القائمة الرئيسية

الصفحات



العقوبات الشرعية لمروجي الخمر والمخدرات

العقوبات الشرعية لمروجي الخمر والمخدرات

العقوبات الشرعية لمروجي الخمر والمخدرات




العقوبات الشرعية لمروجي الخمر والمخدرات

سعد الدين مسعد أحمد هلال[1]

مجلة الشريعة والقانون ــ القاهرة


تمهيد:
         انتبه الفكر الغربي والشرقي الحديث إلى خطورة إدمان الخمر والمخدرات عندما طاح كثير من الشباب والفتيات بسبب تلك الخبائث، فراح ينادي بأشد العقوبات على المتسببين من مهربين وتجار ومساعديهم في ذلك الصنف، مدعين أن هؤلاء فقط هم الجناة، وأن المتعاطي هو المجني عليه والضحية البريئة لهم الذي يحتاج إلى السياسة والمداعبة والعلاج.
         وتحت تأثير الرعب من الخطر المحقق لتلك الظاهرة المدمرة لحياة الشباب والمهلكة للحرث والنسل، استصدرت بعض الحكومات بحماس وغيرة شديدين قوانين بعقوبة الإعدام للمروجين، وبعض آخر بعقوبة الأشغال الشاقة، وبعض ثالث بعقوبة متهاونة، وآخرون يدبرون للترويج، ويشنون حربا للقضاء على دول بعينها مستخدمين تلك الأسلحة الخفيفة الخبيثة.
         والمتتبع لموقف الشريعة الإسلامية من المتعاطي يرى أنها لم تسلمه من المسألة والعقاب بالجلد زجرا ونكالا في حال السكر، وما يراه الإمام مناسبا بالتعزير في حالة التخدير، وعلى المتعاطي لحماية نفسه من تلك العقوبة أن يقلع عن عادته الخبيثة ويسعى لعلاج نفسه.
         أما هذا المروج الفاسق[2]، الذي كان يد الشيطان ولسانه وسائر جوارحه في الترويج، فإننا نحاول أن نقف في هذا البحث ــ بإذن الله تعالى ــ على تلك العقوبات التي رصدها له الإسلام لردعه وزجر أمثاله، والذي أحب الإشارة إليه هنا أن تلك الأحكام ليست وليدة العصر، وإنما هي أحكام الله تعالى الثابتة المحكمة منذ استقرار التشريع الإسلامي ونزول قوله ــ تبارك تعالى ــ "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".[3]  
         ذلك أنه بمرور الزمن، وكثرة الاستحدثات سنظل نكتشف أن الإسلام هو الهداية الحقيقية للبشرية، وأنه ملئ بالأحكام التي ترعى مصالح البشر في كل مكان وأوان.
         ولما كان بعض المخدرات في الحقيقة سما قاتلا مهلكا، والمروج يقدمها في صورة عقاقير منشطة ومنعشة بزعم أنها تداوي أمراض النفس وهموم الحياة، وهو يعلم أثرها اللعين الذي ينتهي غالبا بالقتل بالسبب.
         وأيضا فإن الخمر والمخدرات من المحرمات التي يجب على كل مسلم أن يحافظ علي نفسه منها، لأن المجتمع المسلم مجتمع طاهر يحل ما أحل الله من الطيبات ويحرم ما حرم الله من الخبائث فإذا ظهر في هذا المجتمع النظيف من يدعو إلى الفساد بإتيان المحرمات فإنه يكون قد صال عليهم بحيله مما يستوجب على كل مسلم بصفة عامة وعلى إمام المسلمين بصفة خاصة أن يدفع هذا الصيال والاعتداء بما يقطع شره وأذاه، فنبحث في حكم الصيال.
         كما أن انتشار الخمر والمخدرات بين قطاع الشباب والفتيات في سن التكوين والإنتاج أكبر كارثة، وهو سبيل للدمار وتفشي الفساد. فالذين يروجون لتلك الخبائث هم أداة استباحة ما حرم الله ورسوله ووراء فساد الأمة في حكم الحرابة والإفساد.
         من هنا ينقسم هذا البحث إلى أربعة مباحث:
المبحث الأول: المروج والقتل.
المبحث الثاني: المروج والصيال.
المبحث الثالث: المروج والحرابة.
المبحث الرابع: خاتمة الفصل، (العقوبة الشرعية المناسبة للمروج).

المبحث الأولالمروج والقتل

         القتل[4]: هو إزهاق الروح، تقول: قتله قتلا: قضى على حياته، ويقال: قتل الخمر: مزجها بالماء ليكسر حدتها.
         وأجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق، وهو من الكبائر العظام، قال تعالى: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا"[5].
         قال تعالى: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان  من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ودية وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما، ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما".[6]
         وذهب جمهور الفقهاء إلى أن القتل أنواع ثلاثة[7]:
1-      قتل خطأ: وهو أن يحدث فعلا لا يريد به إصابة المقتول فيصيبه ويقتله، وهذا لا قصاص فيه، وعلى عاتقه الدية، وعليه الكفارة.
2-      قتل شبه عمد: وهو أن يقصد ضربه عدوانا أو تأديبا بما لا يقتل غالبا فيموت، وهذا أيضا لا قصاص فيه، وتجب فيه الدية، وجعله الإمام مالك عمدا موجبا للقصاص.
3-      قتل عمد: ويتحقق في صورتين:
الأولى: أن يضربه بسلاح مما يجرح ويقتل فيموت.
الثانية: القتل بغير السلاح مما يغلب على الظن حصول الزهوق به عند استعماله كالسم أو حمل مثقل حديد.
         وهذا مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة دون صاحبيه: العمد يتحقق في الصورة الأولى فقط أما القتل بمثقل والقتل بالسم فشبه عمد فيه الدية ولا قصاص إلا أن يتكرر فيقتل سياسة، والقتل العمد يوجب القصاص مع الإثم، سواء مات المقتول في الحال أو بسراية جراحه، إلا أن يحدث العفو من الأولياء أو يتصالحوا مع القاتل على مال فلا قصاص.
         قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شئ فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم، ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون".[8]
         وتصح توبة القاتل عمدا أي بعد عفو ولي الدم، لأن الكافر تصح توبته فهذا أولى، ولا يتحتم عذابه، بل هو في خطر المشيئة ويخلد عذابه إن عذب إلا إذا استحله وهو مذهب الشافعية، وعند المالكية قولان، لأن الصحابة اختلفوا في توبته ومن بعدهم[9] وعند الحنفية[10] لا تصح توبة القاتل حتى يسلم نفسه للقود، وأن أبرئ نفسه من القوة لا يبرأ عن الظلم والعدوان ديانة.
         وفي هذا المبحث أتكلم عن عشر مسائل تمس موضوع البحث، على أساس أن مروج بعض أنواع المخدرات الخطيرة والقاتلة يقدمها في صورة دواء ومنشطات لا في صورة سموم قاتلة، وكثيرا ما يقدم أصنافا تضر العقل وسائر منافعه أبلغ الضرر، ويتضح ذلك في التفصيل الآتي:

المسألة الأولى: عدم العفو في الغيلة:

         الغيلة والاغتيال[11]هي الفجاءة والغفلة، يقال: قتله غيلة أي: على غفلة منه.
يقول القاضي الباجي[12]: أصحابنا يوردوه على وجهين:
أحدهما: القتل على وجه التحيل والخديعة.
الثاني على وجه القصد الذي لا يجوز عليه الخطأ.
ومن صور قتل الغيلة: أن يخدع الجاني المجني عليه فيعطيه شمة قوية من (الهيروين) على غرة ليقتله.
         والقتل الغيلة قتل عمد فيه القصاص، ويحق لولي المجني عليه أن يعفو عن القصاص إلى الدية، فهذا حقه لا حق الحاكم.
         وهذا قول أبي حنيفة[13] والشافعي[14] وأحمد[15] وبه قال ابن المنذر[16].
         ودليلهم: قول الله تعالى: "فجعلنا لوليه سلطانا"[17]، ولأنه قتيل في غير المحاربة فكان أمره لوليه كسائر القتلى.
         وقال الإمام مالك[18]: الأمر عندنا أن يقتل به، وليس لولي الدم أن يعفو عنه، وذلك إلى السلطان.
         وحجة هذا القول: ما رواه مالك في الموطأ[19] عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب قتل نفر خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه قتل غيلة، وقال عمر: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به.
         وعند البخاري:[20]عن ابن عمر قال: قتل غلام غيلة، فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم به.
وللحديث قصة أخرجها الطحاوي والبيهقي عن ابن وهب قال[21]: حدثني جرير بن حازم أن المعيرة بن حكيم الصنعاني حدثه عن أبيه: "أن امرأة بصنعاء غاب عنها زوجها، وترك في حجرها ابنا له من غيرها يقال له: أصيل فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلا، فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله، فأبى، فامتنعت منه فطاوعها، فاجتمع على قتل الغلام: الرجل ورجل آخر والمرأة وخادمها فقتلوه، ثم قطعوه أعضاء وجعلوه في عية ــ بفتح العين وسكون الياء: وعاء من آدم ــ وطرحوه في ركية ــ بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء: البئر لم تطو ــ في ناحية القرية ليس فيها ماء ــ وذكر القصة وفيها ــ فأخذ خليلها فاعترف ثم اعترف الباقون فكتب يعلي وهو يومئذ أمير بشأنهم إلى عمر ــ رضي الله عنه ــ فكتب عمر بقتلهم جميعا وقال والله لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله لقتلتهم أجمعين.
         ولأن قتل الغيلة يشبه الحرابة فيأخذ حكمها.
         قلت: وقول الإمام مالك هو الأولى بالترجيح حتى لا يتغالب القاتل على أهل المجني عليه ويطلب منهم العفو أو يصالحهم على الدية وتقوى شوكته ويعظم خطره، ولعل هذا من باب قتل السياسة الذي قال به أبو حنيفة في شبه العمد.
         والسلطان في الآية هو حق طلب القصاص بدليل بقية الآية "فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا" أي لا يزيد عن حقه في القصاص، فإن عفي حق للإمام أن يعترض لأنه الولي العام للمسلمين وقياس قاتل غيلة على المحارب أولى لخطره.

المسألة الثانية:
         القتل بالسبب: يكون بغير مباشرة، مثل: أن يحفر بئرا في غير ملكه ليهلك فيه الناس، أو يحبس شخصا ويمنعه الطعام والشراب أو أحدهما حتى يموت، أو يقتله بالدخان بأن يحبسه في بيت وسد منافذه فاجتمع عليه الدخان فضاق نفسه فمات أو أن يسقيه سما مكرها فيموت[22].
         قلت: أو يطرح في الأسواق كميات من الأطعمة والمشروبات والأدوية السامة القاتلة ليهلك بها الناس بعد شرائها بأنفسهم، ودون أن يقوم القاتل بإطعامهم أو سقيهم مباشرة.
         فمن تسبب في قتل غيره هل يعتبر قتله هذا عمدا يوجب القصاص أم شبه عمد يوجب الدية لا القصاص؟
         ذهب أبو حنيفة[23] إلى أن القتل بالسبب لا يكون عمدا، وبذلك لا يثبت القصاص ولكن تجب الدية على العاقلة، لكن إن تكرر منه ذلك فللإمام قتله سياسة، لأنه سعى في الأرض بالفساد، أو أن يكون قتله بالنار، وهو قول الحسن والشعبي، وقال ابن المسيب وعطاء وطاوس: العمد ما كان بالسلاح[24].
         وحجة أبي حنيفة: أن القصاص يتعلق بالعمد المحض، وهو أن تقتل بآلة جارحة تعمل في نقض البنية ظاهرا وباطنا، ولم يوجد والقود يستوفي بالسيف وفيه جرح الظاهر والباطن، فلا يتماثلان.
         وذهب جمهور الفقهاء إلى أن القتل بالسبب يوجب القصاص كالقتل بالمباشرة، وهو قول أبي يوسف ومحمد من الحنفية[25]، والمالكية[26] والشافعية[27]، والحنابلة[28]، وبه قال النخعي والزهري وابن سيرين وحماد وعمرو بن دينار وابن أبي ليلى، وإسحاق، وبهذا قضى شريح، كما روى ذلك عن علي[29].
         ويجب القصاص في القتل بالسبب عند الجمهور سواء كان السبب شرعيا كشهادة الزور فيما يوجب القتل، أو كان السبب حسيا كالإكراه على القتل، لأن كل هذا يؤثر في الهلاك.
         قلت: ويمكن الجواب عن قول أبي حنيفة بأنه لا يشترط لوجوب القصاص أن يكون القاتل موافقا لصورة القصاص، لأن القتل اعتداء مقصود منه إزهاق الروح مع الإيلام، أما القصاص فهو حق شرعي مقصوده الزجر لحماية الناس، كما أن السبب من فعل المسبب فيكون كالمباشرة.

المسألة الثالثة:
         إن خلط السم بطعام وقدمه للمجني عليه:
         إن خلط الجاني السم بالطعام وقدمه إلى المجني عليه كطعام وأخذ ثمنه، أو خلط السم بطعام رجل ليقتله دون علمه، فأكله ومات ضمن قيمة الطعام لأنه أتلفه بالسم، والقود من الجاني على مذهبين، وكذلك لو قدمه إليه وضيفه به فأكله ومات، ورد البغوي القولين فيما لو قال: كل، وفيه شئ من السم، لكنه لا يضرك، وفيما إذا جعل السم في جرة ماء على الطريق فشرب منه ومات[30].

