القائمة الرئيسية

الصفحات



جريمة الاغتصاب

جريمة الاغتصاب




السنة الدراسية   2005-2006  الجمهوريـة الجزائرية الديمقراطية الشعبيـة

   وزارة العــــــدل

   المدرســة العلـيا للقــضاء

 

 

مذكرة التخرج بعنوان :

 

                                                                             

جريمة الاغتصاب

 

 

 

 

 من إعداد الطالبة القاضية:                                                               

           مسعودي بركاهم                                                         

 


* المقدمــــــــــــة *

 

              يحمي المشرع عرض الأفراد بحمايته للحرية الجنسية وحظر الاعتداء عليها بوضع قيود معينة ورتب على خرق هذه القيود عقوبات رادعة.

              وفي حياة الإنسان دائرة من المحرمات تشمل أنواع السلوك الإجتماعي التي يستنكرها المجتمع سواء كانت من المعاصي التي تنهى عنها الأخلاق أو التي تنهى عنها الآداب، إلا أن الأفعال المكونة لهذا السلوك لا تتعادل في مدى خطورتها وبالتالي لا تقابل من المجتمع بغرم واحد في محاربتها.

             ومن هذه الأفعال ما يهدد النظام الإجتماعي، إما لجسامة الضرر الذي يلحق بالمجتمع نتيجة ممارسة الأطراف لها أو لأن ممارستها تشجع على إرتكاب أفعال أكثر خطورة وهذا النوع من المحرمات هو ما يعبر عنه بالرذيلة.

             ومن ثم تصدى المشرع لها وذلك بتجريم ما يصل منها درجة تهدد المجتمع وتفكيك بنيانه الإجتماعي ويفرض العقوبات المناسبة على مرتكبيها.

             ولقد تم تجريم هذه الأفعال لعدة إعتبارات فهناك اعتبارات دينية بإعتبار أن جميع الأديان السماوية تحرم المساس بالأعراض ومباشرة الفحشاء وتدعوا إلى إتباع الزواج كطريق مشروع للعلاقات الجنسية حماية للإنسان ومبادىء الأخلاق.

            وهناك اعتبارات اجتماعية وأخلاقية فالمشرع الجزائري عندما جرم الاغتصاب إنما هدف حماية حق الشخص على جسمه وحريته الجنسية.

             وجرائم الاعتداء على العرض متعددة تشريعيا أهمها جريمة الاغتصاب التي تعد من أبشع وأشد الجرائم التي تتعرض لها المرأة، لأن الجاني في هذه الجريمة يقوم بإيلاج عضو تذكيره في فرج المرأة المجني عليها بدون رضاها ورغما عنها بل أن هذه الجريمة لا تقوم و لو كان هذا الإيلاج الجنسي قد وقع من الرجل على المرأة بغير رضاها ما دام لم يكن إيلاجا جنسيا طبيعيا فلو أتاها من الخلف رغما عنها أو أرغمها بالتهديد على تمكينه من أفراغ نفسه في فمها أو على جسدها فأن جريمة الاغتصاب لا تقوم و أن قامت بذلك كله ما دام بغير رضا المجني عليها جريمة الفعل المخل بالحياء.

         ولا يقتصر هذا الفعل عند حد الاعتداء على حصانة جسد المجني عليها وشرفها، بل يترتـب عليه إصابتها بإضطربات نفسية وعقلية وكذا الإضرار بمستقبلها لأنه يقلل من فرص زواجها إذا كانت غير متزوجة، بل وقد يتعدى الأمر إلى فرض عليها حمل غير شرعي لا ترغبه فيضربها من الناحية الأدبية والمادية وقد يؤدي بها إلى الإقدام على الانتحار خشية الفضيحة والعار.

 

         ودراستنا هذه لا تقتصر على إتباع المنهج الموضوعي كمنهج وحيد بل عملنا على إعتماد المنهج المقارن بين مختلف التشريعات خاصة منها التشريعين الفرنسي والمصري بإعتبارهما المصدر التاريخي للتشريع الجزائري، ومن جهة أخرى لايمكن إيجاد حلول للإشكالية المطروحة أدناه إلا بالتعرض للدراسة المقارنة.
 

         أمـا الدوافـع التي جعلتنـا نختـار هـذا الموضـوع ترجـع إلـــــــى:

1)-الاغتصاب بهذا المعني من الجرائم الخطرة، و لا ترجع خطورتها فقط إلى ما تسببه للمجني عليها فيها من أضرار بالغة، و إنما خطورتها الكبرى على الرأي العام نفسه و ما تحدثه هذه الجريمة لديه من صدمة و قلق وشك في الأخلاقيات العامة و الفردية.

2)-الاغتصاب باعتباره وطء المرأة من غير رضاها هو أجسم أشكال التصرف المجرم المتضمن عدوانا على العرض سواء من حيث عدم مشروعيته أو من حيث عدم رضائيته.

3)-تدخل جريمة الاغتصاب في جرائم الأرقام الغامضة التي لا يصل إلى علم السلطة العامة من بينها إلا أعدادا تكاد لا تذكر وهو ما تشهد عليه قلة الأحكام الجنائية، فليس هناك أدنى شك في وجود فارق هائل بين ما يقع في المجتمع من جرائم الاغتصاب وبين ما يصل منها بالفعل إلى علم ا لسلطات.

4)- قلة الأحكام القضائية خاصة الجزائرية منها الناتجة عن خلو المكتبة القانونية من معالجة هذا الموضوع بين أوساط القضاة والمحامين، الذين يمثلون الجانب التطبيقي فيها أو في أوساط أساتذة القانون الممثلين للجانب النظري.

5)- صعوبة ضبط جريمة الاغتصاب وإثباتها وهذا راجع أساسا إلى السرية التي تكتنفها باعتبار ما يتعلق بالجنس هو من الطابوهات في مجتمعنا رغم أنه لا حياء في الدين.

 

      هذا كله جعلنا نهتم بدراسة جريمة الاغتصاب محاولة منا لإثرائها ولو بالشيء اليسير وللإلمام بجوا نبها فما ماهيتها والأركان التي تقوم عليها وطرق إثباتها بالإضافة إلى الجزاء الذي قرره المشرع لهذه الجريمة واعتمادنا في دراستنا هذه على الخطة التاليـــة: 

 


الخـــطـــــــــــة
 

 

 

المبحث الأول: ماهية جريمة الاغتصاب في القانون المقارن والقانون الجزائري.

          * المطلب الأول: مفهوم جريمة الإغتصاب في القانون المقارن.

          * المطلب الثاني: مفهوم جريمة الإغتصاب في القانون الجزائري.

 

المبحث الثاني: أركان جريمة الاغتصاب.

          * المطلب الأول: الركن المادي

          * المطلب الثاني: الركن المعنوي

 

المبحث الثالث: وسائل إثبات جريمة الاغتصاب والجزاء المقرر لها.

          * المطلب الأول: وسائل إثبات جريمة الإغتصاب.

          * المطلب الثاني: الجزاء المقرر لجريمة الإغتصاب.



 

المبحث الأول: ماهية جريمة الاغتصاب


 

          إن جرائم الاعتداء على العرض عديدة، وتشترك هذه الجرائم في الممارسـة الجنسية غير المشروعــة دون رضا المجني عليها أي مخالفة للقانون كما أنها تقع على العرض أو على الحق في بقاء العرض سليما دون المساس به، والمقصود بالعرض الاستقامة أو الطهارة الجنسية التي تعارف عليها المجتمع بحيث يعـد الخروج عنها فعلا شائنا تبرر اللـوم الاجتماعي وهذه القيم تستمد من الدين والأخلاق.

        فمن جرائم العرض نجد جريمة الاغتصاب التي تعد اعتداء على الإرادة والحرية العامة للمجنـي عليـها وعلى حصانتها الجسمية والنفسية و العقلية بشكل يلحق بها أضرار بالغة سواء الماديـة أو المعنويــة.

        وسندرس هذه الجريمة من خلال معرفة مفهومها في القانون المقارن والقانون الجزائري من خلال المطلبين التالييـــن:

المطلب الأول: مفهوم جريمة الاغتصاب في القانون المقارن

        أولا: في القانون الفرنســي  

        ثانيا: في القانون الـمصـري

       ثالثا:في القانون الدولي

المطلب الثاني: مفهوم جريمة الاغتصاب في القانون الجزائري

 

 

المطلب الأول: مفهوم جريمة الاغتصاب في القانون المقارن
 

أولا: مفهوم جريمة الاغتصاب في القانون الفرنسي:

 

           من جرائم العرض الاغتصاب محل هذه الدراسة، حيث ما يقوم على المعاشرة الجنسيــة بالإكراه وبدون رغبة المجني عليهـــا.

          ولقد عرف الأستاذ جارو الاغتصاب بأنه كل فعل معاشرة شهوانية يقع على امرأة رغما عن إرادتها فيقــول:

 

Ceci posé, et en la absence de toute définition précise donnée par le code pénal, il résulte de ces précédents qu’on a toujours entendu par viol le fait de connaître charnellement une femme sans la participation de sa volonté. 

      

 

         وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض الفرنسية أنه إزاء عدم وجود تعريف قانوني للاغتصاب فإنـه يتعين على القاضي البحث والتأكد من توافر أركان هذه الجريمة بحسب خصائصها الخاصــة والنتائج الجسيمة التـي تلحق بالمجني عليها وبشرف عائلتها وإن هذه الجريمة تنشأ عن فعل ضد إرادة شخـص سواء كان ذلك بغيـاب الرضا بسبب الإكراه المادي أو الأدبي الذي يمارس ضده أو بـأي وسيلة إكراه أخرى أو مباغته من أجل التعدي عليه رغما عن إرادته، من أجل الغرض الذي يستهدفه الفاعـل (1).

        غيـر أن الأمر تطور في فرنسا إثر صدور قانون العقوبات الجديد في 23/12/1980 بنصه في المــادة 23-222 منه على أن الاغتصاب هو كل فعل إيلاج جنسي مهما كانت طبيعته ارتكب على ذات الغير بالعنف أو الإكراه أو التهديد أو المباغتــة.

 

«  Tout acte de pénétration sexuelle, de quelque nature qu’il soit, commis sur la personne d’autrui, par violences contrainte, menace ou surprise est  un viol »

 

 (1): - الدكتور عبد الحكم فودة جرائم العرض في قانون العقوبات المصري 1997 ديوان المطبوعات الجامعية الإسكندرية ص 46

        وتبعا لذلك أصبح مفهوم الإغتصاب في القانون الفرنسي لا يقتصر على الإتصال الجنسي الطبيعي الواقع من رجل على أمره بل كذلك الإتصال الجنسي غير الطبيعي المفروض من رجل على إمرأة كإتيانها من دبرها

 أو من رجل على رجل كالشذوذ الجنسي، بل يتسع ليشمل كل(Fellation) أو في الفم (Sodomie)

  إيلاج جنسي ولو تم عن غير طريق الإتصال الجنسي الطبيعي كإدخال الأصبع أو إدخال عصا أو ما أشبه في القبل أو في الدبر، كل ذلك بطبيعة الحال بغير رضاء المجني عليه، ومنه لا يعد إغتصابا الممارسات الجنسية التي لا تتضمن إيلاج كالملامسات والممارسات الجنسية بين النساء المسماة بالسحاق.

وبينما كان الجاني رجل والمجني عليه إمرأة فإنه طبقا للمفهوم الواسع للاغتصاب يمكن أن يكون الجاني رجلا كما يمكن أن يكون إمرأة والمجني عليه كذلك يمكن أن يكون رجلا ويمكن أن يكون إمرأة وبالتالي فالقانون الفرنسي صار يعرف الرجل المغتصب والمرأة المغتصبة.

"  Viol gommoseuxuel et Femme Violeuse "

دونما اعتداد بسن المجني عليه، طفلا أو صبيا أو شابا أو حتى عجوزا، فكل ماصار للسن من أثر في القانون الفرنسي هو إعتباره ظرفا مشددا للعقاب إذا كان المجني عليه لم يبلغ من العمر اثنتا عشرة سنة.

فجريمة الإغتصاب أو بالأقل الشروع فيه يمكن أن تتوافر ولو كان الجاني قد قصد مواقعة صبية صغيرة، كما لا أهمية لصفات المجني عليها بكرا أو ثيبا، عفيفة أم غير عفيفة، على نحو يمكن معه القول أن الإغتصاب يمكن أن يقع على كل مستويات الوجود البشري، حتى على الفاسقين، إذا كان الإيلاج قد وقع ضد إرادة المجني عليها، و بالتالي فإنه تم تضييق مفهوم الفعل المخل بالحياء.

    كمـا جـرم المشرع الفرنسـي الإكراه الجنسـي الـذي يمارسـه الزوج على زوجته حتـى وإن كانت المواقعة عادية لا شذوذ فيهــا.

 

 

 ثانيا:مفهوم جريمة الاغتصاب في القانون المصري:

 

         لقد خصص المشرع المصري لجرائم الإعتداء على العرض الباب الرابع من الكتاب الثالـث من قانـون العقوبات تحت عنوان " هتك العرض وفساد الأخلاق " ويضم المادة 267 التي تنــص

 " من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.

 فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادما عندها أو عند ممن تقدم ذكرهم يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة" (1)

        وبهذا يكون المشرع المصري قد تعرض لجريمة الاغتصاب واعتبرها جناية يعاقب مرتكبيهـا بالأشغــال الشاقة المؤقتة ثم شدد العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤبدة لتصل إلى الإعدام وجريمـــة الاغتصاب هي مــن الجرائم المادية لا الشكلية لان الحدث المكون لها هو الوطء بدون رضاء المرآة و هو في ذاته حدث ضار يتمثــل في العدوان على الحرية الجنسية (2).

        و في الوقت ذاته فأن عدم رضا المرأة لا يجعل وقوع الجريمة راجعا إلى سلوك منها و إنما تعزى الجريمة إلى سلـوك الرجل وحده و بالتالي تدخل في عداد جريمة الفاعل الوحيد لا جريمة الفاعل المتعدد.

       و بما أن المشرع المصري أعترف للأفراد بالحرية الجنسية مما يعني اعتبار ممارسة هذه الحرية نشاطـا مشروعا دون تقييد ذلك، باشتراط علاقة زوجية بين أطراف الصلة الجنسية وحصر مجال التجريــم في أفعال الاعتداء علـى الحرية الجنسية التي ترتكب دون رضا صحيح ممن تقع عليها، ويشمل ذلـك حالات يرتكب فيها الفعـل دون رضاء على الإطلاق، كما يشمل حالات يرتكب فيها الفعل برضـاء صادر عن شخص لم يبلغ سنا معينة يحددها القانون (3). 

       و لقد سار المشرع المصري على منوال المشرع الفرنسي بعدم العقاب على الاعتـداءات على الحريــة الجنسية في كل صورها فانتقى صورا معينة تتميز عن غيرها يتعدى الأذى فيها إلى الغـير منها جريمة الاغتصاب التي تعد من أشد جرائم الاعتداء على العرض.

