و منازعات أخرى لا تتعلق بتكوين الحصص (النوع الثاني).


 


(1) المجلة اقضائية: لسنة 2000 العدد الأول ص117.

 

·        النوع الأول: هي المنازعات المتعلقة بتكوين الحصص: تكون عادة متعلقة بالتقويم المعدلات أو التشكيك في مدى تساوي الحصص.

·        النوع الثاني: هي المنازعات التي لا تتعلق بتكوين الحصص، كالتشكيك في ملكية شريك لحصته الشائعة، و ما يقوم حول ذلك من منازعات بين الشركاء كالنزاع في مقدار حصة أحد الشركاء.

تفصل المحكمة في هذين النوعين من المنازعات بموجب حكم قابل للاستئناف(1) و فصلها فيه وجوبي، و في هذا السياق نجد قرار للمحكمة العليا أهم ما جاء فيه: " إن المحكمة تفصل في المنازعات المعروضة عليها و خاصة ما يتعلق منها بتكوين حصص الشركاء....فإن قضاة الأساس بمصادقتهم على الخبرة دون الفصل في المنازعة المتعلقة بتشكيل الحصص، خاصة و أن الأطراف مازالوا في حالة شيوع، يكونوا قد خرقوا القانون و عرضوا قرارهم للنقض"(2).

الراجح أن هذه المنازعات تعتبر من قبيل الدفوع الفرعية، يتم الفصل فيها بموجب أحكام تمهيدية، و على كل متى استأنفت هذه الأحكام أرجئ إتمام عملية القسمة إلى حين صيرورتها نهائية.

 المرحلة الثانية: الحكم بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز

عندما يفصل نهائيا في المنازعات التي أثيرت فيما بين الشركاء، يقوم من يهمه التعجيل بتحريك دعوى دعوى القسمة من جديد بعد أن كانت المحكمة قد أوقفتها, حتى يفصل نهائيا في المنازعات.

في هذه المرحلة تصدر المحكمة حكمأ بإعطاء كل شرك نصيبه المفرز، و بصدور هذا الحكم تنتهي دعوى القسمة، و تتم عملية القسمة وفق طريقين و هو ما سنتعرض له في الفرع الثاني.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 


(1) د/ عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق، ص925.

(2) المجلة القضائية لسنة 1991، العدد الرابع، ص71.

الفرع الثاني: طرق إجراء القسمة العينية.

كما سبق التطرق إليه فإذا كانت قسمة المال الشائع عينا ممكنة قام الخبير بتقسيمها إلى حصص, فإذا كانت الحصص متساوية تمت القسمة بطريق القرعة، و إذا كانت غير متساوية تمت القسمة بطريق المعدل « Une Soulte ».

أولا: القسمة بطريق الاقتراع.

الأصل أن يقسم المال الشائع إلى حصص عينية متساوية و على أساس أصغر نصيب، و القسمة في هذه الحالة تتم بطريق الاقتراع و هو ما نصت عليه المادة 725 فقرة 1 و المادة 727 ق م ج و أكـدته المحكمة العليا في العديد من قـراراتها, منها القـرار رقم 242694 الصـادر بتاريخ 14/03/2001 الذي جاء فيه:" ...لما قضى المجلس ببيع العقار بالمزاد العلني دون أن يبرروا اختيارهم .... يكونوا خرقوا أحكام المـادة 728 ق م .... كما أنهم قد خالفوا أحكام المـادة 727 ق م بعدم اتخاذ إجراءات القرعة في قسمة الأملاك الشائعة المفروضة بها مما يجعلهم قد أساءوا تطبيق القانون و عرضوا قراراهم للنقض"(1).

فالمحكمة العليا في هذه النقطة اعتبرت عدم إجراء القسمة بطريق الاقتراع، متى كانت ممكنة خطأ في تطبيق القانون, فالقسمة بطريق الاقتراع على هذا النحو ملزمة للقضاة و لأطراف الدعوى، فرضا أطراف النزاع لا يعتّد به متى تم اللجوء إلى هذه الطريقة، حيث جاء في قرار للمحكمة العليا:" ....حيث أن قضاة الموضوع بمجلس قضاء قالمة لم يخالفوا مضمون المادة 727 من القانون المدني، ذلك أن الطرف الطاعن رفض الإدلاء بأي تصريح أو رأي فيما يخص قسمة أو تقسيم تركة المتوفي (م ب)، و أن موضوع رضا أطراف النزاع غير منصوص عليه في المادة 2727 ق م، الأمر الذي يجعل هذا الوجه الأول غير وجيه مما يتعين معه رفضه"(2).

ثانيا: القسمة بطريق المعدل.

تنص المادة 725 فقرة الثانية:" ....إذا تعذر أن يأخذ أحد الشركاء كامل نصيبه عينا عوض بمعدل عما نقص من نصيبه".


 


(1) المجلة القضائية لسنة2002العدد الأول الصفحة 152

(2) قرار المحكمة العليا، غير منشور، رقم 166661 بتاريخ 23/12/1997, أنظر الملحق.

إذا تعذرت قسمة المال إلى حصص عينية متساوية، اقتضى الأمر اللجوء إلى القسمة بطريق المعدل، و حينئذ يجوز استثناءا إكمال الحصة الناقصة عينا بمبلغ نقدي يدفعه صاحب الحصة الكبرى إلى صاحب الحصة الصغرى حتى تتعادل الحصتان, لذلك سمي هذا المبلغ من النقود بالمعدل « Soulte » و هو كمعدل في عقد المقايضة(1).