المذهب الأول:

         أنه قتل العمد يوجب القصاص.
         وهو قول المالكية[31] والحنابلة[32] وأحد قولي الشافعي[33] واستدل أصحاب هذا المذهب بالسنة والمعقول.
1- أما السنة:
         فخبر اليهودية[34]: التي أتت النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ بشاة مسمومة فأكل منها، فإن أبا سلمة قال فيه: فمات بشر بن البراء بن معرور فأمر بها النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ فقتلت.
         قال ابن القيم الجوزية[35]: فيه دليل على أن من قدم لغيره طعاما مسموما يعلم به دون أكله فمات به أقيد منه، ولا ينافي هذا ما في الصحيحين أنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ عفا عنها، لأن ذلك كان في الابتداء، فلما مات بشر أمر بقتلها.
         قال القاضي عياض[36]: اختلف الآثار والعلماء هل قتلها النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ أم لا؟ فوقع في صحيح مسلم أنهم قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا. ومثله عن أبي هريرة وجابر.
         وعن جابر من رواية أبي سلمة أنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ قتلها، وفي رواية ابن عباس أنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ دفعها إلى أولياء بشر بن البراء، وكان أكل منها، فمات بها، فقتلوها وقال بن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ قتلها.
         قال القاضي: وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها أولا حين اطلع على سمها، وقيل له: اقتلها، فقال: لا، فلما مات بشر بن البراء من ذلك سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصا، فيصح قولهم لم يقتلها، أي: في الحال، ويصح قولهم: قتلها، أي: بعد ذلك.

2- أما المعقول:
         فإن السم وأمثاله يقتل غالبا، ويتخذ طريقا إلى القتل كثيرا، فأوجب القصاص كما لو أكرهه على شربه، أو كالقتل بالسلاح.
         ولأنه ألجأه إلى ذلك، وتسبب به فكان كما لو باشر القتل بنفسه.

المذهب الثاني:
         أنه لا يدخل مع القتل العمد وعليه فلا قصاص وتجب الدية وهو مذهب الحنفية[37] مطلقا والقول الثاني للشافعي إذا كان المقتول بالغا عاقلا، أما إذا كان صبيا أو مجنونا فيلزمه القصاص وفي حكمهما الأعجمي الذي يعتقد أنه لابد من الطاعة في كل ما يشار عليه به، ولا فرق بين الصبي المميز وغيره[38].

ودليل هذا المذهب السنة والمعقول:
1- أما دليل السنة:
         فما رواه أنس بن مالك[39] أن يهودية أتت النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ بشاة مسمومة فأكل منها النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ وجيئ بها إلى رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ فسألها عن ذلك فقالت: أردت لأقتلك، قال: ما كان الله ليسلطك على ذاك، قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم.
2- أما المعقول:
         فلأن المجني عليه أكل الطعام المسموم باختياره، فأشبه لو قدم إليه سكينا فطعن بها نفسه.
         وإذا لم يجب القود فقد وجبت الدية لتعديه، وقيل: لا تجب[40].
         أجاب ابن قدامة على هذا الدليل بما يأتي:[41]
أولا: حديث أنس لم يذكر فيه أن أحدا مات منه، ولا يجب القصاص إلا أن يقتل به ويجوز أن يكون النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ لم يقتلها قبل أن يموت بشر بن البراء، فلما مات أرسل إليها النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ فسألها فاعترفت فقتلها، فنقل أنس صدر القصة دون آخرها، ويتعين حمله عليه جمع بين الخبرين.
         ويجوز أن يترك قتلها لكونها ما قصدت بشر بن البراء، إنما قصدت قتل النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ، فاختل العمد بالنسبة لبشر.
         وقال الخطيب الشربيني[42] نقلا عما في "البحر". والاستدلال بذلك ــ أي بالحديث ــ ضعيف، لأنها لم تقد الشاة إلى الأضياف بل بعثتها إليه ــ صلى الله عليه وسلم ــ وهو أضاف أصحابه وما هذا سبيله لا يلزمه القصاص.
         ثانيا: تقديم الطعام المسموم يخالف تقديم السكين؛ لأنها لا تقدم إلى إنسان ليقتل بها نفسه، إنما تقدم إليه لينتفع بها وهو عالم بمضرتها ونفعه، فأشبه ما لو قدم إليه السم وهو عالم به.
         قلت: وبهذه الإجابة تتضح قوة دليل القائلين بوجوب القصاص، وهو ما نرجحه، لحماية أرواح الأبرياء، بعد ظهور وانتشار سموم العصر، وتقديمها كعلاج للمرض النفسي، أو الراغبين في اليقظة والانتعاش، وهي في الحقيقة سموم قاتلة، موجهة للقضاء على المسلمين.
         وتحت تأثير الرغبة في الهروب من مشاكل الواقع يقبل المجني عليه جرعة من تلك السموم فتكون بداية النهاية.

المسألة الرابعة:
إن أخبر المجني عليه بأن الطعام مسموم:
         إن خلط الجاني السم بطعام المجني عليه، أو قدم إليه طعاما مسموما وأخبره في الحالين أن الطعام مسموم، ومع ذلك أكله المجني عليه ومات.
         فإن كان صبيا أو مجنونا لزمه القصاص، أما إن كان بالغا عاقلا فلا ضمان على واضع السم، لأنه أخبره وأعلمه بضرره وهلاكه فإذا أكله المجني عليه بعد علمه بحاله، كان قاتل نفسه، لا يضمنه أحد، وهو أشبه بما لو قدم إليه سكينا فوجأ بها نفسه.[43]
         ولو قال العاقل[44]: كل هذا الطعام وفيه سم، فأكله فمات فلا قصاص ولا دية، كما نص عليه الشافعي، وجزم به الماوردي.
         قلت: هذا، إذا لم يكن هناك إكراه على المجني عليه وأكله مختارا عالما بسمه.

المسألة الخامسة:
         إن خلط السم بطعام نفسه ولم يقدمه إلى المجني عليه:
         إن خلط الجاني السم بطعامه أو كان محتفظا بالسم لاستعماله الشخصي، فدخل المجني عليه منزله، فأكله ومات، فلا ضمان على صاحب الطعام ولا على عاقلته، لأنه لم يفعله ولم يقدمه، وإنما الداخل الطاعم هو الذي قتل نفسه، فأشبه ما لو حفر في داره بئرا فدخل رجل فوقع فيها، وسواء قصد بذلك قتل الداخل مثل أن يعلم أن ظالما يريد هجوم داره فترك السم في الطعام ليقتله فهو كما لو حفر بئرا في داره ليقع فيها اللص إذا دخل ليسرق منها.
         ولو دخل رجل بإذنه فأكل الطعام المسموم بغير إذنه لم يضمنه لذلك[45] فإن كان الرجل ممن يدخل داره، ويأكل انبساطا فهل يجري القولان في القصاص أم يقع بنفيه؟ طريقان[46].

المسألة السادسة:
         السم الضعيف الذي لا يقتل غالبا:
         إن سقى الجاني إنسانا سما ضعيفا لا يقتل غالبا، أو قدمه له في طعام فأكله ومات.
         فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم القصاص لأنه شبه عمد.
وهو عمد فيما دون النفس، في حال ما إذا هلك عضو، لأن لإتلاف النفس يختلف باختلاف الآية، وما دونها لا يختص بآلة دون آلة فبقي المعتبر تعمد الضرب. وقد وجد فكان عمدا.[47]
         وموجب شبه العمد: الإثم والكفارة والدية مغلظة على العاقلة، وحكى ابن كج قولا[48]: إنه يجب القصاص، لأن للسم نكاية في الباطن كالجرح.
         وعلى قول الجمهور: لو كان السم لا يقتل غالبا، لكن أوجره  ضعيفا بمرض أو غيره، ومثله يقتل مثله غالبا، وجب القصاص.
         وإذا جرحه جراحة مهلكة فلم يعالجها المجروح حتى مات، وجب القصاص على الجارح، لأن مجرد الجراحة مهلك[49].
         قلت: ويجري هذا فيما لو سقاه سما فلم يعالج نفسه حتى مات.

القتل سياسة في شبه العمد:

         عند الحنفية متى تكرر شبه العمد، فللإمام أن يقتله سياسة، لما أظهره من فساد. ولما رواه أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ [50] أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين فسألوها: من صنع بك هذا؟ فلان، حتى ذكروا يهوديا، فأومأت برأسها، فأخذ اليهودي، فأقر، فأمر رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ أن يرض بين حجرين.
         ووجه الاستدلال من هذا الحديث: أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قتل هذا اليهودي قتل سياسة لما روي أنه كان اعتاد ذلك[51].
         والقتل بمثقل عند أبي حنيفة لا يكون عمدا موجبا القصاص، لأنه قتل بما لا يفرق الأجزاء خلافا لأبي يوسف ومحمد وجمهور الفقهاء، كما سبق بيانه.
         يقول صاحب "الاختيار"[52]: ولا قصاص في التخنيق والتغريق خلافا لهما، وهي مسألة القتل بالمثقل، فإن تكرر منه ذلك فللإمام قتله سياسة لأنه سعى في الأرض الفساد.
         ويقول صاحب "مجمع الأنهر"[53]: ومن خنق في المصر غير مرة، أي صار عادته، قتل بسبب ذلك سياسة، لأنه ذو فتنة، ساع في الأرض بالفساد، ويقتل دفعا لفتنته وشره عن العباد.

المسألة السابعة:
         الاختلاف في شدة السم أو العلم به:
         عن اختلف الساقي وأهل المجني عليه في تأثير السم في قتله نظرنا: فإن أتى ببينة تثبت قوله عمل بها.
         وإن قال أهل المعرفة: أن هذا القدر من السم يقتل النضو الضعيف دون القوي، أو غير هذا، عمل على حسب ذلك.
         فإن لم يكن مع أحدهما بينة فالقول قول الساقي، لأن الأصل عدم وجوب القصاص، فلا يثبت بالشك، ولأنه أعلم بصفة ما سقى.[54]
         أما إن ثبت أن السم الذي سقاه المجني عليه قاتل، وادعى الجاني أنه لم يكن يعلم تأثيره بالموت، وقال: لم أعلم أنه سم، أو لم أعلم أنه يقتل غالبا، فهل يصدق في ادعائه، قولان عند الشافعية[55]، ووجهان عند الحنابلة[56].
         الأول: لا يقبل قوله، وعليه القود، لأن السم من جنس ما يقتل به غالبا، فأشبه ما لو جرحه وقال لم أعلم أنه يموت منه.
         الثاني: لا قود عليه، لأنه يجوز أن يخفي عليه أنه قاتل، وهذه شبهة يسقط بها القود.
         قلت: والوجه الثاني لا يصح، إلا أن يكون الساقي ممن يجهل مثله ذلك السم، ولا توجد دلائل تشير إلى اتهامه، كما أنه لا يقبل قول مدعي جهل السم فيما اشتهر من أصناف قاتله في هذا العصر، تحذرنا الهيئات الصحية منها، حتى أصبحت معلومة من الواقع بالضرورة.
         وقال الخطيب الشربيني[57]: والأوجه: ما قاله المتولي: أنه إن كان مما يخفى عليه ذلك صدق وإلا فلا.

المسألة الثامنة:
         القصاص من شريك قاتل نفسه:
         وصورة ذلك: أن يجرح نفسه عمدا ثم يجرحه غيره عمدا فيموت منهما، أو تعاطى سما ليموت ثم سقاه غيره سما آخر فيموت منهما.
         فهل يجب على المشارك له قصاص؟ قولان:
الأول: لا قصاص وعليه نصف الدية.
وهو قول الحنفية[58] وأحد قولين عند المالكية[59] والحنابلة[60] وحجة هذا القول: أنه شارك من لا يجب القصاص عليه، فلم يلزمه قصاص كشريك الخاطئ، ولأنه قتل تركب من موجب وغير موجب فلم يوجب كالقتل الحاصل من عمد وخطأ، إذا لم يجب على شريك الخاطئ وفعله مضمون فلأن لا يجب على شريك من لا يضمن فعله أولى.
الثاني: عليه القصاص.
         وهو مذهب الشافعية[61] وقول أبي بكر من الحنابلة، وروى عنه الإمام أحمد أنه قال: إذا جرحه رجل ثم جرح الرجل نفسه فمات فعلى شريكه القصاص، لأنه قتل عمد متمخض فوجب القصاص على الشريك فيه كشريك الأب.[62]
         وهذا القول، هو الأولى بالترجيح لأن الشريك قاتل بذاته، والمقتول حكمه إلى ربه في فعل نفسه.
         أما إن جرح الرجل نفسه خطأ كأن أراد ضرب جارحه فأصاب نفسه، أو خاط جرحه فصادف اللحم الحي، أو تناول دواء فوجده سما، فلا قصاص على شريكه في أصح الوجهين عند الحنابلة وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية.[63] يقول الإمام النووي[64]: إذا داوى المجروح نفسه بسم قاتل، بن شربه، أو وضعه على الجرح، فإن كان السم مذففا فالمجروح قاتل نفسه، وليس على الجارح قصاص في النفس، وإنما عليه أرش جراحته، أو القصاص إن تعلق بها قصاص طرف.
         وإن كان السم مما لا يقتل غالبا: فالجارح شريك لصاحب شبه عمد، فلا قصاص عليه في النفس، بل عليه نصف الدية المغلظة، أو القصاص في الطرف إن اقتضته.
         وإن كان السم قاتلا غالبا: فإن لم يعلم المجروح ذلك، فهو كالحالة الثانية، وإن علمه: ففي وجوب القصاص على الجارح طريقان، أصحهما أنه كشريك جارح نفسه، والثاني: لا يجب قطعا، لأنه شريك مخطئ لكونه قصد التداوي لا الإهلاك.

