📁 آخر الأخبار

الدعاوى الناشئة عن عقد النقل

الدعاوى الناشئة عن عقد النقل

الدعاوى الناشئة عن عقد النقل



      
    المقدمة:
        يعتبر النقل البحري من أهم وسائل نقل البضائع في المجال  الدولي, إذ تتم عن طريقه أغلب المبادلات التجارية الدولية. وعلى هذا الأساس, فقد زاد الاهتمام به على الصعيدين الدولي والداخلي, من خلال محاولة توحيد القواعد التي تحكمه, و تنظم مختلف مراحله  و المنازعات الناشئة عنه.
        و بالنسبة للجزائر, فنجد أنها كغيرها من الدول المحاذية للبحر, قد أولت أهمية كبرى لمجال النقل البحري  بصفة عامة و نقل البضائع بحرا بصفة خاصة, منذ استقلالها. وتزايد هذا الاهتمام بعد التحولات الإقتصادية التي صاحبت صدور دستور 1989 وما نجم عنها من انفتاح على الأسواق الدولية, والدخول في اتفاقيات شراكة مع عدة دول, أين اصبح من اللازم على بلدنا تطوير المنظومة التشريعية التي تحكم النقل البحري للبضائع وجعلها أكثر تماشيا مع التطورات الحاصلة في المجال الدولي عن طريق تكريس أهم المبادئ التي جاءت بها الاتفاقيات الدولية في هذا المجال وهذا ما جسده تعديل القانون البحري الجزائري الذي تم في سنة  1998 بموجب القانون رقم 98-05 المؤرخ في 25-06- 1998 وذلك من أجل تشجيع الإستثمار الأجنبي وتسهيل عمليات الإستيراد والتصدير التي تتم عبر الموانئ الجزائرية.
       كل هذا الإهتمام بالنقل البحري للبضائع و تنظيمه بقواعد خاصة به جعل المنازعات الناشئة عنه خاضعة للأحكام خاصة بها هي الأخرى تميزها عن غيرها من المنازعات وانعكست هذه الخصوصية على الدعاوى المرفوعة بصددها سواء من حيث شروط رفع هذه الدعاوى أو من حيث الاختصاص في نظرها أين أصبح من اللازم على القاضي البحري معرفتها والتحكم فيها لضمان تطبيق سليم وفعال للقواعد القانونية التي تحكم هذا النوع من المنازعات.
      إضافة إلى أن الاعتراف بالتحكيم كوسيلة موازية للقضاء في فض المنازعات التجارية الدولية الذي تم بموجب المرسوم 93-09 المؤرخ في 25-04-1993 المعدل لقانون الإجراءات المدنية- خاصة وان اغلب عمليات النقل البحري للبضائع لها طابع دولي- قد خلق منافسا للهيئة القضائية ينزع منها الاختصاص في كل مرة يتم فيها الاتفاق على اتخاذ التحكيم  كوسيلة لفض المنازعات الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع .
          ومن هنا نقول أن أي قاضي بحري جزائري حتما سيتساءل في كل مرة يطرح أمامه نزاع ناشئ عن عقد نقل بحري للبضائع عن ماهية الأحكام الخاصة بالدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع والتي تميزها عن باقي الدعاوى في القواعد العامة  ,من حيث شروط قبولها ومن حيث الاختصاص في نظرها وكذا من حيث مدى تأثير التحكيم التجاري الدولي الذي قد يلجأ له أطراف عقد النقل على اختصاصه و سلطاته كقاضي مكلف بالفصل في المنازعات الناشئة بين الأشخاص؟
وهي التساؤلات التي  سنحاول الإجابة عنها من خلال هذه المذكرة بإتباع الخطة الموضحة كالأتي:            

خــطــة البــحــث


          الفصل الأول: شروط قبول الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع . 

       المبحث الأول: الشروط الواجب توافرها في أطراف الدعوى .

           المطلب الأول : تحديد المصلحة في رفع الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع .
                الفرع الأول : وجود عقد نقل بحري للبضائع .
                 الفرع الثاني: الإخلال في تنفيذ عقد النقل البحري للبضائع

            المطلب الثاني : الصفة اللازمة في الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع .
                 الفرع الأول : كيفية تحديد صفة التقاضي بالنسبة للمدعي .
                 الفرع الثاني : كيفية تحديد صفة التقاضي بالنسبة للمدعى عليه .

       المبحث الثاني : احترام أجال رفع الدعوى .

          المطلب الأول : تحديد مدة تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع .
            الفرع الأول : الدعاوى المرفوعة ضد الناقل بسبب الفقدان أو الأضرار الحاصلة     
                               للبضائع 
             الفرع الثاني : دعاوى الرجوع .
             الفرع الثالث : الدعاوى الأخرى الناتجة عن عقد النقل البحري للبضائع .
          المطلب الثاني :  كيفية حساب مدة تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع .
                    الفرع الأول : تحديد نقطة انطلاق التقادم .
                     الفرع الثاني :القواعد الخاصة باحتساب مدة التقادم .


الفصل الثاني : الجهات المختصة في نظر الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع .

    المبحث الأول : الاختصاص المحلي في نظر الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع .

           المطلب الأول : التحديد القانوني للاختصاص المحلي .      
                     الفرع الأول : تحديد الاختصاص وفقا للقواعد العامة .
                     الفرع الثاني : تحديد الاختصاص وفقا للقانون البحري .

           المطلب الثاني : التحديد الاتفاقي للاختصاص المحلي .
                     الفرع الأول : شرعية شروط التحديد الاتفاقي للاختصاص المحلي .
                     الفرع الثاني : شروط صحة التحديد الاتفاقي للاختصاص المحلي .
  .
   المبحث الثاني : تأثير التحكيم البحري على الاختصاص القضائي .

             المطلب الأول : شروط صحة الاتفاق التحكيمي .
                       الفرع الأول : الشروط الموضوعية .
                       الفرع الثاني: الشروط الشكلية.

             المطلب الثاني : آثار  الاتفاق التحكيمي على سلطات القاضي .
                       الفرع الأول : رفع يد القضاء عن نظر موضوع النزاع .
                       الفرع الثاني :احتفاظ القاضي بسلطته في المراقبة .

           الخاتمة.



الفصل الأول: شروط قبول الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع

تتطلب الدعاوى القضائية لقبولها توفر مجموعة من الشروط ،  فإذا كان الحق في الالتجاء إلى القضاء حق دستوري مضمون لكل شخص ،  فإن الحق في رفع دعوى يخضع في ممارسته إلى شروط تشكل في حد ذاتها شروط قبول الدعاوى القضائية منها ما يتعلق بأطراف هذه  الدعاوى آلذين يجب أن يتمتعوا بمميزات خاصة تجعلهم أصحاب الحق في رفعها دون غيرهم ، و منها ما يتعلق بمدة ممارسة الحق في رفع الدعوى ، على اعتبار أنه كغيره من الحقوق قابل لسقوط بالتقادم .
و إذا كانت الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع تشترك مع غيرها من الدعاوى في وجوب توفر هده الشروط فإنها تتميز عنها في مضمون هذه الأخيرة إذ يصبح تحديد الشروط الواجب توفرها في أطراف الدعوى وكذا آجال رفعها مرتبطا بأحكام النقل البحري المنظمة بموجب قواعد القانون البحري  .

المبحث الأول : الشروط الواجب توافرها في أطراف الدعوى

            لقد أوجب المشرع توفر مجموعة من الشروط في رافع الدعوى ، أوردها في نص المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية (1) يتوقف على وجودها من عدمه ، قبول الدعوى أو رفضها ، تتمثل أساسا في الصفة و المصلحة ، وأهلية التقاضي ، على أن هذه الأخيرة قد استبعدت من طرف العديد من الفقهاء ، كشرط لقبول الدعــوى ويصنفت    ضمن شروط صحة المطالبة القضائية (2).
           و مهما يكن من أمر فإن الأهلية الواجبة لرفع الدعاوى واحدة لا تختلف باختلاف نوع الدعوى و لا باختلاف القسم المراد رفعها أمامه (3)  . و على هذا فإنما يستوجب الدراسة في هدا المقام هو كل من المصلحة و الصفة في التقاضي ، على أساس أن خصوصية عقد النقل البحري للبضائع تضفي على كل من الصفة    و المصلحة في الدعاوى الناشئة عنه طابعا خاص نحاول تحديده في المطلبين التالين :
المطلب الأول : تحديد المصلحة في الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع.
المطلب الثاني : الصفة اللازمة في الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع.

المطلب الأول : تحديد المصلحة في الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع.
         إن نشوء الحق في رفع دعوى قضائية مرتبط بوجود مصلحة تمكن الشخص من الحصول على الحماية القضائية لحقه أو مركزه القانوني المعتدى عليه ، باعتبارها  كشرط أساسي لقبول الدعاوى المرفوعة أمام القضاء  (1). فـتعرف المصلحة بأنها الفائدة أو المنفعة التي يسعى المدعي إلى تحقيقها جراء الحكم له بما يطلبه(2).
          و المصلحة المقصودة هنا هي تلك المصلحة التي يعترف بها القانون ويحميها بصفة مجردة و هو ما يعرف بشرط قانونية المصلحة، فلا يتوقف قبول الدعوى على وجود الحق أو المركز القانوني  من الناحية الواقعية فحسب ، بل يجب أن يعترف القانون بالحماية القانونية المجردة لهذا الحق أو المركز القانوني المتمسك به أمام القضاء و عليه فإن أول مسألة يتأكد منها القاضي هي ما إذا كان الحق أو المصلحة المدعي بها  محمية قانونا أم لا . و ذلك من خلال البحث عن وجود قاعدة قانونية تسمح بمنح هده الحماية ،إضافة إلى ذلك يشترط إن يكون الاعتداء قد وقع فعلا على المركز القانوني أو الحق الموضوعي المراد حمايته  وقت رفع الدعوى وليس مستقبلا وهذا كقاعدة عامة(3). وأن ينجم عن هذا الاعتداء ضرر حال و أكيد .
      و في هذا الصدد تشترك الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع مع باقي الدعاوى في وجوب توفر شرط المصلحة لقبولها ، إلا أن القاضي البحري عند فحصه لمدى توفرها يبقى دائما مرتبط بعقد النقل البحري بكل ما يميزه من خصوصية ،      و ما يحكمه من قواعد .
 و بتالي نقول أنه حتى تثبت للشخص مصلحة في رفع دعوى ناشئة عن نقل بحري

 للبضائع يجب أن يتوفر أمرين أساسيين هما :
 1- وجود عقد نقل بحري للبضائع.
 2- الإخلال في تنفيذ عقد النقل.
 وهذا ما سيكون  موضوع الفرعين التاليين .
الفرع الأول : وجود عقد نقل بحري للبضائع
         إن أول ما يتأكد منه القاضي لتحديد مدى توفر المصلحة لدى رافع هذا النوع من الدعاوى، هو وجود عقد نقل بحري للبضائع ، للقول ما إذا كان لرافع الدعوى حق أو مركز قانوني محمي مصدره العقد و مواد القانون البحري المنظمة له.
         ويعتبر سند الشحن البحري في هدا الصدد أهم وسيلة لإثبات وجود عقد النقل ، خاصة وأن التعامل في المجال البحري أصبح لا يكاد يخلو من إصداره ، نظرا لأهميته و دوره في تحديد الالتزامات  الواقعة على كل طرف (1)وهذا ما يؤكده نص المادة 749 من القانون البحري .
         هذا و قد يستعاض عند سند الشحن في إثبات عقد النقل ، بالوثائق الأخرى التي قد يصدرها الأطراف بمناسبة إبرامهم لعقد النقل مثل بوليصة الشحن و وثيقة النقل   
البحري   "" La lettre de transport maritime .
       و إذا كان إثبات عقد النقل لا يثير إشكال في حالة صدور وثائق من الطرفين تثبت وجوده فإن الأمر ليس كذلك في حالة إبرام عقد نقل دون إفراغه في شكل معين ، خاصة وأن عقد النقل البحري للبضائع هو من العقود الرضائية التي لم يشترط فيها المشرع أي شكلية للانعقاد ، حسب ما يتضح من نص المادة 738 من القانون  البحري(2). ولا حتى للإثبات، على اعتبار أن نص المادة 749 السالفة الذكر لا يفهم منه أن سند الشحن هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها إثبات عقد النقل، وهذا خلافا للقانون المصري الذي كان واضحا بالقدر الذي أزال معه المشرع كل إمكانية لحدوث نزاع بهذا الصدد فقد نصت المادة 197 من قانون التجارة البحرية على أن عقد النقل لا يثبت إلا بالكتابة.
         وأمام غياب نص مماثل في قانوننا يصبح فحص الطبيعة القانونية لعقد نقل البضائع بحرا أمرا ضروريا لتحديد كيفية إثباته .
          بالرجوع إلى نصوص القانون التجاري لا سيمى المواد 2،  3 ، 4  منه نجد أن عقد النقل يعتبر عملا تجاريا بحسب الموضوع طبقا للمادة الثانية في فقرتيها الثامنة والأخيرة ، عندما اعتبرت كل مقاولة لاستغلال النقل والانتقال وكذا كل الرحلات البحرية عملا تجاريا بحسب الموضوع، ويعتبر أيضا عملا تجاريا بحسب الشكل، طبقا للمادة الثالثة التي اعتبرت كل عقد تجاري يتعلق بالتجارة البحرية والجوية عملا تجاريا بحسب الشكل.
      وعلى هذا الأساس فإن عقد النقل يعتبر دائما عملا تجاريا بالنسبة للناقل بشكل يكسبه صفة التاجر، أما بالنسبة للشاحن فلابد من الرجوع إلى صفته فإذا كان تاجرا   و إبرام عقد النقل بقصد ممارسة تجارته أو لحاجات متجره ، أعتبر عقد النقل بالنسبة إليه عملا تجاريا بالتبعية طبقا لنص المادة 04  من القانون التجاري(1) ما إذا كان إبرامه لهذا العقد قد تم لأغراض شخصية بحتة ، كمن تعاقد مع الناقل لجلب مقتنيات قد ابتاعها أثناء رحلة له ، أعتبر عمله مدنيا و أصبح عليه العقد في الحالة الأول تجاريا  و في الحالة الثانية مختلطا.
       وكنتيجة لذلك فإن إثبات وجود عقد النقل في مواجهة الناقل المدعى عليه يكون وفقا لأحكام المادة 30 من القانون التجاري التي تنص على أن  كل عقد تجاري يثبت بسندات رسمية أو عرفية أو بفاتورة مقبولة أو بالرسائل أو بدفاتر الطرفين أو بالإثبات بأية وسيلة أخرى إذا رأت المحكمة وجوب قبولها  ،  أما إثبات وجود عقد النقل في مواجهة الشاحن أو المرسل إليه (1) ، يكون حسب طبيعة هذا العمل بالنسبة إلى هذا الأخير، فإذا كان النقل بالنسبة له عمل تجاريا بالتبعية فيثبت وجوده في مواجهته بموجب أحكام المادة 30 من القانون التجاري السالفة الذكر أما إذا كان عملا مدنيا فإننا نرجع في إثبات وجوده إلى أحكام المادة333 من القانون المدني في فقرتها الأولى التي تنص على ما يلي : " في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على 100.000 دج أو كان غير محدد القيمة فلا يجوز الإثبات بالشهود في وجوده    أو انقضائه ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك " (2).