كما يمكن أن تتم القسمة في هذه الحالة بطريق القرعة و بطريق المعدل معاً، فمن يقع في نصيبه الحصة الكبرى بطريق القرعة يصبح مديناً بمعدل لمن وقعت الحصة الصغرى في نصيبه، وللمدين هنا حق امتياز على أموال مدنيه طبقا لمادتين 998 ،1001 ق م ج, فالخبير يقوم مسبقا بتقويم الحصص سواء كبرى أو صغرى و يحدد المعدل الممنوح لكل من تقع في نصيبه حصة صغرى،كما يحدد المعدل الواجب دفعه من طرف كل من يقع في نصيبه حصة كبرى و العبرة في التقويم بتحديد قيمة المال وقت القسمة لا وقت رفع الدعوى أو بدء الشيوع.

و يشترط لتطبيق القسمة بطريق المعدل أن يحصل كل المتقاسمين على حصة عينية باعتبار أن هذه القسمة هي طريق من طرق القسمة العينية و هو ما أكدته المحكمة العليا:" حيث أنه من جهة أخرى فإن المادة 725 ق م في فقرتها الثانية تنص: على أنه إذا تعذر أن يأخذ أحد الشركاء كامل نصيبه عينا عوض بمقابل عما نقص من نصيبه..... و الحال إن قضاة الموضوع منحوا اثنين من الشركاء نصيبهما نقداً كلية دون الحصول على نصيب ناقص عينا، فخالفوا بذلك نص المادة المذكورة آنفاً و أخطأوا في تطبيق القانون الأمر الذي يعرض قراراهم للنقض(2).

أما القسمة بطريق التجنيب، فإن المشرع الجزائري لم يجعلها طريق من طرق القسمة العينية القضائية، فالقاضي لا يمكنه تجنيب نصيب مفرز لكل شريك، غير أنه لا مانع أن تتم القسمة العينية بطريق التجنيب و لو أمكن تكون الحصص على أساس اصغر نصيب و هذا إذا اتفق عليها الخصوم.

و في جميع الأحوال التي تتم بها القسمة العينية يجب تحرير محضر يثبت هذه القسمة و يصدر الحكم بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز، مع بيان مزايا كل نصيب من الأنصبة بدقة، فإذا كان محل القسمة عقاراً وجب تحرير الموقع و المساحة و قيمة النصيب، و اعتبرت المحكمة العليا أن تخلف بيان هذه المزايا يعد تقصيراً يمنع معرفة مدى عدالة القسمة(3).


 


(1) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص923.

(2) قرار رقم 151301 بتاريخ 25/03/1998 المجلة القضائية لسنة 1998 العدد الثاني، ص28.

(3)قرار رقم 47070 بتاريخ 26/09/1988، المجلة القضائية لسنة 1992، العدد الأول، ص33.

المطلب الثاني: قسمة التصفية.

تنص المادة 728 من ق م ج :" إذا تعذرت القسمة عينا، أو كان من شأنها إحداث نقص كبير في قيمة المال المراد قسمته، بيع هذا المال بالمزاد بالطريقة المبينة في قانون الإجراءات المدنية، وتقتصر المزايدة على الشركاء وحدهم إذا طلبوا هذا بالإجماع".

فقسمة التصفية ليست إلا طريقا احتياطيا لإجراء القسمة ، لا يتم اللجوء إليها إلا عند تعذر سلوك الطريق الأصلي و هو طريق القسمة العينية، كأن كانت هذه القسمة مستحيلة أو يترتب عليها انخفاض في قيمة المال.

و المحكمة هي التي تقدر مدى استحالة القسمة من عدمها، و لها أن تستعين بالخبرة خاصة إذا كان المشاع عقاراً،و في هذا الصدد نجد قرار المحكمة العليا رقم 33797 الصادر في 05/11/1984:" إنه مادام لم يثبت أن الدار محل النزاع غير قابلة للقسمة فإن قضاة الاستئناف بصرفهم الأطراف للتقاضي من جديد أمام المحكمة الابتدائية ليبيّنوا عن طريق الخبرة أن العقار لا يقبل القسمة كما يزعمه الطاعنون كانوا على صواب فيما قضوا به"(1).

فإذا تبيّن أن المال الشائع لا يمكن قسمته عينا كأن كان سيارة أو مصنعا أو يمكن قسمته و لكن بإحداث نقص كبير في قيمته, أو تجعل الانتفاع به مستحيلاً، كأن تقسم داراً متكونة من غرفتين إلى اثنى عشر عينا، فإن المحكمة تقضي بأن تكون القسمة بطريق التصفية,و بذلك قضي باستحالة قسمة عنصر العملاء الذي يدخل في تكوين عناصر المحل التجاري، قسمة عينية دون التخفيض من قيمته(2).

     و القسمة بطريق التصفية تتم ببيع المال الشائع بالمزاد العلني و قسمة ثمن البيع الذي يرسو عليه المزاد على الشركاء، كل حسب نصيب حصته في المال الشائع.

كما سبق التطرق إليه تصدر المحكمة المرفوع أمامها دعوى القسمة حكما بإجراء البيع بالمزاد العلني متى ثبت لها استحالة القسمة العينية ذلك أن هذا الحكم هو إجراء من إجراءات القسمة، فتختص به المحكمة الناظرة في دعوى القسمة.

