القائمة الرئيسية

الصفحات



النظام القانوني لاختراعات العاملين في التشريعات الأردنية

النظام القانوني لاختراعات العاملين  في التشريعات الأردنية

النظام القانوني لاختراعات العاملين  في التشريعات الأردنية




النظام القانوني لاختراعات العاملين
 في التشريعات الأردنية

المحامي المتدرب خالد محمد عياش

المقدمة
إن الحقوق الفكرية أصبحت اليوم من أحدث الفروع القانونية، وتحتل أهمية كبيرة بين الدول.  فقد تزايدت أهمية الحقوق الفكرية في العصر الحديث بحيث أصبحت تعبيراً عن تقدم وتطور المجتمع، وأصبح تقدم وتطور أي مجتمع يقاس بما يملكه من حقوق فكرية أو معنوية، من حقوق تأليف وبراءات اختراع وغيرها.

وإذا كان للاختراعات دورها الهام في تقّدم الحضارة الإنسانية، فمنذ ظهور الاختراعات، واختراع الآلة على وجه الخصوص، حدث تغييراً في العالم ككل، بحيث أصبح العالم اليوم منفتحاً على بعض وعبارة عن قرية صغيرة، وأصبح يوصف العصر الحديث بالسرعة والمعلوماتية والعصر الذي تسيره الآلة وتحكمه التكنولوجيا، أننا مدينون بهذه الحضارة لهؤلاء المفكرين والمبدعين المخترعين والمبتكرين بحيث يتوجب مكافأتهم وتشجعيهم على الابتكار والاختراع الذي ساهم ويساهم في تقدم المجتمع ويرفع مكانته الاجتماعية والاقتصادية والحضارية بين الامم.

أمام هذه الحقائق كان لا بد أن يتدخل المشرع في كل مجتمع لوضع نظام قانوني يكفل ويعمل على حماية المخترعات وصون حقوق أصحابها من تعدي الغير عليها، وفي نفس الوقت حماية للمصلحة العامة .

لذلك فقد تأثر مفهوم الملكية في النظم القانونية ودخل مفهوم الملكية المعنوية لنظام الملكية بالمفهوم القانوني وذلك بالاعتراف بالملكية الصناعية والتجارية والملكية الأدبية والفنية إضافة إلى سن تشريعات خاصة بالملكية الفكرية.

وتعتبر الاختراعات من أهم موضوعات الملكية الفكرية لذلك فقد أفرد المشرع قانون خاص ينظم براءات الاختراع والحقوق الواردة عليها، وإذا كان للعمال والذين يمثلون أحد أطراف الإنتاج في الدولة دور خاص في الكشف عن اختراعات والتوصل لابتكارات، فإنه لا بد للمشرع أن يولي اهتماماً خاصاً باختراعات العاملين خاصة إذا ما علمنا أن معظم المخترعات إنما تأتي من جانب العمال.  لذلك فقد ضمّن اختراعات العاملين في قانون العمل لضمان حد أدنى من الحماية لحقوق العامل المخترع الذي يمثل الطرف الضعيف في عقد العمل مقابل نفوذ وقوة صاحب العمل المالية.

لذلك ارتأيت أن أخصص هذا البحث لإلقاء الضوء على موضوع اختراعات العاملين بعنوان النظام القانوني لاختراعات العاملين في التشريعات الأردنية.

وسوف نقسم البحث إلى فصلين :
الفصل الأول : موقع براءة الاختراع من حقوق الملكية الفكرية .
الفصل الثاني : المخاطب بالحماية وموقف المشرع الأردني من اختراعات العاملين.


الفصل الأولموقع براءة الاختراع من حقوق الملكية الفكرية


الملكية الفكرية وبراءة الاختراع: تعتبر براءة الاختراع أحد أهم مواضيع الملكية الفكرية، لذلك لا بد للباحث في موضوعات الملكية الفكرية من أن يتطرق إلى ماهية الحقوق الفكرية وطبيعتها القانونية ونطاقها ونشأتها وغيره من الأمور ذات العلاقة ببراءة الاختراع حتى نكون أمام صورة مكتملة لموضوع البحث.

المبحث الأول
الملكية الفكرية

المطلب الأول – ماهية الحقوق الفكرية وطبيعتها القانونية ونطاقها
الفرع الأول – ماهية الحقوق الفكرية
إن مجال الحقوق الفكرية واسع جداً فكل ما ينتجه العقل من أفكار يمكن أن يشكل حقاً من حقوق الملكية الفكرية، فيدخل في رحابها جميع صور الإبداع الفكري الأصيل في المجالات العلمية والأدبية والفنية والصناعية والتجارية الناتجة عن العقل البشري والتي يمكن التعبير عنها في صورة عمل مادي ملموس، بمعنى أن تترجم هذه الأفكار إلى أشياء مادية على قدر من الجدة والحداثة والابتكار سواء كانت على صورة اختراع أو اكتشاف أو مؤلف أو لوحة فنية وغيرها([1]).

يلاحظ أن الحقوق الفكرية ترد على أشياء غير مادية (معنوية) جوهرها الفكرة المجردة.  والفكرة شيء غير مادي، والشيء غير المادي هو شيء لا يدرك بالحس وإنما يدرك بالفكر، وأكثر الأشياء غير المادية هي نتاج الفكر([2]).  ومتى تبلورت هذه الأفكار في شكل عمل مادي كان لصاحبها حقٌِ عليها بالاستئثار والاستغلال والتصرف لذلك سميت بالحقوق الفكرية.

أولاً: الحقوق الفكرية من قبيل الأشياء
الأصل في الأشياء أن تكون مادية، أي أن يكون لها حيّز مادي ملموس. ولم يكن القانون يعرف غير الأشياء المادية (كالأرض والمباني والمركبات ...ألخ) .ولكن مع تقدم الفكر البشري وازدهار التجارة والصناعة، أخذ ينشئ أشياء غير مادية أي ذات حيّز غير ملموس هي نتاج العقل البشري من تأليف أدبي وفني ومن مخترعات ومبتكرات في الصناعة والتجارة، فهل يمكن اعتبار هذه الأشياء غير المادية من قبيل المال([3]).

لقد ميّز القانون بين الشيء والمال، فعرف المال بأنه الحق ذو القيمة أيّاً كان هذا الحق سواء كان مادياً أم شخصياً أم حقاً من حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية، أما الشيء سواء كان مادياً أم غير مادي فهو محل ذلك الحق([4]). وعرف المشرع الأردني في الفصل الثالث من القانون المدني الأردني الأشياء والأموال فنصت المادة (53) على أن (المال هو كل عين أو حق له قيمة مادية في التعامل). وكما نصت المادة (54) من نفس القانون على أن (كل شيء يمكن حيازته مادياً أو معنوياً والانتفاع به انتفاعاً مشروعاً ولا يخرج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محلاً للحقوق المالية) .
إذاً الشيء في نظر القانون هو ما يصلح أن يكون محلاً للحقوق المالية بشرط أن لا يكون خارج عن التعامل أي قابلاً للتعامل فيه.
فالقانون فرق بين الأشياء والأموال؛ وبين أن الشيء غير المال وأن الشيء لا يَعدُ أن يكون محلاً للحقوق المالية بشرط أن لا يكون خارجاً عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون.  وعلى هذا الأساس اعتبر أن الأشياء القابلة للتعامل فيها أشياء يمكن أن تكون محلاً للحقوق المالية، أما الأشياء غير القابلة  للتعامل فيها فلا يجوز أن يترتب عليها حقوق مالية.
وعليه فإن الأفكار المجردة متى تحولت إلى منتج على قدر من الحداثة والابتكار فإن هذا المنتج بطبيعة الحال شيء قابل للتعامل فيه، لذلك يصبح له قيمة ويترتب عليه الحقوق، وبالتالي فإن الحقوق الفكرية يمكن أن تكون محلاً للحقوق المالية.

ثانياً: الحقوق الفكرية – حقوق معنوية
يرى الفقه الحديث أن الحقوق تنقسم إلى ثلاث أنواع: حقوق شخصية وحقوق عينية وحقوق ذهنية، ويقسم القانون المدني الأردني في المادة (67) الحق إلى حقوق شخصية وعينية ومعنوية([5])، فالحقوق المالية التي يمكن أن يكون الشيء محلاً لها كثيرة التنوع، فمنها الحقوق العينية الأصلية كحق الملكية وحق الانتفاع وحق الارتفاق، ومنها الحقوق العينية التبعية كحق الرهن وحق الامتياز، ومنها ايضاً الحقوق الشخصية كحق المشتري في تسلم المبيع وحق المستأجر في تسلم العين المؤجرة والانتفاع بها وحق المقرض في استرداد القرض([6]).
والحق العيني سلطة قانونية مباشرة على الشيء محل الحق، يتصل صاحب الحق بالشيء اتصالاً مباشراً دون وسيط. أما الحق الشخصي فهو علاقة تقوم بين دائن ومدين قد يكون محلها شيئاً، ولكن الدائن لا يتصل بالشيء اتصالاً مباشراً وإنما بواسطة المدين.  والحقوق الشخصية والعينية سواء كانت أصلية أم تبعية معنوية لا مادية، وإن كانت تتعلق بأشياء مادية كما يقول الدكتور عبد الرزاق السنهوري([7])، أما الحقوق التي ترد على الأشياء غير المادية فقد عرفتها المادة (71) فقرة (1) من القانون المدني الأردني بقولها (الحقوق المعنوية – هي التي ترد على شيء غير مادي) .
وقد أوضح المشرع الأردني بأن الحقوق المعنوية هي ما يسمى بالملكية الأدبية والفنية والصناعية والتجارية بقوله (ويتبع في شأن حقوق المؤلف والمخترع والفنان والعلامات التجارية وسائر الحقوق المعنوية أحكام القوانين الخاصة) ([8]).

الفرع الثاني : الطبيعة القانونية لملكية الحقوق الفكرية
هل الحقوق الفكرية هي حقوق ملكية حقيقية أما أنها حقوق تختلف في طبيعتها عن حق الملكية؟
اختلف الفقهاء في تكييف الحقوق الذهنية (الفكرية) التي ترد على الأشياء غير المادية (المعنوية) إلى عدة اتجاهات.  فذهب فريق إلى اعتبار الحقوق الذهنية أقدس حقوق ملكية، وأنكر فريق آخر على حق المؤلف والمخترع أن يكون حق ملكية حقيقي، وأن المقصود من عبارة (الملكية الأدبية والفنية والصناعية) هي للتأكيد على أن حق المؤلف والمخترع يستحق الحماية كما يستحقها حق المالك ولكن لا يرقى حق المؤلف والمخترع إلى ملكية حقيقية، ولا أحد ينكر على المؤلف أو المخترع حقه في الجزاء المالي على عمله ومجهوده العقلي ولكن هذا الجزاء ليس هو الملكية التي تتنافى طبيعتها مع طبيعة الفكر بل هو الحق المالي للمؤلف والمخترع في احتكار استثمار فكرة ما دام حياً ولمدة معقولة بعد وفاته، وذهب فريق ثالث إلى أن حق المؤلف والمخترع هو حق ملكية حقيقي، إذ أن فيه مقومات حق الملكية وأن نقصه التأييد. ويقول الدكتور السنهوري (أن حق المؤلف والمخترع حق كسائر الحقوق ولكن ليس بحق ملكية، بل هو حق أصلي يقع على شيء غير مادي فهو سلطة تنصب مباشرة على شيء معين وإن كان شيئاً غير مادي وهذه السلطة نافذة في حق الناس كافة) ([9]).
وأيّاً كان الأمر فإن الملكية لم تعد من قبيل الحقوق المقدسة التي ينفع بها أصحابها بغض النظر عن المصلحة العامة، ولم يعد التأييد خصيصه من خصائص الملكية ولم تعد الأشياء المادية وحدها محلاً لها فقد ظهرت أنماط جديدة من الحقوق المعنوية جديرة بالرعاية والاعتراف لأصحابها ومبدعيها بحماية مناسبة في إطار صيرورتها بالنهاية من جملة الثروة العامة وهكذا أصبح بالإمكان تقسيم الملكية إلى ملكيتين :
1.     ملكية الأشياء المادية .
2.     ملكية الأشياء المعنوية أو الحقوق المعنوية وهي حقوق اقتصادية قابلة للتقييم ومستقلة عن الحقين العيني والشخصي ولا يتخلط بهما، فالملكية الصناعية مثلاً من هذا القبيل وهي تدخل في ما يطلق عليه القانون المدني الأردني مصطلح الأموال والحقوق المعنوية([10]).

الفرع الثالث : نطاق الحقوق الفكرية
يمكن تقسيم حقوق الملكية الفكرية إلى ما اصطلح على تسميته بالملكية الصناعية والتجارية والملكية الأدبية والفنية .
أولاً: حقوق الملكية الصناعية والتجارية وتشمل :
1.     الاختراعات (البراءات).
2.     العلامات التجارية والأسماء التجارية.
3.     الرسوم والنماذج الصناعية .
4.     البيانات الجغرافية .
5.     التصميمات الصناعية.
6.     التصميمات التخطيطية (الرسوم الطوبوغرافية) للدوائر المتكاملة.
7.     الأسرار التجارية .
8.     المنافسة غير المشروعة

ثانياً : حقوق الملكية الأدبية والفنية وتشمل :
1.     حق المؤلف على مصنفه وحق الفنان والموسيقار والرسام أيّاً كان شكل التعبير عنه كالكتب والمحاضرات والمسرحيات والرسومات والمصنفات الموسيقية السمعية والمرئية والأشرطة السينمائية والإذاعية والفنون التطبيقية كالرسوم والنحت والخرائط التوضيحية والأعمال المجسمة والخرائط السطحية للأرض، وبرامج الحاسوب وقواعد البيانات وما شابه([11]).
2.     الحقوق المجاورة لحق المؤلف: وهي مجموعة من الحقوق تمنح لأشخاص لا بصفتهم مؤلفين بل بسبب دورهم في نشر الأعمال وتوصلها إلى أكبر عدد من الجمهور، وهم المؤدي والممثل والمغني والموسيقي وكل شخص يقوم بإعداد مصنفات أدبية أو فنية .
3.     منتجو التسهيلات الصوتية.
4.     هيئات الإذاعة والتلفزيون .

      وقد عرفتها اتفاقية تريبس على (أن اصطلاح الملكية الفكرية ولأغراض هذا الاتفاق يشير إلى جميع فئات الملكية الفكرية التي تتناولها الأقسام من (1-7) من الجزء الثاني من اتفاق تريبس وتحديداً حق المؤلف والحقوق المتعلقة به والعلامات التجارية والبيانات الجغرافية والرسوم والنماذج الصناعية وبراءات الاختراع وتصميمات الدوائر المتكاملة (طوبوغرافياتها) والمعلومات غير المكشوف عنها (المادة 2-1) ([12]).




المطلب الثاني : نشأة وتطور التشريع للملكية الصناعية دولياً ومحلياً


الفرع الأول : نشأة وتطور الحقوق الفكرية
إنّ فكرة الحقوق الفكرية قديمة قدم الإنسان نفسه فمنذ أن أخذ الإنسان في أعمال عقله وفكره تدارك أهمية تنمية وتطوير الحياة التي يحياها سواء في النواحي المادية أو المعنوية تلبية لاحتياجاته الحياتية ورغباته في التطور والتقدم ولذلك ظهرت إلى الوجود والأفكار والمخترعات والإبداعات الذهنية، غير أن هذه الأفكار والمخترعات كانت عرضة على الدوام للنهب والتقليد دونما مانع ولا رادع يحول دون ذلك ودونما مراعاة لحقوق هذا الشخص المبدع أو المبتكر أو المكتشف، لذلك ظهرت الحاجة لحماية هذه الحقوق من التعدي والنهب دون وجه حق.  فقد صدر أول قانون لحماية المخترعين سنة 1472 في مدينة فينيسيا بإيطاليا حيث نص على أن (كل من يقوم بأي عمل جديد يحتاج إلى الحذق والمهارة يكون ملزماً بتسجيله بمجرد الانتهاء من إعداده على الوجه الأكمل بصورة يمكن معها الاستفادة منه، وأن يحظر على أي شخص آخر القيام بعمل مماثل أو مشابه من غير موافقة المخترع أو ترخيصه وذلك لمدة (10) سنوات، وإذا قام أي شخص آخر بعمل مماثل أو مشابه فيكون للمخترع حق طلب الحكم على المتعدي بدفع تعويض مع إتلاف ما عمله([13]).