المسألة التاسعة:
         صفة القصاص في حال القتل بالخمر والمخدرات:
         إذا تم القتل بالتغريق، أو بالضرب بالحجارة، أو بسقي السم، أو بكثرة اللواط والزنا، أو بإيجار الخمر، فهل يقتص منه بنفس الصفة؟:
         ذهب جمهور الفقهاء[65] إلى أن وسيلة القتل إن لم تكن محرمة لعينها، فالواجب أن يتم القود بنفس الصفة كالتغريق وسقى السم وغيرهما، لقوله تعالى: "فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"[66] وبما أخرجه البيهقي من حديث البراء عنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ: "من غرض غرضنا له ومن حرق حرقناه ومن غرق غرقناه" يقول الصنعاني[67]: "أي من اتخذه غرضا للسهام وبقصة اليهودي رض رأس جارية بين حجرين فأمر النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ أن يصنع به ذلك.
         أما إذا قتله بمحرم لا يجوز فعله كاللواط وشرب الخمر فقد اختلف الفقهاء على قولين:
         الأول: يكون القود بما يشبه ذلك مما لا يحرم في ذاته ففيمن قتله باللواط وتجريع الخمر، يكون القود بأن يدخل في دبره خشبة يقتله بها، ويجرعه الماء والخل حتى يموت لتتحقق المثلية في القصاص، وإن قتل بالسيف صح.
         قال تعالى: "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"[68]، ولأن المقصود من القصاص التشفي وهو لا يكمل إلا بالمثلية وهذا القول وجد عند الشافعية[69].
         الثاني: يكون القود بالسيف، ولا يجوز أن يكون بشئ من هذا المحرم، وهو مذهب المالكية والحنابلة والأصح عند الشافعية.
         وحجة هذا القول: أن اللواط والخمر والزنا محرم لعينه، فوجب العدول عنه إلى القتل بالسيف كما لو قتله بالسحر، ومذهب الحنفية[70] أنه لا يجوز القصاص بحال إلا بالسيف سواء كانت أداة ووسيلة القتل محرمة بعينها أو لا.
         وحجتهم: ما أخرجه البزار وابن عدي ــ من حديث أبي بكرة[71] عنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ أنه قال: "لا قود إلا بالسيف" قال صاحب "مجمع الأنهر"[72]: والمراد به: السلاح.
         وبالنهي عن المثلة فيما رواه شداد بن أوس قال:[73] قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ "إن الله كتب الإحسان في كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته؟
         وقد أجاب الصنعاني عن هذين الدليلين بما يأتي[74]:
1-      حديث أبي بكرة ضعيف، قال ابن عدي: طرقه كلها ضعيفة.
2-      حديث شداد الناهي من المثلة مخصوص بما ذكره ــ أي من أدلة الجمهور.
قلت: والأولى بالترجيح قول الجمهور بأن يكون القود بمثل م كان من اعتداء، إلا أن يكون محرما فيكون بالسيف لأنه الأصل.  
المسألة العاشرة:
         إزالة المنافع:
         والمقصود بإزالة المنافع ثلاثة عشر شيئا هي[75]: العقل، والسمع، والبصر، والشم، والنطق، والصوت، والذوق، والمضغ، والإمناء، الإحبال، والجماع، وإفضاء المرأة والبطش، والمشي.
         وتجب الدية كاملة بإزالة منفعة واحدة مما سبق، وتتعدد الديات بتعدد المنافع، لأن كل واحد منها منفعة مقصودة.
         وقد روي[76] أن عمر ــ رضي الله تعالى عنه ــ قضى لرجل على رجل بأربع ديات بضربة واحدة وقعت على رأسه فذهب عقله وسمعه وبصره وكلامه.
         وكل عضو ذهب نفعه ففيه الدية وإن كان قائما، لأن وجوب الدية يتعلق بتفويت جنس المنفعة ولا عبرة للصورة بلا منفعة لكونها تابعة، وفي إزالة بعض منفعة قدره من الدية وعند محمد بن الحسن[77] تجب أجرة الطبيب وثمن الأدوية.      
         وأذكر هنا قول الفقهاء في إزالة العقل والمنافع الجنسية، لأنها أكثر تأثرا بالخمور والمخدرات، وسائر المنافع مثلها.

أولا: إزالة العقل:
         يقول صاحب "مجمع الأنهر"[78]: وفي العقل الدية إذا ذهب بالضرب لفوات منفعة الإدراك، لأن الإنسان بالعقل يمتاز عن غيره من الحيوان وبه ينتفع في معاذه ومعاشه.
         وعلى هامش "مجمع الأنهر" يقول صاحب بدر المتقي" العقل وهو نور يبصر به الإنسان عواقب الأمور.
         ويقول القاضي الباجي[79]: العقل يذهب بعضه فإن الدية تسقط على ذلك بحسب الاجتهاد، لأنه منفعة بخلاف الجوارح فإن الدية تسقط على عددها دون منافعها.
         ويقول الإمام النووي[80]: تجب بإزالة العقل كمال الدية، ولا يجب فيه قصاص لعدم الإمكان، ولو نقص عقله، ولم تستقم أحواله، نظر: إن أمكن الضبط، وجب قسط الزائل، والضبط قد يأتي بالزمان بأن يجن يوما، ويفيق يوما، فتجب نصف الدية، أو يوما ويفيق يومين فيجب الثلث، وقد يأتي بغير الزمان بأن يقابل صواب قوله ومنظوم فعله بالخطأ المطروح منهما، وتعرف النسبة بينهما، فيجب قسط الزائل.
         وإن لم يمكن الضبط، بأن كان يفزع أحيانا مما يفزع، أو يستوحش إذا خلا، وجبت حكومة يقدرها الحاكم باجتهاده، وذكر المتولي: أن الدية إنما تجب عند تحقق الزوال، بأن يقول أهل الخبرة: لا يزول العارض الحادث، أما إذا توقعوا زواله، فيتوقف ي الدية، فإن مات قبل الاستقامة، ففي الدية وجهان، كما لو قطع سن مثغور، فمات قبل عودها.
         ويقول ابن قدامة[81]: في ذهاب العقل الدية، لا نعلم في هذا خلافا، وقد روي عن عمر وزيد ــ رضي الله عنهما ــ وإليه ذهب من بلغنا قوله من الفقهاء، وفي كتاب النبي ــ صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم "وفي العقل الدية"، ولأنه أكبر المعاني قدرا وأعظم الحواس نفعا فإن به يتميز من البهيمة، ويعرف به حقائق المعلومات، ويهتدي إلى مصالحه، ويتقي ما يضره، ويدخل به في التكليف، وهو شرط في ثبوت الولايات، وصحة التصرفات، وأداء العبادات، فكان بإيجاب الدية أحق من بقية الحواس، فإن نقص عقله نقصا معلوما مثل أن صار يجن يوما ويفيق يوما فعليه من الدية بقدر ذلك، لأن ما وجب فيه الدية وجب بعضها في بعضه بقدره كالأصابع، وإن لم يعلم مثل أن صار مدهوشا أو يفزع مما لا يفزع منه، ويستوحش إذا خلا، فهذا لا يمكن تقديره فتجب فيه الحكومة.

ثانيا: ذهاب المنافع الجنسية:
         يقول الإمام النووي[82]: إذا كسر صلبه، فأبطل قوة إمنائه، وجب كمال الدية ولو قطع أنثييه، فذهب ماؤه، لزمه ديتان، كذا لو أبطل من امرأة قوة الإحبال لزمه ديتها ولو جنى على ثديها، فانقطع لبنها، لزمه حكومة، فإن نقص وجبت حكومة تليق به.
         ولو جنى على صلبه، فذهب جماعه، وجبت الدية، لأن المجامعة من المنافع المقصودة عليه بيمينه، لأنه لا يعرف إلا منه، ثم إنهم صوروا ذهاب الجماع فيما إذا لم ينقطع ماؤه وبقي ذكره سليما، وذكروا أنه لو كسر صلبه وأشل ذكره، فعليه دية الذكر وحكومة لكسر الصلب، وإذا كان الذكر سليما، كان الشخص قادرا على الجماع حسا، فأشعر ذلك بأنهم أرادوا بذهاب الجماع والرغبة فيه، ولذلك صور الإمام ــ أي الرافعي ــ والغزالي المسألة في إبطال شهوة الجماع مع أن الإمام استبعد ذهاب الشهوة مع بقاء المني.
المبحث الثاني:
المروج والصيال

تعريف الصيال:
         في اللغة: صال عليه[83] صولا، وصولانا: سطا عليه ليقهره.
صاوله مصاولة وصيالا: غالبه ونافسه في الصول. تصاولا: تنافسا في الصول. الصولة: السطوة في الحرب ونحوها. ويقال هو ذو صولة مقدام.
         والصيال في الاصطلاح: هو فعل الصائل في محل معين (المصول عليه).
         وقد أوجز ابن قدامة تعريفه فقال[84]: كل من عرض لإنسان يريد ماله أو نفسه، أما الإمام النووي فقد فصل التعريف ببيان أركانه (الصائل والمصول عليه) فقال[85]: الصائل هو كل قاصد مسلم وذمي، وعبد وحر، وصبي، ومجنون، وبهيمة. والمصول عليه هو: كل معصوم من النفس، والطرف ومنفعته والبضع ومقدماته، والمال. وحكى الإمام أبو القاسم الرافعي قولا قديما أنه لا يجوز الدفع عن المال إذا لم يحصل الدفع إلا بقتل، وقطع طرف، والمشهور: الأول: وبه قطع الجمهور.
         فإن عرض الصائل وقصد المصول عليه مما ذكر جاز دفعه بما يرده، ولا ضمان فيه لا بقصاص ولا بدية ولا بكفارة ولا بقيمة.
         يقول الصنعاني[86]: إن علما الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره، فلا يجوز دفاعه عن أخذ المال ويجب الدفع عن البضع لأنه لا سبيل إلى إباحته.

بين المروج والصائل:
         المروج للخمور والمخدرات ــ سواء كان هو المنتج أو الجالب أو الموزع في دار الإسلام هو في الحقيقة صائل على المسلمين لأنه قصدهم وتعرض لهم يريد الفتك بعقولهم وأبدانهم وأموالهم وإفساد دينهم.
         وقد رتب الشارع أحكاما تتعلق بدفع هذا الصائل الخطر، وفي هذا المبحث أتكلم عن بعض تلك الأحكام التي تتعلق بموضوع البحث فأبين مشروعية الدفع وحكمه، ومن له حق الدفع، وكيفيته، كما أبين حكم رميه قبل إنذاره وأخيرا أبين هدر الصائل وضمانه.
أولا: مشروعية دفع الصائل:
         ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز ومشروعية دفع الصائل[87] استدلالا بالكتاب والسنة والمأثور والمعقول.
1-      أما دليل الكتاب: فقوله تعالى: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم".[88]
ووجه الاستدلال من هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى أذن لمن يعتدى عليه أن يرد هذا الاعتداء بمثله، وتسمية دفع الاعتداء اعتداء من باب المشاكلة.
وقال الله تعالى: "وجزاء سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين، ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل".[89]
         يقول ابن كثير عن الآية الأولى أنه تعالى: شرع العدل وهو القصاص وندب إلى فعل الفضل وهو العفو[90].
         ويقول عن الآية الأخرى: أي ليس عليهم جناح في الانتصار ممن ظلمهم.
         وقال تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"[91] وفي ترك الصائل هلاك نهى الله عنه.
2-      وأما دليل السنة فأحاديث كثيرة منها ما روي عن سعيد بن زيد ــ رضي الله عنه ــ قال[92]: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ: "من قتل دون ماله فهو شهيد".
يقول الصنعاني في شرحه للحديث هو دليل على جواز الدفاع عن المال، وهو عام لقليل المال وكثيره.
     وعن أبي هريرة[93] ــ رضي الله عنه ــ: أنه جاء رجل إلى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ فقال: يا رسول الله: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟
قال: فلا تعطه.
قال فإن قاتلني؟
قال: فاقتله.
قال أرأيت إن قتلني؟
قال: فأنت شهيد.
قال: فإن قتلته؟
قال: فهو في النار.
         وأخرج أبو داوود وصححه الترمذي[94] عنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ: "من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد". وفي الصحيحين ذكر المال فقط.
         يقول الصنعاني بعد أن ذكر هذا الحديث: وجه الدلالة أنه لما جعله ــ صلى الله عليه وسلم شهيدا، دل على أن له القتل والقتال قال في "النجم الوهاج" ومحل ذلك: إذا لم يجد ملجأ كحصن ونحوه، أو لم يستطع الهرب، وإلا وجب عليه. يقول الصنعاني: قلت: لا أدري ما وجه وجوب الهرب عليه.
3- وأما المأثور: فقد روى الكثير عن السلف في هذا المعنى من ذلك[95]: 
ــ روي عن ابن عمر أنه رأى لصا فأصلت عليه السيف، قال: فلو تركناه لقتله.
ــ وجاء رجل إلى الحسن  فقال: لص دخل بيتي ومعه حديدة أقتله؟
قال: نعم، بأي قتلة قدرت أن تقتله.
ــ وقال عطاء في المحرم يلقى اللصوص قال: يقاتلهم أشد القتال.
ــ وقال ابن سيرين: ما أعلم أحدا ترك قتال الحرورية واللصوص تأثما إلا أن يجبن.
ــ وقال الصلت بن طريف: قلت للحسن: إني أحرج في هذه الوجوه، أخوف شئ عندي: يلقاني اللصوص يعرضون لي في مالي، فإن كففت يدي ذهبوا بمالي، وإن قاتلت اللص ففيه ما قد علمت؟
         قال: أي بني، من عرض لك في مالك "فإن قتلته فإلى النار، وإن قتلك فشهيد، ونحو ذلك عن أنس والشعبي والنخعي.
         ــ وقال أحمد في اللصوص يريدون نفسك ومالك: قاتلهم تمنع نفسك ومالك.
4- وأما المعقول: فإن الصائل يقوم بأعمال إجرامية منافية للدين والأخلاق فدفعه من باب رد المنكر، وقتله من باب الاضطرار كالمخمصة التي تبيح الميتة.
         قال الطبري[96]: إنكار المنكر واجب على من يقدر عليه، فمن أعان المحق أصاب، ومن أعان المبطل أخطأ.
         وذهب قليل من العلماء إلى عدم مشروعية الدفاع عن النفس إن كان الصائل مسلما ووجوبه إن كان كافرا.
         قال الصنعاني: في باب قتال الصائل ما نصه[97]: قال القرطبي ذهب سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وغيرهم إلى أنه يجب الكف عن المقاتلة، فمنهم من قال: إنه يجب عليه أن يلزم بيته، وقالت طائفة: يجب عليه التحول من بلد الفتنة أصلا، ومنهم من قال يترك المقاتلة، وهو قول الجمهور، وشذ من أوجبه حتى لو أراد أحدهم قتله لم يدفعه عن نفسه، ومنهم من قال: يدافع عن نفسه وعن أهله وعن ماله وهو معذور إن قتل أو قتل.
         قال الأوزاعي بالتفصيل: وهو أنه إذا كان القتال بين طائفتين لا إمام لهم فالقتال حينئذ ممنوع.
         ودليل من ذهب إلى عدم قتال الصائل المسلم السنة والمأثور والمعقول:
أ- أما دليل السنة: فما روي عن عبد الله بن خباب ــ رضي الله عنه ــ قال[98]: سمعت أبي يقول: سمعت ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول: "تكون فتن، فكن عبد الله المقتول ولا تكن القاتل". وأخرج أحمد من حديث ابن عمر بلفظ[99]: "ما يمنع أحدكم إذا جاء أحد يريد قتله أن يكون مثل ابني آدم القاتل في النار والمقتول في الجنة".
         قالوا هذا دليل على أنه لا يجب الدفاع عن النفس.
ب- وأما المأثور: فقد صح أن عثمان ــ رضي الله عنه ــ منع عبيده أن يدافعوا عنه وكانوا أربعمائة وقال: "من ألقى سلاحه فهو حر"[100].
ج- فإن في الموت شهادة، بخلاف ترك الأكل حتى الموت في المخمصة.

