القائمة الرئيسية

الصفحات



المصالحة الجمركية في التشريع الجمركي الجزائري

المصالحة الجمركية في التشريع الجمركي الجزائري

المصالحة الجمركية في التشريع الجمركي الجزائري 





الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية

وزارة العدل
المدرسة العليا للقضاء
الدفعة الرابعة عشر



مذكرة لنيل إجازة التخرج من المدرسة العليا للقضاء

الموضوع:






-  من إعداد الطالبة القاضية:                               -  تحت إشراف :    
بوناب عبيدات الله                                              نائب رئيس مجلس قضاء أدرار
                                                                    السيد: أوديع العربي





2003/2006


مقدمـــــــــة


لقد إرتأينا أن نبدأ موضوع بحثنا بالتذكير بقوله تعالى:
{ إن أريد الإّ الإصلاح ما استطعت وما توفيق إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب }[1]
وقوله تعالى : { والصلح خير  }[2] .
ومن سنتنا الشريفة قوله صلى الله عليه وسلم :
'' ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث الضغائن '' .
ولعل ما ذكرته هو مجرد أمثلة بسيطة على أن ديننا الكريم وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم كانتا تدعونا دائماً إلى التسامح والتصالح وهذا كطريق أول لتسوية الخلافات قبل اللجـوء إلى القضاء، فلقد عرفت الشريعة الإسلامية نظام الصلح وجعلت منه سبباً من أسباب سقوط العقوبة في كل الجرائم بإستثناء جرائم الحدود التي لايجوز فيها الصلح .
ومن ثم فإن نظام المصالحة التي تبنته الدول الغربية قبل العربية كحل لتسوية المنازعات والتي تسعى دائماً من أجـل التوسيع من تطبيقـه ليشمل مجالات مختلفة، فبعد أن كانت مقصورة على المجالات المدنية أمتد تطبيقها إلى المسائل الجزائية – نجد أسسه الأولى في شريعتنا وديننا الحنيف .
وإذا رجعنا إلى بلادنا فمصطلح المصالحة يتردد بكثرة في الآونة الأخيرة ليس فقط في وسط الطبقة السياسية – التي دعت له كمشروع سياسي – بل حتى على مستوى الطبقة الإجتماعية بمختلف درجاتها والتي بدأت تألف عبارات إختفت من قاموسها كالمصالحة التسامح ... إلخ لتعيد أكتشاف مفهومها وأبعادها من جديد .
والواقع أنه ما إن نسأل عن موضوع بحثنا ونجيب أنه حول موضوع المصالحة، حتى يقول الجميع المصالحة الوطنية ؟! ويبدوا عبارات الإعجاب بهذا الموضوع، إلاّ أننا نوضح أن موضوع البحث هو حول المصالحة في المادة الجمركية .
ولعل الكثيرين يستغربون ربطنا في هذه المقدمة بين المصالحة الوطنية والمصالحة الجمركية والإجابة ببساطة أننا نرى – على الأقل في نظرنا – أن المصالحة الوطنية التي تطمح لها بلادنا حاكماً ومحكوماً هي مصالحة متكاملة الجوانب، ومن ثم فإن المصالحة الجمركية هي جزء لا يتجزأ من المصالحة الوطنية، فالمصالحة التي ينشدها الجميع هي متعددة الجوانب وإن كانت في مظهرها سياسية فإنها ذات أبعاد أخلاقية واجتماعية واقتصادية [3].
ولقد تيقن الجميع أنه من دون مصالحة لن يثمر أي مسعى من مساعي التنمية السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية وأن الشعب الجزائري المتمسك بدولة الحق والقانون وبتعهدات الجزائر الدولية يزكي جميع الإجراءات الرامية لتحقيق مطلب المصالحة كمطلب غير قابل للتأجيل نظراً لما تواجهه الجزائر من تحديات التنمية المتعددة[4] .
وإذا رجعنا إلى الأهداف المتوخاة من وراء تحقيق المصالحة في المادة الجمركية وتفعيلهـا هي أهداف تتعلق بالمصلحة العامة من جهة، لكن دون أن ننسى مصلحة الفرد في علاقته مع الإدارة من جهة أخرى .
والواقـع أنه اليوم المصالحـة تهم النزاعات الخاصة التي تشب بين أفراد المجتمع أياً كان طابعها فلم يقتصر دور المصالحة على النزاعات المدنية البحثة فشملت كذلك النزاعات الإجتماعية والنزاعات الإدارية ونزاعات الأسرة، كما أقتحمت المجال الجزائي لتجد دوراً هاماً لها في الجرائم ذات الطابع المالي والإقتصادي كالجرائم الضريبية والجرائم الجمركية هذه الأخيرة التي يكون منطلقها هو مخالفة التشريع الجمركي والتي إعتمد المشرع الجزائري في تصنيفها على معيارين : الأول يتعلق بطبيعة الجريمة فقسمت إلى أعمال التهريب وأعمال الإستراد أو التصدير بدون تصريح وهي الأعمال التي عبر عنها المشرع في قانون 98-10 بالمخالفات التي تضبط في المكاتب الجمركية أثناء عملية الفحص والمراقبة، بالإضافة إلى جرائم أخرى متنوعة .
أما الثاني فلقد استند إلى تكييفها الجزائي جنح، مخالفات ولذلك فإن الجرائم الجمركية هي منطلق للمنازعات الجمركية التي لها طابع مدني وطابع جزائي إلاّ أن هذا الطابع الأخير هو الغالب لإعتبارين إثنين : لحكم القانون، لكون المشرع خص الهيئات القضائية التي تبث في القضايا الجزائية بإمتياز النظر في المنازعات الجمركية ...[5] ماعدا الحالات التي استثناها النص صراحة[6] .
بحكم الواقع بدليل النسبة المئوية المرتفعة لعدد المنازعات ذات الطابع الجزائي التي تعرض على القضاء الجزائي فهي تحتل الصدارة بنسبة تفوق 95 % من مجموع المنازعات الجمركية .
والمخالفات الجمركيـة هي منطلق أي منازعة ومصدر لكل تحصيل جمركي تسعى إلى تحقيقه إدارة الجمارك، ذلك أن الحقوق والرسوم الجمركية تشكل مصدراً مالياً هاماً فهي المورد الأول للحزينة العامة في بلادنا خارج المحروقات، الأمر الذي يؤكد أهمية الرقابة الجمركية بإعتبار أن التهرب من تسديد الحقوق والرسوم الجمركية مهما أختلفت صوره يشكل نزيفاً لموارد الدولة وتحتم عليها التصدي له ومحاربته وتسويته بالطرق القانونية المتاحة، والتي لا تخرج عـن أحد المسلكين :
- إما أن يحـال النزاع إلى الهيئات القضائية التي تبث في المسائل الجزائية للفصل فيها طبقاً لما هو مقـرر قانوناً من قواعـد إجرائية في المرافعات وطرق الإثبات وتحديد المسؤولية وتقدير الجزاء ... [7]
- وإما أن تنتهي المنازعات الجمركية بالمصالحة التي هي إجراء إداري من إختصاص إدارة الجمارك لتسوية النزاع ودياً قبل اللجوء إلى القضاء أو حتى بعده .
وتعد الجرائم الجمركية هي أول الجرائم التي أجاز فيها المشرع المصالحة صراحة بموجب القانون رقم: 91/25 المؤرخ في: 18/12/1991 المتضمن قانون المالية لسنة 1992 والمعدل والمتمم للأمر 79/07 المؤرخ في: 21/07/1979 المتضمن قانون الجمارك ولا سيما المادة 265/2 منه، ثم أمتد مجال المصالحة ليشمل جرائم أخرى كجرائم المنافسة والأسعار بموجب الأمر 95/06 المؤرخ في: 25/01/1995 المتعلق بالمنافسة، وكذلك جرائم الصرف بموجب الأمر 96/22 المؤرخ في: 09/07/1996 .
ولهذه الجرائم على اختلافها فإنها تشترك في أنها جرائم مالية واقتصادية، والتي تجاوزها المشرع إلى طائفة أخرى من الجرائم وهي المخالفات التنظيمية التي تنص عليها القوانين الخاصة وهكذا نكون قد حددنا نطاق المصالحة في التشريع الجزائي الجزائري بصفة عامة وحددنا المجال الذي سيقتصر عليه موضوع بحثنا والذي تلعب فيه المصالحة في نظرنا دوراً حيوياً في تسوية المنازعات ألا وهو المصالحة في المجال الجمركي بصفة خاصة .
ولعل أهمية تناول هذا الموضوع بالدراسة والبحث يظهر من خلال ماذكره الدكتور أحسن بوسقيعة – الذي يعد من القلائل إن لم نقل الوحيدين الذي تناول موضوع المصالحة الجمركية بالدراسة والتحليل العملي – في هذا المجال :
{ ... يتجلـى تردد المشـرع من خـلال تمسكـه بأحكام قانونية جامدة تفرغ المصالحة من محتواها مما يدعونا إلى التشكيك أصلاً في صلاحية المصطلح ذاته أي '' المصالحة'' } .
ومن هذا المنطلق أردنا الكشف من خلال بحثنا عن مواطن الخلل والتي جعلت المصالحة لاتحقق الأهداف المرجوة منها كنظام التسوية المنازعات الجمركية، هل يعود هذا إلى النصوص القانونية والتنظيمية المنظمة لها أم هو في الممارسة التطبيقية لهذه النصوص من قبل إدارة الجمارك ؟
ومن ثم فإنه يتبادر للذهن عدة تساؤلات يمكن إجمالها فيما يلي :
لماذا بينما أغلب الدول اليوم تعتمد على نظام المصالحة الجمركية إعتماداً كلياً كنظام أساسي لتسوية المنازعات الجمركية سواء قبل اللجوء إلى القضاء أو حتى بعده، مازلنا نتسـاءل عندنا إذاً كان اللجوء إلى القضـاء هو الأصل والمصالحـة الإستثناء أو العكس؟ وإن كان ذلك يمكن قبوله من المخالف (المرتكب للمخالفة الجمركية) نظراً لثقافته القانونية المحدودة في أغلب الأحيان، فإنه لايمكن تقبله مطلقاً من مسؤولين المفروض أنهم القائمين على تكريس المصالحة ميدانياً ؟
لماذا رغم المدة الطويلة التي كرست فيها المصالحة الجمركية على المستوى القانوني فإنها من الناحية العملية مازالت إجراءاتها مجهولة من طرف الكثيرين ولاتحظى بأهمية كبيرة مما يعكس النسبة المئوية الضئيلة لعدد القضايا التي تسوى عن طريق المصالحة الجمركية عندنا مقارنة بما هو جاري في دول غربية كفرنسا أو حتى دول مجاورة كتونس ؟ .
لماذا لم يحظ هذا الموضوع بإهتمام الباحثين القانونين – على عكس الطريق الثاني لتسوية المنازعات الجمركية وهو اللجوء إلى القضاء – فنسجل قلة المراجع والكتابات حوله مقارنـة مع دول أخرى أسهبت في تحليل هذا الموضوع وتشجيع اللجـوء إليه والتوسيع في إنتهجاجه كبديل عن اللجوء إلى القضاء ؟ .
كما تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه إذا كانت المصالحة هي مكنة منحها المشرع لإدارة الجمارك لتسوية المنازعات الجمركية ودياً دون اللجوء إلى القضاء، فهذا لايعني أنه لايمكن اللجوء إليهـا بعد عـرض النزاع على القضـاء وانطـلاق المتابعـة مما يستوجب على القاضي أن يراقب مدى صحة الإجراءات المتبعة واحترام  إدارة الجمارك للضوابط القانونية والتي تعد من الصلاحيات الأساسية للقضاء في مواجهة الإدارة .
ومما سبق ذكره فإنه وإن كنا نهدف من خلال موضوعنا هذا إلى التعريف بماهية المصالحة الجمركية من خلال تناولنا بالدراسة للنصوص القانونية والتنظيمية المنظمة لها فإننا نحاول بالدرجة الأولى التركيز وتسليط الضوء على تطبيقاتها العملية ومدى فعاليتها كنظام لتسوية المنزاعات الجمركية عندنا وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة المطروحة سابقاً والتي تصب جميعها في الإشكالية الآتية :
كيف تم تنظيم المصالحة في المادة الجمركية من قبل المشرع، وهل الممارسة العملية تعكس حقيقة تنظيمها قانوناً وما مدى فعالية المصالحة كنظام لتسوية المنازعات الجمركية ؟ للإجابة على هذه الإشكالية إقترحنا خطة تتكون من فصلين، سنتناول في الفصل الأول المراحل التي مر بها التنظيم القانوني للمصالحة في المادة الجمركية أما في الفصل الثاني فسنتنـاول مدى فعاليـة ونجاعة المصالحة الجمركية كنظام لتسوية المنازعات الجمركية في بلادنا .
ويأتي تفصيل خطة البحث على النحو الآتي :

المقــــــدمــــة

الفصل الأول : النظام القانوني للمصالحة في المادة الجمركية
المبحث الأول : التسوية الإدارية كنظام أولي لتسوية المنازعات الجمركية يتجه نحو مفهوم المصالحة
المطلب الأول : مبررات تبني نظام التسوية الإدارية
المطلب الثاني : خصائص نظام التسوية الإدارية
المبحث الثاني : التكريس القانوني الفعلي لنظام المصالحة الجمركية
المطلب الأول : ماهية المصالحة الجمركية وشروطها .
المطلب الثاني : عوارض المصالحة الجمركية وآثارها
الفصل الثاني : مدى فعالية المصالحة الجمركية في ضوء الممارسةالعملية
المبحث الأول : المصالحة الجمركية نظام أثبت نجاعته في تسوية المنازعات الجمركية
المطلب الأول : أهمية المصالحة الجمركية
المطلب الثاني : ضرورة تفعيل هذا النظام ميدانياً
المبحث الثاني :حدود المصالحة الجمركية  
المطلب الأول : عوائق المصالحة على مستوى الإدارة الجمركية
المطلب الثاني : مركز القضاء في المصالحة الجمركية
الخاتمـــــــــــــــة

الفصل الأول : النظام القانوني للمصالحة في المادة الجمركية

سنتطرق من خلال هذا الفصل إلى مختلف النصوص القانونية والتنظيمية وكذااللوائح الإدارية التي تناولت المصالحة الجمركية بالتنظيم مبرزين من جهة كيف أن المشرع الجزائري إعتمد نظام له نفس مفهوم وأهداف المصالحة وإصطلح عليه ما أسماه '' بالتسوية الإدارية '' (المبحث الأول)، ومن جهة أخرى سنتطرق إلى التكريس القانوني الفعلي – النصوص القانونية – للمصالحة الجمركية على مستوى المفهوم والمصطلح (المبحث الثاني) .