الفرع الثاني  : الإخلال في تنفيذ عقد النقل البحري للبضائع 
        ينشأ عن عقد النقل البحري للبضائع التزامين رئيسيين(3)  : هما الالتزام بنقل البضاعة من ميناء الشحن إلى ميناء الوصول وتسليمها على الحال الذي استلمت عليه و هو الالتزام الذي يقع على عاتق الناقل ، وكذا الالتزام  بدفع أجرة الحمولة             ( أجرة النقل ) الذي يقع على عاتق الشاحن أو المرسل إليه إذا أتفق الأطراف على أن يتولى هذا الأخير دفع الأجرة عند تسلمه للبضائع في ميناء الوصول . وهذا ما يتضح أكثر من نص المادة 738 ق ب. إضافة إلى الالتزامات الثانوية التي تدور في حقيقة الأمر حول هذين الالتزامين الرئيسيين .
      و يترتب عن أي إخلال بأحد  هذه الالتزامات من أحد المتعاقدين ضرر للطرف الأخر يكون مبررا لرفع الدعوى  ، و سببا في نشوء مصلحة قائمة و حالة في طلب الحماية القضائية للحق أو المركز القانوني المتولد عن العقد . وهدا ما يجعل أن أساس الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع هو المسؤولية  العقدية و في هذا الصدد يكفي مجرد الإدعاء بعدم تنفيذ عقد النقل أو تنفيذه المعيب لقيام المصلحة بالنسبة لرافع الدعوى .
المطلب الثاني : الصفة اللازمة في الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع
       لا يكفي لنشوء الحق في الدعوى توفر المصلحة فقط ، بل يستوجب أيضا توفر الصفة لدى رافع الدعوى فصاحب الحق أو المركز القانوني هو من له الحق في الحصول على الحماية القضائية له إما بنفسه أو بواسطة من ينوب عنه قانونا أو اتفاقا و دلك في مواجهة من قام بالاعتداء على حقه أو مركزه القانوني (1) . و من هذا المنطلق نقول أن الصفة في الدعوى مطلوبة في المدعي باعتباره صاحب حق محمي قانونا يهدف إلى تكريس هذه الحماية عن طريق القضاء  و في الطرف الثاني في الدعوى و هو المدعي عليه الذي يجب أن يكون هو  المعتدي على الحق أو المركز القانوني وهدا ما يعبر عنه بوجوب رفع الدعوى من ذي صفة على ذي صفة فالقاضي بهذا الفرض يفحص توفر الصفة لدى طرفي الدعوى معا.
          و بما أننا بصدد دراسة الدعاوى الناشئة عن النقل البحري فالسؤال الذي يطرحه القاضي في هذه الحالة هو من يجوز له رفع هذه الدعاوى و ضد من ترفع ؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عليه في الفرعين التالين ببحثنا عن كيفية تحديد الصفة بالنسبة لكل من المدعي و المدعى عليه.
الفرع الأول : كيفية تحديد صفة التقاضي بالنسبة للمدعى
  إن تحديد صفة التقاضي بالنسبة للمدعي يذهب بنا إلى التمييز بين حالتين .
1-        حالة عدم إصدار سند شحن بحري:
      في حالة إبرام عقد نقل بحري للبضائع دون أن يتولد عنه إصدار سند شحن بحري تثبت الصفة في رفع الدعوى لأطرافه فقط(2) أي للناقل و للشاحن وكذا لمن يمثلهما و ذلك بشرط أن يتمكنا من إثبات وجود عقد النقل على النحو الذي سبق بيانه.
      كما تثبت الصفة للمرسل إليه بالرغم من عدم اعتباره طرفا في العقد و هذا على أساس فكرة الاشتراط لمصلحة الغير. و في هذه الحالة يجب عليه أن يثبت أن الشاحن قد أشترط صراحة انصراف أثار العقد لمصلحته هو شخصيا .
2-     في حالة إصدار سند شحن بحري :
       لم يتطرق القانون البحري الجزائري و لا اتفاقية بروكسل(1) إلى تحديد صاحب الصفة في رفع الدعوى . إلا أنه بالرجوع إلى وظائف سند الشحن البحري نجد أنه يعتبر سند لحيازة البضاعة يخول لحامله الشرعي حق التصرف في البضاعة موضوع النقل و كذا استلامها ، و هذا ما يؤكده نص المادة 749 من القانون البحري ، إضافة إلى حقه في إبداء كل التحفظات على حالة البضاعة عند استلامها ، و يتبع هذا الحق حقه في رفع دعوى المسؤولية ضد الناقل و في هذا الصدد نجد أن صاحب الحق في رفع دعوى المسؤولية يختلف باختلاف نوع سند  الشحن المصدر الذي يمكن أن يصدر في ثلاثة أشكال حسب نص المادة 758 من القانون البحري .
2-1 سند الشحن الإسمي :
     و يعتبر سند الشحن اسميا إذا صدر بسم شخص معين (أي لفائدته ) ، إما أن يكون الشاحن نفسه ، وإما أن يحدد هذا الأخير اسم شخص آخر يأخذ صفة المرسل إليه يتولى تسلم البضائع في ميناء الوصول (2).
Lamy transport op. cit. p 381
 
ويترتب على اسمية سند الشحن عدم جواز تداوله أو التنازل عنه إلا بإتباع القواعد المقررة بشأن حوالة الحق حسب نص المادة 759 فقره-أ- من القانون البحري     و يتم الرجوع في هذه الحالة إلى أحكام حوالة الحق الواردة في القانون المدني في المواد 239 وما يليها.
    وتبعا لذلك فإن الصفة في رفع الدعوى في هذه الحالة تثبت للشخص الذي صدر سند الشحن باسمه و هو إما الشاحن أو المرسل إليه وكذا للمحال له الذي انتقلت إليه الحيازة الشرعية للسند بموجب قواعد الحوالة.
 2- 2  سند الشحن لأمر :
           أو ما يسمى بسند الشحن الإذني  و في هذه الحالة يتم  إصدار سند شحن لأمر شخص معين. و يترتب على ذلك جواز تداول سند الشحن عند طريق التظهير أي الكتابة على ظهر السند بما يفيد نقل الحق الثابت فيه إلى شخص آخر أو لأمره(1), و ذلك عن  طريق إتباع أحكام تظهير السندات التجارية المنصوص عليها في القانون التجاري.
       و في هذه الحالة لا تثبت الصفة في رفع الدعوى إلا للمظهر إليه الأخير الثابت اسمه في السند(2) ، على أنه يجوز بمناسبة تظهير سند الشحن النص فيه على عدم جواز تداوله بعد ذلك (3)  وهنا لا يجوز إعادة تظهيره بعد ذلك مرة أخرى ، و كل مظهر له بصفة لاحقة لوجود هذا الشرط لا يمكنه الاحتجاج بتوفر الصفة لديه لرفع الدعوى .
2-3 سند الشحن لحامله:
   و هو سند الشحن الذي لا يحدد فيه اسم المستفيد من النقل . ويلجأ الشاحن عادة إلى هذه الطريقة عندما يرغب في بيع البضاعة المشحونة أثناء نقلها و عليه فلا يكون في وسعه عندئذ تحديد شخص المرسل إليه الذي يستلم البضاعة عند الوصول(4). و في هذه الحالة يكون سند الشحن قابلا للتداول بمجرد التسليم ، و يجب على الناقل عند وصوله أن يسلم البضاعة لأي شخص يتقدم إليه حاملا سند الشحن (1) ، وبتالي تثبت الصفة في هذه الحالة لأخر حامل للسند.
    كما تثبت الصفة في رفع الدعوى لحامل the delivery order  و آلذي يصطلح على تسميته بأمر التسليم  على اعتبار أن لحامله الحق في استلام البضاعة من الناقل .
     و يعرف the delivery order  على أنه جزء من سند الشحن يسلم من طرف الناقل عندما  تكون البضاعة المنقولة مقسمة إلى وحدات – حاويات مثلا – وموجهة إلى مجموعة من زبائن الشاحن . وهو يعمل على تشخيص البضاعة المنقولة . ويستعمل هذا النوع من السندات عند نقل البضائع التي تكون بطبيعتها محل عدة معاملات تجارية أثناء عملية النقل مثل القهوة و الكاكاو (2) .
      من خلال ما تقدم يظهر أن المرسل إليه هو الذي تثبت له الصفة لرفع الدعوى في حالة نقل بحري أصدر بمناسبته سند شحن، لكن هل هو الشخص الوحيد الذي يحق له رفع دعوى أم أن هناك آخرين يتمتعون بهذا الحق ؟
·        الشاحن :
   إذا كانت الصفة في رفع الدعوى تثبت للشاحن بصفته كطرف في العقد خاصة في مواجهة الناقل فإنها لا تبقى دائما قائمة ، باعتبار أن الحق في رفع الدعوى ينتقل مع سند الشحن .
 و في هذا الصدد أعتبر René Rodiere   إن دعوى الشاحن ضد الناقل لا تكون مقبولة إلا إذا كان مازال حائزا لسند الشحن أو في الحالة التي يطلب فيها جبر ضرر تحمله وحده وبصفة شخصية .
وهو ما أخذت به  محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر عن الغرف المجتمعة بتاريخ  22-12-1989 الذي أقرت فيه بحق الشاحن في رفع دعوى قضائية ضد الناقل ، بسب الضياع أو الهلاك الذي قد يصيب البضاعة عندما يكون هو الوحيد الذي تحمل الضرر المترتب عن عملية النقل ، بالرغم من أن حق رفع الدعوى في حالة إصدار سند شحن لأمر لا يثبت إلا للمظهر له الأخير (1) .
     و ابتداء من هذا التاريخ أصبح من المستقر عليه قضاء في فرنسا ثبوت الصفة بالنسبة للشاحن الذي أصابه ضرر شخصي في رفع دعوى المسؤولية ضد الناقل .
·        الناقل :
     حسب المواد :779 ، 791 ، 794 ، 797  من القانون البحري  تثبت للناقل باعتباره طرفا  في عقد النقل البحري الصفة في رفع دعوى ضد الشاحن           أو المرسل إليه فيمكنه رفع دعوى ضد الشاحن بسب الأضرار التي تلحق بالسفينة    و البضائع الأخرى التي تحملها من جراء خطئه أو خطأ أحد مندوبيه ، و كذا للمطالبة بأجرة الشحن كما يمكنه رفع دعوى ضد المرسل إليه للمطالبة بأجرة الشحن في حالة ما إذا كان دفعها واجبا عند الوصول ، و للمطالبة بالتعويضات المطابقة للخسائر التي تلحق  به من جراء التأخير غير المبرر في استلام البضائع من قبل المرسل إليه .
-    إضافة إلى هؤلاء الأشخاص الذين تثبت لهم بصفة أصلية الصفة في رفع دعاوى ناشئة  عن عقد نقل بحري للبضائع يمكن أن تثبت الصفة في رفع هذه الدعاوى لأشخاص آخرين قد ينتقل لهم الحق في رفعها كما سنتولى شرحه فيما يأتي :
1-     التنازل عن الحق في رفع الدعوى :
إن من أهم خصائص الحق في رفع الدعوى أنه قابل لتصرف فيه فيمكن حوالته إلى الغير بموجب أحكام حوالة الحق .
      وعليه فيمكن لصاحب الحق في رفع دعوى بمناسبة عقد نقل بحري للبضائع أن يتنازل عن حقه لشخص آخر لممارسة الدعوى في مكانه ليصبح هذا الأخير هو صاحب الصفة في رفع الدعوى ، و يترتب على هذا فقدان المحيل لصفة رفع الدعوى (1)  التي تنازل عن حقه في رفعها بشرط أن يتم هدا التنازل وفقا لأحكام حوالة الحق  المدنية الواردة في نصوص القانون المدني في المادة 241 و ما يليها.

2-     الحلول :
         و هو أن يحل شخص محل صاحب الحق في رفع الدعوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع مما يكسبه الصفة في التقاضي و لعل أحسن مثال عن الحلول في الدعاوى البحرية  هو حلول شركة التأمين محل المؤمن له الذي استفاد من تعويض عن الأضرار اللاحقة به  في كل الدعاوى التي كان بإمكانه رفعها ضد المتسبب في الضرر وتسمى دعوى شركة التأمين في هذه الحالة بدعوى الحلول التي تجد أساسها في نص المادة 118 من الأمر 95-07 المــــــــــــــؤرخ  في   25-01-1995 و المتضمن قانون التأمين إذ تنص هذه الأخيرة في فقرتها الأولى على ما يلي : " يحل المؤمن محل المؤمن له في حقوقه ودعواه ضد الغير المسؤول في حدود التعويض الذي يدفعه للمؤمن له"  . ومن هنا تعتبر شركة التأمين حائزة للصفة عند رفعها لدعوى ضد الناقل البحري بسبب عدم تنفيذ عقد النقل أو تنفيذه المعيب ، بعد حلولها محل المرسل إليه أو الشاحن حسب الحال و قد أوضحت المحكمة العليا شروط ممارسة شركة التأمين لدعواها (2) كما يلي :
الشرط الأول  : تقديم شركة التأمين لعقد الحلول يوم رفع الدعوى
        وهو عقد موقع عليه من طرف شركة التأمين و المؤمن له المستفيد من عقد التأمين و الذي قد يكون إما الشاحن ، عندما يتولى هدا الأخير التأمين على البضاعة مثل حالة البيع CIF أين يلزم البائع بإبرام عقد النقل البحري و التأمين على البضائع المنقولة ، وإما أن يكون المرسل إليه مثل حالة البيع FOB أين يتولى المرسل إليه التأمين على البضاعة(1) و يجب أن يتضمن هذا العقد نسبة الخسائر التي تمت  تغطيتها و قيمة التعويض الذي تم دفعه للمؤمن له  . و قد كرست المحكمة العليا هذا الشرط في العديد من القرارات كانت ترفض فيها في كل مرة دعوى شركة التأمين لعدم تقديمها عقد الحلول باعتباره السند القانوني الذي يمنحها الصفة و المصلحة في رفع الدعوى .
     وكمثال على ذلك لدينا قرار المحكمة العليا الصادر عن الغرفة التجارية و البحرية بتاريخ 22-07-1997  قضية رقم 253 153 الذي جاء في إحدى حيثياته ما يلي:
   " الحكم بعدم قبول دعوى الشركة الجزائرية لتأمينات النقل كان مطابقا لأحكام المادة 144 من القانون رقم 80-07 و المتضمن قانون التأمينات لأن الشركة المدعية المذكورة لم تقدم عقد الحلول الذي يسمح لها بالحلول محل شركة- سيدار -
المرسل إليه".
      كما اشترطت المحكمة العليا تقديم عقد الحلول يوم رفع الدعوى على أساس أن حقوق الأطراف تقدر عند رفع الدعوى فيتعين على من يمارس دعوى الرجوع أن يقدم عقد حلول محرر قبل رفع الدعوى وإلا قضي برفضها لعدم توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية و هو مضمون حيثيات القرار الصادر عن الغرفة التجارية و البحرية بتاريخ 07.02.1996 قضية رقم 138267 (2) ، و قد جاء في قرار آخر صادر بتاريخ06.05.1997 قضية رقم 151326 ما يلي " حيث أنه كان يتعين على شركة التأمين أن تقدم يوم رفع الدعوى أمام المحكمة المختصة عقد حلول صحيح يعطي لها صفة التقاضي و يتضمن على وجه الخصوص تاريخ تحريره.حيث أن التاريخ المذكور في عقد الحلول هو الذي يسمح لشركة التأمين بممارسة دعوى الرجوع ابتداء من ذلك التاريخ و أن حقوق الأطراف تقدر يوم رفع الدعوى و بما أن عقد الحلول في القضية الراهنة لا يشير إلى أي تاريخ فإنه لا يسمح بمعرفة وقت التسديد للمرسل إليه و حق المؤمن في رفع دعوى الرجوع" . 
          في الحقيقة أن موقف المحكمة العليا الرامي إلى وجوب تقديم عقد حلول من طرف شركة التأمين يوم رفع الدعوى تحت طائلة عدم قبولها يكون مبررا لو كنا أمام  حالة حلول اتفاقي يتم بموجب اتفاق الموفي مع الدائن طبقا لأحكام المادة 262 من القانون المدني لكن حلول شركة التأمين محل المؤمن له يكون بموجب نص قانوني  يضمن لها هذا الحلول فيكون حلولها محل الدائن في جميع الدعاوى التي يرفعها حلولا قانونيا يجد أساسه في نص المادة 118 من قانون 95-07 التي سبقت الإشارة إليها دون حاجة لوجود عقد يخول لها ذلك ، خاصة و إن اشتراط وجود مثل هذا العقد يكون عندما لا يستطيع الموفي الحلول محل الدائن بموجب نص قانوني أي ألا يكون في حالة من حالات الحلول القانونية [1] و عليه فإن الصفة في رفع دعوى الحلول تثبت لشركة التأمين بدون حاجة لعقد حلول و ذلك بمجرد قيامها بدفع التعويض للمؤمن له بصفة سابقة لرفع الدعوى باعتبار أن دفعها لهذا التعويض هو الذي يكسبها الصفة في رفع الدعوى ، الشيء الذي يترتب عنه القول بأن المحكمة العليا قد جانبت الصواب عند فرضها لهذا الشرط .
        ويترتب على انتقال حق رفع الدعوى إلى شركة التأمين فقدان المستفيد من التعويض للصفة و المصلحة في رفع الدعاوى التي انتقلت إلى شركة التأمين و هذا ما أقرته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 1979.09.29 قضية رقم 153499 بقولها أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تجزئة الدعوى الرامية إلى تعويض الخسائر و السماح للمؤمن و المؤمن له أن يباشرا هذه الدعوى معا على أن المؤمن له المعوَُض جزئيا يبقى محتفظا بصفته في رفع دعوى للمطالبة بالجزء المتبقي من التعويض الذي لم يتحصل عليه من شركة التأمين (2) .

