القائمة الرئيسية

الصفحات



العربون دراسة مقارنة

العربون دراسة مقارنة

العربون
دراسة مقارنة



الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

وزارة العـــــدل

 

المدرسة العليا للقضاء

مجلس قضاء غــرداية

مذكرة التخرج  لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء:
 

الطالبة القاضية :

رزوق نوال 

 

الدفعة الرابعة عشرة

2003-2006


المقدمة


 

لكي يتم التعاقد في صورته النهائية لا بد من تعبير كل من المتعاقدين عن إرادته في إتمام التعاقد، و المقصود بالإرادة هنا الإرادة التي تتجه لإحداث أثر قانوني معين، فيصدر إيجاب يليه قبول مطابق له.

و حتى يصبح الإيجاب باتا لا بد أن يخرج من دور المفاوضات و التعليق و هي أدوار لا بد منها في التعاقد، مع إلزامية أن يقصد صاحبه به إيجاد أثر قانوني جدي(1). و لا بد أيضا أن يقابل هذا الإيجاب قبول صادر من الطرف الآخر، فإذا توافقت الإراديين و تطابق الإيجاب و القبول وفقا لما سبق و لما هو معروف في نظرية العقد فإن التعاقد يأخذ صورته النهائية و يصبح باتا.

لكن قد يسبق مرحلة التعاقد النهائي، مرحلة تمهيدية تؤدي على على وجه محقق أو غير محقق إلى المرحلة النهائية، و من أبرز الصور العملية لهذه المرحة التمهيدية التعاقد بالعربون.

فالتعاقد بالعربون مرحلة لم يأخذ فيها التعاقد صورته النهائية، إذ أن لكل طرف من أطراف التعاقد من حقه أن يعدل عن العقد في الفترة المحددة لذلك، و بالتالي يصبح التعاقد كأن لم يكن. و قد لا يعدل الطرفان فيصبح العقد نهائيا.

و العدول في الشريعة الإسلامية صورة من صور خيار الشرط (2)  الذي قد يكون خيار رؤية أو خيار عيب ، و قد يكون خيار عدول  فقد قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم - : « إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارا »   رواه عبد الله بن عمر

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ                               

1) عبد الرزاق السنهوري نظرية العقد دار الفكر بيروت ، بدون طبعة ، ص 242 .

2) يعني بخيار الشرط أن يقوم المتعاقد بالخيار بين إمضاء العقد، أو فسخه ، مرد ذلك إلى تمكين المتعاقد من درأ الغبن ،  فبمقتضى الشرط يحضى بفترة من التروي و التدبر ليوازن فيها بين الإمضاء و الفسخ ، حسبما يرى في ذلك مصلحته .

01

 تجدر الإشارة إلى أن جل التشريعات المقارنة تناولت العربون بالتنظيم، إلا أنها اختلفت في تحديد دلالته: هل هي دلالة بت أم عدول غير أن المشرع الجزائري لم يتناوله بالتنظيم في الأمر رقم 75/58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني رغم شيوع التعامل به بين الناس خاصة في البيع و الإيجار، فاختلف الفقه في كيفية دراسة هذه المسألة فهناك من رأى بأنه يجوز للمتعاقدين في القانون المدني وفقا للقواعد العامة اشتراط خيار العدول في العقد، فيكون العدول عليه حينئذ هو مضمون الشرط وفقا لما اتفق عليه، إذ أن العقد شريعة المتعاقدين.(1) و هناك من رأى بأن الاتفاق على العربون يدخل ضمن العقود غير المسماة(2)، والعقد غير المسمى هو الذي لم يضع له الشارع تنظيما خاصا، و من ثم فهو يخضع في تكوينه و آثاره للمبادئ العامة لنظرية الالتزام.

  و نظرا للقيمة العملية للعربون فقد عدل المشرع الجزائري القانون المدني بموجب القانون رقم 05/10 المؤرخ في 20 جوان 2005 و أدرج بموجب المادة 24 في الكتاب الثاني: الالتزامات و العقود في الباب الأول: مصادر الالتزام في الفصل الثاني: العقد في القسم الثاني : شروط العقد ، المادة 72 مكرر التي تنص على مايلي:
« يمنح دفع العربون وقت إبرام العقد لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه خلال المدة المتفق عليها، إلا إذا قضى الاتفاق بخلاف ذلك.   
فإذا عدل من دفع العربون فقده.
وإذا عدل من قبضه رده و مثله و لو لم يترتب على العدول أي ضرر.»                 
و بذلك تكون أحكام العربون الواردة في هذه المادة حكما عاما يصدق على العربون في سائر العقود.
 

ــــــــــــــــــــــــــــــ                               

1) بلحاج العربي: النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري( التصرف القانوني العقد و الإرادة المنفردة ) ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر - الطبعة3- 2004. ص 91.

2) خليل أحمد حسن قدادة : الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ديوان المطبوعات الجامعية  الجزائر- طبعة 2001 - الجزء الرابع  ص 50.

02

و نظرا للأهمية القصوى للعربون باعتباره يدخل ضمن المعاملات اليومية رغم حداثة تقنينه، و عدم تناوله من قبل الفقهاء الجزائريين بالبحث و التحليل و قلة قرارات المحكمة العليا بخصوصه و عدم نشرها و واجبنا كقضاة مقبلين على الفصل في النزاعات التي ستطرح بخصوص أحكامه، كل هذه أسباب دعتني لتناول موضوع العربون بالدراسة في ظل التشريع الجزائري على ضوء الشريعة الإسلامية والتشريعات المقارنة و بالخصوص التشريع الفرنسي الذي كان مطبقا إلى غاية صدور القانون المدني و التشريع المصري الذي تعتبر المادة 72 مكرر منقولة عنه ، إذ يعتبر هذا الموضوع اللبنة الأولى، و المادة الخام التي سيعتمد عليها في دراسة البيع بالعربون، و الإيجار بالعربون رغم ما اعترضني من صعوبات في إيجاد مراجع متخصصة تناولت العربون بالتفصيل، و كذلك قلة القرارات القضائية .

و دراسة هذا الموضوع تقتضي الإجابة عن التساؤلات التالية:

ما هو العربون ؟ وما المقصود من الإشارة إليه في العقد ؟أي ماهي دلالته ؟

ما هي الأحكام القانونية التي تحكمه ؟ وما هو التكييف القانوني للاتفاق عليه، أو التعاقد به؟

وفيما يلي الخطوط العريضة للخطة التي اعتمدتها لذلك:

الفصل الأول: ماهية العربون .

         المبحث الأول: تعريف العربون .

         المبحث الثاني: تحديد دلالة العربون .

الفصل الثاني: أحكام العربون .

         المبحث الأول: أحكام العربون في ظل التشريع الجزائري.

         المبحث الثاني: تكييف التعاقد بالعربون .

 

الفصل الأول
 
ماهية العربون


 

 

         نصت جل التشريعات و منها التشريع الجزائري على العربون ضمن أحكام القانون المدني، إلا أنها لم تهتم بتحديد مفهومه تاركة ذلك للفقه، في حين ركزت على تحديد دلالته أي وظيفته ،و أحكامه.

         إن تحديد ماهية العربون يقتضي عرض مختلف الآراء الفقهية التي عرفته،ومعرفة معايير تحديد دلالته، و أخيرا تمييزه عن ما يشابهه كالشرط الجزائي، و خيار الشرط، إلا أنه لكي يتم التمييز على أحسن وجه وحتى تقوم التفرقة على أساس سليم فلا بد من معرفة الأحكام القانونية للعربون ، و التي ستكون من خلال دراسة أحكام العربون في الفصل الثاني.

         بناءا على ماتقدم سأقسم هذا الفصل إلى مبحثن:في المبحث الأول أتناول فيه تعريف العربون لغة، و اصطلاحا، و في المبحث الثاني تحديد دلالة العربون.
04

المبحث الأول

تعريف العربون

        

 

لم يعرف المشرع الجزائري العربون شأنه شأن باقي التشريعات المقارنة حتى بعد تعديله للقانون المدني بموجب القانون رقم 05/10 المؤرخ في 20 جوان 2005، و إدراجه للمادة 72 مكرر و التي قننت التعاقد بالعربون ،و حددت دلالته و أحكامه، و حسنا ما فعل لأن هذه المسألة متروكة للفقه، ولهذا سنحاول في هذا المبحث تعريف العربون لغة، و اصطلاحا حتى يسهل علينا فيما بعد فهم أحكامه.

 

 

المطلب الأول

التعريف اللغوي للعربون

 

 

جاء في لسان العرب: « العربون، و العربون، و العربان: الذي تسميه العامة الأربون، تقول منه عربنته إذا أعطيته لك ، ويقال رمى فلان بالعربون إذا سلح. »(1).

و في القاموس المحيط:«و العربان و العربون بضمهما، و العربون محركة و تبدل عينهن همزة، ما عقد به المبايعة من الثمن. »(2)

 

 

 

ــــــــــــــــــــ

1) أبو الفضل محمد بن مكرم بن منظور : لسان العرب -دار إحياء التراث العربي ، بيروت ،لبنان الطبعة الأولى 1996م ،الجزء 9 ص 119.

2) مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي: القاموس المحيط ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت لبنان ، الطبعة الأولى – 1991 م ، الجزء الأول ص 253.

05

و جاء في الصحاح : « أنه عند العامة بلفظ أربون ، و هو عند العامة في بلاد الشام رعبون بتقديم الراء على العين دون حذفها ، يقال أعرب عن بيعه، و عرب ،و عربن إذا أعطى العربون. »(1)

أما في تاج العروس فقد جاء :« إن للعربون ثمان لغات هي الإعراب، و العربان كعثمان ، و العربون بضمها ، و العربون محركة العين ، و الأربون  بإبدال العين ، و الربون بحذف العين ، و العربون بفتح فسكون فضم ، و ذكر لغة تاسعة حكاها إبن عديس قال أهل الحجاز يقولون أخذ مني عربان بضمتين و تشديد الباء .»(2).

         في حين جاء في المصباح المنير: « العربون بفتح  العين و الراء قال بعضهم هو أن يشتري الرجل شيئا، أو يستأجره، و يعطي بعض الثمن أو الأجرة ثم يقول إن تم العقد احتسبناه و إلا فهو لك و لا آخذه منك و العربون وزن عصفور لغة فيه و العربان بالضم لغة ثالثة و نونه أصلية  وأعرب في بيعه بالألف أعطى العربون و عربنه مثله و قال الأصمعي العربون أعجمي معرب. »(3).

و ما نستنتجه من كل هذه التعاريف أنه لا توجد لغة واحدة للعربون، و كلها صحيحة و دارج استعمالها في البلدان العربية، أما في الجزائر فإننا نستعمل لغتان: العربون بضم العين ،و العربون بفتح العين.

 

 

ــــــــــــــــــــ

1) إسماعيل بن حماد الجوهري : الصحاح،  دار العلم ، بيروت الطبعة الثالثة 1984 الجزء السادس ، ص 2164.

2) محمد مرتضى الزبيدي : تاج العروس ،الطبعة الأولى الجزء الثالث ، ص 372.

3) عبد الحكم فودة : الوعدو التمهيد للتعاقد و العربون و عقد البيع الإبتدائي، دار الفكر العربي القاهرة ،  1992  بدون طبعة ، ص 144 هامش 1.

06

المطلب الثاني

التعريف الاصطلاحي للعربون

إن العربون مصطلح درج على استعماله كل من فقهاء الشريعة الإسلامية، و فقهاء القانون الوضعي، و لكل منهما تعريفه الخاص به، و هذا ما سنتناوله فيما يلي:

 


الفرع الأول
العربون في اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية


 

         قال الإمام مالك في الموطأ: « و العربان: أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة، أو يتكارى الدابة، ثم يقول للذي اشترى منه أو تكارى منه: أعطيك دينارا، أو درهما أو أكثر من ذلك أو أقل على أني إن أخذت السلعة أو ركبت ما تكاريت منك فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابة، وإن تركت ابتياع السلعة ،أو كراء الدابة فما أعطيته لك .»(1)

         و جاء في الشرح الكبير: « و كبيع العربان إسم مفرد، و يقال أربان بضم أول كل، و عربون، و أربون بضم أولهما، و فتحه و هو أن يشتري أو يكتري السلعة، و يعطيه أي يعطي المشتري للبائع شيئا من الثمن على أنه أي المشتري إن كره البيع لم يعد إليه ما أعطاه، و إن أحبه حاسبه به من الثمن أو تركه مجانا .»(2)

         أما في المغنى و الشرح الكبير:« العربون في البيع هو أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع درهما، و غيره على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، و إن لم يأخذها فذلك للبائع.»(3)

ــــــــــــــــــــ

1) الإمام محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني : شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك دار الكتب العلمية – بيروت الجزء الثالث ، ص 324.

2) محمد عرفة الدسوقي: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ،مطبعة عيسى البابي الحلبي – سوريا.1373ه الجزء الثالث،  ص 63.

3) الإمامين موفق الدين و شمس الدين إبن قدامة : المغنى و الشرح الكبير، دار الفكر لبنان  1994 بدون طبعة ، الجزء الرابع ، ص 312.

07

 

الفرع الثاني

تعريف العربون في اصطلاح فقهاء القانون

 

عرف العربون من طرف الأستاذ السنهوري بأنه: « عبارة عن مبلغ من المال يدفعه أحد المتعاقدين إلى الآخر وقت التعاقد، فإن تم التعاقد حسب المبلغ المدفوع من جملة ما هو متفق عليه، وإذا لم يتم التعاقد خسر من عدل قيمة العربون.»(1)

و قد عرفه الأستاذ محمد شريف أحمد بأنه: « مبلغ من المال، أو أي شيء مثلي آخر يدفعه أحد المتعاقدين للآخر وقت إبرام العقد، إما للتأكيد على أن لكل من الطرفين الحق في العدول عن العقد في مقابل تركه ممن دفعه، أو رده مضاعفا ممن قبضه، وإما للتأكيد على أن العقد الذي أبرماه أصبح باتا لا يجوز الرجوع فيه. »(2)

أما الدكتور رمضان أبو السعود فقد عرفه بأنه: « مبلغ من النقود يدفعه أحد المتعاقدين للآخر عند إبرام العقد، و يحدث ذلك غالبا في عقود البيع، و الإيجار فيدفع المشتري جزءا من الثمن، و ليس هناك ما يمنع أن يقوم كل طرف من أطراف العقد بدفع مبلغ عربون للمتعاقد الآخر . »(3)

في حين أن الأستاذ خليل أحمد حسن قدادة عرفه بأنه:«هو المبلغ الذي يدفعه أحد المتعاقدين إلى الآخر وقت إبرام العقد يكون الغرض منه إما جعل العقد المبرم بينهما عقدا نهائيا، وإما إعطاء الحق لكل واحد منهما في إمضاء العقد أو نقضه. »(4)

 

 

ـــــــــــــــــــــ

1) عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني ( الجزء الأول مصادر الالتزام) دار إحياء التراث العربي – بيروت ، بدون طبعة ، ص 259.