وقد انتشر هذا المبدأ، مبدأ حماية حق المخترع بعد ذلك في القوانين التي صدرت في دول أخرى، إذ انتقل مبدأ حماية المخترع إلى القانون الإنجليزي الصادر عام 1610 وإلى القانون الأمريكي الصادر عام 1790، والفرنسي الصادر عام 1791 ثم انتشر مبدأ حماية حق المخترع من القوانين المذكورة إلى معظم قوانين دول العالم تحقيقاً لحماية حق المخترع على المستوى الوطني، كما وضعت قواعد ومبادئ هامة أفرغت في اتفاقيات دولية تحقيقاً لحماية حق المخترع على المستوى الدولي([14]).

الفرع الثاني : تطور تشريعات حماية الملكية الصناعية دولياً – المعاهدات والاتفاقيات
خلال القرن التاسع عشر كان من الصعب الحصول على حماية دولية لحقوق الملكية الصناعية نظراً لاختلاف قوانين حماية الملكية الصناعية في البلدان اختلافاً كبيراً، وكان يتوجب على طالب البراءة مثلاً أن يقدم طلبات في كل البلدان وفي الوقت نفسه، لكي لا يؤدي نشرها في أحد البلدان إلى القضاء على جدة الاختراع في البلدان الأخرى.  إضافة إلى أن تطور وتدقم التكنولوجيا وازدياد حجم التجارة الدولية، أبرزت الحاجة إلى التنسيق بين قوانين الملكية الصناعية على أساس دولي وعلى مستوى العالم كله.

وبرزت هذه الحاجة بصورة خاصة عندما دعت حكومة النمسا والنيجر البلدان الأخرى إلى المشاركة في معرض دولي للاختراعات الذي أقيم في فيينا عام 1873 وفوجئ القائمين على المعرض بامتناع عدد من الزوار الأجانب عن عرض اختراعاتهم في هذا المعرض بسبب خشية هؤلاء المخترعين من أن تتعرض أفكارهم للنهب والاستغلال التجاري في بلدان أخرى، بسبب عدم كفاية الحماية القانونية الممنوحة للاختراعات المعروضة، على أثر ذلك تمت الدعوة إلى مؤتمر فيينا لإصلاح نظام البراءات والذي عقد في العام نفسه، والذي حث الحكومات على "أن تصل في أقرب وقت ممكن إلى تفاهم دولي بشأن حماية البراءات".

أولاً: اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية
متابعة لمؤتمر فيينا عقد في باريس مؤتمر دوبلوماسي عام 1883 اختتم بالموافقة والتوقيع على اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية ضمت (11) دولة وأصبحت الدول الموقعة فيما بعد (14) دولة بعد انضمام بريطانيا وتونس والاكوادور إلى الاتفاقية([15]).
وتعتبر اتفاقية باريس لعام 1883 أول اتفاقية دولية وحجر الأساس في الحماية الدولية للملكية الصناعية، ترمي إلى منح مواطني بلد معين حق حماية أعمالهم الفكرية في بلدان أخرى. وتتخذ الحماية على شكل حقوق للملكية الصناعية. وقد عدلت اتفاقية باريس مرات عدة كان آخرها عام 1967 فيما يعرف بوثيقة استوكهولم.

ثانياً: المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)
في  عام 1967 أنشأت منظمة دولية تعنى بكافة شؤون الملكية الفكرية تعرف بالويبو (المنظمة العالمية للملكية الفكرية) في مدينة استوكهولم والتي حلت محل منظمة البربي التي أنشأت في أعقاب انبثاق اتفاقية باريس لعام 1883 لحماية الملكية الصناعية واتفاقية بيرن عام 1886 لحماية حق المؤلف، وأصبحت هذه المنظمة في 17/2/1974 إحدى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة والمكلفة بإدارة موضوعات الملكية الفكرية بإقرار من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وينطوي الجزء الأساسي والمهم من أنشطة الويبو الرامية إلى تشجيع حماية الملكية الفكرية على التطوير التدريجي للقواعد والمعايير الدولية وتطبيقها، وبقيت اتفاقيتي باريس وبيرن حجر الأساس بالنسبة إلى نظام معاهدات الويبو.
وتسعى منظمة الويبو من خلال برامجها إلى بلوغ الغايات التالية :
1.     تنسيق التشريعات والإجراءات الوطنية في مجال الملكية الفكرية.
2.     تقديم الخدمات استجابة للطلبات الدولية المودعة للحصول على حقوق الملكية الصناعية.
3.     تبادل المعلومات في مجال الملكية الفكرية.
4.     تقديم المساعدة القانونية والتقنية إلى البلدان النامية وغيرها .
5.     تسهيل تسوية المنازعات القائمة بين الأطراف الخاصة في مجال الملكية الفكرية .
6.     استخدام تكنولوجيا المعلومات والإنترنت كوسيلتين لتخزين المعلومات القيمة المتعلقة بالملكية الفكرية والنفاذ إليها والانتفاع بها .

وتدير منظمة الويبو (11) معاهدة دولية ينص جلها على حقوق متفق عليها دولياً وقواعد ومعايير مشتركة لحمايتها.  وتوافق الدول الموقعة على هذه المعاهدات على تطبيقها على اراضيها. ففي مجال الملكية الصناعية تهتم منظمة الويبو في جعل أنظمة تسجيل الملكية الصناعية أيسر استعمالاً بتنسيق الإجراءات وتبسيطها، وتسهل معاهدة قانون العلامات لعام 1994، ومعاهدة قانون البراءات التي اعتمدت سنة 2000 الإجراءات وتنسقها وتسيرها للحصول على البراءات وحماية العلامات التجارية في البلدان([16]).

ثالثاً: اتفاقية تريبس
في أعقاب اختتام جولة الأوروغواي متعددة الأطراف والتي عقدت في إطار الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (الجات) في 15-كانون الأول 1993، فقد تم اعتماد الاتفاق الذي يؤسس منظمة التجارة العالمية بمدينة مراكش في 15-نيسان-1994، واشتملت تلك المفاوضات للمرة الأولى على مناقشات حول حقوق الملكية الفكرية التي تؤثر على التجارة العالمية، وقد أسفرت تلك المفاوضات على اتفاق الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (اتفاق تريبس) والمضمّن في مرفق مع اتفاقية منظمة التجارة العالمية. ودخلت اتفاقية منظمة التجارة العالمية، بما في ذلك اتفاق تريبس (والملزم لجميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية) حيز التنفيذ في 1/1/1995([17]).

وقد تم توقيع اتفاق بين الويبو ومنظمة التجارة العالمية للتعاون بين المنظمتين في مجالات تبليغ القوانين والإجراءات التنظيمية للملكية الفكرية والمساعدات التقنية القانونية والتعاون التقني مع الدول النامية الذي دخل حيز التنفيذ في 1/1/1996.

وتقوم اتفاقية تريبس على مبادئ اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية واتفاق برن لحماية الأعمال الأدبية والفنية، وقد تم إدماج جميع الأحكام الأساسية في هاتين الاتفاقيتين مباشرة في اتفاق تريبس.


وتقوم اتفاقية تريبس على أحكام ومبادئ أساسية نورد أهمها :
1.     مبدأ المعاملة الوطنية : ويقصد بهذا المبدأ أن يطبق كل عضو على مواطني سائر الدول الأعضاء المعاملة المنصوص عليها في الاتفاقية وذلك وفقاً للحقوق المماثلة المنصوص عليها في اتفاقية باريس واتفاقية بيرن واتفاقية روما ومعاهدة الملكية الفكرية فيما يتصل بالدوائر المتكاملة، ويطبق هذا المبدأ على جميع الحقوق الخاصة بالملكية الصناعية وحق المؤلف، وفيما يتعلق بفناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية وهيئة الإذاعة.  ولا يطبق هذا الالتزام إلا فيما يتعلق بالحقوق المنصوص عليها في هذا الاتفاق (المادة  3)، ويستثنى من هذا المبدأ أيضاً الإجراءات المنصوص عليها في الاتفاقيات متعددة الأطراف تحت رعاية المنظمة العالمية للملكية الفكرية والخاصة باكتساب حقوق الملكية الفكرية أو الحفاظ عليها (المادة 5) .
2.     معاملة الدولة الأكثر رعاية : لم يرد هذا المبدأ سابقاً فيما يتعلق بالملكية الفكرية، وفي الاتفاقيات متعددة الأطراف على الأقل، وينص هذا المبدأ على أن أي ميزة أو مزية أو أفضلية أو حصانة يمنحها عضو لمواطني أي بلد آخر (عضو كان أو غير عضو) يجب منحها فوراً ودون أي شرط لمواطني سائر الأعضاء. مع وجود بعض الاستثناءات المحددة (المادة 4)، وتستثنى من هذا المبدأ الإجراءات المنصوص عليها في الاتفاقيات المتعددة الأطراف المبرمة تحت رعاية منظمة الويبو والخاصة باكتساب حقوق الملكية الفكرية والحفاظ عليها([18]).

رابعاً: أهم الاتفاقيات في مجال براءات الاختراع
إضافة إلى اتفاقية باريس للملكية الصناعية لعام 1883 والذي تشكل الإطار العام لحماية الملكية الصناعية، هناك (4) اتفاقيات دولية في مجال براءات الاختراع هي :
1.     اتفاقية التصنيف الدولي لبراءات الاختراع – اتفاقية ستراسبورغ لعام 1971 – اتحاد IPC.
2.     اتفاقية الاعتراف الدولي بإيداع الكائنات الدقيقة لأغراض الإجراءات الخاصة بالبراءات –اتحاد بودابست لعام 1997.
3.     اتفاقية التعاون بشأن البراءات – واشنطن عام 1970- اتحاد PCT.
4.     معاهدة قانون البراءات بشأن تنسيق إجراءات البراءات 6/2000 – بهدف توحيد الشروط الشكلية المختلفة المطبقة بمومجب أنظمة البراءات الوطنية والإقليمية على طلبات البراءات .


الفرع الثالث : تطور تشريعات الملكية الصناعية على المستوى العربي والمحلي

كان أول تشريع ينظم الملكية الصناعية والتجارية هو القانون العثماني رقم (23) لسنة 1879، والذي شمل تطبيقه جميع ولايات الدولة العثمانية بما فيها البلاد العربية التي كانت تحت ولايتها وحكمها؛ وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى وبعد انفصال البلاد العربية عن الدولة العثمانية، وبعد أن بدأت الصناعة في البلاد العربية تنشأ وبدأت التكنولوجيا الغربية تغزوها، ظهرت بوادر الاهتمام بسن القوانين التي تنظم براءات الاختراع والنماذج الصناعية والعلامات التجارية وأنشأت أجهزة مختصة للقيام بهذه المهمة، وبانضمام بعض الدول العربية إلى اتحاد حماية الملكية الصناعية على غرار التشريعات الغربية، وتعد تونس ومصر والأردن والجزائر والعراق من أولى الدول العربية التي عنيت بسن القوانين المنظمة للملكية الصناعية والأخذ بأسلوب التسجيل للبراءات والشهادات حماية لها وصوناً من المنافسة في غير حدودها المشروعة ([19])، بل أن هناك بعض الدول العربية مثل تونس قد ساهمت في الجدهد الدولي لحماية الملكية الفكرية اعتباراً من القرن التاسع عشر وأن عدداً من الدول العربية كانت من الدول الأساسية في عضويتها لعدد من اتفاقيات الملكية الدولية، وقد شهدت فترة الخمسينات والتسعينات من القرن الماضي موجة من التشريعات المتعلقة بالملكية الصناعية على مستوى الوطن العربي، ويمكن القول بأن غالبية الدول العربية أعضاء في أهم إتفاقيات الملكية الفكرية وهي اتفاقية إنشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية وإتفاقية برن للملكية الأدبية والفنية واتفاقية باريس للملكية الصناعية([20]).

على المستوى المحلي إهتم المشرع الأردني بتنظيم الملكية الصناعية استجابة لازدياد الاهتمام الدولي بهذا الشأن، فكان أول قانون ينظم الملكية الصناعية هو القانون الصادر في 17/4/1953 قانون امتيازات الاختراعات والرسوم. رقم (22) لسنة 1953، وقد ألغيت بموجبه جميع التشريعات العثمانية والقوانين والأنظمة الفلسطينية والأردنية المتعلقة بتسجيل امتيازات الاختراعات والرسوم التي كانت سارية المفعول قبل ذلك([21]).
وألغي هذا القانون بموجب قانون براءات الاختراع رقم (32) لسنة 1999 المعدل بموب القانون رقم (71) لسنة 2001 إضافة إلى نظام براءات الاختراع رقم (97) لسنة 2001 وقد سن هذا القانون ليحقق التلائم مع متطلبات عضوية الأردن في منظمة التجارة العالمية. والأردن صادق على اتفاقية باريس الخاصة بالملكية الصناعية منذ عام 1972 واتفاقية بيرن للملكية الأدبية والفنية منذ عام 1999، وكذلك الأردن عضو في منظمة الويبو. ومع دخول الأردن عضوية منظمة التجارة العالمية بمصادقة المنظمة على بروتوكول انضمام الأردن بتاريخ 17/12/1999 والتزامه بحزمة اتفاقياتها، والتي من بينها اتفاقية تريبس المتعلقة بالملكية الفكرية، ولقد جرت المصادقة الدستورية على هذه الاتفاقيات مما يجعلها جزءاً من القانون الأردني.

المبحث الثاني
 براءة الاختراع

المطلب الأول : تعريف براءة الاختراع

الفرع الأول : الاختراع لغة
هو كشف القناع عن شيء لم يكن معروفاً بذاته أو الوسيلة إليه، وأن لفظ الاختراع تدل على الإيجاد المبتكر. والمبتكر اسماً فاعل من اخترع وابتكر فالمخترع بمعنى أبدع شيئاً لم يكن له وجود فعلي قائم، أما ابتكر تفيد إبداع شيئاً مبتكراً وكل من الشيء المخترع والمبتكر هو ثمرة الاختراع والابتكار والإبداع([22]).
فهو جهد بشري عقلي وعلمي يثمر في النهاية عن إنجاز جديد مفيداً للإنسانية ويضيف إلى رصيدها ما يسد حاجة ويحقق أملاً.

الفرع الثاني : الاختراع قانوناً
فهو كل اكتشاف أو ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعي سواء كان متعلقاً بمنتجات جديدة أم بطرق ووسائل مستحدثة أو بهما معاً. وقد عرف قانون براءات الاختراع الأردني رقم 32 لسنة 1999 الاختراع بأنه: (أي فكرة إبداعية يتوصل إليها المخترع في أي من المجالات التقنية وتتعلق بمنتج أو بطريقة صنع أو بكليهما تؤدي عملياً إلى حل مشكلة معينة في أي من هذه المجالات) .

وأخذ القضاء الأردني بالتعريف نفسه للاختراع بأنه (فكرة ابتكارية تجاوز تطور الفن الصناعي القائم والتحسينات التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج أو تحقيق مزايا فنية أو اقتصادية في الصناعة بما يتوصل إليه عادة الخبرة العادية أو المهارة الفنية) ([23]).

ومع التضارب في تعريف الاختراع بين اللغة والقانون إلا أن القانون يركز على أهمية الاختراع في المجال الصناعي فالاختراع الذي لا يؤدي إلى تقدم ملموس في الفن الصناعي لا يستحق في نظر القانون منح صاحبه براءة عنه، ومع ذلك فإن المدلول القانوني لكلمة اختراع محل جدل بين القانونيين وخبراء الاختراعات، لذلك فقد أحجمت بعض قوانين الملكية الصناعية من إعطاء تعريف قانوني للاختراع والاكتفاء بتحديد العناصر الواجب توافرها فيه لكي تمنح عنه البراءة ([24]).