 

 

 

1)- أحمد أبو الروس -الموسوعة الجنائية الحديثة (4)-الطبعة 1997- المكتب الجامعي الحديث الازاريطة الإسكندرية- ص31

2) - الدكتور رمسيس بهنام- قانون العقوبات " جرائم القسم الخاص "-الطبعة الأولى 1999- منشأة المعارف بالإسكندرية- ص941

3)- أحمد محمود خليل-جرائم هتك العرض- طبعة 1990- دار المطبوعات الجامعية بالإسكندرية- ص2

          ومما لا شك فيه أن المشرع المصري قد تبني المفهوم الضيق لفعل المواقعة الذي تقوم به جناية الاغتصاب في قصره لهذا الفعل على مجرد "إيلاج رجل لقضيبه في فرج المرأة دون رضاها " كشكل وحيد لا تقوم تلك الجريمة إلا به، و هو في موقفه هذا ليس وحيدا، بل أن هناك من لا يزال يعتنق هذا المفهوم كالجزائر

          أما المشرع الفرنسي نفسه و الذي كان مصدرا لتصدير هذا المفهوم فقد أدار إليه ظهره و تبني بتشريع 23-12-1980 مفهوما جديدا للمواقعة التي تقوم بها جناية الاغتصاب حيث اتسع هذا المفهوم حتى صار يشمل "كل إيلاج جنسي أيا ما كانت طبيعته يقع على شخص الغير بالقوة أو التهديد أو المباغتة " و هو مفهوم مختلف تماما عن المفهوم الذي تبناه المشرع المصري سواء من حيث طبيعة الفعل الذي يتحقق به أم من حيث أطرافه.  

           والاغتصاب هو اتصال رجل بامرأة اتصالا جنسيا كاملا دون رضاها ويطلق على لفـــظ الاغتصاب في القانون بالمواقعة وهنا المواقعة المقصودة هي إيلاج عضو التذكير في الموضع الطبيعي المعد له من جسم الـمرأة أي في فرجها وأن لا يكون هناك عقد زواج يربط الطرفين، وبالتالي فإن مواقعة الزوج لزوجته دون رضاها لاتعد اغتصابا لأنها نوع من أنواع استعمال حق مشـروع للزوج.

         وقد قضت محكمة النقض المصرية في هذا المنوال بأنه " ولما كان للزواج في الشريعة الإسلامية هو عقـد وضع لتملك المتعة بالمرأة قصدا، كان في أحكامه أن تحتبس المرأة في بيت زوجها وأن يكون عليها طاعته والمبادرة إلى فراشه إذا التمسها لذلك ولم تكن ذات عذر شرعي، وأن للرجل أن يعاقبها العقاب الشرعي إذا لم تجبـــه إلى هذا الإلتماس وهي طاهــرة "

         فالمرأة مجبرة بحكم العقد والشرع إلى الاستجابة لزوجها عند الطلب والا كان له حق عقابهـــا وإكراههـا (1).

         وبذلك يكون الاجتهاد القضائي المصري قد اعتمد على الشريعة الإسلامية في مجال اغتصاب الــزوج لزوجته ويكون بذلك قد خالف الاجتهاد القضائي الفرنسي الذي اعتد بوجود الاغتصاب بين الأزواج.

         ولا يتحقق الاتصال الجنسي الكامل إلا بإلتقاء الأعضاء التناسلية للجاني والمجني عليها إلتقـاء طبيعيـا غيــر مشروع سواء بلغ الجاني شهوته أو لم يبلغهـا، إما ماعد ذلك من الأفعال المنافية للآداب أو المخدشة للحيــاء أو الجارحة للعرض فلا تعد إغتصابا ولكنها قد تعتبر أفعال مخلة بالحياء إذا ما توافرات شروطها ويقصد بكلمــة" غير مشروع " بأن لا تكون المرأة حلا للرجل. (2)

 

(1)- أحمد محمود خليل -جرائم هتك العرض طبعة1990-دار المطبوعات الجامعية بالإسكندرية- ص23

(2)- معوض عبد التواب -الموسوعة الشاملة في الجرائم المخلة بالآداب العامة وجرائم العرض - الطبعة الثالثة دار الكتاب الحديث -ص 278

        كما عرف الدكتور رمسيس بهنام الاغتصاب بأنه وطء المرأة بإيلاج عضو التذكير في المكان المعــد له من جسمها دون رضاها، ومقتضى هذا أن يكون الجاني قادر على الإيلاج و أن يكون عضو المرأة صالحا له والا كان الفعــل إخلال بالحياء أو شروعا في الاغتصاب

       ولا يقع الاغتصاب إلا من رجل على إمرأة، فارتكاب الفحشاء من ذكر على ذكر أو من إمرأة على إمرأة يعد فعل مخل بالحياء لا إغتصابا متى تم بغير رضا المجني عليه أو عليها، فإذا تم بالرضا فلا جريمة فيه ما لم يكن علنيا إذا يحقق عندئذ الفعل العلني الفاضح.(1)

        وجريمة الاغتصاب تعد من الجنايات الموجهة ضد الحرية الجنسية فلا عبرة بسـن الـمرأة ولا بمدى جمالها وجاذبيتها أو كانت بكرا أو ثيبا أو متزوجة أو غير متزوجة، صغيرة في السن أم كبيرة، شريفة أم ساقطة فالعبرة بالفعل المادي المكون للجناية هو الوطء الطبيعي بإيلاج عضو الذكر في عضو المرأة فإتيــان المرأة من الخلف أو وضع أصبع أو وضع شيء آخر في فرجها لا يعد إغتصابا وإنما فعل مخل بالحياء، و إذا أخذ الفـعل المادي شكل الاحتكاك على فرج المرأة من الخـارج لا تقوم الجريمة.(2)

ملاحظة: الفعل المخل بالحياء هو هتك العرض في القانون المصري       


1)- الدكتور رمسيس بهنام - قانون العقوبات " جرائم القسم الخاص " الطبعة الأولى 1999 منشأة المعارف بالإسكندرية - ص 942

                    2)- أحمد أبو الروس - الموسوعة الجنائية الحديثة (4) الطبعة 1998 المكتب الجامعي الحديث الأزاريطة بالإسكندرية- ص32

ثالثا:مفهوم جريمة الاغتصاب في القانون الدولي

       طبقا للمادة السابعة الفقرة الاولي من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة (روما) التي وصفت جريمة الإغتصاب بكافة أشكالها على أنها جريمة ضد الإنسانية عندما ترتكب بطريقة منظمة ضد مجموعة من السكان المدنيين، كذلك أشارت إليها العديد من الإتفاقيات والمعاهدات الدولية في موادها، إلا أن جريمة الإغتصاب رغم خطورتها على المجتمع الدولي والتي تمس شرف وإحساس الإنسان الآ أنها لم تحظ بإتفاقية خاصة بها.

1)- الإتفاقيات الدولية:

        لقد حظر القانون الدولي الإغتصاب وغيره من أشكال الإعتداء الجنسي، كما أشارت إليه المادة 27 من إتفاقية جنيف التي تحظر بصفة خاصة الإغتصاب،كما ورد حظر الإغتصاب ضمنيا والإعتداء الجنسي في المادة 4 الفقرة 1 من البروتوكول الإضافي الثاني المتعلق بالنزاعات المسلحة التي تنص على أنه « لجميع الأشخاص الحق في إحترام شخصهم وشرفهم " وكذا المادة 46 من إتفاقية لاهاي لسنة 1907 والمادة 76 الفقرة 1 من البروتوكول الإضافي الأول التي تقضي بحماية النساء من الإغتصاب.

            و أخيرا يحظر الاغتصاب بصفته جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 5 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا ( السابقة ) وكذا بموجب المادة 3 من نظام المحكمة الجنائية الدولية برواندا دقيقا ومن أكثر الأحكام صلة بالموضوع هي إتفاقية جنيف التي أشارت في المادة 27 الفقرة 2 من الباب الرابع "يجب حماية النساء بصفة خاصة ضد أي إعتداء على شرفهن ولا سيما ضد الإغتصاب والإكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن ". (1)

وأشارت كذلك المادة 76 الفقرة 1 من البروتوكول الأول " يجب أن تكون النساء موضع إحترام خاص وأن يتمتعن بالحماية ولاسيما ضد الإغتصاب والإكراه والدعارة، وضد أي صورة أخرى من صور خدش الحياء "

2)- تطبيقات المحاكم الجنائية الدولية الظرفية:


         عرفت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا ( السابقة ) في قضية " فوروندجيا " الإغتصاب بعد النظر في التشريعات الجنائية الوطنية في العديد من البلدان على أنه عمل من أعمال العنف يتم بالقوة أو التهديد ضد الضحية أو ضد الغير، وسواء كانت تهديدات علنية أو ضمنية، ولابد أن توضع الضحية في حالة خوف يعقل أن ترغمها أو ترغم للغير على الخضوع إلى العنف أو الإحتيجاز أو القهر أو الإرهاق النفسي.

        و هذا ما أكدته المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا ( السابقة ) في قضية " ديلاليش " المتهم بالإغتصاب واسترشدت في هذا الموضوع بقرار المحكمة الجنائية الدولية لرواندا في حكمها في قضية المدعي العام ضد " جان بول أكايسو "

1)-الدكتور: البقيرات عبد القادر –مفهوم الجرائم ضد الإنسانية-الطبعة الاولي 2004 الديوان الوطني للأشغال التربوية ص110

        والتي تعرف الإغتصاب في إطار الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وخلصت الدائرة الإبتدائية التي تنظر في هذه القضية إلى أنه ليس هناك تعريف متعارف عليه بشكل عام لهذا المصطلح في القانون الدولي، وأقرت بأنه في الوقت الذي يعرف فيه الإغتصاب في قوانين وطنية معينة بإعتباره " جماعا بغير تراض " فإن هناك تعار يف مختلفة له.

       وخلصت المحكمة إلى أن الإغتصاب شكل من أشكال العدوان وهو إعتداء بدني ذو طبيعة جنسية يرتكبه الشخص في ظل ظروف من الإكراه، وبناء على هذا التعريف إعتمدت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا في حكمها في قضية  " أكايسو"

      وعرفت المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن حالة الإغتصاب المنهجي وللإسترقاق الجنسي والممارسة الشبيهة بالرق خلال فترات النزاع المسلح على أنه إيلاج أي شيء، بما في ذلك قضيب الشخص في ظروف القسر أو الإكراه أو الإجبار، في فرج أو شرج الضحية أو إيلاج قضيب الشخص في فم الضحية، وتعرف الإغتصاب بعبارات محايدة من حيث نوع الجنس، إذ أن الرجال والنساء على السواء يكونون ضحايا للإغتصاب.

فالظروف القسرية الواضحة التي توجد في كل حالات النزاعات المسلحة تنشىء قرينة بعدم القبول وتبطل حاجة سلطة الإدعاء إلى إثبات عدم القبول بإعتباره ركنا من أركان الجريمة والى جانب ذلك، فإن القبول ليس مسألة قانون أو واقع عند النظر في مسؤولية قيادة كبار الضباط الذين يأمرون بإرتكاب الجرائم كالإغتصاب في حالات النزاع المسلح أو يسهلون إرتكابها إلا أن قضية القبول يمكن إثارتها بإعتبارها دفعا إيجابيا.

          ولذا نرى تعريف الإغتصاب الذي يمثل جريمة ضد الإنسانية أنه إعتداء بدني ذي طبيعة جنسية يرتكبه شخص بالقوة أو بالتهديد بطرق منهجية منظمة ضد السكان المدنيين.

         ونستخلص من هذا التعريف أركان جريمة الإغتصاب:

أ- أن يعتدي المتهم على جسد شخص بأن يأتي سلوكا ينشأ عنه إيلاج عضو جنسي في أي جزء من جسد الضحية، ومهما كان ذلك الإيلاج طفيفا ومهما كان نوع الجنس.

ب- أن يرتكب الإعتداء بالقوة أو التهديد بالإستخدام القوة أو الإكراه كأن ينشأ عن خوف الشخص المعني أو شخص آخر من التعرض لأعمال عنف أو إكراه أو إعتقال أو إضطهاد نفسي أو لإساءة إستعمال السلطة أو إستغلال بيئة قسرية أو عجز الشخص عن التعبير حقيقة عن الرضا.

ج- أن يرتكب التصرف ضمن خطة منظمة وأن يعلم المتهم بأن التصرف جزء من هجوم واسع موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين وأن يكون قاصدا بأن هذه الأفعال جزء من ذلك الهجوم وعندما تتوفر هذه الأركان فلا يعد فعل الإغتصاب جريمة عادية، بل جريمة ضد الإنسانية. (1)

 

1)- د: عبد القادر البقيرات- مفهوم الجرائم ضد الإنسانية – الطبعة الاولي 2004- الديوان الوطني للأشغال التربوية

ص 112

المطلب الثاني: مفهوم جريمة الاغتصاب في القانون الجزائري:
 

           نـص المشرع الجزائري على جريمة الإغتصاب في المادة 336 عقوبات ضمن جرائم انتهاك الآداب بصفة عامة في القسم السادس، من الفصل الثاني، من الباب الثاني ،من الكتاب الثالث ،من الجزء الثاني، من قانون العقوبات والتي تقابلها الـمواد 23-222 عقوبات فرنسي والمادة 267 عقوبات مصري و407 عقوبات ليبي و419 عقوبات سوري والمادة 232 عقوبات عراقي.

          فهذه الجريمة تعد من أخطر الجرائم التي تنتهك بها الآداب العامة مما جعل المجتمع الدولـي يعمد إلى تصنيفها واعتبارها من جرائم الحرب كما كان الحال في البوسنة والهرسك وفلسطين.

          بل وصارت محكمة الجزاء الدولية تختص بالنظر في مثل هذه الجرائم نظرا للأبعاد الخطيـرة التي يمكـن أن تخلفها هذه الجريـمة.

          و يعرف الاغتصاب بأنه اتصال رجل بامرأة اتصالا جنسيا كاملا دون رضاء صحيح منها بذلــك، وعلة تجريمه أنه اعتداء على العرض، فالجاني يكره المجني عليها عن سلوك جنسي لم تتجه إليـه إرادتها فيصـادر بذلك حريتها الجنسية ومن ثم كان الاغتصاب أشد جرائــم الاعتداء على العرض جسامة.(1)

          وبرجوعنا للقانون الجزائري نجده لم يعطي أي تعريف لجريمة الاغتصاب كما لم يحدد أركانها مما يجبرنـا للرجوع إلى الفقه و القضاء من أجل تحديد المفهوم القانوني لها و البحث عن ذلك في التشريعات المقارنـة.