الشرط الثاني : وجوب رفع الدعوى في المهلة المحددة لها قانونا

     و سنؤجل الحديث عن هذا الشرط إلى المبحث الثاني المتعلق باحترام آجال رفع الدعوى.
الفرع الثاني : كيفية تحديد صفة التقاضي بالنسبة للمدعى عليه
      إن تحديد الأشخاص الذين يمكن رفع دعاوى ضدهم بمناسبة عقد نقل بحري للبضائع ، يكتسي أهمية بالغة على اعتبار أن الصفة في الدعوى مشترطة أيضا في المدعى عليه كما سبق بيانه . و بما أن الالتزام بنقل البضاعة من مكان إلى آخر هو من أهم الالتزامات المترتبة على عقد النقل ، فإن الإخلال به يشكل  موضوع أكثر الدعاوى طرحا على القضاء ، الشيء الذي يجعل من تحديد صفة الناقل عنصرا جوهريا لتحديد صفة المدعي عليه في أغلب الدعاوى الناشئة  عند عقد النقل البحري للبضائع .
    و إذا كان تحديد صفة الناقل لا يثير أية صعوبة في حالة نقل البضائع من طرف مالك السفينة أين يتولى هو استغلالها من الناحية التجارية في نشاط النقل البحري فإنه ليس بتلك السهولة في حالة إيجار السفينة ، و في حالة النقل البحري المتتابع أين يصبح تحديد صفة الناقل أكثر تعقيدا و هذا ما  سنتولى بيانه في النقطتين  التاليتين :
أولا: تحديد صفة الناقل في حالة إيجار السفينة
     إن استغلال السفن في مجال النقل البحري قد يكون من طرف مالكها أو من طرف من يستأجرها بموجب اتفاقية يلتزم بموجبها مؤجر السفينة بأن يضع سفينة تحت تصرف المستأجر مقابل أجر(1)
      و بالرجوع إلى مواد القانون البحري المنظمة لإيجار السفن يتضح لنا أن هناك ثلاث صور لإيجار السفينة ، نحاول تحديد صفة الناقل في كل واحدة منها :
1- إيجار السفينة بهيكلها :
و هو عقد يلتزم بمقتضاه المؤجر بوضع السفينة تحت تصرف المستأجر لمدة معينة دون تجهيزها بمؤن أو بحارة أو بعد تجهيزها تجهيزا غير كامل (2)
و يترتب عن هذا النوع من الإيجار انتقال التسيير  الملاحي و التجاري للسفينة       إلى المستأجر الذي يكتسب في هذه الحالة صفة الناقل البحري في مواجهة متلقي خدمة النقل  و هذا ما يؤكده نص المادة 730  من القانون البحري .
2- إيجار السفينة على أساس المدة :
في  هذا النوع من عقود إيجار السفن يلتزم المؤجر بوضع سفينة معينة كاملة التجهيز تحت تصرف المستأجر و ذلك لمدة محددة مقابل أجرة (1).
 و هنا يتحفظ المؤجر بالتسيير الملاحي للسفينة ، بينما يعود التسيير التجاري للسفينة لمستأجرها الذي تثبت  له صفة الناقل في هذه الحالة حسب نص المواد 700، 701 من القانون البحري.
3- إيجار السفينة على أساس الرحلة :
    و هو العقد الذي يلتزم بموجبه المؤجر بوضع سفينة كاملة التجهيز تحت تصرف المستأجر للقيام برحلة أو عدة رحلات و هنا يحتفظ المؤجر بالتسيير الملاحي           و التجاري  للسفينة  و يكتسب  على هذا النحو صفة الناقل البحري طبقا لنص المادة 651 من القانون البحري و هذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها غير منشور مؤرخ في 07-12-1995 قضية رقم 13894   (2) .
     و يتبين مما سبق أن تحديد نوع إيجار السفينة يكتسي أهمية بالغة في تحديد صفة الناقل و هذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها صادر بتاريخ 22/11/1994  قضية رقم 119766  أين اعتبرت أن تحديد نوع إيجار السفينة ضروري لتحديد المسؤولية  و قد  تضمنت إحدى حيثياته ما يلي :
    " حيث أن مجلس قضاء عنابة قرر وجود عقد إيجار سفينة بين المؤجر - شركة سبيلت هوفس -  و المستأجر الشركة الجزائرية للنقل البحري و أعفى المؤجر من كل مسؤولية  عن الخسائر اللاحقة بالبضائع  من دون أن يبين نوع عقد الإيجار و يوضح إذا كانت السفينة قد استأجرت على أساس الرحلة وفقا للمادة 650 و ما يليها من نفس القانون و في هذه الحالة يبقى المؤجر مسؤولا عن الخسائر أو إذا كانت السفينة مستأجرة لمدة معينة وفقا لأحكام المادة 695 و ما يليها من نفس القانون و في هذه الحالة  فالمسؤولية ترجع إلى المستأجر أو إذا كانت السفينة مستأجرة بهيكلها وفقا لأحكام المواد 723 و ما يليها من نفس القانون و في هذه الحالة فتكون المسؤولية على عاتق مستأجر السفينة وحده ،  و بما أن القرار المنتقد لم يعطى أي توضيح فيما يخص القانون المطبق و نوع عقد إيجار السفينة فإنه لم يسمح للمحكمة العليا إجراء
مراقبتها" (1)

 ثانيا : تحديد صفة الناقل في حالة النقل البحري المتتابع
          في حالة النقل البحري  المتتابع يتولى تنفيذ عقد النقل عدة ناقلين يقوم  كل واحد منهم إنجاز مرحلة معينة من مراحل نقل البضاعة من ميناء الشحن إلى ميناء التفريغ وذلك تماشيا مع مقتضيات عملية قد تستوجب هدا النوع من أنواع النقل.
         و الإشكال الذي يثور هنا هو كيفية تحديد صفة المدعى عليه أمام تعدد الناقلين المنفذين للنقل فمن منهم يملك صفة الناقل في مواجهة صاحب الحق على البضاعة
 و الذي يكون مسؤولا في مواجهته عن تنفيذ عقد النقل ،  الشيء الذي  يجعل منه مدعى عليه ذا صفة في دعوى المسؤولية التي قد ترفع عليه بسبب الأضرار اللاحقة بالبضاعة أو التأخر في تسليمها خاصة و أن الجزائر لم تنظم إلى اتفاقية هامبورغ(2) . التي نظمت أحكام النقل المتتابع في المادة 11 منها محددة مسؤولية كل ناقل  وعليه    و كمحاولة لتحديد من يثبت له صفة المدعى عليه في هذا النوع من عقود النقل نرجع لأحكام سند الشحن المباشر.الذي يتم إصداره بمناسبة عقود النقل التي يتولى تنفيذها عدة ناقلين متعاقبين و المنصوص عليها في المواد من 764 إلى 769 من القانون البحري .
        فبالرجوع إلى نص المادة 765 و المحددة للمسؤولية في حالة تعدد الناقلين نجد أنه يقر مسؤولية الناقل البحري مصدر وثيقة الشحن - و هو الناقل المتعاقد  - عن تنفيذ عقد النقل في كل المسافة التي تسري عليها الوثيقة أي من ميناء الشحن إلى ميناء التفريغ على أساس أن سند الشحن المباشر يضم عمليات النقل المختلفة في عقد واحد.
        و بالنسبة إلى الناقلين الآخرين فإنهم مسؤولون عن تنفيذ عقد النقل في المسافة التي تكفلوا فيها بالبضائع و ذلك بالتضامن مع الناقل المتعاقد مصدر سند الشحن.
     و من هنا نقول أن صفة المدعى عليه تثبت للناقل المتعاقد بالدرجة الأولى كما يمكن للمرسل إليه رفع الدعوى ضد الناقل الأخير الذي تسلم منه البضاعة باعتباره نائبا عن الناقل المتعاقد معه(1)  .
        كما  قد يثير تحديد صفة الناقل إشكال أيضا في حالة قيام عدة شركات ملاحية بتنفيذ عقد النقل و دلك في إطار الاستغلال الجماعي للسفن على شكل خدمة مشتركة  "Service combiné ou consortumوكذا في حالة قيام عدة ناقلين باستغلال سفينة واحدة في نفس الوقت و لتحديد صفة الناقل في هده الحالات لابد من الرجوع إلى البيانات سند الشحن و نفرق في هدا الصدد بين حالتين :
1 - سند الشحن الذي يحمل بيان خدمة مشتركة "Service Commun"
      و هي الحالة التي يكون فيها سند الشحن محرر في مطبوعة يحتوي عنوانها على بيان" خدمة مشتركة" بين شركتين أو أكثر يتم ذكرهم في السند ، و هنا حتى  تقبل الدعوى يجب أن ترفع ضدهم جميعا حتى و إن تم النقل بواسطة سفينة ملك لإحدى الشركات فقط(2) .
2 - سند الشحن يحمل بيان " اتحاد مجهزين "
وهي حالة السند الذي يشير إلى أن النقل يتولاه  اتحاد من المجهزين محددة أسمائهم في نفس السند وهنا تثبت لهم الصفة جميعا و يجب ذكر أسمائهم جميعا في العريضة خاصة وأن هدا النوع من الاتحادات لا يتوفر لديه الشخصية المعنوية (3) .
أما بالنسبة للحالة التي لا يذكر فيها اسم الناقل في وثيقة الشحن أو يذكر بشكل غير دقيق أو صحيح فإن مجهز السفينة التي تحمل البضاعة على متنها يعد هو الناقل حسب نص المادة 754.
هذا ويجوز رفع الدعوى ضد كل من الربان و وكيل السفينة  باعتبار أنهما ممثلان للمجهز حسب نص المادتين 588 ، 613 ق ب فحسب نص المادة 588 يقوم الربان بتمثيل المجهز أمام القضاء سواء أكان مدعيا أو مدعى عليه و ذلك في كل المنازعات المتعلقة بالسفينة و الرحلة عندما يكون هذا النزاع قد حصل خارج الأمكنة التي تقع فيها المؤسسة الرئيسية للمجهز أو يقع فيها فرع لها، كل هذا ما لم يقم المجهز بتعيين ممثلا آخر عنه من أجل تمثيله أمام القضاء.
    أيضا بالنسبة للمادة 613 فنجد أنها منحت لوكيل السفينة إمكانية تمثيل المجهز بصفته كمدعي أو كمدعى عليه إذا كان تمثيله يمنحه هذا الحق . 


المبحث الثاني: احترام آجال رفع الدعوى

     إن الحق في رفع دعوى ناشئة عن عقد نقل بحري للبضائع، مثله مثل الحق في رفع الدعاوى في القواعد العامة، مرتبط بمدة زمنية معينة يشترط أن يمارس خلالها، وهذا تحت طائلة عدم قبول الدعوى. فشروط قبول الدعوى لا تقتصر على شرطي المصلحة والصفة، اللذان بالرغم من توافرهما قد تكون دعوى المدعي غير المقبولة، لرفعها خارج الآجال المحددة لها، على أساس أن حقه في رفع الدعوى قد سقط بتقادم لعدم استعماله في المدة المحددة قانونا.
وعليه فسنحاول فيما يلي تحديد مدة تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع،وكذا كيفية حسابها بالتركيز على النقطة التي يبدأ منها الحساب وهذا من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: تحديد مدة تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع
المطلب الثاني: كيفية حساب مدة تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع

المطلب الأول: تحديد مدة تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع
لقد تولى المشرع تحديد مدة التقادم الخاصة بالدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع في المواد 742،743،744 من القانون البحري،والتي بالرجوع إليها نجد أنها قسمت هذه الدعاوى إلى 3 أقسام حددت لكل قسم منها مدة تقادم خاصة به .

الفرع الأول:الدعاوى المرفوعة ضد الناقل بسبب الفقدان أو الأضرار الحاصلة للبضائع
       حسب نص المادة 743 ق ب،حددت مدة التقادم بالنسبة لهذه الدعاوى بسنة واحدة مع إمكانية تمديد هذه المدة إلى سنتين بموجب اتفاق بين الأطراف، يتم بعد وقوع الحادث الذي ترتبت عنه الدعوى(1).
     وبتفحص نص نفس المادة لمحاولة تحديد الدعاوى التي تخضع لحكمها، نجد أنه ينص على الدعاوى التي ترفع بسبب فقدان البضاعة أو تضررها أثناء تنفيذ عقد النقل، دون أن يشير إلى الدعاوى التي قد ترفع بسبب التأخر في تسليم البضاعة من طرف الناقل(2) تطبيقا لنص المادة 805 من القانون البحري التي تعتبر الناقل مسؤول عن الضرر الناجم عن التأخر في تسليم البضاعة. وهنا يثور الإشكال حول المدة التي تتقادم بها هذه الدعاوى، هل هي المدة المشار إليها في المادة 743 أم المدة المنصوص عليها في المادة 742 من ق ب.
           إذا أخذنا بحرفية نص المادة 743 ق ب فإننا نستبعد تطبيق أحكام هذه المادة على  دعاوى المسؤولية الناجمة عن التأخر في التسليم ، ويصبح تقادمها إذن  خاضعا لأحكام المادة 742 ق ب خاصة وأن التأخير في التسليم لا يعتبر من قبيل الفقدان ولا من قبيل الضرر اللاحق بالبضاعة.
           و ذلك على أساس أن موضوع الدعوى في حالة التأخير يكون المطالبة بالتعويض عن الخسائر المالية اللاحقة بصاحب الحق على البضاعة بسبب عدم وصولها في الوقت المحدد.
           ومهما يكن من أمر فإنه بالنسبة للدعاوى المرفوعة ضد الناقل بسبب الفقدان أو الأضرار اللاحقة بالبضائع، أجاز المشرع للطرفين الاتفاق على تمديدها إلى سنتين بشرط أن يتم هذا الاتفاق بعد حصول الفقدان أو بعد اكتشاف الأضرار.
       غير أنه وفي المقابل يعتبر باطلا وعديم الأثر، كل اتفاق يقضي بتقليص مدة التقادم لأكثر من سنة. وهذا طبقا للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 322 من القانون المدني التي لا تجيز الاتفاق على أن يتم التقادم في مدة تختلف عن المدة التي عينها القانون. ومادام لا يوجد نص خاص في القانون البحري ينص على إمكانية تقليص مدة التقادم، فيبقى ذلك غير ممكن لأنه لا استثناء على القاعدة إلا بنص.
          هذا وتجدر الملاحظة إلى أنه في حالة النقل المتتابع للبضائع أين تتضمن عملية النقل جزء بحري وآخر بري أو جوي، فإن تحديد وقت وقوع الفقدان أو تضرر البضاعة مهم لتحديد مدة التقادم، فإذا ما حصل ذلك في المرحلة البحرية طبقت أحكام المادة743، أما إذا حصل الفقدان أو الضرر في المرحلة غير البحرية تطبق أحكام التقادم الخاصة بهذه المرحلة(1)   ، وذلك حسب القوانين المنظمة لكل نوع من أنواع النقل سواء النقل البري أو الجوي.