الفرع الثالث : تعريف براءة الاختراع
براءة الاختراع من فعل برأ وجمعها براءات وتعني الخلوص من التهمة، وقد تكون براءة الثقة براأ أو بروءاً من المرض، شفى وبروء وبراءة من العيب أو الدين، وبراءة الاختراع هي عدم وجود تهمة أو عيب في الاختراع أو شهادة الثقة في الاختراع، وقد عرفها القانون العراقي في المادة الأولى فقرة (8) (الشهادة الدالة على تسجيل الاختراع) ([25]).

فهي الوثيقة التي تصدرها الدولة للمخترع اعترافاً منها بحقه في ما اخترع أو للمكتشف اعترافاً منها في ما اكتشف فالبراءة شهادة رسمية – صك – تصدرها جهة إدارية مختصة في الدولة إلى صاحب الاختراع أو الاكتشاف، بمقتضاها يستطيع المخترع أو المكتشف أن تمنحه حق احتكار استغلال اختراعه أو اكتشافه زراعياً أو صناعياً أو تجارياً لمدة محدودة وبقيود معينة، وتضمن له الحماية القانونية في مواجهة الغير.

وعرفها قانون براءات الاختراع الأردني في المادة (2) بقوله : البراءة هي الشهادة الممنوحة لحماية الاختراع .

إلا أن هناك خلافاً فقهياً حول طبيعة براءة الاختراع، ففريق يرى أن البراءة عقد بين المخترع والإدارة، يقدم المخترع سر اختراعه للجمهور للاستفادة منه صناعياً بعد انتهاء مدة البراءة مقابل منح المجتمع للمخترع حق احتكار استغلاله خلال تلك المدة .

وفريق ثاني يرى أن البراءة ليست إلا قراراً إدارياً باعتباره عملاً قانونياً من جانب واحد يتمثل في صدور قرار إداري يمنح البراءة من الجهة المختصة، حيث أن القانون يوجب على الإدارة منح البراءة متى توفرت الشروط القانونية اللازمة لها ([26]). وهناك فريق ثالث يرى أن براءة الاختراع عمل منشئ لا مقرر لحق المخترع في احتكار اختراع في مواجهة الكافة ولمدة محدودة([27]).  وآخرون يرون أن البراءة عمل كاشف ومقرر للاختراع. ومهما يكن من اختلاف في طبيعة الاختراع فقد اعترفت القوانين التي تنظم براءات الاختراع بحقوق المخترع على اختراعه وتضمن له الحماية القانونية في مواجهة الغير.

الفرع الرابع : خصائص حق ملكية براءة الاختراع
يتميز حق ملكية براءة الاختراع بعدة خصائص تتلخص بما يلي :
أولاً: حق ملكية مؤقت
يتميز حق ملكية براءة الاختراع بأنه حق استغلال مؤقت، وذلك أن الإنسانية شريكة لصاحب الفكر (الاختراع) من وجهين: الأول تقتضي به المصلحة العامة، إذ لا تتقدم البشرية إلا بفضل انتشار الفكر (المبتكرات والمخترعات)، وإن كان صاحب الاختراع هو الذي ابتدع نتاج فكرة، ووجه آخر وهو أن صاحب الاختراع (الفكر) مدين للإنسانية على نحو ما، ففكره ليس إلا حلقة في سلسلة تسبقها حلقات وتتلوها حلقات، فإذا كان المخترع قد أفاد ممن لحقه، فقد استعان واستفاد بمن سبقه لذلك لا يجوز أن يكون حق ملكية براءة الاختراع مؤبداً كما هو الشأن في الملكية المادية، فلا يجوز أن يكون الحق في نتاج الفكر مؤبداً بل لا بد فيه من التوقيت([28]).

وعلى ذلك قرر المشرع تحديد زمني لملكية براءة الاختراع لاعتبارات مصلحة المجتمع، فقرر المشرع الأردني مدة حماية ملكية براءة الاختراع لمدة عشرون سنة تبدأ من تاريخ إيداع طلب تسجيله ([29]) بعدها تنتقل للملكية العامة.

ثانياً: حق الاختراع ذو طبيعة مزدوجة
لمالك براءة الاختراع حق مالي (مادي) يخوله وحده حق استغلال اختراعه والتصرف فيه بيعاً وتنازلاً بمقابل أو بلا مقابل، وإلى جانب هذا الحق هناك الحق الأدبي الذي يخوله سلطة كاملة على إنتاجه الفكري باعتباره نابعاً منه، ومنعكس عنه ويرتبط بشخص المخترع ويعبر عنه بحق الأبوة على اختراعه أو مصنفه([30]). فالفكر لصيق بالشخصية بل هو جزء منها والحق الأدبي ليس حق ملكية أو حقاً عينياً بل هو حق من الحقوق الشخصية، وهذا الحق من شأنه أن يمكن المفكر (المؤلف أو المخترع) من أن يبيع حقه المالي أو أن يعيد النظر في فكره أو تعديله ([31]) هذا الحق يثبت للمخترع ولا يجوز التنازل عنه بمقابل أو بدون مقابل.

ثالثاً : حق ملكية براءة الاختراع مقيد بالاستغلال :
ألزم القانون صاحب براءة الاختراع باستغلال البراءة خلال مدة محددة وفق طبيعة هذا الحق فإذا لم يباشر صاحب البراءة الاستغلال سقط حقه وينتقل بالجبر عنه إلى الغير تحقيقاً للمصلحة الاقتصادية للمجتمع ([32])  وقد نص المشرع الأردني على : (إذا لم يقم مالك البراءة باستغلالها أو كان استغلاله لها دون الكفاية قبل انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ منح البراءة أو أربع سنوات من تاريخ إيداع طلب تسجيلها أي المدتين تنقضي مؤخراً فللوزير أن يمنح ترخيصاً باستغلال الاختراع لغير مالك البراءة دون موافقته([33]).

رابعاً: حق ملكية براءة الاختراع مرتبط بقرار إداري
لا يد لصاحب الاختراع حتى يتمتع بالحماية من القيام بإجراءات معينة يترتب عليها وجود قانون (رسمي) للاختراع، تتمثل في تقديم طلب البراءة من صاحب الشأن إلى الجهة المختصة([34])، وقرر المشرع أن الحماية المقررة للمخترع لا تمنح له إلا إذا اتبع الإجراءات المنصوص عليها في القانون أمام الجهة الإدارية المختصة حتى ينشأ الحق بصدور القرار الإداري بذلك([35]).

المطلب الثاني : صاحب الحق في براءة الاختراع
تنص المادة (5) من قانون براءات الاختراع  الأردني على : صاحب الحق في براءة الاختراع:

الفرع الأول : للمخترع أو لمن تؤول إليه ملكية البراءة

أن الاختراع القابل لمنح البراءة عنه لا يتمتع بحماية القانون حتى تمنح البراءة وتصدر لمستحقها سواء كان هو المخترع الحقيقي أو من تلقى عنه الحق في طلب البراءة([36]).
وتميل قوانين براءة الاختراع إلى عدم حصر الإيداع بالشخص الطبيعي (المخترع ذاته)، فالحق في طلب البراءة ينشأ للمخترع أو لمن آلت إليه حقوقه، ففي حالة وفاة المخترع تصدر البراءة باسم ورثته، ويحق لورثة المتوفي الذي أحرز اختراعاً ولم يتقدم بطلب لتسجيله التقدم بطلب لتسجيل الاختراع باسمهم على أن يذكر اسم المخترع الحقيقي في هذه الحالة([37]). كما تنص المادة (27) فقرة – ب على (ينتقل بالميراث الحق في ملكية البراءة وجميع ما يتعلق بها من حقوق) .

وكذلك إذا تنازل المخترع عن حقوقه في الاختراع ينتقل هذا الحق إلى المتنازل إليه، غير أن الذي ينتقل هو الحق المالي إلى المتنازل إليه، لأنه أمر من الأمور المتعلقة بالذمة المالية للمخترع ولذلك يكون له الحق في التصرف فيه بالبيع أو الرهن أو الهبة، أما الحق الأدبي لا ينتقل إلى المتنازل إليه حيث أنه أمر يتعلق بحق المخترع الأدبي اللصيق به([38])، ومن الجائز أن يتقدم بطلب البراءة شخص معنوي (شركة، مؤسسة رسمية أو غير رسمية)، سواء اكان الشخص المعنوي من أشخاص القانون العام أو الخاص، حيث لا ينبغي الخلط بين الحق في البراءة وبين إمكانية استغلاله أو أهلية استغلاله([39]).

الفرع الثاني : الاختراعات المشتركة والاختراعات المستقلة
لا تثير الاختراعات المشتركة مشاكل كثيرة، وهو الاختراع الذي يشترك في إنجازه عدد من الأشخاص إذ يساهم كل واحد منهم بجزء من العمل المبتكر (الاختراع)، وقد حسم المشرع الأردني هذا الإشكال بأن جعل الحق في البراءة لهم جميعاً بالتساوي بينهم ما لم يتفقوا على غير ذلك فيعمل باتفاقهم([40]).

أما الاختراعات المستقلة: وهو الاختراع الذي يتوصل إليه أشخاص عدة مستقلين عن بعضهم البعض، فإن هناك قوانين تقرر الحق في البراءة للمخترع الأول، بينما قوانين أخرى تمنح الحق في البراءة لمن سبق وطلب الحصول على براءة الاختراع، ويعد القانون الأمريكي مثالاً للطائفة الأولى إذ يجب على طالب البراءة إثبات أنه المخترع الأول والأصيل للابتكار موضوع البراءة، أما القانون الفرنسي والمصري والأردني فيعتدان بالأسبقية في التقدم بطلب الحصول على براءة الاختراع، وذلك بعد أن عدل القانون الفرنسي بموجب قانون 1978 فأصبح ينص على أن الحق في سند الملكية الصناعية يثبت للمخترع أو لمن آلت إليه حقوقه، وكذلك الأمر بالنسبة للقانونين المصري والأردن ومعنى ذلك أن القوانين آنفقاً الذكر تعتد بالأسبقية في طلب البراءة وليس الأسبقية في الاختراع([41]). وقد نص المشرع الأردني على ذلك بالقول "يكون الحق في البراءة للأسبق في إيداع طلبه لدى المسجل"([42]).

ومع ذلك قد يثور النزاع حول مشروعية الطلب الأول إذا تعرض المخترع الحقيقي لغصب سر اختراعه أو كان بلوغ أوصاف الاختراع إلى الطالب الأول نتيجة إفشاء سر الاختراع بغش منه أو تواطؤ، كذلك قد يتقدم الطالب الأول بالمخالفة لأحكام القانون أو لالتزامات عقدية تشغل ذمته في مواجهة المخترع الحقيقي، وقد تدخل المشرع الفرنسي منذ صدور قانون 1968 وخول المخترع الحقيقي حق استرداد ملكية براءة الاختراع إذا ثبت اختلاس الاختراع أو مخالفة القانون أو الالتزام التعاقدي، وقد انقسم الفقه المصري حيال هذا الموضوع إلى رأيين : الأول يقر للمخترع الحقيقي طلب استرداد الاختراع والثاني لا يمنح المخترع الحقيقي سوى الرجوع بالتعويض على صاحب البراءة، ونحن نرجح الرأي الأول فمتى ثبت الاختلاس أو مخالفة القانون أو الالتزام العقدي انتفت صفة المخترع في طلب البراءة أو انتفى الحق في طلب البراءة أو انتفى الحق في طلب الحصول عليها بحسب الأحوال([43]).

الفرع الثالث : اختراعات العمال
نصت المادة (5) من قانون براءات الاختراع الأردني المعدل رقم (17) لسنة 2001 على أن صاحب الحق في براءة اختراعات العمال .

1.     لصاحب العمل إذا كان الاختراع الذي توصل إليه العامل أثناء استخدامه يتعلق بأنشطة صاحب العمل أو أعماله أو إذا استخدم العامل في سبيل التوصل إلى هذا الاختراع خبرات صاحب العمل أو أعماله أو معلوماته أو أدواته أو مواده الموضوعة تحت تصرفه، وذلك ما لم يتفق خطياً على غير ذلك".
2.     للعامل إذا كان الاختراع الذي توصل إليه لا يتعلق بأنشطة صاحب العمل أو أعماله ولم يستخدم في سبيل التوصل إلى هذا التوصل لهذا الاختراع ما لم يتفق خطياً على غير ذلك".

وسوف نأتي على شرح هذا البند بالتفصيل لاحقاً في هذا البحث .

المطلب الثالث : مالك البراءة :  الشخص الطبيعي والشخص المعنوي
عرف المشرع الأردني مالك البراءة بأنه : (الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي منحت له البراءة)([44]). يلاحظ أن القانون الأردني لم يضع قيوداً في الشخص الذي يقدم طلب البراءة، فيجوز تقديم طلب البراءة من أي شخص سواء كان شخصاً طبيعياً أم معنوياً، سواء كان تاجر أم غير تاجر، وكذلك بصرف النظر عن جنسيته سواء أكان أردنياً أم غير أردني، وسواء أكان من أشخاص القانون العام أم الخاص، وبطبيعة الحال على مقدم الطلب أن يقدم بيناته لإثبات أحقيته في ملكية البراءة موضوع طلب التسجيل إذا لم يكن  المخترع نفسه([45]). مما سبق يتضح أن المشرع أعطى الحق للشخص المعنوي في تملك براءة الاختراع، ولكن كيف يمكن للشخص المعنوي أن يكون صاحب براءة اختراع يتمتع بالحماية القانونية، ومن البديهي أن الشخص المعنوي لا يمكن أن يكون مفكراً ولا مبتكراً، وأن تشريعات حماية الاختراع ما كانت لتشرع إلا لحماية المفكر والمبتدع الذي بذل جهده وتفكيره وماله للوصول إلى اختراع معين.

للبحث طرق تملك الشخص المعنوي لبراءة الاختراع نعرض للتعاقد على الاختراع .

المطلب الرابع : التعاقد على براءة الاختراع
إن البراءة تمثل حقوقاً صناعية معنوية قابلة للاستغلال والحماية لمدة معينة، فإن من الجائز أن تخضع هذه الحقوق للتعامل بها والتعاقد عليها حتى قبل التوصل للاختراع، حيث يجوز أن يكون الاختراع المستقبل محلاً للتعاقد، ويترتب على هذه الحقوق تخويل أحد طرفي العقد الحق في طلب البراءة .

والتعاقد على اختراع  مستقبل لا يخضع لشكل معين وأن أبسط صور هذه العقود (حوالة الاختراع)، وبموجب هذه الحوالة يتم التنازل عن الاختراع المحقق أو المحتمل؛ ويكون للمتنازل له طلب البراءة عنه، غير أنه يتوجب في مثل هذه العقود تحديد المقصود منها من حيث الموضوع والمدة، ومقتضى هذا الاتفاق أن يقوم أحد طرفي العقد باختراع أو ابتكار معين لحساب الطرف الثاني، لقاء عوض معين.

ويشيع هذا النوع من العقود في عالم الصناعة المعاصرة حيث يكلف الصناعيون بعض المهندسين من ذوي الاختصاص والخبرة أو شركات البحث والدراسة التقنية بإيجاد بعض الحلول لبعض المشكلات الصناعية، وللمخترع في هذه الحالة الحق في طلب تسجيل الاختراع باسمه، إلا إذا نص عقد التوصية بالاختراع على نقل ملكية الاختراع إلى المتعاقد الآخر وإذا ما خلا العقد من النص الصريح على هذا الانتقال فإن الفقه في فرنسا يقول أن العقد يتضمن ذلك، ويعد نقل ملكية الاختراع من جوهر العقد، ومما ينطوي على قصد الطرفين، وبذلك يعد الطرف الثاني في العقد بمثابة محال له من طرف المخترع، فيكون له بهذه الصفة أن يتقدم بطلب البراءة، ويشترط وجود عقد بالاختراع فإذا لم يوجد عقد احتفظ المحقق للاختراع بحقوقه، وجاز له أن يشرك فيه من كلفة بالقيام بالاختراع إذا ما أسهم وإياه في العمل وبذلك قضت محكمة باريس، وقد أخذ القانون العراقي بذلك وأوجب أن يسجل الاختراع ابتداء باسم رب العمل أو المتعاقد مع المخترع على أن يذكر اسم المخترع في البراءة.  ويكيف الفقه الفرنسي هذا العقد على أنه ضرباً من إجارة الأعمال؛ غير أنه نظراً لاستقلال القائم بمحاولة الاختراع في عمله وطبيعة العمل الفني الذي يضطلع بتحقيقه وكونه يختلف عن سائر الأعمال العامة التي يستأجر عليه العمال، فإن هذا التكييف غير مقبول ولا يمكن اعتباره عقد عمل بالمعنى القانوني، وهو يختلف عن ما يسمى باختراع العاملين أو المستخدمين لدى صاحب العمل في المؤسسة والمصانع والمعامل([46]).