 و ما يستشف من أحكام القضاء الجزائري أن الاغتصاب هو" مواقعة رجل لامرأة بغيــر رضاها".(2)

 و لكن بعض الفقه يعتبر الاغتصاب هو إتيان امرأة بغير رضاها وممارسة العملية الجنسيـة الطبيعيــة ممارسة كاملــة.(3)

         أما المستشار عبد العزيز سعد فقد عرف الاغتصاب في كتابه الجرائم الواقعة على نظـام الأسرة بأنه فعل ممارسة رجل لعمل جنسي مع امرأة محرمة عليه شرعا وقانونا بالإكراه ودون رضاها.

        وفي القانون الفرنسي عمد المشرع إلى تعريف الاغتصاب في المادة23-222 عقوبات على أنه "كل فعل إيلاج جنسي مهما كانت طبيعته ارتكب على ذات الغير بالعنف أو الإكراه أو التهديد أو المباغتة"

 

1)- الدكتور محمد رشاد متولي- جرائم الإعتداء على العرض في القانون الجزائري والمقارن – الطبعة الثانية 1989- ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر – ص125

2)- الدكتور أحسن بوسقيعة – الوجيز في القانون الجنائي الخاص، دار هومة، طبع في 2003 ص 91

3)- الدكتور محمد صبحي نجم – شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم الخاص، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثانية، 1990، ص 74.

            أما المشرع المصري فقد عرفه بأنه " اتصال الرجل جنسيا بالمرأة كرها عنها " وفي تعريف آخر بأنه " إتصال رجل بإمرأة اتصالا كاملا دون رضا صحيح منها بذلك "(1)

أما المشرع السوري فقد عرفه بأنه " الإتصال الجنسي مع إمرأة دون رضاها من قبل بطريق الجماع"

إن جميع التشريعات تشترك في إشتراط وجود إتصال جنسي كامل أي وطء تام وذلك بوضع عضو التذكير للرجل وهو الجاني في فرج المرأة وهي المجني عليها ويكون الوطء طبيعيا وأنه لا يكون إلا من رجل على إمرأة

            ولكن مـن خـلال ما جاء في نـص الـمادة 336 عقوبـات جزائــــري:

 " كل من إرتكب جناية هتك عرض يعاقب بالسجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات.

وإذا وقع هتك العرض ضد قاصرة لم تكمل السادسة عشر فتكون العقوبة السجن المؤقت من عشر إلى عشرين سنة".

نجد المشرع الجزائري إستعمل لفظ هتك العرض للتعبير عن الإغتصاب لأن النص الفرنسي للمادة

« Qui conque a commis le crime de viol » 336 عقوبات تؤكد ذلك بقوله:

ومنه فإن المشرع الجزائري لم يوفق في ضبط المصطلحات المقررة للجريمة و نـجد أنفسنا أمام قانون وضعي فكان يتعين عليه أن يسمى الأشياء بأسمائها.

            وحتى إذا نظرنا إلى التشريعات المقارنة وخاصة منها التشريع المصري، نجدها تستعمل مصطلح الإغتصاب لأن هتــك العرض يقصد به الفعل المخل بالحياء مع إستعمال العنف.   

         نورد هنا حكما عن محكمة الجنايات بسعيدة يتعلق بجريمة هتك العرض صادر بتاريخ 03-12-2005

و بعد المداولة القانونية عادت المحكمة إلى قاعة الجلسة ثم استحضر الرئيس المتهم و وجه حديثه مبينا له الإجابات التي أعطتها المحكمة و ما انتهى إليه المحلفين بدأ يتلو الأسئلة و الإجابات التي كانت كالتالي:

 

1)- الدكتور معوض عبد التواب، الموسوعة الشاملة في الجرائم المخلة بالآداب العامة وجرائم العرض. دار الفكر العربي ص 278

 

 

الـرقـــم

الأســــــــــــــئـلـــــــــة

الأجـــوبـــة

س 1

هل المتهم مداني الميلود مذنب بإرتكابه بتاريخ 21، 22، 23، 24 فبراير 2005 أي منذ زمن لم يمضي عليه أمد التقادم القانوني بسعيدة الدائرة القضائية لمحكمة الجنايات بمجلس قضاء سعيدة واقعة هتك العرض الذي ذهبت ضحيته المسماة سكران غريسية ؟

 

 

نـعـم بالأغلبية

 

س 2

هل إن هـتـك عرض الضحية كان بدون رضا الضحية ؟

نـعـم بالأغلبية

س 3

هل المتهم زلماطي اعمر مذنب بإرتكابه في نفس الظروف   الزمانية و المكانية واقعة تحريض قاصرة على الفسق و فساد الأخلاق الذي ذهـبت ضحيته المسماة سكران غريسية ؟

نـعـم بالأغلبية

س 4

هل إن المتهم سهل أو شجع على الفسق و فساد الأخلاق؟

نـعـم بالأغلبية

س 5

هل إن الضحية سكران غريسية لم تكمل سن 19 سنة ؟

نـعـم بالأغلبية

س 6

هل المتهمة حمري فاطمة الزهراء مذنبة بإرتكابها في نفس الظروف الزمانية و المكانية واقعة تحريض قاصرة على الفسق وفساد الأخلاق ؟

نـعـم بالأغلبية

س 7

هل إن المتهمة سهلت أو شجعت على الفسق و فساد الأخلاق؟

نـعـم بالأغلبية

س 8

هل إن الضحية سكران غريسية لم تكمل سن 19 سنة ؟

نـعـم بالأغلبية

س 9

هل يستفيد المتهم مداني ميلود بالظروف المخففة ؟

نـعـم بالأغلبية

س10

هل يستفيد المتهم زلماطي اعمر بالظروف المخففة ؟

نـعم بالأغلبية

س11

هل تستفيد المتهمة حمري فاطمة الزهراء بالظروف المخففة ؟

نـعم بالأغلبية

-و بعد المداولة قانونا

- و بعد الإطلاع على المواد 280، 284، 286، 292، 298، 300، 302، 304، 305، 306، 307، 308، 309، 312، 313، 314، 315، 367، 399، 600، 602 من قانون الإجراءات الجزائية و المواد 336، 342، 53 من قانون العقوبات و التي تمت تلاوتها بالجلسة و قراءة الإجابة عن الأسئلة المطروحة على محكمة الجنايات و بأغلبية الآراء.

- و حيث أنه يخلص مما قررته المحكمة و ما انتهى إليه أعضاؤها في إجابتهم على الأسئلة المطروحة أن المتهمين يعتبرون مذنبين لاقترافهم جناية هتك العرض و جنحة تحريض قاصرة على الفسق و فساد الأخلاق. الأفعال المنصوص و المعاقب عليها بالمادتين 336، 342 من قانون العقوبات.

و حيث أن هذه الأفعال قد ثبتت في حقهم.

- و حيث انه ثبـت قـيام الظــروف المخفـفة لصالح المتهـــمين الثلاثة وفقا لأحكام المادة 53 من قانون العقوبات.

- و حيث لم يسبق الحكم على المتهمين الثلاثة بجناية أو جنحة من جرائم القانون العام فإن الأمر يقتضي تطبيق أحكام المادة 592 من قانون الإجراءات الجزائية.

لهذه الأسباب و من اجلها

- و بناء على ذلك فإن محكمة الجنايات المشكلة من القضاة و المحلفين قضت بما يلي:

بإدانة المتهم مداني ميلود و معاقبته بثلاث (03) سنوات حبسا مع وقف التنفيذ و بإدانة المتهمين زلماطي اعمر و حمري فاطمة الزهراء و معاقبة كل واحد منهما بسنة (01) حبسا مع وقف التنفيذ.

- مع إلزامهم بالمصاريف القضائية بالتضامن.

- و حددت مدة الإكراه البدني في حده الأقصى.

و نبه الرئيس كل واحد من المحكوم عليهم بأحكام المادة 592 من ق ا ج طبقا للمادة 294 من قانون الإجراءات الجزائية.

 

المبحث الثاني: أركان جريمة الإغتصاب:


 

            لقـد تنـاول القانون جريمـة الاغتصاب واعتبرها جناية يعاقب عليها بالسجن المؤقت من خمــس

سنوات إلى عشرة سنوات الآ أن المشرع الجزائري لم يعرف هذه الجريمة ولم يعدد أركانها وما يستشف من أحكام القضاء الجزائري بأنها مواقعة رجل لامرأة بغير رضاها ومنه تتكون الجريمة في ظل التشريع الجزائري من ركنيــن لابد من توافر هما حتى يمكننا القول بوقوع جريمة الاغتصاب وهما الركن المادي الذي يتمثل في فعـل الــوطء الطبيعي وانعدام رضا المرأة المجني عليها أما الركن المعنوي فهو اتجاه إرادة الجاني لارتكاب الجريمة مع علمه بذلك.

وسوف نتطرق إلى ذلك في المطلبين التاليين:

 المطلب الأول: الركن المادي

       *فعل الوطء

       *انعدام رضى المجني عليه

       *الشروع في جريمة الاغتصاب

       *المساهمة الجنائية في الاغتصاب

 المطلب الثاني: الركن المعنوي

       *القصد الجنائي الخاص

       *القصد الجنائي العام

 

 

 

 

 

المطلب الأول:الركن المادي:

    أولا: فعـــل الوطء:

          يتحقـق فعـل الوطء بإيلاج الرجل عضو تذكيره في فرج المرأة بإعتباره المكان الطبيعـي في جسم المرأة المخصص لممارسة العملية الجنسية العاديـة، فإذا تحقق الإيلاج كان ذلك كافيا لتمام الجريمة..

         و يستوي أن يكون الإيلاج كاملا أو جزئيا مرة واحدة أو عدة مرات بلـغ بـه شهوتـه بقذف المني أو لم يبلغ ذلك، تمزق بسببه غشاء البكارة أم لم يتأثر، فالإيلاج وحده كاف ولو لم يتم إنـزال السائل المنـوي.

         ولا يقع الإغتصاب إلا من رجل على إمرأة فلا يعد إغتصابا إتيان المرأة كرها من الخلف أي الدبـر أو إيلاج أي جسم آخر في فرج المرأة كوضع الأصبع أو عصا أو أي شيء آخر ولوكان قاصدا من ذلك فض بكارتها وفضها فعلا، وإنما تعـد هــذه الأفعال إخلال بالحياء.(1)

         فجميع الأفعال الماسة بالحرية الجنسية للمرأة التي لم تبلغ مبلغ الإتصال الجنسي الكامل، وذلك أيا كانت درجة الفحش التي تنطوي عليها، فعبث يد الجاني كرها بالأعضاء التناسلية للمرأة لا يعد إغتصابا ولو بلع حد إدخال أصبعه في فرجها وإزالته بكارتها.

        كما لا يعد إغتصابا من عبث بعضو تذكيره في جزء من جسم المرأة يعتبر عورة كالثدي مثلا وإنما تقوم بذلك جريمة الفعل المخل بالحياء ولا تقوم هذه الجريمة بتلقيح إمرأة صناعيا ضد إرادتها ولو أفضى إلى حملها، إذ لا يصدق على هذا الفعل أنه إتصال جنسي.

         كما يلزم أن يأخذ شكل الإيلاج أي الإدخال، فإذا اتخذ شكل الإحتكاك على فرج المرأة من الخارج حتى أمنى عليه، فلا تقوم الجريمــة ونكون بصدد فعل مخل بالحياء إلا أن مثل هذه الأفعال تعد إغتصابا في القانون الفرنسي وهذا مـنذ إصلاح قانون العقوبات لسنة 1980، حيث عرف الاغتصاب على أنه كل إيلاج جنسي مهما كانت طبيعتــه.

         ويشترط أن يقع فعل الوطء بين رجل وإمرأة فلا تقوم جريمة الإغتصاب إذا وقع فعل الوطء من رجل على رجل كاللواط أو من إمرأة على إمرأة كالسحاق حتى لو حدث بإستخدام العنف أو مع إنعدام الرضــا بل تعتبر تلك الأفعال من قبيل الأفعال المخلة بالحيــاء.

       ويشترط أن تكون المرأة التي وقع عليها فعل الوطء حية فلا تقوم هذه الجريمة إلا على الأحياء ومن ثم يخرج من نطاق الإغتصاب فسق الرجل بجثة إمرأة، ويستوي أن تكون المرأة بكرا أو ثيبا أو متزوجة أو مطلقة أو أرملة أو عجوز ولو كانت قد بلغت سن اليأس ولا عبرة بدرجة أخلاق المرأة فقد تكون عريقة الأصل والنسب.

  


     1)- الدكتور أحسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجنائي الخاص – الجزء الأول – طبع في 2003- دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع- ص 92.

            وقد تكون من البغايا اللاتي تمارس الدعارة فليست علة التجريم حماية الشرف والإعتبار بل حماية الإعتداء على الحرية الجنسية ولكن إذا ثبت إعتياد المرأة على ممارسة الدعارة، فإن ذلك قد يؤخذ عليها كقرينة تعني أن الوقاع قد تم برضائها فالقانون يحمي لكل إمـرأة حريتها الجنسية كاملة فيقع الإغتصاب على العاهر إذا كانت المواقعـة بدون رضاها وكذا لا يقبـل من الجاني أن يدفع الجريمة بأنه سبق له معاشرة المرأة أكثر من مرة في غير حـل أو حتى بأنها سبــق أن أنجبت منه طفلا طبيعيا أثناء معاشرة غير شرعية (1).

        ولكن إتيان الفعل في هذه الظروف قد يوحى إلى الجاني بأن رفض المرأة أو مقاومتها غير جديين و أنها في الحقيقة راضية و يعني هذا الاعتقاد انتفاء القصد الجنائي لديه.

       ولابد أن يكون الفاعل الأصلي في جريمة الإغتصاب رجلا فلا تقع الجريمة من المرأة على الرجل فتجبره على المواقعة بالقوة وإستعمال العنف ولكن يمكن أن تتوصل المرأة إلى ذلك عن طريق الخديعة أو الغش أو التحايل أو الإكراه المعنوي وهنا يتوفر انعدام رضا الرجل ولكن تعتبر الجريمة في هـذه الحالة بفعل المخل بالحياء لأن الجاني في جريمة الاغتصاب لا يكون إلا رجلا ولا تكون المرأة جانيــة في جريمة الاغتصاب.

        و ما دام جوهر الاغتصاب هو الإيلاج فان مقتضي ذلك أن الجريمة يستحيل أن تقع تامة إلا إذا كان الرجل قادرا عليه و كانت المرأة صالحة له؛ أما إذا كان الرجل عاجزا مطلقا على الإيلاج لفقدان القدرة عليه.(2)

أوكان عضو المرأة غير صالح مطلقا لدخول شئ فيه فأن الجريمة لا تقوم لا على صورتها التامة و لا على صورتها الناقصة تطبيقا لنظرية الاستحالة المطلقة؛ و إن قامت به جريمة الفعل المخل بالحياء فالجريمة تكون مستحيلة إذا لم يكن في الامكان تحققها مطلقا أما إذا كانت استحالة الجريمة نسبية كأن كانت قدرة الرجل مذبذب و إن لم تكن منعدمة أو كان فرج المرأة ضيقا لعيب خلقي أو سنها، و إن لم يكن مستحيلا دخوله ولو من صغير مثلها قامت الجريمة في صورة شروع إذا لم يتحقق الإيلاج و قام الدليل على توافر القصد الجنائي، وتعد المواقعة اغتصابا إذا كانت غير شرعية، وبدون رضا المرأة، فإمـا الزوج الذي يكره زوجته على الصـلة الجنسيــة فلا يرتكب اغتصابا.