 

 

 


 


(1) المجلة القضائية لسنة 1989، العدد الثالث، ص71.

(2) قرار المحكمة العليا رقم 33120 الصادر بتاريخ 06/10/1984، المجلة القضائية لسنة 1989، العدد الأول ص 153.

يباع المال الشائع بالمزاد العلني وفقا للإجراءات المنصوص عليها في ق إ م و هنا يؤول الاختصاص لمحكمة مقر المجلس طبقا للمادة 8 فقرة أخيرة ق إ م، غير أنه يمكن أن تقتصر المزايدة على الشركاء فقط ‘ذا طلبوا هذا بالإجماع (فرع أول)، و في حالة قاصر أو ناقص الأهلية أو غائب بين الشركاء فكيف تتم المزايدة؟ (فرع ثان).

الفرع الأول: اقتصار المزايدة على الشركاء فقط.

لقد سمحت المادة 728 من ق م على أن تكون المزايدة بين الشركاء فقط، إذا اتفقوا على ذلك بالإجماع، و المحكمة ملزمة بهذا الاتفاق و في هذا السياق صدر قرار للمحكمة العليا برقم 41996 بتاريخ 02/06/1986 أهم ما جاء فيه:" إنه في حالة تعذر القسمة عينا....بيع المال بالمزاد العلني و ذلك بالطرق المنصوص عليها قانوناً، و غير أنه يمكن أن تكون هذه المزايدة مقتصرة على الشركاء وحدهم، إذا ما طلبوا هذا بالإجماع، و عليه يستوجب نقض القرار الذي قضى بإلزام المدعين بيع منابهم في الدار المشاعة بينهم و بين المدعى عليهم دون عرض الدار للبيع للمزاد العلني"(1), أمّا إذا لم يتحقق الإجماع وجب بيع المشاع بالمزاد العلني المفتوح للأجانب.

الفرع الثاني: كيفية التصفية في حالة وجود قاصر أو ناقص الأهلية أو غائب بين الشركاء.

إذا تم اللجوء إلى القسمة بطريق التصفية، فإنه يجب مراعاة مصلحة ناقص الأهلية، فيجب أن لا تقتصر المزايدة على الشركاء فقط، خشية من تواطئهم على إرساء المزاد على أحدهم و بثمن بخس من جهة و من جهة أخرى سعيا وراء الوصول إلى أعلى ثمن ممكن عن طريق دخول الأجانب في المزاد.

و على كل حال فإن المادة 89 من قانون الأسرة حسمت الأمر بنصها وجوب بيع أموال القصر بالمزاد العلني.

و في كلتا حالتي المزايدة فإن رسو المزاد على أجنبي يعتبر بيعا أما إذا رسى المزاد على أحد الشركاء أعتبر ذلك قسمة بطريق التصفية و يترتب عليها آثار القسمة و التي نتطرق لها بالدراسة و الشرح في المبحث الثاني.

(1) أنظر المجلة القضائية لسنة 1989 العدد الثاني ص 78.

المبحث الثاني: آثار القسمة.

وظيفة القسمة هي أنها حالة الشيوع بإفراز جزء محدد من شيء الشائع لكل شريك متقاسم، فيمتلكه ملكية خالصة على سبيل الاستئثار و الإفراز.

لذا فإن الأثر الجوهري للقسمة هو الإفراز، فاعتبرت القسمة كاشفة أو مقرة لحق الشريك (مطلب أول)، و لما كانت القسمة قائمة على أساس المساواة بين الشركاء المتقاسمين في حصول كل منهم على جزء مفرز يساوي حصته، وجب ضمان المتقاسمين بعضهم لبعض ما قد يقع لأي منهم ما تعرض أو استحقاق في نصيبه المفرز لسبب سابق على القسمة (مطلب ثان)، و سواء كانت القسمة اتفاقية أو قضائية، عينية أو تصفية، فإنه يترتب عليها هذان الأثران، لذا ارتأينا أن نخصص لهما هذا المبحث.

 

المطلب الأول: الأثر الكاشف للقسمة "الإفراز".

تنص المادة 730 ق م على:" يعتبر المتقاسم مالكا لحصته التي آلت إليه منذ أن أصبح مالكاً في الشيوع، و أنه لم يكن مالكا على الإطلاق لباقي الحصص الأخرى".

عندما يفـرز نصيب كل شريك بالقسمة، يعتبر مالكاً وحده لنصيبه هذا و من وقت أن تملك في الشيوع، و إذا كان قـد تملك في الشيوع بالميراث، أعتبر مالكاً لحصته من يوم وفـاة المورث و بالمقابل لا يعتبر شريك أنه قد تملك حصة شائعة في نصيب آخر آل إلى متقاسم معه بالإفراز.

و هذه هي النظرية التقليدية لآثر القسمة(1)، فليس للقسمة آثر كاشف Effet Déclaratif فحسب كونها تكشف عن ما يملكه الشريك مفرزاً في المال الشائع، بل لها أيضا آثر رجعي Effet Rétroactif  أي أنها ترجع بملكية الشريك لنصيبه المفرز إلى وقت الذي بدأ فيه الشيوع.