وعلى ذلك يستطيع الشخص المعنوي تملك براءة الاختراع بطريق التعاقد على الاختراع مع المخترع الحقيقي بأن يكون للشخص المعنوي الحق في طلب براءة الاختراع المتعاقد عليه على أن ينص العقد على ذلك صراحة.

كما يمكن للشخص المعنوي تملك براءة الاختراع بطريق نقل الملكية من المالك الأصلي سواء أكان هذا المالك هو المخترع نفسه أو من آلت إليه حقوق البراءة، فقد أجاز المشرع الأردني نقل ملكية البراءة فنص على (يجوز نقل ملكية البراءة كلياً أو جزئياً بعوض أو بغير عوض أو رهنها أو حجزها) ([47])بالإضافة إلى  ما تقدم فإن تشريعات براءات الاختراع جعلت لصاحب العمل (سواء أكان شخص معنوي (شركة، مؤسسة) من أشخاص القانون العام أو الخاص أو سواء أكان شخصاً طبيعياً) الحق في طلب براءة الاختراع التي يتوصل إليها العامل الذي يعمل لديه، سواء كان صاحب العمل شخصاً طبيعياً أم كان شخصاً اعتبارياً (معنوي). وما دام التعاقد على الاختراع جائز أرى أنه من الضروري أن نتعرف على عقد العمل وعناصره حتى يمكننا التمييز بينه وبين أي عقد آخر .


الفصل الثاني
المخاطب بالحماية وموقف المشرع الأردني من اختراعات العاملين

من المخاطب بالحماية، ومن هو العامل، وهل يختلف عقد العمل عن غيره من العقود، وهل اختراعات العاملين تقع على صوره واحدة، وكيف تعاملت التشريعات مع العامل إذا ما توصل لاختراع في إطار عقد العمل أو رابطة العمل؟
وسوف نقسم الدراسة في هذا الفصل إلى المباحث التالية :
الاول : المخاطب بالحماية وعقد العمل ومميزاته وعناصره الجوهرية .
الثاني : أهمية وصور اختراعات العاملين .
الثالث : اختراعات العاملين في التشريعات الأردنية.
المبحث الأول
 المخاطب بالحماية وعقد العمل ومميزاته وعناصره الجوهرية

المطلب الأول : المخاطب بالحماية

تلحق صفة المالك كقاعدة عامة بالشخص الطبيعي الذي ابتكر أو المخترع الحقيقي، وهو بلا شك المخاطب بحماية المشرع، ولا يثير هذا القول أية مشاكل في التطبيق إلا إذا تعدد المساهمون في الاختراع، أو إذا تعلق الأمر باختراع في إطار علاقة عمل تربط بين المخترع وشخص طبيعي أو معنوي آخر(صاحب العمل) ([48]).

وإذا كان المشرع قد أصبغ الحماية القانونية على المخترع الحقيقي سواء كان عاملاً أم غير عامل، فإن الملاحظ أن هذه الحماية أخذت تضعف عندما يتعلق الأمر بالعامل تحت ضغط أصحاب العمل والشركات الكبرى، بحيث أخذت حقوق اختراعات العمال وبالتالي الحماية المقررة لها قانوناً تنتقل لأصحاب العمل شيئاً فشيئاً، وعلى كل حال فقد وضع المشرع قيوداً على إمكانية منح ملكية البراءة في هذه الحالة لصاحب العمل وهي :

أولاً : وجود علاقة عمل بين المخترع العامل وصاحب العمل

ثانياً: إنجاز المخترع لاختراعه في إطار العقد الذي يربطه بصاحب العمل، ويقصد بهذا القيد عدم إمكانية اكتساب صاحب العمل صفة مالك براءة الاختراع إلا إذا كان العامل قد توصل إلى اختراعه في إطار عمله المكلف به .

ثالثاً: عدم تضمن العقد أو الاتفاق الذي يربط العامل بصاحب العمل لبند مخالف، وقد قصد المشرع بهذا القيد، إفساح المجال لطرفي العقد أعمالاً لمبدأ سلطان الإرادة ([49]). فمن حق الاطراف معالجة الوضع الذي يتوصل فيه العامل إلى اختراع ما خارج إطار عمله المكلف به.
وأن انتفاء هذه الأمور الثلاثة أو أحدها يترتب عليه عودة ملكية الاختراع للعامل المخترع([50]).

وحيث أن الحقوق العمالية تتمحور حول علاقة العمل الذي تربط العامل بصاحب العمل والمعبر عنها بعقد العمل، وللتمييز بين عقد العمل وبين غيره من العقود، سوف نتحدث عن عقد العمل وخصائصه وعناصره.

المطلب الثاني: عقد العمل
عرف المشرع الأردني عقد العمل بأنه (إتفاق شفهي أو كتابي صريح أو ضمني يتعهد بمقتضاه العامل أن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إشرافه أو إدارته مقابل أجر ويكون عقد العمل لمدة محددة أو غير محددة أو لعمل معين أو غير معين) ([51]). وقد عرفت المادة (805/1) من القانون المدني الأردني عقد العمل بأنه: (عقد يلتزم أحد طرفيه بأن يقوم بعمل لمصلحة الآخر تحت إشرافه أو إدارته لقاء أجر).

كما أورد قانون الموجبات اللبناني في المادة (642/1) والمادة (674) مدني مصري والمادة (290) عمل مصري التعريف التالي : (إجارة العمل أو الخدمة، عقد يلتزم بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يجعل عمله رهن خدمة الفريق الآخر و تحت إدارته، ومقابل أجر يلتزم هذا الفريق أداءه له) ([52]) من هذا التعريف يمكن أن نتعرف على خصائص عقد العمل.  ولكن لنتعرف أولاً من المقصود بالعامل وصاحب العمل :

الفرع الأول – العامل
عرف المشرع الأردني العامل بأنه (كل شخص ذكراً كان أم أنثى يؤدي عملاً لقاء أجر ويكون تابعاً لصاحب العمل وتحت إشرافه ويشمل ذلك الأحداث من كان على قيد التجربة أو التأهيل([53]يتضح من التعريف أن لفظ عامل يشمل كل من يقوم بعمل يدوي أو عقلي يسمى عامل أو مستخدم أو أجير، فالعامل لا يمكن إلا أن يكون شخصياً طبيعياً، ويشترط لتوافر صفة العامل ما يلي :
‌أ-        أن يكون شخصاً طبيعياً إنساناً ذكراً أم أنثى بلغ سن الرشد أو مميز.
‌ب-   أن يؤدي عملاً ما سواء كان عملاً عقلياً أم عملاً مادياً.
‌ج-     أن يتم العمل لحساب شخص آخر طبيعي أو اعتباري تتوافر فيه صفة صاحب العمل.
‌د-       أن يتم هذا العمل تحت إشراف أو إدارة صاحب العمل.
هـ- أن يؤدي العامل عمله مقابل أجر يحصل عليه من صاحب العمل سواء كان الأجر عينياً أم نقدياً.
أما بالنسبة لأهلية القاصر المميز، فله أن يبرم عقد العمل بنفسه باعتباره عاملاً، ذلك أن عقد العمل ليس عقداً مالياً خالصاً بالنسبة للعامل، لأن العمل وهو محل العقد لا ينفصل عن شخص العامل([54]).

الفرع الثاني – صاحب العمل
عرف المشرع الأردني صاحب العمل بقوله (كل شخص طبيعي أو معنوي يستخدم بأي صفة كانت شخصاً أو أكثر مقابل اجر) ([55])، وقد استقر الفقه والقضاء على أن لفظ صاحب العمل يطلق للدلالة على من يؤدي العمل لحسابه وتحت إشرافه، فقد يكون صاحب مشروع أو مؤسسة أو شركة أو مالك أدوات العمل أو صاحب رأس المال أو تاجر أو المتعاقد الآخر وهو في جميع الأحوال بمعنى واحد يمثل الطرف الذي يدخل في علاقات عمل مع تابعية ويكون له عليهم حق إصدار الأوامر كما يتحمل الالتزامات التي فرضها القانون وعلى الأخص الأجر والإجازات وغيرها، وقد يكون شخصاً طبيعياً أو معنوياً، المهم صاحب سلطة على من يعملون تحت إدارته وتشمل عبارة صاحب العمل كما أسلفنا كافة المشروعات التجارية والصناعية سواء كانت فردية أو اتخذت شكل الشركة، وهذا ما أخذت به محكمة النقض المصرية على أن (المراد بصاحب العمل في خطاب الشارع في قانون العمل هو صاحب الأمر بحسب النظام الموضوع في المنشأة في الإشراف الإداري على شؤون العمال المنوط بتنفيذ ما فرضه القانون ولا يلزم أن يكون صاحب العمل محترفاً) ([56]). وينفرد عقد العمل دون غيره من العقود المدنية بوجود علاقة عمل بين العامل وصاحب العمل يكون صاحب العمل متبوعاً والعامل تابعاً، وهذا هو جوهر التمييز بين عقد العمل وغيره من العقود الواردة على العمل كالمقاولة والوكالة([57]) كما أن العمل الذي يؤديه العامل لا بد أن يكون مقابل أجر .

الفرع الثالث : خصائص عقد العمل
‌أ-        عقد العمل من العقود الرضائية: إذ ينعقد عقد العمل بمجرد التعبير عن إرادتين متطابقتين ولا يلزم أن يكون العقد مكتوباً فيمكن أن يكون شفوياً، كما في قانون العمل الأردني واللبناني فإن الكتابة تستلزم للإثبات فقط، دون أن يكون شرطاً لازماً لانعقاد العقد([58]).
‌ب-   عقد العمل ملزم للجانبين: إذ يرتب عقد العمل حقوقاً والتزامات على كل من العامل وصاحب العمل نتيجة دخولهما في علاقة عمل فيلزم العامل بأداء العمل المتفق عليه ويلتزم رب العمل بأداء الأجر للعامل ويترتب على إخلال أحدهما بالتزاماته المفروضة بالعقد حق الطرف الآخر الامتناع عن تنفيذ التزاماته المقابلة في حدود القواعد العامة في القانون المدني. ([59])
‌ج-     عقد العمل عقد معاوضة: حيث يحصل كل من طرفيه مقابل ما يعطي فهو عقد لمصلحة المتعاقدين معاً .
‌د-       عقد العمل من عقود المدة في الغالب من الحالات ويعتبر الزمن عنصراً جوهرياً لقياس العمل، كما هو الشأن في الإيجار، ومع ذلك فقد يتحدد العمل حيث يتفق على تحقيق نتيجة معينة بصرف النظر عن الزمن اللازم للوصول إلى ذلك)، ويترتب على اعتبار عقد العمل من عقود المدة أن انحلاله لا يمتد إلى الماضي، فيتم بطلان العقد أو فسخه بالنسبة إلى المستقبل فقط([60]).
هـ- عقد العمل يعتد بالاعتبار الشخصي سواء عند انعقاد العقد أم بمناسبة انقضائه، خاصة بالنظر إلى العامل فكفاءة هذا الأخير وسلوكه هما اللذان يرغبان صاحب العمل في تشغيله، كما قد يرغب العامل بالعمل لدى شخص معين دون غيره من أصحاب العمل، والاعتبار الشخصي لصاحب العمل أقل أهمية لدى العامل منه للعامل بالنسبة لصاحب العمل، ويلعب الاعتبار الشخصي دوراً في انتهاء العقد، حيث تؤدي وفاة العامل إلى انقضاء عقد العمل فلا ينتقل إلى ورثته، بخلاف وفاة صاحب العمل أو تصرفه بالمؤسسة أو المصنع بنقل ملكيته إلى الغير، حيث لا يؤدي ذلك بالضرورة إلى إنهاء العقد مع العامل([61]).

الفرع الرابع : عناصر عقد العمل الجوهرية
أولاً: عنصر العمل
يميز هذا العنصر عقد العمل عن غيره من العقود الأخرى التي ترد على الأشياء المادية، فعقد العمل يرد على عمل الإنسان وهو بذلك يتصل بحقوقه الشخصية، فمحل عقد العمل هو العمل الذي لا يمكن فصله عن شخص العامل، فالعمل وثيق الصلة بشخص الإنسان بعكس العقود الأخرى مثل عقد الإيجار الذي يمكن فصل محله عن المؤجر([62]). وقد عرف المشرع الأردني العمل بقوله (كل جهد فكري أو جسماني يبذله العامل لقاء أجر سواء كان بشكل دائم أو عرضي أو مؤقت أو موسمي) ([63])، ولا يشترط في العمل أن يكون جسمانياً (مادياً) فيمكن أن يكون محل العقد عملاً فكرياً (عقلياً) ابتكار أو تأليف لصالح صاحب العمل ويمكن أن يكون العمل غير محدد (دائم) ويمكن أن يكون الغرض معين أو لمدة محددة. ويجب أن يكون العمل محدداً بموجب العقد وإلا كان فاسداً وذلك لعدم وجود محل الالتزام. ولا يشترط بالعامل القيام للإيفاء بالتزامه واستحقاقه الأجر فإن تواجد العامل في مكان العمل واستعداده للقيام بالعمل كاف لتوفر عنصر العمل في العقد([64]).

ثانياً:  عنصر الأجر
يعتبر الأجر عنصراً جوهرياً في عقد العمل، نظراً لأن هذا العقد من عقود المعاوضة، وقد عرف قانون العمل الأردني في المادة الثانية منه الأجر بأنه (كل ما يستحقه العامل لقاء عمله نقداً أو عيناً مضافاً إليه الاستحقاقات الأخرى أيّاً كان نوعها إذا نص القانون أو عقد العمل أو النظام الداخلي أو استقر التعامل على دفعها باستثناء الأجور المستحقة عن العمل الإضافي) .

والأجر هو ما يلتزم رب العمل بأدائه إلى العامل نظير قيامه بالعمل المتفق عليه في العقد، ولا يعني ذلك أن يكون في مقابل الأيام التي يعمل بها العامل فعلاً، ذلك أن الأجر يستحق كذلك في أيام العطل المقررة بل إن العامل قد يؤدي عملاً ومجرد وجوده في مكان العمل واستعداده للعمل يستحق الأجر وبهذا قضت محكمة التمييز بأنه (لا يشترط لاستحقاق العامل لأجره أو لأجر عمله، الإضافي أن يقوم بالعمل فعلاً بل يكفي في ذلك أن يكون مستعداً لأداء العمل عندما يطلب إليه ذلك([65]). و يتم تحديد الأجر بإرادة الطرفين في عقد العمل وإذا تخلف الأجر قد يجعل من العقد عقداً آخر، ولكن ليس معنى ذلك أنه إذا سكت الطرفان عن ذكر الأجر لا يقوم عقد العمل، إذ يمكن استخلاص ذلك من قصد المتعاقدين، وبذلك نصت المادة (45) من قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996، على أن (يحدد الأجر في العقد وإذا لم ينص عقد العمل عليه فيأخذ العامل الأجر المقدر لعمل من نفس النوع إن وجد وإلا قدر طبقاً للعرف فإذا لم يوجد العرف تولت المحكمة تقديره بمقتضى أحكام هذا القانون باعتباره نزاعاً عمالياً على الأجر)، ولإستحقاق الأجر لا بد من أن يكون عقد العمل صحيحاً وإذا كان باطلاً لسبب من الأسباب لا يعد ما يحصل عليه العامل في مقابل تنفيذه للعقد الباطل أجر، وإنما يعتبر ديناً عادياً يخضع للقواعد العامة وأخصها قواعد الإثراء.