2) محمد شريف أحمد : مصادر الالتزام في القانون المدني – دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي، دار الثقافة للنشر و التوزيع لبنان،  1999 بدون طبعة ، ص 66 .

3) رمضان أبو السعود : الموجز في شرح العقود المسماة عقود البيع و المقايضة و التأمين  (دراسة مقارنة في القانون المصري و اللبناني) الدار الجامعية للطباعة و النشر بيروت ،  1994 بدون طبعة ، ص 161 .

4)  خليل أحمد حسن قدادة : المرجع السابق ، ص 50 .

08

وعرفه الفقيهان الفرنسيان بودري و سينيا بأنه :

«On donne le nom d'arrhes à une somme d'argent ( ou autre chose mobilière ) que l'une des parties remet à l'autre au moment ou l'accord se fait »(1)

 

و بناءا على كل التعاريف السابقة يمكن إيجاد تعريف موحد بينها: «العربون مبلغ من المال، أو أي منقول معين تحدد قيمته في العقد يسلمه أخد المتعاقدين للآخر وقت إبرام العقد، إما للدلالة على أحقية كل منهما في العدول أو للدلالة على نهائيته و البت فيه ،و تأكيده بالبدء في تنفيذه ،و دفع جزء من الثمن .»(2)

و من خلال هذا التعريف يمكن أن نستخلص بعض خصائص العربون:

1- قد يكون العربون منقولا كسيارة مثلا، إذ ليس هناك نص يحصر العربون في مبلغ نقدي، وإن كان جرى العرف على أن يكون مبلغا من النقود.

2- الغرض من تحديد قيمة المنقول في العقد هو درأ الخلاف بين الطرفين حول قيمة العربون إذ كان العدول ممن قبضه، حين يرد المنقول عينه و قيمته المقدرة في العقد.

3- يمكن أن يصاحب العربون أي عقد إذ أن أحكامه عامة تصدق على سائر العقود، و لكن شاع استعماله في عقدي البيع، و الإيجار.

4- يجب أن يدفع العربون وقت التعاقد لأنه إن دفع بعد ذلك اعتبر تنفيذا جزئيا للعقد.

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــ

1) عبد الحكم فودة المرجع السابق ، ص 144 ،الهامش رقم 1.

2) عبد الحكم فودة  المرجع السابق ، ص 144.

09

 

5- لا يكون العربون إلا في العقود الملزمة للجانبين (1)باعتباره وسيلة لنقض العقد،فإذا كان في عقد ملزم لجانب واحد كالوعد بالبيع(2)فلا يفيد خيار العدول، لأن أحد المتعاقدين و هو الموعود له ليس ملزما إبتداءا بتنفيذ الوعد. و مع ذلك يجوز للواعد دفع العربون، و اشتراط خيار العدول لنفسه إلا أن الموعود له لا يلزم في حالة عدم إستفاء الوعد برد ضعفه.

6- قد تكون للعربون دلالة تمام العقد و البدء في التنفيذ، وقد تكون له دلالة عدول عن إتمام التعاقد، و هذا ما سنتناوله بالتفصيل في المبحث الثاني.

 

 

ـــــــــــــــــــــــ   

1) رمضان أبو السعود: المرجع السابق، ص 262 .

2) إن المادة 1590 ق م فرنسي نصت على العربون في الوعد بالبيع، و أعطت له دلالة عدول ويرى الفقيهان بودري و سينيا أنه لا يوجد إلا بالنسبة لعقد الوعد الملزم للجانبين.

عبد الحكم فودة : المرجع السابق ، ص 144 .

10

 


المبحث الثاني
تحديد دلالة العربون (وظيفته)


 

شاع استعمال العربون في عصر الإمبراطورية الرومانية السفلى(1) وفي العصر العلمي،(2) إذ كان يعد وسيلة من وسائل إثبات البيع عند قيام خلاف حوله فضلا عن أن أوراق البردي قد كشفت أن العربون كان يؤدي إلى جانب وظيفة الإثبات وظيفة الضمان ، فهو بمثابة ضمان يقدم إلى البائع حتى يتأكد أنه لن يفقد الثمن كله، فكان يعتبر جزءا من الثمن الواجب على المشتري دفعه. وفي عصر الإمبراطورية السفلى ظهرت الوظيفة الثالثة للعربون وهي أن العربون وسيلة للعدول عن الصفقة.

أما العربون في القفة القانوني المعاصر فهو أن يدفع أحد المتعاقدين مالا للآخر عند إبرام العقد على ذمة تنفيذ العقد أو علامة على إتمام التعاقد، فالعربون قد تكون له دلالة تمام العقد ،والبدء في التنفيذ، كما لو باع شخص لآخر شيئا فإنه قد يدفع من ثمنه جزءا كعربون. وقد تكون للعربون دلالة أخرى هي الرغبة في إتمام التعاقد بحيث إذا عدل المتعاقد عن هذه الرغبة خسر العربون ،أو مثله فيصبح العربون جزاءا للعدول عن إتمام التعاقد فإذا باع شخص لأخر شيئا، واتفقا على مبلغ كعربون لإتمام العقد النهائي ثم عدل المشتري عن الشراء خسر العربون وإذا عدل البائع عن البيع رد للمشتري العربون ومثله.(3)

فالعربون إذن له دلالتان، إما دلالة التأكيد، وإما دلالة العدول وتختلف التشريعات في الأخذ بهاتين الدلالتين فاتحة المجال إلى اتفاق المتعاقدين في تحديد هاته الدلالة لأن الأصل في تحديد وظيفة العربون هو إرادة  المتعاقدين والحكم القانوني الخاص به مكملا لإرادتهما فقط وهذا ما سنتناوله في هذا المبحث ضمن مطلبين، نخصص الأول لتحديد الدلالة القانونية للعربون، أما الثاني فنخصصه لدور الإرادة المشتركة للمتعاقدين في تحديد هذه الدلالة.

                                                       
1) «يبدأ عصر الإمبراطورية السفلى بتولى الإمبراطور دقلد يانوس حكم الإمبراطورية الرومانية عام 284م وينتهي بوفاة امبراطور الشرق جوستينان عام 565م».صبيح مسكوني :القانون الروماني ، مطبعة شفيق بغداد 1968 ،ص 120 .

2) «يبدأ هذا العصر حوالي سنة 130م بصدور قانون إيبونا وينتهي بحكم الإمبراطور دقلد يانوس عام 284م وسمي بالعلمي لإزدهار القانون فيه».المرجع السابق ، ص 120.

3) عبد الناصر توفيق العطار: مصادر الالتزام ، دار الكتاب الحديث القاهرة ، بدون طعة ، ص48.

11

المطلب الأول
الدلالة القانونية للعربون
 

 

إن القوانين تختلف فيما بينها في الأخذ بدلالة دون أخرى من دلالات دفع العربون، فمن القوانين ما يعتبر دفع مبلغ العربون بمثابة تأكيد للعقد وبدء لتنفيذه، ومنها ما يعتبره أنه قد دفع بقصد تمكين المتعاقد الذي دفعه من العدول عن العقد وهذا ما سنتناوله في هذا المطلب ضمن الفرعين التاليين:

 

 

الفرع الأول

التشريعات التي تأخذ بدلالة البت (تأكيد العقد)

 

إن التشريعات الجرمانية(1)، ومعها القانون العراقي(2)، والتونسي(3) والقانون المغربي(4) ، تأخذ بدلالة التأكيد والبت(confirmation ) ، وفي هذه الحالة يعتبر العربون تنفيذا جزئيا لالتزامات المتعاقد، ولا يجوز لأي من المتعاقدين العدول عن العقد فإذا امتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه فإن القواعد العامة تجيز للمتعاقد الآخر التمسك بعدم التنفيذ، أو المطالبة بالتنفيذ العيني، أو الفسخ فضلا عن الحق في التعويض الذي يستقل عن العربون المتفق عليه فقد يزيد، أو ينقص عنه(5).

ــــــــــــــــ

1) محي الدين اسماعيل علم الدين : نظرية العقد مقارنة بين القوانين العربية و الشريعة الإسلامية ، دار الكتاب الحديث القاهرة ، بدون طبعة ، البند 136 .

2) المادة 92 من القانون المدني العراقي :« يعتبر دفع العربون دليلا على أن العقد أصبح باتا لا يجوز العدول عنه.»

3) المادة 303 من  قانون الالتزامات التونسي

4) ينص الفصل 288 من تقنين الالتزامات والعقود المغربي على أن « العربون هو ما يعطيه أحد المتعاقدين للأخر بقصد ضمان تنفيذ تعهده .»

5) أحمد شوقي محمد عبد الرحمان :النظرية العامة للالتزام( العقد والإرادة المنفردة في الفقه وقضاء النقض المصري والفرنسي) منشأة المعارف  مصر، سنة 2004 ، بدون طبعة ، ص68.

12

وهذا ما تضمنه تقنين الالتزامات والعقود المغربي إذ اعتبر العربون جزءا من قيمة العقد تم أداؤه، وإذا فسخ بالتراضي ولكن تنفيذه أصبح غير ممكن ،أو فسخ بسبب خطأ أحد الطرفين فإن لمن قبض العربون أن يحتفظ به، وعلى الطرف الآخر أن يلجأ إلى المحكمة لتقدير الضرر الحاصل لقابض العربون ،وتلزمه برد ما زاد على قيمة هذا الضرر.(1)

 

الفرع الثاني

التشريعات التي تأخذ بدلالة العدول

 

إن التشريعات اللاتينية ومنها القانون الفرنسي(2) ،ومعها القانون الجزائري(3)،و المصري(4)،و السوري(5)،و الليبي(6)،و الأردني(7)، تأخذ بدلالة العدول(Dédit).

إذ تنص المادة 72 مكرر من القانون المدني الجزائري:« يمنح دفع العربون وقت إبرام العقد لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه خلال المدة المتفق عليها... »

ويفهم من ذلك أن العدول في هذه الحالة استعمال لحق ناشئ عن العقد، والعربون مقابل لاستعماله وليس إخلال بالالتزام ليكون العربون شرطا جزائيا يجب لاستحقاقه وقوع ضرر.(8)

كما أن العربون دليل للعدول لوقت معين فلا يجوز العدول بعد انقضاء هذا الوقت، أما إذا لم يعين وقت لجواز العدول فيجوز العدول إلى وقت التنفيذ لأنه ليس من المنطقي أن يترك استعمال حق العدول دون تقييده بوقت معين.

                                                       
1) أنظر الفصل 289، 290 من تقنين الإلتزامات والعقود المغربي

2) المادة 1590 من القانون المدني.

3) أنظر المادة 72 مكرر من القانون المدني.

4) المادة 103 من القانون المدني المصري.

5) المادة 104مدني سوري .

6) المادة 103مدني ليبي .

7) المادة 107مدني اردني .

8) راجع السنهوري : المرجع السابق ، الجزء الأول ، ص277، هامش3.

13

والعدول هنا معناه تعبير المتعاقد عن رغبته في عدم تنفيذ الالتزام دون الغوص في مبررات هذا العدول لأنه حق إرادي(1) يمكن صاحبه من التحلل من العقد بإرادة واحدة، حيث يتم الاتفاق مقدما بين الطرفين على منح هذا الحق لأحد هما، أو لكليهما فيقوم بالخيار بين استعماله ،أو عدم استعماله خلال المدة المحددة. فالحق المنبثق عن العربون حق إرادي يعتمد على إرادة صاحبه بحيث تكون له مكنة القضاء على العلاقة التعاقدية بمقتضى تصرف إنفرادي، دون أن يكون للطرف الآخر المعارضة في ذلك و لا تكون لإرادته في رفض ذلك أي أثر قانوني. 

وجدير بالملاحظة أن القانون اللبناني لم يتعرض للعربون بنص خاص ولكنه تعرض لخيار العدول بصفة عامة فقضى في المادة 84/2 من قانون الموجبات والعقود بأنه «... يحق للفريقين أو لأحدهما أن يحفظ لنفسه حق التصريح في مهلة معينة بأنه يريد البقاء على العقد أو فسخه » ويعد من هذا القبيل دفع العربون، و ذلك لأنه يعد مقابلا للحق في العدول.وخيار العدول قد يشترط لمصلحة الطرفين، وقد يكون لمصلحة أحدهما فقط وفي الحالة الأخيرة يكون العقد غير لازم بالنسبة لمن شرط خيار العدول لمصلحته ولازما بالنسبة للطرف الأخر.(2)

هذا ووفقا للفقرة الثالثة من المادة 84 المشار إليها أعلاه لا يصح اشتراط العربون،أو حق العدول في : الاعتراف بالدين، والهبة، وبيع السلم ، وهذا الأخيركما تعرفه المادة 487 من قانون الموجبات والعقود هو:« عقد بمقتضاه يسلف أحد الفريقين الآخر مبلغا من النقود، فيلتزم هذا الفريق مقابل ذلك أن يسلم إليه كمية معينة من المواد الغذائية أو غيرها من الأشياء المنقولة في موعد يتفق عليه الطرفان. » ولما كان الثمن يدفع كله إلى البائع وقت إنشاء العقد (م 488 موجبات) فقد رأى المشرع أنه لا مجال لخيار العدول في هذه الصورة من صور البيع.

ــــــــــــــ

1) «يعرف الحق الإرادي على أنه سلطة إحداث الأثر القانوني بمحض إرادة صاحبه ، أو أنه مكانة تعطى للشخص بسبب مركزه القانوني في ان يحدث أثرا قانونيا لمحض إرادته»  . الأستاذ عمر زودة : طبيعة الأحكام بانهاء الرابطة الزوجية و أثر الطعن فيها مطبعة .ENCYCLOPEDIA  الجزائر بدون طبعة  ، ص22 ، الهامش رقم 17 ، 18 .

2) رمضان أبو السعود، المرجع السابق، ص164.

14

وقد نصت المادة 1590 مدني فرنسي على أنه « إذا اقترن الوعد بالبيع بدفع عربون كان لكل من العاقدين حق العدول عن العقد فإذا عدل من دفع العربون خسره، وإذا عدل من قبضه وجب عليه رد ضعفه »

 «Si la promesse de vendre a été faite avec des arrhes, chacun des contractants est maître de s´en départir. Celui qui les a données,en les perdant . Et ce lui qui les reçues,en restituant le double  »

 معنى هذا أن القانون الفرنسي رجح إحدى دلالتي العربون على الأخرى، فأخذ بدلالة العدول، وقد رأى الفقه(1) ،و القضاء(2)  أن هذا الحكم ولو أنه ورد في شأن الوعد بالبيع إلا أنه ينطبق على عقد البيع ذاته وأجاز البعض تعميمه على سائر العقود التي يصاحب عقدها دفع عربون.(3)

 

المطلب الثاني

دور الإرادة المشتركة للمتعاقدين في تحديد دلالة العربون

 

وفقا لنص المادة 72 مكرر من القانون المدني فإن دفع العربون يفيد الحق في خيار العدول عن العقد الذي أبرمه الطرفان، وهذه تعد قرينة بسيطة قابلة لإثبات عكسها بإقامة الدليل على اتجاه إرادة المتعاقدين الصريحة، أو الضمنية التي تتضح من ظروف التعاقد إلى غير ذلك بكافة طرق الإثبات كأن يثبت القاضي أن مبلغ العربون كبير مما يحمله على تفسيره بأن هذا المبلغ إنما دفع ليكون جزءا من الثمن، وما كان الطرفان ليقصدا من ورائه أن يكون لإثبات خيار العدول.(4)

ــــــــــــــــــ

1) يقول الفقيهان بودري و سينيا أن القانون لم يتناول العربون إلا بالنسبة لعقد الوعد الملزم للجانبين ، لكن ليس هناك ما يمنع من سريان المادة 1590 على كافة العقود الملزمة للجانبين القابلة بطبيعتها للعربون .