الفرع الثاني : دعاوى الرجوع 
        حسب نص المادة 744 من القانون البحري نجد انه يمكن رفع دعاوى الرجوع حتى بعد انقضاء المهلة المحددة في المادة 743 ق ب . أي مهلة السنة أو السنتين - في حالة الاتفاق على تمديد مدة التقادم- بشرط أن لا يتعدى هدا الأجل 3 أشهر من اليوم الذي يسدد فيه من رفع دعوى الرجوع،المبلغ المطالب به أو يكون قد استلم هو نفسه تبليغ الدعوى.
ويظهر من خلال نص هذه المادة، أن مدة 3 أشهر هي مدة مستقلة عن مدة السنة المحددة لرفع الدعوى الأصلية،وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 06/05/1997 عن الغرفة التجارية والبحرية ملف رقم 151318 الذي جاء في إحدى حيثياته أنه "يمكن أيضا رفع دعوى الرجوع وفقا لأحكام المادة 744 من القانون البحري حتى  بعد انقضاء مهلة 3 أشهر ابتداء من تاريخ تسديد قيمة الدين".
         ويترتب عن هذه الاستقلالية قبول دعوى الرجوع المرفوعة بعد انقضاء مهلة 3 أشهر من تسديد قيمة الدين، إذا تم رفعها قبل انقضاء مهلة السنة. على اعتبار أن أحكام المادة 743 هي الأصل وأن أحكام المادة 744 لا تطبق إلا في حالة انقضاء السنة أو السنتين عند التمديد الاتفاقي
المنصوص عليها في المادة 743 وهذا ما قضت به المحكمة العليا في نفس القرار.
             هذا وإن كان تحديد ميعاد تقادم دعوى الرجوع مهما، فإن تحديد الدعاوىالخاضعة له، أو التي تصدق عليها تسمية دعوى الرجوع هو أكثر أهمية، على أساس أنه لابد لنا من تحديد نطاق تطبيق نص المادة 744، وما هو المقصود بدعاوى الرجوع،وهل أن الدعوى التي  ترفعها شركة التأمين التي أمنت البضاعة لصالح الشاحن أو المرسل إليه ضد الناقل هي دعوى رجوع تخضع في تقادمها لأحكام المادة744 من القانون البحري السابقة الذكر؟


           إن حق الرجوع مكفول لكل من قام بوفاء دين غيره بدلا عنه، ما لم يكن قد وفاه بصفته كنائب عن المدين، إذ يعتبر في هذه الحالة كأنه قد وفى دين نفسه، ويستمد حق الرجوع أساسه من نص المادة 259 من القانون المدني.
           وفي هذا الصدد نجد أن القانون البحري قد نص على بعض دعاوى الرجوع في المواد المنظمة لعقد النقل البحري للبضائع، مثل المادة 766 التي تنص على حق رجوع الناقل المتعاقد على الناقلين الآخرين في حالة النقل المتتابع، وكذا نص المادة 779 التي يستخلص منها حق رجوع الناقل الذي أثيرت مسؤوليته بسبب تضرر البضائع التي قام بنقلها، على الشاحن المسؤول عن أي ضرر يلحق ببضائع الآخرين من جراء خطئه أو خطأ مندوبيه ، إضافة إلى حق الناقل الذي أثيرت مسؤوليته، في رفع دعوى ضد الشاحن الذي أصدر له ورقة ضمان مقابل حصوله على سند شحن نظيف خال من التحفظات، وكذا على الشاحن في حالة عدم صحة تصريحاته فيما يتعلق بالعلامات وعدد وكمية ووزن البضائع وهذا طبقا لنص المادة 753 ق ب.
فهذه هي الدعاوى التي تخضع في تقادمها لأحكام المادة 744.
         بالنسبة للدعاوى التي ترفعها شركة التأمين المؤمنة على البضائع لصالح الشاحن أو المرسل إليه ضد الناقل فقد اعتبرتها المحكمة العليا من قبيل دعاوى الرجوع. تخضع في تقادمها إلى أحكام المادة 744 ق ب. حسب ما يظهر من خلال قرارها المؤرخ في 06/05/97 الذي سبقت الإشارة إليه.
       وهذا هو مضمون الشرط الثاني الذي وضعته المحكمة العليا لقبول دعاوى شركات التأمين، إضافة إلى عقد الحلول كما سبق بيانه فقط اعتبرت أن دعوى شركة التأمين يمكن رفعها حتى بعد انقضاء مهلة السنة المنصوص عليها في المادة 743، وذلك في مهلة 3 أشهر ابتداء من تاريخ تسديد قيمة الدين.
      في الحقيقة إن تصنيف المحكمة العليا لدعوى شركة التأمين ضمن دعاوى الرجوع وبالتالي إخضاعها لأحكام المادة 744 من ق ب لا يعتمد على أي أساس قانوني، على اعتبار أن دعوى شركة التأمين هي في الحقيقة دعوى  حلول تستمد أساسها من عقد التأمين الذي أبرمته مع الشاحن أو المرسل إليه وكذا من  نص المادة 118 من القانون 95-07 الخاص بالتأمينات كما سبق بيانه.
     فشركة التأمين عند دفعها التعويض للمرسل إليه أو الشاحن لا يكون ذلك وفاء لدين المدين الحقيقي، وهو الناقل باعتباره المسؤول عن الخسائر و الأضرار اللاحقة بالبضائع، وإنما يكون نتيجة لتحقق الخطر المؤمن منه. و على هذا فهي لا ترفع دعوى رجوع ضد الناقل وإنما تحل محل دائنه في حقه في رفع دعوى ضده عن طريق الحلول التي ترفعها هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن حلول شخص محل الدائن يترتب عنه انتقال حق هذا الأخير إليه بكل ما لهذا الحق من مقومات وخصائص وما يكفله من تأمينات وما يرد عليه من دفوع(1) وعليه فإذا كان حق الشاحن أو المرسل إليه في رفع دعوى ضد الناقل يتقادم بمدة زمنية معينة ينتقل هذا الحق إلى شركة التأمين بمجرد دفعها للتعويض قابلا للسقوط  بالتقادم بنفس المدة.
وعليه فإن تقادم دعوى شركة التأمين في هذه الحالة لا يخضع إلى أحكام المادة 744 ق ب وإنما إلى أحكام المادة 743 ق ب.
الفرع الثالث: الدعاوى الأخرى الناتجة عن عقد النقل البحري للبضائع
         حددت المادة 742 مدة التقادم بالنسبة لجميع الدعاوى الناتجة عن عقد النقل البحري للبضائع  - فيما عدى الدعاوى التي يحكم تقادمها نصوص المواد 743,744 ق ب. -  وجعلت مدة التقادم فيها بسنتين.
وعليه ففيما عدى الدعاوى المرفوعة ضد الناقل بسبب فقدان البضاعة أو تضررها وكدا دعاوى الرجوع، فإن كل دعوى يمكن أن تنتج عن عقد نفل بحري للبضائع تحدد  مدة تقادمها بسنتين ومن هنا نجد أن المادة 742 وضعت كقاعدة عامة لتقادم دعاوى النقل البحري للبضائع.
      وكمثال عن الدعاوى التي قد تنتج عن عقد النقل البحري للبضائع فيما عدى تلك المنصوص عليها في المادتين 743 ,744 لدينا:
- دعوى الناقل ضد الشاحن أو المرسل إليه حسب الحالة للمطالبة بأجرة النقل المادتين:797 ،791 ق ب.
- دعوى الناقل ضد المرسل إليه بسبب التأخير غير المبرر في استلام البضائع
م 794 ق ب
       و في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى الدعاوى الناشئة عن عقد البيع المبرم بين الشاحن والمرسل إليه تخضع في تقادمها إلى القواعد العامة على أساس أنها ليست بدعاوى بحرية.
         وأيضا في حالة نقل البضائع بموجب مشارطه إيجار سفينة أين يتولى الشاحن تأجير سفينة على أساس الرحلة لنقل بضاعته وهي الحالة التي يكتسب فيها المؤجر  صفة الناقل البحري فإن الدعاوى الناشئة عن هذا العقد تخضع في تقادمها لأحكام
م 692 ق ب و هي مدة سنة يبدأ حسابها من يوم التفريغ الكامل للسفينة أو من يوم الحادث الذي وضع نهاية للرحلة.
  ختاما نلاحظ أي مدد تقادم الدعاوى البحرية تعتبر قصيرة بالمقارنة مع مدة التقادم المحددة في القواعد العامة(1) وهذا نظرا لمتطلبات التجارة البحرية و ما لعامل الزمن من أهمية كبرى فيها، وأيضا حماية للناقل حتى لا يبقى مهددا لمدة طويلة برفع دعاوى ضده بسبب عقود نقل أنجزها منذ فترة طويلة، وكذا رغبة من المشرع في الإسراع في تسوية ما ينشأ عن هذا العقد من منازعات.



المطلب الثاني: كيفية حساب مدة تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد النقل  
                      البحري للبضائع.
      إن أهم ما يجب تحديده لحساب مدة التقادم هو نقطة انطلاق المواعيد، وهذا ما يتم التطرق له في الفرع الأول، ثم نتطرق إلى القواعد المطبقة على كيفية الحساب وما قد يطرأ  من عوارض قد يؤدي إلى وقف أو انقطاع التقادم في الفرع الثاني.

الفرع الأول: تحديد نقطة انطلاق التقادم

       بالرجوع إلى القانون البحري نجد أن المادة 742 حددت نقطة انطلاق التقادم بيوم تسليم البضاعة أو اليوم الذي كان يجب أن تسلم فيه ، وذلك بالنسبة لجميع الدعاوى الناتجة عن عقد النقل البحري مشيرة إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار  أحكام المواد 743 ،744  من القانون البحري .
       و بما أن المادة 743 ق ب لم تحدد نقطة خاصة بانطلاق المواعيد بالنسبة لدعاوى الفقدان أو الأضرار اللاحقة بالبضاعة المرفوعة ضد الناقل ، فإنها  بالتالي ترجع ذلك لأحكام المادة 742 .
       ويظهر أن اختيار المشرع ليوم تسليم البضاعة كنقطة بداية لحساب مواعيد التقادم ، جاء متطابقا مع مقتضيات عقد النقل البحري على أساس أن يوم التسليم هو اليوم الذي تخرج فيه البضاعة من عهدة الناقل حسب المادة 802 ق ب . إذ يعتبر هذا الأخير مسؤولا على الخسائر و الأضرار اللاحقة بالبضاعة منذ تكفله بها حتى تسليمها إلى المرسل إليه .إضافة أن يوم التسليم هو اليوم الذي ينتهي فيه عقد النقل طبقا لإحكام المادة 739 ق ب .
و قد تعرض المشرع لإجراء التسليم في المواد المنظمة لتنفيذ عقد النقل البحري للبضائع ، إذ اعتبره التزام من الالتزامات الواقعة على عاتق الناقل في ميناء الوصول حسب نص المادة 782 ق ب لكن دون أن يعرفه. و هذا ما جعل المحكمة العليا تتدخل لتحديد مفهومه في قرارها الصادر بتاريخ 1993.12.20 تحت رقم 111518 الذي جاء في إحدى حيثياته أن التسليم بالمفهوم القانوني يتم عندما يعرض الناقل أو ممثله البضائع للمرسل إليه أو ممثله و يحصل على قبول هذا  الأخير(1) .
      و هذا ما كرسته أيضا في قرارها الصادر بتاريخ 1997.07.22 عن الغرفة التجارية و البحرية ملف رقم 153230 الذي جاء في إحدى حيثياته ما يلي :" إن عقد النقل البحري لا ينتهي إلا بعد تسليم البضاعة من الناقل أو ممثله إلى المرسل إليه      أو ممثله ، عملا بمقتضيات المادة 802 ق ب " (2) .
      و هو نفس الموقف الذي اتخذته محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 1992.12.17 الذي اعتبرت فيه  أن التسليم يتجسد في عملية تحويل الحيازة من الناقل إلى المرسل إليه (3).
     و على هذا الأساس فلا يعتبر تفريغ البضائع في ميناء الوصول نقطة لانطلاق ميعاد التقادم فقد قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 1994.04.18 تحت رقم 633 120  بنقض قرار مجلس قضاء الجزائر ، الذي حكم بانقضاء  دعوى المرسل إليه ، لكونها رفعت بعد مضي سنة تسري من تاريخ تفريغ الحمولة .           و أوضحت أن مهلة السنة تسري من تاريخ تسليم البضائع وليس من تاريخ تفريغها     و من هنا نقول أنه بالنسبة لدعاوى المسؤولية المرفوعة ضد الناقل بسبب الأضرار اللاحقة بالبضاعة فإن انطلاق ميعاد التقادم يكون من يوم التسليم الفعلي للبضائع إلى المرسل إليه  أو ممثله  ، و إذا أستغرق التسليم عدة أيام يبدأ الحساب من يوم انتهاء وضع البضاعة بأكملها في عهدة المرسل إليه .
      و على هذا فإن الإشعار الذي يرسله الناقل للمرسل إليه بوضع البضاعة تحت تصرفه ، ليس إلا إعلان عن بداية إنزال البضاعة من طرف الربان و ليس تسليما(4).
(4) lamy transport op . cit . p 387
 