وقد يكون الأجر نقداً وهو الغالب وكذلك الحال بالنسبة إلى المبالغ الأخرى التي تستحق للعامل، وقد يكون عينياً أي غير نقدي كأن يكون مقداراً من الغلال بالنسبة إلى عمال الزراعة مثلاً، وقد يجمع بين الحالتين فيكون الأجر نقداً إلى جانب ما يحصل عليه العامل عيناً.
ولا يقتصر الأجر الذي يتقاضاه العامل مقابل العمل الذي يؤديه على الأجر الأساسي أو الثابت بل  يعتبر جزءاً لا يتجزأ من الأجر وتسري عليه أحكام أي استحقاقات أخرى يمكن أن يتقاضاها العامل من صاحب العمل مقابل ما يؤديه من عمل يعتبر أجراً، مثال على ذلك العلاوات أياً كان نوعها والعمولة، والمنح والمكافآت إذا نص القانون أو عقد العمل أو النظام الداخلي للمؤسسة عليها، وكذلك أية امتيازات استقر العمل على دفعها تصبح التزاماً على رب العمل وتعتبر جزءاً من الأجر.

إضافة إلى ذلك إذا كان للعامل حق في جزء من الأرباح فوق الأجر المتفق عليه تعتبر هذه الأرباح جزءاً من الأجر ويسري عليه ما يسري على الأجر ولا يغير حصول العامل على جزء من الأرباح بصفة أجر لا يغير صفة العامل فيجعله شريكاً([66]).

ثالثاً: عنصر التبعية
يتميز عقد العمل عن غيره من العقود الأخرى بوجود عنصر التبعية، ويقضي ذلك أن يؤدي العامل عمله تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه فالعمل المقصود في نطاق عقد العمل هو العمل التابع، ونظراً لأهمية هذا العنصر فقد عني المشرع بتوضيحه فقال يتعهد العامل بمقتضاه (عقد العمل) أن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إشرافه أو إدارته مقابل أجر([67]). وكذلك الأمر في القانون المدني الأردني (عقد العمل عقد يلتم أحد طرفيه بأن يقوم بعمل لمصلحة الآخر تحت إشرافه أو إدارته) ([68])، وكذلك فعل المشرع المصري واللبناني حيث بين أن العامل يشتغل تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه، ويبدو هذا الأمر فيما أعطي لصاحب العمل من حق في إصدار أوامر للعامل وتوقيع جزاء إذا لم يمتثل، وبهذا يوجد العامل في وضع يختلف فيه عن وضع من يقوم بعمل مستقل لا يخضع لتوجيه أو إشراف أو رقابة من جانب من يتعاقد معه. وقد وافق القضاء الأردني هذا التفسير فقال (إن أهم ما يميز عقد العمل عن عقد المقاولة هو رابطة التبعية المتمثلة في إمرة رب العمل للعامل وإشرافه وإدارته له ولعمله) ([69]).

والتبعية المقصودة في هذا المجال هي التبعية القانونية نظراً لأنها تنشأ من الرابطة التعاقدية، وهي تختلف عن التبعية الاقتصادية.  وتتمثل التبعية القانونية في قيام العامل بالعمل لحساب رب العمل وائتمار العامل بأوامر رب العمل وخضوعه لإشرافه ورقابته وتعرضه للجزاءات إذا ما قصر في عمله أو أخطأ، فإذا انعدمت علاقة التبعية القانونية فلا يوجد علاقة عمل وبالتالي في عدم انطباق قانون العمل.

ويترتب على تحقق التبعية القانونية، فإنه لا يلزم لقيام علاقة العمل أن يكون العمل دائم، فقيام العامل بالعمل لدى أصحاب عمل متعددين في فترات متقطعة من أيام الأسبوع، لا ينفي اعتباره عاملاً، طالما أن العمل الذي تعاقد على أدائه يؤديه تحت إشراف رب العمل وإدارته .

ومن ناحية أخرى، فإنه لا يلزم في التبعية أن يصل الأمر حد الإشراف الفني الكامل على نشاط العامل، أي لا يلزم أن تكون هناك تبعية فنية بحيث يكون رب العمل على دراية فنية بالعمل وبدقائقه في كل صغيرة وكبيرة، بل يكفي أن يوجد الإشراف الإداري والتنظيمي فقط، بحيث تمكنه من رسم وتحديد الشروط التي يتم العمل في ظلها، وتنظيم الظروف الخارجية التي تحيط بتنفيذه، مثل تحديد المكان الذي يتم فيه العمل وأوقات العمل والمهم أن الإشراف في هذه الحالة لا يمس جوهر نشاط العامل، وبعبارة أخرى يكفي الإشراف الإداري ولو كان صاحب العمل يجهل الأصول الفنية في العمل الذي عهد به إلى العامل([70]).


المبحث الثاني
 أهمية وصور اختراعات العاملين

المطلب الأول : أهمية اختراعات العاملين
قد يتوصل العامل أثناء قيام الرابطة العقدية مع صاحب العمل إلى اختراع أو ابتكار ما، أما تنفيذاً للتكليف بموجب عقد العمل أو أثناء قيام رابطة العمل وبمناسبته، ومثل هذا الاختراع يشكل أهمية بالنسبة لكل من العامل وصاحب العمل، إضافة إلى أهميته (الاختراع) الاقتصادية والاجتماعية التي تتجاوز حدود العلاقة التي تربط العمال بأصحاب العمل.

خاصة إذا ما علمنا أن معظم الابتكارات والاختراعات (أكثر من النصف) في فرنسا إنما تأتي من جانب العاملين في المؤسسات الصناعية مما قد يجر وراءه مشكلات قانونية واقتصادية واجتماعية وإنسانية([71]).

فبالنسبة للعامل فإن أهمية اختراعه تكمن في أهميته المالية وكذلك في أهميته الأدبية (المعنوية)، وذلك باستغلال هذا الاختراع مادياً أو المشاركة في استغلاله أو بيع براءته أو مكافأته على هذا الإنجاز، مما سيعود عليه بمردود مالي يعوضه بعض ما أنفقه وتحمله في سبيل الوصول إلى هذا الاختراع، أما الأهمية الأدبية فتكمن في الاعتراف له بحقه الأدبي على اختراعه ونسبته إليه، وهذا يعتبر بمثابة مكافأة إضافية للعامل المخترع بما لها من أهمية علمية واجتماعية وإنسانية باعتراف المجتمع بأبوته على اختراعه، مقابل المجهود العلمي والفكري والمادي المضني الذي بذله في سبيل الوصول إلى هذا الاختراع.

أما بالنسبة لصاحب العمل فإن لهذا الاختراع أهمية بالنسبة لمشروعه، كونه وسيلة لتطوير إنتاجه مما يقوي مركزه بالتنافس في السوق ويضمن له المزيد من الأرباح([72])، من خلال احتكار واستغلال براءة هذا الاختراع. وكذلك فإن لاختراعات العمال أهمية كبيرة بالنسبة للمجتمع والمصلحة العامة إذ تساهم الاختراعات بشكل فعّال في تقدمه وازدهار تجارته ومكانته الحضارية والعلمية بين المجتمعات .

ومن المتفق عليه فقهاً وقانوناً أن الحقوق الفكرية ومنها الاختراع يتحلل إلى نوعين من الحقوق: الحق الأدبي (المعنوي) والحق المالي. فأي حق من الحقوق المترتبة على اختراعات العمال التي يمكن أن تؤول إلى صاحب العمل بمناسبة رابطة العمل؟ والتي تناولتها التشريعات بالتنظيم؟

أ-  الحق الأدبي :
لا شك أن الحق الأدبي يثبت للمخترع على اختراعه كما يثبت للمؤلف على مصنفه. ويقصد بالحق الأدبي للاختراع : نسبة الاختراع لصاحبه (المبدع أو المبتكر) بما يستتبع سلطته في تعديله والتغيير فيه وهو من الحقوق اللصيقة بالشخصية وتعرف بحق الأبوة التي لا يجوز النزول عنها سواء بمقابل أو بغير مقابل ([73])، ولذلك ما زال غراهام بل مخترع التلفون وما زال واطسون مخترع المصباح الكهربائي وما زال شكسبير مؤلف هاملت وما زال كذلك جيمس واط مخترع الآلة البخارية وغوتنغ برغ مخترع الآلة الطابعة([74]).

يترتب على ما تقدم أن العامل المخترع يحتفظ دائماً بالحق الأدبي على الاختراع الذي يتوصل إليه أيّاً كانت مناسبة التوصل إليه .

ب-  الحق المالي للاختراع :
إلى جانب الحق الأدبي (المعنوي) للمخترع على اختراعه هناك الحق المالي أيضاً الذي يقصد به سلطة استغلاله والاستفادة منه والحصول على مكاسب مالية منه. هذا الحق المالي باعتباره من الحقوق المالية يجوز التصرف فيه بمقابل أو بغير مقابل كما يجوز النزول عنه ويثبت الحق المالي أيضاً في الأصل لصاحب الاختراع سواء كان عامل أو غير عامل، ما لم يقرر القانون أو الاتفاق إثباته لغير المخترع بصفة كلية أو جزئية([75]).

يترتب على ما تقدم أن الاختراع الذي يتوصل إليه العامل أثناء قيام الرابطة العقدية مع صاحب العمل، يبقى الحق الأدبي فيه للمخترع نفسه، في حين تولى المشرع تنظيم الحق المالي على الاختراع ما بين العامل وصاحب العمل تبعاً لمناسبة التوصل إليه([76]).
وقد نظم المشرع الأردني هذا الوضوع (الحق في براءة الاختراع) في المادة (5) من قانون براءات الاختراع والمادة (20) من قانون العمل الأردني لسنة 1996 وتعديلاته كما سبق وفعل في المادة (820) من القانون المدني الأردني. علماً بأن المشرع الأردني لم يذكر صراحة على حق المخترع الأدبي على اختراعه كما فعل القانون المصري في المادة (17) من قانون براءات الاختراع رقم 47 لعام 1981.

إذا كلف شخص آخر الكشف عن اختراع معين فجميع الحقوق المترتبة على هذا الاختراع تكون للأول وكذلك لصاحب العمل جميع الحقوق المترتبة على الاختراعات التي يستخدمها العامل أو المستخدم أثناء قيام رابطة العمل أو الاستخدام متى كان الاختراع في نطاق العقد أو رابطة العمل أو الاستخدام ويذكر اسم المخترع في البراءة وله أجر على اختراعه في جميع الحالات فإذا لم يتفق على الأجر كان له الحق في تعويض عادل ممن كلف الكشف على الاختراع أو من صاحب العمل([77]).

كذلك فعل المشرع العراقي إذا أوجب المادة التاسعة من قانون براءة الاختراع العراقي أن يسجل الاختراع ابتداءً باسم رب العمل أو المتعاقد مع المخترع على أن يذكر اسم المخترع في البراءة([78]) فالحق الذي تناوله المشرع بالتنظيم هو الحق المالي، حيث يظل الحق الأدبي للمخترع نفسه([79])، باعتبار الحق الأدبي من الحقوق اللصيقة بشخصية المخترع والذي لا يجوز التنازل عنها كما أسلفنا.
والواقع في مجال اختراعات العاملين لا تثور الصعوبة في تحديد صاحب الحق في الاختراع الذي يتوصل إليه العامل إذا كان العامل مكلفاً بالاختراع وبالتالي يستحق الحماية القانونية. ولكن لصعوبة قد تنشأ عند محاولة تحديد ما إذا كان اختراع العامل قد تم في نطاق عقد العمل أو رابطة العمل أو الاستخدام فهل يلزم أن يكون العامل قد أفاد من المعارف التكنولوجية المتاحة في مشروع صاحب العمل (رب العمل) أم يكفي أن يكون العامل قد توصل إلى الاختراع مستخدماً أدوات العمل المملوكة لرب العمل؟ وفي تحديد صاحب الحق في الحصول على البراءة هل يعتبر مجال نشاط المشروع بمعنى هل يكفي أن يكون موضوع الاختراع مرتبطاً بالقطاع الإنتاجي الذي ينتمي إليه مشروع رب العمل، أم يلزم أن يكون موضوع الاختراع متعلقاً بالنشاط المادي للإنتاج الذي يتم في مشروع رب العمل؟ تساؤلات عديدة من شأنها اتساع رقعة النزاع حول تحديد صاحب الحق في الحصول على براءة الاختراع([80]).

إذ إلى جانب الاختراع الذي لا يمت بصله بعمل العامل لدى صاحب العمل، فإن من الاختراعات ما يكون الوصول إليه والبحث عنه داخلاً في طبيعة عمل العامل.  بأن يكون العامل مكلف بموجب عقد مع صاحب العمل بالتوصل إلى اختراعات أو ابتكار ما. أو قد يكون العامل قد توصل للاختراع بمناسبة العمل وبالاستفادة بما قدمه صاحب العمل من أدوات وآلات وتسهيلات علمية وتكنولوجية بما يستدعي وجود تنظيم قانوني يوفق بين مصلحة العامل باعتباره المخترع وبين مصلحة صاحب العمل بالنظر لمضمون العقد أو الاتفاق وبالنظر لما استفاد العامل من الإمكانيات المقدمة من جانب صاحب العمل([81]). ويميز الفقه بين ثلاثة صور اختراعات العمال وهو ما سوف نتناوله في مبحث ثان وسنعرض لموقف المشرع الأردني من اختراعات العمال في مبحث ثالث .

المطلب الثاني : صور اختراعات العاملين
يذهب الفقه عموماً إلى أن اختراعات العمال ترد على صور متعددة، منها ما يثبت الحق في الاختراع لصاحب العمل (اختراع الخدمة والاختراع العرضي)، ومنها ما يثبت الحق في الاختراع للعامل (الاختراع الحر).

الفرع الأول : حقوق اختراع العامل لصاحب العمل
أولاً: الصورة الأولى : اختراع الخدمة

1.     إذا توصل العامل لاختراع بتكليف من صاحب العمل بموجب عقد عمل للكشف عن اختراع معين، فإن جميع الحقوق المترتبة على هذا الاختراع تؤول لصاحب العمل وله وحده حق طلب البراءة عنه إعمالاً لمبدأ سلطان الإرادة في العقود إذ أن العلاقة التي تربط العامل بصاحب العمل علاقة تعاقدية. وقد تضمن العقد تكليف العامل بالكشف عن الاختراع لصاحب العمل مقابل أجر أو تعويض متفق عليه([82])، ويكثر هذا النوع من العقود في مكاتب الدراسات والأبحاث حث يتم التعاقد مع مهندسين، بغرض التوصل إلى ابتكار معين، وقد يعقد كذلك مثل هذا العقد مع أي عامل أو مستخدم للعمل في مشروع أو مصنع صاحب العمل يعهد إليه بالعمل على التوصل إلى اختراع أو ابتكار معين([83]).  إذا توصل العامل إلى اختراع أثناء العمل دون أن يكون مكلفاً بمهمة ابتكارية بموجب العقد مع وجود صلة بين الاختراع والعمل الذي استخدم العامل فيه بمعنى أن طبيعة العامل تقتضي منه أن يفرغ جهده ونشاطه وفكره في البحث والتحري للوصول إلى اختراع([84]).  فإن الحقوق التي تنشأ عن هذا الاختراع تثبت لرب العمل كون ا لاختراع من طبيعة العمل المكلف به العامل.  ولعل السبب في إعطاء الحق في الاستغلال المالي لرب العمل في هذه الحالة هو أن رب العامل قدم إلى العامل الأدوات والمواد اللازمة والأجهزة ومكان العامل من القيام بالأبحاث التي مكنته من الوصول إلى هذا الاختراع([85]) إذا كان صاحب العمل قد اشترط صراحة في العقد على أن يكون له الحق فيما يتوصل إليه العامل من مخترعات ويترتب على هذا الشرط أن كل ما يهتدي إليه العامل من اختراعات يكون الحق فيه لصاحب الحق فيه لصاحب العمل بناءاً على رابطة العمل المنشأة لهذا الحق ولا يعد تنازلاً من العامل([86]) .