ويمكن الجواب عن دليل هذا القول بما يأتي:
1- حديث عبد الله بن خباب قال عنه الصنعاني[101]: قد أخرج من طرق كثيرة وفيها كلها راو لم يسم، وهو رجل من عبد القيس كان مع الخوارج ثم فارقهم.
         وسبب الحديث: أنه قال ذلك الرجل: إن الخوارج دخلوا قرية فخرج عبد الله بن خباب صاحب رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ذعرا يجر رداءه، فقال: والله أرعبتوني مرتين قالوا: أنت عبد الله بن خباب؟ قال: نعم، قالوا هل سمعت من أبيك شيئا تحدثنا به؟ قال: سمعته يحدث عن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ: "أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من الساعي فإن أدركك ذلك فكن عبد الله المقتول".
         قالوا: أنت سمعت هذا من أبيك يحدث عن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. فقدموه على ضفة النهر فضربوا عنقه وبقروا أم ولده عما في بطنها.
         وأما رواية الإمام أحمد ففيها علي بن زيد جدعان وفيه مقال، ولفظه عن خالد بن عرفطة "ستكون فتنة بعدي وأحداث واختلاف فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعل".
         2- إن صح الحديث فإنه وارد في الفتن الدينية القائمة على التأويل بهدف إخمادها لأن الضرر الأخص يقدم على الضرر الأعم، وليس واردا في غير المتأول، يقول الصنعاني في شرحه للحديث: والحديث دليل على ترك القتال عند ظهور الفتن والتحذير من الدخول فيها وقيل: إن النهي إنما هو في آخر الزمان حيث تكون المقاتلة لطلب الملك.
         وليس معنى ذلك عدم مشروعية الدفاع عن النفس في الفتن. يقول الصنعاني: وقوله: "إن استطعت" يدل على أنها لا تحرم المدافعة ــ أي على النفس ــ وأن النهي للتنزيه لا التحريم.
         قلت: ومحل نهي التنزيه إن اعتقد أن في عدم الدفاع عن النفس إخمادا لنار الفتنة بين المسلمين، أو الضعف عن القتال. يقول الصنعاني: ذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتلا الباغين، وحملوا هذه الأحاديث على من ضعف عن القتال أو قصر نظره عن معرفة الحق.
         3- وأما فعل عثمان بن عفان ــ رضي الله عنه ــ فلعله رأى بحنكته أن في وضع السيوف تهدئة للوضع وقتلا للفتنة، وإلا فإن قتال الباغي مشروع بنص القرآن الكريم.
         قال تعالى: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين"[102].
         4- وأما القول بأن في القتل شهادة فهو لا يمنع مشروعية الدفاع عن النفس، بل إن دفع الظالم رد للمنكر.
        
ثانيا: حكم دفع الصائل:
         إذا قلنا بمشروعية دفع الصائل كما هو قول جمهور الفقهاء فهل يجب أم يجوز الاستسلام وترك الدفع؟
         أجاب الإمام النووي عن هذا السؤال بالتفصيل الآتي[103]:
1-      إن قصد أخذ المال، أو إتلافه ولم يكن ذا روح: لم يجب الدفع، لأن إباحة المال جائزة وهو مذهب الحنابلة يقول ابن قدامة: فإن قيل فقد قلتم في المضطر إذا وجد ما يدفع به الضرورة لزمه الأكل منه في أحد الوجهين، فلم لم تقولوا ذلك هاهنا؟
قلنا: لأن الأكل يحيي به نفسه من غير تفويت نفس غيره، وها هنا في إحياء نفسه فوات نفس غيره، فلم يجب عليه.
     فأما إن أمكنه الهرب فهل يلزمه؟ وجهان: أحدهما: يلزمه لأنه أمكنه الدفع عن نفسه من غير ضرر يلحق غيره، فلزمه كالأكل في المخمصة.
     والثاني: لا يلزمه، لأنه دفع عن نفسه فلم يلزمه، كالدفع بالقتال[104].
         ويقول النووي[105]: لو قدر المصول عليه على الهرب، أو التحصن بموضع حصين، أو على الالتجاء إلى فئة هل يلزمه ذلك؟ أم له أن يثبت ويقاتل؟
فيه اختلاف وللأصحاب طريقان: أصحهما على قولين أظهرهما يجب الهرب، لأنه مأمور نفسه بالأهون.
         والطريق الثاني: حمل نص الهرب على من تيقن النجاة بالهرب، والآخر على من لم يتيقن.
         2- وإن قصد أهله: وجب عليه الدفع ما أمكنه، لأنه لا مجال فيه. وشرط البغوي للوجوب: أن لا يخاف على نفسه.
         يقول ابن قدامة: في المرأة: يجب عليها أن تدفع عن نفسها، إن أمكنها ذلك، لأن التمكين منها محرم، وفي ترك الدفع نوع تمكين[106].
         الأول: المصول عليه، وهو المقصود بالصيال، سواء كان مقصودا في نفسه، أو في عرضه، أو في ماله.
         يقول ابن قدامة[107]: إن الرجل إذا دخل منزل غيره بغير إذنه، فلصاحب الدار أمره بالخروج من منزله، سواء كان معه سلاح أو لم يكن، لأنه متعد بدخول ملك غيره، فكان لصاحب الدار مطالبته بترك التعدي، كما لو غضب منه شيئا.
         الثاني: كل أحد سوى المصول عليه.
         يقول الكمال بن الهمام[108]: وهذا لأنه من باب إزالة المنكر باليد، والشارع ولى كل أحد ذلك حيث قال[109]: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". بخلاف الحدود فإنها تثبت توليتها إلا للولاة، بخلاف التعزير الذي يجب حقا للعبد بالقذف ونحوه فإنه لتوقفه على الدعوى لا يقيمه إلا الحاكم إلا أن يحكما فيه.
         ويقول صاحب "مجمع الأنهر"[110]: ولو كان مع امرأته رجل، وهو يزني بها، أو مع محرمة، وهما مطاوعتان قتلهما جميعا مطلقا وعلى هذا المكابر بالظلم وقطاع الطريق، وصاحب المكس[111] وجميع الظلمة بأدنى شئ قيمة، وبقيمة كل مسلم حال مباشرة المعصية، وبعدها ليس ذلك لغير الحاكم.
         ويقول النووي[112]: ويجوز لغير المصول عليه الدفع، وله دفع مسلم صال على ذمي، وأب صال على ابنه، وسيد صال على عبده، لأنهم مظلمون.
         ولو وجده ينال من جاريته ما دون الفرج، فله دفعه، وإن أتى على نفسه، وللأجنبي دفعه كذلك حسبة.
         ويجوز أن يكون المدفوع عنه ملك القاصد، فمن رأى إنسانا يتلف مال نفسه، بأن يحرق كدسه[113]، ويغرق متاعه، جاز له دفعه. وإن كان حيوانا، بأن رآه يشدخ رأس حماره، وجب على الأجنبي دفعه على الأصح، وبه قطع البغوي، لحرمة الحيوان.
         ويقول ابن قدامة[114]: إذا صال على إنسان صائل يريد ماله أو نفسه ظلما، أو يريد امرأة ليزني بها، فلغير المصول عليه معونته في الدفع، ولو عرض اللصوص لقافلة، جاز لغير أهل القافلة الدفع عنهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ــ قال[115]: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" وفي حديث[116]: "إن المؤمنين يتعاونون على الفتان"، ولأنه لولا التعاون لذهبت أموال الناس وأنفسهم لأن قطاع الطريق إذا انفردوا بأخذ مال إنسان لم يعنه غيره، فإنهم يأخذون أموال الكل واحدا واحدا، وكذلك غيرهم.
         فرع: إذا قلنا بجواز دفع الأجنبي غير المصول عليه الصيال، فهل يجب أم يستحب؟
         يقول الإمام النووي[117]: هل يجب الدفع عن الغير؟ فيه ثلاث طرق
أصحها: أنه كالدفع عن نفسه، فيجب حيث يجب، ولا يجب حيث لا يجب.
الثاني: القطع بالوجوب، لأن له الإيثار بحق نفسه دون غيره.
والثالث: ونسبه[118] الإمام إلى الأصوليين: القطع بالمنع، لأن شهر السلاح يحرك الفتن، وليس ذلك من شأن أحاد الناس. إنما هو وظيفة الإمام.
وعلى هذا هل يحرم أم يجوز؟
فيه خلاف عنهم، فإن أوجبنا، فذلك إذا لم يخف على نفسه. ثم قال الإمام: الخلاف في أن آحاد الناس هل لهم شهر السلاح حسبة لا يختص بالصيال، بل من أقدم على محرم من شرب خمر أو غيره. هل لآحاد الناس منعه بما يجرح ويأتي على النفس؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم نهيا عن المنكر، ومنعا من المعصية.
والثاني: لا، خوفا من الفتن.
         ونسب الثاني: إلى الأصوليين، والأول: إلى الفقهاء وهو الموجود للأصحاب في كتب المذهب، حتى قال الفوراني والبغوي والروياني وغيرهم: من علم خمرا في بيت رجل، أو طنبورا، وعلم شربه، أو ضربه، فله أن يهجم على صاحب البيت ويريق الخمر، ويفصل الطنبور، ويمنع أهل الدار الشرب والضرب.
         فإن لم ينتهوا، فله قتالهم، وإن أتى القتال عليهم، وهو مثاب على ذلك.
         وفي تعليق الشيخ إبراهيم المروزي: أن من رآه مكبا على معصية من زنى أو شرب خمر، أو رآه يشدخ شاة أو عبدا فله دفعه وإن أتى الدفع عليه، فلا ضمان.