         غير أن هذه النقطة طرحت عدة تساؤلات في وصف العلاقة الجنسية التي يفرضها الزوج على زوجته على أنها اغتصابا ؟

وطرح هذا التساؤل على القضاء الفرنسي في قضية تتلخص وقائعها كالآتي:   

 

 


1)- الدكتور إسحاق منصور إبراهيم- شرح قانون العقوبات الجزائري – جنائي خاص -   الطبعة الثانية 1988- ديوان

المطبوعات الجامعية الجزائر- ص 124

2)- أحمد أبو الروس- الموسوعة الجنائية الحديثة (4) -طبعة 1998- المكتب الجامعي الحديث الأزاريطة بالإسكندرية- ص32

           بتاريخ 11 و12 فيفري 1991 أكره المدعو: د. زوجته على المواقعة عنوة فقدمت الزوجة شكوى ضد زوجها من أجل الاغتصاب، أحيلت الشكوى على قاضي التحقيق فأصدر أمرا برفض التحقيـق على أساس أنه في غياب أي أثر للعنف – عدا فعل الوقائع – فإن الأفعال التي قام بها المشتكي منـه تدخل في إطار الزواج كما هو متعارف عليه.

ويكون قاضي التحقيق بذلك قد سار على هدى ما استقر عليه اجتهاد القضاء الذي قـرر في عدة مناسبات بأن الإكراه الجنسي الذي يمارسه الزوج على زوجته لا يشكل إغتصابا على أساس أن ما بلغه الزوج هو من الأهداف الشرعية، أي أن واجب المساكنة يبرر لا لجريمة وأن الإكــراه الجنسي لا يمكن أن يشكل إلا فعلا مخلا بالحياء وذلك في حالة ما إذا أرغم الزوج زوجته على فعل من أفعال الشذوذ الجنسي، أو عندما يرغمها على المواقعة في حضور أو بمساعـدة الغيــر.

          وقـد ظل هذا الرأي سائـدا إلى غايـة صـدور القانـون رقــم 80-1041 الـمؤرخ فـي 23-12-1980 الذي وضح جريمة الاغتصاب عندما عرفها بأنها: " كل فعل إيلاج جنســي، مهما كانت طبيعته يرتكب على ذات الغير بالعنف أو بالإكراه أو المباغتة "

          وهنا أختلف الفقهاء في قراءتهم لهذا النص فمنهم من فسره على أساس أنه ترخيص لتجريم الإكــراه الجنسي الذي يمارسه الزوج على زوجته على أساس المساس بحرية الرضاء يحتل موقعا مركزيا في قمع الاغتصاب ومنهم من تمسك بما إستقر عليه القضاء حيـث أكدوا أن لا محل للاغتصاب بين الزوجين إذا كانت المواقعة عادية أي بدون شذوذ.

          وفي ظـل هـذا الاختـلاف الفقهـي أصـدرت الغرفة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية بتاريــخ 5-9-1990 قرار ذا أهمية جاء فيه على وجه الخصوص " أن المادة 23-222 قانون العقوبات الفرنسي

 – التي تعرف جناية الاغتصاب – التي ترمي إلى حماية حرية كل فرد لا تستبعد من الاغتصاب فعـل الو قاع الذي يتم بين أشخاص يربطهم رباط الزواج ".(1)

          وبذلك يكون القضاء قد أخذ بوصف الاغتصاب بين الزوجين غير أن الظروف التي صـدر فيها هذا القرار المتميزة ببشاعة التصرفات التي صدرت عن الزوج وهي التصرفات التي بلغت حـد تعذيب الزوجة جعلت الفقه يتردد في الإقرار بالأخذ بوصف الاغتصاب بين الزوجين.

           فجاء القرار المؤرخ في 11-6-1992 الذي صدر في القضية المعروضة وقائعهـا أعـلاه ليضع حدا لهذا التردد، حيث قضت محكمة النقض الفرنسية أنه " إذا كان الزواج قرينة على رضـا الزوجين على إقامة علاقات جنسية في إطار الحميمية التي تطبع الحياة الزوجية فإن هذه القرينة صحيحة إلى أن يثبت العكس.

 


1)-الدكتور أحسن بوسقيعة – الوجيز في القانون الجنائي الخاص –الجزء الأول- طبع في 2003- دار هومة للطباعة و النشر

 و التوزيع - ص92

       أي إن قرينـة رضا الزوجة على الاتصال الجنسي بزوجها هي قرينة نسبية تقبل الدليل العكسي وبذلك يكون القضاء الفرنسي قد فتح الباب على مصراعيه أمام تجريم الإكراه الجنسي الذي يمارسه الزوج على زوجته حتى وإن كانت المواقعة عادية لا شذوذ فيها، وقد تدعـم هذا الـموقف بصدور قرار ثاني عن محكمة النقض الفرنسية في 26-09-94 في نفـس السيـاق.

     أما على ضوء القانون الجزائري والشريعة الإسلامية أي هل يمكن تصور الاغتصاب بين الزوجين ؟

 فإنه من غير الممكن التمسك بالاغتصاب بين الزوجين إذا كان الاتصال الجنسي الذي أكره الرجل المرأة عليه مشروعا و يكون هذا الاتصال مشروعا إذا كان في نطاق نظام اجتماعي يعترف للرجل بالحق في هذا الاتصال و يفرض على المرأة الالتزام بقبوله؛ و هذا النظام في القانون الحالي هو الزواج فقط؛ وقد اتفق فقهاء الشريعة الإسلامية على أن الاتصال الجنسي حق للزوج و واجب على الزوجة و واجب على الزوج.

و تطبقا لذلك لا يرتكب الزوج جريمة الاغتصاب إذا أكره زوجته على الصلة الجنسية لكن الزواج لا ينتج هذا الأثر إلا إذا كان صحيحا فإذا كان باطلا أو فاسدا فهو لا يخلع على الصلة الجنسية بين طرفيه صفة المشروعية؛ فلا يعد اغتصابا مواقعة الرجل لامرأة رغما عنها و بينهما عقد زواج عرفي يحكم علاقة أحدهما بالأخر.

و شرعية الصلة الجنسية بما يمنع من قيام جريمة الاغتصاب محددة بالمدة التي يقوم خلالها الزواج؛ فان كانت قبله كما لو أكره الخطيب خطيبته على الصلة الجنسية قامت بها الجريمة و لو عقد الزواج بعد ذلك بوقت يسير؛ كذلك الحال إذا طلق الرجل زوجته طلقة رجعية؛ فأنه يستطيع أن يعاشرها جنسيا معاشرة طبيعية؛ لأن الطلاق الرجعي لا يرفع الحل و هو بذلك يعد مراجعا لها شرعا؛ و لكن الطلاق البائن إذا وقع للمرة الثالثة أو كان طلاقا على الإبراء أو انقضت فترة العدة في الطلاق الرجعي يرفع الحل و لا يجوز إتيان الزوجة إلا بعقد جديد فإذا أتاها كرها قامت جريمة الاغتصاب.

   ويمكن تجريم فعل الزوج الذي يكره زوجته على الصلة الجنسية باستعمال العنف المادي على أساس التعدي واستعمال العنف أو الضرب والجرح العمد وذلك حسب طبيعة الضرر البدني الذي يترتب عن العنف.(1)

 

    ثانيا: انعدام رضى المجني عليه:

       انعدام رضي المجني عليه هو جوهر الاغتصاب فإذا حصل الوقاع برضا المرأة فلا جريمة فيــه إلا إذا حصل من رجل متزوج فيكون الفعل جريمة الزنا أو حصل علانية فيكون فعلا فاضحا علنيا.

 

 


1)- الدكتور أحسن بوسقيعة-- الوجيز في القانون الجنائي الخاص – الجزء الأول – طبع في 2003- دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع- ص 94

       ويتوافر هذا العنصر في جريمة الاغتصاب كلما كان الفعل المكون لها قد وقع بغير رضا المرأة سواء باستعمال الجاني في سبيل تنفيذ مقصده وسائل القوة أو التهديد أو غير ذلك مما يؤثر في رضي المجني عليها فيعدم إرادتها ويشل مقاومتها أو بمجرد مباغته إياها أو بانتهاز فرصة فقدانها لشعورهـا وإختيارها لجنون أو عاهة في العقل أو إستغراق في النوم (1)

       ولكن التساؤل الذي يطرح هل أن الإكراه وقع قبل أو أثناء أو بعد المواقعة؟

إن العبرة في ذلك بمدخل أو بداية المواقعة، فإذا إستعمل الإكراه لإخضاع المجني عليها سواء كان ماديا أو معنويا؛ بطريقة كافية للتغلب على مقاومة المجني عليها فإذا فقدت المرأة قواها و أصبحت لا تستطيع المقاومة؛ فهذا يكفي لقيام الجريمة دون إشتراط أن يظل الإكراه مستمرا طوال فترة المواقعة، أما إذا تم الوقاع بدون عنف و استخدمت هذه القوة بعده استتماما للذة الجنسية؛ فانه يعد تاما برضاء المرأة و من ثم لا يتوافر في الفعل جريمة الاغتصاب و أنما جريمة الضرب أو الجرح عمدا على حسب الأحوال.

 

               وسوف نتعرض بالتفصيل لكــل ما يعدم رضا المجني عليها على النحو التالـــي:

 

1)- الإكراه المادي: يقصد بالإكراه المادي أعمال العنف التي توجه لجسم المجني عليها بهدف إحباط مقاومتهـا التي تعترض بها فعل الجاني و كذا العنف الذي يستهدف تخويف المجني عليها حتى لا تبدي مقاومــة (2).      

          و قد يتخذ العنف صورة الضرب أو الجرح أو التقييد بالحبال أو الإمساك بالأعضاء مـحل الحركة من المرأة للسيطرة عليها و يجب أن يؤدي هذا العنف إلى شل مقاومة المجني عليها أو شــل إرادتها و لا يتطلب القانون أن يستمر الإكراه طوال فترة المواقعة بل يكفي أن يكون المتهم قـــد استعمل الإكراه ابتداءا للتغلب على مقاومة المجني عليها فإذا فقدت المجني عليها قواها و استسلمت، حيث أصبحت لا تستطيع المقاومة تحقق الإكراه، إما إذا ثبت أن استسلام المرأة جاء بمحض رغبتها و أنها سواء أستعمل الجاني القوة أو لم يستعملها كانت ستستسلم له فلا يمكن القول بتحقق الإكراه؛ و لا يشترط أن يترك الإكراه أثرا ماديا بجسم المجني عليها أو بجسم الجاني و لا يشترط كذلك أن يرتكب فعل الوطء ذات الشخص الــذي ارتكـب الإكراه فقد يرتكب فعل الإكراه شخص يمهد لآخر ارتكاب فعل الوطء على المجني عليها و يسأل الاثنـان هنـا عن جناية الاغتصاب حتى لو لم يواقع الشخص الأول المجني عليها لقيامه بدور رئيسي في الجريمة ووجوده على مسرحها وقت التنفيذ و ينتفـي الإكراه في العلاقة الزوجية فإذا واقع الرجل زوجته بالإكراه فلا تقوم الجريمــة.

 


1)- الدكتور أحمد محمود خليل- جرائم هتك العرض- طبعة 1990- دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية- ص 12

2)- أحمد أبو الروس- الموسوعة الجنائية الحديثة (4)- طبعة 1998- المكتب الجامعي الحديث الأزاريطة الإسكندرية- ص34

 2)- الإكراه المعنوي: يقصد به التهديد بشر أو أذى جسيما وحالا يوجه من الجانـي إلى إرادة المجني عليها لحملها على القيام بعمل أو الامتناع عنه، من قبيل شهر سكين في وجه المرأة أو بسـلاح ناري أو بتهديدهــا بفضيحة كفضح أمرها لدى ذويها عن علاقة غير مشروعة وإفشاء سر تحرص عن كتمانه أو تهديد بإطلاق حيوان شرس عليها، علما أن الخطر هنا لا يشترط فيه أن يكون حقيقيا بـل يجوز أن يكون وهميـــا.

  و يجب أن يؤدي الإكراه المعنوي إلى شل إرادة المجني عليها و تصبح غير قادرة على رد الإكراه، بحيـث تخضع لرغبات الجانـي؛ و تمتنع عن المقاومة فالعبرة هنا بالأثر الذي يحدثه التهديد و يترك ذلك لتقدير قــاضي الموضوع حسب ظروف وملابسات القضية، و قد قضى بأنه يعد تهديدا يوفر ركن انعدام الرضا تهديد المجني عليها بعدم تمكينها من مغادرة المسكن إلا بعد مواقعتها و كذا تهديد المجني عليها بقتل وليدها و يستوي أن يكون موضع التهديد فعلا إجراميا أم أمرا مشروعا فيتحقق الإكراه في حالة تهديد المجني عليها بالإبلاغ عن جريمة ارتكبتها فعلا أن لم تقبل الصلة الجنسية به.

 3)- الحالات الأخرى:كما قد توجد عوامل حكمية تأخذ حكم الإكراه وبها ينعدم الرضــا وتفقد الشعور ومثالــها أن تكون المجني عليها وقت المواقعة غير قادرة على التعبير عن إرادتــه ولا تستطيع رفض المواقعـــة الجنسيـة، بحيث لو كانت في كامل وعيها لرفضت هذا الإتصـال الجنسي ويرجع هذا العجز في التعبير إلى الأسباب التاليـــة:

   أ)- عاهــة العقــل:قد تكون في صورة جنون أو عته؛ و الجنون حالة يضطرب فيها العقل فيزول فيها التمييز و حرية الاختيار؛ فلا يستطيع الشخص التوفيق بين شعوره و بين ما يحيط به.

و يتسع الجنون للعته أو البلاهة أو الضعف العقلي؛ حيث يقف نمو الملكات الذهنية عند حد معين فلا تتطور مع تطور السن و منه لا يمكن القول بسلامة الرضا لمجنونة؛ فإذا واقع الجاني مجنونة فانه يرتكب جريمة الاغتصاب بفعله حتى و لو لم تبد على فعله أي اعتراض لأن الجنون أفقدها القدرة على فهم ماهية الفعل وقت إتيانه، فلو كانت في كامل وعيها لرفضت هذا الإتصال الجنسي.