      هذا و إذا لم يتقدم المرسل إليه إلى استلام البضاعة أو رفض استلامها يقوم الناقل بإيداعها في المستودع بمكان أمين على نفقة المرسل إليه ويقوم فورا بإعلام الشاحن بذلك و كذا المرسل إليه إذا كان معروفا و هذا حسب نص المادة  793 ق ب  و يبدأ في هذه الحالة حساب ميعاد التقادم من تاريخ هذا  الإخطار .
                بالنسبة لدعاوى المسؤولية المرفوعة بسبب فقدان البضاعة أو ما يدخل في حكمه مثل حالة الهلاك الكلي للبضاعة أين لا يمكن تصور حدوث  تسليم فان انطلاق المواعيد يكون من اليوم الذي كان من المفروض أن يتم فيه التسليم . وقد ذهب القضاء الفرنسي إلى اعتبار أن بداية حساب مواعيد التقادم في حالة فقدان البضاعة ، يكون من يوم وصول السفينة إلى ميناء التفريغ أو على أكثر تقدير من آخر يوم انتهى فيه التفريغ (1)
        أما فيما يتعلق بدعاوى الرجوع نجد أن نص المادة 744 ق ب تضع نقطة أخرى لانطلاق مواعيد التقادم بالنسبة لهذه الدعاوى . فإن كان من الممكن رفع دعاوى الرجوع خلال المدة المنصوص عليها في المادة743 و التي يبدأ حسابها كما سبق بيانه بناء على واقعة  التسليم، فانه يمكن أيضا رفعها خارج هذا الأجل لمدة لا تتجاوز  ثلاثة أشهر من يوم تسديد المبلغ المطالب به أو استلام تبليغ الدعوى .
       و على هذا الأساس نجد أن المدة الإضافية الممنوحة لدعاوى الرجوع يبدأ حسابها من يوم تسديد المبلغ المطالب به ، في حالة المطالبة الودية ، أو من يوم استلام من يمارس دعوى الرجوع التكليف بالحضور للدعوى التي يطالب فيها بتسديد المبالغ المستحقة ، من حالة المطالبة القضائية.
1.          الفرع الثاني : القواعد الخاصة باحتساب مدة التقادم :
        يخضع احتساب مدة تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني . إذ أن مدة التقادم تحسب بالأيام وتكتمل المدة بانقضاء آخر يوم منها مع عدم احتساب اليوم الأول طبقا لنص المادة 314 من القانون المدني .
        كما تخضع هده المدة لنفس أحكام الوقف و الانقطاع الواردة  في المواد من 316 إلى 319 من القانون المدني . علما أن اللجوء إلى التحكم يترتب عليه  انقطاع مدة التقادم أيضا(2).
        وتجدر الإشارة أيضا إلى أن التحفظات المقدمة للناقل من طرف المرسل إليه ليس من شأنها أن تؤجل بداية حساب التقادم أو أن تقطعه ولا أن تؤثر عليه .
       و هذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 1995.09.12 ملف رقم 132510 ، أين اعتبرت أن عدم تقديم التحفظات في الآجال المنصوص عليها في المادة 790 لا يؤدي إلى تقادم دعوى المرسل إليه أو سقوط حقه في المطالبة ، لكن يسمح له بإثبات الخسائر أو الأضرار اللاحقة بالبضائع حسب الطرق القانونية التي تنص عليها  المادة 790 ق ب . فالأثر الوحيد لعدم إبدائها هو قيام قرينة لصالح الناقل على أن  استلام البضائع تم  على الوصف الذي جاءت به  في وثيقة الشحن ، إلى غاية إثبات المرسل إليه عكس ذلك.
        في الأخير ننوه إلى أن الدفع بتقادم الدعوى ليس من النظام العام ، فلا يجوز للقاضي أن يثيره تلقائيا بل يجب أن يتم ذلك من طرف الخصوم ، الذين يحق لهم إبدائه في     أية  مرحلة كانت عليها الدعوى ، ولو لأول مرة أمام المجلس القضائي طبقا لنص المادة 231 من القانون المدني ،على اعتبار أن المدد المنصوص عليها في المواد: 742 ، 743 ، 744 هي مدد تقادم    délais


 de prescription  وليست مدد سقوط «délais de déchéance »   (1)

 ↚
 

الفصل الثاني:الإختصاص في نظر الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع

       إذا كان تحديد الجهة القضائية المختصة نوعيا بنظر الدعاوى البحرية بصفة عامة لا يثير أي إشكال ولا تعترضه أية صعوبة نظرا لاعتبار المحاكم جهات قضائية خاصة بالقانون العام و التي يعتبر الفرع البحري أحد فروعها فإن تحديد الجهات القضائية المختصة محليا بنظر هذه الدعاوى أمر مهم خاصة إذا علمنا أن هناك أحكام خاصة بالدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري في هذا المجال .
ومن جهة أخرى تظهر أهمية التطرق إلى موضوع الاختصاص عند الإشارة إلى التحكيم البحري كوسيلة موازية للقضاء الوطني في فض المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بمناسبة عقد نقل بحري للبضائع على أساس إن اللجوء له يؤثر على الاختصاص القضائي.
وعلى هذا فسنقسم دراسة هذا الفصل إلى المبحثين التاليين :
المبحث الأول : الاختصاص المحلي في نظر الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع .
المبحث الثاني : تأثير التحكيم البحري على الاختصاص القضائي .

المبحث الأول :  الاختصاص المحلي في نظر الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع
     إن تحديد المحكمة المختصة محليا بنظر المنازعات البحرية بصفة عامة و المنازعات الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع بصفة خاصة يكتسي قدرا من الأهمية ، خاصة أمام تعدد النصوص المنظمة للاختصاص المحلي بالنسبة لهذه الدعاوى سواء في قانون الإجراءات المدنية أو في القانون البحري ، و كذا لإمكانية وجود اتفاق يمدد من هذا الاختصاص نظرا لعدم اعتبار أحكام الاختصاص المحلي من النظام العام . و على هذا الأساس سنحاول في المطلبين التالين التطرق إلى كل من التحديد القانوني و الإتفاقي للمحكمة المختصة محليا.

المطلب الأول: التحديد القانوني للاختصاص المحلي
لقد تولت المادة 745 من القانون البحري تحديد الجهات القضائية المختصة محليا بنظر الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع إذ نصت على ما يلي : " ترفع القضايا التي تتعلق بعقد النقل البحري أمام الجهات القضائية المختصة إقليميا حسب قواعد القانون العام " . وهو نص المادة باللغة العربية .غير أننا بالرجوع إلى النص الفرنسي نجد أن هذه المادة تحتوي على فقرة ثانية توسع فيها الاختصاص المحلي ليشمل إضافة إلى ما هو موجود في القواعد العامة ،      
المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها ميناء الشحن ، أو ميناء التفريغ بشرط أن يكون هذا الميناء واقع في الإقليم الوطني ، و هذا هو فحوى ه
ذه الفقرة الثانية التي تنص على ما يلي :
"Elles peuvent , on outre, être portées devant la juridiction du port de chargement ou devant la juridiction du porte de déchargement , si celui-ci est situé sur le  territoire national".
        وقد طرح هذا الاختلاف بين النص العربي و النص الفرنسي للمادة 745 ق ب مشكل تحديد أيهما أولي بالتطبيق ، خاصة و أن النص العربي هو النص الرسمي ،  إلا أن المحكمة العليا قد حسمت الجدل في هذه النقطة و أكدت على وجوب تطبيق أحكام الفقرة الثانية للمادة 745 الواردة في النص الفرنسي  من خلال قرارها الصادر بتاريخ 1997.12.16  عن الغرفة التجارية          و البحرية ملف رقم 162697(1) . الذي جاء في إحدى حيثياته ما يلي: "حيث انه يجوز حسب

المادة 745 المذكورة أعلاه رفع الدعوى إما أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه وفقا للفقرة الأولى وإما أمام المحكمة التي يوجد فيها ميناء تفريغ البضائع وفقا للفقرة الثانية ".
ومن هنا نجد أن المشرع الجزائري قد وسع الاختصاص المحلي في هذا النوع من القضايا حسب مقتضيات المادة 745 ق .ب السالفة الذكر، بإعطائه للمدعى الحق في اختيار المحكمة التي يرفع أمامها دعواه ، أما بالرجوع للقواعد العامة للاختصاص المحلي المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية ، أو بالرجوع لأحكام الاختصاص الخاصة بالدعاوى البحرية المنوه عنها في المادة المذكورة أعلاه. و على هذا الأساس سنقسم دراسة هذا المطلب إلى فرعين نتناول في الفرع الأول كيفية تحديد الاختصاص بالرجوع للقواعد العامة و في الثاني تحديد الاختصاص طبقا لمقتضيات القانون البحري.
الفرع الأول: تحديد الاختصاص وفقا للقواعد العامة
         لقد أحالتنا المادة 745 من ق ب على القواعد العامة للاختصاص المنوه عنها في قانون الإجراءات المدنية باعتباره القانون المحدد لقواعد الاختصاص المحلي للجهات القضائية هذا الأخير يتضمن مادتين في الاختصاص المحلي وهما المادة 08 ، 09 اللتان نحاول من خلالهما  تحديد  المحكمة المختصة.
1-المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه:
           حسب مقتضيات المادة الثامنة من قانون الإجراءات  المدنية يعتبر موطن المدعى عليه هو المرجع  لتحديد المحكمة المختصة محليا بنظر النزاع بالنسبة لجميع الدعاوى الخاصة بالأموال المنقولة و دعاوى الحقوق الشخصية العقارية و كذلك في جميع الدعاوى التي لم ينص فيها على اختصاص محلي خاص فإن لم يكن للمدعى عليه موطن معروف يعود الاختصاص للجهة القضائية التي يقع في دائرتها  محل إقامته وإن لم يكن له محل إقامة معروف فيكون الاختصاص للجهة القضائية الواقع بدائرتها آخر موطن له.
       ونعود في تحديد مفهوم الموطن لأحكام القانون المدني التي تضمنتها المواد من 36 إلى 39 منه وفي حالة ما إذا كان المدعى عليه شخص معنوي – شركة تجارية مثلا – وهو الحال الغالب في عمليات النقل أين تتولى شركات ملاحية إنجاز عقود النقل البحري للبضائع فإن موطنها يتحدد


بالمكان الذي يوجد فيه مركز إدارتها أو بصفة أدق عند التحدث عن الشركات بالمكان الذي يوجد فيه مركزها الرئيسي حسب نص المادة 50 ق المدني .
    و في حالة تعدد المدعى عليهم نطبق مقتضيات المادة 9 فقرة 3 من ق إ م التي تسند الاختصاص للجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها موطن أحدهم أو مسكنه .
    على أنه تجدر الإشارة إلى أن الاختصاص المحلي للمحكمة لا يحدد أبدا بموطن الوكيل حتى و إن كانت معظم المعاملات البحرية تتم عن طريق وسطاء  فالدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع لا يمكن رفعها أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها موطن السمسار البحري
أو موطن الوكيل بالعمولة أو وكيل الحمولة و لا حتى  وكيل السفينة ، الذين تعاقدوا  لفائدة الشاحن أو الناقل أو حتى المرسل إليه(1)
2 - الجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها الوعد و تسليم البضاعة:
          بالرجوع إلى المادة 9 ق إ م نجدها تنص في فقرتها السادسة على ما يلي : " وفي الدعاوى التجارية غير الإفلاس و التسوية القضائية أمام الجهة القضائية التي وقع في دائرة اختصاصها الوعد وتسليم البضاعة أو أمام الجهة القضائية التي يجب  أن يتم الوفاء في دائرة اختصاصها".
          و بما أن عقد النقل هو عمل تجاري فان نص هذه الفقرة يطبق على الدعاوى الناشئة عنه و يصبح على هذا الأساس للمدعى حق الاختيار بين مقتضيات هذه الفقرة و مقتضيات هذه المادة 8 / 1 ق إ م وهذا خلافا لما قد يفهم من قرار المحكمة العليا السابق الإشارة إليه والمتعلق بالاختصاص المحلي و الذي عند تفسيره لمصطلح القواعد العامة للاختصاص المحلي الوارد في نص المادة 745  ق ب حصره في أحكام المادة 8 من ق إ م فقط (2)متجاهلا بذلك أحـكام المــــــادة
9 من نفس القانون .
           

        في الحقيقة أن تطبيق نص المادة 09 في فقرتها السادسة على المنازعات الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع يطرح مجموعة من التساؤلات تتمثل في تحديد مكان الوعد ومكان تسليم البضاعة .
حسب RODIERE  فإن الوعد يتم في مكان إبرام العقد وأن تسليم البضاعة يتم في ميناء الوصول بالنسبة للعلاقة بين الناقل والمرسل إليه وفي ميناء الشحن بالنسبة للعلاقة بين الشاحن والناقل .
3- محكمة موطن المرسل أو المرسل إليه:
       أضافت المادة 9 في فقرتها الأخيرة معيار آخر لتحديد الاختصاص بالنسبة لكل المنازعات الخاصة بالمراسلات والأشياء الموصى عليها والإرساليات ذات القيمة المصرح بها وطرود البريد مانحة للمدعى إمكانية رفعها أمام محكمة موطن المرسل أو موطن المرسل إليه.
     و باعتبار النقل البحري هو وسيلة من وسائل إيصال هذه الإرساليات فإن أحكام هذه الفقرة تنطبق عليه.
الفرع الثاني: تحديد الاختصاص وفقا للقانون البحري
     بالرجوع إلى نص المادة 745 من القانون البحري نجد أنها وسعت من قائمة المحاكم المختصة محليا بنظر الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري وذلك في فقرتها الثانية كما سبق بيانه مانحة أطراف هذه الدعاوى إمكانية رفع دعواهم أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها ميناء الشحن أو ميناء التفريغ بشرط أن يكون هذا الميناء متواجدا على الإقليم الوطني.











المطلب الثاني:التحديد الإتفاقي  للاختصاص المحلي
          إضافة إلى أحكام الاختصاص المذكورة في النصوص القانونية يمكن للأطراف الاتفاق على إسناد الاختصاص المحلي في نظر نزاعهم لمحكمة من غير المحاكم المذكورة في المواد القانونية المحددة للاختصاص نظرا لاعتبارات يرونها جديرة بالمراعاة .  وذلك بموجب شروط خاصة بتحديد الاختصاص القضائي يتم إدماجها إما في العقود التي يبرمونها فيما بينهم أو في اتفاق لاحق لنشوب النزاع.
       وفي مجال النقل البحري للبضائع نجد أنه عادة ما تتضمن سندات الشحن شروط تحدد المحكمة المختصة محليا بنظر النزاعات التي قد تنشأ بمناسبة عقد النقل.وفي هذا الصدد فإن أهم سؤال يطرح هو مدى شرعية هذه الشروط وما هي شروط صحتها الشيء الذي نتناوله في الفرعين التاليين:

الفرع الأول: شرعية شروط التحديد الاتفاقي للاختصاص المحلي
         إن تحديد شرعية الشروط المحددة للمحكمة المختصة محليا والواردة في سند الشحن يتم بالرجوع إلى القواعد القانونية المطبقة على العقد أو قانون مكان إصدار سند الشحن (1)
        بالنسبة لموقف القانون الجزائري من شرعية هذه الشروط نجده موضح في نص المادة 28 من ق إ م التي جاء فيها ما يلي : "يجوز لطرفي الخصومة دائما الحضور باختيارهما أمام القاضي حتى ولو لم يكن مختص محليا بنظر الدعوى وفي هذه الحالة يوقعان إقرار بقبولهما التقاضي إذا كان يمكنهما الإمضاء وإلا يشار إلى عدم إمكانهما ذاك .وإذ داك يكون القاضي مختصا طيلة أمد التقاضي وكذلك المحكمة التي يؤول إليها الأمر في حالة الاستئناف". 
       ومن خلال هذا النص يتضح أن المشرع الجزائري لم يمنع الاتفاق على تحديد محكمة مختصة محليا غير تلك المنصوص عليها قانونا وهذا راجع إلى طبيعة قواعد الاختصاص المحلي وعدم تعلقها بالنظام العام، فالغرض منها هو تيسير اللجوء إلى العدالة من طرف المتقاضين الذين هم أولى بتحديد المكان الأنسب لهم.