رابعا كيفية دفع الصائل:
         يقول  الكمال بن الهمام[119] سئل أبو جعفر الهنداوي عمن وجد رجلا مع امرأة أيحل له قتله؟ قال: إن كان يعلم أنه ينزجر عن الزنا بالصياح والضرب بما دون السلاح لا يقتله، وإن علم أنه لا ينزجر إلا بالقتل حل له قتله، وإن طاوعته المرأة يحل قتلها أيضا.
         ويقول الإمام النووي[120]: يجب على المصول عليه التدريج والدفع بالأهون فالأهون.
         فإن أمكنه الدفع بالكلام، أو الصياح، أو الاستغاثة بالناس، لم يكن له الضرب، وكذا لو اندفع شره بأن وقع في ماء أو نار أو انكسرت رجله لم يضربه وكذا لو حال بينهما جدر أو خندق أو نهر عظم، فإن حال نهر صغير وغلب على ظنه أنه إن عبر النهر عليه، قال ابن الصباغ: فله رميه ومنعه العبور.
         أما إذا لم يندفع الصائل إلا بالضرب، فله الضرب، ويراعي فيه الترتيب، فإن أمكن باليد، لم يضرب بسوط، وإن أمكن بسوط، لم يجز بالعصا، ولو أمكن بقطع عضو، لم يجز إهلاكه.
         ومتى غلب على ظنه أن الذي أقبل عليه بالسيف يقصده، فله دفعه بما يمكنه، وإن لم يضربه المقبل.
         ولو كان الصائل يندفع بالسوط والعصا، ولم يجد المصول عليه إلا سيفا أو سكينا، فالصحيح أن له الضرب به، لأنه لا يمكنه الدفع إلا به، ولا يمكن نسبته إلى التقصير بترك استصحاب سوط.
         والمعتبر في حق كل شخص حاجته، ولذلك نقول: الحاذق الذي يحسن الدفع بأطراف السيف من غير جرح يضمن إن جرح.
         ولو عض شخص يده، أو عضوا آخر، فليخلصه بأيسر الممكن، فإن أمكن رفع لحييه، وتخليص ما عضه، فعل، وإلا ضرب شدقه ليدعه، فإن لم يمكنه رسل يده، فسقطت أسنانه، فلا ضمان.
         وسواء كان العاض ظالما أو مظلوما، لن العض لا يجوز بحال، ومتى أمكنه التخلص بضرب فمه، ولا يجوز العدول إلى غيره، فإن لم يمكنه إلا بعضو آخر، بأن يبعج بطنه، أو يفقأ عينه، أو يعصر خصيتيه، فله ذلك على الصحيح، وقيل: ليس له قصد عضو آخر.
         وإذا وجد رجلا يزني بامرأته أو غيرها، لزمه منعه ودفعه، فإن هلك في الدفع، فلا شئ عليه، وإن اندفع بضرب غيره ثم قتله، لزمه القصاص إن لم يكن الزاني محصنا، فإن كان، فلا قصاص على الصحيح.
         ويقول ابن قدامة[121]: إن أمكن إزالة العدوان بغير القتل لم يجز القتل، كما لو غضب شيئا، فأمكن أخذه بغير القتل.
         فإن اندفع الصائل بقليل ــ أي من الضرب ــ فلا حاجة إلى أكثر منه، فإن علم أنه يخرج بالعصا لم يكن له ضربه بالحديد، لأن الحديد آلة للقتل بخلاف العصا، وإن ذهب موليا، لم يكن له قتله ولا اتباعه كأهل البغي.
         وكل من عرض لإنسان يريد ماله أو نفسه، فحكمه ما ذكرنا في دفعهم بأسهل ما يمكن دفعهم به.
         وإذا وجد رجلا يزني بامرأة فقتله، فلا قصاص عليه ولا دية، لما روي عن عمر ــ رضي الله عنه ــ بينما هو يتغذى يوما، إذا أقبل رجل يعدو ومعه سيف مجرد ملطخ بالدم، فجاء حتى قعد مع عمر فجعل يأكل.
         وأقبل جماعة من الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين: إن هذا قتل صاحبنا مع امرأته.
         فقال عمر: ما يقول هؤلاء؟
         قال: ضرب الآخر فخذي امرأته بالسيف، فإن كان بينهما أحد فقد قتله.
         فقال لهم عمر: ما يقول؟
         قالوا: ضرب بسيفه فقطع فخذي امرأته، فأصاب وسط الرجل فقطعه باثنين.
         فقال عمر: إن عادوا فعد.
         رواه هشيم عن مغيرة عن إبراهيم، أخرجه سعيد، وإذا كانت المرأة مطاوعة فلا ضمان عليه فيها، وإن كانت مكرهة فعليه الضمان.
         وليس لصاحب الدار رمي الناظر ــ أي إلى بيته من ثقب أو شق باب ــ بما يقتله ابتداء، فإن لم يندفع المطلع برميه بالشئ اليسير، جاز رميه بأكثر منه حتى يأتي ذلك على نفسه، وسواء كان الناظر في الطريق أو ملك نفسه أو غير ذلك.
         وروي عن ابن عمر والحسن في مسألة دخول اللص البيت جواز مبادرته بالقتل دون تدرج، لكن ابن قدامة قال: يحمل ذلك على قصد الترهيب[122].

خامسا: حكم رمي الصائل قبل إنذاره:
         في مسألة النظر من ثقب الباب، يقول الإمام النووي[123]: هل يجوز رميه قبل إنذاره؟ وجهان:
         أحدهما: يحكي عن الشيخ أبي حامد، والقاضي حسين: لا، بل ينذره ويزجره ويأمره بالانصراف، فإن أصر، رما، جريا على قياس الدفع بالأهون، ولأنه قد يكون له عذر.
         وأصحهما: وبه قال الماسرجسي: والقاضي أبو الطيب، وجزم به الغزالي: يجوز رميه قبل الإنذار.
         واستدل صاحب "التقريب" بجواز الرمي هنا قبل الإنذار على أنه: لا يجب تقديم الكلام في دفع كل صائل، وأنه يجوز للمصول عليه الابتداء بالفعل.
         قال الإمام: مجال التردد في كلامه هو موعظة قد تفيد وقد لا تفيد، فأما ما يوثق بكونه دافعا من تخويف وزعقة ومزعجة، فيجب قطعا، وهذا أحسن.
         وينبغي أن يقال: ما لا يوثق بكونه دافعا، ويخاف من الابتداء به مبادرة الصائل لا يجب الابتداء به قطعا.
         ولو دخل دار رجل بغير إذنه، فله أمره بالخروج ودفعه، كما يدفعه عن سائر أمواله، والأصح: أنه لا يدفعه قبل الإنذار، كسائر أنواع الدفع، وبه قال الماسرجسي[124].

سادسا: هدر الصائل وضمانه:
         إذا أمكن دفع الصائل بدرجة، فدفعه بما فوقها ضمن، والحاذق الذي يحسن الدفع بأطراف السيف من غير جرح يضمن إن جرح، ومن لا يحسن، لا يضمن بالجرح، وحيث جاز دفع الصائل امتنع الضمان، لأن المقصود دفعه، وفي حكمه كل تعذير، لأن الواجب لا يجامعه الضمان، وأما إذا تلف من تأديب الزوجة المشروع في النشوز شئ فلا ضمان.
         وقال أبو حنيفة والشافعي يضمن لتقيد تعزيره بشرط السلامة فبفواته يضمن[125].

المبحث الثالث
المروج والحرابة
التعريف بالحرابة وشروطها:
         في اللغة[126]: تقول حربه حربا: طعنه بالحرب، وحربا: سلبه جميع ما يملك. والحربة: أداة قصيرة من الحديد محددة الرأس تستعمل في الحرب والجمع: حراب.
         وفي اصطلاح الفقهاء: الحرابة هي قطع الطريق.
         واشترط الحنفية في قطاع الطريق ثمانية شروط[127]: كونهم ذوو شوكة وفي دار الإسلام، وخارج المصر، وعلى مسافة السفر، وأجانب، ومن أهل وجوب القطع، وأن يأخذوا قدر النصاب، وأن يؤخذوا قبل التوبة.
         وممن اشترط أن تكون الحرابة خارج المصر، الثوري وإسحاق، وهو ظاهر كلام الخرقي، فقد توقف أحمد فيمن قاتل داخل الأمصار[128]. والحكمة في اشتراط أبي حنيفة أن تكون الحرابة خارج المصر، أن في داخل المصر يكون الأمان بإمكان الغوث مما يضعف شوكة المحاربين، ولذلك أطلق الحنفية على الحرابة أو قطع الطريق: السرقة الكبرى.
         يقول الكمال بن الهمام[129]: أطلق على قطع الطريق اسم السرقة مجازا لضرب من الإخفاء، وهو الإخفاء عن الإمام ومن نصبه الإمام لحفظ الطريق من الكشاف وأرباب الإدراك فكان السرقة فيه مجازا، ولذا لا تطلق السرقة عليه إلا مقيدة، فيقال: السرقة الكبرى، ولزوم التقيد من علامات المجاز.
         أما المالكية والشافعية وأكثر الحنابلة فلم يشترطوا أن يكون قطع الطريق في الصحراء، لأن ذلك إذا وجد في المصر كان أعظم خوفا وأكثر ضررا، فكان بذلك أولى.
         وممن قال بذلك: الأوزاعي والليث وأبو يوسف وأبو ثور[130].
         يقول صاحب "بدر المتقي"[131]: وعن أبي يوسف اعتبار الشرط الأول فقط، فيتحقق في المصر ليلا، وعليه الفتوى لمصلحة الناس.
         وفي بعض المتأخرين: إن هذا في زمانهم، وأما في زماننا فيتحقق في القرى والأمصار، وعن أبي يوسف: عن زاحم في المصر أو بين القرى فإن كان بالسلاح حد، وإن كان بغيره فلا إلا بالليل.
         ويشترط الشافعية في قاطع الطريق داخل المصر: الشوكة بمعنى قوة المغالبة، وهو ما ذكره أيضا ابن قدامة عن القاضي، فالذين لا يعتمدون قوة، ولكن ينتهزون ويختلسون، ويولون معتمدين على ركض الخيل، أو العدو على الأقدام، كما يتعرض الواحد والنفر اليسير لأخذ القافلة فيلبسون شيئا، يقول عنهم الإمام النووي: ليسوا بقطاع وحكمهم في الضمان والقصاص حكم غيرهم، ولم يشترط المالكية لهم الشوكة بل يكفي إشهار السلاح[132].
         ويقول الإمام النووي لا يشترط في قاطع الطرق الذكورة، بل لو اجتمع نسوة لهن شوكة وقوة، فهن قاطعات طريق، ولا يشترط أيضا شهر السلاح بل الخارجون بالعصي والحجارة قطاع، وذكر الإمام ــ أي الرافعي ــ أنه يكفي القهر وأخذ المال باللكن، والضرب بجمع الكف وفي "التهذيب" نحوه، وكلام جماعة يقتضي أنه لابد من آلة، ولا يشترط العدد، بل الواحد إذا كان له فضل قوة يغلب بها الجماعة، وتعرض للنفوس، والأموال مجاهرا، فهم قاطع طريق.
         وعند الحنفية قولان في المرأة: يقول صاحب "مجمع النهر": وفي التنوير: العبد في حكم قطع الطريق كغيره وكذا المرأة في ظاهر الرواية. وفي السراجية: ولو كانت فيهم امرأة فقتلت وأخذت المال دون الرجال لم تقل المرأة وقتل الرجال وهو المختار[133].

المروج والمحارب:
         المروج للخمر والمخدرات قد يستخدم الأسلحة النارية في عمله، وقد يستغل تأثير تلك المواد بالإدمان كسلاح له وفي هذه الحال يكون أكثر سيطرة على المدمن، كما أن المروج لا يعمل وحده إنما هو فرد في عصابة خطيرة تعمل بروح الفريق الواحد، داخل وخارج القرى والمصر، وهم يستولون على أموال الناس بغلاء أسعار تلك المواد التي لا تكلفهم الكثير، لكنهم يستغلون تأثير الإدمان، كما أنهم لا يتورعون عن قتل من تمرد منهم أو من استشعروا بضعفه، فضلا عن أن كثير من حالات الإدمان وقعت صرعى بسبب تلك السموم.
         فبكل المقاييس تنطبق شروط الحرابة التي ذكرها الفقهاء في زمنهم على أفعال المروجين لأصناف من الخمور والمخدرات في زمننا، فالمعنى واحد حتى لو كان هناك اختلاف في نوع السلاح وأسلوب الاعتداء لأن تلك مسألة متغيرة.