ثانياً: الصورة الثانية : الاختراع العرضي

ويقصد به ذلك الاختراع الذي يتوصل إليه العامل أثناء عمله لدى صاحب العمل وبمناسبته دون أن يكون مكلفاً بمهمة الابتكار والاختراع.  كأن تكون وظيفة العامل إدارية أو كتابية ومع ذلك يتوصل إلى اختراع أو ابتكار ما، بمعنى أن الاختراع لم يكن داخلاً في نطاق وظيفته، وتمكن من الوصول إلى هذا الاختراع في منشآت ومختبرات صاحب العمل([87]). فهو من ناحية يتم دون أن يخصص له العامل جهده أثناء العمل ومن ناحية أخرى يتحقق أثناء العمل وبالاستعانة بأدوات ومواد مقدمة من صاحب العمل([88]) والأصل في هذه الاختراعات أن يثبت الحق للعامل وحده سواء في جانبه المادي أو الأدبي ما لم يوجد شرط صريح في عقد العمل بإعطاء هذا الحق لصاحب العمل، فلا يكفي استخلاصه ضمنياً.  مع ذلك فإن قانون براءات الاختراع قد خرج عن هذا الأصل بإعطاء صاحب العمل الخيار بين استغلال الاختراع أو شراء براءته مقابل تعويض عادل يدفعه للعامل على أن يتم الاختيار خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الإخطار بمنح البراءة([89]). ويرى جانب من الفقه أن هذا الحكم فيه إجحافاً بحقوق العامل للأسباب التالية :
1.      لأن العامل قد توصل إلى اختراعه دون أن يتلقى أي عون من جانب صاحب العمل.
2.                أن عقد العمل لم يتضمن شرطاً صريحاً في إعطاء رب العمل مثل هذه الحقوق المالية على الاختراع([90]). وفي رأيي الشخصي هناك تغليب لمصلحة صاحب العمل على مصلحة العامل دون مسوغ.

ثالثاً: الاختراع ذو الأهمية الاقتصادية
إذا كان المشرع قد قرر لصاحب العمل الحق المالي في اختراع الخدمة والاختراع العرضي فقد قرر للعامل الحق في مقابل مالي خاص عن اختراعه في حالة ما إذا كان للاختراع أهمية اقتصادية جادة وكبيرة([91]) وفقاً لمقتضيات العدالة ويراعى في تقدير هذا المقابل المعونة التي قدمها صاحب العمل للعامل([92]).
وتظهر أهمية هذا الشرط حين يتعلق الأمر باختراع الخدمة، إذ ليس من المقبول أن يتقاضى العامل مقابلاً خاصاً لاختراع ليس له أهمية اقتصادية جادة وهو قد تقاضى أجره عن عمله المتمثل في البحث والابتكار.  ويلاحظ كذلك أن حق العامل بمقابل خاص يتوقف على أن يكون لما توصل إليه وصف الاختراع وليس مجرد تحسينات([93]).
وانتقد البعض اشتراط أن يكون للاختراع أهمية اقتصادية جادة وكبيرة، ذلك أنه قد يؤدي هذا الشرط إلى سلب حق العامل في مقابل خاص إذا ما نشب نزاع على تقدير الأ همية الاقتصادية الجادة أو الكبيرة للاختراع([94]).

الفرع الثاني : اختراع العامل من حق العامل
الصورة الثالثة – الاختراع الحر
ويقصد به ذلك الاختراع الذي يتوصل إليه العامل استقلالاً عن عمله لدى صاحب العمل.  بحيث لا يكون هناك صلة بين عمله لدى صاحب العمل وبين ما توصل إليه من اختراعات، بأن يكون العامل قد توصل إلى اختراعه بأدواته الشخصية وخارج مشروع صاحب العمل أو المصنع الذي يعمل فيه، وكذلك خارج ساعات العمل الرسمية([95]).
ففي هذه الحالة يكون العامل قد توصل إلى اختراعه خارج زمان ومكان العمل، بحيث انقطعت صلة رب العمل بالاختراع، وبالتالي فإن جميع حقوق الاختراع (المالي والأدبي) تثبت للعامل المخترع ولا يكون لصاحب العمل أي حق على هذا الاختراع لو كانت الخبرة التي اكتسبها العامل لدى رب العمل قد ساعدته في التوصل إلى هذا الاختراع ([96]).
وللعامل أن يتصرف باختراعه على النحو الذي يراه فله أن يستغله بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بأن يتنازل عنه للغير بمقابل أو بغير مقابل دون أن يكون ملزماً بأن يتصرف فيه لصاحب العمل الذي يعمل لديه. إلا أن حسن النية تقتضي ألا يبدأ العامل بالتصرف في اختراعه للغير المنافس لصاحب العمل إلا بعد عرضه عليه.
وفي حالة ما إذا اشترط صاحب العمل في العقد صراحة بأن يكون له الحق في كل ما يهتدي إليه العامل من مخترعات حرة أثناء تنفيذ العقد، فقد رأى البعض عدم جواز مثل هذا الاتفاق لأنه يعتبر مصادرة لحرية العامل الشخصية دون مبرر. بينما يرى آخرون صحة هذا الاتفاق إذا كان بمقابل.  أما إذا كان دون مقابل فإن العامل غير مقيد بهذا الشرط باعتباره شرطاً تعسفياً تنطبق عليه القواعد العامة للإذعان في حالة توافر شروطها([97]).

المبحث الثالث
موقف المشرع الأردني من اختراعات العاملين

تناول المشرع الأردني تنظيم الحقوق المترتبة على اختراعات العمال على النحو التالي:
1.      المادة (820) من القانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976 .
2.      المادة (20) من قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 .
3.      المادة (5) فقرة (جـ،د) من قانون براءات الاختراع الأردني .

وسوف نتاول بالبحث كيف عالج المشرع الأردني هذا الموضوع في القوانين الأردنية على الترتيب

المطلب الأول : القانون المدني الأردني المدني رقم (43) لسنة 1976
إن الأصل في العقود ومنها عقد العمل الإرادة الحرة للمتعاقدين، فلطرفي العقد أن يتفقا على كيفية أيلولة الحقوق الناشئة عن الاختراعات والابتكارات التي يتوصل إليها العامل بحكم عمله بمشروع صاحب العمل. إلا أنه ونظراً لطبيعة الحقوق الناشئة عن تلك الاختراعات والابتكارات وصلتها الوثيقة بالعامل الذي توصل إليها وتنوع الظروف التي مكنته من التوصل إلى ذلك الاختراع، مما دعى المشرع إلى وضع قواعد عامة تنظم حقوق الاختراع وتبين متى تثبت هذه الحقوق للعامل، ومتى يثبت هذا الحق لصاحب العمل([98]). فقد نصت المادة (820) من القانون المدني على :
1. إذا وفق العامل على اختراع أو اكتشاف جديد أثناء عمله فلا حق لصاحب العمل فيه إلا في الأحوال التالية :
 أ-  إذا كانت طبيعة العمل المتفق عليه تستهدف هذه الغاية.
ب- إذا اتفق في العقد صراحة على أن يكون له الحق في كل ما يهتدي إليه العامل من اختراعات.
ج- إذا توصل العامل إلى اختراعه بواسطة ما وضعه صاحب العمل تحت يده من مواد أو أدوات  
    أو منشآت أو أية وسيلة أخرى لاستخدامه لهذه الغاية.

ويلاحظ أن المشرع قد أعطى الحق وهو الأصل للعامل فيما يتوصل إليه من اختراعات أو اكتشافات أثناء قيامه بعمله لدى رب العمل، ثم أورد حالات محددة تعتبر بمثابة استثناءات على هذا الأصل إذا ما توافرت أحدها يصبحخ الحق في اختراع العامل لصاحب العمل.
الحالة الأولى : إذا كانت طبيعة عمل العامل هو البحث والاستنباط واستخدام العامل من قبل صاحب العمل من أجل التوصل إلى اختراع أو ابتكار أو اكتشاف معين، بحيث تكون مهمة العامل ابتكارية.  أو إذا نص العقد صراحة على أن تكون حقوق ما يتوصل إليه من اختراعات أو اكتشافات لصاحب العمل ولو لم تكن للعامل مهمة ابتكارية وينبغي في هذه الحالة أن يكون العامل متفرغاً للاختراع والابتكار وأن يضع صاحب العمل تحت تصرفه كل ما يقتضيه الاختراع لتحقيق هذا الغرض والابتكار وأن يضع صاحب العمل تحت تصرفه كل ما يقتضيه الاختراع لتحقيق هذا الغرض وتكون أيلولة حقوق هذه الاختراعات لصاحب العمل.

والحالة الثانية : إذا توصل العامل غير المكلف بالاختراع والابتكار إلى اختراع ما وما كان له أن يتوصل إلى هذا الاختراع إلا بواسطة أدوات ومواد ومختبرات ووسائل صاحب العمل، فإن حقوق هذا الاختراع تؤول لصاحب العمل ولا يعد تنازل من العامل.

أما إذا توصل العامل إلى اختراع أو ابتكار أو اكتشاف ما أثناء عمله لدى صاحب العمل ولم تكن له مهمة ابتكارية ولم يتفق صراحة في العقد على حق صاحب العمل في كل ما يهتدي إليه العامل من اختراعات ولم يستخدم العامل أدوات ومواد ومنشآت أو أية وسيلة تعود لصاحب العمل، يكون الحق في الاختراع للعامل وليس لصاحب العمل أي حق عليه.

وقد أجاز المشرع للعامل الذي توصل إلى اختراع واستولى عليه صاحب العمل في الحالات التي نص عليها القانون، أجاز له أن يطالب بمقابل خاص إضافة إلى أجرة المتفق عليه يتحدد حسب أهمية الاختراع الاقتصادية وما قدمه صاحب العمل من أدوات وآلات ومختبرات وما اتفق سبيل ذلك.

المطلب الثاني : الاختراع في قانون العمل الأردني
الفرع الأول : قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996
ضمّن المشرع الأردني لأول مرة قانون العمل حقوق للعامل على اختراعه.  وأعطى حقوق الاختراع للعامل وهو الأصل ولو كان قد توصل إليه أثناء عمله لدى صاحب العمل وكما فعل في القانون المدني. وهذا الاختراع من حق العمل وحده وليس لصاحب العمل أي حق فيه، وتعتبر هذه القاعدة من النظام العام لتعلقها بالحقوق الشخصية للعامل التي لا يجوز مخالفتها وكل شرط بخلافها يكون باطلاً، وحرمان العامل من حقوق ما يتوصل إليه من اختراعات وابتكارات يتجاوز في الواقع الرابطة العقدية بينه وبين صاحب العمل وينتقل إلى الحقوق الأساسية للعامل والتي لا يمكن الاتفاق على تقييدها بأي حال([99]).

فقد نصت المادة (20) – فقرة (أ) على "إذا توصل العامل إلى اختراع جديد فليس لصاحب العمل أي حق في هذا الاختراع ولو كان العامل قد استنبطه أثناء عمله على أن تعطى الأولوية في شراء هذا الاختراع لصاحب العمل".

فقد قرر المشرع بصريح نص هذه المادة من قانون العمل إذ أن ليس لصاحب العمل أي حق في اختراع العامل مهما كان سبب توصله إلى ذلك الاختراع ولو كان أثناء عمله لدى صاحب العمل، بمعنى أن للعامل جميع حقوق هذا الاختراع (الحق الأدبي، والحق المالي).

ولصاحب العمل في هذه الحالة فقط حق الأولوية في شراء هذا الاختراع إذا ما رغب في ذلك بالتقدم على غيره من المنافسين وهو ما تقتضي به حسن نية العامل إذا ما رغب في بيع اختراعه، فقد ألزم المشرع العامل المخترع أن يبيع اختراعه لصاحب العمل.

هذا وقد أورد المشرع في الفقرة (ب) من هذه المادة استثناءاً على الأصل بأن جعل الحق في الاختراع لصاحب العمل في حالة ما إذا كان العقد يقضي بأن يقوم العامل بالبحث والاستنباط للتوصل إلى اختراع أو أن يكون العامل متفرغاً لهذه الغاية بأن يخصص وقته وجهده في الاختراع. وفي هذه الحالة أيضاً الذي أعطى الحق في الاختراع لصاحب العمل، إلا أن المشرع لم يجعل هذا الحق حقاً خالصاً لصاحب العمل بل جعله مشتركاً بين العامل وصاحب العمل على أن لا تزيد حصة العامل على 50% من الحقوق المتعلقة في الاختراع "إذا كانت طبيعة الأعمال التي عهد بها إلى العامل تقتضي منه تخصيص جهده في الاختراع فللعامل أن يشارك في الحقوق المتعلقة بالاختراع بنسبة لا تزيد على 50% منه، ويراعى في تقدير هذه النسبة مقدار الجهد العلمي والمادي الذي قدمه العامل والمواد والأدوات والمنشآت وسائر التسهيلات التي قدمها صاحب العمل"([100]).

ويشير المشرع إلى أن حصة العامل في الاختراع تقدر بالنظر إلى أهمية الاختراع ومقدار الجهد الفكري والعلمي إلى جانب الجهد المادي الذي بذله وقدمه العامل في سبيل التوصل إلى هذا الاختراع ومقدار ما قدمه صاحب العمل من مواد وأدوات ومنشآت وتسهيلات ومختبرات ومعارف تكنولوجية ونفقات في سبيل هذه الغاية. و هو ما تقتضي به قواعد العدالة كما أشار المشرع في القانون المدني الأردني .

وفي رأينا أنه في حالة عدم الاتفاق على ثمن الاختراع في الحالة الأولى أو على نسبة مشاركة العامل لصاحب العمل في حقوق الاختراع في الحالة الثانية، ينبغي الإحالة للمحكمة المختصة للفصل بين الطرفين في الحالتين.

الفرع الثاني – قانون العمل الأردني المعدل رقم (56) لسنة 2001  
ويبدو أن المشرع قد أعاد النظر في المادة السابقة بخصوص حقوق الاختراع حين أعاد تنظيم هذا الموضوع في القانون المعدل لقانون العمل رقم (56) لسنة 2001، فقد ألغى ما ورد في المادة (20) واستعاض عنه بالنص التالي :
"أ-  تكون حقوق الملكية الفكرية لصاحب العمل إذ ابتكرها العامل وكانت تتعلق بأعمال صاحب العمل، أو إذا استخدم العامل خبرات صاحب العمل أو معلوماته أو أدواته أو مواده الأولية في التوصل إلى هذا الابتكار، ما لم يتفق خطياً على غير ذلك.
ب- تكون حقوق الملكية الفكرية للعامل إذا كان حق الملكية الفكرية المبتكر من قبله لا يتعلق بأعمال صاحب العمل ولم يستخدم خبرات صاحب العمل أو معلوماته أو أدواته أو مواده الأولية في التوصل إلى هذا الابتكار، ما لم يتفق خطياً" على غير ذلك".

أولاً: يلاحظ أن المشرع قد استبدل الاختراع بعبارة الملكية الفكرية ليشمل بذلك كل ما يتوصل إليه العامل من مبتكرات واختراعات وغيرها مما ينطوي تحت مفهوم الملكية الفكرية

ثانياً: وكذلك فإن المشرع قد تراجع عن موقفه اتجاه حقوق العامل على اختراعه بأن جعل ابتداءاً لصاحب العمل الحق في الاختراع الذي يتوصل إليه العامل أياً كان سبب أو مناسبة توصل العامل إليه، سواء كان العقد أو طبيعة العمل أو كان الاختراع يتعلق بأعمال صاحب العمل حتى إذا توصل العامل غير المكلف بالإختراع وتوصل إليه مستخدماً أدوات أو آلات أو مواد أو خبرات صاحب العمل.