الفرع الثاني: شروط صحة التحديد الاتفاقي للاختصاص المحلي
      حتى تكون شروط التحديد الإتفاقي للإختصاص المحلي  صحيحة ومنتجة لآثارها بحيث يمكن الدفع بعدم احترامها أمام القضاء يجب أن تتوفر فيها مجموعة من الشروط نتولى بيانها فيما يأتي:
1-  قبولها من طرف المحتج بها في مواجهته:
      باعتبار أن هذا التحديد للاختصاص المحلي هو تحديد اتفاقي فإنه من غير الممكن أن يكون صادرا عن الإرادة المنفردة لواضعها وإنما يجب أن تكون ناجمة عن اتفاق الأطراف الذين قبلوا بها وهنا نميز بين قبول كل من الشاحن والمرسل إليه لهذه الشروط ومدى جواز الاحتجاج بها في مواجهة كل واحد منهم.
·        الشاحن:
        إن ورود هذه الشروط في سند الشحن لا يكسبها أي قيمة تعاقدية إلا إذا ثبت أن الشاحن قد علم بها وقبلها على الأقل يوم إبرام العقد وهذا من خلال توقيعه على سند الشحن (1) وعليه فإن توقيع الشاحن لسند الشحن شرط جوهري لنفاذ هذه الشروط في مواجهته واعتبارها صحيحة.
·        المرسل إليه:
         لمدة زمنية طويلة اعتبر الفقه والقضاء الفرنسيين أن الشروط المحددة للاختصاص المحلي المقبول الشاحن مقبولة أيضا من طرف المرسل إليه (2) .
        ولكن موقف محكمة النقض الفرنسية الجديد اتجه إلى اعتبار أن الشروط المحددة للاختصاص المحلي والظاهرة في سند الشحن لا يمكن الاحتجاج بها في مواجهة المرسل إليه الذي لم يقبلها عند إبرام العقد "26.05.1992 . cass.com". واشترطت للاحتجاج بهذه الشروط قبل المرسل إليه أن يقبلها هذا الأخير على الأقل يوم تسلمه البضائع مؤكدة على أن مجرد حيازته البسيطة لسند الشحن ليست دليل على قبوله لهذه الشروط وأن هذا القبول يتأكد بتوقيع المرسل إليه أو أحد مندوبيه أو وكلاءه على سند الشحن"cass.com 10.01.1995 " (3)  .



وأعتقد أن موقف محكمة النقض الفرنسية هو الأولى بالإتباع في هذه الحالة وإن كان مخالفا لفكرة انصراف شروط سند الشحن إلى المرسل إليه ، على أساس أن قواعد الاختصاص المحلي وجدت لتسهيل لجوء المتقاضين إلى العدالة ، وأن إلزام المرسل إليه باتفاق لم يكن طرف فيه يسند الاختصاص إلى محكمة غير المحكمة المختصة محليا طبقا للقانون يؤدي إلى إرهاقه وجعل لجوئه إلى القضاء أمرا شاقا فيصبح نفس السبب الذي أدى بالمشرع إلى السماح بالاتفاق على مخالفة قواعد الاختصاص المحلي هو الذي يمنع سريان هذا النوع من الاتفاقات في مواجهة المرسل إليه الذي لم يكن طرفا فيها.
2-أن تكون هذه الشروط مقروءة:
          يجب أن تكون هذه الشروط المدمجة في سندات الشحن مكتوبة بطريقة تجعلها مقروءة(1) فقد قضت المحاكم الفرنسية في العديد من المناسبات بعدم قبول هذا النوع من الشروط إذا كانت مكتوبة بحروف صغيرة لا يمكن قراءتها إلا باستعمال المجهر(محكمة استئناف روان Rouen حكم بتاريخ 08-02-1974 ).
      كما يجب أن تكون هذه الشروط موضوعة بطريقة واضحة تميزها عن غيرها من شروط السند فقد قضي في فرنسا بعدم قبول الشروط المكتوبة بحروف صغيرة والمدمجة بدون أي تمييز مع 36 مادة تضمنها سند الشحن (محكمة Eix-en-Provence حكم بتاريخ 20-03-1979)(2)   



المبحث الثاني : تأثير التحكيم البحري على الاختصاص القضائي .
       يعتبر التحكيم  البحري نظام قانوني لحل المنازعات البحرية (1) وهو نظام معروف مند القدم        ساعدت على ازدهاره وانتشاره العديد من الاعتبارات منها تجنب طول وبطء التقاضي أمام المحاكم خاصة وأن عامل السرعة يعتبر من العوامل الهامة في تنفيذ المعاملات التجارية إضافة إلى  سرية جلسات التحكيم وكذا إلى الخبرة التي يتميز بها المحكمون على أساس أن أطراف التحكيم يراعون في اختيارهم المحكمين مدى تخصصهم في موضوع النزاع (2) وعلمهم بمقتضيات التجارة البحرية والنقل البحري وهذا ما جعل اللجوء إلى التحكيم أمرا منتشرا في مجال العلاقات التجارية الدولية بصفة عامة وفي مجال العلاقات البحرية بصفة خاصة .
         وفي الجزائر يعتبر المرسوم التشريعي رقم 93-09 المؤرخ في 25-04-1993 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات المدنية , أول قانون يكرس التحكيم التجاري الدولي  صراحة وبوضوح بعد سنوات عديدة من رفض اللجوء إليه في تسوية المنازعات (3) حيث أصبح من الجائز للأفراد وكذا للأشخاص المعنوية العامة فيما يتعلق بعلاقاتها التجارية الدولية اللجوء إلى التحكيم .
ويتم اللجوء إلى التحكيم بموجب اتفاق يتعهد بمقتضاه أطراف العلاقة البحرية على أن يحيلوا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو ستنشأ مستقبلا عن هذه العلاقة .
     وقد يأخذ هذا الاتفاق إما صورة مشارطة التحكيم ويكون ذلك في حالة اتفاق الأطراف في عقد مستقل على عرض المنازعات التي نشأت بالفعل على التحكيم وإما في صورة شرط التحكيم أين يتفق الأطراف بناءا على شرط صريح في العقد المبرم بينهما على عرض المنازعات التي قد تنشأ مستقبلا عن هذه العلاقة على التحكيم وهي الصورة الغالبة في مجال النقل البحري إذا نجد أن هذا النوع من الشروط عادة ما يتم إدماجه  في سندات الشحن المحررة بمناسبة عقود النقل المبرمة بين الشاحن والناقل .
          في الحقيقة أن التطرق لموضوع التحكيم البحري في هذا البحث هدفه تحديد تأثير الاتفاق التحكيمي عل الاختصاص القضائي للمحاكم وبصفة أدق على اختصاص القاضي البحري وكذا تحديد الشروط الواجب توافرها في هذا الاتفاق حتى ينتج أثره وهذا ما سنحاول التطرق له في


المطلبين التاليين أين نبدأ بتحديد شروط صحة الاتفاق التحكيمي ونركز في هذا الصدد على شروط صحة شرط التحكيم الوارد في سند الشحن باعتباره الصورة الغالبة للجوء الأطراف إلى التحكم في المنازعات البحرية وكذا الأشخاص الذين يحتج في مواجهتهم بوجود هذا الشرط ثم في مرحلة ثانية ندرس الآثار الناجمة عن وجود هذا الاتفاق التي تأثر في الاختصاص القضائي للمحاكم و ما هي السلطات التي يبقى القاضي متمتعا بها بالرغم من وجود هذا النوع من الاتفاقات .

المطلب الأول : شروط صحة الاتفاق التحكيمي .
      إن صحة اتفاق التحكيم بصورتيه سوءا مشارطة  تحكيم   أو شرط تحكيمي متوقفة على توفر مجموعة من الشروط منها الموضوعية ومنها الشكلية .
 1 - الشروط الموضوعية :
     بالرجوع إلى نص المادة 458 مكرر فقرة 3 من قانون الإجراءات المدنية , نجد أنها اعتبرت اتفاق التحكيم صحيحا من حيث الموضوع إذا ما أبرم وفق القواعد الواردة إما في :
- القانون الذي أختاره الأطراف.
- إما في القانون المنظم لموضوع النزاع ولاسيما القانون المطبق على العقد الأساسي .
- أما في القانون الجزائري .
     وما يهمنا في هذا المجال هو تحديد شروط صحة الاتفاق التحكيمي في القانون الجزائري .
بالرجوع للمواد المنظمة للتحكيم التجاري الدولي لا نجد فيها أي إشارة إلى شروط موضوعية خاصة بالاتفاق التحكيم في المجال التجاري الدولي وعليه نرجع في ذلك للمواد المنظمة للتحكيم بصفة عامة والواردة أيضا في قانون الإجراءات المدنية مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة التحكيم التجاري الدولي .
         وفي هذا المجال نجد أن المواد 442،443 من ق إ م قد تولت تحديد مجموعة من الشروط الموضوعية اللازمة لصحة الاتفاق التحكيمي , فحسب نص المادة 442 يجوز لكل شخص أن يطلب التحكيم في حقوق له مطلق التصرف فيها ولا يجوز التحكيم في الالتزام بالنفقة ولا في حقوق الإرث والحقوق المتعلقة بالمسكن والملبس ولا في المسائل المتعلقة  بالنظام  العام وحالة الأشخاص وأهليتهم .

     بالنسبة  للأشخاص المعنوية التابعة للقانون العام فلا يجوز لها اللجوء إلى التحكيم إلا في علاقاتها التجارية الدولية .
       ويظهر من خلال نص المادة 442 السالفة  الذكر أن هناك شرطين موضوعيين لصحة الاتفاق التحكيمي(1).
أولا : أهلية أطراف التحكيم :
      يشترط في طرفي التحكيم أهلية كل منهما للتصرف في الحق موضوع التحكيم وعليه فإن الأهلية المشترطة هنا هي أهلية التصرف فلا يكفي أن تكون للشخص أهلية التعاقد فحسب وهذا ما يتضح من عبارة "حقوق له مطلق التصرف فيها " الواردة في نص المادة 442 فإذا كان التحكيم في وظيفته قضاء فيجب دائما تمتع من يريد إبرام اتفاق تحكيم بالأهلية المدنية الكاملة , ذلك لأن الاتفاق على التحكيم يعني التنازل عن رفع النزاع إلى القضاء وهو ما قد يعرض الحق المتنازع فيه للخطر (2).
       هذا ونشير إلى أنه يجوز للقاصر الذي تم ترشيده لمزاولة الأعمال التجارية طبقا لمقتضيات المادة  05 من القانون التجاري أن يكون طرفا في اتفاق التحكيم .
       بالنسبة للأشخاص  المعنوية الخاضعة للقانون العام نجد أن أهليتها في إبرام اتفاق تحكيمي تنحصر في المجال التجاري الدولي على أساس أن المادة 442 قد قصرت إمكانية لجوئها إلى التحكيم في علاقاتها التجارية الدولية فقط .
ثانيا : محل اتفاق التحكيم :
     محل اتفاق التحكيم هو موضوع النزاع الذي لا يجب أن يكون ناشئا عن أحدى المسائل التي
 لا يجوز عرضها على التحكيم والواردة في نص المادة 442 ق إ م والمتمثلة في الالتزام بالنفقة .حقوق الإرث ، الحقوق المتعلقة بالمسكن والملبس ، وكذا المسائل المتعلقة بالنظام العام أو حالة
الأشخاص وأهليتهم وهي في الحقيقة حقوق لا يملك الأشخاص حرية التصرف فيها(3)
       وما يستدعي التوضيح في هذه المادة هو تحديد المسائل المتعلقة بالنظام العام والتي لا يجوز اللجوء فيها إلى التحكيم.

     أن المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها لتعلقها بالنظام العام هي إما مسائل تنظمها قواعد قانونية من النظام العام لا يجوز الاتفاق على مخالفتها كالمسائل المتعلقة بالضرائب أو بإجراءات جمركة
البضائع وإما مسائل مخالفة بطبيعتها للنظام العام مثل الاتفاق على التحكيم بشأن منازعة قامت أوقد تقوم حول حمولة مخدرات أو سلاح تم شحنها .
       وأجد في الحقيقة أن فكرة المسائل المتعلقة بالنظام العام التي أوردتها المادة تشمل كل المواضيع الأخرى التي قامت المادة بتعدادها فمسائل النفقة والمسكن و الملبس والحقوق الميراثية  كلها منظمة بقواعد من النظام العام لا يجوز الاتفاق على مخالفتها أو إسقاط الالتزام بها ونفس الشيء بالنسبة لمسائل الحالة والأهلية والتي هي أيضا من النظام العام على أساس أنها تحدد المركز القانوني للفرد بالنسبة لدولته ومجتمعه.
2- الشروط الشكلية :
أن تبرم اتفاقية التحكيم بموجب عقد كتابي"   يظهر أن المشرع الجزائري قد اشترط صراحة      حسب نص المادة 458 مكرر1/2 الذي جاء فيه:" يجب من حيث الشكل وتحت طائلة البطلان الكتابة لصحة اتفاق التحكيم ورتب على غيابها بطلان هذا الاتفاق .
      إذ  تعتبر الكتابة في هذه الحالة ركنا أساسيا يجب توفره للقول بوجود الاتفاق على التحكيم(1).
 ويقصد بالكتابة إفراغ الاتفاق في محرر موقع عليه من الأطراف  (2)وهنا نلاحظ أن المشرع لم يشترط نوعا معين من الكتابة , فقد تكون هذه الكتابة عرفية أو رسمية وهذا أكيد لتسهيل التعامل في المجال التجاري كما أن شرط توقيع الاتفاق من قبل الأطراف لازم وان لم يكن ظاهرا من خلال نص المادة  458مكرر 1 ق إ م وأساس ذلك هو نص م 2/2 من اتفاقية نيويورك لسنة  1958 الخاصة بالإعتراف بالقرارات التحكيمية الأجنبية و تنفيذها والتي صادقت عليها الجزائر بموجب المرسوم رقم 88 – 233 المؤرخ في 05 – 11 – 1988   التي اشترطت التوقيع .
          والحقيقة أن الهدف من اشتراط الكتابة هو التحقق من أن إرادة الطرفين قد تلاقت على قبول التحكيم كأسلوب لحل منازعاتهم الناشئة أو التي قد تنشأ ولهذا يشترط أن تتضمن  هذه الكتابة عبارات صريحة ولا تثير أي لبس أو شك في اتجاه إرادة الأطراف نحو التحكيم .