ما يجب على المحارب:
         اتفق الفقهاء على أنه يجب على المحارب حقان:
الأول: حق لله تعالى، وهو: القتل، والصلب، وقطع الأيدي وقطع الأرجل من خلاف، والنفي.
الثاني: حق للآدميين من مال ودم.
         والدليل على حق الله تعالى ما نص الله تعالى عليه في آية الحرابة بقوله: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم، إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم"[134].
         أما الدليل على حق الآدميين فآيات القصاص والنهي عن أكل أموال الناس بالباطل.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن هذه العقوبة مرتبة على الجنايات المعلوم من الشرع ترتيبها عليه، فلا يقتل من المحاربين إلا من قتل، ولا يقطع إلا من أخذ المال، ولا ينفي إلا من لم يأخذ المال، ولا ينفي إلا من لم يأخذ المال ولا قتل ويفارق الأخذ هنا الأخذ في السرقة، فهنا أغلظ حيث كان مجاهرة ومكابرة مع إشهار السلاح لذلك جعل المرة منه كالمرتين في السرقة، فقطع في الأخذ مرة اليد والرجل معا وهذا قول أبي حنيفة والشافعي والليث وإسحاق وقتادة وأصحاب أحمد[135].
         وقال قوم[136]: بل الإمام مخير فيهم على الإطلاق، وسواء قتل أو لم يقتل، أخذ المال أو لم يأخذه، وسبب الخلاف كما يقول ابن رشد[137]: هل حرف "أو" في الآية للتخيير أو للتفصيل على حسب جنايتهم؟ ومالك حمل البعض من المحاربين على التفصيل والبعض على التخيير.
         وعلى قول الجمهور يختلف الجزاء الشرعي باختلاف خمسة أحوال:
والأولى: أن يتم القبض عليهم قبل أن يأخذوا مالا ويقتلوا نفسا، بل لم يوجد منهم سوى مجرد إخافة الطريق إلى أن يتم القبض عليهم .
         فحكمهم: أن يعززوا ويحبسوا إلى أن تظهر توبتهم في الحبس أو يموتوا، وهذا مذهب الحنفية[138]، والشافعية[139].
قال ابن سريج[140]: والحبس في هذه الحال في غير موضعهم أولى، لأنه أحوط وأبلغ في الزجر والإيحاش، وأما الإمام مالك فيرى[141]: أن الإمام مخير في قتله أو صلبه، أو قطعه، أو نفيه ومعنى التخير عنده أن الأمر راجع في ذلك إلى اجتهاد الإمام، فإن كان المحارب ممن له الرأي والتدبير، فوجه الاجتهاد قتله أو صلبه، لأن القطع لا يرفع ضرره، وإن كان لا رأي له وإنما هو ذو قوة وبأس قطعه من خلاف، وإن كان ليس فيه شئ من هاتين الصفتين أخذ بأيسر ذلك فيه وهو الضرب والنفي.
         وأما الحنابلة: فيقول ابن قدامة: إن المحاربين إذا أخافوا السبيل ولم يقتلوا ولم يأخذوا مالا، فإنهم ينفون من الأرض، لقول الله تعالى: "أو ينفوا من الأرض"[142].
ويروى عن ابن عباس أن النفي يكون في هذه الحالة، وهو قول النخعي وقتادة وعطاء الخراساني.
         والنفي هو: تشريدهم عن الأمصار والبلدان، فلا يتركون يأوون بلدا.
         ويروى نحو هذا عن الحسن والزهري، وعن ابن عباس أنه ينفى من بلده إلى بلد غيره، كنفي الزاني، وبه قال طائفة من أهل العلم، قال أبو الزناد: كان منفى الناس إلى باضع من أرض الحبشة، وذلك أقصى تهامة اليمن[143].
الثانية: أن يتم القبض عليهم بعد استيلائهم على المال بما إذا قسم على جماعتهم بلغ نصيب كل واحد نصاب السرقة.
فحكمهم أن تقطع أيديهم وأرجلهم الباقية. وإنما يقطع من خلاف لئلا يفوت جنس المنفعة، وهذا مذهب الحنفية[144] والشافعية[145]. والحنابلة[146].
لأن هذه جناية تعلقت بها عقوبة في حق غير المحارب، فلا تتغلظ في المحارب بأكثر من وجه واحد، كالقتل يغلظ بالانحتام، كذلك هاهنا تتغلظ بقطع الرجل معها، وإن كان المأخوذ دون النصاب فلا تتغلظ العقوبة وعليه فلا قطع، وهو المذهب عند الشافعية والحنابلة أو القياس عند الحنفية.
وقال ابن خيران[147]: فيه قولان:
وقال الإمام مالك[148]: أن أخذ المال ولم يقتل فلا تخير في نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف.
الثالثة: أن يتم القبض عليهم بعد ما قتلوا مسلما أو ذميا ولم يأخذوا مالا فحكمهم: أن يقتلوا حدا، ومعنى حدا: أنه لو عفى أولياء المقتولين، لا يقبل عفوهم لأن الحد خالص حق الله تعالى لا يسمع فيه عفو ولا غيره، فهو قتل محتم ليس سبيله، سبيل القصاص، وهو مذهب الحنفية[149] والشافعية[150] والأصح عند الحنابلة[151].
وروي عن الإمام أحمد رواية أخرى أنهم: يصلبون لأنهم محاربون يجب قتلهم، فيصلبون كالذين أخذوا المال.
والأول أصح: لأن جنايتهم بأخذ المال مع القتل تزيد على الجناية بالقتل وحده، فيجب أن تكون عقوبتهم أغلظ، ولو شرع الصلب هاهنا لاستويا.
         ويرى الإمام مالك[152]: أن المحارب إن قتل فلابد من قتله، وليس للإمام تخيير في قطعه ولا نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه.
         الرابعة: أن يتم القبض عليهم بعد أن قتلوا وأخذوا المال.
فحكمهم: أن الإمام مخير إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم، وإن شاء قتلهم بلا صلب وقطع، وإن  شاء صلبهم أحياء ثم قتلهم، والقتل هنا متحتم لا يدخله عفو، وهذا قول أبي حنيفة وزفر[153].
         وقال مالك[154]: الإمام مخير بين القتل فقط أو القتل والصلب، وهو قول محمد بن الحسن[155].
         وقال أبو يوسف[156]: لابد من الصلب للنص في الحد، ولا يجوز ترك الحد كالقتل، وهو المذهب عند الشافعية[157]، والحنابلة[158].
         قال ابن المنذر[159]:أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وروي عن عمر وبه قال سليمان بن أبي موسى والزهري.
         وحجة أبي حنيفة: أن هذه الجناية وإن كانت واحدة باعتبار أنه قطع الطريق، فهذا المجموع، من القطع والقتل عقوبة واحدة وإنما تغلظت لتغلظ سببها حيث بلغ النهاية في تفويت الأمن وحيث فوت الأمن على المال والنفس بالقتل وأخذ المال، وكونها أمورا متعددة لا يستلزم تعدد الحدود في قطع الطريق، ألا ترى أن قطع اليد والرجل فيها حد واحد وهو في الصغرى ــ أي السرقة الصغرى ــ حدان ولأن مقتضى التوزيع الذي لزم اعتباره أن يتعين القطع ثم القتل، لأن التوزيع أدى إلى أن من أخذ المال قطع، وهذا قد أخذه فيقطع، وأن من قتل يقتل أو يصلب، وهذا قتل فيجب أن يجمع له بين القطع والقتل، إلا من ذلك كان فيما إذا فعل ذلك على الانفراد ذلك للإمام ودليل قول محمد بن الحسن أنه لا يقطع: أنه جناية واحدة هي جناية قطع الطريق، فلا توجب حدين، ولأن ما دون النفس في باب الحد يدخل في النفس.
         وأجاب الكمال بن الهمام على قول محمد بأن ما دون النفس يدخل في النفس هو ما إذا كانا حدين أحدهما غير النفس والآخر النفس.
         أما إذا كان ذلك حدا واحدا فلابد من إقامته، فهي أجزاء حد واحد، غير أنه إن بدأ بالجزاء الذي لا تتلف به النفس فعل الآخر، وإن بدأ بما تتلف به لا يفعل الآخر لانتفاء الفائدة وهو الضرب بعد الموت.
         كما أجاب ابن الهمام على من حتم الصلب بأن ظاهر النص لا يحتم الصلب فإن قوله: "أن يقتلوا أو يصلبوا" إنما يفيد أن يقتلوا بلا صلب أو يصلبوا بلا قتل، لكن يقتل بعد الصلب مصلوبا بالإجماع.
         ولم ينقل أنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ صلب العرنين، ولا غيره صلب أحدا[160].

الخامسة: أن يتم القبض عليهم بعد إعلان توبتهم:
         1- في هذه الحال يسقط حد الحرابة عند جمهور الفقهاء لقوله تعالى: "إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم"[161].
فأوجب عليهم الحد، ثم استثنى التائبين قبل القدرة، فمن عداهم يبقى على قضية العموم، ولأنه إذا تاب قبل القدرة فالظاهر أنها توبة إخلاص، وبعدها الظاهر أنها تقية ولأن في قبول توبته وإسقاط الحد عنه قبل القدرة ترغيبا في توبته، الرجوع عن محاربته وإفساده فناسب ذلك الإسقاط عنه، وأما بعدها فلا حاجة إلى ترغيبه، لأنه قد عجز عن الفساد والمحاربة.
وقيل: لن تقبل توبتهم، قال ابن رشد[162]: قال ذلك من قال إن  الآية لم تنزل في المحاربين، وإنما نزلت في المرتدين، لأن محاربة الله ورسوله إنما تكون من الكفار لا من المسلمين.
         وأجاب ابن قدامة على هذا القول[163] بقوله تعالى: "إلا الذين تابوا وأصلحوا من قبل أن تقدروا عليهم"، والكفار تقبل توبتهم بعد القدرة كما تقبل قبلها، ويسقط عنهم القتل والقطع في كل حال، والمحاربة قد تكون من المسلمين بدليل قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله"[164].
        
         2- وأما صفة التوبة التي تسقط الحكم: فقد اختلفوا فيها قال ابن رشد:
فيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن توبته تكون بوجهين:
أحدهما: أن يترك ما هو عليه وإن لم يأت الإمام.
         والثاني: أن يلقي سلاحه ويأتي طائعا، وهو مذهب ابن القاسم.

والقول الثاني: أن توبته إنما تكون بأن يترك ما هو عليه ويجلس في موضعه ويظهر لجيرانه، وإن أتى الإمام قبل أن تظهر توبته أقام عليه الحد، وهذا هو قول ابن الماجشون.
         والقول الثالث: إن توبته إنما تكون بالمجئ إلى الإمام، وإن ترك ما هو عليه لم يسقط ذلك عنه حكما من الأحكام إن أخذ قبل أن يأتي الإمام.
         وتحصيل ذلك: هو أن توبته قيل: بأنه تكون بأن يأتي الإمام قبل أن يقدر عليه، وقيل: إنها إنما تكون إذا ظهرت توبته قبل القدرة فقط، وقيل: تكون بالأمرين جميعا[165].
         ويقول الإمام النووي[166]: وفي توبته وتوبة الزاني والسارق وجهان:
         أحدهما: بإظهار التوبة كإظهار الإسلام تحت السيف.
وعليه: فالتوبة بمجردها تسقط الحد.
         والثاني: يشترط مع التوبة إصلاح العمل ليظهر صدقه فيها.
وعليه: اشترط مضي زمن يظهر فيه الصدق فلا تكفي التوبة بعد الرفع.
         ونسب الإمام ــ أي الرافعي ــ هذا الوجه إلى القاضي، واحتجوا بظاهر القرآن.
         قال تعالى في قطاع الطريق: "إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم"[167]، لم يذكروا غير التوبة. وقال في الزنا: "فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما"[168]، وفي السرقة "فمن تاب من ظلمه وأصلح"[169].
         قال الإمام: معرفة إصلاح العمل بأن يمتحن سرا وعلنا فإن بدا الصلاح أسقطنا الحد عنه، إلا حكمنا بأنه لم يسقط.
         قال الإمام: وهذا مشكل لأنه لا سبيل إلى حقيقته، وإن خلى فكيف يعرف صلاحه.
         ويشبه أن يقال تفريعا على هذا: إذا أظهر التوبة، امتنعنا من إقامة الحد، فإن لم يظهر ما يخالف الصلاح، فذلك وإن ظهر، أقمنا عليه الحد.

         3- وأما صفة المحارب الذي تقبل توبته فقد اختلفوا فيه أيضا:
         ذكر ابن رشد في صفته ثلاثة أقوال[170]:
         أحدها: أن يلحق بدار الحرب.
         الثاني: أن تكون له فئة: 
         الثالث: كيفما كانت له فئة أو لم تكن لحق بدار الحرب أو لم يلحق.
واختلف في المحارب إذا امتنع فأمنه الإمام على أن ينزل. فقيل له: الأمان، ويسقط عنه حد الحرابة، وقيل: لا أمان له لأنه إنما يؤمن المشرك.

         4- ما يسقط بالتوبة: فاختلفوا في ذلك على أربعة أقوال:
         القول الأول: أن التوبة تسقط حد الحرابة فقط، ويؤخذ بما سوى ذلك من حدود الله تعالى وحقوق الله تعالى وحقوق الآدميين.
         وهو قول الحنفية[171] والمالكية[172] والأظهر عند الشافعية[173] ووجه عند الحنابلة[174].
         أما حقوق الله تعالى: فلأنها لا تسقط مطلقا إلا في الحرابة بالنص، وقياسا على الكفارة. وأما حقوق الآدميين: فإن كان مالا وجب رده، لأن رد المال من تمام توبتهم لتنقطع به خصومة صاحبه. والأخذ قبل رد المال أخذ قبل التوبة.
         وإن كان قصاصا فحق العفو لأولياء الدم إن شاءوا طلبوا القصاص وإن شاءوا تسامحوا على الدية أو مطلقا.
         القول الثاني: أن التوبة تسقط عنه حد الحرابة، وجميع حقوق الله من الزنا والشراب والقطع في السرقة، ويتبع بحقوق الناس من الأموال والدماء والقذف إلا أن يعفوا أولياء المقتول.
         وهو قول عند الشافعية[175]، والمشهور عند الحنابلة[176] وقول ضعيف عند الحنفية أشار إليه محمد بن الحسن[177]. وحجتهم قول الله تعالى: "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما"[178]. فهذا يدل على سقوط حد الزنا على التائب.
         وأجاب الكمال بن الهمام على هذا الدليل بقوله[179]: ونحن نقطع بأن رجم ماعز والغامدية كان بعد توبتهما، والآية منسوخة، إنما كان ذلك في أول الأمر.
القول الثالث: أن التوبة ترفع جميع حقوق الله تعالى، ويؤخذ بالدماء وفي الأموال بما وجد بعينه في أيديهم ولا تتبع ذممهم[180].
القول الرابع: إن التوبة تسقط جميع حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين من مال ودم، إلا ما كان من الأموال قائم العين بيده[181].

5- وإن أتى حدا قبل المحاربة، ثم حارب وتاب قبل القدرة عليه، لم يسقط الحد الأول، لأن التوبة إنا يسقط بها الذنب الذي تاب منه دون غيره[182].