المبحث الأول : التسوية الإدارية كنظام أولي لتسوية المنازعات الجمركية يتجه نحو مفهوم المصالحــــــة  .
من خلال هذا المبحث نحاول معرفة الأسباب التي أدت بالمشرع الجزائري للتخلي عن نظام المصالحة الذي ورثته المنظومة القانونية الجزائرية عن المستعمر غداة الإستقلال واتجه إلى تبني نظام عرف بالتسوية الإدارية آنذاك وهل لهذا الأخير – فعلاً – خصائص تميزه عن نظام المصالحة الجمركية أو هو مجرد فرق اصطلاحي ؟

المطلب الأول : مبررات تبني نظام التسوية الإدارية
الجدير بالذكر أنه في البداية المشرع الجزائري لم يتبن نظام التسوية الإدارية مباشرة غداة الإستقلال وهذا ماكان سيفسر أنه تخلى المشرع عن الموروث القانوني الإستعماري – هذا الأخير الذي كان يأخذ بنظام المصالحة الجمركية – واعتماده أنظمة وأساليب تنبع من المنظومة القانونية الجزائرية وتتفق وواقعها بإتخاذه للتسوية الإدارية كنظام لحل المنازعات الجمركية وهذا كان ممكن تقبله وفهمه، لكن ماهو مستغرب أن المشرع الجزائري بعد الإستقلال إستمر بالعمل بنظام المصالحة الجمركية لفترة زمنية وبعدها لأسباب تخلى عنها واتجه نحو نظام التسوية الإدارية وهذا ماسنوضحه من خلال .

الفرع الأول : أزمة الفراغ القانوني
وهي الفترة الممتدة من 31/12/1962 إلى غاية 17/06/1975 وهي المرحلة التي كان فيها المشرع ينص على المصالحة الجمركية كنظام لتسوية المنازعات الجمركية ويرجع سبب ذلك أنه في تلك الفترة وغداة الإستقلال مباشرة صدر القانون رقم 62/157 المؤرخ في 31/12/1962 والمتضمن إستمرار العمل بالقوانين الفرنسية مالم تتعارض أحكامها والسيادة الوطنية, ومن ثم فإن القانون الجمركي الفرنسي بقي ساري المفعول في جزائر ما بعد الإستقلال هذا الأخير الذي كان يجعل من المصالحة نظام لتسوية المنازعات الجمركية, بعدها جاء الأمر 73/29 المؤرخ في 05/07/1973 والذي ألغى القانون رقم 62/157 وأعطى المشرع الجزائري أجل سنتين من أجل إعداد قانون جمركي جزائري (ما عرف بمرحلة جزأرة القوانين).
لم يكن في: 06/07/1975 إنتهت المدة المحددة من أجل وضع قانون جمركي جزائري إلا أن هذا القانون لم يكن حاضر في الوقت المحدد فوجدت إدارة الجمارك نفسها أمام وضعية غريبة أو غير معهودة (insolite) إثر نتائج غير متوقعة عبر عنه المختصين آنذاك بأزمة الفراغ القانوني[8]  مما جعل ممثلين الحكومة أثناء مناقشة مشروع قانون الجمارك في 1979 يعبرون عن هذا الفراغ بما يلي: "      إن إدارة الجمارك كانت أمام فراغ قانوني حساس لدرجة أن سلطتها كانت محتج عليها من قبل بعض المحاكم في مجال المعاينات وقمع الجرائم الجمركية وفي ظروف أخرى فإن قاعدة الدعوى الإدارية هي التي يطعن فيها أمام المحاكم يشكل وضعية خاصة مضرة أو تلحق الضرر بمصلحة الدولة " [9].
ونظراً لخطورة الوضع فإن الإجتهاد القضائي ورغبة منه في المحافظة وضمان حقوق الخزينة أصدرت المحكمة العليا ( المجلس الأعلى آنذاك ) قرارات تقضي ببقاء سريان القانون الجمركي الفرنسي إلى غاية الدخول الفعلي لقانون الجمارك الجزائري .
وهكذاً إذا كان نظريًا المشرع تبنى نظام المصالحة الجمركية منذ الإستقلال إلى غاية 1975 فإنه في الواقع ظل هذا النظام إلى غاية دخول قانون الجمارك الجزائرية حيز التنفيذ بموجب القانون رقم: 79/07 المؤرخ في: 21/07/1979 .
فبموجب القانون الجمركي الفرنسي الذي كان جارٍ به العمل في الجزائر- كما سبق توضيحه - كانت المصالحة نظاماً لتسوية المنازعات الجمركية، كما تضمن قانون الإجراءات الجزائية الجزائري عند صدوره بتاريخ: 08/06/1966 يتضمن المصالحة كسبب من أسباب إنقضاء الدعوى العمومية وفي نفس السياق صدر قانون المالية لعام 1970 بموجب الأمر رقم: 69/107 والذي أجاز بدوره المصالحة في جرائم الصرف .
لكن بعدها تخلى المشرع عن المصالحة وأوجد نظام جديد وبديل لتسوية المنازعات الجمركيـة وهو ما أسماه بالتسوية الإدارية وإن كانت هذه الأخيرة بدأت كنظام مميز وخاص إلاّ أنها تطورت فيما بعد نحو مفهوم وخصائص المصالحة الجمركية هذا ماسنوضحه من خلال.

الفرع الثاني : مبررات تبني المشرع الجزائري لنظام التسوية الإدارية

لقد سبق وأن ذكرنا أنه إستمر العمل بالقوانين الفرنسية في الجزائر بعد الإستقلال وهذا بموجب القانون رقم: 62/157 المذكور آنفاً، إلاّ أنه وبإنتهاج الجزائر للتوجه الإشتراكي كخيار سياسي بدأ المشرع في إعداد الأرضية القانونية التي تتفق وتنسجم مع هذا الخيار، فجاء الأمر: 75/46 المعدل لقانون الإجراءات الجزائية وعدّلت بموجبه المادة (06) منه فألغيت المصالحة كسبب من أسباب إنقضاء الدعوى العمومية وذهب إلى أبعد من ذلك فأورد التعديل تحريماً أو منعاً صريحاً لها فجاءت المادة 06 فقرتها الأخيرة في صياغتها الجديدة : '' غير أنه لايجوز بأي وجه من الوجوه أن تنقضي الدعوى العمومية بالمصالحة '' وهكذا جاء دستور 22/11/1976 متوجاً للخيارات السياسية الإشتراكية التي تبنتها الجزائر وفي ظل هذه المعطيات صدر قانون الجمارك في: 21/07/1979 وكان بديهي أن لا يخرج عن القاعدة وبذلك عليه أن لا يتضمن نظام المصالحة، الأمر الذي جعل المشرع يبحث عن بديل لها وأن يحقق المعادلـة بين تغيـير المصطلح وفي نفس الوقت الحفاظ على أهدافها والغرض منها فاهتدى إلى ما اصطلح على تسميته '' بالتسوية الإدارية '' ولعل الأسباب التي أدت بالمشرع إلى تبني هذا النظام نرجعها إلى أسباب تقنية قانونية وسياسية إيديولوجية [10].
فالأسباب التقنية القانونية تكمن أساساً في أنه عند صدور قانون الجمارك في: 21/07/1979 لم يكن قانون الإجراءات الجزائية ينص على المصالحة كسبب من أسباب إنقضاء الدعوى العمومية وهذا إثر تعديل هذا القانون بموجب الأمر: 75/46 السالف الذكر .
أما عن الأسباب السياسية الإيديولوجية فتتمثل في التوجه الإشتراكي الذي برز كنظام سياسي واقتصادي هذا الأخير الذي لا يتسامح في قمع الجرائم التي تمس بالإقتصاد الوطني ناهيك عن التفاوض مع الخواص بشأن حقوق الخزينة العامة ذلك أن من أهم الأدوار المسندة لإدارة الجمارك بالإضافة إلى السهر على تطبيق واحترام التشريع الجمركي هو دورها في تحصيل الحقوق والرسوم التي تخضع لها البضائع عند التصدير وبصفة إستثنائية عند الإستيراد [11].
ومن هذا المنطلق لا يمكن أن نتصور دولة في إطار الإقتصاد الإشتراكي تعفي المخالف المرتكب للمخالفة الجمركية من العقوبات المقررة قانوناً وتحاول الوصول معه إلى تسوية ودية بعيدة عن اللجـوء إلى القضـاء، وذلك بإعتبـارها أن المصلحة العامة هي المصلحة العليا ولا تعترف بوجود المصلحة الخاصة (مصلحة الفرد) .
وبالإضافة إلى هذه الأسباب الموضوعية هناك من يضيف [12] سبباً آخر ذاتياً مرده الأوهام وعدم الفهم أكثر منه إلى الحقيقة والواقع، هذا السبب هو انعدام الثقة والحذر ذلك أنه منذ 1986 سقط الحاجز القانوني على إثر تعديل المادة (06) من قانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون رقم: 86/05 المؤرخ في: 04/03/1986 وأصبحت بذلك المصالحة الجمركية مسموحاً بها .
ومنذ دستور 1989 تخلت الجزائر بصفة رسمية عن الخيار الإشتراكي ومع هذا لم يتم إدراج المصالحة في قانون الجمارك إلاّ عام 1992 ولم تدخل من بابه الواسع بل دخلت من نافذة ضيقة وتحت حراسة مشددة وإلاّ كيف نفسر تزامنها مع تشديد العقوبات المالية لمخالفة التهريب المشدد التي بلغت ستة أضعاف قيمة الأشياء المصادرة فإن كانت الحواجز القانونية والسياسية الإيديولوجية قد سقطت فإن الحاجز النفسي مازال قائماً .
ولعل الواقع القانوني للمصالحة الجمركية في الجزائر يعيد نفسه فما حدث في 1992 في بداية عودة المصالحة إلى التشريع الجزائري تكرر بعد مرور أربعة عشر (14) سنة من التكريس القانوني للمصالحة في المادة الجمركية وهكذا في 2005 وبموجب الأمر 05/06 المؤرخ في: 23/08/2005 المتعلق بمكافحة التهريب وأمام عقوبات يصفها الجميع بالصارمة وفي توقيت تعود المشرع الجزائري اللجوء إليه – عطلت البرلمان بغرفته – عندما يريد أن يمرر مشاريع قوانين تتصف بخصوصية ما، وهكذا ذهب المشرع في المادة (21) في هذا الأمر إلى استثناء جرائم التهريب المنصوص عليها في هذا الأمر من إجراءات المصالحة المبينة في التشريع الجمركي .
فهل بقي الحاجز النفسي حائلاً رغم المدة الطويلة – نوعاً ما – لإستقرار المصالحة كنظام لتسوية المنازعات الجمركية ؟ أم هي إعتبارات أخرى جعلت المشرع يتخذ هذا الأمر وهذا ماسنبينه لاحقاً عند تطرقنا لهذا الجانب .
وإذا كنا قد وضحنا الأسباب والمبررات التي أدت بالمشرع الجزائري إلى تبني نظام التسوية الإداريـة لتسوية المنازعـات الجمركية، فهل هذا الأخير يتفق في مفهومه وأهدافه مع نظام المصالحة الجمركية الذي لم يكن غريباً على المشرع الجزائري كما سبق توضيحه .