 عبد الحكم فودة : المرجع السابق، ص 180 هامش رقم 1

2) «L'art 1590 du C civ , qui attribue aux arrhes le caractère d'un moyen de dédit , s'applique aux ventes comme aux promesses de vent , de sorte qu'il est sans intérêt de rechercher si les actes litigieux constituent une simple promesse de vente ou présent les caractères d'une vente    »

Paris 2 mars 1964 : J C P 64 , 1V , 2d G 160                               

         3) عبد الرزاق السنهوري الوسيط جـ1 ص 260

         4) عبد الرزاق السنهوري الوسيط، جـ1 ص259.

15

وواضح من النص المتقدم أننا بصدد قاعدة مكملة ،وليست آمرة وبالتالي للأفراد أن يتفقوا صراحة، أو ضمنا على مخالفتها فقد يتفقان على أن يكون العربون لتأكيد العقد، كما يمكنهما الاتفاق على أن يكون العربون دلالة عدول، بل يمكنهما الاتفاق على حكم مخالف في حالة العدول لما ذكره المشرع كأن يتفقا على أن يرد البائع مثلا المبلغ الذي قبضه فعلا وليس ضعفه كما جاء في النص، أو أن المشتري إذا عدل لا يكتفي منه بفقد العربون الذي دفعه بل يدفع ضعفه، أو ضعفيه.

ومنه فإن تحديد دلالة العربون مرده الإرادة المشتركة لكلا المتعاقدين فقد يعتبر المتعاقد أن دفعه لمبلغ العربون لكي يثبت له الحق في العدول ومقابل ذلك فهو يترك الجزء المدفوع كعربون للمتعاقد الأخر فهو بمثابة ثمن دفعه للعدول. وقد يكون قصد المتعاقد من دفع مبلغ العربون لضمان تنفيذه وإظهار النية المؤكدة أمام المتعاقد الأخر، وهنا يعتبر العربون جزءا من تنفيذ العقد، وبالتالي لا يحق لأحد المتعاقدين أن يعدل عن تنفيذ العقد وإلا ترتبت مسؤوليته العقدية، وللقاضي السلطة التقديرية في الوصول إلى النية الحقيقية للمتعاقدين هل قصدا بالعربون دلالة بت أو دلالة عدول في حالة غياب الاتفاق الصريح للمتعاقدين سواء تضمن ذلك العقد الأصلي، أو كان في عقد مستقل، وعليه فالقاضي يستخلص النية الحقيقية للمتعاقدين من ملابسات التعاقد، أو ظروفه، ويشترط أن يبين الأسباب التي من أجلها توصل إلى قناعته في استظهار نية المتعاقدين فإذا لم تتمكن المحكمة من استظهار هذه النية سواء بالاتفاق الصريح، أو الضمني فقد اعتبرت المادة 72 مكرر أن دلالة العربون دلالة عدول.

 
 

 

 

 

 

16

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

 

 

 

 

 

 


الفصل الثاني

أحكام العربون

        

         بعد التطرق إلى تعريف العربون ،و دلالته نصل إلى المسألة التي يهتم بها أطراف التعاقد و هي: ما مصير هذا العربون الذي تم دفعه سواء في حالة استعمال حق العدول، أو في حالة عدم استعماله ؟  

يتطلب الجواب التطرق أولا إلى أحكام العربون في ظل التشريع الجزائري باعتبار أن هذه الأحكام أجمعت عليها جل التشريعات المقارنة التي أعطت للعربون دلالة عدول، و ثانيا إلى تكييف التعاقد بالعربون على ضوء ما انتهيت إليه في النقطة الأولى  ضمن المبحثين التاليين :

مبحث 1 : أحكام العربون في ظل التشريع الجزائري .

مبحث 2 : تكييف التعاقد بالعربون .

 

المبحث الأول

أحكام العربون في ظل التشريع الجزائري

        

         إن التشريع الجزائري في تنظيمه للعربون مر بمرحلتين بارزتين فانتقل من عدم تنظيمه في القانون المدني إلى النص عليه ،و تنظيم أحكامه، و تحديد دلالته بعد تعديل القانون المدني بموجب القانون رقم 05/10 المؤرخ في 20 جوان 2005، و معرفة أحكام العربون في التشريع الجزائري تقتضي التطرق إلى كل مرحلة على حدى،و هذا ما سأتناوله في المطلبين التاليين :

- أحكام العربون قبل تعديل القانون المدني

         - أحكام العربون في ظل القانون المدني بعد التعديل

17

المطلب الأول

  حكم العربون قبل تعديل القانون المدني

 

         لم يرد في الأمر رقم 75/58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني نص بخصوص العربون، و أحكامه رغم ان القانون الفرنسي الذي كان مطبقا في الجزائر سواء أثناء فترة الاستعمار أو بعد الاستقلال إلى غاية صدور القانون المدني ينظمه ، و حسب رأيي فإن عدم النص عليه يرجع إلى عدم الإجماع على حكمه في الشريعة الإسلامية ففضل المشرع عدم تنظيم هذه المسألة لأنه كان يعلم بأن العرف الموروث عن القانون الفرنسي ينظمها ، وليس كما يدعيه البعض سهوا منه .

 و نتيجة لشيوع التعامل بالعربون خاصة في عقدي البيع و الإيجار  تم طرح عدة قضايا على القضاء بخصوص أحكام العربون، مما جعل القاضي لفك هذه النزاعات يبحث في المصادر الأخرى للقانون.

         لقد نصت المادة الأولى الفقرة 2 من القانون المدني على أنه إذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية¹ و هذا معناه أن القاضي إذا لم يجد نصا تشريعيا لحل موضوع النزاع طبق مبادئ الفقه الإسلامي دون التقيد بمذهب معين ، ثم العرف الذي يلي الشريعة الإسلامية من حيث الترتيب .

و السؤال الذي يطرح نفسه هنا في ظل هذا الفراغ القانوني : هل كان القضاة يطبقون أحكام الشريعة الإسلامية، أم يطبقون ما هو متعارف عليه في المعاملات اليومية خاصة التجارية منها ؟ و هذا ما سأحاول الإجابة عليه في هذا المطلب ضمن الفروع الثلاثة التالية :

         - أحكام العربون في الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الثاني

         - أحكام العربون في العرف الجزائري بإعتباره المصدر الثالث

         - موقف القضاء الجزائري

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

1- إن المحكمة العليا في حكمها الصادر في 21 جوان 1967 قررت أسبقية أحكام الفقه الإسلامي في حالة الفراغ التشريعي ، المجلة الجزائرية 1968 ، 1183 .

كما أنه في كثير من المسائل ينص التقنين المدني صراحة على أحكام الفقه الإسلامي ( م 31 ، 408 774، 775 و غيرها ) .

18

الفرع الأول

 حكم العربون في الشريعة الإسلامية

 

إن حكم العربون في الفقه الإسلامي يختلف عن ما رأيناه سابقا ذلك أن العربون عندما تكون له دلالة تنفيذ العقد يكون أمرا جائزا في الفقه الإسلامي، فمثلا إذا باع شخص شيئا، ودفع من ثمنه جزءا كعربون دل هذا على تمام تنفيذ العقد، واحتسب العربون من جملة الثمن.

لكن العربون الذي تعرضت له المذاهب الإسلامية كانت له دلالة أخرى، فقد كانت صورته ما إذا اشترى شخص شيئا، ودفع عربونا واشترط أنه إذا اختار البيع كان العربون جزاءا من الثمن، وإن لم يشتري السلعة بقي العربون حقا للبائع لا يرده للمشتري.

لقد اختلف الفقهاء في حكم العربون فمنعه الجمهور من الحنفية والمالكية، والشافعية، وأجازه الحنابلة.

ويرجع اختلاف الفقهاء إلى تعدد الأحاديث الواردة عن رسول الله- صلى الله علية و سلم - في شأن العربون فمنها من أجاز العربون ومنها من أبطله.

وهكذا انقسم الفقه الإسلامي إلى اتجاهين: الإتجاه الأول منع التعاقد بالعربون وهو رأي للجمهور،  الإتجاه الثاني أجازه وهو رأي الحنابلة،وسأتعرض إلى أدلة كل إتجاه مع مناقشتها لأصل في النهاية إلى ترجيح أحد الرأيين .

 

أولا : الرأي الذي يحرمه
 

وهو مذهب الأحناف والشافعية والمالكية واستدلوا بالكتاب، و السنة ، والمعقول.

أ : أدلة هذا الإتجاه

 

19

1 -  الكتاب

استدلوا بقوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل »(1)

وجه الدلالة : عندما نتمعن في هذه الآية نجد أن الله سبحانه وتعالى نهى عن أكل أموال الناس بالباطل أي بغير حق ، ومن أكل المال بالباطل بيع العربان لأنه من باب بيع القمار، والغرر، والمخاطرة،وأكل المال بالباطل بغير عوض، ولا هبة، وذلك باطل بالإجماع. (2) قال إبن جرير حدثني ابن المثنى حدثنا عبد الوهاب حدثنا داود  عن عكرمة عن ابن عباس في الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول إن رضيته أخذته وإلا رددت معه درهما قال هو الذي قال عز وجل فيه « ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل »(3) فالعربون على هذا النحو فيه أكل للمال بالباطل لأن المشتري إذا كره السلعة فقد ما دفعه من مال على سبيل العربون فكيف يستحله البائع إذ يكون قد أخذه دون مقابل؟

2- السنة

 استدلوا بما رواه أحمد في مسنده(4) ،وأبو داود، وابن ماجة، ومالك في الموطأ عن الثقة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال « نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان »

وجه الدلالة : هذا الحديث صريح في النهي عن التعاقد بالعربون لذلك قال مالك : وتفسير ذلك أن يشتري الرجل، أو المرأة العبد، أو الوليدة الأمة ،أو يتكارى الدابة ثم يقول للذي اشترى منه، أو تكارى منه  أعطيك دينارا، أودرهما، أو أكثر من ذلك، أو أقل على إني أن أخذت السلعة المبتاعة، أو ركبت ما تكاريت منك ، فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة، أو من كراء الدابة، وإن تركت ابتياع السلعة، أو كراء الدابة فما أعطيتك لك ،وهو باطل بغير  شيء لما فيه الشرط والضرر، وأكل أموال الناس بالباطل فإن وقع فسخ، وإن فات مضى.(5)

                                                       
1) الآية  29  من سورة النساء .

2) القرطبي :الجامع لأحكام القرآن – دار الريان للتراث، القاهرة – بدون طبعة، جـ3، ص1720.

3) الإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن كثير: تفسير القرآن العظيم -مكتبة الدعوة الإسلامية-1980 ،ج،1ص479.

4) الإمام أحمد بن حنبل : المسند- مطبعة دار الحديث- الطبعة الأولى ، جـ6، ص268، 269، 270.

5) الإمام ممد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني :المرجع السابق،ج، ص324.

20

         3- المعقول

كما استدلوا أيضا بأن العربون منهي عنه لأنه شرط للبائع شيئا بغير عوض فلم يصح كما لو شرطه لأجنبي، ولأنه بمنزلة الخيار المجهول فإن اشترط المشتري أن له رد المبيع من غير ذكر مدة فلم يصح كما لو قال : ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها درهما وهذا هو القياس.(1) فالعربون على هذا النحو باطل لأن فيه شرطين فاسدين:

الشرط الأول : شرط الهبة

الشرط الثاني : شرط الرد على تقدير أن لا يرضى.

فضلا عما فيه من المخاطرة، وأكل المال بالباطل، وأنه من الميسر، وأن فيه ضررا، وجهالة.

ب : مناقشة أدلة هذا الإتجاه  :

1) قولهم بأن العربون من قبيل أكل أموال الناس بالباطل مردود عليه بأن العربون ليس كذلك، لأنه عوض عن حرمان صاحب السلعة من فرص عرضها للبيع، وهو ثمن لحبس السلعة لحساب الطرف الآخر وقد يأتي مشتري مثلا بسعر أفضل من الذي اشتراها به من دفع العربون فيلتزم البائع بارتباطه مع المشتري الذي دفع العربون، وطالما أن المشتري فوت على البائع مثل هذه الفرص فلا يكون العربون من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، فالعربون لم يشترط للبائع بغير عوض إذ العوض هو الانتظار بالبيع، وتوقيف السلعة حتى يختار المشتري وتفويت فرصة البيع من شخص آخر لمدة معلومة.(2)

2) قولهم بأن العربون من باب القمار، والمخاطرة، والغرر،وجهالة مردود عليه(3) بأن العـربون إنما يكون كـذلك إذا كانت مدة الخيار

                                                       
1) ابن قدامة: المرجع السابق، ج4 ،ص313.

2)  السنهوري :مصادر الحق في الفقه الإسلامي -دار إحياء التراث العربي - جـ2، ص95.

3) فيقول الشيخ محمد بن غنيمين –رحمه الله- في شرح البلوغ ص100" الجهالة في بيع العربون ليست جهالة ميسر، لأن جهالة الميسر يكون فيه المتعاملان بين الغنم والغرم، أما هذه فإن البائع ليس بغارم بل البائع غانم، وغاية ما هنالك أن ترد إليه سلعته و من المعلوم أن المشتري لو شرط الخيار لنفسه مدة يوم أو يومين كان ذلك جائزا، وبيع العربون يشبه شرط الخيار إلا أنه يعطي للبائع جزء من الثمن إذا رد إليه السلعة، لأن قيمتها قد تنقص إذا علم الناس بهذا، ولو على سبيل التقديم ففيه مصلحة للمشتري وفيه أيضا مصلحة للبائع من وجه آخر، أن المشتري إذا سلم العربون فإن في هذا دافع لتتميم البيعة، وفيه كذلك مصلحة للمشتري لأنه يكون بالخيار في رد السلعة إذا دفع العربون بينما لو لم يدفعه للزمه البيع."