ثالثاً: وكذلك فقد جرد العامل من كل حق سواء في ثمن أو تعويض أو مكافأة على اختراعه أو مشاركة صاحب العمل في حقوق الاختراع كما كان الحال في السابق. وقد أورد المشرع استثناءاً من هذه القاعدة بأن جعل الحق في الاختراع للعامل إذا كان الاختراع الذي توصل إليه العامل منقطع الصلة بمشروع صاحب العمل وأعماله، ولم يستفد أو يستعن أو يستخدم خبرات صاحب العمل أو معلوماته أو مواده الأولية – بأن كان العامل قد توصل إلى الاختراع خارج مكان وزمان العمل ونشاط مشروع صاحب العمل .

   رابعاً: والحقيقة أن المشرع حين ألغى الحقوق التي رتبها قانون العمل قبل التعديل للعامل المخترع وأعمال مبدأ سلطة الإراده، ترك العامل دون حماية تذكر، حيث ترك لطرفي العقد الاتفاق على الحقوق الناشئة عن الاختراع بالطريقة التي يرونها مناسبة.
    والسؤال هنا هل انصف المشرع العامل حين ترك العامل دون حد أدنى من الحماية في هذا المجال وأعمل مبدأ سلطان الأراده؟ .. وهل يتفق هذا التعديل مع أهداف قانون العمل؟.

الواقع إذا كان دور سلطان الإرادة يتسع في مجال عقود العمل التي يحكمها القانون المدني، فإن هذا الدور يضيق نطاقه بالنسبة لما يتفق عليه في عقود العمل التي يحكمها قانون العمل، الذي يختلف في صياغته وأهدافه عن القانون المدني.  وإذا كان مبدأ سلطان الإدارة هو الأساس في العقود بصفة عامة، إلا أن قواعد قانون العمل الآمرة تهدف إلى حماية الطرف الضعيف في علاقات العمل وهو العامل، ذلك أنه لو ترك امر الاتفاق في عقود العمل مهما كان موضوعه لاتفاق المتعاقدين بموجب ما لكل منهما من إرادة، لأدى ذلك إلى نتائج خطيرة، وخاصة في نطاق العمل، ذلك أن سلطان الإرادة ما كان ليتوفر في الواقع إلا في جانب واحد وهو صاحب العمل، أما العامل لم يكن لهذه الإرادة في الواقع إلا المظهر فقط، وليس لها وجود في الواقع إزاء ما يتمتع به صاحب العمل من مركز اقتصادي قوي قبل عامل ضعيف يزيد من ضعفه حاجته المادية، كما يزيد من ضعفه التهديد من البطالة إذا لم يقبل بما يعرضه رب العمل عليه مهما كان ضئيلاً([101]).  إلا أنه ينبغي أن يراعى أن أحكام قانون العمل التي لا يجوز للمتعاقدين مخالفتها، إنما هي في الواقع قواعد آمره وتحدد حد أدنى من الحماية للعامل، لذلك كانت ملزمة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها لأن ذلك يضر بالعامل، وينتقص من الحد الأدنى الذي تقرر له.  فإذا كانت المخالفة لصالح العامل فإن الاتفاق يكون صحيحاً وإذا كان الاتفاق الذي قصده المشرع في التعديل الآخر مقصود منه اتفاق العامل وصاحب العمل أثناء العمل أو بعد توصل العامل للاختراع، فإن هناك اتجاه في الفقه والقضاء يتجه إلى أن كل تنازل عن حق من حقوق العامل يعتبر باطلاً لمخالفته لقاعدة من قواعد النظام العام وهو يعد كذلك أياً كان وقت حصوله سواء قبل نشوء الحق أو بعده.

   وقانون العمل الذي ينبغي أن يختلف في صياغته وأهدافه عن القانون المدني وغيره من القوانين الخاصة التي تحكم العقود بصفة عامة، فقد نظر المشرع في قانون العمل أن العامل الذي ينزل عن حق من حقوقه أثناء العقد لا يفعل ذلك وهو في ظروف عادية، بل إنه يفعل ذلك تحت تأثير الظروف التي يوجد بها، وتحت تأثير حاجته وضعفه قبل صاحب العمل، لهذا نجده يخرج عن القواعد العامة بإجازة الاتفاق بعد قيام العقد وخلال مدته على أن يبرىء العامل صاحب العمل من التزام أو آخر من التزاماته التي يفرضها القانون، ووضع حكماً خاصاً وقرر البطلان كجزاء على مخالفته تلك الأحكام .

المطلب الثالث : قانون براءات الاختراع الأردني
لقد نظمت المادة (5) من قانون براءات الاختراع الحق في براءة لاختراع ومن ضمنها حقوق اختراعات العاملين.

التسلسل التاريخي للمادة (5)  من قانون براءات الاختراع الأردني

الفرع الأول : قانون امتيازات الاختراعات والرسوم رقم (22) لسنة 1953 :
كان أول قانون نظم حق الاختراع في الأردن – قانون امتيازات الاختراعات والرسوم رقم 22 لسنة 1953 والذي نشر في الصفحة رقم 194 من العدد 1131 من الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 17/4/1953 وقد ألغيت بموجبه جميع التشريعات العثمانية والأنظمة الفلسطينية والأردنية المتعلقة بتسجيل امتيازات الاختراعات والرسوم والتي كانت سارية المفعول قبل ذلك([102]).

لم يضمّن المشرع اختراعات العاملين ولم ينظمها في هذا القانون، فقد نصت المادة (5) من هذا القانون على (يجوز للمخترع الحقيقي الأول أن يقدم إلى المسجل طلباً (حسب النموذج المعين) للحصول على امتياز باختراعه سواء وحده أم بالتضامن مع شخص آخر أو أشخاص آخرين) .

الفرع الثاني : قانون براءات الاختراع رقم (32) لسنة 99
مع ازدياد الاهتمام العالمي بموضوع الملكية الفكرية والتي تشكل الاختراعات أحدى موضوعاتها واكب المشرع الأردني هذا التطور وأجرى تعديلاً بموجب القانون رقم 32 لسنة 99 ألغي بموجبه قانون امتيازات الاختراعات والرسوم رقم (22) لسنة 1953 وتعديلاته علماً بأن الأردن وقع على معاهدة باريس لعام 1883 لحماية الملكية الصناعية وقد انضمت الأردن إلى اتفاقية إنشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية منذ عام 1974.

أعاد القانون الجديد رقم (32) لسنة 1999 تنظيم المادة (5) منه بشكل كامل وخصوصاً بإضافة ما يتعلق باختراعات العمال وهو موضع اهتمام في هذا البحث فنصت على ما يلي :
"يكون الحق في منح البراءة على النحو التالي :
جـ- 1.  لصاحب العمل متى كان الاختراع ناتجاً عن عقد عمل يلزم العامل بالقيام بنشاط    
          ابتكاري معين، ما لم ينص العقد على غير ذلك.
     2 .إذا كان للاختراع قيمة اقتصادية تفوق توقعات الطرفين عند توقيع العقد فيستحق العامل المخترع تعويضاً عادلاً يتناسب مع هذه القيمة وإذا لم يتفق الطرفان على مقدار هذا التعويض فيتم تحديده بقرار من المحكمة المختصة.

د. 1.  إذا توصل العامل غير المكلف بالقيام بنشاط ابتكاري بموجب عقد العمل إلى اختراع ذي علاقة بمجال نشاط صاحب العمل مستخدماً في ذلك خبرات ووثائق وأدوات صاحب أو مواده الأولية الموضوعة تحت تصرفه فعليه أن يعلم صاحب العمل فوراً بإشعال كتابي عن اختراعه، ويكون الحق في ذلك الاختراع للعامل المخترع إذا انقضت أربعة أشهر من تاريخ تقديم الإشعار أو من تاريخ علم صاحب العمل بالاختراع أيهما أسبق إذا لم يبد صاحب العمل رغبته في تملك الاختراع بإشعار كتابي.
2.  إذا أبدى صاحب العمل رغبته في تملك الاختراع خلال المدة المحددة في البند (1) من هذه الفقرة يعتبر الاختراع من حقه من تاريخ التوصل إليه ويستحق العامل المخترع تعويضاً عادلاً يؤخذ فيه بعين الاعتبار أهمية الاختراع وقيمته الاقتصادية وكل فائدة تعود منه على صاحب العمل وإذا لم يتفق الطرفان على مقدار التعويض يتم تحديده بقرار من المحكمة المختصة".



ويلاحظ أن المشرع بنص هذا القانون قد أعطى الحق في اختراع العامل لصاحب العمل إذا كان :
أولاً: الاختراع ناتج عن عقد عمل بين صاحب العمل والعامل يكون العامل مكلف بمهمة ابتكارية معينة ويقتضي هذا التكليف تفرغ العامل لهذه المهمة.

ثانياً: إذا توصل العامل لاختراع دون أن يكون مكلف بمهمة الابتكار والاختراع بموجب عقد عمل فلصاحب العمل الحق في هذا الاختراع إذا أبدى رغبته في تملكه خلال مدة أربعة أشهر واخيار هنا لصاحب العمل فقط، فإذا أبدى رغبته في تملك الاختراع كان له ذلك من تاريخ توصل العامل للاختراع وليس من تاريخ إبداء رغبته بمعنى أنه يستطيع الرجوع على أي شخص يكون الاختراع في يده أو تملكه بالاتفاق مع العامل أو لأي سبب آخر.

أما حقوق العامل المخترع على اختراعه فتتمثل في ما يلي :
أولاً: إذا كان الاختراع بموجب عقد عمل :
للعامل الحق في تعويض (عادل) إذا كان للاختراع قيمة اقتصادية تفوق توقعات الطرفين .

ثانياً: إذا كان العامل غير مكلف بالاختراع بموجب عقد العمل فإن هذا الاختراع من حق العامل إذا لم يرغب صاحب العمل في تملكه خلال مدة الأربعة أشهر المحددة بنص القانون أما إذا رغب صاحب العمل في تملك ذلك الاختراع فله ذلك، وفي هذه الحالة يستحق العامل تعويض (عادل) فقط.

ثالثاً: 1.  ترك المشرع للطرفين حرية الاتفاق على كيفية أيلولة حق الاختراع عملاً لمبدأ سلطان الإرادة كما يتضح من البند (1) الفقرة (جـ) (ما لم ينص العقد على غير ذلك) .

    2.  بينما لم يفسخ المشرع المجال لإرادة الطرفين (صاحب العمل والعامل) في الاتفاق على كيفية أيلولة حقوق الاختراع في حالة ما إذا توصل العامل غير المكلف بموجب العقد للتوصل إلى اختراع وتوصل إلى اختراع في نطاق العمل له علاقة بنشاط عمل صاحب العمل واستعان بأدوات ومواد ومعلومات وخبرات صاحب العمل. فقد جعل الحق في هذا الاختراع لصاحب العمل ما لم يكن يرغب به أو استنفذ المدة المحددة لذلك قبل إبداء رغبته في تملك هذا الاختراع فيصبح الاختراع من حق العامل.

3. أحال المشرع الطرفين أو أحدهما إلى المحكمة المختصة للفصل في مقدار التعويض المستحق في حال عدم الاتفاق عليه بين العامل وصاحب العمل. يلاحظ أن المشرع في هذه المادة([103]) فقد تراجع وانتقص كثيراً من حقوق العامل المخترع بالمقارنة مع ما جاء بالماة (20) من قانون العمل لسنة 1996 والمادة (820) من القانون المدني الأردني .

فقد أعطى صاحب العمل بموجب قانون براءات الاختراع لسنة 1999 في المادة الخامسة منه : الحق ابتداء وحقاً أصيلاً لصاحب العمل على اختراع العامل سواء استنبطه خلال قيامه بمهمة ابتكارية بموجب عقد عمل أو في نطاق العمل وبمناسبته على الرغم أنه غير مكلف بعمل ابتكاري، بينما جعل المشرع في قانون العمل لسنة 1999 الحق في اختراع العامل للعامل ابتداءاً وحقاً أصيلاً حتى ولو استنبطه خلال عمله لدى صاحب العمل مستثنياً حالة ما إذا كان العامل مكلف بموجب عقد العمل بالتوصل لاختراع معين وفي هذه الحالة أيضاً يشارك العامل صاحب العمل في حقوق هذا الاختراع بنسبة لا تزيد على 50% يخضع تقديرها لمقدار ما قدمه الطرفين في سبيل التوصل لهذا الاختراع .

ويثور التساؤل في حالة ما إذا وقع خلاف بين العامل وصاحب العمل وثار نزاع حول حقوق الاختراع الذي توصل إليه العامل أو القيمة الاقتصادية للاختراع أو التعويض المستحق للعامل، فأي قانون واجب التطبيق على هذا النزاع، قانون العمل؟ أم قانون براءات الاختراع.
علماً أن قانون العمل ينظم العلاقة بين صاحب العمل والعامل، فنظم عقد العمل وبيّن حقوق والتزامات كل من صاحب العمل والعامل، وقانون العمل يعالج الدعاوي الناشئة عن عقد العمل الفردي فهل يطبق على النزاع المتعلق باختراعات العمال أم تسلب منه الولاية ويطبق على هذا النزاع قانون براءات الاختراع علماً بأن كل من قانون العمل وقانون براءات الاختراع قوانين خاصة ؟

القانون واجب التطبيق على اختراعات العاملين :
من المعروف أن حقوق العمال من النظام العام الذي لا يجوز مخالفته وكل شرط ينتقص منها يقطع باطلاً بموجب نص المادة (4) من قانون العمل الأردني، "أ- لا تؤثر أحكام هذا القانون على أي حق من الحقوق التي يمنحها للعامل أي قانون آخر أو عقد عمل أو اتفاق أو قرار إذا كان أي منها يرتب للعامل حقوقاً أفضل من الحقوق المقررة له بموجب أحكام هذا القانون"، يفهم من هذا النص أنه لا يجوز الانتقاص من الحقوق المقررة للعامل بموجب قانون العمل.  إذ أن المشرع عندما تدخل لينظم علاقات العمل وضع قواعد اتجهت بصفة رئيسية إلى إقامة التوازن بين طرفي العلاقة وإلى حماية الطرف الضعيف فيها وهو العامل من استغلال صاحب العمل، فكان لا بد من جعل القواعد التي تدخل المشرع عن طريقها في قانون العمل قواعد آمره، حتى لا يستطيع أصحاب العمل التخلص منها عن طريق التحايل على أحكامها.
 ولهذا فإنه لا يجوز للأفراد النزول عنها، حتى لو ارتضى من تقررت الحماية لصالحه لأن الأمر في الحقيقة يتعلق بالحفاظ على حدود معينة لا يصح النزول عنها حماية للصالح العام، وتمشياً مع ما يهدف إليه النظام القانوني الذي يعمل على كفالة هذا الحد الأدنى من الحماية، ولهذا فإنه لا يوجد ما يمنع مخالفة القواعد القانونية الآمرة طالما كانت هذه المخالفة تتفق مع الغاية الأساسية التي يهدف إليها المشرع، وهي تحقق الحماية الواجبة، وزيادة، فكل اتفاق يخلف نصاً آمراً من نصوص قانون العمل فإنه يقع باطلاً، ما لم يكن هذا الاتفاق لصالح العمل. مما تقدم فإن قانون العمل وهو القانون الأصلح للعامل هو الواجب التطبيق عندما يتعلق الأمر في نزاع يكون العامل طرفاً فيه بصفته هذه.

الفرع الثالث : القانون المعدل لقانون براءات الاختراع رقم (71) لسنة 2001
كان لانضمام الاردن إلى منظمة التجارة العالمية في 17/12/1999 وصدور قانون تصديق انضمام الأردن إلى منظمة التجارة العالمية رقم 4 لسنة 2000 ومن ضمن هذه الاتفاقية، اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من الملكية الفكرية (تريبس – TRIPS) ([104]) أثر واضح على التشريعات. فعلى أثر ذلك أجريت حزمة من التعديلات على قوانين الملكية الفكرية ومنها قانون براءات الاختراع وكذلك القوانين ذي العلاقة بهذا لموضوع ومنها قانون العمل لتتماشى مع هذه الاتفاقيات الدولية. فقد ألغي نص الفقرتين (ج-د) من المادة (5) من قانون براءات الاختراع واستعيض عنهما بالنصوص التالية :

"ج- لصاحب العمل إذا كان الاختراع الذي توصل إليه العامل أثناء استخدامه يتعلق بأنشطة صاحب العمل أو أعماله أو إذا استخدم العامل في سبيل التوصل إلى هذا الاختراع خبرات صاحب العمل أو أعماله أو معلوماته أو أدواته أو مواده الموضوعة تحت تصرفه، وذلك ما لم يتفق خطياً على غير ذلك".