المطلب الثاني : خصائص نظام التسوية الإدارية
الفرع الأول : التسوية الإدارية إجراء إداري في حل المنازعات الجمركية
المقصـود بالتسويـة الإداريـة هي إنهـاء المنازعـات القائمة إدارياً دون اللجوء إلى القضاء، ذلك أن المادة 265/01 - في صياغتها القديمة – كانت تنص على المبدأ الأصلي المتمثل في إحالة الأشخاص الملاحقين بسبب مخالفات جمركية على الهيئات القضائية قصد معاقبتهم .
وتعود لتنص في فقرتها الثانية : على أنه يرخص لوزير المالية أن يمنح تسويات إدارية للمتهمين الذين يطالبون بذلك ويدفعون تمام العقوبات المالية والتكاليف والإلتزامات الجمركية وغيرها المرتبطة بالمخالفة تبعاً للتسلسل الهرمي للرتب والوظائف الإدارية للجمارك يؤدي بدوره إلى تقسيم الإختصاص في التسويات الإدارية [13].
وبالتالي فالتسوية الإدارية هي إجراء إداري يتعهد بموجبه الشخص المخالف، بدفع تمام العقوبات المالية والتكاليف والإلتزامات الجمركية التي لها صلة بالمخالفة ومن ثم فلا مجال في هذا الإطار للتنازل أو التخفيض من قيمة المبلغ المستحق لإدارة الجمارك .
وإذا تمسكنا بنص القانون فإن التسوية الإدارية لاتضع حداً إلاّ للدعوى الجبائية وتبقى الدعوى العمومية قائمة ، وكذلك بالرجوع إلى نص المادة (06) من قانون الإجراءات الجزائية المعدل بقانون 86/05 – السالف الذكر – لاسيما فقرتها الأخيرة نجدها تتحدث عن المصالحة وليس عن التسوية الإدارية وفي غياب صراحة النص فإنه لايمكن إعتبارها من الأسباب التي تضع حداً للمتابعة لأن القانون الجبائي لايفسر إلاّ بالمفهوم الضيق[14] ولذلك أعتبرت التسوية الإدارية جزاء إداري وعلى إثر عدة ملتقيات بين الجمارك والقضاء توصلوا إلى نتيجة وهي أن التسوية الإدارية لا تتكلم على الآثار التي تعكس على الدعوى العمومية .

الفرع الثاني : التسوية الإدارية نظام خاص يتجه نحو مفهوم المصالحة

إذا رجعنا إلى ميزات نظام التسوية الإدارية في بدايته فنجد أنه كان يتمتع بخصوصية إجراءته في تسوية المنازعات الجمركية، فنجد أن المشرع حصر الإستفادة من إجراءات التسوية الإدارية على شخص المتهم (المخالف) دون سواه وذلك على خلاف المصالحة التي جعلـت الإستفادة من إجراءاتها لكل شخص ملاحق لإرتكابه جريمة جمركية، كما كان يشترط أن يدفع المخالف تمام العقوبات المالية والتكاليف والإلتزامات الجمركية المقررة قانوناً حتى تتم التسوية الإدارية .
والجدير بالذكر أن التسوية الإدارية في بدايتها كانت جائزة حتى بعد صدور الحكم النهائي وينحصر أثرها في الدعوى المالية[15] فقط، إلاّ أنه بعد ذلك حصر مجـال اللجوء إليها في مرحلة ماقبل صدور الحكم النهائي المادة (265 – 3) من قانون الجمـارك فيمكن اللجوء إلى التسوية الإدارية مالم يصدر حكم نهائي جائز لقوة الشيء المقضي فيه .
ولقد منح قانون الجمارك عند صدوره في 1979 حق التسوية للوزير المكلف بالمالية بموجب المادة (265-2) من قانون الجمارك ثم وسع إلى إدارة الجمارك بموجب قانون المالية لعام 1983 – مع بداية إتجاه نظام التسوية الإدارية نحو مفهوم المصالحة – الذي عدل نص المادة (265) من قانون الجمارك وأحال فيما يتعلق بتحديد قائمة مسؤولي إدارة الجمارك المؤهلين لمنح التسوية الإدارية إلى قرار يصدره وزير المالية .
كما أوضحت نفس المادة في فقرتها (03) أن طلبات التسوية الإدارية تخضع لرأي لجنة وطنية أو ولائية حسب طبيعة المخالفة ومبلغ الضرائب المغشوشة أو المغلفة وأحالت فيما يتعلق بتحديد، إنشاء وتشكيل وسير هذه اللجان إلى قرار يصدره وزير المالية، وتطبيقاً لنص المادة (265) من قانون الجمارك أصدر وزير المالية قرارين : القرار الأول مؤرخ في: 25/01/1983 يحدد لجان التسوية الإدارية وتشكيلها وسيرها .
القرار الثاني مؤرخ في: 30/01/1983 يحدد قائمة مسؤولي إدارة الجمارك المؤهلين لمنح التسوية الإدارية بالإضافة إلى اللوائح الإدارية المتمثلة في مذكرتين صادرتين عن المدير العام للجمارك[16]، فبعد أن كانت التسوية الإدارية لا تتم إلاّ بعد تسديد المخالف لجميع العقوبات المالية والتكاليف والإلتزامات الجمركية المرتبطة بالمخالفة تضمنت هذه اللوائح التنظيمية الحد الأقصى والحد الأدنى للمبلغ المطلوب دفعة مقابل التسوية الإدارية، كما أنها أشارت إلى إمكانية تخفيض مقابل التسوية الإدارية هذا الأخير الذي يختلف حسب خطورة الجريمة وجسامتها والضرر الناتج عنها وكمية البضائع المهربة، والوضع المالي للمتهم وسوابقه وهذا ما من شأنه أن يسمح لإدارة الجمارك أن تميز بين المتهمين فتغالي في تقديره إذا كانت الجريمة المرتكبة تنطوي على غش أو تحايل وتخفضه إذا كان راجعاً إلى إهمال أو جهل باللوائح والقوانين الجمركية المطبقة ومع هذا لا يصح أن تتجاوز العقوبات المالية المستحقة، ولا أن يقل عن الضرائب المتهرب منها .
وتوالت التعديلات التي أدخلت على نظام التسوية الإدارية هذا الأخير الذي كان يتجه شيئاً فشيئاً نحو المصالحة، فبموجب قراران صادران في: 13/02/1993 تضمن الأول تعديل وإتمام القرار المؤرخ في: 25/01/1983 المتعلق بتحديد لجان التسوية الإدارية وتشكيلها وسيرها، وتضمن الثاني تحديد مسؤولي إدارة الجمارك المؤهلين لمنح المصالحة وذلك على إثر إدخالها في التشريع الجمركي بموجب قانون المالية لعام 1992 وإحلالها محل التسوية الإدارية بموجب قانون المالية المؤرخ في : 18/12/1992 والذي بمقتضاه حلت المصالحة محل التسوية الإدارية في القسم الثالث الفقرة (ب) من الفصل الخامس عشر من قانون الجمارك واستبدلت عبارة '' التسوية الإدارية '' بعبارة '' المصالحة '' في المادة (265) منه وفي هذا الإطار كانت الندوة الوطنية الثانية قضاء – جمارك أيام: 23، 24 و25 فبراير 1991 – تمهيداً للإصلاح الذي سيدخل على قانون الجمارك[17] – حيث جاء فيها إثر تدخل المدير العام للجمارك حول تكيف إدارة الجمارك مع الإصلاحات وإنعكاس هذه الأخيرة على إدارة الجمارك موضحاً : '' ... إن صدور قانون الجمارك كان في ظروف معينة أدت إلى إبراز نظرة ردعية على مستوى القواعد الخاصة بالمنازعات لعدم مراعاة التمييز بين الدولة كمالك رأسمال وللمؤسسة كشخص إعتباري تحكمه قواعد ذات طابع مدني أو تجاري، وإن هذا النوع من الإستثناء للقواعد العامة إعتبر عن خطأ كإجراءات تسهيلية أنجر عنها في الميدان التطبيقي تصرفات غير إقتصادية لذلك سوف يتم تكييف القواعد التي تحكم المنازعات الجمركية تماشياً والإصلاحات الإقتصادية مع الأخذ بعين الإعتبار تكييف وتصنيف المخالفات وتسليط العقوبات التي لها طابع المدني ... على أساس الحفاظ والدفاع على مصالح خزينة الدولة '' .
وهكذا وإن كان نظام التسوية الإدارية بدأ كنظام خاص ومستقل يجسد جزاء إداري للمخالف المرتكب للجريمة الجمركية إلاّ أنه ما لبث أن اتجه في مفهومه وإجراءاته وأهدافه نحو المصالحة الجمركية وذلك تماشياً مع الإصلاحات التي عرفتها تلك الفترة، والمصالحة هي مؤسسة قديمة[18] تعمل بها معظم التشريعات الجمركية لما لعبته من دور فعال في تسوية المنازعات الجمركية وعمل المشرع الجزائري على تكريسها قانونياً على غرار باقي التشريعات الأخرى وهذا ماسنحاول  توضيحه من خلال المبحث الثاني .

المبحث الثاني : التكريس القانوني الفعلي لنظام المصالحة في المادة الجمركية

من خلال هذا العنوان سنتناول بالدراسة جميع النصوص القانونية والتنظيمية وكذا اللوائح الإدارية التي تعرضت للمصالحة الجمركية بالتنظيم، إبتداءً من نص المادة (265) من قانون الجمارك وفقاً لتعديل 98/10 بالإضافة إلى المرسوم التنفيذي رقم 99/195 المؤرخ في: 16/08/1999 والذي يحدد إنشاء لجان المصالحة وتشكيلها طبقاً للمادة (265/4) من قانون الجمارك، وكذا القرار المؤرخ في: 22/06/1999 ويحدد قائمة مسؤولي إدارة الجمارك المؤهلين لإجراء المصالحة مع الأشخاص المتابعين بسبب مخالفات جمركية وفقاً لنص المادة (265/2) من قانون الجمارك  .
متعرضين من خلال هذه النصوص إلى ماهية المصالحة في المادة الجمركية وشروط إنعقادها بالإضافة إلى آثارها إذا لم تعترضها عوارض تحول دون تحقيق الغرض منها .
وهذا ما يتم توضيحه من خلال مطلبين

المطلب الأول : ماهية المصالحة الجمركية وشروطها
سنتنـاول في ماهية المصالحة كل من تعريفها وطبيعتها القانونية، وإن كان الأصل أنه لا يمكن تعريف المصالحة الجمركية إلاّ بعد ضبط وتحديد طبيعتها القانونية غير أننا من الجانب المنهجي إرتأينا أن نبدأ بالتعريف ثم نحاول تحديد طبيعتها القانونية المميزة .

الفرع الأول : ماهية المصالحة الجمركية
إذا كان نص المادة (265) من قانون الجمارك يجعل من المصالحة نظام يتم اللجوء إليه لتسوية المنازعات الجمركية، فإن هذه المادة لم تورد تعريفاً دقيقاً لها واكتفت بالإشارة تارة إلى إجراءاتها وتارة أخرى لأثارها[19] كما لا نجد هذا التعريف في باقي النصوص القانونية والتنظيمية للمصالحة الجمركية، مما جعلنا نبحث على هذا التعريف على مستوى اللوائح الإدارية وهكذا وجدنا هذا التعريف في مضمون المنشور رقم 353 المؤرخ في: 19/09/1999 والمحدد لكيفية تطبيق نص المادة (265) من قانون الجمارك، هذا التعريف الذي حسمت فيه السلطات التنظيمية رأيها وجعلت فيه المصالحة الجمركية تقترب إلى حد كبير من الصلح المدني، ويتأرجح موقفها عند استعراضنا لشروط المصالحة وآثارها بين إعطاء المصالحة صبغة الجزاء الجنائي في بعض المواطن وصبغة الجزاء الإداري في مواطن أخرى وبين هذا وذاك نجد أن السلطات التنظيمية وقعت في نفس الجدل والنقاش الذي حصل في الأوساط الفقهية والقضائية والذي يتمحور أساساً حول الطبيعة القانونية للمصالحة الجمركية وهذا ماسنبينه من خلال ما يلي :