21

مجهولة فيكون العربون من الغرر، لكن يشترط لصحة العربون أن تكون مدة الخيار معلومة، وبالتالي ينتفي الغرر والمخاطرة. فمقدار العربون معروف مسبقا ولا بد لاعتباره كذلك من مدة معينة تعطي دافع العربون مهلة ليختار أثناءها الرد أو إمضاء العقد.

3) استدلالهم بحديث النهي عن بيع العربان مردود عليه أيضا بأن هذا الحديث ضعيف وبسط الكلام في وجوه ضعفه من استدل به فكيف يحتج به.(1)

وقال أبو عمر قد تكلم الناس في الثقة عنده في هذا الموضع،وأشبه ما قيل فيه أنه أخذه عن ابن لهيعة، أو عن ابن وهب عن ابن لهيعة، لأن إبن لهيعة سمعه من عمرو بن شعيب، و رواه عنه ، حدث به عن إبن لهيعة إبن وهب ،و غيره وابن لهيعة أحد العلماء إلا أنه يقال انه احترقت كتبه فكان إذا حدث بعد ذلك من حفظه غلط، وما رواه عنه ابن المبارك، وابن، وهب فهو عند بعضهم صحيح، ومنهم من ضعف حديثه كله.(2)

وقد أجاب الجمهور عن القول بأن الحديث ضعيف، أنه قول غير صحيح لأن الحديث صحيح ورد الطعن الموجه إلى سند الحديث بأنه   و إذا كان ضعيفا لإبهام الثقة الذي رواه عنه مالك إلا أن الحديث في ذاته صحيح لمعرفة هذا الثقة، فقد قال ابن عبد البر أنه ابن لهيعة، وردوا على الطعن في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بأن سماع شعيب عن أبيه ثابت، وأكثر المحدثين ذهبوا إلى الاحتجاج بهذه الرواية وهو الصحيح المختار الذي عليه المحققين من أهل الحديث.

4) قولهم بأن العربون منهي عنه لأنه شرط للبائع شيئا بغير عوض فلم يصح كما لو شرطه لأجنبي مردود عليه بما سبق قوله من أن العوض موجود ألا وهو الإنتظار بالبيع، وتوقيف السلعة حتى يختار المشتري، وتفويت فرصة البيع من شخص آخر لمدة معلومة.

 

                                                       
1) الحديث رواه مالك في الموطأ إذ قال « أخبرني الثقة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نهى بيع العربان » ورواه أبو داود في سننه عن الشعبي عن مالك ورواه ابن ماجة عن الفضل بن يعقوب الرخامي عن حبيب بن أبي ثابت كاتب مالك عن عبد الله ابن عامر الأسلمي عن عمرو بن شعيب و هذا ضعيف بإتفاق المحدثين .

2) القرطبي:المرجع السابق،  ص1720.

22

5) القول بأن العربون بمنزلة الخيار المجهول مردود عليه بأن الأمر ليس كذلك إذ المشتري إنما يشترط خيار الرجوع في البيع مع ذكر مدة معلومة إن لم يرجع فيها مضت الصفقة وانقطع الخيار.

 

ثانيا : الرأي الذي يجيزه (يبيحه)

 

وهو مذهب الإمام أحمد ومحمد ابن مسيرين، وفعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعن ابن عمر أنه أجازه ،و قال ابن المسيب : «لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئا، وقال أحمد هذا في معناه .»

أ : أدلة هذا الإتجاه

استدل أنصار هذا الإتجاه بما يلي :

1- ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن زيد بن اسلم أن رسول الله – صلى الله عليه و سلم - سئل عن العربان في البيع فأحله .

2- ما رواه البخاري في باب ما يجوز من الاشتراط عن ابن سيرين قال :« قال رجل لكريه،(1) أرحل ركابك، فإن لم أرحل معك في يوم كذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح(2) من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه.» (3)

3- عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السحن من صفوان بن أمية فإن رضى عمر فالبيع له وإن لم يرضى فلصفوان أربعمائة.(4)

4. قياس العربون على صورة متفق على صحتها وهي أنه لا بأس إذا كره المشتري السلعة أن يردها ويرد معها شيئا حيث قال الإمام أحمد هذا في معناه.

                                                       
1) الكرى بتشديد الياء وزن « غنى » هو المكاري الذي يؤجر دوابه للسفر، وأرحل ركابك أي شد على دوابك رحالها استعدادا للسفر.

2) هو شريح بن قيس الكندي من أشهر القضاة، والفقهاء في صدر الإسلام ولاه عمر بن الخطاب قضاء الكوفة، واستمر فيها حتى استعفى في أيام الحجاج فأعفاه.

3)الإمام البخاري : صحيح البخاري في باب ما يجوز من الاشتراط-دار إحياء التراث العربي،بيروت-سنة1400، الطبعة الأولى، ج3، ص259.

4) إبن قدامة : المرجع السابق، ص 313.

23

ب :مناقشة أدلة هذاالإتجاه:

1) رد الجمهور حديث زيد بن أسلم بما قاله أبو عمر : هذا الحديث لا يعرف عن رسول الله – صلى الله عليه و سلم - وجه يصح، وإنما ذكره عبد الرزاق عن الأسلمي عن زيد أسلم مرسلا، وهذا مثله ليس بحجة ففي إسناده إبراهيم بن يحي وهو ضعيف.

وقال ابن رشد قال أهل الحديث هذا الحديث غير معروف عن رسول الله – صلى الله عليه و سلم - ،وقال ابن عبد الله ولا يصح ما روى عنه – صلى الله عليه و سلم - من إجازته فإن صح احتمل أن يحسب على البائع من الثمن إن تم البيع، وهذا جائز عند الجميع.(1)

بهذا قال القرطبي يحتمل أن يكون بيع العربان الجائز على ما تأوله مالك والفقهاء معه، و ذلك بأن يعربنه ثم يحسب عربانه من الثمن إذا اختار تمام البيع، وهذا الاختلاف في جوازه عند مالك وغيره.(2)

2) وأما ما رواه نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية فيمكن الرد عليها بعدة احتمالات:

الاحتمال الأول: أن البيع خلا من الشرط المفسد، وذلك مثلما لو دفع المشتري إلى البائع قبل البيع درهما، وقال:«لا تبع هذه السلعة لغيري، وإن لم اشتريها منك فهذا الدرهم لك» ثم اشتراها منه بعد ذلك بعقد مبتدئ، وحسب الدرهم من الثمن.

الاحتمال الثاني: يحتمل أن الشرّاء الذي اشترى لعمر كان على الوجه المتقدم فيحمل عليه جمعا بينه وبين فعله وبين الخبر وموافقة القياس والأئمة القائلون بفساد العربون.

 

 
 

 

 

 

 

 

                                                       
1) الإمام محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني :المرجع السابق  ، جـ3، ص324.

2)  أبو عبد الله محمد بن أحمد الإنصاري القرطبي :المرجع السابق ، ج3، ص 1720 .

 

24

ثالثا : الرأي الراجح

 

بعد استعراض أدلة الإتجاهين ومناقشتها، نستطيع أن نقول بأن ما ذهب إليه أنصار الإتجاه الثاني القائلين بجواز التعاقد بالعربون هو الأولى بالقبول لعدة أسباب منها :

السبب الأول : أن الأحاديث التي استدل بها أنصار الإتجاهين أحاديث ضعيفة وطالما أن الأمر كذلك فلابد من البحث عن دليل آخر يقوي حجة أحد الإتجاهين ،وقد وجدنا ما يعضد ويقوي حجة أنصار الإتجاه الثاني ألا وهو الأثر المروي عن نافع بن عبد الحارث عندما اشترى دارا للسجن لعمر من صفوان ابن أمية بأربعة آلاف فإن رضي عمر كان البيع نافذا، وان لم يرضى فلصفوان أربعة مائة درهم ،وهي ثابتة سمع بها الصحابة ولم ينكروها فكانت دليل إباحة التعاقد بالعربون.(1)

السبب الثاني : إن هناك صورتين أخريين تقربان من العربون  ومع ذلك تصحان دونه في رأي من يقول ببطلانه، أحدهما حالة البيع البات الذي يتلوه تقايل بدفع المشتري في مقابله شيئا، والصورة الأخرى عقدان متتاليين في الأول منهما يدفع المشتري إلى البائع قبل البيع درهما ويقول له لا تبع هذه السلعة لغيري، وإن لم اشتريها فالدرهم لك، وفي الثاني يشتريها بعقد مبتدأ ويحسب الدرهم من الثمن، فهذا البيع وهو العقد المبتدأ صحيح لأنه انفصل عن العربون وصار عقدا مستقلا، فخلا عن الشرط المفسد.

 

 

 
                                                       
1)    ومما يقوي هذا الحديث أيضا أن قصة شراء عمر بن الخطاب دارا للسجن بمكة من صفوان بن أمية قد اشتهرت بين أهل العلم، وبين من كتب في تاريخ مكة مثل : الأزرقي، الفاكهي، وابن شبة، حتى أنها كانت موجودة في عصر الفاكهي وكانت لا تزال سجن مكة.

أبو عبد الرحمان عدنان بن علي الأحمدي : بحث حول العربون – ملتقى أهل الحديث

الموقع :

www.ahlalhdeeth.com / vb/archive/index.php/t-8799.html

 

25

وأصحاب الإتجاه الثاني على حق في تصحيحهم لبيع العربون قياسا على هاتين الصورتين، بل في الصورة الثانية أي صورة العقدين المتتاليين عقد العربون، وعقد البيع المبتدأ يصعب فيها القول بأن المشتري إذا كره البيع لم يستحق البائع الدرهم لأنه يأخذه بغير عوض، فالعوض موجود وهو تفويت المشتري على البائع فرصة البيع من شخص آخر ربما كان أفضل سعر منه.(1)

السبب الثالث : طالما المشتري اشترط على نفسه فإنه يلتزم بذلك إنطلاقا مما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : « مقاطع الحقوق عند الشروط ولك ما شرط »، وما قاله البخاري في باب الشروط في القرض، وقال ابن عمرو عطاء إذا أحله في القرض جاز،(2) ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا، أوأحل حراما والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا، أو أحل حراما »(3)

والشرط الذي اشترطه المشتري على نفسه في التعاقد بالعربون لا يحل حراما، ولا يحرم حلالا فيكون شرطا مباحا لهذا قال ابن قيم الجورية في إعلام الموقعين: « ومن هنا قال الإمام أحمد لا بأس ببيع العربون لأن عمر فعله، وأجاز هذا البيع والشرط فيه مجاهد، ومحمد بن سيرين وزيد بن اسلم، ونافع بن عبد الحارث، وقال أبو عمر وكان زيد بن اسلم يقول أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم... والمقصود أن للشروط عند الشارع شأن ليس عند كثير من الفقهاء ، فإنهم يلغون شروطا لم يلغها الشارع، ويفسدون بها العقد من غير مفسدة تقتضي فساده، وهم متناقضون فيما يقبل التعلق بالشروط من العقود وما لا يقبله، فليس لهم ضابط مطرد منعكس يقوم عليه دليل، فالصواب الضابط الشرعي الذي دل عليه النص أن كل شرط خالف حكم الله،

 

 

 
                                                       
1) عبد الرزاق السنهوري : مصادر الحق في الفقه الإسلامي ،جـ2، ص96.

2) ابن قيم الجوزية :  إعلام الموقعين عن رب العالمين، ، دار الحديث الطبعة الأولى 1993م ، جـ3 ص312.

3) رواه الترمذي عن عمرو بن عوف المزتي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال حديث حسن صحيح، ورواه أو داود، وابن ماجة، وصححه ابن حيان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

26

 

وكتابه فهو باطل وما لم يخالف حكمه فهو لازم، يوضحه أن الالتزام بالشرط كالالتزام بالنذر، والنذر لا يبطل منه إلا ما خالف حكم الله، وكتابه بل الشروط في حقوق العباد أوسع من النذر في حق الله، والالتزام به أوفى من الالتزام بالنذر.(1)

ويكاد يجمع الاتجاه الجديد إلى الأخذ بجواز التعامل بالعربون لما فيه من مصلحة راجحة،(2) إذ أن عدم اشتراطه قد يسبب خصومات ومفاسد كبيرة خاصة في الاستصناع حيث يصنع العامل للمشتري ما يريد، فيضمن العربون للعامل أخذ المشتري للبضاعة، ويضمن للمشتري عدم غش الصانع، أو بيعه البضاعة لغيره، ومماطلته في حال لو دفع الثمن كاملا، وفي حالة عدم دفع أي شيء من المبلغ المتفق عليه، فأصبح العربون صمام أمان في كثير من المعاملات التجارية، إن لم يكن جميعها.

وقد جرى على هذا العمل بين الناس، فقد قرر المجمع الفقهي المنعقد في دورته الثامنة من 1 إلى 7 محرم1414 هـ في قراره رقم 72(3/8)المؤرخ في 02/12/2004 (3)ما يلي :

1) المراد ببيع العربون بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغا من المال إلى البائع على أنه إن أخذ السلعة احتسب من الثمن وإن تركها فالمبلغ للبائع.

ويجري مجرى البيع الإجارة لأنها بيع المنافع، ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحته قبض أحد البدلين في مجلس العقد (السلم)، أو قبض البدلين (مبادلة الأموال الربوية، والصرف) ولا يجرى في المرابحة للأمر بالشراء في مرحلة المواعدة ولكن يجري في مرحلة البيع التالية للمواعدة.

2) يجوز بيع العربون إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدود ويحتسب العربون جزءا من الثمن إذا تم الشراء ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري والله أعلم.

                                                       
1) ابن قيم الجوزية : المرجع السابق،  ص313 .

2) أبو عبد الرحمان عدنان بن علي الأحمدي البحث السابق.

غير أنه لو احتاط المسلم لدينه، وطلب البراءة له، وتجنب التعامل بالعربون، لكان ذلك حسنا من باب التورع عن الشبهات والله أعلم

(3 ( ملحق رقم 1 ) منشور بالموقع : http://www.islamtoday.netquestions\show_articles_content.cfm?id             

27

الفرع الثاني
 حكم العربون في العرف الجزائري
 
إن المعاملات بين الجزائريين طغى عليها التعاقد بالعربون لاسيما التجارية منها، لما فيه من حفظ للحقوق، وتسهيل للمعاملات، و كسب للثقة، هذا العربون الذي أدخل للثقافة الشعبية الجزائرية من قبل المستعمر الفرنسي.
         لقد نظم القانون المدني الفرنسي العربون بنص المادة 1590 التي تنص على أنه إذا اقترن الوعد بالبيع بدفع عربون كان لكل من المتعاقدين حق العدول عن العقد، فإذا عدل من دفع العربون خسره، و إذا عدل من قبضه وجب رد ضعفه، و بذلك يكون القانون الفرنسي قد أخذ بدلالة العدول، وقد رأى الفقه، و القضاء(1) أن هذا الحكم و لو ورد في شأن الوعد بالبيع إلا أنه يجوز تعميمه على سائر العقود التي يصاحب عقدها دفع عربون، و هذا ما يفسر شيوع التعامل بالعربون في عقد البيع بالذات بين الجزائريين.
         كما أن أحكام المادة 1590 من القانون المدني الفرنسي بقت هي المنظمة للعربون(2) بعد الاستقلال، و إلى غاية صدور الأمر رقم 75/58 المؤرخ في 25/09/1975 المتضمن القانون المدني و ذلك بموجب الأمر رقم 31/12/1962 الذي مدد العمل بالقوانين الفرنسية إلا ما تعارض منها مع السيادة الوطنية.
         و بصدور القانون المدني قرر المشرع الجزائري عدم تنظيم العربون و لا نعلم السبب الذي دفعه إلى ذلك هل كان سهوا أم فعل ذلك متعمدا ؟ حسب رأيي فإن عدم النص عليه يمكن إرجاعه إلى عدم الإجماع على حكمه في الشريعة الإسلامية ففضل المشرع عدم تنظيم هذه المسألة لأنه كان يعلم بأن العرف الموروث عن القانون الفرنسي ينظمها.
 