        وبما أننا بصدد التحدث عن التحكيم في المجال البحري فإن أكثر صورة للجوء إلى التحكيم في هذا المجال هي الشرط التحكيمي  الوارد في سند الشحن وهنا نقول أن توقيع سند شحن يتضمن شرط تحكيم مدرج ضمنه كاف للقول بوجود اتفاق على التحكيم ملزم للطرفين دون اشتراط توقيع خاص على هذا الشرط وسبب ذلك أن اتفاق التحكيم الوارد ضمن الشروط العامة لعقد أبرمه الأطراف يعبر عن انصراف نيتهم يقينا إلى اختيار التحكيم وسيلة لحل ما قد ينشأ عن تعاقدهم من منازعات (1).
         و بناء على ما سبق نقول أن اتفاق التحكيم - مشارطة كان أو شرطا تحكيميا- الذي جاء مستوفيا لشروط صحته الشكلية منها والموضوعية يكون صحيحا منتجا لكل أثاره .
      وإذا كانت صحة مشارطة التحكيم لاشك في أنها تؤدي إلى ترتيب هذه الأخيرة لأثرها, فهل تبقى صحة شرط التحكيم المدرج في العقد الأصلي قائمة حتى إذا ثبت بطلان هذا العقد؟ أم أن بطلان العقد يشمل كل الشروط الواردة فيه بما فيها شرط التحكيم؟.
    لقد حسم المشرع الأمر في المادة458 مكرر1 فقرة أخيرة التي جاء فيها "لا يمكن الاحتجاج بعدم صحة اتفاقية التحكيم بسبب أن العقد الأساسي قد يكون غير صحيح ".
     وعليه فإن مصير العقد الأصلي ليس له أثر على شرط التحكيم المتعلق به ، فهذا الشرط يبقى صحيحا منتجا لآثاره بصرف النظر عن زوال العقد الأصلي ما لم يكن باطلا لسبب خاص به وعليه فإن بطلان العقد الأصلي أو فسخه أو إنهائه لا يمنع من ترتيب شرط التحكيم لأثره, بحيث يكون الفصل في النزاع على صحة العقد الأصلي أو بطلانه من اختصاص هيئة التحكيم وحدها (2)
         مهما يكن من أمر فإن توفر الشروط الموضوعية والشكلية المطلوبة لصحة اتفاق التحكيم تجعل هذا الأخير قادرا على ترتيب آثاره لكن السؤال الذي تفرضه طبيعة عقد النقل البحري للبضائع هو هل أن هذه الآثار تترتب في ما بين المتعاقدين فقط وهما الشاحن و الناقل أم أنها تنصرف أيضا للمرسل إليه ليصبح هذا الأخير ملزما به؟

   نفاذ اتفاق التحكيم الملحق بسند الشحن في مواجهة  المرسل إليه:
      إذا كان من المسلم به أن سند الشحن في ذاته ينتج أثره في حق المرسل إليه فإن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو هل يمكن الاحتجاج بالشرط التحكيمي المدرج في سند الشحن في مواجهته ؟.
      في الحقيقة إن الفقه قد اختلف في هذا المجال فقد ذهب فريق إلى اعتبار أن مبدأ استقلال  شرط التحكيم عن العقد الأصلي – على النحو الذي سبقت الإشارة إليه –  يقف حائلا دون امتداد شرط التحكيم المدرج في سند الشحن إلى المرسل إليه خاصة و أن شرط التحكيم يعبر عن رغبة شخصية في عدم اللجوء إلى القضاء مما يستدعي قصر الالتزام به على من عبر بالفعل عن هذه الرغبة    بينما ذهب اتجاه آخر من الفقه إلى اعتبار أن شرط التحكيم المضاف إلى سند الشحن ينتج أثره في حق المرسل إليه وأن مبدأ الاستقلالية يتعلق باستقلال وجود الشرط وصحته عن العقد الأصلي المدرج فيه دون أن ينفي  الارتباط الموجود بينهما على أساس أن محل شرط التحكيم هو المنازعات الناشئة عن العقد الأصلي وهذا الارتباط كاف للقول بأن الاعتبارات التي أدت إلى التسليم بامتداد آثار سند الشحن إلى المرسل إليه تكفي لتبرير امتداد أثار شرط التحكيم الملحق به إلى المرسل إليه أيضا  (1).
       وقد أخذت محكمة النقض الفرنسية بما قال به الاتجاه الأول من الفقه وهذا ما يتضح من الأحكام الصادرة عنها لاسيما الحكمين الصدرين بتاريخ 26/05/1992, 29/11/1994 عن الغرفة التجارية(2) أين اعتبرت أن شرط التحكيم المدرج في سند الشحن لا يلزم المرسل إليه إلا إذا علم به ثم قبله بتسلمه البضاعة المرسلة إليه واعتبرت أن مجرد حيازة سند الشحن لا تعني قبوله لها.
             أما محكمة النقض المصرية فقد أخذت بالاتجاه الثاني إذ قضت بأن قانون التجارة البحرية يجعل من المرسل إليه طرفا ذا شأن في سند الشحن يتكافأ مركزه حينما يطالب بتنفيذ عقد النقل ومركز الشاحن بحيث يرتبط بسند الشحن كما يرتبط به الشاحن ومقتضى ذلك أن يلتزم المرسل إليه بشرط التحكيم الوارد في سند الشحن (3) 

      وأعتقد أن رأي محكمة النقض المصرية أولى بالإتباع  في هذا المجال خاصة أمام عدم وجود اجتهاد قضائي جزائري بخصوص نفاذ شرط التحكيم المدمج في سند الشحن في مواجهة المرسل إليه ، وذلك على أساس أن توجه المشرع الجزائري نحو إرساء قواعد التحكيم التجاري الدولي – كمحاولة لتقديم ضمانات أكثر للمستثمر الأجنبي – يفرض على القاضي عدم محاولة استبعاد التحكيم و الحد من آثاره .        




 المطلب الثاني : آثار الاتفاق التحكيمي على سلطات القاضي .

الفرع الأول : رفع يد القضاء عن نظر موضوع النزاع .
       يترتب على اتفاق التحكيم سواء تعلق الأمر بشرط تحكيمي أو مشارطة التحكيم أثران الأول سلبي والثاني ايجابي (1) .
       يتمثل الأول في التزام الطرفين بالامتناع عن اللجوء إلى القضاء للفصل في موضوع النزاع محل التحكيم ويتمثل الثاني في إباحة إلتجاء الطرفين إلى هيئة التحكيم المتفق عليها وما يهمنا في دراستنا هو الأثر الأول فاتفاق التحكيم ينشأ التزاما سلبيا متبادلا على عاتق كل من طرفيه بالامتناع  عن اللجوء إلى القضاء للفصل في النزاع المحكم فيه وهو التزام إرادي يقيمه الطرفان بإرادتهما المشتركة فإذا ما أخل أحد الطرفين بالتزامه ورفع دعواه إلى القضاء كان للطرف الأخر وهو المدعى عليه أن يدفع بوجود اتفاق على التحكيم ويترتب عن إبداء هذا الدفع عدم قبول الدعوى المرفوعة أمام القضاء إذ أن المحكمة ستكف يدها عن نظر هذا النزاع بعد إبدائه .
       وحتى ينتج  هذا الدفع أثره يجب أن تتم إثارته قبل إبداء أي طلب أو دفاع في الموضوع
إذ يجب أن يقدم  هذا الدفع في أول جلسة و إلا سقط الحق في إبدائه (2)على اعتبار أن السكوت عن إثارة هذا الدفع قبل التطرق للموضوع يعتبر نزولا ضمنيا عن التمسك به خاصة إذا علمنا أن الالتزام بعدم الالتجاء إلى القضاء هو التزام لا يتعلق  بالنظام العام لأن أساسه هو اتفاق الطرفين

على التحكيم , والتنازل عن حقهما في الفصل في النزاع عن طريق اللجوء إلى القضاء وهذا يشكل استثناء من الأصل العام في الحرية الالتجاء إلى القضاء فيكون لكل من طرفي الاتفاق النزول عن حقه بإرادته وحدها .
        ومن آثار عدم اعتبار الدفع بوجود اتفاق تحكيمي من النظام العام . عدم إمكانية إثارة القاضي له من تلقاء نفسه فلا يحق للقاضي إحالة  الأطراف على التحكيم إلا إذا تمسك أحد هؤلاء الأطراف بذلك ، وهذا ما يفهم من نص المادة 2/3 من اتفاقية نيويورك المتعلقة بالاعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة في 10/جوان /1958 والتي انضمت إليها الجزائر بموجب المرسوم 88-233 المؤرخ في 05/11/1988 (1) والتي جاء فيها ما يلي :
"على محكمة الدول المتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق من الأطراف بالمعنى الوارد في هذه المادة أن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم إلى التحكيم وذلك ما لم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل ولا أثر له  أو غير قابل للتطبيق ".
          لكن إذا كان اتفاق التحكيم بصفة عامة واتفاق التحكيم البحري بصفة خاصة لا يترك مجالا  لقاضي الموضوع للفصل في موضوع النزاع القائم بين الطرفين , فهل يمتد هذا أيضا إلى القضاء الاستعجالي بمعنى آخر هل يمكن الدفع بوجود  اتفاق تحكيمي أمام قاضي الأمور المستعجلة الذي يطلب منه اتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية بخصوص النزاع القائم بين الأطراف وهل أن قبول المدعى عليه للدعوى الإستعجالية المرفوعة ضده يعد نزولا منه عن اللجوء إلى التحكيم ؟ .
     بالرجوع إلى المادة 458 مكرر9 من قانون الإجراءات المدنية نجد أنها منحت إختصاص الأمر بتدابير مؤقتة أو تحفظية لكل من محكمة التحكيم وكذا القاضي الإستعجالي  بناء على طلب من الأطراف وهذا ما يظهر خاصة من الفقرة الأخيرة لهذه المادة،  مما يتضح معه أن اتفاق التحكيم لا يؤدي إلى استبعاد اختصاص القاضي  الإستعجالي بإصدار أوامر تتضمن تدابير مؤقتة  أو تحفظية .  
(1) عليوش قربوع كمال – المرجع السابق – ص 92
 
         وهذا ما أخذ به الرأي الراجح في الفقه خاصة وأن اتفاقية نيويورك لم تتناول مسألة تحديد أثر اتفاق التحكيم على الإجراءات التحفظية والوقتية التي  يطلبها أحد الأطراف وحسب هذا الاتجاه الفقهي فإن وجود اتفاق التحكيم لا يعني سلب القضاء الوطني سلطة إصدار الأوامر الوقتية والتحفظية التي يراها مناسبة وفقا لقانون الإجراءات المدنية المعمول به في دولة القاضي،


  خاصة وأن لجوء أحد الأطراف للقضاء الوطني طالبا الأمر باتخاذ إجراء وقتي أو تحفظي معين لا يعني مد ولاية القضاء الوطني للفصل في الجوانب الموضوعية للنزاع ولا يعتبر أيضا تنازلا عن اتفاق التحكيم (1).


الفرع الثاني : احتفاظ القاضي بسلطته  في  المراقبة:
             إن اختيار التحكيم كوسيلة لفض النزاعات بصفة عامة والمنازعات بصفة لبحرية الناتجة عن عقد نقل بحري للبضائع بصفة خاصة لا يعني بأي حال من الأحوال سلب القضاء إمكانية الرقابة اللاحقة للقرار التحكيمي الذي سيصدر لحل النزاع.
 وممارسة الرقابة القضائية في هذه الحالة يكون على مستويين :
- أولا : عند الاعتراف بالقرار التحكيمي وتنفيذه .
- ثانيا : عند النظر في الطعن بالبطلان المرفوع ضد القرار التحكيمي .

أولا: الاعتراف بالقرار التحكيمي وتنفيذه :
 لقد تطرق المشرع الجزائري لمسألة الاعتراف بالقرار التحكيمي وتنفيذه في المادة 458 مكرر17 موضحا شروط الاعتراف والتنفيذ وكذا مبينا الجهة القضائية المختصة لهذه العملية .
* بالنسبة لشروط الاعتراف والتنفيذ :
يخضع الاعتراف بالقرار التحكيمي وتنفيذه لنفس الشروط وهي :
1- إثبات المتمسك بالقرار التحكيمي لوجوده . 
2- ألا يكون الاعتراف أو التنفيذ مخالفا للنظام العام الدولي  .
* إثبات وجود القرار التحكيمي :
   لتحديد كيفية إثبات وجود قرار تحكيمي نرجع إلى أحكام المادة 458 مكرر 18 من ق إ م التي تنص :" يثبت وجود قرار تحكيمي بتقديم الأصل مرفق باتفاقية التحكيم أو بنسخ هذه الوثائق تتوفر فيها الشروط المطلوبة لإثبات صحتها " .
وعليه فلإثبات وجود القرار التحكيمي يجب أن يقدم أصل هذا القرار مر فوقا باتفاق التحكيم الذي أبرمه الأطراف والذي إما أن يكون اتفاقا منفصلا عن العقد الأصلي أو أن يكون شرطا مدمجا في

العقد ذاته وفي هذه الحالة يقدم هذا الأخير لإثبات الاتفاق وهنا تظهر أهمية اشتراط الكتابة لصحة اتفاق التحكيم على أساس أن القاضي يراقب توفر هذا الشرط عند الاعتراف بالقرار وتنفيذه فيصدر
قراره بالموافقة في حالة توفر شرط الكتابة أو بالرفض في حالة غيابه كما يمكن أن يستعاض عن الأصل بالنسبة لهذه الوثائق بالنسخ إذا توفرت فيها الشروط المطلوبة لإثبات صحتها .وتظهر أهمية هذه الحالة خاصة بالنسبة للقرارات التحكيمية المحررة بلغة أجنبية فتقدم معها ترجمتها التي أنجزها مترجم رسمي وتمت المصادقة عليها من طرف السلطات القنصلية(1).
 عدم مخالفة الاعتراف أو التنفيذ للنظام العام الدولي:
        في الحقيقة أن فكرة النظام العام الدولي فكرة واسعة تصعب السيطرة عليها من طرف القاضي الوطني فاشتراط عدم مخالفة القرار التحكيمي للنظام العام الدولي يوسع مجال بحث القاضي في مدى توفر شروط الاعتراف بشكل يرهق كاهله .
       وفي هذا الصدد كان على مشرعنا أن يسهل الأمر على القاضي مثلما فعل المشرع المصري حيث اشترط عدم تضمن القرار التحكيمي ما يخالف النظام العام لجمهورية مصر العربية وذلك في المادة  58من قانون التحكيم لسنة 1994(2)  .
      فإذا كان القاضي الوطني عالما بمقتضيات النظام العام في الجزائر فإن تحديد مفهوم النظام العام الدولي الذي يشترط عدم مخالفته عند تنفيذ القرارات التحكيمية أو الاعتراف بها يعتبر أمرا صعبا بالنسبة له خاصة مع كل ما يميز المجتمع الدولي من عدم وجود هيئة عليا كفيلة بتحديد القواعد التي تعتبر من النظام العام والتي لا تجوز مخالفتها .
      وفي هذا الصدد يعتبر الأستاذ قربوع عليوش كمال أن ما على القاضي عند مراقبته لعدم مخالفة الاعتراف أو التنفيذ للنظام العام الدولي إلا أن يأخذ بعين الاعتبار الأحكام الآمرة دوليا والتي لها علاقة وثيقة بالنزاع مع إعطاء الأولوية للأحكام الجزائية على أن تأخذ بعين الاعتبار قواعد التجارة الدولية (3)
بالنسبة لإجراءات الاعتراف والتنفيذ :
        حددت المادتين 458 مكرر 19 و458 مكرر 20  الإجراءات  الواجب إتباعها من أجل الاعتراف بالقرارات التحكيمية وتنفيذها .
     من خلال هاتين المادتين يتبين أن أول إجراء يتم  في هذا الصدد هو إيداع القرار التحكيمي مرفق بالاتفاق التحكيمي على النحو الذي سبق بيانه – لدى الجهة القضائية المختصة والتي يكون تحديدها مرتبط بمقر محكمة التحكيم حسب نص المادة 458 مكرر 17 .
فإذا كانت محكمة التحكيم مصدرة القرار قد انعقدت في الجزائر فإن الجهة القضائية المختصة هي الجهة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان صدور القرار التحكيمي .
     أما إذا كانت محكمة التحكيم مصدرة القرار قد انعقدت خارج التراب الوطني فإن الاختصاص يؤول للجهة القضائية الواقع في دائرة اختصاصها مكان التنفيذ (1).
ويقصد بالجهة القضائية هنا المحاكم الابتدائية على اعتبار أن قرار التنفيذ يكون صادرا من رئيس المحكمة الذي يصدر أمر على ذيل أصل القرار أو بهامشه يتضمن الإذن لكاتب الضبط بتسليم نسخة رسمية منه ممهورة بالصيغة التنفيذية .
       ويكون كل من القرار الذي يسمح بالاعتراف أو التنفيذ وكذا القرار الذي يرفضهما قابلين للاستئناف حسب نص المادتين 458 مكرر22 و458 مكرر23 أمام المجلس القضائي التابعة له المحكمة التي أصدرت قرار الاعتراف والتنفيذ أو رفضت إصداره وذلك في مهلة شهر من تاريخ تبليغ قرار القاضي و في هذا الصدد نلاحظ أن الاستئناف في هذه الحالة يختلف حسب طبيعة القرار الذي أصدره القاضي .
فيكون القرار الرافض للاعتراف أو التنفيذ قابل للاستئناف بصفة مطلقة ،  بينما القرار الذي يسمح بالاعتراف أو التنفيذ لا يكون قابلا  للاستئناف إلا في حالات أوردتها م 458 مكرر 23 على سبيل الحصر .