أولاُ : التعريف بالمصالحة
لقد سبق وأن وضحنا كيف أن الصلح كأسلوب متميز لإنهاء المنازعات يعرفه مجتمعنا وجرى العمل به منذ القدم من خلال مادعنا إليه ديننا الحنيف وسنة نبينا الكريم .
أما على مستوى القانون الوضعي فيمكن أن نعرف الصلح بوجه عام والمصالحة بوجه خاص على أنها '' تسوية النزاع بطريقة ودية '' .
وعلى خلاف التشريعات المقارنة فإن المشرع الجزائري إستعمل عبارة '' الصلح '' في المسائل المدنية وهذا وفقاً لنص المادة (459) من القانون المدني والتي تنص على أن الصلح '' عقد ينهي الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً، وذلك بأن يتنازل كل منهما على وجه التبادل عن حقه '' .
كما استعمل عبارة '' المصالحة '' في المسائل الجزائية وذلك من خلال نص المادة (06) قانون الإجراءات الجزائية فقرتها (3) '' كما يجوز أن تنقضي الدعوى العمومية بالمصالحة إذا كان القانون يجيزها صراحة '' .
وإن كـان الأمر لايثير أي إشكال اليوم، فإنه جعل المصالحة كنظام لتسوية المنازعات في المسائل الجزائية إلى وقت قريب كان غير جائز ذلك أن جعل المصالحة تسري على عقاب الجريمة التي تهم المجتمع بأسره وليست ملكاً لفرد واحد إستغربه البعض فنادوا بتحريم المصالحة في المسائل الجزائية لكن سرعان ما أدخلت على هذا المبدأ إستثناءات[20] جعلت من المصالحة في المسائل الجزائية ممكنة فبعد نص المادة (06) من قانون الإجراءات الجزائية السابق ذكرها توالت النصوص التي كرست المصالحة في المجال الجزائي بجوانبه المختلفة .
فجاءت المادة (91) من الأمر 95/06 المؤرخ في: 25/01/1995 المعدل والمتمم بموجب الأمر 03/03 المؤرخ في: 19/07/2003 المتعلق بالمنافسة .
والمادة (09) من الأمر رقم 96/22 المؤرخ في: 09/07/1996 المعدل والمتمم بالأمر 03/01 المؤرخ في: 19/02/2003 المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج .
وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن جريمة الصرف[21]  قبل صدور الأمر 96/22 كانت توصف في صورتي الإستراد أو التصدير غير المشروع بوصفين : - الأول بعنوان قانون العقوبات، مخالفة التنظيم النقدي، والثاني بعنوان قانون الجمارك الإستيراد أو التصدير بدون تصريح أو التهريب حسب الدعوى ومن ثم تطبق عليها العقوبات المقررة في قانوني العقوبات والجمارك معاً .
وجاءت المادة (265) من القانون رقم 79/07 المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 98/10 المتضمن قانون الجمارك والتي نصت صراحة على المصالحة كنظام لتسوية المنازعات الجمركية .
وإذا رجعنا إلى المنشور رقم 353 المؤرخ في: 19/09/1999 المتعلق بكيفيات تطبيق المادة (265) من قانون الجمارك هذا الأخير الذي أعدته المديرية العامة للجمارك وتم توجيهه إلى كل من السادة المديرين الجهويين للجمارك من أجل التنفيذ والسادة المفتش العام للجمارك، المديرين المركزيين، مديرين المراكز الوطنية، مدير المركز الوطني للإعلام للجمارك وكذا رئيس مركز الإستقبال والإعلام وهذا من أجل إطلاعهم فقط ولقد جاء هذا المنشور نظراً للتطبيقات المختلفة التي عرفتها المادة (265) من قانون الجمارك وبغية توحيد الممارسة العملية للمصالحة من خلال نص المادة – بين مختلف الجهات والمستويات المسؤولة على تطبيقها[22] .
وجاء تعريف المصالحة في المادة الجمركية في مضمونه على النحو الآتي :
'' La transaction douanier est un contrat par le quel l'administration des douanes d'un part est une personne poursuivie pour l'infraction douanière d'autre part, terminent un litige dans des conditions convenues entre elle moyennant des concessions réciproque et dans la limite des pénalités fixées par la loi pour sanctionner l'infraction considérée   ''
لقد ورد هذا التعريف ضمن القسم المتعلق بمختلف الأعمال التصالحية فجعل المصالحة الجمركية عقد من خلاله إدارة الجمارك من جهة والمخالف (المرتكب أو الشخص المتابع لإرتكابه مخالفة جمركية) من جهة ثانية ينهيان النزاع في شروط مقبولة بينهما عن طريق تقديم كلاهما تنازلات متقابلة وفي حدود العقوبات المقررة قانوناً لمعاقبة الجريمة المرتكبة .
ومن خلال هذا التعريف نجد أنه أعطى للمصالحة الجمركية مميزات تقترب إلى حد كبير من الصلح المدني وذلك بجعلها عقد بين طرفين ينهي النزاع بتنازل كل منهما بصفة متقابلة عن حقه إلاّ أنه من خلال تناول هذا المنشور للإجراءات التي تخضع لها المصالحة نجد أنه يعطي للمسؤولين القائمين على منـح المصالحـة سلطة القضاء ويعطي للمخالف صفة المتهم – وإن كان على مستوى إدارة الجمارك أكد وأنهم حصروا صفة '' المتهم '' في الإذعان للمنازعة فقط .
وأن حسن نية وساوابق المخالفين لها دور في عدم قبول طلب المصالحة من قبل إدارة الجمارك هذه الأخيرة التي لاتتردد في نعت مقابل المصالحة بالعقوبات '' Pénalité '' [23].
بالإضافة إلى إستعمالها لعبارة '' قرار المصالحة '' ونحن نعلم أن القرار هو من الأعمال الإدارية التي تتخذها الإدارة بصفة منفردة والذي يتنافى ومفهوم العقد .
وبعد استعراضنا لما جاء به التنظيم فيما يخص تحديد الطبيعة القانونية للمصالحة الجمركية نجد أن رأيه يتأرجح بين العقد المدني والجزاء الجنائي والإداري مما يستوجب توضيح موقف الفقه والقضاء من ذلك من خلال

ثانياً : الطبيعة القانونية للمصالحة الجمركية

إن المادة (265) من قانون الجمارك لاسيما فقرتها (02) تجعل المصالحة في التشريع الجمركي ليست حقاً لمرتكب المخالفة ولاهي إجراء مسبق ملزم لإدارة الجمارك يتعين عليها إتباعه قبل رفع الدعوى إلى القضاء، إنما هي مكنة أجازها المشرع لإدارة الجمارك تمنحها للأشخاص الملاحقين الذين يطلبونها ضمن الشروط المحددة عن طريق التنظيم[24] فإذا كانت المصالحة تنتسب من حيث المرجعية إلى القانون المدني فهل يصلح ذلك مبرراً لإضفاء صفة العقد المدني على المصالحة الجمركية ؟ ذلك أن هذه الأخيرة من حيث مفعولها تنتهج المسار الجزائي إبتداءاً من مصدر تجريمها وانتهاءاً بأثرها المسقط للدعوى العمومية مما يضفي عليها طابعاً جزائياً إلاّ أنها لاتعني بالضرورة أنها جزاء وإذا سلمنا أنها جزاء فهي ليست بالضرورة جزاء جنائي لأن وظيفة الردع والعقاب ليست حكراً على القضاء وحده، مما ذهب إلى البعض القول أن المصالحة الجمركية تبدوا كأنها '' Janus '' ذات وجهين[25] .
فبإجراء مقارنة بين المصالحة الجمركية والعقد المدني نجد خصائص مشتركة بينهما تتلخص في شروط الإنعقاد والتي تتشابه في كليهما فهي لا تخرج عن أهلية التعاقد الخالية من عيوب الرضا واتفاق الطرفين أي الصيغة الرضائية بينهما، كذلك بالنسبة للآثار فهي واحدة تتمثـل في حسـم النـزاع وكـذا الأثـر النسبـي بحيث لاتنصرف آثار المصالحة أو الصلح إلاّ للمتصالحين .
فهذا التشابه – إلى حد بعيد – بين المصالحة الجمركية والصلح المدني هو الذي جعل بعض الفقهاء[26] يعتبرون المصالحة الجمركية صلحاً مدنياً هذا المبدأ الذي انتقد فيمابعد[27] بعد إبراز إختلافات جوهرية بين المصالحة الجمركية والصلح المدني يمكن إرجاعها لطبيعة النزاع فالمادة (459) من القانون المدني '' ... نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً '' ومن ثم فالصلح يكون حول نزاع قائم أو محتمل وذلك على خلاف المصالحة الجمركية ووفقاً للمادة (265) من قانون الجمارك فقرة (02) '' ... إجراء مصالحة مع الأشخاص المتابعين بسبب المخالفات الجمركية '' أي أن المصالحة لا تكون إلاّ مع الأشخاص الذين ارتكبوا فعلاً جرائم جمركية هذه الأخيرة التي تكون مثبتة عن طريق محاضر يحررها أعوان الجمارك المؤهلين لذلك[28] ومن ثم لا مجال للحديث عن النزاع المحتمل .
كذلك هناك اختلاف من حيث نية الأطراف ومراكزهم، ففي الصلح المدني يكون مبدئياً الأطراف على قدم المساواة هدفهم واحد هو فض النزاع وتجنب اللجوء للقضاء أو تجنب نزاع محتمل الوقوع على عكس المصالحة الجمركية التي يكون طرفيها غير متساويين، إدارة تمثل السلطة العامة مع كل ماتعطيه هذه السلطة لإدارة الجمارك من صلاحيات .
ومن جهة أخرى هناك مرتكب المخالفة، وأكيد أن ماتهدف إدارة الجمارك إلى تحقيقه من وراء المصالحة – وهو تحصيل حقوق الخزينة العامة في أقرب وقت وبأقل التكاليف والجهد – يختلف عما يسعى له المخالف وهو أن يتوقى المحاكمة التي قد ترتب إضافة عن العقوبات المالية المقررة قانوناً والذي هو ملزم بدفعها عقوبات سالبة للحرية كذلك هناك اختلاف من حيث التنازلات المتبادلة أو المتقابلة، فالصلح يقتضي التضحية من الجانبين وهو بذلك يتميز عن التسليم بحق الخصم[29] وترك الإدعاء[30] حيث في كلاهما هناك إنهاء للنزاع لكن بتضحية من جانب واحد .
أما بالنسبة للمصالحة الجمركية فإذا كان ظاهرها يوجب أنها تتم بموجب تنازلات متقابلة، ذلك إن إدارة الجمارك تتنازل عن متابعة المخالف مقابل وفاء هذا الأخير بالغرامات المالية المستحقة، فإذا الواقع أن إدارة الجمارك تملك كل السلطات على المخالف وهذا الأخير لايملك إلاّ أن يخضع لشروط الإدارة لتفادي المتابعة أو يرفضها فيحال على القضاء، كذلك المصالحة الجمركية أعتبرت دائماً من حيث تنظيمها أنها منحة تقدمها إدارة الجمارك لمن يطلبها وفق شروط مما يوجب بعدم توازن المراكز بين طرفيها، فالأول يمنح والثاني يطلب وشتان بين من يطلب ومن يمنح[31] ومن ثم فإن الفائدة التي يجنيها المخالف من وراء المصالحة تتمثل في تجنبه العقوبة السالبة للحرية، بالإضافة إلى ماقد تسعفه به إدارة الجمارك من تخفيض الغرامات المالية المستحقة كما يتوقى بها المصاريف القضائية وماينجم عن إجراءات التقاضي من تكاليف لذلك فإن المصالحة الجمركية ليس فيها تنازلاً منه وإنما هي فرصة حقيقية له، والطرف المتنازل فعلاً هو الإدارة .
ووجود طرفين في المصالحة الجمركية تختلف مراكزهم أحدهما يملي الشروط والآخر ماعليه إلاّ القبول أو الرفض جعل البعض يصنفها ضمن عقود الإدعان[32] إنطلاقاً من وجود سلطة في وضعية ممتازة وهي إدارة الجمارك والطرف المخالف الذي لايملك غالباً إلاّ الإذعان للشروط المفروضة عليه دون أن تكون له الحرية الكاملة في مناقشتها .
إلاّ أن المصالحة الجمركية تختلف عن عقد الإذعان لأن الأولى تجد مصدرها في مخالفة القانون في حالة عدم تمام المصالحة يتعرض الطرف المخالف للمتابعة الجزائية ومن ثم فإن حماية المشرع والقضاء للمتعاقد الأضعف التي نجدها في عقد الإذعان ليس لها مايبررها في المصالحة الجمركية .
وهكذا يتضح لنا أن المصالحة الجمركية تتميز عن عقد الصلح المدني بما فيها عقد الإذعان ممايؤكد خصوصيتها فهل تعرف نفس التميز بالنسبة للعقد الإداري ؟
إن المصالحة الجمركية عقد يجمع بين إدارة الجمارك من جهة والشخص المخالف من جهة أخرى، فهي عقد أحد طرفيه شخص من أشخاص القانون العام، ومن تمة إذا أخذنا بالمعيار العضوي فالعقد هو عقد إداري، وإذا رجعنا إلى القانون الإداري الذي يحكم هذا العقد نجد أن هذا الأخير يجب أن يتضمن (03) خصائص :
-       أن يكون أحد طرفي العقد شخص عام .
-       أن يتعلق العقد بنشاط مرفق عام .
-       أن يتضمن العقد بنود غير مألوفة ''Clause exorbitante'' [33]
وهي ماصطلح عليها بإمتيازات السلطة العامة، فإذا كان الشرط الأول يتوفر في المصالحة الجمركية بإعتبار أن أحد طرفيها شخص عام (إدارة الجمارك)، كذلك بالنسبة للشرط الثاني فإدارة الجمارك من خلال المصالحة تسعى لتحقيق المصلحة العامة (تحصيل حقوق الخزينة) والتي تعد من صميم نشاط المرفق العام، وإذا كان الحال كذلك بالنسبة للشرطين (1)، (2) فماذا عن الشرط الثالث ؟
وهو شرط الإمتيازات العامة التي يجب أن تظهر في العقد الإداري، إذا رجعنا إلى النصوص التنظيمية للمصالحة فإنها تعطي لإدارة الجمارك سلطات واسعة في تقدير قبول طلب المصالحة أو رفضه وكذا في تحديد المبلغ المالي مقابل المصالحة وتطغى على المصالحة صفة المقرر (Décision) وإن كان هذا ماقد يجمع بين المصالحة والعقد الإداري إلاّ أن مايفرقهما أعمق ويظهر من خلال أن الإدارة في العقد الإداري وعلى اعتبار أن المصلحة العامة هي الهدف من نشاطها فلها أن تعدل من بنود العقد أو حتى فسخه ويعد ذلك مظهر من مظاهر السلطة العامة، إلاّ أن إدارة الجمارك لايمكنها إضافة بنود أو شروط جديدة في حالة تمت إجـراءات المصالحـة بينهـا وبين المخالف – ماعدا في حالة المصالحة المؤقتة – كما أنها لا يمكن أن تفسخ المصالحة إذا أدخل الطرف المخالف بإلتزاماته التصالحية، كذلك إذا سلمنا بصفة العقد الإداري للمصالحة الجمركية فإننا نسلم بضرورة إختصاص القضاء الإداري للفصل في جميع المنازعات التي قد تنشأ بسبب المصالحة وهذا مااستبعده صراحة قانون الجمارك في نص المادة (273) منه '' تنظر الجهة القضائية المختصة بالبث في القضايا المدنية، في الإعتراضات المتعلقة بدفع الحقوق والرسوم أو إستردادها ومعارضات الإكراه وغيرها من القضايا الجمركية الأخرى التي لا تدخل في اختصاص القضاء الجزائي '' .
وبعد أن تطرقنا إلى الوجه التعاقدي الذي أخذت منه المصالحة الجمركية خصائص عدة نتطرق فيما يلي إلى الوجه الجزائي لها .
  فكما سبق وأن ذكرنا فإن المصالحة في المادة الجمركية تنطوي على الجانب الردعي من خلال دورها في إنقضاء الدعوى العمومية، إلاّ أنه اختلف حول طبيعة هذا الجزاء، هل هو جزاء جنائي أم جزاء إداري ؟
-       بالنسبة للمقارنة بين المصالحة الجمركية والجزاء الإداري :
لقد اعتبرت التسوية الإدارية فيما سبق – جزاءاً إدارياً حقيقياً لما كانت تتميز به من خصائص جعلها تقترب إلى حد كبير من الجزاء الإداري الذي لا يكون للمخالف فيه أي دور، وبتبني الجزائر نظام المصالحة بقيت هذه الأخيرة محافظة على بعض خصائص الجزاء الإداري.
هذا الموضوع الذي لم يثر جدلاً على مستوى الفقه أو القضاء الجزائري على عكس ماأثاره على مستوى الفقه والقضاء الفرنسي، ونظراً لتشابه النظامان القانونيان يمكن الإستفادة مما توصلوا إليه إلى حد كبير.
إن المضطلع على التشريع الفرنسي يجد الجزاء الإداري فيه حاضر بقوة – ومع ذلك ظل جانب من الفقه ينكر وجوده على الأقل كنظام قائم بذاته – فمع انتشار ما اصطلح عليه بالسلطات الإدارية المستقلة[34] توسعت الإختصاصات التي منحت لهذه السلطات في مجال الجزاء الإداري، وكان القطاع الضريبي بوجه عام هو المجال التقليدي الذي تمارس فيه الإدارة إمتيازتها كسلطة عمومية .
وإذا كان المجال الجمركي هو من إختصاص القاضي الجزائي فإن تعديل قانون الجمارك بموجب قانون 1977 واللجوء بصفة شبه منتظمة إلى المصالحة[35] تجعل من الإدارة مصدر للقمع .
وهكذا اسندت مهمة إصدار العقوبات وتسليطها على المخالفين لهيئات أعطيت لها صلاحيات السلطة العامة وامتيازاتها في توقيع العقوبات في إطار ماسمي بالسلطات الإدارية المستقلة، وإذا كان هذا مايمثل الجانب الردعي على مستوى التشريع الفرنسي فإننا نجد مايقابله عندنا بتبني الجزائر في إصلاحاتها للمنظومة القانونية[36] الردع الإداري .
وإذا كان الأصل أن الجزاء الإداري يتعارض مع مبدأ تخصيص السلطات الذي بموجبه يحتكر القاضي الجنائي وحده سلطة العقاب من جهة ومبدأ عدم الجمع بين السلطات هذا الأخير الذي يستبعد أن تكون السلطة الإدارية الحائزة على السلطة التنظيمية وتملك سلطة قمعية تمكنها من المعاقبة في آن واحد فلا يمكن أن تكون خصم وحكم في نفس الوقت مع ذلك فإن الجزاء الإداري الذي أرسى قواعده المجلس الدستور الفرنسي  وجعله يجمع فيها بين خصائص القانون الإداري وخصائص القانون الجنائي مثالها مبدأ الشرعية ومبدأ المسؤولية .
هذين المبدأين الذين يتفق فيهما الجزاء الإداري مع المصالحة في المادة الجمركية فهذه الأخيرة تخضع لمبدأ الشرعية فلا مصالحة بدون نص قانوني ولها نفس الخصوصيات في باب المسؤولية سواء تعلق الأمر بضعف الركن المعنوي أو بتوسيع مفهوم مرتكب المخالفة[37] وتبقى القواعد الإجرائية وحدها التي تعيق التطابق النموذجي بين المصالحة والجزاء الإداري، فلقد أقر المجلس الدستوري الفرنسي بضرورة توفير ضمانات الدعوى العادلة في الجزاء الإداري الجنائي وهي الحق في الدفاع والحق في الطعن [38]، فهل تتوفر هذه الضمانات في المصالحة الجمركية، وهل المخالف المرتكب لجريمة جمركية في الجزائر له الحق في الإستعانة بمحام أمام إدارة الجمارك في إطار إجراءات المصالحة ؟ وهل بإمكانه الطعن في المصالحة كجزاء إداري جنائي؟.
وللإجابة نجد أن المسؤولين المؤهلين للقيام بالمصالحة على مستوى الجمارك الجزائرية أكدوا لنا أنه لم يسبق للمخالفين أن استعانوا بمحامين أمام الإدارة إلاّ أنه لايوجد مايمنع من قبول إستعانة المخالف أثناء مباشرته لإجراءات المصالحة بدفاع، أما عن حق المخالف في الطعن فالمصالحة بالنسبة لهم هي عقد وفي حالة قبول المخالف بالوفاء بإلتزاماته المستحقة لإدارة الجمارك فليس له حق الطعن فيها، فالخيار الوحيد الذي يملكه المخالف هو القبول أو الرفض للمصالحة .