ب)- السكر أو المخدر:يؤدي إلى غياب العقل و بالتالي إلى فقدان الإرادة و الرضا؛و في حالة ما إذا كانت المجني عليها سكرانة أو مخدرة على نحو فقدت معه القدرة على فهم ماهية الفعل تقوم بمواقعتها جريمة الاغتصاب و يستوي أن يكون الجاني هو الــذي أسكرها من أجل هذا الغرض أو لغرض آخر أو أن يكون الذي أسكرها شخصا آخر غير المتهــم أو كانت قد سكرت باختيارهــا و استغل الجاني حالة فقد التمييز التي صارت فيـه.

 

ت)- صغر الســـن: وإذا كانت المجني عليها صغيرة السن ورضيت بفعل الجاني، فإن بعض الآراء تخرجه من نطاق الإغتصاب لتجعل منه فعل مخل بالحياء دون قوة أو تهديد، وسندها فيما يبدو أن هذا الرضاء ينفي الإكراه، فينفي تبعا لذلك أن يكون ثمة إغتصاب. وعيب هذه الآراء أنها إعتبرت الإكراه ركنا في الإغتصاب، وذلك ليس صوابا، فركن هذه الجريمة إنتفاء الرضاء الصحيح بالصلة الجنسية أي كان مصدره، ولذلك كان هذا الركن متوفرا إذا رضيت المجني عليها بالفعل ولكن كان رضاؤها غير معتبر قانونا، إذ لا يعد رضاء صحيحا فحين تكون المجني عليها صغيرة فإنه يصعب القول بأن رضاءها ذو قيمة قانونية كاملة بحيث يكون من شأنه نفي الجريمة. ولابد من التفرقة بين الصغيرة غير المميزة والصغيرة المميزة: فإن كانت غير مميزة فلا شك عندنا في قيام الجريمة على الرغم من رضائها بالفعل، ذلك أن إرادتها متجردة تماما من القيمة القانونية فلا يمكن أن يقوم بها رضاء صحيح، وقد يكون من العسير تصور جريمة إغتصاب تامة بالنسبة لهذه الصغيرة.

 ولكن الشروع في هذه الجريمة متصور بالنسبة لها. وتثور الصعوبة عند تحديد سن التمييز، ولكنا نرى- في مجال جريمة الإغتصاب- ألا يلتزم القاضي بأن يعتبر من جاوزت سنا معينة مميزة ومن كانت دونها غير مميزة، وإنما عليه أن يبحث كل حالة على حدة ويتحرى على فهم المجني عليها طبيعة الفعل الذي رضيت به، وهذه المقدرة على التمييز يختلف سن توافرها من شخص لآخر وترتبط بعديد من الظروف، وللقاضي أن يسترشد بالسن فقط إذا كانت ظروف الواقعة لا تأبى ذلك.

أما إذا كانت الصغيرة مميزة فإن الرأي المجمع عليه يذهب إلى أن رضاءها ينفي الإغتصاب، فتقتصر مسؤولية الجاني على فعل مخل بالحياء دون قوة أو تهديد، ونعتقد أن الشارع هي أن يستبعد من نطاق الإغتصاب الحالات التي يمكن القول فيها بأن المرأة قد اتجهت إرادتها اتجاها صحيحا إلى قبول الصلة الجنسية، ويفترض ذلك أن تكون هذه الإرادة معتبرة قانونا حتى يكون اتجاهها بدوره معتبرا من القانون، وإذا كانت المجني عليها مميزة، ولكنها لصغر سنها ما تزال قليلة الخبرة بالحياة سهلة الإغراء وليس في وسعها أن تقدر خطورة الفعل على سمعتها ومستقبلها، فمن السائغ القول بأن إرادتها وإن كان لها بعض القيمة القانونية بالنظر إلى ما توفر لها من تمييز، فإنه ليست لها هذه القيمة كاملة ومن ثم لا يمكن أن يقوم بها رضاء صحيح ينفي جريمة الإغتصاب.

وندعم هذا الرأي بملاحظة أنه من غير السائغ أن يسوى في المسؤولية والعقاب بين من واقع الصغيرة برضائها ومن       اقتصر على الإخلال بحيائها في الصورة التي يقوم بها فعل مخل بالحياء على الرغم مما بين فعليهما من فارق كبير من حيث الجسامة والدلالة على خطورة مرتكبة. ومن غير السائغ كذلك أن يعتبر الوقاع مجرد فعل مخل بالحياء، إذا تنصرف دلالة هذا الأخير إلى أفعال أقل من الوقاع فحشا، بالإضافة إلى أن الصغيرة لا تتوافر لها إرادة مكتملة القيمة على النحو الذي يقوم به الرضاء الصحيح. ونرى أن تحديد السن التي ينتهي عندها الصغر وتكتمل ببلوغها القيمة القانونية للإرادة هو من شأن قاضي الموضوع دون أن يكون مقيدا بسن معينة. ويسترشد القاضي في تحديد السن بظروف المجني عليها، ومدى دلالة هذه الظروف على الخبرة بالحياة والمقدرة على إدراك المخاطر الاجتماعية للفعل. وقد يكون من الملائم تشريعيا أن ينص المشرع على صورة الإغتصاب في حالة رضاء المجني عليها الصغيرة بالفعل، وأن ينص كذلك على حالة رضاء المرأة – التي سنها أقل من 16 سنة- بالفعل.

ث)- الإعيـــــاء:الإعياء ضعف شديد يصيب الجسم فيعطل الإحساس و الإرادة و بالتالي ينفي الرضا فإذا ارتكب المتهم الفعل على امرأة تعرضت لإعياء شديد عطل إحساسها و إرادتها فان جريمة الاغتصاب تقوم إذا ثبت بصورة قاطعة أنها كانت عاجزة عن التعبير عن إرادتها برفض الفعــل و مثال ذلك حالة فتاة تعرضت لاغتصاب اصطحب بأفعال عنف شديد ترتب عليها أن صارت تعاني من أعياء بدني و تعطل وقتي في وظائف الإحساس و الإرادة فاستغل ذلك شخص أخر مارس فعله عليها فيكون بذلك مرتكبا لجريمة الاغتصاب. 

ج)- الـمـــــرض:يؤدي المرض الشديد إلى إضعاف المريض جسمانيا وبالتالي يضعف إرادتـه وقدرته على التعبير وعندئذ لا يعتد برضائه لعدم قدرته على المقاومة وقد قضت محكمة النقض المصرية مـن أنه إذا كان المتهم قد باغت المجني عليها وهي مريضة ومستلقية في فراشها وكمم فاهها بيده ونـزع سروالها ثم اتصل بها جنسيا بإيلاج قضيبه في فرجها بغير رضاها منتهزا فرصة عجزها بسبب الـمرض عـــن المقاومة أو إتيان أية حركة فإن ذلك يكفي لتكوين جريمة الاغتصاب.

ح)- النـــــــوم: النائم هو الفاقد للإرادة و بالتالي فاقد الرضا؛ فإذا انتهز الجاني فرصة استغراق المجني عليها في النوم وواقعها فأن جريمة الاغتصاب تكون قائمة لانعدام الرضا؛ ومثال ذلك إذا دخل الجاني في فراش امرأة نائمة فتعتقد وهي بين اليقضـة والنوم أنه زوجها فتسمح له بأن يتصل بها جنسيا.

وقضت محكمة النقض المصرية أنه إذا كان الجاني قد أولج قضيبه في فرج المجني عليها و هي نائمة فاستيقظت و أوقفت فعلته فأن الجريمة تكون قد حدثت بغير رضاء المجني عليها و أن اقتصرت على حد الشروع. 

خ)- الإغمــــــاء: الإغماء أقرب إلى النوم؛ فالمغمي عليه شخص لا يدرك ما حوله حيث يكون فاقد الإرادة و بالتالي فاقد الرضا و الإغماء قد يكون بسبب حالة مرضية كالصرع و قد يكون بسبب مادة أطلقها المتهم كالبخور؛ فإذا أتى الجاني فعله على إمرأة مغمى عليها توافرت أركان الإغتصاب.

 وقـد قضت محكمة النقض المصرية بأن ركن إنعدام الرضا يكون متوافرا بإستعمال البخور الذي يحـدث دورا وأن لم يصل إلى حد فقد الصواب إذا كان من شأنه فقدان قوة المجني عليها وسلبة رضاهـا.

د)- الغلـط أو التدليس:ويقصد به الإحتيال على المجني عليها وإدخال الغش عليها للتمكن من مواقعتها بحيث لولا هذه الخدعة ما تمكن من مواقعتها لعدم موافقتهـا على ذلك و التدليس قريب من الخديعة؛ فكلاهما يوقع المجني عليها في الغلط و بذلك يكون رضاؤها معيبا؛ لأنه لو لا هذا التدليس ما رضيت المجني عليها بالمواقعة. والتدليــس يؤدي إلى وقوع المرأة في غلط موضوعه الظروف التي يؤتي فيها الفعل فتصوره لها على نحو ترضـى به في حين أنها لو علمت الحقيقة لما رضيت به ويتحقق التدليس بإيهام المرأة أن الجاني شخـص أخـر كانت ترضي بالصلة الجنسية به كأن يعطي الجاني لنفسه صفة معينة تمنحه حق المواقعة كأن يخفــي الزوج عن زوجته أنه طلقها على نحو أنهى علاقة الزوجية بينها و كتم عنها أمر هذا الطلاق قاصدا، ثم يتصل بها وهي راضية لاعتقادهـا أنها ما تزال زوجته و ثبت بطريقة قاطعة أنها عند المواقعة كانت جاهلة تمام الجهل بسبق هذا الطلاق المزيل للحل و ثبت أنها لو كانت علمت بالطلاق لأمتنعت عن الرضا له كان وقاعه إياها حاصلا بغير رضاها و قامت جريمة الاغتصاب لأن رضائها بالوقاع لم يكن حرا بل كان تحت تأثير اكراه عقد زال أثره بالطلاق و هي تجهله، وكذلك كما لو رتب الجاني مظاهر معينة يوهم بها المجني عليها أنه قد عقد بها زواجا صحيحا فترضي بصلته بها معتقدة أنها زوجة له (1).

و بالتالي فالتدليس كما يكون بالادعاء أي بالقول المجرد، يكون بالكتمان بإخفاء الحقيقة على المجني عليها فتقع بذلك في الغلط الذي يشوب إرادتها و ينفي رضاؤها.

ذ)- المباغتــــــة:إذا ارتكب الجاني فعله بغتة فلم تكن لدى المجني عليها الفرصة في أن تبدي اعتراضهـا عليه أي انتهاز الجاني فرصة عدم انتباه المجني عليها فيباغتها بالاعتداء عليها و اغتصابها، مثال ذلك الطبيب الذي يواقع المرأة في غفلة منها أثناء الكشف عنها.

ثالثا:الشروع في جريمة الإغتصاب:  

تثير مسألة الشروع في الإغتصاب عدة إشكالات بالغة الدقة نظرا لخصائص أركان الجريمة، ومبدئيـا تخضع محاولة الإغتصاب للقواعد العامة للشروع المقررة في قانون العقوبات طبقا للمـادة 30 منـه بنصهـــــا:

 " كل محاولات لإرتكاب جناية تبتدىء بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا لبس فيها تــؤدي مباشرة إلى إرتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يخب أثرها إلا نتيجة لظروف مستقلـة عـن إدارة مرتكبها "

        والشروع جريمة ولكنها ناقصة غير تامة لتخلف بعض عناصرها، فالجاني يبدأ في التنفيذ قاصدا إتمام الجريمة ولديه القصد الجنائي لها ولكن تقوم أسبابا خارجة عن إرادته فتحول دون تمام الجريمة

        فالشروع يتطلب توافر أركان الجريمة التامة من ركن مادي ومعنوي إلا أن الركن المادي المتمثل في النشاط والنتيجة والعلاقة السببية، قد تخلفت النتيجة منه مما يؤدي إلى عدم قيام العلاقة السببية (2).

وتتم جريمة الإغتصاب بعملية إيلاج عضو تذكير الجاني في فرج المرأة المجني عليها، فلا يشترط لإتمام الجريمة أن يشبع الجاني رغبته بإنزال المادة المنوية، ويتم الإيلاج بالإدخال مطلقا سواء كان ذلك جزءا أو كلا، فمـا لـم يحصـل الإدخال لا تتم الجريمة وإنما قد يعد الفعل شروعا إذا بدأ الجاني في تنفيذ الجريمة تم حالت دون ذلك أسباب خارجة عن إرادته كتمكن المجني عليها من مقاومته ومنعه من إتمام الجريمة أو قدوم الغير لنجدته(3).

 

 


1)- أحمد أبو الروس- الموسوعة الجنائية الحديثة (4)- طبعة 1998- المكتب الجامعي الحديث الأزاريطة الإسكندرية - ص 38

2)- الدكتور عبد الحكم فودة-جرائم العرض في قانون العقوبات المصري -طبعة 1997- ديوان المطبوعات الجامعية الإسكندرية-ص54

3)- الدكتور محمد صبحي نجم، شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم الخاص، الطبعة الرابعة 2003 ديوان المطبوعات الجامعية ص 75.

       وتقف الجريمة عند مرحلة الشروع إذا لم يحدث الإيلاج التام الطبيعي وكان الجاني قد إرتكب فعلا من شأنه أن يؤدي حالا ومباشرة إلى وقوع الإغتصاب إذا توافرت أركانه (1).

       والاغتصاب يبتـدىء عندمـا يستعمل الجاني العنف ضد المجني عليها قصد مواقعتها غير أن الأفعال الأولى التي يقوم بها الجاني لا تدل بالضرورة على نية المواقعة، فقد تكون نية الجاني إرتكاب فعل مخل بالحياء مع إستعمال العنف (2).

      و تجنح الآراء الحديثة بما فيها المشرع الجزائري إلى الأخذ بالمذهب الشخصي في تحديد البدء في تنفيذ هذه الجريمة و نرى البـــدء في تنفيذها متحققا بأي فعل يؤدي حالا و مباشرة إلى إتمامها، بإعتباره ينطوي بذلك على خطر يهـدد الحريــة الجنسية للمجني عليها في صورة الو قاع.وتطبيقا لذلك كان البدء في التنفيذ متحققا بإرتكاب فعل عنف أي كان لحمل المرأة للإستسلام أو صدور تهديد إليها في سبيل ذلك أو إعطائها مادة مسكرة أو مخذرة أو تنويمها من أجـل هذا الغرض أو محاولة خلع ملابسها ، أو إركابها في عربة ولو بالخداع، أو مجرد إصطحابها إلى المكان الذي ينـوي الجاني إرتكاب الجريمة فيه طالما أنها جاهلة بالغرض من إركابها أو إصطحابها.