المبحث الرابع
خاتمة
العقوبة الشرعية المناسبة للمروج
         المروج للخمر والمخدرات بين العامة وفي غير حالات المشروعية سواء كان منتجا، أم جالبا، أو موزعا، أو من يقوم بعمليات مساعدة لتلك المراحل جزء من الفساد الذي يجب أن يدفع عن الأمة الإسلامية لأنه يقوم بعمل حرمه الشرع، بقصد ينكره الشرع والعقل فهو يهدف إلى استنزاف أموال الناس مستغلا طيبتهم وهو أهم أيضا يقصد إفساد دينهم وعقولهم وحياتهم.
         لذلك وجدنا الفقهاء يحكمون عليه بالفسق إن لم يكن مستحلا لعمله، وبالكفر إن كان مستحلا.
         وبعد دراسة أحكام القتل، والصيال، والحرابة على ضوء عملية ترويج الخمر والمسكرات يمكن استخلاص بعض النتائج بعد أن نقسم تلك المواد إلى نوعين:
         النوع الأول: مواد لا تقتل غالبا كبعض أنواع الخمور وبعض أنواع المخدرات أو المروج لهذا النوع يجب أن يعزر بما دون القتل لأنه لم يقتل وإن تسبب في ضياع المال، لأن النفس أعظم منه ــ ويصح أن يكون التعزير بالجلد بما دون الحد أو بالسجن أو بالنفي، وأي ضرر كان بسببه ضمنه.
         ولا يقال إن تلك المواد تؤثر في القتل على طول الزمن، لأن المدمن يكون قد تسبب في قتل نفسه.
         النوع الثاني: مواد تقتل غالبا، أو تدعو إلى الإدمان الشديد الذي لا ينفك عنه.
         والمروج لهذا النوع لا يخرج عن صفة من الثلاث الآتية:
1-    قاتل النفس البريئة بالسم، إن مات المتعاطي، وسواء قلنا إن القتل عمد أو شبه عمد ففيه القصاص سياسة كما سبق.
وقد يكون قاتل المنافع كما لو ذهب العقل أو أية منفعة جنسية بسبب ذلك الصنف وتجب بذلك ديات، وأجرة الطبيب وثمن الأدوية.
2-    صائل على معصوم، لأنه بأصنافه من المخدرات القاتلة يفسد الدين والعقل والنفس وينبغي على كل مسلم أن يدفعه بما يقطع شره حال الترويج، أما في غير حال التلبس فأمره إلى الإمام ويحق له أن يدفعه بكل وسيلة تضمن شره، لكن لا يحكم بعقوبة أشد يغني عنها ما هو أخف منها.
3-    قاطع طريق السلامة والنجاة للمسلمين أو أهل الذمة، فهو يفسد عليهم صحتهم وتقدمهم وعقولهم ونفوسهم، بل ودينهم، وهو لا يعمل وحده بل إنه جزء من شبكة خطيرة تشكل قوة لا يستهان بها، أسلحتهم العنف عند اللزوم، والغالب أنها أنوع معينة من المخدرات تسبب إدمانا عنيفا، فينبغي أن يطبق عليهم حد الحرابة لإفسادهم فإن تابوا، قبل أن يقدر عليهم الإمام، سقط من عليهم حد الحرابة، لأنه حق لله، وبقي حقوق العباد من القصاص أو تعويض عن إتلاف أموالهم وغير ذلك.
وفي جميع الأحوال يصح لولي الأمر أن يتخذ من التدابير المناسبة والرادعة ما يطمئن بها على سلامة رعيته كإفساد أموال المروجين زجرا وردعا.
         أخرج عبد الرازق[183] عن صفية ابن أبي عبيد قالت: وجد عمر بن الخطاب في بيت رويشد الثقفي خمرا، وقد كان جلد في الخمر، فحرق بيته، وقال ما اسمك؟
قال: رويشد.
قال: بل أنت فويسق.
         وعن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ قال[184]: "حرق رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ نخل بني النضير وقطع".
         قال الصنعاني في شرح هذا الحديث: إنه يدل على جواز إفساد أموال أهل الحرب بالتحريق والقطع لمصلحة.
         قال المشركون: إنك تنهي عن الفساد في الأرض فما بال قطع الأشجار وتحريقها؟
فنزل قول الله تعالى: "ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبأذن الله وليخزي الفاسقين"[185].
         وقد ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو، وكرهه الأوزاعي وأبو ثور.
         واحتجا: بأن أبا بكر ــ رضي الله عنه ــ وصى جيوشه أن لا يفعلوا ذلك.
         وأجيب: بأنه رأى المصلحة في بقائها لأنه قد علم أنها تصير للمسلمين فأراد بقاءها لهم، وذلك يدور على ملاحظة المصلحة[186].
         وينبغي التنبيه إلى أن المروج للخمور والمخدرات المحرمة |إذا كان مسلما، وليس له مال حلال أنه لا يجوز التعامل معه لخلوص ماله حراما إذا علمنا بذلك، فإن لم نعلم فلا بأس، لأن الظاهر أن ما في المسلم مكله من الحلال.
         وإذا كان للمروج مال حلال غير ماله الحرام، فيجوز التعامل معه فيما هو حلال فقط، فإن عجز عن التمييز بينهم فالحكم عند الإمام الشافعي والإمام أحمد: كراهة الأخذ منه، لإمكانية الحلال، قل الحرام أم كثر.
         قال الإمام النووي[187]: تكره مبايعة من اشتملت يده حلال وحرام، وسواء كان الحلال أكثر، أو بالعكس، فلو باعه صح.
         وقال الإمام أحمد[188]: لا يعجبني أن يأكل منه، لما روى النعمان بن بشير[189] أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال: الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى وحمى الله محارمه".
         هذا والله تعالى أسأل أن يرزقنا الحلال ويجنبنا الحرام كما اسأله سبحانه أن يتقبل مني هذا الجهد الذي قمت به ابتغاء مرضاته، راجيا عفوه ومغفرته لزلاتي وهفواتي.
كما أدعوه سبحانه أن ينفع بعملي هذا القائمين على أمور المسلمين للنهل من إسلامهم في تشريعات الخمور والمخدرات، وأن يلهم المسلمين الرشد والصواب للقضاء على ظاهرة تلك الخبائث، وأن تعود الأمة الإسلامية إلى عرش المجد والقوة بإسلامهم وقرآنهم.
         إنه سبحانه نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين.


