بالنسبة للمقارنة بين المصالحة الجمركية والجزاء الجنائي :
لعل من أهم مايجمع المصالحة الجمركية بالجزاء الجنائي هو مبدأ الشرعية فلقد سبق وأن ذكرنا أن المصالحة في المادة الجمركية تتسم بالطابع الإستثنائي ومن ثم فهي غير جائزة إلاّ إذا كان القانون ينص على جوازها صراحة، كما أن المشرع حدد مجال تطبيق المصالحة وأوضح المخالفات الجمركية التي يجوز فيها التصالح، كما حدد آجالها فقبل تعديل قانون الجمارك بموجب القانون 98-10 كانت المصالحة لا تتم إلاّ إذا كانت قبل صدور حكم نهائي، أما بموجب التعديل فأصبح بإمكان اللجوء إليها وعقد المصالحة حتى بعد صدور حكم نهائي، كما أنه هناك عدالة في العقوبة تظهر من خلال إستفادة جميع المخالفين من إجراءات المصالحة بشرط تحقق الشروط المقررة فانوناً وإن كانت إدارة الجمارك تتمتع بسلطة في قبول طلبات المصالحة أو رفضها وبإعتبار أن هدفها المحافظة على مصلحة الخزينة وحقوقها فلا شك أنها ستستجيب لكل الطلبات المستوفية للشروط المقررة قانوناً دون تمييز .
كما تشترك المصالحة مع الجزاء الجنائي في طابع الإيلام الذي تتميز به من خلال الإنقاص من الحقوق المالية للمخالف، إلاّ أن من أهم مايجعل المصالحة الجمركية تبتعد عن مفهوم الجزاء الجنائي هو خضوع هذا الأخير لمبدأ شخصية العقوبة[39] والذي لا نجده في المصالحة هذه الأخيرة التي يمتد فيها العقاب ليس فقط للمتهم ومن ساهم معه بل تشمل كذلك المستفيد من الغش والحائز والناقل والمصرح والوكيل لدى الجمارك والموكل والكفيل وتشتمل أيضاً المسؤول المدني الذي يعتبر في نظر المادة (317) من قانون الجمارك متضامناً وقابل للإكراه البدني دفع الغرامات  والمبالغ التي تقوم مقام المصادرة [40] .
كما أن المصالحة الجمركية لا تحقق وظيفة العقوبة وهي الردع بنوعيه العام والخاص بل هي تتنافى والردع لأنها تستبدل العقوبة السالبة للحرية بدفع الغرامات المالية  المستحقة، كما تهدف إلى إصلاح الجاني بقدر ماتهدف إلى تحصيل أموال الخزينة العمومية كذلك المصالحة لاتقيد في صحيفة السوابق ولاتعد سابقة تأخذ بعين الإعتبار لإحتساب العود .
وهكذا فإن الإقرار بالطابع الردعي للمصالحة الجمركية بوجه عام لايعني بالضرورة التسليم بأنها عقوبة جزائية لإفتقارها لبعض خصائصها وبالمقابل فهي أقرب ما تكون للجزاء الإداري إن لم نقل جزاء ذو طبيعة خاصة .
وإذا كان هدفنا من خلال هذا الفرع تحديد الطبيعة القانونية للمصالحة الجمركية والتي لها أهمية – في نظرنا – في تحديد الجهات المختصة بالمنازعات التي تثور بشأنها وكذا معرفة الآثار التي قد تترتب عنها إلاّ أن النصوص التنظيمية[41] حصرت رؤيتها لأهمية الطبيعة القانونيـة للمصالحـة في أن الطبيعـة القانونيـة للأعمـال التصالحيـة لاتشترك وتنتمي إلى المصالحة وفقاً للقانون العام إلاّ بشرط أن يكون لها طابع نهائي وبذلك فإن المصالحة المؤقتة الغير مصادق عليها من قبل المسؤول المؤهل قانوناً وكذا الإذعان للمنازعة التي لم يبد فيها المسؤول رأيه ماهي إلاّ مشروع أو أجزاء من المصالحة لاتلزم الإدارة التي يمكن لها دائماً أن تحيل القضية على القضاء أو الإنطلاق في إجراءات التنفيذ إذا كان الأمر يتعلق بقرار قضائي نهائي .
ومهما يكن من أمر فإن المصالحة الجمركية كعقد أو جـزاء لا تنعقـد أو يتم توقيعها إلاّ بإحترام طرفيها الشروط التي تجعل المصالحة صحيحة ومنتجة لآثارها، فما هي شروط المصالحة الجمركية وهذا ماسنوضحه من خلال الفرع الثاني :

الفرع الثاني : شروط المصالحة الجمركية

يشترط القانون حتى تنعقد المصالحة صحية وترتب بذلك آثارها المقررة قانوناً أن تتوفر على جملة من الشروط منها ما يتعلق بموضوع المصالحة (محلها) ومنها مايتعلق بالإجراءات الشكلية الواجب إستيفاؤها بينما يتعلق البعض الآخر بأطراف المصالحة وبذلك سنتناول شروط المصالحة الموضوعية، الإجرائية، والشروط التي تتعلق بطرفي المصالحة على النحو الآتي :