إنّ تكييف عملية القسمة بما تحدثه من إفراز كان محل تطور كبير في الشرائع المتعاقبة، فقد كان الرومان يعتبرون القسمة ناقلة للملكية، فكل شريك عندهم يملك بقدر حصته في المـال

(1) د/ حسن كيرة، المرجع السابق، ص214.

الشائع، و عند القسمة يكون قد بادل شركاؤه على حصصهم الشائعة في هذا النصيب المفرز، بحصته الشائعة في كل نصيب يفرز لهؤلاء الشركاء و لما كانت المبادلة ناقلة للملكية، كانت القسمة على هذا المنظور ناقلة للملكية أيضاً.

لكن هذا المنظور أو التحليل أغفل أمر الحصة الشائعة التي كانت للشريك قبل القسمة في نصيبه المفرز، فهذه الحصة قد اندمجت في نصيبه هذا، و بقيت له بعد القسمة، و من ثمّ تكون القسمة كاشفة عن حقه في هذه الحصة لا ناقلة لها(1).

و من ثمة يكون للقسمة أثر كاشف بالنسبة للحصة الشائعة المملوكة لشريك قبل القسمة، و آثر ناقل بالنسبة للحصة الشائعة التي كانت مملوكة لشريك آخر قبل القسمة، فللقسمة حسب هذا النهج التقليدي أثرين كاشف و ناقل. غير أن الأثر الكاشف و الأثر الناقل للقسمة متعارضان مما جعل المقتضيات العملية ترجع آثرا على آخر.

فالرومان رجحوا الأثر الناقل، و إعمالا لهذا فإن كل متقاسم خلف خاص للمتقاسمين الآخرين فيما آل إليه من نصيب مفرز، فيتنقل هذا النصيب محملاً بالحقوق العينية التي رتبها المتقاسمون قبل القسمة، كحق الرهن و الانتفاع، كما اعتبرت القسمة بوصفها عقداً ناقلاً للملكية، سبباً صحيحا في التقادم القصير، كما أصبح كل متقاسم ملزما بأن يدفع الرسوم المفروضة لنقل الملكية.

و قد سار النهج التقليدي في فرنسا على تغليب الأثر الكاشف، فحاول فقهاء القانون المدني الفرنسي القديم تفسير الأثر الكاشف بطبيعة الشيوع، و عندما لم يتوصلوا إلى هذا التفسير لجؤوا إلى فكرة الاقتراض و المجاز القانوني، و في هذا  الصدد يقول الفقيه يواتييه Potier :" إن كل وارث يعتبر أنه ورث وحدة و مباشرة كل ما وقع في نصيبه و أنه لم يرث شيئا فيما وقع في نصيب غيره من الورثة"(2)، و من هذه العبارة نقلت المادة 883 قانون مدني فرنسي قديم ثم انتقلت إلى القانون المصري فالقانون الجزائري حيث نصت المادة 730 منه على ذلك.

فهذا القول يعتبر القسمة كاشفة لحق المتقاسم و ليست ناقلة كما يجعل لها أثر رجعي، بمعنى أن تحديد ما يؤول إلى الشريك بمقتضى القسمة يمتد أثره إلى وقت بدء الشيوع.


 


(1) د/ عبد الرزاق السنهوري:المرجع السابق، ص950.

(2) د /عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق، ص952.

غير أن الفقه الحديث يأخذ بالأثر الكاشف للقسمة على سبيل الحقيقة و لا المجاز القانوني، فالقسمة لا تنشأ حقا جديدا للمتقاسم، بل حقه الذي كان شائعا آل إليه بالقسمة، و كل ما أحدثه القسمة هو تركيز هذا الحق الشائع في حيز مادي، فحق الشريك المشتاع و إن كان محددا تحديدا معنويا بحصته الشائعة، سواء كانت ثلثا أو سدسا أو نصفا، إلا أنه من الناحية المادية يرد على الشيء كله، و من هذا كانت وظيفة القسمة هي تحقيق التطابق بين الحدود المعنوية و الحدود المادية لحق الشريك، فالقسمة هنا تكشف عن حق ثابت للشريك منذ بدء الشيوع و لا تخوله حقا جديداً، و الأثر الكاشف للقسمة بهذا المعنى يطابق الحقيقة فهو مستمد من طبيعة القسمة(1).

طبقأ لهذه النظرية الحديثة فإن الأثر الكاشف يغني عن الأثر الرجعي، كون الأول يحقق الهدف المرجو من الثاني.

فالاتجاه الحديث يعتبر الأثر الرجعي افتراض و مجاز كذلك، فاعتبار المتقاسم مالكاً للحصة التي آلت إليه منذ بداية الشيوع و أنه لم يملك غيرها في بقية الحصص مخالف للحقيقة، فهو يتنافى مع فكرة قيام الشيوع لمدة من الزمن(2)، حيث كان حق الشريك خلالها يرد على الشيء الشائع كله، فالأثر الرجعي لا يؤخذ به إلا في حدود الغرض الذي سطر له و هو حماية المتقاسم من الحقوق التي قررها غيره من الشركاء على العين الشائعة قبل القسمة، و هو ما يهدف إليه الأثر الكاشف كذلك, لذا سندرس هذه الحماية من خلال بيان نطاق تطبيق الأثر الكاشف     (فرع أول) من خلال النتائج المترتبة عن هذا الأثر (فرع ثان).

الفرع الأول: نطاق تطبيق الأثر الكاشف.