                                                       
1)    لمزيد من التفصيل أنظر الصفحة 15 من هذه المذكرة.

 

28

         لكن العرف(1)الساري به العمل في الجزائر خلال الفترة الممتدة من تاريخ صدور القانون المدني إلى غاية تعديله في 20جوان2005 ساير القانون الفرنسي فيما يخص دلالة العربون فجعلها دلالة عدول أما فيما يخص الأحكام الأخرى فقد أدخل عليها بعض التعديل بأن جعل ثمن عدول من قبض العربون هو إرجاعه لمبلغ العربون دون مثله أي دون أن يدفع شيئا مقابل عدوله في حقيقة الأمر، في حين إذا عدل من دفعه خسره، فعزز موقف البائع في مواجهة المشتري.
و تجدر الإشارة إلى أن المدة في العرف الجزائري الممنوحة للمتعاقدين ليعربا عن عدولهما كانت جد قصيرة لا تتعدى في اغلبها اليوم أو اليومين، باعتبار أن المعاملات اليومية التي كان يستعمل فيها العربون تستدعي السرعة .
 
الفرع الثالث
 موقف القضاء الجزائري
        
للإجابة على السؤال الذي تم طرحه في بداية هذا المطلب و المتعلق بالأساس القانوني الذي اعتمد عليه القضاء الجزائري لسد الفراغ القانوني في موضوع العربون؟ سأحاول مناقشة بعض الأحكام و القرارات ، والتي على ضوئها يمكن تحديد موقف القضاء الجزائري . 
         1) مناقشة الأحكام و القرارات
أ : مرحلة ما قبل صدور القانون المدني : خلال هذه المرحلة كان القضاء الجزائري يطبق أحكام المادة 1590 من  القانون المدني فرنسي على كل النزاعات المتعلقة بالعربون إما صراحة(2) ، و إما ضمنا و ذلك بالنص على القاعدة القانونية دون ذكر المادة .
 
                                                       
1)و يقصد به تلك العادات الجارية في المعاملة ، و التي يسير علها الناس في حياتهم ، لما يجدونه فيها من تحقيق لمصالحهم و خاصة في المسائل التجارية . عبد الحكم فودة المرجع السابق 227 .

2) لم نتمكن من الحصول على أي قرار صادر عن المحكمة العليا طبقت فيه أحكام المادة المادة 1590 ق م فرنسي صراحة على نزاع طرح بخصوص العربون  .

 3 ) قرار المحكمة العليا الغرفة المدنية المؤرخ في 31/01/1979 في الملف رقم 14447-  قرار غير منشور   - ( ملحق رقم 2)

29

فقد جاء في قرار المحكمة العليا الغرفة المدنية المؤرخ في 31/01/1979 :«... في حين أن ذلك الحكم قد ألزم البائعين أي المطعون ضدهما بأن يردا للطاعن بالنقض الثلاثة عشر ألف و خمسمائة دينار التي كان قد دفعها لهما على سبيل العربون مع أن الاجتهاد القضائي يقرر باستمرار أن البائع الذي يمتنع من تنجيز البيع يكون ملزما بدفع مضاعف العربون »
ما يلاحظ هنا أنه رغم رفع الدعوى قبل صدور القانون المدني أي في المرحلة التي كان فيها القانون الفرنسي هو المطبق، إلا أن قضاة المحكمة العليا لم يشيروا إلى المادة 1590 صراحة بل استعملوا عبارة  «الاجتهاد القضائي يقرر باستمرار » أي اعتمدوا على الاجتهاد رغم وجود نص قانوني، هذا الاجتهاد الذي هو أصلا تطبيق لهذه المادة.
ب : مرحلة ما بعد صدور القانون المدني و قبل تعديله: تتميز هذه المرحلة بعدم النص على العربون في القانون المدني .
*جاء في قرار المحكمة العليا(1) المؤرخ في 19/02/1986  :«حيث تبين من قراءة القرار المطعون فيه أن مجلس الجزائر استند في حكمه على القاعدة التي تنص : ( إذا تم الوعد بالبيع مع العربون فلكل متعاقد أن يتنصل من البيع ،و من قدم العربون يخسره و من قبضه يرد ضعفه ) و هي قاعدة يأخذ بها القانون المدني الفرنسي في مادته 1590 لكن القانون المدني الجزائري لم يتبناها ».
وما يلاحظ هنا أن قضاة المحكمة العليا نقضوا قرار مجلس الجزائر الذي استند على المادة 1590 من القانون المدني الفرنسي و اعتبروه منعدم الأساس القانوني ، و لكن لم يبرزوا موقفهم بخصوص الأساس الذي يجب أن يبنى عليه القرار .
* قضى الحكم رقم 1378/92 الصادر عن محكمة باتنة(1) بإلزام المدعى عليه برد المبلغ الذي تسلمه من المدعي و المقدرب44.000 دج و أن يدفع له مبلغ 5000دج تعويضا عن الضرر اللاحق به .
                                                       
1)قرار المحكمة العليا – الغرفة المدنية – القسم الثاني مؤرخ في 19/02/1986 في الملف رقم 43103 – قرار غير منشور ( ملحق رقم 3)

2) حكم مؤرخ في : 15/11/1992 صادر عن محكمة باتنة – القسم المدني – تحت رقم 1373/92 –  ( ملحق رقم 4 )

30

كيفت المحكمة في حيثياتها المبلغ المدفوع بأنه عربون ، فمن جهة قضت برده و من جهة أخرى قضت  بالتعويض ، من خلال ما درسناه حول دلالة العربون  نتساءل عن الدلالة التي أعطتها المحكمة للعربون ؟ فإن كانت دلالة بت فالحكم صحيح ، أما إذا كانت دلالة عدول فهو غير صحيح لأن الحكم في هذه الحالة يكون برد مبلغ العربون فقط (1) دون تعويض .
بعد إستئناف هــذا الحكم صدر القرار المؤرخ في:  09/02/1994 عن مجلس قضاء باتنة(2)، وجاء في إحدى حيثياته : « أن موضوع الدعوى يتعلق ببيع قطعة أرض دفع المستأنف عليه جزء من ثمن هذه الأرض للمستأنف » .
و هنا كيف قضاة المجلس المبلغ المدفوع على أنه جزء من الثمن .
بعد الطعن بالنقض صدر القرار المؤرخ في 13/03/ 1996 (3) الذي قضى بتأييد القرار المطعون فيه ، فاعتبر قضاة المحكمة العليا أن المبلغ المدفوع جزء من الثمن و بذلك كيف البيع على أنه بيع نهائي أي بات ، دون تأسيس ذلك .
* في قضية أخرى قضت محكمة الحراش(4) برد مبلغ العربون المقدر ب 150.000 دج ، و بهذا الحكم تكون قد كيفت المبلغ المدفوع على أنه عربون، و أعطت له دلالة عدول ، و ألزمت البائع برد مبلغ العربون فقط دون مثله تطبيقا للعرف السائد في الجزائر .
وبعد استئناف هذا الحكم صدر قرار من مجلس قضاء الجزائر(5) الغرفة المدنية ، جاء في إحدى حيثياته : « أن المستأنف عليه لم يخل بالتزاماته و بأن المسؤولية تقع على المستأنفة (المشترية ) » ، وبهذا التحليل من المفروض أن يقضي بفقد المشترية للعربون إلا أنه قضى ب :«إلغاء الحكم و القضاء من جديد برفض دعوى المستأنفة لعدم التأسيس» و تأسيس ذلك ليس كما أشرت إليه و لكن لأن مبلغ العربون وضع تحت تصرفها من طرف المستأنف عليه و بإمكان المستأنفة استلامه دون اللجوء إلى القضاء .
                                                       
1) حسب ما يقضي به العرف .

2) قرار مؤرخ في 09/02/94 صادر عن مجلس قضاء باتنة – الغرفة المدنية – تحت رقم : 343/94

 ( ملحق رقم 5)

3)  قرار المحكمة العليا – الغرفة المدنية – القسم الثاني مؤرخ في 13/03/96 في الملف رقم 133307 – قرار غير منشور ( ملحق رقم 6)

4) حكم مؤرخ في 31/01/1994 الصادر عن محكمة الحراش – مجلس قضاء الجزائر تحت رقم : 520/93 ( ملحق رقم 7)

5) قرار مؤرخ في 19/11/94  صادر عن مجلس قضاء الجزائر – الغرفة المدنة – تحت رقم : 4362/94  ( ملحق رقم 8)

31

و بذلك لم يؤسسوا سبب أحقيتها للعربون هل هو اتفاق الطرفين ؟، أم العرف؟ و هذا الأخير لا يقضي بذلك بحيث من تسبب في عدم تنفيذ الالتزام يفقد مبلغ العربون .هذا القرار طعن فيه بالنقض إلا أن المحكمة العليا رفضت الطعن(1).
2- تحديد الموقف
قبل الخوض في مدى إستقرار القضاء الجزائري بخصوص العربون من عدمه ، يتعين تقديم الملاحظات التالية :
1- في حكم واحد  يكيف المبلغ على أنه عربون و في نفس الوقت جزء من الثمن ، وكان لزاما على القضاة أن يبتوا في ما إذا كان المبلغ المدفوع هو في حقيقته عربونا أو جزءا من الثمن لاختلاف الحكم في الحالتين .
قد يخطئ الطرفان في تسمية الدفعة المقدمة كجزء من الثمن للبدء في تنفيذه على أنها عربونا فالعبرة بالنية لا بالألفاظ : «قد يثبت للمحكمة من ظروف الدعوى أن المبلغ الذي سمي عربونا في عقد البيع هو جزء من الثمن دفع دلالة على إتمام العقد و ضمانا لتنفيذه ، لا عربونا بالمعنى القانوني الذي يصح أن يتخذ وسيلة يتمكن بها المتعاقدان من نقض العقد و التخلص منه. »(2)
2-عدم تأسيس القواعد التي على أساسها تم الفصل في النزاع، أي من أين استمدوا أحكام العربون هل من الشريعة الإسلامية أم من العرف ؟
في حين في مصر استقر العرف قبل القانون المدني الجديد على نفس دلالة العربون الحالية : « جرى العرف فيما يختص بالعربون بأن المشتري إذا عدل عن الشراء يفقد حقه في العربون الذي دفعه ، و كذلك إذا عدل البائع عن البيع يجب أن يرد العربون مضاعفا.»(3)
                                                       
1) قرار مؤرخ ف 19/11/1994 الصادر عن المحكمة العليا الغرفة المدنية في الملف رقم : 139895 – قرار غير منشور ( ملحق رقم 9)

2) استئناف مصر 15 مايو 1949 المحاماة 31 رقم 325 ص 1107 – عبد الحكم فودة المرجع السابق ص 120 ، 121

3) إستئناف 3 مايو 1920 المجموعة 22 رقم 112 ص 181 مرجع القضاء 2679 – عبد الحكم فودة المرجع السابق ص 153 .

 

 

32

لا يكاد يختلف اثنان على أن القضاء الجزائري كان يطبق في مسألة العربون العرف السائد في الجزائر ، إلا أنهم لم ينصوا صراحة عليه كما فعله القضاء المصري الذي طبق العرف باعتباره المصدر الثاني.فكان لزاما على القضاء الجزائري طبقا للمادة الأولى من القانون المدني في حالة عدم وجود نص قانوني أن يلجؤا إلى أحكام الشريعة الإسلامية و هذا ما لم يحدث بحجة عدم الإجماع بين الفقهاء حول مسألة العربون فانتقلوا مباشرة إلى المصدر الثالث و هو العرف .
و لكن على ضوء كل ما تقدم أقول بأن القضاء الجزائري كان متذبذب في تحديده لدلالة العربون، فأحيانا يعتبرها دلالة بت ،و أخرى دلالة عدول ، و يمكن إرجاع ذلك إلى قلة القضايا المطروحة على القضاء باعتبار أن العربون دائما ما يكون مبلغا ضئيلا مقارنة بالمبلغ الأصلي مما يحول دون تكبد خاسره عناء اللجوء إلى القضاء، و في حالة العكس فنادرا ما يتم سلوك طريق الطعن بالنقض ، الشيء الذي أدى إلى قلة القرارت الصادرة عن المحكمة العليا ، و عدم إجماع قضاتها على مبدأ معين ، و هذا  ما أثر على موقف قضاة الدرجة الأولى و الإستئناف .
 
 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

33

 المطلب الثاني
أحكام العربون في ظل القانون المدني بعد التعديل
         لقد عدل المشرع الجزائري القانون المدني بموجب القانون رقم 05/10 المؤرخ في 20 جوان 2005 و أدرج بموجب المادة 24 في الكتاب الثاني: الالتزامات و العقود، في الباب الأول: مصادر الالتزام في  الفصل الثاني: العقد ، في القسم الثاني: شروط العقد المادة 72 مكرر التي تنص على مايلي:
« يمنح دفع العربون وقت إبرام العقد لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه خلال المدة المتفق عليها، إلا إذا قضى الإتفاق بخلاف ذلك.   
 فإذا عدل من دفع العربون فقده.
و إذا عدل من قبضه رده و مثله و لو لم يترتب على العدول أي ضرر.»                
و بذلك تكون أحكام العربون الواردة في هذه المادة حكما عاما يصدق على العربون في سائر العقود، كعقدي البيع و الإيجار الشائع التعامل بالعربون فيهما.
و يستفاد من نص هذه المادة و كما تم تبيانه في الفصل الأول أن دفع العربون متروك لإتفاق المتعاقدين، فإذا دفع العربون وقت إبرام العقد و لم يتفق صراحة، أو ضمنا على أن العربون إنما دفع لتأكيد البتات في التعاقد، كان دفعه دليلا على أن طرفي التعاقد إنما أرادا أن يكون لكل منهما الحق في العدول عن التعاقد، و يستوي في ذلك أن يكون التعاقد بيعا، أو إيجارا ،أو أي تعاقد آخر. وإذا حدد المتعاقدان مدة معينة يجوز فيها العدول عن العقد و انتهت هذه المدة و لم يعدل أي منهما فإن العقد يصبح باتا، و يعتبر العربون تنفيذا جزئيا له ووجب تنفيذه.
و لهذا سأتناول بالدراسة حالتي استعمال حق العدول، و عدم استعماله، مع تبيان الحكم القانوني لكل حالة على حدى.
34

الفرع الأول

في حالة استعمال حق العدول

 
الأصل أن مجرد دفع عربون عند التعاقد يفيد احتفاظ المتعاقدين بحق العدول لكل منهما في مقابل خسارة ما يعادل العربون، و تعتبر هذه الخسارة بمثابة ثمن لاستعمال الحق في العدول يصبح مستحقا في ذمة من عدل لمجرد عدوله، و بقطع النظر عن حصول ضرر للطرف الآخر أو عدم حصوله، و إذا حدد العاقدان ميعادا لنقض العقد في مقابل ترك العربون فإن الحق في نقضه يسقط بعدم استعماله قبل انقضاء هذا الميعاد.و لهذا سأتطرق أولا المدة التي يجوز للمتعاقدين العدول خلالها، وثانيا للأحكام القانونية التي تطبق في حالة استعمال حقهما في العدول.
 