أولاً : الشروط الموضوعية للمصالحة الجمركية :
إذا كانت القاعدة العامة أن كل الجرائم الجمركية تقبل المصالحة فإن المادة (265) فإن المادة (265) من قانون الجمارك في البند (03) أوردت إستثناءاً بنهيها على الجرائم الجمركية التي لايجوز التصالح فيها، وأضاف التنظيم والقضاء إستنثناءات أخرى بالنسبة للإستثناء الذي أوردته المادة 265 – 3 من قانون الجمارك .
الأصل العام أن كل الجرائم الجمركية تقبل المصالحة هذه الجرائم التي يمكن أن نصنفها وفق معيارين : الأول يستند إلى طبيعة الجريمة والذي تصنف في ظله الجرائم الجمركية إلى مجموعتين، أعمال التهريب، وأعمال الإستيراد والتصدير بدون تصريح وهي الأعمال التي عبر عنها المشرع في قانون 1998 بالمخالفات التي تضبط في المكاتب الجمركية أثناء عملية الفحص والمراقبة بالإضافة إلى مخالفات أخرى متنوعة .
أما الثاني فيستند إلى وصفها الجزائي وهي تنقسم إلى جنح ومخالفات وإذا كان قانون الجمارك إستعار هذين المصطلحين من القانون اتلجنائي فإنهما لايؤديان بالضرورة نفس المعنى خاصة بالنسبة للمخالفات [42] .
إلاّ أن المشرع قد أدخل على  هذا المبدأ إستثناءاً بموجب المادة (265-3) من قانون الجمارك بنصها على مايلي : '' لا تجوز المصالحة في المخالفات المتعلقة بالبضائع المحظورة عند الإستيراد أو التصدير حسب مفهوم الفقرة (01) من المادة (21) من هذا القانون '' .
نص هذه المادة يقودنا إلى التطرق لمفهوم الحظر الذي جاءت به المادة (21) من قانون الجمارك حتى نتمكن من معرفة وضبط المخالفات التي لا يجوز فيها التصالح[43] وانطلاقاً من ذلك يمكن تصنيف البضائع المحظورة إلى صنفين:
- البضائع المحظورة عند الإستيراد أو التصدير ويتعلق الأمر بالبضائع الممنوعة من الإستيراد أو التصدير وهي البضائع ألتي أشارت إليها المادة (21) في فقرتها (1) .
- والبضائع المحظورة عند الإستيراد أو التصدير ويتعلق الأمر بالبضائع التي يجوز إستيــرادها وتصديرها غير أن جمركتها موقوفة على تقديم سند أو رخصة أو شهادة أو إتمام إجراءات خاصة وهي البضائع التي أشارت إليها المادة (21) في فقرتها (2) .
وبذلك فإن الخطر المشار إليه في المادة (265-3) من قانون الجمارك هو الوارد في المادة (21) فقرة (1) وتجدر الإشارة إلى أن المادة (21) معدلة لم تحدد قائمة البضائع المحظورة ولم تحل بشأنها إلى أي نص تنظيمي، خلافاً لما كانت عليه قبل تعديلها حيث كانت تحيل إلى المرسوم التنفيذي رقم: 92/126 المؤرخ في: 28/03/1992 والذي عرف الحظر بنوعيه[44] المطلق والجزئي واشترطت المادة (3) منه أن يكون الحظر أو القيود التي تفرض على البضائع منصوصاً عليها صراحة بنص تشريعي أو تنظيمي .
واستناداً إلى نص المادة (21/1) من قانون الجمارك والمرسوم التنفيذي رقم: 92/126 السالف الذكر يمكن أن نحصر البضائع التي لا يجوز المصالحة فيها بتقسيمهما إلى فئتين : البضائع المحظورة حظر مطلق والبضائع المحظورة حظر جزئياً .
فالأولى تتمثل في : المنتجات المادية : وتشمل على سبيل المثال البضائع المتضمنة علامات منشأ مزورة، البضائع التي منشؤها بلد محل مقاطعة تجارية كإسرائيل، العملة الوطنية .
-   المنتجات الفكرية: وتشمل النشريات الإجنبية التي تتضمن صوراً أو قصصاً أو إعلانات أو إشهاراً منافياً للأخلاق الإسلامية وللقيم الوطنية ولحقوق الإنسان أو التي تشيد بالعنصرية أو التعصب أو الخيانة وكذا النشريات الدورية الأجنبية التي تتضمن إشهار أو إعلان من شأنه أن يساعد على العنف والإنحراف وكذا المطبوعات والرسوم والصور المنافية للأخلاق والآداب العامة ... إلخ .
-   أما الثانية فهي البضائع التي أوقف المشرع إستيرادها وتصديرها على ترخيص من السلطات المختصة ويتعلق الأمر بالبضائع الآتية : - العتاد الحربي والأسلحة والذخيرة والمواد المتفجرة، المخدرات، بالإضافة إلى بضائع أخرى نذكر منها تجهيزات لإتصال الأملاك الثقافية، النشريات الدوريات الأجنبية، أصناف النباتات والحيوانات المهددة بالانقراض وكذا تجهيزات الإتصال، وأدوات القياس [45] .
وفضلاً عن البضائع المذكورة آنفاً يوجد صنف آخر من البضائع يدخل ضمن مفهوم البضائع المحظورة ويتعلق الأمر بالبضائع التي يخضع إستيرادها وتصديرها لإحتكار الدولة أو إحدى مؤساستها مثل: المحروقات والتبغ قبل صدور قانون المالية لسنة 2001 وكذا البضائع التي يوقف إستيرادها أو تصديرها بصورة مؤقتة .
وتبقى المصالحة جائزة في الجرائم المتصلة بالبضائع التي يخضع إستيرادها أو تصديرها إلى قيود طبقاً لنص المادة (21) فقرة (2) .
وإذا كان ما جاءت به المادة (265) بند(3) هو الإستثناء الوحيد بموجب نص قانوني – وهذا بموجب تعديل قانون الجمارك1998 فإن المشرع الجزائري قد أضاف إستثناء آخر وهذا بموجب الأمر05/06 المؤرخ في23/08/2005 والمتعلق بمكافحة التهريب وهذا بموجب المادة(21) منه التي نصت على مايلي:'' تستثني جرائم التهريب المنصوص عليها في هذا الأمر من إجراءات المصالحة المبينة في التشريع الجمركي ''.
وبذلك تصبح المصالحة غير جائزة في جميع جرائم التهريب سواء المنصوص عليها في قانون الجمارك القانون رقم: 98-10 أو التي تضمنها هذا الأمر ذلك أن المادة (2) من هذا الأمر عرفت التهريب وحددت مفهومه فيما يلي : '' الأفعال الموصوفة بالتهريب في التشريع والتنظيم الجمركيين المعمول بهما وكذلك في هذا الأمر '' وبذلك نجد أن الإستثناء الوارد في نص المادة (265) البند (3) لم يعد لها أي معنى – في نظرنا – في إطار هذا الأمر .
وإن كان البعض يرى أن الأمر 05/06 المتعلق بمكافحة التهريب لا يعتبر تعديل لقانون الجمارك وإنما هو نص خاص يتعلق بالتهريب وإجراءات خاصة لمكافحته إلاّ أننا نرى عكس ذلك فأحكام الأمر أدخلت تعديلات على قانون الجمارك من خلال إعادة تنظيمها لجريمة التهريب والعقوبات المقررة لها [46] وكذا بإلغائه لبعض المواد من قانون الجمارك [47] .
بالإضافة إلى ما جاء به بخصوص المصالحة الجمركية بالتقليص من مجالها واستبعادها من جرائم التهريب كما سنوضحه لاحقاً .
وإذا كانت هذه الاستثناءات التي ذكرناها سابقاً جاءت بموجب نصوص قانونية ومن وضع المشرع فهناك استثناءات أخرى من وضع القضاء  والسلطات التنظيمية من خلال النصوص التنظيمية للمصالحة الجمركية .
بالنسبة للقضاء : فإنه استبعد عن إجراءات المصالحة جرائم القانون العام أو من قانون خاص آخر عندما تقبل وصفاً جمركياً وهو ما اصطلح على تسميتها الجرائم المزدوجة وكذا جرائم القانون العام المرتبطة بجرائم جمركية .
فيما يتعلق بالجرائم المزدوجة فإنه قد يقبل الفعل الواحد وصفين أو أكثر وهذا ما يعبر عنه الفقه بالتعدد الصوري أو المعنوي Concours idéal، كأن يشكل الفعل جريمة في نظر قانون الجمارك وجريمة في نظر قانون آخر[48] فنكون أمام حالة يأخذ فيها الفعل وصفان وينطبق عليه نصان .
وهذا خروجاً عن المبدأ العام المقرر بموجب المادة (32) من قانون العقوبات والذي يقضي بأن يوصف الفعل الواحد الذي يحتمل عدة أوصاف بالوصف الأشد من بينها غير أنها تبنت مبدأ عدم الجمع بين عقوبات الحبس الوارد في المادة (34) من قانون العقوبات ومؤداه أن تطبق عقوبة الحبس المقررة للجريمة الأشد وفي نفس السياق قضت المحكمة العليا " إنه من المستقر عليه قضاءً أن الفعل الواحد الذي يقبل وصفين أحدهما من  القانون العام والآخر من قانون الجمارك يخضع من حيث العقوبات ذات الطابع الجزائي للعقوبة الأشد التي يتضمنها أحد القانونين وفقاً لنص المادتين (32) و (34) من قانون العقوبات دون الإخلاء بالجزاءات ذات الطابع الجنائي المقررة في القانونين أو في أحدهما " [49] كما يستند القضاء إلى نص المادة (340) من القانون الجزائري وذالك قبل إلغائها بموجب تعديل 1998 ومؤداها أنه في حالة تزامن جرائم من القانون العام مع مخالفات جمركية تلاحق الجرائم الأولى وتتابع ويعاقب عليها طبقاً للقانون العام دون الإخلال بالعقوبات المالية المقررة في قانون الجمارك وبذالك يكون القضاء الجزائري قد استقر في حالة التعدد الصوري بين جرائم جمركية وجرائم أخرى على مبدئين :
-       تطبيق قاعدة عدم جمع عقوبات الحبس وتطبيق العقوبة المقررة للوصف الأشد.
-       تطبيق قاعدة جمع أو تعدد العقوبات الجنائية .
ويستشف من قضاء المحكمة العليا أن التعدد الصوري بين الجريمة الجمركية وجريمة أخرى يتحقق على وجه الخصوص في الأفعال الآتية :
-       الإستيراد أو التصدير للمخدرات بطريقة غير شريعة .
-   التصدير بطريقة غير شرعية للمواد الغذائية و الحبوب ومشتقاته والمشروبات والمستحضرات الطبية ومواد الوقود والأسمدة التجارية.
-   إستعمال صفيحة أو قيد تسجيل على مركبة ذات محرك أو مقطورة تحمل رقماً مزوراً أو غير حقيقي وكذا قيادة المركبة وهي مزودة بلوحة أو تسجيل غير مطابق لنوع تلك المركبة.
-       الإستيراد أو التصدير للنقود أو المعادن الثمينة والأحجار الكريمة بطريقة غير شرعية .
 فيما يخص الحالة الأولى المتعلقة باستيراد وتصدير المخدرات بطريقة غير شرعية فلا تصلح كمثال لأنه لا يجوز فيها المصالحة أصلاً, ذالك أن المخدرات تدخل في نطاق البضائع المحظورة ـ خطر جزائي ـ وفقاً لنص المادة (21/1) من قانون الجمارك .
أما في الحالة الثانية كمثال للتعدد الصوري فإن تصدير المواد الغذائية والحبوب ومشتقاته والمشروبات والمستحضرات الطبية ومواد الوقود و الأسمدة التجارية بطريقة غير مشروعة معاقب عليه بموجب المواد (173) مكرر قانون العقوبات التي جاء بها قانون 90/15 المعدل والمتمم لقانون العقوبات, هذه المواد المعاقب على تصديرها بطريقة غير مشروعة تم تحديدها في نص المادة (173)من قانون العقوبات وبذالك فإن تصدير هذه المواد المحددة في المادة (173)من قانون العقوبات بطريقة غير شرعية يشكل جريمة مزدوجة فهو يخضع لقانون العقوبات تحت هذا الوصف وتحت طائلة العقوبات المقررة في المادة (173) مكرر كما أنه من جهة أخرى يخضع لقانون الجمارك تحت وصف التهريب أو التصدير بدون تصريح حسب الظروف ويقع تحت طائلة العقوبات المقررة في المواد من (323) إلى (328) من قانون الجمارك [50] مع الإشارة أن المادة (173) مكرر تم إلغاؤها بموجب المادة (42) من الأمر 05/06 المتعلق بمكافحة التهريب و بذلك فالجريمة تخضع لعقوبة قانون الجمارك فقط كذلك بالنسبة لجرائم الصرف فقبل صدور الأمر 96/22 المتعلق بقمع جريمة الصرف – كما سبق و أن ذكرنا- توصف بوصفين: بعنوان قانون العقوبات مخالفة التنظيم النقدي وبعنوان قانون الجمارك التهريب أو الأستيراد أو التصدير بدون تصريح فنطبق عليها العقوبات المقررة في قانوني العقوبات والجمارك معاً.
فكانت المادة (425) من قانون العقوبات تخول للمخالف مدة 45 يوم للمصالحة إذا كان مبلغ المخالفة يقل عن 30.000 دج, ويجب أن يشير المحضر الجمركي والحكم عند الاقتضاء إلى مراعاة هذا الإجراء الجوهري وإلا ترتب على ذالك البطلان لإخلاله بحقوق الدفاع [51] وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا ملف 148131 مؤرخ في 20/05/97 ومما جاء فيه : " من المقرر قانوناً أن الدعوى العمومية التي تمارسها النيابة العامة ضد المخالف والتي تهدف إلى معاقبته جزائياً لا تقبل المصالحة إلا بنص صريح في القانون عندما تكون القيمة القانونية لمحل الجريمة المرتكبة مساوياً أو أقل من 30.000 دج ومن ثم بما أن قيمة محل الجريمة يفوق هذا المبلغ فعليه بإدانة المتهم وعدم الإعتداد بمحضر المصالحة "
ولعل السؤال الذي يطرح في الحالتين المذكورتين آنفاً هو هل المصالحة التي تتم في المخالفة الجمركية يمتد أثرها إلى جنحة تصدير المواد بطريقة غير شرعية والمنصوص والمعاقب عليها بموجب المادتين (173) و (173) مكرر من قانون العقوبات وكذا هل يمتد أثر المصالحة إلى جنحة الصرف وذالك عند تحقق الازدواجية .
ولقـد أجابت المحكمة العليا صراحة حين قضت في قرارها المؤرخ في: 17/03/1997  " أن المصالحة التي تتم بالنسبة للجريمة الجمركية لا ينصرف أثرها إلى الجريمة المنصوص عليها في المادة (173) مكرر من قانون العقوبات " وكذالك بالنسبة للمصالحة بشأن جنحة الصرف (51) ومن ثم فإن المصالحة تنحصر في الجريمة الجمركية ولا ينصرف آثرها إلى جريمة القانون العام أو أي قانون خاص آخر .
أما فيما يتعلق بجرائم القانون العام المرتبطة بجرائم جمركية أو ما يعرف بالتعدد الحقيقي أو المادي '' Concours réel''  وهو أن يرتكب شخص جريمتين أو أكثر أحداهما على الأقل جمركية، لا يفصل بينهما حكم قضائي نهائي، ولقد تضمن قانون العقوبات مبدأين يحكمان حالة التعدد الحقيقي :
- مبدأ تطبيق عقوبة الحبس المقررة للجريمة الأشد طبقاً لنص المادة (34) من قانون العقوبات
- مبدأ جمع أو تعدد العقوبات المالية طبقاً للمادة 36 من قانون العقوبات [52] .
أما في المخالفات وطبقاً لأحكام المادة 38 من قانون العقوبات فإن العقوبات تجمع وجوباً، وبالرجوع إلى قانون الجمارك نجد المادة 339 منه تنص في فقرتها 2 على أنه: '' في حالة تعدد المخالفات أو الجنح الجمركية تصدر العقوبات المالية على كل مخالفة يثبت ارتكابها '' وهذا ما يتفق مع ماهو مقرر في قانون العقوبات وفي نفس الوقت تخضع هذه الحالة لحكم المادة 340 السابق ذكرها وهذا قبل إلغائه بموجب تعديل 98 ولقد أوردت نفس المادة أمثلة عن بعض الجرائم التي يتحقق فيها التعدد الحقيقي بين الجرائم الجمركية وأخرى من القانون العام أو من أي قانون خاص آخر وهي بالإضافة إلى جنحة الصرف، جرائم التعدي على أعوان الجمارك، العصيان، الرشوة والإخلال بالواجب، التهريب مع التجمع وحمل الأسلحة .
ولقد أثير نفس التساؤل بشأن ما إذا كانت المصالحة التي تتم في المخالفة الجمركية يمتد آثرها إلى جريمة القانون العام المرتبطة بها ؟ .
ولقد اتجاه قضاء المحكمة العليا بشأن هذه المسألة إلى نفس ما أقرته بالنسبة للجرائم المزدوجة، حيث قضت حالة فصلها في الطعن بالنقض الذي رفعه أحد المتهمين والنيابة العامة في قرار مجلس قضاء تلمسان المؤرخ في: 04/01/1993 أن : '' المصالحة الجمركية التي تتم على أساس مخالفة قانون الجمارك لا ينصرف آثرها إلى جريمة القانون العام المرتبطة بها فلا حاجة إذاً إلى إعادة تكييف الوقائع من مخالفة جمركية إلى مخالفة من القانون العام مادامت المصالحة في المخالفة الأولى لا تعدم المخالفة الثانية متى ثبت قيامها '' .
بالنسبة للنصوص التنظيمية : لقد أوردت النصوص التنظيمية[53] للمصالحة إستثنائات وهي بعض الجرائم الجمركية التي لا يجوز فيها التصالح .
ويتعلق الأمر بالجرائم المحددة في المادة (328) من القانون الجزائري والتي يكون مجموع الحقوق والرسوم المتغاض عنها أو المتملص منها يفوق 500.000 دج ويساوي أو يقل عن 1.000.000 دج وتتمثل في التهريب المرتكب باستعمال أسلحة نارية، لا يجوز التصالح فيها وتحول مباشرة إلى القضاء ليفصل فيها ونصت أن هذا الاستثناء لم يعد ضروري بعد إلغاء المادة (328) من قانون الجمارك.
كذلك هنالك حالات غير معنية بالمصالحة وهي الجرائم المتعلقة بالبضائع المشار إليها في المنشور الوزاري رقم: 353 المؤرخ في: 29/03/1993 المتعلقة بتعزيز آليات مكافحة تهريب المواد ذات الاستهلاك الواسع ويتعلق الأمر بالسميد، الفرينة، العجائن الغذائية، الخضر الجافة، الزيت، السكر، القهوة، الشاي، الحليب، الطماطم المصبرة، اللحوم الحمراء، الأدوية، القمح، غذاء الأنعام، الوقود .
كذلك المخالفات المرتكبة من قبل أعوان الجمارك أو أي عون من الأعوان المؤهلين لمعاينة المخالفات الجمركية أو المتورطين فيها ويتعلق الأمر بالنسبة للأعوان الآخرين بضباط وأعوان الشرطة القضائية وأعوان الضرائب والمنافسة وقمع الغش وحراس الشواطئ .
وفي هذا الصدد أورد الدكتور بو سقيعة ملاحظاته حول إبعاد الحالتين الأولى والأخيرة من مجال المصالحة والذي يجد أن إبعادهما مبرراً لخطورة الجريمة سواءً من زاوية الوسيلة المستعملة (السلاح) أو من زاوية مرتكب الجريمة (عون) إلا أن الأمر ليس كذلك بالنسبة للحالة الثانية ذلك أن استثناء بعض البضائع كالسميد والحليب والوقود من المصالحة سبب تدعيم أسعارها أو خضوعها لإحتكار الدولة فإنه من العسير تقبل هذا اللإستثناء بالنسبة لباقي البضائع .
وفي هذا الصدد نتساءل حول موقف الدكتور بوسقيعة من استثناء جميع جرائم التهريب من المصالحة خاصة وأنه لم يستثني بضائع معينة ؟