        ولكن يعتبر مجرد عمل تحضيري الحديث إلى الـمرأة في محاولة لإقناعها بقبول الصلة الجنسية أو تجهيز المادة المخدرة أو المنومة أو إعداد المكان الذي ينوي الجانــي إرتكاب الجريمة فيه، ويفترض الشروع أنه قد أعقب البدء في التنفيذ عدم إتمام الجريمة لأسباب لا ترجع إلى إرادة الجاني كمقاومة المرأة فتتغلب عليه أو أن يأتي أحد لنجدتها(3).

        وقد قضت محكمة النقض الفرنسية أن الشروع في الإغتصاب له مجال محدد في التطبيق، شأنه شأن أي جريمـة أخرى، بموجب النص العام للشروع م 2 ق.ع.ف، لكن لا يعاقب عليه إلا إذا تحققت له الشروط العاديــة بالوقوف على ماهية الأعمال التي تعتبر بدءا في التنفيذ و أن توقف النشاط كان بسبب ظروف مستقلة لادخل لإرادة الفاعل فيها.

       وكثيرا ما تدق التفرقة في الأعمال المادية التي يأتيها الجاني فيثور التساؤل هل يقصد الجاني إرتكاب جريمة الفعل المخل بالحياء أم جريمة تامة وقفت عند حد الشـروع؟

 

 

 


1)- الدكتور: معوض عبد التواب- الموسوعة الشاملة - الطبعة الثالثة – دار الكتاب الحديث ص 280

2)-الدكتور: أحسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجنائي الخاص – الجزء الأول – طبع في 2003- دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع- ص96

3)-الدكتور:محمد رشاد متولي-- الوجيز في القانون الجنائي الخاص – الجزء الأول – طبع في 2003- دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع- ص 130

               وفي حالة ما إذا إستيقظ ضمير الجاني فيقف عن الإيلاج خشية فض البكارة عادلا بإرادتـه المختارة عن الجريمة عندئذ لا يعاقب الجاني على شروعه وإنما يعاقب على جناية الفعل المخل بالحياء

   وإذا عدل الجاني بإختياره عن الإيلاج أعفي من العقاب من أجل الشروع في الإغتصاب ولكنه يسأل عما يكون قد صدر عنه من أفعال قامت بها جرائم تامة. فيسأل عن الفعل المخل بالحياء إذا كان قد عبث بأعضاء

 في جسم المجني عليها على نحو أخل بحيائها على نحو جسيم.

كما يسأل عن الضرب أو التهديد الذي يحقق به الإكراه و قد يسأل عن فعل فاضح علني إذا أتى فعله في علانية، وقد يدق في بعض الحالات تحديد ما إذا كان عدول الجاني إختياريا أو غير إختياري، وتطبق في ذلك القواعد العامة، ويلاحظ أنه إذا فقد الجاني القدرة على الإيلاج سواء تلقائيا، أو غير إرادي فالعدول غير إختياري، إذا يصدق عليه أنه يريد إتمام الجريمة ولكنه لا يستطيـع ذلـك وإذا تعرفت عليه المجني عليها خلافا لماكان يتوقعه فعدل خشية إنتقام أهلها منه فعدوله غير اختياري ولكن إذا عدل عن فعله لقاء وعدها بقبول الصلة الجنسية في وقت لاحق فعدوله اختياري إذا لم يكن ما يحـول دون استمــراره في فعلــه.وقد تثور الصعوبة حول تحديد ما إذا كان الجاني مسؤلا عن شروع في الوطء أو عن فعل مخل بالحياء ؟

           وتأتي الإجابة بالرجوع إلى القصد الجنائي ودلالاته، فإذا كانت النية متجهة إلى مجرد العبث بجسد المجني عليها دون وطئها، كنا بصدد جناية الفعل المخل بالحياء.

           أما إذا كانت النية منعقدة على الوطء كمسارعة الجاني بنزع ملابس المجني عليها والاتجاه بقضيبـه إلى فرجها مباشرة، فهذا يعني أن نيته اتجهت إلى الوطء، فإذا ضبط آنذاك أو قاومته المجني عليها بشدة فلم يتمكن من ذلك كنا بصدد الشروع في الوطء.

           ومن قضاء النقض المصرية في هذا الصدد ما قضت به أنه يعد شروعا في إغتصاب جذب شخص إمرأة من يدها، ووضع يده على ملابسها ليفكها بقصد مواقعتها بدون رضاها.

       كما قضت بأن رفع المتهم ملابس المجني عليها أثناء نومها وإمساكه برجليها، ذلك يصـح في القانون عدة شروعا، متى اقتنعت المحكمة بأن المتهم كان يقصد إليه لأن هذه الأفعال من شأنهــا أن تؤدي فورا ومباشرة إلى تحقيق ذلك القصد.(1)

أو أن يجلس إلى جانب المجني عليها في غرفة نومها ويراودها عن نفسها ثم يمسك بها ويرفع رجليها محاولا وقاعها، أو أن يجثم فوق المجني عليها ويحتضنها ويحاول إنزال ملابسها عن جسمها ويكشف عن عورتها بقصد مواقعتها، أو أن يفاجئ المجني عليها أثناء سيرها في الطريق ويدخلها عنوة في السيارة التي يقودها زميله ويجثم فوقها ويكتم بيده فاهها ويهم بمواقعتها يعد شروعا.

1)-الدكتور: عبد الحكم فودة- جرائم العرض في قانون العقوبات المصري -طبعة 1997- ديوان المطبوعات الجامعية الإسكندرية-ص56

     كما قضت بأنه إذا دفع المتهم المجني عليها كرها عنها للركوب معه في السيـارة بقصــد مواقعتها ثم انطلق بها وسط المزارع فلما اطمأن إلى أن المجني عليها صارت في متناول يـده شــرع في إغتصابها مستعينا بتهديدها بسلاح كان يحمله ولكنها ظلت تستغيث حتى استجـاب لها الضابـط ولم تتم الجريمة، فهذه الوقائع تتوافر بها أركان الشروع في الإغتصاب.

          ولكنها قضت بإنتفاء الشروع في الإغتصاب مجرد طلب الفحشاء من إمرأة وجذبها من يدها وملابسها لإدخالها في زراعة القطن.

 وقضت المحكمة العليا الليبية بأنه يعد شروعا في المواقعة دخول المتهم على المجني عليها وهـي نائمـة في منزلها وكان خالعا سرواله الداخلي ثم جثم فوقها وكمم فمها بيده وهددها بسكين وشرع في مواقعتها فلم تمكنه ونتج عن الممانعة وعن سرعة إنمائه على فخذها وفرجها من الخارج خيبة أثـر الجريمة (1).

كما قضت المحكمة العليا الليبية بأنه إذا أمسك المتهم يد المجني عليها ورماها أرضا محاولا مواقعتها وخاب اثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو مقاومة المدني عليها للمتهم ودفاع إبنتها عنها، فإنه يعد مرتكبا لجريمة الشروع في المواقعة.

      و إذا كان الإيلاج مستحيلا لأن الجاني عنين أو لأن المجني عليها فرجها ضيق لصغر سنها أو لعيب خلقي فأن هذا الوضع يثير مشكلة الجريمة المستحيلة و لاعقاب عليها وفقا للمذهب الشخصي أما عند القائلين بالتفرقة بين الاستحالة المادية و القانونية فأن هذا الوضع يدخل في الاستحالة المادية، إذ يكفي أحد عناصر الجريمة و من ثم يعاقب عليه في صورتيه.

      فإذا أخذنا بالتفرقة بين الاستحالة المطلقة و الاستحالة النسبية فأننا نعتقد أن حالة الجاني العنين هي صورة للاستحالة المطلقة فيقتصر عقابه على فعل مخل بالحياء أما حالة ضيق عضو المجني عليها فهي صورة للاستحالة النسبية و من ثم يسأل عن الشروع في الاغتصاب (2).

 

 

 

 

 

 


1)-الدكتور: عبد الحكم فودة- جرائم العرض في قانون العقوبات المصري -طبعة 1997- ديوان المطبوعات الجامعية الإسكندرية-ص58

2)-الدكتور: محمد رشاد متولي - الوجيز في القانون الجنائي الخاص – الجزء الأول – طبع في 2003- دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع –ص131

رابعا: المساهمة الجنائية في الإغتصاب:

       تخضع جريمة الإغتصاب للقواعد العامة في المساهمة الجنائية، فيتصور تعدد الفاعلين ويتصـور أن يوجد إلى جانب الفاعل شريك أو أكثر و هذا طبقا للمادة 42 من قانون العقوبات " يعتبر شريك في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا، ولكنه ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك ".

      ونجد الركن المادي يقوم في هذه الجريمة علي عنصرين:الاتصال الجنسي و الفعل الذي يكـون من شأنــه إعدام رضاء المرآة كالعنف مثلا، فان كل من يصدر عنه أحد هذين الفعلين يعتبر تطبيقا للقواعد العامة فاعلا مع غيره.(1)

       فمن أمسك بجسم إمرأة كي يشل مقاومتها حتى واقعها زميله كان فاعلا أصليا معه للجريمة، كمــا يعد فاعلا أصليا من ضرب المرأة أو هددها بالسلاح كي ترضخ لرغبة زميله، ولكن شرط ذلك أن يأتي فعله في الوقت الذي يباشر فيه زميله الصلة الجنسية، أما إذا أتاه في وقت سابق كما لو أعطى المجني عليها المادة المخدرة أو قيدها بالجبال ثم باشر زميله في وقت لاحق هذه الصلة فهو شريك بالمساعدة ومـن صور الإشتراك بالمساعدة في هذه الجريمة إعارة أو تأجير المكان الذي ترتكب الجريمة فيه، أو تجهيـز المادة المخدرة أو تسليم السلاح الذي يستعين به الجاني في إرتكاب الجريمة طبقا للمادة 43 ق.ع " يأخذ حكم الشريك من إعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ أو مكانا للإجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي ".

      وإذا كان الفقـه الجنائي لا يتصور أن يكون فاعلا لجريمـة الإغتصاب إلا رجل وحجته هي حصره لركنها المادي في فعل الإتصال الجنسي الذي لا يتصور أن يصدر عن إمرأة. ولكن إذا لاحظنا أن الفعل المعدم للرضاء هو كذلك عنصر في هذا الركن، ويمكن تصور أن تأتي هذا الفعل إمرأة فإن هذه المرأة تعد فاعلة أصلية لهذه الجريمة.         وتطبيقا لذلك إذا أمسكت إمرأة بجسم أخرى لكي تشل مقاومتها تمكينا لرجل من مواقعتها، فكلاهما فاعل للجريمة(2).

      و لم ينكر الرأي أن تكون المرأة شريكة في هذه و يتصور أن تكون امرأة فاعلة معنوية لهذه الجريمة طبقا للمادة 45من ق ع كما لو حرضت مجنونا على أن يواقع امرأة أخرى دون رضائها، فكان في يدها أداة مسخرة لارتكاب الجريمة.

 

 


1)-الدكتور: محمد رشاد متولي- جرائم الاعتداء علي العرض في القانون الجزائري والمقارن- الطبعة الثانية 1989 – ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر- ص 132.

 2)-الدكتور:أحمد محمود خليل -جرائم هتك العرض – طبعة 1990 –دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية- ص 12

المطلب الثاني: الركن المعنوي:
          لا تقوم جناية الاغتصاب قانونا من مجرد إيلاج رجل لقضيبه في فرج المرأة بدون رضاها، دون موجب شرعي و أنما لا بد من توافر القصد الجنائي لدي الجاني القائم على عنصر العلم و الإرادة و لكن لا يكفي لقيامها القصد العام و أنما يجب أن يتوافر إلى جانبه قصدا خاصا.

 

أولا: القصد الجنائي العام

         يتوفر القصد الجنائي لدي الجاني بانصراف إرادته إلى ارتكاب فعل الإيلاج بدون رضي المجني عليها و منه فان مجرد مواقعة المراة يعني العلم بالمواقعة و أن وقوع الإكراه من الجاني يعني انعدام رضا المرأة، غير أنه ينعدم     توافر القصد الجنائي رغم استعمال الإكراه و ذلك إذا كان الجاني مع استعماله القوة و ممانعة المجني عليها و مقاومتها يعتقد أنها كانت غير جادة في هذه الممانعة و هذا التمنع و أنها كانت مدفوعة إلى ذلك تحت تأثير عوامل أخرى و تستطيع محكمة الموضوع أن تصل إليها في حالة أثارتها من طرف الجاني.

   فإذا كان الجاني يجهل أن المرأة مجنونة أو معتوهة أو نائمة وأنه كان يعتقد أنها تتمنع فقط لمجرد إثارة رغبته الجنسية فإن القصد الجنائي لا يكون متوفرا (1).

         وكذلك إذا كان يجهل أن من واقعها ليست زوجته وأن عقد زواجه منها باطل أو فاســد ولكنه كان يجهل سبب البطلان أو الفساد فإن القصد الجنائي لا يتوافر لديه، سواء تعلق غلطه بالواقع كما لو تزوج أخته من الرضا ع وهو جاهل أنها كذلك أو تعلق بالقانون كما لو كان عالما بذلك ولكنه يجهل القاعدة الشرعية التي يحرم هذا الزواج (2).

         وإذا كان الجاني زوجا للمرأة وطلقها طلاقا رجعيا وكان يعتقد أن له الحـق في مراجعتهــا والاستمتاع بها في حين أن الطلاق قد أصبح بائنا بانقضاء مدة العدة ودفع التهمة بالغلط في الواقعـة مؤكدا وقوعه في الغلط فإن القاضي في هذه الحالة عليه قبل الحكم بإدانة المتهم من أن يثبت علم الجاني بعدم مشروعية الفعل حتى يتوافر القصد الجنائي في جانبه ويمكن بعد ذلك إدانته (3).

 

 


1)- الدكتور: عبد الحكم فودة -جرائم العرض في قانون العقوبات المصري -طبعة 1997- ديوان المطبوعات الجامعية الإسكندرية- ص 81

2)- الدكتور: معوض عبد التواب – الموسوعة الشاملة في الجرائم المخلة بالأداب العامة وجرائم العرض – الطبعة الثالثة- دار الكتاب الحديث- ص 282

3)- الدكتور: إسحاق إبراهيم منصور -شرح قانون العقوبات الجزائري – جنائي خاص -   الطبعة الثانية 1988- ديوان

المطبوعات الجامعية الجزائر- ص 125

            ثانيا: القصد الجنائي الخاص

 جريمة الإغتصاب من الجرائم العمدية والرأي الغالب فقها وقضاءا أن القصد الجنائي اللازم توافره لدى الجاني في هذه الجريمة هو القصد الجنائي الخاص

    ويثبت هذا القصد بإتجاه إرادة الجاني إلى وطء المجني عليها بغير رضاها مع علمـه وقـت إرتكاب الفعل بأن هذا الوطء غير مشروع، وإستعمال القوى أو التهديد ما هي إلا قرائن على توافر القصد الجنائي في أغلب الأحــوال الآ أنها لاتدل دائما على إتجاه إرادة الفاعل إلى فعل الوطء بدون رضا المجني عليها.