أولا: وقت إبداء الرغبة في العدول
لا يجوز أن يكون خيار العدول مؤبدا، و بالتالي يتعين تأقيت مدة العدول بفترة زمنية محددة، يكون العقد باتا إذا لم يستعمل خيار العدول خلالها.
يقول صلى الله عليه و سلم: «إذا ابتعت فقل لا خلابة و لي الخيار ثلاثة أيام ». و بالتالي لو كان شرط الخيار لأكثر من ثلاثة أيام أو كان الخيار غير محدد المدة فإن ذلك يؤدي إلى إفساد العقد. و يرى زفر أن مثل هذا العقد لا يلحقه إجازة، و عند أبي حنيفة أن العقد يكون صححا حتى اليوم الثالث ،و يلحقه الفساد في اليوم   الرابع أو في جزء منه.
و يرى المالكية عدم التقيد بالأيام الثلاثة، فيجوز أن تكون أقل من ثلاثة، أو أكثر منها فقد يرى المتعاقدان إعطاء مهلة شهر للتروي، و التدبر قبل البت في أمر العقد.
و يري الحنابلة ضرورة النص على مدة محددة، دون ترك المدة مفتوحة ، فإذا كانت المدة مجهولة بطل الشرط، و صح العقد.
 

35

لقد نصت المادة 72 مكرر من القانون المدني على أنه «... لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه خلال المدة المتفق عليها.....»
و عليه يمكن للمتعاقدين الاتفاق علـى المدة التي يجوز لهما خلالها العدول (1) عن العقد إما صراحة، أو ضمنا حتى لا يظل المتعاقد قلقا لا يعرف متى يكون هذا العدول، فإذا انقضت هذه المدة فلا يجوز لهما العدول و يعتبر العقد باتا ،و نهائيا، و يعتبر العربون تنفيذا جزئيا له ووجب استكمال التنفيذ. أما إذا اختلف الطرفان في هذه المدة فإنه يمكن الاحتكام للقضاء الذي يضع المدة المعقولة المناسبة للعدول.
كما أنه إذا لم يعين للعدول مدة في العقد، جاز للمتعاقد أن ينذر الطرف الآخر باستعمال حقه في العدول خلال مدة معقولة (2)، كما يجوز لكل من له هذا الحق أن يعدل عن العقد حتى وقت التنفيذ، طالما أنه لم يتنازل عن حقه هذا صراحة، أو ضمنا فالبائع الذي أظهر نيته في أن يمضي في العقد دون استعمال حقه في العدول، و أخذ يقوم بالإجراءات اللازمة لإتمام العقد حتى أوشك على إتمامها، فإن موقفه هذا يدل على نزوله عن الحق في العدول عن العقد، و أن الصفقة تعتبر بالنسبة له صفقة باتة، و نهائية فإذا عدل فجأة لا يقتصر جزاءه على خسارة العربون بل يجب أيضا أن يدفع تعويضا لإساءته استعمال حقه في العدول(3) .
 
ثانيا : الأحكام القانونية لهذه الحالة
إن اتفاق المتعاقدين يحدد دلالة العربون المدفوع عند التعاقد ، فإذا لم يوجد اتفاق اعتبر العربون دليلا على رغبة كل من المتعاقدين في الارتباط نهائيا بالعقد ، و جواز العدول عن ذلك لكل منهما ، فإذا عدل أحد المتعاقدين عن إتمام العقد قبل الارتباط النهائي به خسر قيمة العربون ، بمعنى أنه إذا كان هو الذي دفع العربون فليس له أن يسترده من المتعاقد الآخر ، و إذا كان هو الذي قبض العربون فإنه يرده و يرد مثله أي يرد ضعفيه (4) لأنه إذا رد قيمة العربون فقط دون مثلها لم يدفع شيئا مقابل عدوله .
                                                       
1) إن المادة 103 من القانون المدني المصري التي تعتبر المادة 72 مكرر من القانون المدني الجزائري مستمدة منها لم تنص على تحديد المدة ، بل تركها المشرع المصري إلى تطبيق القواعد العامة لأنه لا يمكن ترك هذه المدة مفتوحة .

2) د أحمد شوقي محمد عبد الرحمان : المرجع السابق ،ص 68 .

3) د السنهوري : المرجع السابق ص 260

4) تنص المادة 103 قانون مدني مصري : «وإذا عدل من قبضه رد ضعفه ...» و قد جاء في الخامش رقم 1 السنهوري ج1 ص 263 ... الصحيح (ضعفيه) لا ضعفه كما ورد في النص القانوني ، فالضعف هو المثل و المثلان ضعفان لا ضعف واحد ، وضعف الشيء مثله في المقدار أو مثله و زيادة غير محصورة .

36

كما أنه ليس هناك داع للحكم بفسخ التعاقد بناء على تخلف أحد المتعاقدين عن إتمام العقد، فليس البائع بحاجة إلى إستصدار هذا الحكم إذا أراد أن يقضى له بإستبقاء العربون، ولا المشتري بحاجة إليه أيضا إذا أراد أن يقضى له برد العربون مضاعفا.
و منه إذا باع شخص لآخر شيئا بمبلغ 800.000 دج و اتفقا على مبلغ 20.000 دج كعربون لإتمام البيع، فإذا عدل المشتري عن الشراء خسر قيمة العربون أي 20.000 دج، و إذا عدل البائع رد للمشتري مبلغ 20.000 دج، و مثله أي 20.000 دج أخرى بما يعادل 40.000 دج.
و خسارة قيمة العربون لم يعتبرها النص تعويضا للعدول عن التعاقد، لأنه قضى بها، و لو لم يترتب على العدول أي ضرر بينما التعويض لا يحكم به إلا إذا ترتب ضرر، فالإتفاق على العربون بهذا يختلف عن الإتفاق على التعويض (الشرط الجزائي).
و عليه يلتزم المتعاقد الذي عدل عن العقد بدفع مبلغ العربون أو رد ضعفيه حتى و لو كان المتعاقد الآخر لم يصبه أي ضرر جراء هذا العدول، كما لا يلتزم المتعاقد الذي عدل عن العقد إلا بدفع مبلغ العربون ،أو رد ضعفيه إلى الطرف الآخر حتى لو كان هذا الأخير قد أصابه ضرر من جراء هذا العدول يزيد كثيرا عن مقدار ما سيدفعه الطرف الذي عدل عن العقد.
و نظر لخلط الكثيرين بين العربون، و الشرط الجزائي يجدر بنا تحديد الفرق بينهما، و لهذا سنلقي الضوء أولا على التعريف بالشرط الجزائي حتى تقوم التفرقة على أساس سليم.
أ. التعريف بالشرط الجزائي :
الشرط الجزائي هو ما يسمى بالتعويض الاتفاقي(1) ،و قد نص عليه المشرع الجزائري في المادة 183 من القانون المدني ، ومعناه الاتفاق مقدما بين الدائن، والمدين على مقدار التعويض إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، أو تأخر عن تنفيذ الالتزام،(2) وسمي بالشرط الجزائي لأنه يوضع كشرط ضمن شروط العقد الأصلي الذي يستحق التعويض على أساسه كما يمكن أن يكون في اتفاق لاحق للعقد الأصلي بشرط أن يكون ذلك قبل وقوع الضرر الذي يقدر على أساسه التعويض حتى لا يلتبس الشرط الجزائي بالصلح.(3)
                                                       
1)من أصحاب هذا الرأي : عبد الرزاق السنهوري الوسيط، جـ2، ص851  ، سمير عبد الناصر تناغو : عقد البيع ، الفنية للطباعة و النشر ص 62 ، عبد الناصر توفيق العطار : المرجع السابق ص 8 4 ، أحمد شرفي محمد  عبد الرمان : المرجع السابق ، ص 67 .

2) عبد الرزاق السنهوري الوسيط، جـ2، ص851.

3) عبد الرزاق السنهوري ،نفس المرجع، ص851 وهامش 1

37

ومن الأمثلة على الشرط الجزائي: عقد المقاولة فقد يتضمن شرطا جزائيا يلزم المقاول بدفع مبلغ معين من المال إذا تأخر عن تسليم العمل المعهود إليه إنجازه في المدة المحددة له. وهناك شرط جزائي من نوع مختلف نجده في البيع بالتقسيط إذا تأخر المدين عن سداد قسط من الأقساط فإن جميع الأقساط تكون واجبة الدفع، فهذا شرط جزائي وإن لم يتمثل في مبلغ معين يدفعه المدين لأن تعجيل الأقساط يعد بمثابة عقاب عن ضرر ارتكبه المدين والمتمثل في التأخير عن سداد الأقساط في موعدها المحدد، ويصح كذلك أن يكون الشرط الجزائي شيئا، أو عملا أو امتناعا عن عمل، أو تقصير ميعاد في استعمال الحق، أو تشديدا في شروط استعماله، أو تغير مكان تنفيذ الالتزام.
وقد يكون الشرط الجزائي بمثابة تهديد مالي، وذلك إذا اتفق المتعاقدان على مبلغ من المال يزيد كثيرا على الضرر الذي يتوقعانه، وقد يكون بمثابة إعفاء، أو تخفيف من المسؤولية إذا اتفقا على مبلغ صغير يقل كثيرا عن الضرر المتوقع، وقد يكون الغرض منه تأكيد التزام المتعهد عن الغير بتقدير مبلغ من المال يكون بمثابة تعويض إذا لم يقم بحمل الغير على التعهد.
ب. الفرق بينهما:
إذا كان الواضح من نص المادة 72 مكرر من القانون المدني أن دلالة العربون هي جواز العدول عن العقد، حيث يجوز لكل من المتعاقدين أن يرجع عن العقد بعد إبرامه نظير دفع مبلغ العربون فقد يشتبه العربون إذن بالشرط الجزائي لكن الفرق كبير بينهما يعرف ذلك من خلال ما يأتي:
1- العربون هو المقابل لحق العدول عن العقد، فمن عدل عن العقد كان له ذلك في مقابل دفع العربون، فإذا كان المشتري مثلا في عقد البيع هو الذي عدل عن التعاقد فإنه يفقد العربون الذي دفعه، وإذا كان البائع هو الذي عدل فإنه يرد العربون الذي أخذه ومثله معه. بخلاف الشرط الجزائي فهو تعويض عن ضرر قد وقع فعلا، ويترتب على ذلك أن الالتزام بدفع العربون قائم حتى لو لم يترتب عن العدول عن العقد أي ضرر بخلاف الشرط الجزائي فإنه لا يستحق إلا إذا وقع ضرر فعلا للدائن ذلك أن الضرر من أركان استحقاق التعويض فإذا لم يوجد ضرر لم يكن التعويض مستحقا، ولا محل لإعمال الشرط الجزائي.(1)
                                              
 1- عبد الرزاق السنهوري: الوسيط، جـ1 ص263، جـ2، ص864، وجـ4 ص92.
38

2- لا يجوز تخفيض العربون سواء كان الضرر الذي لحق المتعاقد الآخر من جراء العدول عن العقد مناسبا للعربون أم غير مناسب، فقد يكون الضرر الذي أصاب المتعاقد الآخر من جراء العدول يحتاج إلى مبلغ كبير لا يتناسب مع العربون، وقد يكون بسيطا أي أن مبلغ العربون أكثر من التعويض المستحق.ففي كل الحالات لا ينظر إلى الضرر الذي لحق أحد المتعاقدين من جراء العدول. بل قد لا يوجد ضرر أصلا، أما الشرط الجزائي فكما سبق القول ينبغي أن يكون هناك ضرر أصاب أحد المتعاقدين، وبالتالي يجوز تخفيض التعويض حتى يتناسب مع الضرر بل يجوز للقاضي ألا يحكم به أصلا إذا لم يلحق الدائن أي ضرر(1).
3- لا يجوز للدائن في حالة دفع العربون أن يطالب بالتنفيذ العيني بأن يتمسك بتنفيذ العقد، بخلاف الدائن في حالة وجود الشرط الجزائي حيث يجوز له أن يطالب بالتنفيذ العيني، ولا يطالب بتطبيق الشرط الجزائي.
         بإعتبار أن العدول هو تصرف قانوني صادر بإرادة منفردة، فإن السؤالين الذين يطرحان و يستوجبان الإجابة عليهما:
         1-هل يجوز للمتعاقد الرجوع في العدول ؟ أي : هل إذا صدر هذا التصرف يمكن الرجوع فيه و التمسك بتنفيذ العقد ؟
الأصل أنه لا يجوز لمن تصرف منفردا أن يرجع فيه، فالتصرف القانوني ليس إخبارا حتى يمكن العدول عنه، بل واقعة ترتب آثارا قانونية معينة ،فالعدول يرتب مركزا قانونيا جديدا يعطي للمتعاقد الآخر الحق في أن يتمسك به كتصرف ظاهر ، و لكن ليس معنى هذا أن الرجوع في العدول أمر مستحيل، أو مطلق ، ذلك أن لمن عدل أن يتفق مع الطرف الآخر على تمديد مدة الخيار بالإتفاق على أن الطرفين حددا مدة أخرى لخيار العدول من جديد الأمر الذي يعني إسقاط العدول السابق، و إعتباره كأن لم يكن (2)، و عندئذ تبدأ الدورة التعاقدية من جديد و تنطبق عليها شروط المادة 72 مكرر قانون مدني .
 