لتحديد نطـاق الأثر الكـاشف للقسمة، يجـب أن نبين الأشخاص الذين يكون هـذا الأثـر في مواجهتهم و التصرفات التي يترتب عليها ثم الأموال التي ينطبق عليها.

أولا: الأشخاص الذين يكون الأثر الكاشف في مواجهتهم.
ما دامت للقسمة بطبيعتها أثر كاشف فإن هذا الأثر يقوم بالنسبة لجميع الأشخاص سواء كانوا متقاسمين أو من الغير, فلا يعتبر المتقاسم خلفاً لباقي شركائه المتقاسمين معه و بالتالي لا يتأثر بتصرفاتهم السابقة على القسمة في الجزء المفرز الذي آل إليه.
و للأثر الكاشف الفضل في اعتبار القسمة حجة على المتقاسمين دون شهرها إذا كان المال المقتسم عقاراً غير أن هذا الأثر لا ينطبق على الغير.

(1) أ/ محمد عزمي البكري:المرجع السابق- ص176.

(2) د/ عبد المنعم فرج الصده: الرجغ السابق- ص225

     و يسري الأثر الكاشف للقسمة بالنسبة إلى الغير، فإذا رهن أحد الشركاء في الشيوع حصته الشائعة أو جزء مفرز من المال الشائع، اعتبر الدائن المرتهن من الغير، فيسري في حقه الأثر الكاشف للقسمة، فلا يسري هذا الرهن في حق الشركاء المتقاسمين فأنصبتهم المفرزة تنتقل إليهم خالية من الرهن.

ثانيا: التصرفات التي تترتب عليها الأثر الكاشف.

حسب النظرية الحديثة فالقسمة بطبيعتها كاشفة, سواء كانت إتفاقية أو قضائية, عينية أو بطريق التصفية, بمعدل أو بغير معدل, أما القسمة المؤقتة أي المهايأة فليس لها أثر كاشف إلا إذا انقلبت إلى قسمة نهائية بمضي خمسة عشر سنة طبقا للمادة 733 ق م ، ففي قسمة التصفية فإن رسو المزاد على شريك ما يعتبر قسمة لا بيعا و بالتالي تترتب عليها الأثر الكاشف، على خلاف رسو المزاد على أجنبي فهنا تعتبر بيعاً.

كما أن بيع الشريك حصة شائعة إلى شريك آخر يترتب عليه الأثر الكاشف فثمن البيع في هذه الحالة أعتبر معدلأ, أمّا هبة شريك لحصته الشائعة  فلا يترتب عليه الأثر الكاشف بل يترتب عليه الأثر الناقل، فالهبة ليست معادِلة للقسمة، لأن القسمة من المعاوضات لا من التبرعات(1).

ثالثا: الأموال التي يطبق عليها الأثر الكاشف.

يطبق الأثر الكاشف علا كل الأموال الشائعة التي كانت محلا للقسمة و تم إفرازها، فيرد على العقار و المنقول كما يرد على الحقوق المعنوية, غير أن الأثر الكاشف للقسمة لا يرد على مايلي:

أ‌-    معدل القسمة: إذا أفردت القسمة لأحد المتقاسمين حق لم يكن داخلا في الشيوع، فلا يطبق الأثر الكاشف على هذا الحق(2)، فإلتزام أحد المتقاسمين بأن يقدم عقاراً أجنبي عن المال الشائع كمعدل للقسمة للمتقاسم الآخر تكملة لنصيبه، فهنا يسري الأثر الكاشف على النصيب المفرز الذي حصل عليه الشريك من القسمة، و لا يسري على المعدل، فالقسمة بالنسبة لهذا المعدل تكون ناقلة و ليست كاشفة، و تبعا لذلك فإن ملكية هذا المعدل تنتقل عند إشهاره، و إذا كان هذا المعدل مثقلا بحق نفذ هذا في حق المتقاسم.


 


(1) د/عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق، ص961.

(2) د/ عبد المنعم فرج الصده: المرجع السابق.ص230.

    

ب-الحقوق الشخصية: الحق الشخصي " الدائنية" الذي تشمل عليه التركة مثلا، لا يدخل في الشيوع مع باقي الأموال فالحق الشخصي ينقسم على الورثة بمجرد وفـاة المورث، و تبعا لهذا فلا يطبق عليها الأثر الكاشف، فكل وارث ينتقل إليه الحق الشخصي منذ وفاة المورث، و هذا يرجع إلى انقسام الحق الشخصي، و لا يرجع إلى الأثر الكاشف للقسمة(1).

 

الفرع الثاني: النتائج التي تترتب على الأثر الكاشف للقسمة.

يترتب على القسمة باعتبارها كاشفة لحق المتقاسم عدة نتائج:

أولا: حكم التصرفات التي أبرمها الشريك أو الشركاء، على نصيب الذي وقع في نصيب مفرز لشريك آخر. هذه التصرفات التي أبرمت أثناء مرحلة الشيوع لا تنفذ في حق الشريك الذي خلص له الجزء المفرز, فالأثر الكاشف للقسمة يظهر النصيب المفرز للشريك خالٍ من التصرفات التي قام بها غيره من الشركاء، و بالتّالي لا يعتبر المتقاسم خلفا للمتقاسمين الآخرين.