ثانياً : الشروط الإجرائية
يشترط المشرع الجزائري لقيام المصالحة الجمركية الصحيحة المنتجة لجميع آثارها القانونية أن يحترم طرفيها مجموعة الشروط وذالك من خلال نص المادة (256/2) " غير أنه يرخص لإدارة الجمارك بإجراء المصالحة مع لأشخاص المتابعين بسبب المخالفات الجمركية بناءً على طلبهم .
تحدد قائمة مسؤولي إدارة الجمارك المؤهلين لإجراء المصالحة المذكورة في الفقرة أعلاه بقرار من الوزير المكلف بالمالية ..."
وبذالك فإنه يشترط أن يبادر الشخص المتابع بتقديم طلب لهذا الغرض إلى أحد مسؤولي إدارة الجمارك المؤهلين لمنح المصالحة وأن يوافق هذا الأخير على الطلب، ما لم تكن المخالفة المرتكبة من المخالفات التي تستوجب فيها المصالحة أخذ رأي اللجنة الوطنية أو اللجان المحلية للمصالحة طبقاً لنص المادة (256/4) من قانون الجمارك ولا تكون المصالحة النهائية محدثة لآثارها إلا بعد صدور قرار المصالحة .

01)      طلب الشخص المتابع لارتكابه جريمة جمركية :
يشترط قانون الجمارك أن يتقدم الشخص المخالف المرتكب لجريمة جمركية بطلب يعبر فيه صراحة عن رغبته في الإستفادة من إجراءات المصالحة ونشير في هذا الصدد أن المشرع لم يستعمل عبارة " المتهم " وإنما الشخص المخالف أو الملاحق لارتكابه جريمة جمركية حتى يتسع نطاق المصالحة فضلاً عن الفاعل الأساسي، الشريك في الغش والمستفيد منه والمصرح والوكيل لدى الجمارك والموكل والكفيل، ولقد تبين لنا من خلال رأي القائمين على المصالحة على مستوى الجمارك الجزائري أنه لايشترط في الطلب المخالف شكليات معينة، كما يمكن أن يكون هذا الطلب كتابي أو شفهي وإن كان يفضل الطلبات الكتابية لأنها تسهل – من جهة – على إدارة الجمارك في دراستها وتساعد من جهة أخرى على الإثبات في حالة وقوع خلاف حول تقديم الطلب بالنسبة لمرتكب الجريمة الجمركية .
إلاّ أننا نستثني من خلال أحكام المرسوم التنفيذي 99-195 المتضمن تحديد إنشاء لجان المصالحة وتشكيلها وسيرها أن الكتابة ضرورية وإذا كانت المادة (5) من المرسوم التنفيذي السالف الذكر تنص على أنه '' يجب على الأشخاص الذين طلبوا مصالحة أن يكتتبوا إما مصالحة مؤقتة في حالة عرض نقدي مضمون بتقديم كفالة بنسبة 25% من مبالغ الغرامات المستحقة وإما إذغان منازعة مكفولاً '' .
وإذا أردنا تعريف المصالحة المؤقتة [54] والغرض منها فإنه من أجل إعتبارات عملية وإجراءات تحفزية وفي إطار العمل على التسريع في تسوية المنازعات الجمركية، كان من اللازم إعطاء بعض المسؤولين صلاحية القيام بمصالحة مؤقتة مع المخالفين، وذلك في حالة كون المسؤول المؤهل لذلك غير قادر أو ليس بإمكانه عقد المصالحة بصفة فورية مع المخالف وفي هذه الحالة فإن مقابل المصالحة (مبلغ الغرامات المالية المقررة) ماهو إلاّ مجرد إقتراح من المخالف والمسـؤول المحلي ولا يكـون نهائي إلاّ إذا وافق عليه المسؤول المؤهل قانوناً بالمصالحة نهائياً، وإذا قام هذا الأخير بتعديل مبلغ المصالحة لايكون أمام المخالف إما القبول بالشروط الجديدة للمصالحة أو رفضها وهنا نكون في هذه الحالة الأخيرة أمام نزاع سيحال على القضاء) أنظر الملحق) .
أما الإذعان بالمنازعة ''Soumission contentieuse'' هو محرر يتضمن من جهة بيان الوقائع المجرمة ومن جهة أخرى إعتراف المخالف بالجريمة الجمركية المرتكبة من طرفه بالإضافة إلى تعهده وإلتزامه بقبول القرار الإداري الذي ستصدره الإدارة مهما كان مضمونه، وكذا دفع المبلغ الذي تراه الإدارة لتغطية القيمة الكلية للغرامات المالية المقررة قانوناً وهذا الإتفاق يكون مرفوق بكفالة أو ضمان والذي لاتكون قيمته تقل عن 25% من مبلغ الغرامات .
وهذا المحرر – الإذعان بالمنازعة – يكون موقع من قبل المخالف وكذا المسؤول الذي قام بإجراءات المصالحة المؤقتة (أنظر الملحق) .
والجاري به العمل اليوم على مستوى إدارة الجمارك أن الإذغان بالمنازعات أصبح إجراء يتم بصفة مباشرة إثر تقديم طلب المصالحة سواء كانت مؤقتة أو نهائية ولجوء إدارة الجمارك لهذه الطريقة – وحسب تبرير المسؤولين – هو للحصول على إعتراف المتهم بإرتكابه للمخالفة الجمركية الذي قد يستعمل فيما بعـد إن لم يوف بإلتزاماته وأحيلت القضية أو النزاع على القضاء، كما أصبح الإذعان للمنازعة وثيقة من الوثائق المكونة لملف المصالحة قبل إحالته على المسؤول المؤهل قانوناً لإجراء المصالحة النهائية، مع الإشارة أنه في السابق لم يكن الإذعان بالمنازعة مع ورقة التلخيص إلاّ في حالة المصالحة المؤقتة وذلك من أجل تهيئة الملف للمسؤول المؤهل قانوناً للقيام بالمصالحة كذلك بالنسبة للكفالة وهي تقديم مبلغ 25 % من قيمة الغرامات المالية المقررة أصبحت شرطاً ضرورياً يجب إستيفاؤه بعد تقديم طلب المصالحة ويعد شرطاً لإخطار المسؤول المؤهل قانوناً بالمصالحة ويترتب على عدم إيداع هذا المبلغ عدم قبول طلب المصالحة شكلاً دون الحاجة إلى النظر لموضوعه.
ويبرر المسؤولين على مستوى إدارة الجمارك لجوئهم إلى تعميم هذا الإجراء هو لضمان جدية طلبات المخالفين للحصول على المصالحة فلقد حصل عدة مرات أنه بعد تقديم المخالف لطلب المصالحة يتراجع عنه، لكن بدفع المخالف ل 25 % من قيمة الغرامات المالية المقررة والتي قد تصل إلى (50) مليون وأكثر هذا يضمن إكماله للإجراءات حتى لايضيع هذا المبلغ .
مع الإشارة أنه في حالة رفض إدارة الجمارك لطلب المصالحة فإن قيمة 25% من الغرامات المالية لاترجع للمخالف وإنما تبقى كضمان وتحسب في الغرامات المالية التي سيقررها القضاء لاحقاً .
كما أنه يترتب على الإكتتاب لمصالحة مؤقتة أو الإذغان بالمنازعة تأجيل تقديم الشكوى للنيابة إذا كانت القضية لم تحل بعد على القضاء، وإذا كانت القضية أمام القضاء يتعين على إدارة الجمارك طلب تأجيل النظر في القضية إلى غاية إتخاذ قرار بشأنها .
وإذا كان لمقدم الطلب شركاء، يلتمس من الجهة القضائية المختصة فصل قضيته عن باقي المتهمين وتأجيل النظر في قضيته .
ويبقى أنه يمكن للمخالف أن يقدم طلب المصالحة في أي وقت حتى بعد صدور حكم قضائي نهائي إلاّ أنه في هذه الحالة الأخيرة ينحصر أثرها في العقوبات ذات الطابع الجبائي وهي الغرامات والمصادرة الجمركية دون العقوبات ذات الطابع الجزائي طبقاً لنص المادة (265/7) من قانون الجمارك على خلاف ماكان جاري به العمل قبل تعديل 98 حيث حصر المصالحة في ميعاد محدد وهو قبل صدور حكم نهائي المادة (265/5) قبل التعديل .
ويوجه المخالف طلبه إلى المسؤول المؤهل قانوناً للقيام بإجراءات المصالحة ولقد جاء في هذا الصدد قرار وزير المالية المؤرخ في: 22/06/1999 والذي يحدد قائمة مسؤولي إدارة الجمارك المؤهلين لإجراء مصالحة مع الأشخاص المتابعين بسبب مخالفات جمركية المادة (265/2) من قانون الجمارك كذلك أشار التنظيم [55] أن المادة المذكورة سابقاً جاءت بالجديد فيما يخص ماسمي بمبالغ الإختصاص ''Les seuils de compétence'' والتي حددت خطوطها العريضة في قانون الجمارك بعد ماكانت تحدد في السابق عن طريق التنظيم فقط، هذه المبالغ أو معدلات الإختصاص تحدد حسب قيمة الحقوق والرسوم المتغاض عنها أو المتملص منها، طبيعة الجريمة المرتكبة وصفة المخالف، كما يرتب هؤلاء المسؤولين المؤهلين لإجراء المصالحة كل حسب مستوى اختصاصه على النحو الآتي بيانه : رؤوساء المراكز، فرؤوساء المفتشيات الرئيسيين، فرؤساء مفتشيات الأقسام، فالمديرون الجهويون، فالمدير العام للجمارك .
وفي الحالة التي يخطأ فيها الطالب (مرتكب المخالفة الجمركية) في توجيه طلبه كان يوجه طلبه بالمصالحة إلى هيئة غير مختصة بها فإنه قياسياً على القواعد العامة للقانون العام فإن طلبه يحول إلى الجهة المختصة به .
وإذا كان هذا بخصوص الطلب الذي يقدمه المخالف ومختلف الإجراءات المتعلقة به فإنه يبقى على الطرف الثاني في المصالحة – إدارة الجمارك – الموافقة وهذا ماسنتعرض إليه فيما يلي :