                                                       
 1- أنظر المادة 184 من  القانون المدني الجزائري.
 2- عبد الحكم فودة :المرجع السابق، ص 253.
39

         2- هل إذا ما تمسك المتعاقد بحقه في العدول عن إتمام العقد يعد متعسفا في استعماله لهذا الحق ؟
لو قلنا بأن الإجابة تأتي على الإطلاق لصادرنا نص المادة 72 مكرر ولما أمكن تطبيقه، لأن ذلك يعني أن المتعاقد لا يستطيع أن يتحلل من العقد المصحوب بعربون خشية جزاء المسؤولية التقصيرية الناجمة عن التعسف، و إنما يجب وضع المسألة في قالبها الصحيح، فالتعسف في استعمال خيار العدول تحقق إذا كان العدول مفاجئا، و في وقت غير مناسب، و بلا مبرر يقتضيه، فذلك يمثل إساءة لاستعمال الحق يؤدي إلى تعويض يتجاوز خسارة العربون، و رد مثله للمشتري. فالجزاء الأصلي لا يوقع إلا مقابل العدول في ذاته مجردا من كل ظرف جعل منه فعلا ضارا يرتب  المسؤولية(1).
فإذا تكشف للقاضي انطباق شروط التعسف في استعمال الحق المنصوص عليها بالمادة 124 مكرر من القانون المدني، فإنه لا يكتفي بإلزام من عدل بالجزاء المقرر بالمادة 72 مكرر فقرة 2 بل يتجاوزه إلى إلزامه بالتعويض لجبر الضرر الناتج عن التعسف في استعمال الحق كواقعة مستقلة عن حق العدول إعمالا للقواعد العامة للمسؤولية التقصيرية (المادة 124 ق م )، و بالتالي لا يشترط دائما أن العربون هو المقابل للعدول، بل قد يتعداه التعويض إلى العربون، و مبلغ إضافي لجبر الضرر الناتج عن الخطأ التقصيري.(2)
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
                                                       
1) عبد الحكم فودة: المرجع السابق، ص 252 .
2) عبد الحكم فودة :المرجع السابق، ص 252.
40

 
الفرع الثاني

في حالة عدم استعمال حق العدول
 
إذا قام أحد المتعاقدين باستعمال حقه في العدول عن العقد وجب عليه أن يدفع للطرف الآخر المقابل لهذا العدول. و بفوات المدة المتفق عليها بين المتعاقدين لاستعمال حق العدول دون أن يستعمل هذا الحق يعتبر العقد باتا لا يجوز الرجوع فيه، و يجب تنفيذه.
و منه فإذا تم الارتباط نهائيا بالعقد، و نفذ الالتزام الذي من أجله دفع العربون، فإن العربون يخصم من قيمة هذا الالتزام كأن يخصم من ثمن المبيع في عقد البيع ، فإذا كان ثمن المبيع 800.000 دج، و العربون 20.000 دج فإن المشتري يدفع للبائع 720.000 دج فقط  على أن العربون يرد لمن دفعه إذا لم يعدل عن التعاقد، و لكن استحال خصمه من الالتزام الذي تم تنفيذه ، أو استحال تنفيذ العقد لظروف خارجة عن إرادة كل من المتعاقدين ، أو فسخ العقد باتفاق بين المتعاقدين، أو بخطأ منهما معا و ذلك تطبيقا للقواعد العامة .
         أما إذا لم يقم أحدهما بالتنفيذ تعرض للجزاء المنصوص عليه في المسؤولية العقدية، فيحق للطرف لآخر حسب المادة 119 من القانون المدني أن يطلب التنفيذ العيني، أوالفسخ. و في الحالتين يجوز للمحكمة أن تقضي بتعويض قد يكون مساويا للعربون(1) ،أو أكثر، أو أقل، و ذلك طبقا للقواعد العامة في تقدير التعويض عن عدم التنفيذ المنصوص عليها بالمادة 182 من القانون المدني(2).
 
 

 

 

                                                       
1) قد يعتبر العربون كشرط جزائي  : د محمد حسنين : عقد البيع في القانون المدني – ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر-  سنة 2000 ، بدون طبعة ،  هامش رقم 1، ص 38  .

2) ينص الفصل 290 من تقنين الالتزامات و العقود المغربي على أنه «إذا كان الالتزام غير ممكن التنفيذ، أو إذا فسخ بسبب خطأ الطرف الذي أعطى العربون ، كان لمن قبضه أن يحتفظ به و لا يلتزم برده إلا بعد أخذه التعويض الذي تمنحه له المحكمة إن اقتضى ذلك الأمر  »

41

المبحث الثالث
 تكييف التعاقد بالعربون
 
 
تبين لنا من خلال ما سبق أن الأصل في العربون هو دلالته على العدول، مما يجعله صورة من صور الخيارات في الفقه الإسلامي، وبخاصة خيار الشرط، وذلك لأن حق العدول المعروف في القانون المدني ما هو إلا حق فسخ اكتسبه دافع العربون بفعله المتجسد في تقديم العربون ولهذا فإن كلا من خيار الشرط،وخيار العدول مسميان لشيء واحد هو حق الفسخ. إذ يتجلى أثر خيار الشرط فيما يمنحه للمشترط من قدرة على فسخ الرابطة العقدية بإرادته المنفردة، ويحقق خيار العدول المستفاد من العربون نفس الأثر، وكل ما يميز بينهما هو المقابل، فحق الفسخ بمقتضى خيار الشرط ليس له مقابل واضح، أما حق الفسخ بمقتضى خيار العدول المستفاد من دفع العربون فهو فسخ يدفع المستفيد منه ثمنه وهو مبلغ العربون إذا كان العدول من قبل دافعه، وضعفيه إذا كان العدول ممن قبضه.
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن العقد المقترن بالعربون لا يكون قطعيا ويبقى لكل من الطرفين حق العدول عنه أو التنفيذ، كذلك الأمر في العقد المقترن بخيار الشرط فلكل من المتعاقدين الحق في العدول عن التعاقد أو التنفيذ، وأيضا على كل من المستفيد من خيار العدول في العربون وخيار الشرط أن يمارس حقه في الخيار في المدة المحددة لذلك وإلا سقط حقه في الخيار.

وقد اختلف الفقهاء حول تحديد تكييف التعاقد بالعربون فمنهم من جعله عقد معلق على شرط واقف ،ومنهم من جعله عقد معلق على شرط فاسخ، ومنهم من رأى بأنه البدل في التزام بدلي، وأخيرا رأى البعض بأنه تعاقد يتضمن اتفاقين متميزين على هذا سنناقش هذه الآراء تباعا.

 

 

 

 

42

المطلب الأول
التعاقد بالعربون عقد معلق على شرط
 

يرى بعض الفقهاء أن التعاقد بالعربون عقد معلق على شرط ثم اختلفوا فيما بينهم حول طبيعة، ونوع الشرط المعلق عليه العقد هل هو شرط واقف أم شرط فاسخ ؟

 

الفرع الأول

التعاقد بالعربون عقد معلق على شرط واقف

يـرى بعض الفقهاء أن التعاقد بالعربون عقد معلق على شـرط واقـف،(1) (Condition surpensiué) وهو أن لا يعدل أحد العاقدين عن العقد خلال مدة معينة وهذا التكيف هو الذي يتفق  وما تذهب إليه إرادة المتعاقدين، إذ أن خيار العدول يدل على أن رضا المتعاقدين بالعقد ليس نهائيا ،وبالتالي توقف جميع الآثار التي ينتجها العقد إلى أن يسقط خيار العدول وبسقوط هذا الخيار بعدم استعماله يتحقق الشرط الواقف، وبالتالي تتحقق كافة الآثار بأثر رجعي إذ أن العقد ينعقد منذ إبرامه لا من الوقت الذي تحقق فيه الشرط، أما إذا تخلف الشرط الواقف، وعدل أحد المتعاقدين عن التعاقد فإن العقد لا ينتج أي أثر من آثاره ويلتزم من عدل برد العربون.

 

الفرع الثاني

التعاقد بالعربون عقد معلق على شرط فاسخ

يـرى بعض الفقهاء أن التعاقد بالعربون عقد معلق على شـرط فاسـخ،(2) (Condition résolution) هو عدول أحد العاقدين عن العقد في مدة معينة.

                                                       
1) الشرط الواقف هو الشرط الذي يتوقف على تحقيقه وجود الإلتزام وعلى تخلفه تخلف الإلتزام.

د/ السنهوري: الوسيط ، جـ3، ص27.

2)    الشرط الفاسخ هو الشرط الذي يترتب على تحقيقه زوال الالتزام.المرجع السابق ، ص 27 .

43

والالتزام المعلق على شرط فاسخ يوجد في الحال، وينفذ لكن زواله هو الذي يعلق على الشرط فإذا تحقق الشرط زال الإلتزام، واعتبر كأن لم يكن، أما إذا تخلف فقد أصبح الإلتزام باتا.(1)
وهكذا نجد أن العقد المعلق على شرط فاسخ ينتج جميع أثاره من وقت انعقاده، فإذا عدل أحد العاقدين تحقق الشرط الفاسخ وبالتالي زال كل أثر للعقد فإذا كان الذي  عدل هو دافع العربون يفقده، وإذا عدل الذي قبضه رد العربون ومثله معه، أما إذا تخلف الشرط الفاسخ ولم يحدث عدول من أحذ الطرفين في المدة المحددة فإن العقد يعتبر نهائيا.
 

الانتقاد : ويؤخذ على ما ذهب إليه أنصار الرأيين السابقين أنه متى تخلف الشرط الواقف أو تحقق الشرط الفاسخ فإنه يترتب على ذلك زاول العقد بجميع آثاره بأثر رجعي فلا يبقى ثمة أي سند قانوني لالتزام من رجع عن العقد بأن يدفع من ماله إلى المتعاقد الآخر ما يوازي مقدار العربون ، فإذا كان العقد قد زال بأثر رجعي فكيف يمكن مع هذا القول بأن من عدل عن العقد يلتزم برد ضعف العربون إذا كان هو الذي قبضه والتزم من قدم العربون بتركه كله إذا كان هو الـذي عدل.(2)
 

المطلب الثاني

التعاقد بالعربون بدل في التزام بدلي

 

يرى بعض الفقهاء(3) أن التعاقد بالعربون عقد ينشئ التزاما بدليا في ذمة كل من طرفيه، فيمكن تكييفه بأنه البدل في التزام بدلي.
 

 

 

 

                                                       
1) السنهوري:الوسيط  ،جـ3،ص28.

2) السنهوري: الوسيط، جـ 4، ص 91 ، هامش 1.

3)  من أنصار هذا الرأي د/السنهوري: الوسيط، جـ1، ص264..

 

 

44

فالالتزام البدلي هو الإلتزام غير المتعدد المحال، بل له محل واحد ولكن المدين يستطيع، أو يؤدي شيئا آخر بدلا منه فينتهي بذلك التزامه مثاله كما لو التزم شخص لآخر بإعطائه دارا، واحتفظ لنفسه بالحق أن يعطيه إذا شاء أرضا بدلا من الدار، أو أن يقرض شخص لآخر مبلغا من المال ويتفق معه إذا لم يشأ أن يرد مبلغ القرض عند حلول أجل الدين أن يعطيه بدلا منه دارا أو أرضا معينة، فالدار والنقود في المثالين السابقين هما الأصل، أما الأرض، والدار ،أو الأرض هما البديل. ويجب أن يتوفر في المحل الأصلي جميع الشروط الواجب توفرها في محل الالتزام وإلا كان الإلتزام باطلا. أما البديل فإن توافرت فيه الشروط أمكن أن يقوم مقام الأصل، وإلا سقط هو ويبقى الإلتزام بمحله الأصلي قائما ولكن يصبح التزاما بسيطا ذا محل واحد دون بديل، من ذلك يتضح أن البدل ليس محلا للإلتزام، فليس هو الشيء الذي يمكن للدائن أن يطالب به ولكنه شيء يقوم مقام المحل الأصلي في الوفاء.

والإلتزام البدلي كوصف للإلتزام كالعربون سواء بسواء لا فرق بينهما إذا كان العربون قد اتفق عليه ليكون وسيلة للرجوع في العقد لا للتأكيد، ذلك أن العربون في هذه الحالة يعطي الفرصة للمدين أن يؤديه بدلا من إلتزامه الأصلي فيبدأ بتأديته، ففي عقد البيع مثلا إذا كان المشتري قد دفع عربونا يكون ملتزم أصليا بتنفيذ الصفقة فيأخذ الشيء المبيع ويعطي الثمن، ويستطيع أن يبرأ من هذا الإلتزام الأصلي إذا هو أدى العربون فيكون العربون بدلا من إلتزامه الأصلي، كذلك البائع الذي أخذ العربون يلتزم بتنفيذ الصفقة فيأخذ الثمن، ويعطي الشيء المبيع كالتزام أصلي يلتزم به، ويستطيع مع ذلك أن يبرأ هذا الالتزام الأصلي إذا هو تنازل عن العربون الذي دفعه فيكون العربون إذن بدلا عن التزامه الأصلي.(1)

 

 

 
 
                                                       
1) عبد الرزاق السنهوري: الوسيط، جـ3، ص176، 178، 179.

45

الإنتقاد : اعترض البعض على تكييف العربون بأنه البدل في إلتزام بدلي، بأن الالتزام البدلي يكون التزاما واحدا ذا محلين متعادلين أحدهما أصلي، والثاني يجوز للمدين أن يفي به بدلا من المحل الأصلي وليس الأمر كذلك في البيع بالعربون لأن الالتزامات التي ينشئها البيع البات في ذمة البائع متعددة، ولكل منها محله الخاص، ويجوز للبائع في البيع بالعربون أن يبرأ منها جميعا بمجرد عدوله عن البيع على أن يحل محلها إلتزام آخر يختلف عنه وهو إلزامه بدفع العربون فلا يستقيم القول باعتبار ذلك التزاما بدليا.(1)

وأجيب عن هذا الاعتراض بأنه ليس هناك ما يمنع أن يكون المحل الأصلي في الالتزام البدلي محالا متعددة بينما يكون البديل محلا واحدا.(2)

 

المطلب الثالث

التعاقد بالعربون يتضمن اتفاقين متميزين

 

يرى بعض الفقهاء أن التعاقد بالعربون يتضمن اتفاقين متميزين أولهما الاتفاق على التعاقد مقترنا بشرط واقف، أو فاسخ بحسب قصد المتعاقدين، والثاني اتفاق على تعيين ثمن لاستعمال الحق في العدول يلتزم بمقتضاه من يستعمل هذا الحق أن يدفع مبلغا يوازي قيمة العربون (3) ويعتبر هذا الاتفاق الأخير باتا أيا كانت طبيعة الشرط المقترن به العقد فإذا استعمل أي من المتعاقدين حقه في العدول تحلل من التعاقد ووجب عليه دفع ما يوازي قيمة العربون وإلا فلا يجب عليه.

 

 

 

 

                                                       
1) سليمان مرقس: شرح القانون المدني ( العقود المسماة عقد البيع ) – عالم الكتب بيروت ،سنة 1980 الطبعة الرابعة، ص76، 77.

2) السنهوري: الوسيط، جـ4، ص91، هامش 1.

3) سليمان مرقس: المرجع السابق، ص 77.