          كما أنه لا يستبعد أن يكون الجاني معتقدا بأن مقاومة المرأة له لم تكن جدية ولكنها من قبيل التمنع غير الجاد مما يعد غلط في الواقعة ولذا يلزم لإدانة الجاني أن يثبت علمه بعدم رضا المرأة ولا يعتد في هذا الصدد

   بأن يدفع المتهم هذا العنصر بأنه قد سبق له مواقعة هذه المرأة حتى لو كان قد أنجب منها طفلا في علاقات سابقة غير مشروعة، كما لا يعتد بأن المرأة من البغايا اللائي اعتدن الممارسات الجنسية لأن العبرة بالواقعة موضوع الدعوى بغض النظر عن سلوك المرأة قبل ارتكاب الاغتصاب.       

 إن القصد الجنائي الخاص وان كان يظهر واضحا ويبدو متلازما مع الأفعال المادية التي يأتيها الجاني مفصحة عن إتجاه رغبته في الوطء دون رضي المجني عليها دون غيرها من الأفعال التي تعد من قبيل الأفعال المخلة بالحياء إلا أنه لإعطاء الواقعة تكييفا قانونيا صحيحا لابد من إقامة الدليل على أن الجاني اتجهت نيته إلى مواقعة المرأة مع علمه بأن الوطء غير مشروع وأنـه كان الوطء بغير رضـي المرأة المجني عليها.

         وأن لجـوء المتهم إلى تهديد الضحية وتوعدها أو لجوؤه إلى استعمال وسيلة من الوسائل التي تعطل إرادة الضحية في الإمتناع وتشل قدرتها على المقاومة أو استغلاله لمرضها كاف وحده لإستنتاج قصد الجاني ونيته الإجرامية (1).

        وطالـما أن القصد الجنائي العام و الخاص قد ثبت عند الجاني فلا عبرة بالدافع أو الباعث، لأن الباعث ليس عنصرا في القصد الجنائي فيستوي أن يكون الدافع قضاء شهوة أو الإنتقام من المجني عليها أو أهلها أو أي دافع آخر، غير أنه يكون للباعث أثره عند تقديرا لقاضي للعقوبة.

         فـلا قيمة لقول المتهم أنه عاشر زوجته بعد طلاقها طلاقا بائنـا بمجرد المحافظة على الأسرة ولاعيب في الحكم لعدم تناوله الباعث على الجريمة ويجب أن تتجه إرادة الجاني إلى مباشــرة الركن المادي، فإذا كانت إرادته غير مختارة أو كان فاقد الإرادة كما لو أعطي منوما أو مسكرا على غيـر رغبة منه، فإن ذلك يعدم إ رادته وينتفي القصد الجنائي لديــه (2).

1)- الدكتور: عبد العزيز سعد – الجرائم الواقعة على نظام الأسرة- الطبعة الثانية – الديوان الوطني للأشغال التربوية – ص 79

2)- الدكتور: عبد الحكم فودة – جرائم العرض في قانون العقوبات المصري -طبعة 1997- ديوان المطبوعات الجامعية الإسكندرية- ص 82

 

المبحث الثالث:وسائل إثبات جريمة الإغتصاب والجزاء المقرر لها:

           لقد نصت المادة 212 ق.إ.ج في فحواها بأنه " يجوز إثبات الجرائم بأي طريق من طرق الإثبات ماعدا الأحوال التي ينص فيها القانون على غير ذلك وللقاضي أن يصدر حكمه تبعا لإقتناعه الخاص.

ولا يسوغ للقاضي أن يبني قراره إلا على الأدلة المقدمة له في معرض المرافعات والتي حصلت المناقشة فيها حضوريا أمامه. "

 ولذا فإن وسائل الإثبات في المواد الجزائية متعددة ومختلفة إلا أنه ليس بالأمر السهل إثبات جريمة الإغتصاب، فما عدا الحالات التي يعترف فيها الجاني بنفسه تلقائيا أو يضبط في حالة تلبس تثبــت جريمة الإغتصاب بمعاينة مسرح الجريمة وكذا التفتيش بالإضافة إلى شهادة الشهود إذا كانت مطابقة لأقوال الضحية هذا مع إثباتها بواسطة الدليل الفني أي تقرير الطبيب الشرعي والملاحظ عمليـــا أن معظم القضاة يعتمدون في أحكامهم على أساس الشهادة الطبية التي تظهر أثار العنف الممـارس على الضحيــة.

            وتعــد جريمة الإغتصاب في القانون الجزائري وفي كل الأحوال جناية ولكن حدد لـها القانون صورتيـــن:

فالأولى هي صورة الإغتصاب البسيط وقد حدد لها عقوبة السجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات.

أما الثانية وهي صورة الإغتصاب ذو الظرف المشدد وعقوبته السجن المؤقت من عشر إلى عشريـن سنة وتصل إلى السجن المؤبــد.

ولذلك سوف نتطرق لوسائل الإثبات والجزاء المقرر لجريمة الإغتصاب في المطلبين التاليين:

المطلب الأول: وسائل إثبات جريمة الإغتصاب.

       *البينة

       *القرائن

       *التفتيش

       *المعاينة

       *الخبرة الطبية

المطلب الثاني: الجزاء المقرر للجريمة.

       * عقوبة الإغتصاب

       *ظروف التشديد لجريمة الاغتصاب

       * التعدد بين جريمة الإغتصاب والجرائم الأخرى:

 

المطلب الأول: وسائل إثبات جريمة الإغتصاب:

       ماعدا الحالات التي يعترف فيها الجاني بفعله من تلقاء نفسه أو يضبط وهو في حالة تلبس تثبت جريمة الإغتصاب بالبينة والقرائن والتفتيش والمعاينة وبواسطة فحص طبي يقوم به ذوي الإختصاص يحرر إثره شهادة طبية تظهر أن الوقائع حديثة وتبرز أثار العنف إن وجدت وسوف نتطرق إلى هذه العناصر بالتفصيل على النحو التالي:

1)- البينة: ونعني بها الشهود وأول شاهد في جريمة الإغتصاب هي المجني عليها نفسها إذا يعول على شهادتها طالما كانت تتفق مع باقي وقائع الدعوى والأدلة الفنية الأخرى.(1)

             وقد قضت محكمة النقض المصرية أنه من المقرر أنه لا يلزم لصحة الحكم بالإدانة أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضا يستعصي على الملائمة والتوفيق ولما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن من وجود تناقض بينهما لا يكون له محلا, وفضلا عن ذلك فإن البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يثر شيئا عما أورده بوجه الطعن من قلة التناقض بين الدليلين القولي والفني ومن ثم فلا يسوغ له أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه دفع موضوعي لا يقبل منه النعت على المحكمة بإغفال الرد عليه مادام لم يتمسك أمامها (2).

         2)- القرائن: يمكن للمحكمة أن تستكشف واقعة مجهولة من واقعة معلومة قام الدليل عليها، أخذا بالاستنتاج والتحويل عن القرائن (3).

فسبق الحكم على المتهم في العديد من قضايا الاغتصاب لإعتبار قرينة اعتياد المتهم على ارتكاب مثل هذه الجرائم

وأن تصريحات المجني عليها ضده صادقة.

3)- التفتيش: هو البحث عن الوسائل المستعملة في إرتكاب الجريمة التي من شأنها أن تدين الجاني وهذا في حالة

ما إذا استعمل المتهم أداة لإرهاب وتحديد المجني عليها من أجل المواقعة وأن المجني عليها نفسها تعرفت على الأداة

المستعملة عند عرضها عليها، ويتم التفتيش في مسكن المتهم من طرف ضباط الشرطة القضائيـــة بعـد إذن

 النيابة العامة.

4)- المعاينة: يمكن لوكيل الجمهوريــة أو ضباط الشرطة القضائية معاينة مسرح الجريمة للوقوف على الآثار المتخلفة عن الجريمة لوجود السائل المنوي على الفراش أو ترك المتهم شيء من مخلفاتــه كأداة التهديد بمسرح الحادث.

 

1)- دكتور: عبد الحكيم فودة –جرائم العرض في قانون العقوبات المصري –طبعة1997– ديوان المطبوعات الجامعية الإسكندرية-ص 60

2)- أحمد أبو الروس- الموسوعة الجنائية الحديثة (4)- طبعة 1998- المكتب الجامعي الحديث الأزاريطة الإسكندرية – ص212

 3)- الدكتور: عبد الحكم فودة – نفس المرجع - ص60

5)-الخبرة الطبية:يقوم بها ذوي الاختصاص و هذا في حالة طلبها من طرف وكيل الجمهوريــة أو قاضي التحقيـق.

    حيث يقوم الطبيب الخبير بمعاينة ملابس الضحية للكشف عن أثار المقاومة كتمـزق الـملابس أو وجود بقع دموية أو نطاق أو أية علامة تدل على مكان وقوع الفعل كالحشائش و الطين ثم يقوم بفحص الضحية و ذلك على مرحلتين:

أ)-الفحص العام:للبحث عن أثار المقاومة و العنف الجسدي كالكدمات و سحجات الأضافر حول الفم و العنق لمنع الضحية من الصراخ و حول المعصمين و الذراعين و الوجه الداخلي للفخذين.

ب)-الفحص الجنسي:يخص الأعضاء التناسلية كالتورم و الكدمات و فحص الافرازات للتمييــز بين الدم و الطمث و السيلان و كذا فحص غشاء البكارة بالنسبة للبكر فإذا كان افتضاض البكارة دليل قاطع على حصول الإيلاج فان تمزيق غشاء البكارة تمزيقا جزئيا يكفي لإثبات المواقعة.(1) 

وقد يحصل أن تتم المواقعة بدون أن يتمزق الغشاء كما هو الحال إذا كان الغشاء لينا يتمدد عنـد الإيلاج بدون أن يتمزق وهو ما يعبر عنه بالغشاء المطاطي وهنا يثار الإشكال في معرفـة مــا إذا حدث إيلاج أم لا.

    أما بالنسبة للثيب فمن الصعب معرفة وقوع الإغتصاب إذا لم تكن هناك أثار عنف خارجية واضحة لإنعدام العلامات الداخلية والإشكال الذي يطرح أن علامات الإغتصاب تزول بعد مرور 7 إلى 10 أيام من وقوع الفعل ولا يبقى هناك سوى أثار للتمزق القديم بعد اندمال الجرح والذي يظهر علــى شكل ندبات بيضاء اللون وصلبة القوام ولهذا فإن الطبيب الخبير الشرعي لا يمكنه تحديد بدقة هـل كان الإغتصاب فعلا أم لا ؟

ولابد كذلك من فحص عينة من محتوى المهبل وإفرازاته بحثا عن النطاف بالمجهر وتحليل كل إفـراز يلاحظ على منطقة العانة والبطن والوجه الداخلي للفخذين وعلى الملابس.

إلا أنه لا يمكن أن ينسب هذا التحليل إلى المتهم لأنه لايمكن إرغامه على إعطاء دليـل ضـده وهذا يطرح إشكال الإثبات وأحيانا قد يكون من المفيد فحص الجاني بعد أخذ موافقته للتأكد من أنه هو الذي قام بالفعل المنسوب إليه بحثا عن أثار للمقاومة كالسحجات الظفرية والكدمات والعــض على مستوى الوجه وأعلى الصدر كما قد تفيد بقع الدم المكتشفة على ملابس الجاني أو أعضائــه في مقارنتها بالتي تمت معاينتها على الضحية وأيضا فإن فحص الجاني يسمح بتقدير القوة البد نيــة للجاني المحتمل القول ما إذا كانت قوته العضلية كافية لإرغام المجني عليها ومواقعتها عنوة (2)

 

1)- الدكتور أحسن بوسقيعة – الوجيز في القانون الجنائي الخاص - الجزء الأول- الطبعة في 2003- دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع - ص 94.

2)- الدكتور يحي بن لعلى- الخبرة في الطب الشرعي- أنجز طبعة بمطبعة عمار قرفي باتنة – ص118      

      إلا أنه لا يمكن إرغام الجاني بأخذ عينة من سائله المنوي من أجل إجراء التحليل وتثبيت الإتهام في حقه رغم تطور العلم والوصول إلى عملية تحليل ADN  لمعرفة الجاني نفسه وهذا يعتبر كعثـرة للإثبات في المواد الجنائية.

      قضت محكمة النقض المصرية في هذا المنوال إنه " متى كان الدفاع قد تمسك بإستكمال التحليل لتعيين فصيلة الحيوانات المنوية ومعرفة ما إذا كانت من فصيلة مادة الطاعن أولا وكانت الحقائــق العلمية المسلم بها في الطب الشرعي الحديث تفيد إمكان تعيين فصيلة الحيوان المنوي فقد كان متعينا على المحكمة أن تحقق هذا الدفع الجوهري عن طريق المختص فنيا وهو الطبيب الشرعي أما وهــي لم تفعل واستغنت عن تحقيق ما أثاره الطاعن وهو دفع له أهميته في خصوصية الواقعة المطروحة لما قد يترتب عليه من أثر في إثباتها ولم تناقض هذا الطلب أو ترد عليه فإن حكمها يكون معيبا بالإخلال بحق الدفاع مما يتعين معه نقضه والإحالة " (1).

 

1)- أحمد أبو الروس- الموسوعة الجنائية الحديثة (4)- طبعة 1998- المكتب الجامعي الحديث الأزاريطة الإسكندرية – ص203

المطلب الثاني: الجزاء المقرر لجريمة الإغتصاب:

أولا: عقوبة الإغتصاب:

                لقد حدد المشرع الجزائري عقوبة الجريمة في صورتها البسيطة فجعلها السجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات طبقا للمادة 336/ 1 ق ع " كل من إرتكب جناية هتك عرض يعاقب بالسجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات " ، والسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة إذا وقعت الجريمة ضد قاصرة لم تكمل السادسة عشر طبقا للمادة 336/2ق ع، والسجن المؤبد في حالة تطبيق ظروف التشديد المنصوص عليها في المادة 337 ق.ع.

              وبالمقارنة مع التشريع المقارن ومنه على سبيل المثال التشريع المصري يعاقب على جريمة الإغتصاب على المرأة بالأشغال الشاقة المؤقتة والمؤبدة.

    أما المشرع الفرنسي وفي نص المادة 23-222 عقوبات فرنسي فقد عاقب على هذه الجريمة بخمس عشر سنة.

          وتعد جسامة العنف والسمعة الأخلاقية للمجني عليها وسنها وكونها متزوجة ومقدار ما أبدته من مقاومة من بين الإعتبارات التي توجه القاضي في إستعمال سلطته التقديرية في الحدود التي عينها القانون، وللقاضي أن يطبق الظروف المخففة وله أن يعتبر الزواج اللاحق بين الجاني والمجني عليها أحد هذه الظروف.