ثانيا: عقـد القسمة لا يصلح أن يكون سنـداً صحيحا للتملك بالتقادم القصير طبقا للمـادة 828 ق م ج, فالسند الصحيح تصرف من شأنه أن ينقل الملكية أو حق عيني إلى الحائز باعتباره خلفا خاصا للمتصرف، فإذا تبين أن العقار الذي اقتسمه الشركاء لم يكن مملوكا لهم فلا يجوز للمتقاسم الذي حاز بحسن نية لجزء مفرز الذي وقع في نصيبه مدة عشرة (10) سنوات أن يستند إلى القسمة باعتبارها سنداً صحيحا تخوله التملك بالتقادم القصير، غير أنه يمكنه أن يستند إلى البيع الذي بموجبه اشتروا العقار بينهم على الشيوع، و البيع هنا سند صحيح ناقل للملكية، فالشريك هنا يتملك العقار بالتقادم القصير بفضل البيع لا بفضل القسمة(2).

المطلب الثاني: ضمان التعرض و الاستحقاق في القسمة.

طبقا لنص المادة 731 ق م ج يضمن المتقاسمين بعضهم لبعض ما قد يقع لأحدهم من تعرض أو استحقاق في شأن نصيبه المفرز، بسبب سابق على القسمة، و هذا الضمان مبني على فكرة الأثر الكاشف للقسمة لا على أثرها الناقل، و لذلك فهو يختلف عن الضمان الوارد في عقود البيع.

     كذلك فالقسمة تقتضي المساواة التامة بين المتقاسمين و إذا وقع لأحدهم تعرض أو استحقاق

 


 


(1) أ/ محمد عزمي البكري:المرجع السابق- ص188

(2) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص966.

اختلت هذه المساواة، و هنا وجب الضمان، إلا أنه يجب الرجوع إلى أحكام الضمان الواردة في عقد البيع فيما لم يرد فيه نص في ضمان التعرض و الاستحقاق في عقد القسمة، ما لم تكن هذه الأحكام تتعارض مع الوصف الكاشف للقسمة(1).

و الضمان واجب سواء كانت القسمة اتفاقية أو قضائية عينية أو بالتصفية بمعدل أو بغير معدل, غير أنه يشترط لقيامه عدة شروط (فرع أول)، و بتوافرها يترتب عليه عدة آثار     (فرع ثان).

الفرع الأول: شروط الضمان في القسمة.

يشترط لقيام الضمان أربعة شروط، فيجب أن يقع التعرض و الاستحقاق فعلاً، و يكون ذلك لسبب سابق على القسمة، و أن لا يكون التعرض و الاستحقاق وقع لخطأ المتقاسم نفسه، و أن لا يكون هناك شرط يعفي من الضمان.

أولأ: وقوع التعرض و الاستحقاق.

فيتحقق التعرض إذا إدعى شخص ملكية العين التي ألت إلى المتقاسم أو إذا ادعى حقا عينيا آخر عليها, أمّا الاستحقاق فيتم إذا ما حكم لهذا الشخص بما يدعيه.

غير أنّه إذا انفرد فريق من الشركاء باقتسام المال الشائع كله فيما بينهم، متناسين نصيب شريك آخر لهم، فهنا لا يوجد ضمان بل القسمة في حد ذاتها باطلة بطلانا مطلقا(2).

و المتقاسمون يضمنون التعرض القانوني فقط لا التعرض المادي و هذا طبقأ للقواعد العامة, سواء كان التعرض صادر من متقاسم آخر أو من أجنبي.

غير أن الالتزام بالضمان وفق قواعد القسمة يطبق فقط على الأموال التي كانت على الشيوع فقط أي التي كانت محلا للقسمة، لأن الالتزام بالضمان مرتبط بفكرة الأثر الكاشف للقسمة، كما سبق بيانه.

 

 

 


 


(1) د/ عيد الرزاق السنهوري: المرجع السابق، ص 972.

(2) د/ عبد المنعم فرج الصده: المرجع السابق ص241.

 

ثانيا: أن يكون سبب التعرض سابقا على القسمة.

فيكون الحق الذي يدعيه الغير على العين التّي آلت إلى المتقاسم قد نشأ قبل القسمة، أما التعرض الواقع بعد القسمة فلا يضمنه المتقاسمون و مثال ذلك أن تنزع ملكية المتقاسم المفرزة من أجل المصلحة العامة، فإذا كان نزع الملكية قد تم قبل القسمة وجب الضمان و كان لازما على المتقاسمين جميعا(1).

ثالثأ: أن لا يكون الاستحقاق راجع إلى خطأ المتقاسم.

و إذا كـان كذلك، فمن الطبيعي أن يتحمل الخطأ وحـده(2)، دون أن يجبر المتقاسمين الآخرين و مثال هذا حيازة أجنبي لعين وقعت في نصيب المتقاسم، فأهمل هذا الأخير قطع التقادم مما أدى إلى اكتسابها به.

رابعأ: أن لا يكون هناك إعفاء من الضمان باتفاق صريح من الشركاء.

تشدد المشرع في الإعفاء من الضمان المترتب على القسمة و هذا على خلاف الضمان في عقد البيع فاشترط صراحة النص على الإعفاء من الضمان، كما اشترط أن يذكر سبب الاستحقاق المراد إعفاؤه من الضمان، فشرط الإعفاء من الضمان في القسمة صريحا و خاصا(3).

غير أنه إذا تم الإعفاء من الضمان على الوجه السليم، فإن ذلك لا يمنع المتقاسم من طلب نقض القسمة للغبن أو اللفظ.