[1] الأستاذ المساعد بقسم الفقه المقارن ــ كلية الشريعة والقانون ــ القاهرة.
[2] أثبت الفقهاء لبائع المخدرات والخمور الفسق إن لم يكن مستحلا والكفر إن كان مستحلا ــ مجمع الأنهر 1/ 54، سبل الإسلام 3/1228.
[3]  سورة المائدة: من الآية الثالثة.
[4]  القاموس المحيط 4/ 35، تاج العروس 8/ 75 المعجم الوجيز ص 490.
[5]  سورة الإسراء: الآية 33.
[6] سورة النساء الآيتان 92، 93.
[7]  وفي رواية عند الإمام مالك القتل نوعان فقط: عمد وخطأ، وعند الحنفية خمسة أنواع: عمد وشبه عمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطأ، والقتل بالسبب، أنظر في فقه المذاهب: الاختيار 5/22، مجمع الأنهر 2/122. مواهب الجليل والتاج والإكليل 6/230، 234 مغني المحتاج 4/2،3، المغني والشرح الكبير 9/321 وما بعدها.
[8]  سورة البقرة الآيتان: 178، 179.
[9]  مغني المحتاج: 4/2، مواهب الجليل: 6/ 231.
[10]  بدر المتقي هامش مجمع الأنهر: 2 / 642.
[11]  القاموس المحيط: 4/ 26، تاج العروس: 8/ 53، المعجم الوجيز: ص 457.
[12]  المنتقى شرح موطأ مالك: 7 /116.
[13]  الاختيار: 5 / 25.
[14]  مغني المحتاج: 4 / 119، 120.
[15]  المغني والشرح الكبير: 9 / 336.
[16]  المغني والشرح الكبير: 9 / 336.
[17]  سورة الإسراء من الآية رقم 33.
[18]  واشترط بعض المالكية أن يكون قتل الغيلة على مال، قال صاحب مواهب الجليل: ونقل هذا عن بعض أصحابنا أظنه البوني ــ أنظر مواهب الجليل: 6 / 233.
[19]  موطأ مالك: ص 628 رقم 1584.
[20]  سبل السلام: 3 / 1202 رقم 1100.
[21]  سبل السلام: 3 / 1202 رقم 1203.
[22]  الاختيار: 5 / 22، مغني المحتاج: 4 /5،6، المهذب: 2 / 176.
[23]  الاختيار: 5 / 22، مجمع الأنهر: 2 / 622.
[24]  الاختيار: 5/ 23.
[25]  مجمع الأنهر: 2 / 622.
[26]  التاج والإكليل هامش مواهب الجليل: 6 / 232، 241.
[27]  مغني المحتاج: 4 / 6.
[28]  المغني والشرح الكبير: 9 / 565، 566.
[29]  المغني والشرح الكبير: 9 / 323، 566.
[30]  يقول النووي: ولتكن الصورة فيما إذا كان على طريق شخص معين إما مطلق وإما في ذلك الوقت وإلا فلا تتحقق العمدية ــ روضة الطالبين: 9 / 130، ومغني المحتاج: 4 / 7.
[31]  التاج والإكليل: 6 / 2412.
[32]  المغني والشرح الكبير: 9 / 329.
[33]  روضة الطالبين: 9 / 329.
[34]  قال ابن القيم: رواه أبو داوود، زاد المعاد: 3 / 215 وأخرجه مسلم ــ صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري: 9 / 21، 22 واسم اليهودية كما يقول النووي: زينب بنت الحرث أخت مرحب اليهودي.
[35]  زاد المعاد: 3 / 215.
[36]  صحيح مسلم بشرح النووي: 9 / 22.
[37]  الاختيار: 5 / 26، مجمع الأنهر: 2 / 622.
[38]  وفي قول: لا شئ من قصاص أودية تغلبا للمباشرة على السبب ــ روضة الطالبين: 9 / 130، مغني المحتاج: 4 / 7، المهذب: 2 / 176.
[39]  صحيح مسلم بشرح النووي: 9 / 21.
[40]  الاختيار: 5 / 26، روضة الطالبين: 9 / 131.
[41]  المغني والشرح الكبير: 9 / 330.
[42]  مغني المحتاج: 4 / 7 ــ وقد ذكر بن قيم الجوزية قصة اليهودية بتفصيل مفيد يحسن ذكره هنا، قال: في هذه الغزوة ــ أي خيبر ــ سم رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ، أهدت له زينب بنت الحرث اليهودية امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية قد سمتها، وسألت: أي اللحم أحب إليه فقالوا: الذراع، فأكثرت من السم في الذراع، فلما انتهش من ذراعها أخبره الذراع بأنه مسموم، فلفظ الأكلة ثم قال: اجمعوا إلي من هاهنا من اليهود، فجمعوا له، فقال لهم: "أني سائلكم عن شئ فهل أنتم صادقي فيه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ: "من أبوكم"؟ قالوا: أبونا فلان، قال: "كذبتم أبوكم فلان"، قالوا: صدقت وبررت، قال: "هل أنتم صادقي عن شئ إن سألتكم عنه"؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم وإن كذبنا عرفت كما عرفته في أبينا، فقال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ: "من أهل النار"؟ فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اخسئوا فيها فوالله لا نخلفكم فيها أبدا".
ثم قال: "هل أنتم صادقي عن شئ إن سألتكم عنه"؟، قالوا: نعم. قال: "أجعلتم في هذه الشاة سما"؟ قالوا: نعم. قال : "فما حملكم على ذلك"؟ قالوا أردنا إن كنت كاذبا نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك، وجئ بالمرأة إلى رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ، فقالت: أردت قتلك، فقال: "ما كان الله ليسلطك علي"، قالوا ألا نقتلها؟ قال: "لا" ولم يتعرض لها، ولم يعاقبها، واحتجم على الكاهل وأمر من أكل منها فاحتجم، فمات بعضهم، واختلف في قتل المرأة، فقال الزهري: أسلمت فتركها، ذكره عبد الرازق عن معمر عنه، ثم قال معمر والناس تقول: قتلها النبي ــ صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو داوود: حدثنا وهب بن بقية قال: حدثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية، وذكر القصة، وقال: فمات بشر بن البراء بن معرور، فأرسل إلى اليهودية: ما حملك على الذي صنعت؟ قال جابر: فأمر بها رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ فقتلت، قلت: كلاهما مرسل، ورواه حماد بن سلمة عن محمد بن عمر: عن أبي سلمة عن أبي هريرة متصلا أنه قتلها لما مات بشر بن البراء، وقد وفق بين الروايتين، بأنه لم يقتلها أولا فلما مات بشر بن البراء قتلها، وقد اختلفت هل أكل النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ منها أو لم يأكل؟ وأكثر الروايات أنه أكل من ها وبقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى قال في وجعه الذي مات فيه: "ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر، فهذا أوان انقطاع الأبهر مني قال الزهري: فتوفى رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ شهيدا 10هـ زاد المعاد: 2/139، 140.
[43] روضة الطالبين: 9 / 130، مغني المحتاج: 4 / 7، المغني والشرح الكبير: 9 / 330، 331.
[44] مغني المحتاج: 4 / 7.
[45]  الاختيار: 5 / 26، المهذب:2 / 176، روضة الطالبين: 9 / 131، مغني المحتاج: 4 / 7، المغني والشرح الكبير: 9 / 330.
[46] روضة الطالبين: 9 / 131.
[47]  الاختيار: 5 / 25، مغني المحتاج: 4 / 7، روضة الطالبين: 9 / 129.
[48] روضة الطالبين: 9 / 129.
[49] روضة الطالبين: 9 /131، فائدة: قال النووي: المريض المشرف على الموت يجب القصاص على قاتله، قال القاضي وغيره: سواء انتهى إلى حالة النزع أم لا، ولفظ الإمام: أن المريض لو انتهى إلى سكرات الموت، وبدت أماراته، وتعثرت الأنفاس في الشارسيف، لا يحكم له بالموت، بل يلزم قاتله القصاص وإن كان يظن أنه في مثل حال المقدود، وفرقوا بينهما بأن إنهاء المريض إلى تلك الحالة غير مقطوع به، وقد يظن به ذلك، ثم يشفى، بخلاف المقدود، ولأن المريض لم يسبق فعل بحال القتل وأحكامه عليه حتى يهدر الفعل الثاني والقود ونحوه بخلافه 10هـ روضة الطالبين: 9 / 146.
[50]  متفق عليه واللفظ لمسلم ــ سبل السلام: 3 / 1190 رقم 1091، الاختيار: 5/ 25.
[51]  الاختيار: 5 / 25.
[52]  الاختيار 5 / 29.
[53]  مجمع الأنهر: 1 / 631.
[54]  روضة الطالبين: 9 / 129، مغني المحتاج: 4 / 7، المغني والشرح الكبير: 9 / 331.
[55]  روضة الطالبين: 9 / 130، مغني المحتاج: 4 / 7، المهذب: 2 / 177.
[56]  المغني والشرح الكبير: 9 / 331.
[57]  مغني المحتاج: 4 / 7، وقال الروياني فيما إذا قال: لم أعلم كونه قائلا أظهرهما لا يصدق فيجب القصاص ــ روضة الطالبين: 9 / 130.
[58]  الاختيار: 5 / 28، مجمع الأنهر: 2 / 623.
[59]  التاج والإكليل:  6/242.
[60] والوجهان عند الحنابلة ذكرهما أو عبد الله بن حامد ــ المغني والشرح الكبير: 9 / 381.
[61]  مغني المحتاج: 4 / 21.
[62]  المغني والشرح الكبير: 9 / 381.
[63]  الاختيار: 5 / 28، التاج والإكليل: 6 / 242، مغني المحتاج 4 / 20، المغني والشرح الكبير: 9 / 382.
[64]  روضة الطالبين: 9 / 164.
[65] من المالكية والشافعية والحنابلة والهادوية واختلف أصحاب مالك فيمن حرق ــ بداية المجتهد: 2 / 404 هـ، مغني المحتاج: 4 / 45، سبل السلام: 3 / 1192، المغني والشرح الكبير: 9 / 391.
[66]  سورة البقرة الآية: 194.
[67]  سبل السلام: 2 / 1192.
[68]  سورة النحل الآية رقم 126.
[69]  مغني المحتاج: 4 / 45.
[70]  الاختيار: 5 / 68، مجمع الأنهر: 2 / 620.
[71]  سبل السلام: 3 / 1192.
[72]  مجمع الأنهر وبدر المتقى: 2/ 620.
[73]  رواه مسلم ــ سبل السلام: 4 / 1411 رقم 1260.
[74]  سبل السلام: 3 / 1192.
[75] روضة الطالبين: 9 / 289، وقد ذكر النووي البطش والمشي تحت رقم 13وقد فصلهما في الشرح لكل واحد منهما كمال الدية ص 305 وانظر أيضا مجمع الأنهر: 2 / 640، بداية المجتهد: 2/ 421، المنتقي: 7 / 85، المغني والشرح الكبير 9 / 585.
[76]  مجمع الأنهر: 2 / 640.
[77]  مجمع الأنهر: 2 / 640.
[78]  مجمع الأنهر وبدر المتقي: 2 / 640.
[79]  المنتقي شرح موطأ مالك: 7 / 85.
[80]  روضة الطالبين: 9 / 289، 290.
[81]  المغني والشرح الكبير: 9 / 634، 635.
[82]  روضة الطالبين: 9 / 302، وانظر أيضا المغني والشرح الكبير 9 / 628، وما بعدها.
[83]  القاموس المحيط 4 / 4، تاج العروس: 7 / 409، المعجم الوجيز: ص 374.
[84]  المغني والشرح الكبير: 10 / 347.
[85]  روضة الطالبين 10 / 186، وقال الشرواني : هو الاستطالة والوثوب على الغير ــ حاشية الشرواني والعبادي: 9 / 181.
[86]  سبل السلام: 4 / 1330.
[87]  مجمع الأنهر: 1 / 609، روضة الطالبين: 10 / 186، المغني والشرح الكبير: 10 / 345، سبل السلام: 4 / 1329.
[88]  سورة البقرة: الآية: 194.
[89]  سورة الشورى الآيتان: (40، 41).
[90]  تفسير ابن كثير: 4 / 119.
[91]  سورة البقرة من الآية رقم (195).
[92]  رواه الأربعة وصححه الترمذي ــ سبل السلام: 4/ 1329 رقم 1176. وقال النووي حديث صحيح روضة الطالبين: 10 / 186.
[93]  رواه مسلم ــ سبل السلام: 4 / 1329.
[94] سبل السلام: 4 / 1330.
[95]  المغني والشرح الكبير: 10 / 346، 347.
[96]  سبل السلام: 4 / 1329.
[97]  سبل السلام: 4 / 1329.
[98]  أخرجه ابن أبي خيثمة والدار قطني وأخرج أحمد نحوه عن خالد بن عرفطة ــ سبل السلام: 4 / 1327.
[99]  سبل السلام: 4 / 1328.
[100]  سبل السلام: 4 / 1330.
[101]  سبل السلام: 4 / 1328.
[102]  سورة الحجرات: الآية9.
[103]  روضة الطالبين: 10 / 188.
[104]  المغني والشرح الكبير: 10 / 348.
[105]  روضة الطالبين: 10 / 187، 188.
[106]  المغني والشرح الكبير: 10 / 348.
[107]  المغني والشرح الكبير: 10 / 346.
[108]  فتح القدير: 5 / 346.
[109]  رواه مسلم في صحيحه كتاب الأيمان رقم 78 جـ 1 / 69 من حديث أبي بكرة قال أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد الخدري: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول: وذكر الحديث مسند الإمام أحمد: 3 / 20. وأخرج الإمام أحمد عن عدي بن عميرة عن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ: "إن الله لا يضرب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين العامة والخاصة". مسند الإمام أحمد: 4 / 192 وذكر ابن كثير أحاديث كثيرة في هذا المعنى ــ تفسير ابن كثير: 2 / 84، 85.
[110]  مجمع الأنهر وبدر المنتقى: 1 / 609.
[111]  المكس: الضريبة يأخذها الماكس ممن يدخلون البلد من التجار والجمع مكوس ــ المعجم الوجيز ص 587 والمكس: النقص والظلم، دراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية ــ وتماسكا في البيع: كشاكسا ــ القاموس المحيط: 2 / 252، تاج العروس: 4 / 249.
[112]  روضة الطالبين: 10 / 186، 187.
[113]  الكدس الحصيد والتمر والدراهم ــ كدسا وضع بعضها فوق بعض تكدست الأشياء: تراكمت. القاموس المحيط: 2 / 245، تاج العروس: 4 / 230، المعجم الوجيز: ص 529.
[114]  المغني والشرح الكبير: 10 / 348.
[115]  البخاري كتاب المظالم رقم 4 من حديث أنس بن مالك وتكملة الحديث: "قالوا يا رسول هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: "تأخذ فوق يديه" 3 / 168.
[116]  سنن أبي داوود إمارة 36جـ 3 / 180.
[117]  روضة الطالبين: 10 / 189.
[118]  هو أبو القاسم الرافعي كما سبق ذكره.
[119]  فتح القدير: 5 / 346، وانظر أيضا مجمع النهر: 1 / 609.
[120]  روضة الطالبين: 10 / 187، 188، 190.
[121]  المغني والشرح الكبير: 10 / 346، 348، 351.
[122]  المغني والشرح الكبير: 10/ 346، 347.
[123]  روضة الطالبين: 10 / 191، 192.
[124]  روضة الطالبين: 10 / 194.
[125]  مجمع الأنهر: 1 / 612، روضة الطالبين: 10 / 187، المغني والشرح الكبير: 10 / 344، 345.
[126]  القاموس المحيط: 1 / 53، تاج العروس: 1 / 305، المعجم الوجيز: ص142.
[127]  بدر المتقي: 1 / 629.
[128]  المغني والشرح الكبير: 10 / 298، العدة شرح العمدة: ص 572.س
[129]  فتح القدير: 5 / 422، وانظر أيضا مجمع الأنهر: 1 / 629.
[130]  مجمع الأنهر: 1 / 629، بداية المجتهد: 2 / 455، روضة الطالبين: 10 / 154، المغني والشرح الكبير: 10 / 298، العدة شرح العمدة: ص 572
[131]  بدر المتقي: 1 / 629.
[132]  روضة الطالبين: 10 / 154، المغني والشرح الكبير: 10 / 298، العدة شرح العمدة: ص 572، بداية المجتهد: 2 / 455.
[133]  مجمع الأنهر: 1 / 631.
[134]  سورة المائدة: الآيتان 33، 34.
[135]  فتح القدير: 5 / 433، روضة الطالبين: 10 / 156، المغني والشرح الكبير: 10 / 299.
[136]  ومنهم عطاء وسعيد بن المسيب ومجاهد والحسن والضحاك والنخعي وأبو ثور وداود ــ فتح القدير: 5 / 433، بداية المجتهد: 2 / 456.
[137]  بداية المجتهد: 5 / 433.
[138]  فتح القدير: 5 / 433.
[139]  روضة الطالبين: 10 / 156، المهذب: 2 / 284.
[140]  روضة الطالبين: 10 / 156.
[141]  بداية المجتهد: 2 / 455.
[142]  سورة المائدة: الآية33.
[143]  المغني والشرح الكبير: 10 / 307.
[144]  فتح القدير: 5 / 623، ومجمع الأنهر: 1 / 629.
[145]  روضة الطالبين: 10 / 156، المهذب: 2 / 284.
[146]  المغني والشرح الكبير:  10 / 306.
[147]  روضة الطالبين: 10 / 156.
[148]  بداية المجتهد: 2 / 455.
[149]  فتح القدير: 5 / 623، مجمع الأنهر: 1 / 629.
[150]  روضة الطالبين: 10 / 156، المهذب: 2 / 284.
[151]  المغني والشرح الكبير: 10 / 304.
[152]  بداية المجتهد: 2 / 455.
[153]  فتح القدير: 5 / 425، مجمع الأنهر: 1 / 629.
[154]  بداية المجتهد: 2 / 455.
[155]  فتح القدير: 5 / 425، مجمع الأنهر: 1 / 630.
[156]  فتح القدير: 5 / 425.
[157]  روضة الطالبين: 10 / 156، وخرج ابن سلمة قولا: أنه تقطع يده ورجله ويقتل ويصلب، وحكى صاحب "التقريب" قولا: أنه إن قتل وأخذ دون نصاب لم يقطع بل يقتل ويصلب، وفي كيفية القتل والصلب إذا اجتمعا قولان: أحدهما: يقتل ثم يصلب، والثاني: يصلب حيا ثم يقتل، روضة الطالبين: 10 / 157، وانظر أيضا المهذب: 2 / 284.
[158]  المغني والشرح الكبير: 10 / 302.
[159]  المغني والشرح الكبير: 10 / 302.
[160]  فتح القدير: 5 / 425، وحديث العرنيين أخرجه الطحاوي بروايات كثير منها: عن أنس قال: قدم المدينة ثمانية رهط من عكل (قبيلة) فاستوخموا المدينة، فبعثهم النبي رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ إلى ذود له (هي من الإبل ما بين الثلاثة إلى العشرة) فشربوا من ألبانها.
فلما صحوا ارتدوا عن الإسلام، وقتلوا راعي الإبل، وساقوا الإبل، فبعث رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ في آثارهم فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم حتى ماتوا، وفيهم نزلت آية المحاربة، يقول الطحاوي: ففعل رسول الله  ــ صلى الله عليه وسلم ــ بالعرنيين ما فعل بهم من هذا، فلما حل له له من سفك دمائهم فكان له أن يقتلهم كيف أحب وإن كان ذلك تمثيلا بهم، لأن المثلة كانت حينئذ مباحة ثم نسخت بعد ذلك ونهى عنها رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ فلم يكن لأحد أن يفعلها ــ شرح معاني الآثار: 3 / 180، 1 / 181.
[161]  سورة المائدة من الآية: 34 وانظر فتح القدير: 5 / 428، بداية المجتهد: 2 / 457، روضة الطالبين: 10 / 159، المغني والشرح الكبير: 10 / 308، 309.
[162]  بداية المجتهد: 2 / 457، والذين قالوا أن الآية لم تنزل في المحاربين، قالوا أنها نزلت في قصة العرنيين المرتدين وهم ابن عمر والحسن وعطاء وعبد الكريم انظر: المغني والشرح الكبير: 10 / 297، وعدم قبول توبة المحارب قول ضعيف عند الشافعية، روضة الطالبين: 10 / 158.
[163]  المغني والشرح الكبير: 10 / 297.
[164]  سورة البقرة: الآيتان 278، 279.
[165]  بداية المجتهد: 2 / 457.
[166]  روضة الطالبين: 10 / 159.
[167]  سورة المائدة: من الآية 34.
[168]  سورة النساء: الآية 16.
[169]  سورة المائدة: الآية 39.
[170]  بداية المجتهد: 2 / 457.
[171]  فتح القدير: 5 / 429.
[172]  بداية المجتهد: 2 / 457.
[173]  المهذب: 2 / 285، وصحح هذا القول الإمام الرافعي والبغوي وغيرهما وهو منسوب إلى الجديد ــ روضة الطالبين: 10 / 158.
[174]  المغني والشرح الكبير: 10 / 310.
[175]  روضة الطالبين: 10 / 158، المهذب: 2 / 285.
[176]  وذكره القاضي ــ المغني والشرح الكبير: 10 / 310.
[177]  فتح القدير: 5 / 428.
[178]  سورة النساء: الآية 16.
[179]  فتح القدير:  5 / 429.
[180]  هذا القول ذكره ابن رشد، بداية المجتهد: 2 / 458.
[181]  وهذا القول ذكره أيضا ابن رشد، في بداية المجتهد: 2 / 458.
[182]  المغني والشرح الكبير: 10 / 310.
[183]  المصنف: 9 / 230، رقمي 17035، 17039.
[184]  متفق عليه ــ سبل السلام: 4 / 1349 رقم 1196.
[185]  سورة الحشر: آية 5، قال في معالم التنزيل: اللينة فعله من اللون ويجمع على ألوان. وقيل: من اللين ومعناه النخلة الكريمة وجمعها لين. سبل السلام: المرجع السابق.
[186]  سبل السلام المرجع السابق.
[187]  روضة الطالبين: 4 / 416.
[188]  المغني والشرح الكبير: 4 / 333.
[189]  متفق عليه واللفظ لمسلم ــ سبل السلام: 4 / 1549 رقم 1381، صحيح البخاري كتاب لإيمان رقم 39 جـ 1 / 20، صحيح مسلم مساقاة 107، 108 جـ 3 / 1219، 1221، مسند الإمام أحمد: 4 / 267.

تعليقات