ثانيا : الطعن بالبطلان في القرار التحكيمي :
تجيز المادة 458 مكرر5 من ق إ م الطعن بالبطلان في القرارات التحكيمية الصادرة بالجزائر في مجال التحكيم الدولي وهذا في حالات محددة في المادة 458 مكرر23 وهي :
1- إذا تمسكت محكمة التحكيم خطأ باختصاصها أو بعدم اختصاصها.
2- إذا فصلت محكمة التحكيم بدون اتفاقية تحكيم أو بناءا على اتفاقية باطلة أو انقضت مدتها .
3- إذا كان تشكيل محكمة التحكيم أو تعين المحكم الوحيد مخالفين للقانون .
4- إذا فصلت محكمة التحكيم زيادة على المطلوب أو لم تفصل في وجه من وجوه الطلب
5- إذا لم يراع مبدأ حضور الأطراف .
6- إذا لم تسبب محكمة التحكيم أو لم تسبب بما فيه الكفاية أو إذا وجد تضارب في الأسباب  .
7- إذا كان الاعتراف أو التنفيذ مخالفا للنظام العام الدولي .
فهذه هي الحالات التي يجب أن يؤسس عليها طلب الطعن بالبطلان في القرار التحكيمي الذي هو طعن مباشر يرمي إلى بطلان القرار التحكيمي نفسه والذي يرفع أمام المجلس القضائي الذي صدر القرار التحكيمي في دائرة اختصاصه . وفي حالة قبول الطعن بالبطلان من طرف المجلس القضائي فإن قرار إبطال القرار التحكيمي يكون قابلا للطعن بالنقض  أمام المحكمة العليا حسب المادة 458 مكرر28
       من خلال هاتين المرحلتين- سواء مرحلة الاعتراف و التنفيذ أو مرحلة إبطال القرار التحكيمي -  يمكن للقاضي بسط رقابته على أهم   ما ينتج عن التحكيم و هو القرار التحكيمي فرغم أن الاتفاق التحكيمي يكف يد القاضي عن نظر النزاع إلا أن الرقابة اللاحقة لهذا الاتفاق تؤكد احتفاظ القاضي بجزء من سلطاته يمارسها في شكل رقابة لاحقة على أهم ما ينتج عن التحكيم وهو القرار التحكيمي الفاصل في النزاع .



الخاتمة:

         من خلال كل ما تقدم يتبين لنا جليا تميز الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع بأحكام خاصة تعكس تأثرها بواقع التجارة البحرية و ما تحكمه من أعراف هدفها الأساسي تسهيل عملية النقل البحري ورفع كل القيود التي يمكن أن تعترض سرعة المعاملات البحرية
         غير أن هذا التميز يتجسد في الواقع أكثر إذا كان القاضي الفاصل في هذا النوع من الدعاوى عالما بمقتضيات  النقل البحري التي يجب أن تشكل المنطلق بالنسبة له في كل مرة يفحص فيها توفر شروط قبول الدعوى المرفوعة أمامه وفي كل مرة يفصل فيها في نزاع ناشئ عن عقد نقل بحري للبضائع مما يظهر أهمية تخصص القضاة في المجال البحري على اعتبار أن التطبيق السليم لأحكام القانون البحري لا يتأتى إلا بمعرفة كل القواعد الخاصة التي تحكم عملية نقل البضائع بحرا والتي تأخذ بطبيعتها طابعا دوليا  وذلك حتى يكون القاضي مساهما في تطبيق السياسة الوطنية الجديدة المتجهة نحو الاقتصاد الحر و تشجيع الاستثمار الأجنبي في الجزائر.














قائمة المراجع
 I  -  الكتب
اللغة العربية:
1- هاني دويدار ، الوجيز في القانون البحري . دار الجامعة الجديدة للنشر ، طبعة 2001 .
2- مصطفى كمال طه ، مبادئ القانون البحري . الدار الجامعية ، طبعة 1992 .
3- عبد الفاتح مراد  ، أصول القانون البحري . دار الكتاب الحديث ، الطبعة الأولى 1993.
4- ناريمان عبد القادر ،  اتفاق التحكيم.
5- مصطفى محمد الجمال ، عكاشة محمد عبد العال ، التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية و الداخلية . الطبعة الأولى 1998.
6- محمد عبد الفتاح ترك ، التحكيم البحريالنطاق الشخصي لاتفاق التحكيم في عقد النقل البحري. طبعة 2003.
7- عليوش  قربوع  كمال ، التحكيم التجاري الدولي في الجزائر . ديوان المطبوعات الجامعية ،    طبعة 2001 .
8- عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني . الجزء الثالث ، نظرية الالتزام بوجه عام ، المجلد الثاني ، انقضاء الالتزام ، دار النهضة العربية ، الطبعة الثانية .
10- بوبشير محند أمقران ، قانون الإجراءات المدنية- نظرية الدعوى – نظرية الخصومة – الإجراءات الاستثنائية .  ديوان المطبوعات الجامعية ، طبعة 1998
11- أبوزيد رضوان ، الأسس العامة للتحكيم التجاري الدولي . دار الكتاب الحديث ، طبعة 1996
12 – سمير جميل حسين الفتلاوي العقود التجارية الجزائرية. ديوان المطبوعات الجامعية
   طبعة 2001
باللغة الفرنسية
1-  Lamy , transport tome 2-transports maritimes © lamy 1999
2- René Rodiere, traité générale de droit maritime : affrètements et transports , tome 2, les contrats de transports de marchandises , Dalloz 1968         
3 – Jaques Putzeys , droits des transports et droit maritimes ,brillant  1993.
4 – Jean Vincent , Serge guicharrd , procédure civil , précis Dalloz vingtième , édition 1981.        

- مقالات:
– حسان بوعروج ، مسؤولية الناقل البحري الاجتهاد القضائي الغرفة التجارية والبحرية .
     عدد خاص سنة 2001
- القوانين :
- أمر 76-80 الصادر بتاريخ 23-10-1976 المعدل والمتمم  بالقانون رقم 98-05 المؤرخ
في 25  -06-1998 المتضمن القانون البحري .
- أمر 66-754 المؤرخ في 08-06-1966 المعدل والمتمم والمتضمن قانون الإجراءات المدنية .
- أمر 75-58 المؤرخ في 26-09-1975 المعدل والمتمم والمتضمن القانون المدني .
- أمر 75-59 المؤرخ في 26-09-1975 المعدل والمتمم والمتضمن القانون التجاري .
- أمر 95-07 المؤرخ في 25-01-1995 المتعلق بالتأمينات .
- المراسيم :
- مرسوم رقم 88-233 المؤرخ في 05-11 -1988 المتضمن الانضمام بتحفظ إلى الاتفاقية المصادق عليها مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك بتاريخ 10-06-1958 والخاصة باعتماد القرارات التحكمية الأجنبية وتنفيذها جريدة رسمية رقم 48 .
- مرسوم رقم 64 – 71 المؤرخ في 02 -03 – 1964 المتضمن الإنضمام إلى معاهدة بروكسل وخاصة بالتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن لسنة 1924 . 










(1) المادة 459  " لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القاضي ما لم يكن حائزا  لصفة و أهلية التقاضي و له مصلحة في ذلك."
(2) محاضرات الأستاذ زودة عمر في قانون الإجراءات المدنية التي ألقاها على طلبة الدفعة الرابعة عشر .
(3) ) وتعرف الأهلية على أنها صلاحية الشخص لاكتساب المركز القانوني للخصم و مباشرة إجراءات التقاضي= بوبشير محند  أمقران قانون الإجراءات المدنية ديوان المطبوعات الجامعية، ص74 .

(1) "l'intérêt est la mesure des actions .pas d'intérêt ,pas d'action"
(2) الأستاذ زودة عمر –المرجع السابق –
(3) لكننا قد نكتفي بالمصلحة المحتملة لقبول الدعوى إدا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق  أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه و هو ما يعرف بالدعوى الوقائية .و في الحقيقة فإن الضرر المحتمل في هده الحالة يجعل من المصلحة  قائمة و حالة "  بوبشير محند أمقران" المرجع السابق . ص54.


(1) ) لسند الشحن دور ثلاثي  أولا : هو إثبات لاستلام الناقل للبضاعة.
                                          ثانيا : أنه إثبات لعقد النقل
                                                 ثالثا : أنه سند يمثل البضاعة
(2)  المادة 738 : " يتعهد الناقل بموجب عقد نقل البضائع عن طريق البحر بإيصال بضاعة معينة من ميناء إلى ميناء آخر و يتعهد الشاحن بدفع المكافئة له و المسماة أجرة الحمولة ".



(1)    سمير جميل حسين الفتلاوي العقود التجارية الجزائرية  ديوان المطبوعات الجامعية طبعة 2001 .ص182 إلى 184 .
       (1 ) إذا أخذ عقد النقل صفة العمل التجاري بالسبة للشاحن فإنه يكون كذلك بالسبة إلى المرسل إليه و كذا بالنسبة للغير.
       (2) وهي المادة المعدلة بموجب القانون 05-01 المعدل و المتمم للأمر 75-58 المتضمن القانون المدني.

(3)   René Rodiere. traité général de droit maritime :  -Affrètements et transports tome 2.              - les contrats de transport de Marchandises Dalloz

(1) الأستاذ زودة عمر المرجع السابق.

(2) Lamy Transport Tom 2. Transports maritimes.1999.p381.
  (1) معاهدة بروكسل الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن لسنة 1924 التي إنضمت إليها الجزائر في 20 -03 – 1964  بموجب المرسوم رقم 64 – 71    
                   

(2)  . هاني دويدار. ، الوجيز في القانون البحري الطبعة2001 ص 244.


(1)    د. هاني  دويدار. ، الوجيز في القانون البحري الطبعة2001 ص245
(2)  Lamy transport OP .Cit. p381.
(3) د. هاني  دويدار .المرجع السابق الصفحة 246  .
(4) د. هاني  دويدار .المرجع السابق الصفحة 246   
(1) د. مصطفى كمال طه، مبادئ القانون  البحري ، الطبعة 1996
(2) Lamy Transport op.cit p381.

(1) Cour de cassation . assemblée plénière 22 déc 1989:
"si l' action en responsabilité pour pertes et avaries contre le transporteur maritime n'appartient qu'au dernier endossataire du connaissement à ordre, cette action est ouverte au chargeur lorsque celui-ci est seul à avoir supporté le préjudice résultant du transport" .lamy,Op.Cit,P.382.                                                                                           

(1) Lamy Transport Op.cit P 381.

(2) حسان بوعر وج : مقال منشور بالاجتهاد القضائي للغرفة التجارية و البحرية –عدد خاص- سنة 2001 ،الصفحة،15 .

(1) Incoterms 2000 Règle Officielle ICC.
(2)  حسان بوعر وج : المرجع السابق ،ص،16.
([1]) عبد الرزاق أحمد السنهوري :  الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الثالث نظرية الالتزام بوجه عام المجلد الثاني انقضاء الالتزام الطبعة الثانية .ص 798
(2) Lamy Transport .OP.Cit.P.383.


(1)  المادة 640 من القانون البحري .
(2)  هاني دويدار  المرجع السابق  ص 188
(1)  هاني دويدار - المرجع السابق - ص 190
(2)  حسان بوعروج- المرجع السابق- ص 19
(1)  حسان بوعروج  المرجع السابق ص 18
(2) وهي اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بنقل البضائع بحرا لسنة 1978 و تسمى بقواعد هامبورغ لسنة1978
(2)  مصطفى كمال طه المرجع السابق .ص.316.
(2) Lamy Transport OP.Cit.P386
(3) Lamy Transport OP.Cit.P386
(1) وهو حكم مشابه لما جاءت به المادة الأولى من اتفاقية بر وكسل الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن والمعدلة بموجب برتوكول 23/02/1968 الذي لم تصادق عليه الجزائر إذ حددت مدة التقادم بسنة واحدة مع سماحها للأطراف بتمديد هذه المدة دون آن  تضع حدا اقصر لهذا التمديد.
(2) تعتبر مدة النقل جانب أساسي من الجوانب المكونة لأهم التزام  يقع على عاتق الناقل وهو نقل البضاعة من ميناء الشحن إلى ميناء الوصول ، نظرا للأهمية الكبرى لميعاد وصول البضاعة بالنسبة للشاحن فيما يتعلق بمعاملته التجارية مع الغير وهذه المدة إما أن  تحدد باتفاق الأطراف المتعاقدة وإما أن نرجع في تحديدها إلى المدة المطلوب من الناقل الحريص أن يسلم فيها البضائع مع مراعاة ظروف النقل ( نوع السفينة ، طبيعة البضاعة ...) وعليه فإذا لم يتم النقل في الميعاد المحدد كان الناقل مسؤولا عن تعويض الضرر الحاصل من جراء التأخر طبقا لنص المادة 805 من القانون البحري .
(1)  حسان بوعر وج – المرجع السابق ص 21 .
(2)  الاجتهاد القضائي للغرفة التجارية و البحرية ص 21 .
(3) حسان بوعر وج – المرجع السابق ص 21 .
(1) Lamy transport OP.CIT.P 387
(2) Lamy transport OP.CIT.P 388

(1)  الاجتهاد القضائي للغرفة التجارية و البحرية- عدد خاص -2001 .ص165.
(1) Réne Rodiere OP.CIT.P 346

(2)  وقد جاء في حيثيات هذا القرار الصادر في 1997.12.16  " حيث أن قواعد الاختصاص المحلي للمحاكم تنص عليها أحكام المادة 8 من ق إ م إلا أن القضايا التي تتعلق بعقد النقل البحري تسري عليها مقتضيات خاصة تضمنتها المادة 745 "



 (1) Lamy Transport OP.CIT.P 391 " Cass civil 3.12.1991"

(1) Lamy Transport .OP.CIT.P 392.
(2)  Lamy Transport .OP.CIT.P 392
(3)   Lamy Transport .OP.CIT.P 392
(1) Lamy transport op. cit. p393
(2) Lamy transport op. cité p393
(1) محمد عبد الفتاح ترك التحكيم البحري – النطاق الشخصي لاتفاق التحكيم في عقد النقل البحري . طبعة 2003  ص
(2) ناريمان عبد القادر ، اتفاق التحكيم .ص65 و ما يليها
(3) عليوش قربوع كمال ، التحكيم التجاري الدولي في الجزائر. ديوان المطبوعات الجامعية 2001 ص 25 .
(1) Jean Vincent , Serge guinchard procédure civil précis Dalloz Vingtième édition          1981.
(2) ناريمان عبد القادر – المرجع السابق ، ص 232 .
(3)  عليوش قربوع كمال – المرجع السابق .ص 28
(1 ) ناريمان عبد القادر- المرجع السابق ص264 .
(2) ) ناريمان عبد القادر- المرجع السابق ص265


(1)  ) lamy transport op. cit p392 .
(2) مصطفى محمد الجمال ، عكاشة  محمد عبد العال. المرجع السابق ص 507 .
 (1)  مصطفى محمد الجمال ، عكاشة محمد عبد العال ، المرجع السابق ص 507
(2) lamy transport op .cit p 392   
(3) مصطفى محمد الجمال ، عكاشة محمد عبد العال ، المرجع السابق ص 507


(1)  مصطفى محمد الجمال عكاشة محمد عبد العال –المرجع السابق ص  
(2) )  ناريمان  عبد القادر المرجع السابق ص286 .



(1)  ناريمان  عبد القادر المرجع السابق ص303
(1)  )  عليوش قربوع كمال – المرجع السابق .ص 63 .
(2)  أبو زيد رضوان الأسس العامة للتحكيم التجاري الدولي دار الكتاب الحديث طبعة 1996 
(3) عليوش قربوع كمال – المرجع السابق ص 73
(1)  عليوش قربوع كمال المرجع السابق ص 65
تعليقات