الفرع الثاني: آثار تحقق الضمان.

إذا تعرض الغير للمتقاسم على الوجه السالف الذكر، و جب عليه أن يخطر المتقاسمين الآخرين لكي يتدخلوا في الدعوى و يكون للمتقاسم حق الرجوع على المتقاسمين الآخرين بالتعويض، إذا استحقت العين التي وقعت في نصيبه، و ذلك في الحالات الآتية(4):

·        إذا تدخل المتقاسمين في الدعوى بناءا على طلب المتقاسم المعترض له و فشلوا في رد الاستحقاق.

·        إذا لم يتدخل المتقاسمين في الدعوى بالرغم من طلب المتقاسم المعترض له و حكم بالاستحقاق للمُعْتَرِضْ و لم يثبت للمتقاسمين خطأ المُتَعَرَّضْ له.

(1) أ/ فتحي حسن مصطفى: المرجع السابق، ص189.

(2) د/ حسن كيرة: المرجع السابق، ص235.

(3) د/ عيد الناصر توفيق العطار: المرجع السابق- ص 160 .

(4) د/ عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق، ص 980.

·        إذا لم يتدخل المتقاسمين رغم طلب المتقاسم المُتَعَرَّضْ له ، و أقر هذا الأخير بحق المُعْتَرِضْ و لم يفلح المتقاسمين في دفع التعرض.

·        إذا لم يخطر المتقاسمين بدعوى الاستحقاق، و حكم بالاستحقاق للمعترض و لم يثبت المتقاسمون أن تدخلهم لو تم لأدى إلى رفض الدعوى.

·        إذا أقر المتقاسم المعترض له للمتعرض بحقه دون دعوى, ولم يثبت المتقاسمين أنّ المعترض لم يكن على حقٍ في دعواه.

     فإذا ثبت للمتقاسم ضمان الاستحقاق طبقا للحالات السابقة إلتزم المتقاسمين الآخرين بالتعويض هذا الاستحقاق، و يتم الاستحقاق على ثلاث حالات:

أولا: أن يكون الاستحقاق كليا.

في هذه الحالة المعترض استحق العين كليتا، كأن أثبت ملكيتها له فأستردها من المتقاسم.

فالمتقاسم هنا يرجع بالتعويض شاملاً قيمة العين و ملحقاتها و ثمارها و المصروفات النافعة التي أنفقها على العين و مصاريف دعوى الضمان و دعوى الاستحقاق.

و يلتزم المتقاسمون كل حسب نسبة حصته بتعويض المتقاسم مستحق الضمان، و يتحمل هو كذلك بقدر حصته حتى تتحقق المساواة بينهم جميعا.

و إذا كان أحد المتقاسمين معسرا تحمل المتقاسمين جميعا بما فيهم مستحق الضمان نصيب المتقاسم المعسر مساواة بينهم.

و تطبيقا لمبدأ المساواة كذلك فالعبرة بتقدير الشيء الذي استحق هي وقت القسمة لا وقت الاستحقاق.

ثانيا: الإستحقاق الجزئي.

يتحصل المتقاسم مستحق الضمان التعويض عن ما لحقه من خسارة نتيجة للاستحقاق الجزئي للعين المفرزة التي آلت إليه، و يساهم هو كذلك مع المتقاسمين الآخرين كلٌ حسبَ نسبة  حصته.

 

 

ثالثا: رد ما أدّاه المتقاسم للمعترض توقيّاً للإستحقاق.

طبقا للمبدأ القائل بتطبيق أحكام الضمان في البيوع على القسمة ما دامت لا تتعارض مع طبيعة القسمة و مقومتها(1)، و بالتالي تطبيقا للمادة 374 من ق م المتعلقة بالبيع على الضمان في القسمة و بموجب هذا القياس, وجب أن يتفق المتقاسم مستحق الضمان مع المعترض على تفادي الاستحقاق سواء كلي أو جزئي مقابل مبلغ مالي.

و يقع الإلتزام هنا على جميع المتقاسمين بضمان هذا المبلغ المالي، بما فيهم المعترض له في حد ذاته, كما أنّ القانون لم ينص على مدة خاصة لتقادم هذا الإلتزام, لذا وجب الرجوع إلى القواعد العامة طبقاً للمادة 308 من ق م, ويبدأ سريان مدته من تاريخ ثبوت الإستحقاق طبقاُ للمادة 315 /02 من ق م.

و يكون حق المتقاسم الذي استحق نصيبه في الرجوع على المتقاسمين الآخرين مضمونا في القانون الجزائري بامتياز المتقاسم سواء كان المـال الشائع عقاراً أو منقولاً طبقا للمواد 999 و1001  من ق م.

 

 

 

 

 

 

 

 


 


(1) د/ عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق، ص984.