46

قد يتجه الرأي بناء على ذلك إلى تكييف التعاقد بالعربون بأنه يتضمن اتفاقين متميزين أولهما الإتفاق على التعاقد مقترنا بشرط فاسخ أو واقف بحسب قصد المتعاقدين، والثاني اتفاق على إنشاء إلتزام بدفع ما يوازي قيمة العربون مقترنا بشرط عكس الشرط الأول، أي شرط واقف إذا كان الأول فاسخا، وشرط فاسخ إذا كان الأول واقفا، فإذا كان الشرط فاسخا للتعاقد فإنه إن تحقق انعدم التعاقد وبالتالي تحقق الشرط الواقف للإلتزام بالعربون، وأصبح العربون واجبا في ذمة من عدل، وإن تخلف الشرط الفاسخ تحقق التعاقد واعتبر ذلك تخلفا للشرط الواقف للإلتزام بالعربون، وانعدم هذا الأثر الأخير حيث يعتبر العربون جزءا من الثمن.

أما إذا كان الشرط واقفا للتعاقد، فإن تحقق نفذ التعاقد بأثر رجعي أي من لحظة التعاقد لا من لحظة تحقق الشرط، وتحقق في نفس الوقت الشرط الفاسخ للإلتزام بالعربون فأصبح هذا الإلتزام لا وجود له واعتبر كأن لم يكن، أما إذا تخلف الشرط الواقف انعدم التعاقد و أصبح كأن لم يكن، وفي نفس الوقت تخلف الشرط الفاسخ للإلتزام بالعربون وأصبح هذا الإلتزام مستحق الأداء نهائيا في ذمة من عدل.

الإنتقاد : ولكن يعترض على هذا بأنه وإن كان هذا التكييف يستقيم في حال اعتبار العدول شرطا فاسخا للتعاقد إلا أنه لا يستقيم في حالة اعتبار عدم العدول شرطا واقفا للتعاقد لأن الالتزام بالعربون يعد حينئذ مقررا في ذمة كل من الطرفين تحت شرط فاسخ هو عدم العدول ويقتضى ذلك أنه يجوز لكل من الطرفين منذ إبرام العقد أن يطالب الآخر بقيمة العربون على أن يرده إذا تحقق عدم عدول، وتأييد التعاقد وهو أمر غير مستساغ بالإضافة إلى أنه مخالف لقصد العاقدين.(1)

 

 

 

 
 

                                                       
1)      سليمان مرقس: المرجع السابق، ص 77. هامس 1.

 

47

على ضوء ما تقدم فإنني أنضم إلى الرأي الذي نادى به الدكتور السنهوري، من اعتبار العربون محلا بديلا في إلتزام بدلي، تبرأ ذمة المدين – سواء كان بائعا أو مشتريا – من محل إلتزامه الأصلي في العقد المدفوع فيه العربون إذا تنازل عن العربون إذا كان هو المشتري المدين و الرافض لإتمام التعاقد، أو رده ورد مثله للطرف الآخر إذا كان المدين و الرافض لإتمام التعاقد هو البائع.

فالمدين في عقد البيع مثلا قد يكون البائع، و قد يكون المشتري، ومحل التزام البائع هو التسليم، و نقل الملكة، و الضمان، وهذه محال أصلية لكن لها بديل واحد هو العربون. و يمكن بالعربون الوفاء بالالتزام بعدم تنفيذ المحل الأصلي، و تنفيذ المحل البديل، و النتيجة صحيحة هي انقضاء التزام المدين.

و هذا الالتزام البدلي مصدره الإتفاق الصريح الوارد في العقد من أن الهدف من العربون إعطاء الحق للطرفين في العدول عن العقد، أو إتفاقهما الضمني إذا سكتا عن ذلك، إذ يفهم من هذا السكوت أنهما أحالا إلى نص الفقرة الأولى من المادة 72 مكرر التي تعطي دلالة عدول للعربون. أما إذا اتفق الطرفان صراحة على أن العربون جزء من ثمن المبيع، وأن دفعه كان بقصد البتات في العقد، أو استشف القاضي ذلك من النية المشتركة للمتعاقدين فلا محل للقول بالالتزام البدل ن إذ أن الالتزام عندئذ التزام بسيط محله تنفيذ العقد.



الخاتمة

         إن التعاقد المصحوب بالعربون أصبح في عصرنا الحاضر أساسا للإرتباط في التعامل التجاري الذي يتضمن التعهد بتعويض ضرر عن التعطل و الانتظار، و بذلك أصبح العربون صمام أمان في كثير من المعاملات التجارية إن لم يكن جميعها لأنه يعطي الفرصة لكل من طرفي التعاقد في اتمام التعاقد، أو عدم اتمامه، ولكن نظرا لأن الشيء محل التعاقد يظل مرهونا لحين إنتهاء المدة المحددة المتفق عليها فإن من يعدل عن التعاقد يخسر مقدار العربون، فإذا كان البائع هو الذي عدل فإنه يلتزم برد العربون و مثله معه لأنه ربما يكون فوت على المشتري فرصا كثيرة،  وإذا كان المشتري هو الذي عدل فإنه يخسر العربون الذي دفعه لأنه أيضا يكون فوت على البائع فرصا كثيرة لبيع سلعته ، وخسارة العربون تعني أن من عدل عن التعاقد قدر أن مصلحته في العدول حتى و لو خسر مقدار العربون لأنه وضع في اعتباره أنه لو أقدم على التعاقد و تمت الصفقة فسيخسر أكثر .

         و تجدر الإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية في مبادئها من الكمال الإلهي الذي ليس فيه من تفريط في شيء ، مما يجعلها صالحة للتطبيق الكامل و المنظم لسائر جوانب الحياة الإجتماعية، و دقائقها، و تفصيلاتها و جزئياتا في كل عصر، و في كل زمان ، و بالتالي فإن ما انتهى إليه المجمع الفقهي المنعقد في دورته الثامنة من 1 إلى 7 محرم 1414 هجري في قراره رقم 72 (3/8 ) المؤرخ في 02/12/2004 من جواز التعاقد بالعربون شرعا يتماشى مع ما ذهب إليه المشرع الجزائري عندما نص على صحة التعاقد المصحوب بالعربون على نحو ما جاء في المادة 72 مكرر مدني ، وبذلك نتساءل عن توقيت إدراج هذا النص في القانون المدني الذي صادف صدور القرار المشار إليه أعلاه ، هل فعل المشرع ذلك متعمدا أم محض صدفة فقط ؟


قـائمة المـراجع:

 

أولا: التفسير

- أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي: الجامع لأحكام القرآن «الجزء الثالث» – دار الريان للتراث، القاهرة – بدون طبعـة.

- الإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعبل بن كثير: تفسير القرآن العظيم « الجزء الأول»- مكتبة الدعوى الإسلامية- 1980، بدون طبعـة.

ثانيا: الحديث

- الإمام محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك « الجزء الثالث» - دار الكتب العلمية، بيروت – بدون طبعـة.

- الإمام أحمد بن حنبل: المسند « الجزء السادس»- مطبعة دار الحديث- 1995، الطبعة الأولى.

- الإمام البخاري :صحيح البخاري « الجزء الثالث» - دار إحياء التراث العربي، بيروت – سنة1400 هـ، الطبعة الأولى.

ثالثا: كتب الفقه الشرعي

- محمد عرفة الدسوقي: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير « الجزء الثالث»- مطبعة عيسى البابلي الحاسبي، سوريا-1373هـ، بدون طبعـة.

- الإمامين موفق الدين وشمس الدين إبن قدامة: المعني و الشرح الكبير« الجزء الرابع»- دار الفكر، لبنان- بدون طبعـة.

- إبن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين « الجزء الثالث»- دار الحديث – سنة 1993- الطبعة الأولى.

رابعا: الفقه والتراجم

أبو الفضل محمد بن مكرم بن منظور: لسان العرب « الجزء التاسع»-دار إحاء التراث العربي بيروت لبنان- سنة 1996، الطبعة الأولى.

- مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي: القاموس المحيط« الجزء الأول»-دار إحياء التراث العربي، بيروت        لبنان-سنة 1991، الطبعة الأولى.

- إسماعيل بن محاد الجوهري: الصحاح « الجزء السادس»-دار العلم، بيروت –سنة 1984 ، الطبعة الثالثة.

- محمد مرتضى الزبيدي – تاج العروس-1307 هـ الطبعة الأولى.

 

الكتب القانونيـة

 

-        عبد الرزاق السهوري : نظرية العقد-دار الفكر ، بروت-بدون طبعة.

-   بلحاج العربي: النظرية العامة للإلتزام في القانون الجزائري (التصرف القانوني والإرادة المنفردة )– ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر-2004، طبعة 3.

-   خليل أحمد حسن قدادة : الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري « الجزء الرابع» -ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر-2001، بدون طبعة.

-        عبد الحكم فودة : الوعد والتمهيد للتعاقد و العربون وعقد البيع الإبتدائي – دار الفكر العربي، القاهرة-1992 الطبعة.

-   عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني «الأجزاء:01، 02، 03، 04، 06» – دار إحياء التراث العربي ،بيروت-سنة 1954،بدون طبعة.

-   رمضان أبو السعود:الموجز في شرح العقود المسماة عقود البيع والمقايضة والتأمين( دراسة مقارنة في القانون المصري واللبناني) – الدار الجامعية للطباعة و النشر، بيروت-1994بدون طبعـة.

-        محمد شريف أحمد: مصادر الإلتزام في القانون المدني (دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي)-دار الثقافة للنشر والتوزيع

                         - سنة 1999،بدون طبعـة.

- سليمان مرقس :شرح القانون المدني (العقود المسماة عقد البيع)- عالم الكتب،بيروت.لبنان-1980، الطبعة الرابعة. 

- عبد الناصر توفيق العطار: مصادر الإلتزام – دار الكتاب الحديث ،القاهرة- بدون طبعـة.

- صبيح مسكوني : القانون الروماني- مطبعة شفيق، بغداد- سنة 1968، بدون طبعـة.

- أحمد شوقي محمد عبد الرحمان : النظرية العامة للإلتزام العقد والإرادة المنفردة في الفقه وقضاء النقض المصري -منشأة المعارف ،الإسكندرية- 2004.

- محي الدين إسماعيل علم الدين: نظرية العقد مقارنة بين القوانين العربية و الشريعة الإسلامية- دار الكتاب الحديث، القاهرة- بدون طبعـة.

- عمر زودة ، طبيعة الأحكام بإنهاء الرابطة الزوجية وأثر الطعن فيها- دار ENCYLLOPIDIA ،الجزائر –بدون طبعـة.

 

 

 

النصوص القانونية

1) الأمر رقم : 75/58 المؤرخ في : 26سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني ، المعدل و المتمم بموجب القانون 05/10 المؤرخ في : 20 جوان 2005 .

 

البحوث و المواقع

1) أبو عبد الرحمان عدنان بن علي الأحمدي : بحث حول العربون – ملتقى أهل الحديث

الموقع :www.ahlalhdeeth.com/vb/archive/index.php .

2) الإسلام اليوم : الموقع www.islatoday.netquestions/

 
 

الفهرس

المقدمة          ....................................................................................................................................         1

الفصل الأول : ماهية العربون ...................................................................................................      4

المبحث الأول : تعريف العربون ....................................................................................         5

المطلب الأول : التعريف اللغوي للعربون ..........................................................      5

المطلب الثاني : التعريف الاصطلاحي للعربون ...................................................      7

الفرع الأول : العربون في اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية ................     7

الفرع الثاني : العربون في اصطلاح فقهاء القانون ................................  8

         المبحث الثاني : تحديد دلالة العربون (وظيفته)................................................................    11

المطلب الأول : الدلالة القانونية للعربون .........................................................        12

الفرع الأول : التشريعات التي تأخذ بدلالة البت ................................      12

الفرع الثاني : التشريعات التي تأخذ بدلالة العدول .............................      13

                   المطلب الثاني : دور الإرادة المشتركة في تحديد دلالة العربون.............................  15

الفصل الثاني : أحكام العربون .................................................................................................        17

         المبحث الأول : أحكام العربون في ظل التشريع الجزائري .............................................        17

المطلب الأول : أحكام العربون قبل تعديل القانون المدني ................................    18

الفرع الأول : حكم العربون في الشريعة الإسلامية ............................      19

أولا : الرأي الذي يحرمه ...................................................... 19

ثانيا : الرأي الذي يجيزه ( يبيحه) .........................................   23

ثالثا : الرأي الراجح ............................................................          25

الفرع الثاني : حكم العربون في العرف الجزائري ..............................     28

الفرع الثالث : موقف القضاء الجزائري ...........................................    29

المطلب الثاني : أحكام العربون في ظل القانون المدني بعد التعديل ...................      34

الفرع الأول : في حالة إستعمال حق العدول ...................................       35

أولا : وقت ابداء الرغبة في العدول ......................................    35

ثانيا : الأحكام القانونية لهذه الحالة ......................................      36

الفرع الثاني : في حالة عدم استعمال حق العدول ............................        41

 

 

المبحث الثاني : تكييف التعاقد بالعربون .....................................................................      42

المطلب الأول : التعاقد بالعربون عقد معلق على شرط ..................................      43

                   الفرع الأول : التعاقد بالعربون عقد معلق على شرط واقف ............   43

الفرع الثاني : التعاقد بالعربون عقد معلق على شرط فاسخ       ............                43

المطلب الثاني : التعاقد بالعربون بدل في إلتزام بدلي .....................................              44

المطلب الثالث : التعاقد بالعربون يتضمن اتفاقين متميزين ...........................                  46

الخاتمة ................................................................................................................................            49

 
يتضمن هذا القسم مايلي:

1-   قرار رقم 72(3/8) المؤرخ في 02/12 /2004 الصادر المجمع الفقهي المنعقد في دورته الثامنة من 1 إلى 7 محرم1414 هـ.

2-    قرار مؤرخ في 31/01/1979 الصادر عن المحكمة العليا- الغرفة المدنية - في الملف رقم 14447 (غير منشور).

3-   قرار مؤرخ في 19/02/1986 الصادر عن المحكمة العليا- الغرفة المدنية القسم الثاني- في اللف رقم 43103   (غير منشور).

4-     حكم مؤرخ في 15/11/1992 الصادر عن محكمة باتنة – القسم المدني- تحت رقم 1373/92.

5-     قرار مؤرخ في 09/02/ 1994 الصادر عن مجلس قضاء باتنة- الغرفة المدنية- تحت رقم 343/94.

6-   قرار مؤرخ في 13/03/1996 الصادر عن المحكمة العليا -الغرفة المدنية القسم الثاني- في الملف رقم 133307.    ( غير منشور).

7-    حكم مؤرخ في 31/01/1994 الصادر عن محكمة الحراش- مجلس قضاء الجزائر- تحت رقم 520/1993 .

8-     قرار مؤرخ في 19/11/1994 الصادر عن مجلس قضاء الجزائر- الغرفة المدنية- تحت رقم 4362/94.

9-     قرار مؤرخ في 11/12/1996 الصادر عن المحكمة العليا- الغرفة المدنية- في الملف رقم 139895.(غير منشور)

تعليقات