د-  للعامل إذا كان الاختراع الذي توصل إليه لا يتعلق بأنشطة صاحب العمل أو أعماله ولم يستخدم في سبيل التوصل إلى هذا الاختراع خبرات صاحب العمل أو معلوماته أو أدواته أو مواده الأولية الموضوعة تحت تصرفه في التوصل لهذا الاختراع ما لم يتفق خطياً على غير ذلك".

ويلاحظ على النص الحالي الساري المفعول ما يلي :
أولاً: أن المشرع وضع حداً فاصلاً بين الحالات التي يكون الحق في اختراع العامل من حق    صاحب العمل والحالة التي يثبت الحق في الاختراع للعامل المخترع. فقد منح المشرع الحق لصاحب العمل على اختراع العامل سواء كان العامل مكلف بالاختراع بموجب عقد عمل أم لم يكن مكلف وتوصل إلى الاختراع في نطاق العمل، وكذلك إذا تعلق الاختراع بأنشطة صاحب العمل أو أعماله مهما تنوعت أو استخدم العامل في سبيل التوصل لهذا الاختراع وسائل وأدوات ومواد صاحب العمل أو معلوماته أو خبراته .

ثانياً: حصر المشرع حق العامل على اختراعه في حالة واحدة فقط وهي أن يكون العامل قد توصل لاختراعه بعيداً عن أنشطة وأعمال ومكان صاحب العمل ولم يستخدم خبرات وأدوات ومعلومات ومواد صاحب العمل (ما يطلق عليه الفقه بالاختراع الحر) .

ثالثاً: فسح المشرع المجال لإرادة الطرفين في الاتفاق على حقوق الاختراع الذي يتوصل إليه العامل بنص صريح في العقد.

رابعاً: أزال المشرع التعارض والتناقض الذين كانا واقعين بين نص المادة (5) فقرة (ج-د) من قانون براءات الاختراع والمادة (20) المتعلقة بالاختراع من قانون العمل قبل التعديل، بحيث جاء التعديل متطابقاً في القانونين المذكورين، وخيراً فعل المشرع بإزالة هذا التعارض الذي كان يشوب هذا الموضوع.

خامساً: وضع المشرع بموجب التعديل الجديد الساري المفعول حداً فاصلاً لا لبس فيه فيما يتعلق بالحقوق الواردة على اختراعات العاملين، بين الحالات التي تثبت الحق في الإختراع لصاحب العمل حقاً أصيلاً ولا يعد تنازلاً من العامل، والحالة التي تثبت هذا الحق للعامل المخترع .

ومع هذا فإن التعديل الأخير يعد تراجعاً وانتقاصاً من حق العامل على اختراعه حيث كانت النصوص قبل التعديل تمنح العامل الذي يتوصل إلى اختراع بموجب عقد العمل تعويضاً عادلاً إذا كان للاختراع قيمة اقتصادية تفوق التوقعات، وكذلك يستحق العامل تعويض عادل في الحالة التي يتوصل فيها العامل غير المكلف لاختراع يتعلق بنشاط صاحب العمل مستخدماً أدواته ومواده الأولية، إذا أبدى صاحب العمل رغبته في تملك هذا الاختراع وإذا لم يبد رغبته في الاختراع يعتبر الاختراع من حق العامل، وأكثر من هذا وذلك فقد منح المشرع بموجب قانون العمل قبل التعديل حقوق الاختراع للعامل ولو كان قد استنبطه أثناء عمله لدى صاحب العمل، ولصاحب العمل حق الأولوية في شراء هذا الاختراع. أما إذا كان العامل مكلف بالتوصل إلى اختراع فقد أجاز المشرع للعامل أن يشارك صاحب العمل في حقوق هذا الاختراع بنسبة لا تزيد عن 50% منها.
من كل ما تقدم يلاحظ أن المشرع في هذا التعديل الأخير قد تراجع كثيراً عن مواقفه اتجاه الحقوق المترتبة على اختراعات العمال، فقد جاء التعديل منصباً لمصلحة صاحب العمل وقرر قواعد قانونية مست حقوقاً كانت مكتسبة للطرف الضعيف (العامل) مخالفاً للغاية التي صدر قانون العمل من أجلها وهي حماية العامل.
ما مدى ضرورة التعديل الأخير؟ وهل وفق المشرع في هذا التعديل.؟
الواقع أن حزمة التعديلات التشريعية التي أجريت على قوانين الملكية الفكرية ومنها قانون براءات الاختراع وقانون العمل فيما يتعلق باختراعات العمال استجابة لمتطلبات العولمة وبعد انضمام الأردن لمنظة التجارة العالمية والتي تضم اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من الحقوق الفكرية (اتفاقية تريبس).
إن تحديث التشريعات بشكل عام وتشريعات الملكية الفكرية بشكل خاص أمر ضروري ومرغوب فيه خاصة في ظل المستجدات والمتغيرات في عالم التجارة وسرعة انتشار وانتقال التكنولوجيا والمعلوماتية لمواكبة مستجدات العصر والتغير الحاصل في أساليب التعامل أو التداول محلياً ودولياً فكان لا بد من استحداث تشريعات تستوعب وتنظم المفاهيم القانونية الجديدة في مجالات الملكية الفكرية والتجارة والمعاملات الالكترونية والحقوق التي نشأت في ظلها من ناحية.

ومن ناحية أخرى فإنني أرى أن المشرع لم يكن موفقاً في التعديل الأخير المتعلق بالحقوق المترتبة على اختراعات العمال وذلك للأسباب التالية :
1.      إن التعديلارت الأخيرة تعد تراجعاً وانتقاصاً من حقوق العمال في هذا المجال.
2.      إن قانون العمل الذي هدف إلى حماية العامل الضعيف قبل صاحب العمل لم يعد يوفر الحد الأدنى من هذه الحماية المقصودة منه بالنسبة لحقوق العمال في هذا المجال.
3.      إن التعديلات الأخيرة لا تحفز ولن تشجع العمال على الاختراع أو الابتكار لعدم وجود تقدير لجهودهم الذهنية، مما سيكون له أثر سلبي على تقدم المجتمع المحلي والمصلحة العامة.
4.      إن المستفيد من التعديلات الأخيرة هو صاحب العمل (مستثمرين أجانب) في الغالب خاصة في ظل عمليات الخصخصة الجارية على قدم وساق للمؤسسات والشركات العام، خاصة أن الشركات الأجنبية الضخمة أو ما يعرف بالشركات متعددة الجنسيات تغزو العالم وخصوصاً الدول النامية أو دول العالم الثالث، بحثاً عن الاستثمار والأسواق الجديدة والعمالة الرخيصة.

الخاتمة

تناولنا في هذا المبحث – موضوع اختراعات العاملين ورأينا أن الملكية أصبحت تشمل الملكية المادية والملكية المعنوية أو ملكية الحقوق الفكرية، وأن الملكية الفكرية تنقسم إلى الملكية الأدبية والفنية والملكية الصناعية والتجارية، والاختراعات بشكل عام تنطوي تحت مفهوم الملكية الصناعية.


ويمكن تلخيص أهم نتائج البحث والتوصيات بالآتي :
1.     إن الاختراعات والمبتكرات جديرة بالحماية القانونية ذلك أن تقدم المجتمعات وازدهارها لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود تشريعات تنظم الحقوق الواردة على الاختراعات والابتكارات وتوفر لأصحابها الحماية القانونية من تعدي الغير دون وجه حق .
2.     رأينا أن مالك براءة الاختراع يمكن أن يكون شخصاً طبيعياً أو معنوياً، كذلك يمكن انتقال حقوق الاختراع لأي شخص آخر عن طريق التنازل أو البيع أو التعاقد على عقد العمل.
3.     ورأينا أن لاختراعات العاملين أهمية كبيرة بالنسبة للعامل وصاحب العمل والمجتمع، ولذلك نظم المشرع الأردني الحقوق الواردة على اختراعات العاملين في القانون المدني وقانون العمل وقانون براءات الاختراع .
4.     تعتبر حقوق العمال من النظام العام الذي لا يجوز الاتفاق على مخالفته، لذلك فقد اهتم المشرع بتضمين اختراعات العمال في قانون العمل، وذلك لتوفير الحماية للعامل وهو الطرف الضعيف في عقد العمل قبل صاحب العمل صاحب النفوذ والمركز الاقتصادي القوي.
5.     إن اختراعات العاملين لا تأتي على نسق واحد، لذلك فإن صاحب الحق فيها يختلف باختلاف مناسبة التوصل إليها، فمنها ما يثبت لصاحب العمل كما في اختراعات الخدمة والاختراع العرضي ومنها ما يثبت الحق فيها للعامل وهي الاختراعات الحرة.  على أن حقوق الاختراع الذي يمكن أن تنتقل لصاحب العمل في هذه الحالة هي الحقوق المالية فقط، بينما تبقى الحقوق الأدبية للعامل المخترع كونها من الحقوق اللصيقة بالشخصية ولا يجوز التنازل عنها، ويجب أن يذكر اسم المخترع في براءة الاختراع بغض النظر عن مالك البراءة أو من صدرت باسمه، ولما كانت اختراعات العاملين ذات أهمية للتعامل وتتصل بحقوقه الشخصية، فإن المشرع الأردني في قانون العمل لسنة 1996، جعل الحق في الاختراع الذي يتوصل إليه العامل للعامل المخترع حتى لو توصل إليه أثناء العمل، على أن يكون لصاحب العمل الأولوية في شرائه، أما في الحالات التي أعطى الحق في الاختراع لصاحب العمل بأن كان العامل مكلف بالاختراع أو كان متفرغاً للاختراع واستفاد العامل من أدوات ومواد ومعلومات ومختبرات صاحب العمل، فلم يجعل هذا الحق خالصاً لصاحب العمل بل للعامل أن يشارك صاحب العمل بنسبة لا تزيد على 50% من حقوق الاختراع.
6.     تراجع المشرع عن موقفه السابق فيما يتعلق باختراعات العاملين حين أجرى تعديلات على قانون العمل وقانون براءات الاختراع سنة 2001 بعد انضمام الأردن لمنظمة التجارة العالمية واتفاقية تريبس.  فقد جاءت التعديلات لمصلحة صاحب العمل، بأن جعل حقوق الاختراع لصاحب العمل مهما كانت مناسبة توصل العامل إليه وجرد العامل من كل حق في مشاركة صاحب العمل بحقوق الاختراع ومن أي تعويض أو مكافأة للعامل على اختراعه ما لم يتفقا خطياً على خلاف ذلك، وذلك إعمالاً لسلطان الإرادة .

وفي اعتقادي أن المشرع الأردني لم يوفق بهذا التعديل الأخير وذلك للاسباب التالية :
1.       أن المشرع هدف من أحكام قانون العمل إقامة التوازن بين طرفي عقد العمل وذلك بتوفير الحماية للطرف الضعيف فيه وهو العامل عن طريق توفير حد أدنى من الحماية لحقوق العامل حيث لا يجوز الاتفاق على مخالفة أحكام قانون العمل كونها قواعد آمره ومن النظام العام.
2.       إن سلطان الإرادة في عقود العمل تضر بالعامل كون إرادة العامل ليس لها في الواقع إلا الظاهر.
3.       إن التعديل الأخير لا يشجع العامل على الابتكار والاختراع .
4.       إن التعديل الأخير لا يصب في مصلحة المجتمع والصالح العام بحرمان العمال من حقوق اختراعاتهم بدلاً من تحفيزهم وتشجعيهم ومكافأتهم على إبداعاتهم واختراعاتهم .

وأخيراً نتمنى على المشرع الرجوع عن التعديلات الأخيرة والإبقاء على القواعد المنظمة لاختراعات العاملين كما كانت في قانون العمل السنة 1996، ومن جهة أخرى حصر موضوع اختراعات العاملين بقانون العمل كونه الأصلح للعامل .


المراجع

1.     د. صلاح زين الدين – شرح التشريعات الصناعية والتجارية – الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع دار الثقافة للنشر والتوزيع – الطبعة الأولى – الإصدار الأول – 2003.
2.     د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد – الجزء الثامن – حق الملكية – الطبعة الثالثة الجديدة – منشورات الحلبي الحقوقية – بيروت لبنان .
3.     القاضي حازم عبد السلام المجالي – الحق المالي للمؤلف في القانون الأردني – دار وائل لسنة 2000.
4.     د. هاني محمد دويدار – نطاق احتكار المعرفة التكنولوجية بواسطة السرية – دار الجامعة الجديدة للنشر – الاسكندرية 1996.
5.     القانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976.
6.     المحامي محمد أنور حماده – النظام القانوني لبراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية – دار الفكر الجامعي – الاسكندرية لسنة 2002.
7.     المحامي يونس عرب – محاضرة للمحامين المتدربين – النظام القانوني للملكية الفكرية الأدبية والصناعية – لسنة 2003.
8.     سمير جميل الفتلاوي – استغلال براءة الاختراع  -، منشورات وزارة الثقافة والفنون  الجمهورية العراقية، السنة 1978 .
9.     د. صلاح زين الدين – الملكية الصناعية والتجارية – دار الثقافة للنشر والتوزيع – عمان – لسنة 2000 – الطبعة الأولى .
10.           المعايير الخاصة بحماية العلامات بناء على اتفاقية باريس واتفاقية تريبس – إعداد المكتب الدولي للويبو.
11.           من منشورات منظمة الويبو – رقم (A) 400 – معلومات عامة .
12.           منشورات منظمة الويبو – الملكية الصناعية في إطار اتفاق تريبس – من إعداد المكتب الدولي للويبو .
13.           د. صلاح الدين الناهي – الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية – دار الفرقان – عمان – 1983.
14.           المحامي يونس عرب – محاضرة في النظام القانوني للملكية الفكرية والأدبية والصناعية /2003.
15.           مجلة نقابة المحامين النظامين الأردنين 1991.
16.           الأستاذ أحمد علي عمر، الملكية الصناعية وبراءات الاختراع – التجربة المصرية 1993.
17.           سميحة القيلوبي – الملكية الصناعية : براءات الاختراع، الرسوم والنماذج الصناعية، العلامات التجارية والصناعية، الاسم والعنوان التجاري، دار النهضة العربية، القاهرة.
18.           مجلة نقابة المحامين لسنة 1971.
19.           مجلة نقابة المحامين لسنة 1979 .
20.           قانون براءات الاختراع الأردني رقم 32 لسنة 99 .
21.           قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 .
22.           د. توفيق حسن فرج – قانون العمل في القانون اللبناني والقانون المصري الجديد – 1991، الدار الجماعية للنشر بيروت.
23.           د. علي عوض حسن – الوجيز في شرح قانون العمل لسنة 1999 – دار الكتب القانونية – المحلة الكبرى الطبعة الثانية.
24.           د. محمد حسام محمود لطفي – الحماية القانونية لبرامج الحاسب الإلكتروني – دار الثقافة للطباعة والنشر – القاهرة – 1987.
25.           شرح قانون العمل الأردني – هشام رفعت هاشم – الطبعة الثانية – 1990.
26.           د. يوسف إلياس – قانون العمل العراقي – الجزء الأول – علاقات العمل الفردية – الطبعة الثانية – بغداد 1980 – منشورات مكتبة التحرير .
27.           د. همام محمد محمود – قانون العمل – عقد العمل الفردي – دار المعرفة الجامعية – الاسكندرية .
28.           د. محمد علي عمران – الوسيط في شرح قانون العمل الجديد – مكتبة سعيد وآنست – جامعة عين شمس.
29.           د. عبد الواحد كرم – قانون العمل في التشريع الأردني – مكتبة دار الثقافة للنشر، سنة 1998.
30.           المحامي يونس عرب – محاضرة مقدمة في نقابة المحامين الأردنيين عام 2003 – نظرة عامة على اتفاقيات التجارة الدولية وأثرها على النظام القانوني الأردني .

تعليقات