ثانيا: ظروف التشديد لجريمة الإغتصاب:

           لقد حدد المشرع ظروف التشديد للجريمة في المواد 336/2 و337 ق.ع وتقوم هـذه الظروف كافة على توافر صفة لدى الجاني أي أن تكون له صلة بالمجني عليها ويكفي توافر صفــة واحدة مما نص عليها القانون فلا يشترط إجتماع صفتين أو أكثر، وكل ظرف له طابع شخصي يغير من وصف الجريمة ويتأثر به الشريك إذا كان عالما به، وعلة التشديد أن هذه الصفات تعني أن للجاني على المجني عليها سلطة فيسيء إستعمالها، فمن جهة يسهل عليه إرتكاب الجريمة بإعتباره قريبا مــن المجني عليها ويجعلها لا تخشاه ولا تحتاط منه، بل تثق فيه ومن جهة أخرى فصفة الجاني تحمله بواجبات إتجاه عرض المجني عليها، فعليه أن يحميه من إعتداء الغير، فإذا صدر الإعتداء منه فإنه يكون قد أهدر واجبه وخان الثقة التي وضعت فيه ونفصل صفات الجاني التي يقوم عليها ظرف التشديد فيمايلي:

1- إذا كانت الضحية قاصرة لم تتجاوز السادسة عشرة (16): طبقا للمادة 336/2 ق.ع " وإذا وقع هتك عرض ضد قاصرة لم تكمل السادسة  عشرة فتكون العقوبة السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة " و الملاحظ هنا أن المشرع الجزائري ومراعاة منه لحماية أعراض الفتيات الصغيرات وذلك بإعتبار أن الفتاة في سن السادسة عشر تكون قد بلغت سن المراهقة وهي أخطر مرحلة من مراحل الحياة الجنسية عند الفتيات واللواتي تعتبرن أمهات المستقبل.

         غير أنه عند قراءتنا للمادة 336/1 ق.ع بالنص العربي نجده ينص على القاصرة التي لم تكمل السادسة عشر بينما الأصح والأصل عمليا هو ما جاء في النص الفرنسي للمادة:

« Si le viol a été commis sur la personne d’une mineure de 16 seize    

         ans,………. »

2- أن يكون الجاني من أصول المجني عليها: أعتد المشرع بأواصر القرابة التي تربط بين الجاني والمجني عليها، فإذا كان الجاني من أصول المجني عليها و ارتكب جريمته معها فهو قد أخل بواجبه في مراعاة فروعه و الحفاظ عليهم ومن ثم حقت عليه العقوبة المشددة (1).

        وأصول المجني عليها هم من تناسلت منهم تناسلا حقيقيا كالأب والجد و إن علا ولا يعد من الأصول الأب بالتبني و الجد بالتبني و يجب أن تكون صلة البنوة شرعية فلا ينطبق التشديد على الأب غير الشرعي.

3- أن يكون الجاني من المتولين تربية المجني عليها أو ملاحظتها: ويقصد بهم كل من عهد إليهم أمر الإشراف على المجني عليها و تهذيبها سواء كان ذلك بحكم القانون كالولي أو الوصي أو القيم أو المعلم في المدرسة أو بحكم الإتفاق كالمعلم الخصوصى أو بحكم الواقع كزوج الأم وزوج الأخت والعم والأخ الأكبر.

4- أن يكون الجاني ممن له سلطة على المجني عليها: ويقصد بالسلطة ماقد يكون للجاني من قدرة على تنفيذ أوامره على المجني عليها أو السيطرة على تصرفاتها، يستوي أن يكون مصدرها القانون كسلطة رب العمل على عاملاته وصاحب الحرفة على من تعملن عنده ورئيسا لمصلحة أو المرفق على من تعملن فيه أو يكون مصدرها الدافع لا القانون كسلطة أحد أقارب المجني عليها إذا لم يكن من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أما فيما يتعلق بسلطة المخدوم على خادمته فمصدرها القانون.

5- أن يكون الجاني خادما بالأجر عند المجني عليها أو عند أحد ممن ذكروا فيما سبق:يراد بالخادم من يعمل لقاء أجر للقيام بعمل لدي المجني عليها أو لدى أصولها أو المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو لدى أحد ممن له سلطة عليها ويستوي أن تكون العمل دائم كالخدم المقيمين معها في المنزل أو لبعض الوقت كالبستاني والطباخ الذي يؤدي عمل يومي لبعض الوقت.

6-أن يكون الجاني موظفا: يتوفر الظرف المشدد إذا كان الجاني والمجني عليها يعملان معا في خدمة شخص واحد إذ يصدق عليه أنه خادم عند من له على المجني عليها سلطة.

وقد قضت محكمة النقض المصرية بأنه متى كان المتهم والمجني عليها كلاهما عاملين في محل كراء واحد فهما مشمولان بسلطة رب عمل واحد ومن ثم ينطبق الظرف المشدد عليهما لو كانت إحداهما عاملة وواقعها الآخر دون رضا.

 

1)-الدكتور:محمد رشاد متولي- جرائم الاعتداء على العرض في القانون الجزائري و المقارن-الطبعة الثانية 1989 -ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر- ص142

7)- أن يكون الجاني من رجال الدين: في هذه الحالة يمكن أن يكون الجاني إمام أو مأموم.

8)- إذا استعان الجاني بشخص أو أكثر لارتكاب جناية الاغتصاب.

 

ثالثا: التعدد بين جريمة الإغتصاب والجرائم الأخرى:

          يفترض الإغتصاب في بعض حالاته إكراها ماديا متمثلا في ضرب أو جرح ينزله الجاني بالمجني عليها ولكن لاتقوم بفعل الإكراه جريمة مستقلة، فقد جمع المشرع بينه وبين فعل الوطء في وحدة قانونية ومن ثم تقوم بهما جريمة واحدة.

         ولكن إذا أفضي فعل الضرب والجرح إلى موت المجني عليها تعددت بذلك الجرائم، إذا أن الوفاة واقعة خارجة عن الكيان المادي للإغتصاب، ولا تتعدد عقوبات المتهم لإرتباط الجريمتين بوحدة الغرض وإنما يقضي بأشد العقوبتين طبقا للمادة 32 ق.ع " يجب أن يوصف الفعل الواحد الذي يحمل عدة أوصاف بالوصف الأشد من بينها ".

         وينطوي الإغتصاب بطبيعته على فعل مخل بالحياء، لما ينطوي عليه من إخلال بحياء المجني عليها الجسيم

ولكن لا تتعدد الجريمتان وإنما تكون حالة تنازع نصوص، إذا يعتبر نص الإغتصاب نصا خاصا بالقياس إلى الفعل المخل بالحياء فيطبق دونه.

         وإذا إرتكب الإغتصاب في علانية تعددت جريمة الإغتصاب وجريمة الفعل الفاضح العلني تعددا معنويا.

وإذا كانت المجني عليها متزوجة فلا تتعدد جريمتا الإغتصاب والزنا لأن الإغتصاب ينفي عنصر الزنا وهو حصول الإتصال الجنسي برضاء طرفين، فثمة تنازع بين نصين ينفي إحداهما الآخر.

          وإذا أضاف الجاني إلى فعل الوطء أن قتل المجني عليها عمدا تعين التفرقة بين وضعيـــن:

* إذا إرتكب فعل الوطء أولا ثم قتل المجني عليها تخلصا من مسؤولية جريمته فهو مسؤول عن قتل مقترن بجناية ومرتبط بها كذلك.

* إذا إرتكب القتل أولا ثم فسق بجثة المجني عليها فهو يسأل عن القتل فقط ولا يسأل عن إغتصاب، إذا لم تكن المجني عليها حية وقت إرتكابه فعله.(1)

 

 

 

 

1)- الدكتور محمد رشاد متولي – جرائم الإعتداء على العرض في القانون الجزائري والمقارن- الطبعة الثانية 1989 – ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر – ص 142.


* الخاتمـــــــــة *

 

         من خلال دراستنـا لموضوع جريمة الاغتصاب على ضوء قانون العقوبات الجزائري لاحظنا أن المشرع الجزائري ساير نظيره الفرنسي بعدم تجريمه للرذيلـة في كل صورها واكتفي بعقاب صور معينة يتعدى فيها الأذى إلى الغير.

        وإن تعريـف المشرع لجريمة الاغتصاب الفعل المنصوص والمعاقب عليـه بالمادة 336 ق.ع مستعملا لفظ " هتك العرض " عوض الاغتصاب تعد ترجمة غير سليمة وجب تصحيحهـا.

         إضافـة إلى الاختلاف الموجود بين النص العربي والنص بالفرنسية في المادة 336/2 ق.ع

 حيث ورد في النص العربي أن الفعل يقع على القاصرة التي لم تكمل السادسة عشر أما النــص بالفرنسية فقد جاء فيه أن الفعل يقع على القاصرة التي لم تتجاوز السادسة عشر وهذا ما يجعلنـــا في تناقض بين النصين علما أن النص بالفرنسية هو الأقرب عمليا إلى الصواب.

         بالإضافـة إلى أن المشرع الجزائري قرر عقوبة ملطفة للجريمة رغم ما تكتنفه من خطـورة لأنها أصبحت من جرائم الحرب التي صارت المحكمة الجنائية الدولية تختص بالنظر فيها.

         وما يعاب على المشرع الجزائري عدم أخذه بعين الاعتبار الآثار التي تنجم عن هذه الجريمـة مثل فض البكارة والحمل المرتقب والتي كان عليه أن يأخذها كظروف لتشديد العقاب.

          كما تجدر الملاحظة أن الأحكام القضائية الجزائية المتعلقة بهذه الجريمة تكاد تخلو من بيــان الوقائع وأركان الجريمة التي على أساسها تمت المتابعة، مما يجعل هناك نوع من القصور في التسبيــب الذي يفتح مجالا من عدم الثقة والشك في جهاز العدالة وإمكانية إفلاتها من الرقابـة.

          وهذا راجع لاعتبار كل ما يتعلق بالجنس هو من الطابوهات، ونشير إلى أن هناك صعوبــات في ضبط هذا النوع من الجرائم عمليا من طرف القضاة وهذا بسبب صعوبة الإثبات والسريــــة التي تكتنفها أو تطبعها وكذا النقص في ضبط المواد القانونية من قبل المشرع وعدم وضوحها.

          إضافة إلى النقص في الدراسات القانونية في هذا المجال عكس بقية التشريعات المقارنة مما يجعل هذا حافزا للمشرع لتدارك النقص مستقبلا نظرا لأهمية هذه الجريمة في الميدان العملي بالنظر إلى الآثار التي ترتبها على المجتمع.

        و في الأخير أرجو أن أكون قد وفقت في دراسة هذه الموضوع وأسهمت ولو بالقسـط اليسير في تسليط الضوء على جريمة الاغتصاب في مختلف جوانبها في هذا العمل المتواضع.

 

 

تم بعون الله و حفظه

 

 

 

 

الملحق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

* قائمـــة المراجــع *

 

* المصادر الجزائرية *

 

1- د: بوسقيعة أحسن – الوجيزة في القانون الجنائي الخاص – الجزء الأول-طبع في 2003- دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع.

2- د: محمد صبحي نجم - شرح قانون العقوبات الجزائري: القسم الخاص –الطبعة الرابعة 2003 - ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر.

3- د: إسحاق إبراهيم منصور – شرح قانون العقوبات الجزائري " جنائي خاص " – الطبعة الثانية 1988 – ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر.

4- د: محمد رشاد متولي – جرائم الاعتداء على العرض في القانون الجزائري والمقارن – الطبعة الثانية 1989 – ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر.

5- المستشار عبد العزيز سعد – الجرائم الواقعة على نظام الأسرة – الطبعة الثانية- الديوان الوطني للأشغال التربوية.

6-د:البقيرات عبد القادر-مفهوم الجرائم ضد الإنسانية-الطبعة الاولى2004-الديوان الوطني للإشغال التربوية

 

* المصادر المصرية *

 

1- د: عبد الحكم فودة – جرائم العرض في قانون العقوبات المصري- طبعة 1997- دار المطبوعات الجامعية الإسكندريـة.

2-د: رمسيس بهنام – قانون العقوبات " جرائم القسم الخاص " – الطبعة الأولى 1999- منشـأة المعارف بالإسكندريـة.

3-د: أحمد محمود خليل – جرائم هتك العرض طبعة 1990 – دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية.

4- المستشار معوض عبد التواب–الموسوعة الشاملة في الجرائم المخلة بالآداب العامة وجرائم العرض – الطبعة الثالثة – دار الكتاب الحديث.

5- أحمد أبو الروس– الموسوعة الجنائية الحديثة (4) – طبع في سنة 1998 – المكتب الجامعي الحديث الأزاريطة الإسكندريـة.

- الفهــــــرس –

 

المقدمــــة...............................................................................................2

       

         * المبحث الأول: ماهيــــــة الإغتصــــاب ..............................................5

المطلب الأول: مفهوم جريمة الإغتصاب في القانون المقارن.......................................................6

أولا: مفهوم جريمة الإغتصاب في القانون الفرنسي..............................................................6

ثانيا: مفهوم جريمة الإغتصاب في القانون المصري...............................................................8

ثالثا: مفهوم جريمة الإغتصاب في القانون الدولي...............................................................11

المطلب الثاني: مفهوم جريمة الإغتصاب في القانون الجزائري....................................................13

 

        * المبحث الثاني: أركــان جريمـة الإغتصــاب...................................................17

المطلب الأول: الركن الـمـادي...........................................................................18

أولا: فعــل الـــــوطء............................................................................18

ثانيا: انعدام رضى المجني عليــه............................................................................21

ثالثا: الشروع في جريمة الاغتصاب...........................................................................26

رابعا: المساهمة في جريمة الاغتصاب..........................................................................30

المطلب الثاني: الركن الـمعنـوي...........................................................................31

أولا:القصد الجنائي العام.....................................................................................31

ثانيا: القصد الجنائي الخاص..................................................................................32

     

       *المبحث الثالث: طرق الإثبات والجزاء المقرر للجريمة  .............................................33 

المطلب الأول:وسائل إثبات جريمة الاغتصاب...............................................................34

أولا: البينـــــة.......................................................................................34

ثانيا: القرائــــن.......................................................................................34

ثالثا: التفتيـــش.........................................................................................34

رابعا: المعاينـــة.........................................................................................34

 

خامسا: الخبرة الطبيــة....................................................................................35

المطلب الثاني: الجزاء المقرر لجريمة الإغتصاب...............................................................37

أولا: عقوبــة الإغتصـــاب..........................................................................37

ثانيا: ظروف التشديد للإغتصاب............................................................................37

ثالثا: التعدد بين جريمة الإغتصاب والجرائم الأخرى........................................................39

.

الخاتمـــــــــة..................................................................................40

 

الـملحـــــــق...................................................................................41

 

الـمراجـــــــع..................................................................................42

 

الفهـــــــــرس................................................................................43

تعليقات