خـاتـمــة

لما كان الشيوع أمراً غير مرغوب فيه في غالب الأحيان، فإن المشّرع سمح للشّركاء في هذا الشّيوع, الخروج منه متى تحقق إجماعهم، و إذا كان المشرع قد منح حق إدارة المال الشائع للأغلبية المالكة للأنصبة، فإنه لا يجوز لهذه الأغلبية إجبار الأقلية على البقاء في الشيوع، و من ثم كان لهذه الأقلية حق اللجوء إلى القضاء لطلب إجراء القسمة، فالمشرع يحافظ تارة على المال الشائع و تارة يحافظ على حق أصحاب ملكية هذا المال، فوضع طرقا لاستغلال المال الشائع   و استعماله و هو ما يعرف بقسمة المهايأة سواء كانت مكانية أو زمانية, لكن حدد لها مدة زمنية فجعلها قسمة مؤقتة لا تتجاوز الخمس سنوات، و رتب على بقاء الشركاء في قسمة المهايأة مدة 15 سنة تحولها إلى قسمة نهائية بقوة القانون ما لم يتفق الشركاء على خلاف ذلك.

كذلك أورد المشّرع قيوداً على قسمة العقارات الفلاحية و هذا بهدف حماية الوجهة الفلاحية للأرض, و ذلك حين اشترط رخصة لتقسيم الأراضي الفلاحية, غير أن هذه الحماية لا تجد صداها لدى الجهات القضائية لأن الكثير من هذه الجهات لا تشترط رخص التجزئة و التقسيم   و لا حتى سندات ملكية الأموال المشاعة، و هو ما يؤدي إلى استحالة تنفيذ أحكام هذه الجهات القضائية، طالما أن شهرها غير ممكن.

فيجب أن تتضمن الأحكام الكاشفة للقسمة جميع البيانات من حيث تحديد ملكية المال الشائع قبل القسمة و تحديد معالمه و قيمته، و تحديد ما آل لكل متقاسم من حيث القيمة و المساحة و الحدود كذلك، و هذا حتى يتسنى شهرها لدى المحافظة العقارية.

كذلك من الأجدر أن تكون رخص التجزئة في الأراضي الفلاحية واجبة على الجهات القضائية، فهذه الرخصة من النظام العام، الهدف منها هو الحفاظ على الوجهة الفلاحية لهذه الأراضي.

كذلك فالقانون يفترض في أن القسمة القضائية قد روعيت فيها كافة الضمانات إلى تحقق المساواة بين المتقاسمين، لذا كان على الجهات القضائية أن تتبع الخطوات و الإجراءات التي يفرضها القانون حتى تكون القسمة منصفة و عادلة، فعلى القضاة أن يحرروا محاضر تثبت الصيغة التي تم بها إجراء القسمة، سواء كان اتفاقا أو قرعة، و هذا حتى يبينوا مدى عدالة هذه القسمة.

و للقاضي دور هام في قسمة المال الشائع سواء كانت قسمة اتفاقية فيقتصر دوره هنا في مراقبة مدى عدالة هذه القسمة وفق ما يسمح به القانون، و إذا كانت قسمة قضائية فله دور ايجابي كونه هو الذي يقوم بهذه العملية.

 

 

 

 

 

 

قائمة المراجع:

·        الــــمؤلـفات:

1-    د/ عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجديد الجزء الثامن ، حق الملكية – منشورات الحلبي الحقوقية.

2-    أ/ محمد عزمي البكري : قسمة المال الشائع ، أحكام دعوى الفرز و التجنيب – دار الفكري العربي – ط الثالثة – 1994.

3-    د/ حسن كبيرة : الحقوق العينة الأصلية ، أحكامها و مصادرها – دار الفكر العربي –

4-    أ/ حمدي باشا عمر : نقل الملكية العقارية – دار هومة - .

5-    د/ توفيق حسن فرج: الحقوق العينة الأصلية -  المكتبة القانونية - .

6-    د/ محمد صبري السعدي : شرح قانون المدني الجزائري ، النظرية العامة للإلتزامات .

7-    د/ رمضان أبو السعود ، الوجيز في الحقوق العينية الأصلية – منشورات الحلبي الحقوقية – ط 2002.

8-    د/ عبد الناصر توفيق العطار : شرح أحكام حق الملكية – دار الفكر العربي – ط 1991.

9-    أ/ فتحي حسن : الملكية بالميراث  .

10-                      د/ عبد المنعم فرج الصده: الحقوق العينية الأصلية – دار النهظة العربية

 

 

 

 

 

 

 

القوانين :

 

-         الأمر رقم 66 – 154 المؤرخ 18 صفر عام 1386 الموافق  8 يونيو سنة 1966 المتضمن قانون الاجراءات المدنية

-         الأمر رقم 75 – 58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975 المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم.

-         الأمر 75 – 74 المؤرخ في 12 نوفمبر 1975 المتضمن إعداد مسح عام للأراضي و تأسيس السجل العقاري .

-         القانون رقم 84 – 11 المؤره في 9 رمضان سنة 1404 الموافق 9 يونيو سنة 1984 المتضمن قانون الأسرة المعدل و المتمم.

-         القانون رقم 90 – 25 المؤرخ في 01 ديسمبر 1990 المتعلق بالتوحيد العقاري  المعدل و المتمم .

-         القانون رقم 90 – 29 المؤرخ في 01 ديسمبر 1991 المتعلق بالتهية و التعمير  المعدل و المتمم.

 

 

المراسيم :

-         المرسوم التنفيذي 91 / 176 المؤرخ في 28 ماي 1991 المحدد لكيقيات تحضير شهادة التعمير و رخصة التجزئة و رخصة البناء و شهادة المطابقة و رخصة الهدم.

-         المرسوم التنفيذي 97 – 490  المؤرخ في 20 ديسمبر 1997 المتضمن شروط تجزئة الأراضي الفلاحية
تعليقات