02)      موافقة إدارة الجمارك :
لقد سبق وأن أشرنا أن المصالحة الجمركية ليست حقاً لمرتكب المخالفة ولاهي إجراء مسبق ملزم لإدارة الجمارك يتعين عليها إتباعه قبل رفع الدعوى إلى القضاء إنما هي مكنة إجازها المشرع لإدارة الجمارك تمنحها متى رأت ذلك إلى الأشخاص الملاحقين لإرتكابهم جرائم جمركية الذين يطلبونها ضمن الشروط المحددة قانوناً  [56] وتقديم طلب المصالحة من قبل المخالف لايقابله بالضرورة موافقة إدراة الجمارك عليه فيمكن لهذه الأخيرة عدم الردّ على طلب المخالف بالإيجاب كما يمكن أن لاتجيب المخالف أصلاً ولايعد سكوت الإدارة في هذه الحالة قبولاً .
ونشير في هذا الصدد أن هذه الحالة الأخيرة تثير عدة إشكالات عملية ذلك أنه أكد لنا أحد الأشخاص – المخالفين – الذي جاء يستفسر حول طلبه الذي قدمه ولم يحصل على رد بشأنه، ليفاجئ أن الملف الخاص به قد تم تحويله إلى القضاء، ولذلك فإدارة الجمارك لم تقبل طلبه للمصالحة، وإن كنا لا نناقش هنا سلطة إدارة الجمارك في تقدير قبول أو رفض طلب المصالحة لأنه يمكن أن يكون رفضها لإعتبارات تتعلق بمصلحة الخزينة لاتظهر إلاّ للعارفين بمجـال الجمارك وآلياته، إلاّ أننا نرى أنه من المنطقــي أن يحصل مقدم طلب المصالحة على الرّد سواء بالقبول أو الرفض ذلك حتى نضمن أن كل طـرف تحترم حقوقه سواء الإدارة أو الطرف للمخالف .
 أما في حالة موافقة إدارة الجمارك على المصالحة فإن هذه الأخيرة تأخذ شكل ''قرار المصالحة'' وهي ماوصفها المسؤولين على مستوى إدارة الجمارك بالقرار الإداري بالمصالحة النهائية وذلك طبعاً بعد تهيئة الملف – كما سبق توضيحه – وعرضه على الجهة المختصة بالنظر في طلب المصالحة .
الجهات المختصة بالنظر في طلب المصالحة : وفي هذا الإطار نميز بين الحالات التي لاتحتاج فيها المصالحة إلى رأي اللجنة الوطنية أو اللجان المحلية والحالات الأخرى التي تخضع فيها المصالحة إلى رأي اللجنة الوطنية أو اللجان المحلية [57] .
 ↚

أ‌)       المخالفات التي تستوجب فيها المصالحة رأي اللجان المذكورة :

فبعد أن تعد مصلحة الجمارك التي عاينت المخالفة ملف المنازعات، ترسله بعد ذلك مرفقاً حسب الحالة بالمصالحة المؤقتة أو الإذغان بالمنازعة – إلاّ أنه أغلب الملفات حالياً على مستوى إدارة الجمارك تكون مرفوقة بإذغان للمنازعة بعد أن رأت إدارة الجمارك فعالية هذا الإجراء عملياً – إلى السلطة السلمية المؤهلة للتصالح لإحالته على اللجنة المختصة سواء اللجنة الوطنية أو اللجان المحلية للمصالحة .
بالنسبة للجنة الوطنية للمصالحة [58] فهي توجد على مستوى المديرية العامة للجمارك وتتكون من :
-       المدير العام للجمارك أو ممثله - رئيساً .
-       مدير المنازعات التشريع والتنظيم والتقنيات الجمركية القيمة والجباية، مكافحة الغش – أعضاءاً .
-       المدير الفرعي للمنازعات مقرر .
كما توجد على مستوى كل مقر لمديرية جهوية لجنة محلية [59] للمصالحة تتكون من :
-       المدير الجهوي للجمارك – رئيساً .
-   المدير الجهوي المساعد للشؤون التقنية، رئيس مفتشية الأقسم المختص إقليمياً رئيس المكتب الجهوي لمكافحة الغش – أعضاءاً .
-       رئيس المكتب الجهوي للمنازعات – مقرراً .
تجتمع اللجنة الوطنية وكذا اللجان المحلية على الأقل مرة واحدة في الشهر بناءاً على إستدعاء رؤوسائها، كما تتولى اللجنة المختصة دراسة الطلب وتصدر رأيها بعد مداولة أعضائها بالأغلبية وفي حالة تعادل الأصوات يرجح صوت الرئيس، كما تحرر مداولات اللجان في محضر يوقعه كل الأعضاء الحاضرين ويلحق مستخرج منه بالملف وفي الأخير يقرر المسؤولون المؤهلون لإجراء المصالحة على أساس أراء اللجان مايجب اتخاذه من قرارات بشأن طلبات المصالحة .
مع الإشارة هنا أنه وإن كانت إستشارة اللجان المذكورة إلزامية بحكم القانون فليس هناك مايفيد أن أرائها ملزمة للمسؤولين المؤهلين لمنح المصالحة .

ب‌)   المخالفات التي لا تستوجب المصالحة فيها رأي اللجان المذكورة :
وفي هذه الحالة تتبع نفس الإجراءات السابقة بحيث تعد مصلحة الجمارك التي عاينت المخالفة الملف وترسله مرفقاً حسب الحالـة بالمصالحـة المؤقتـة أو بالإذعان بالمنازعة إلى السلطة السلمية المؤهلة للتصالح وتقوم هذه الأخيرة بالبث في طلب المصالحة دون اللجوء إلى لجان المصالحة كما نسجل في هذه الحالة كذلك اللجوء بكثرة إلى الإذغان بالمنازعة خاصة إذا كانت المخالفات الجمركية المرتكبة قليلة الأهمية – على مستوى مبالغ الغرامات المالية – وكان المحالفين مبتدئين وليسوا متعودين الإجرام، هذا الأخير الذي جعلت منه إدارة الجمارك سبب يؤخذ بعين الإعتبار ويمكن لإدارة الجمارك رفض الطلب بناء عليه [60] وفق مايلي : ''Les service aégalement toute la lattitube de refuser le bénéfice de la transaction aux contrevenant ayant déjà des antécédents graves avec l'administration des douanes''.
وبعد الموافقة على المصالحة يتخذ قرار المصالحة الذي يصدر من المسؤول المختص يحدد فيه مقابل المصالحة ويبلغ إلى مقدم الطلب في أجل 15 يوم من تاريخ صدوره، كما يمنح للطالب أجل لدفع المبلغ المحدد في القرار فإن لم يمتثل وفات هذا الأجل يحال الملف إلى القضاء من أجل المتابعة .
بعد تطرقنا لكل من الشروط الموضوعية والإجرائية الخاصة بالمصالحة في المادة الجمركية نتطرق فيما يلي لشروط تتعلق بأطراف المصالحة أي كل من إدارة الجمارك والمخالف .

ثالثاً : الشروط المتعلقة بأطراف المصالحة :
حتى تنعقد المصالحة صحيحة منتجة لكافة آثارها القانونية ينبغي أن تكون الإدارة المعنية – كطرف – ممثلة بالشخص المختص قانوناً لإجراء المصالحة وأن يتمتع الشخص المتصالح مع الإدارة – كطرف ثاني – بالأهلية اللازمة لعقد الصلح . 

01)  بالنسبة لإدارة الجمارك : لقد أكدت النصوص التنظيمية أن أهم ماجاء به تعديل 98 لقانون الجمارك هو أسمي بمعدلات أو مبالغ الإختصاص هذه الأخيرة التي تحدد إنطلاقاً من الحقوق والرسوم المتغاض عنها أو المتملص منها وطبيعة الجريمة المرتكبة وبناءاً على ذلك يخول المسؤول المختص أو المؤهـل بإجـراءات المصالحـة ولقـد أحالت المادة (256) بهذا الخصوص إلى التنظيم فجاء قرار وزير المالية المؤرخ في: 22/06/1999 المتعلق بتحديد قائمة المسؤولين المؤهلين بإجراءات المصالحة، هذا القرار الذي نزع من القابض وكذا ضابط المراقبة صلاحية القيام بإجراءات المصالحة التي كانت مسندة إليهم سابقاً، ومنح لكل[61] من المدير العام للجمارك والمديرين الجهويين ورؤساء مفتشيات أقسام الجمارك، ورؤساء المفتشيات الرئيسية ورؤساء المراكز إختصاص المصالحة إلاّ أنه لايملك إجراء المصالحة قبل وبعد صدور حكم نهائي إلاّ المدير العام والمديريين الجهويين، باقي المسؤولين لايمكنهم التصالح بصفة نهائية إلاّ قبل صدور حكم قضائي نهائي ومن ثم بإمكانهم عقد مصالحة مؤقتة بعد صدور حكم قضائي نهائي وهذا حسب الترتيب التالي :

* المدير العام للجمارك : كما سبق وأن ذكرنا يمكنه عقد مصالحة قبل أو بعد حكم نهائي في مجموعة من المخالفات أحياناً دون الحاجة لإستشارة اللجنة الوطنية للمصالحة وأخرى بعد أخذ رأيها وذلك بحسب الحقوق والرسوم المتملص منها أو المتغاض عنها وكذا صفة مرتكب المخالفة الجمركية.

01) دون أخذ رأي اللجنة الوطنية للمصالحة : وذلك في جميع المخالفات المرتكبة من طرف مادة السفن أو الطائرات أو من قبل المسافرين وكذا في جميع المخالفات التي يكون فيها مبلغ الحقوق والرسوم المتملص منها أو المتغاض عنها يساوي أو يقل عن 500.000 دج .

02) بعد أخذ رأي اللجنة الوطنية للمصالحة : وذلك في الجرائم الجمركية المرتكبة من قبل باقي الأشخاص عند مايفوق مبلغ الحقوق والرسوم المتملص منها أو المتغاض عنها مليون (1.000.000 دج) بما فيها جنحة الدرجـة (4) أي التهريـب المرتكب بإستعمال سلاح ناري أو أية وسيلة نقل طبقاً لنص المادة (328) من قانون الجمارك .
وفي رأينا أنه لم يعد لرأي هذه اللجنة من دور وذلك بعد إلغاء المادة (328) من قانون الجمارك بموجب الأمر 05/06 المتعلق بمكافحة التهريب .

* المديرون الجهويون : يمكنهم التصالح قبل أو بعد صدور الحكم النهائي في مجموعة من المخالفات دون الحاجة لإستشارة اللجنة المحلية للمصالحة أحياناً وبعد أحذ رايها أحياناً أخرى وذلك حسب صفة مرتكـب المخالفـة الجمركيـة ومبلـغ الحقـوق والرسوم المتملص منها أو المتغاض عنها .

01) المصالحة بدون أخذ رأي اللجنة المحلية : جميع المخالفات المرتكبة من قبل قادة السفن أو الطائرات أو من قبل المسافرين، وكذا جميع المخالفات التي يكون فيها مبلغ الحقوق والرسوم المتملص منها أو المتغاض عنها يساوي أو يقل عن 500.000 دج

02) المصالحة بعد أخذ رأي اللجنة المحلية : في حالة المخالفات التي يكون مبلغ الحقوق والرسوم المتغاض عنها أو المتملص منها يفوق 500.000 دج دون أن يتجاوز مبلغ مليون دينار جزائري وذلك بإستثناء المخالفات الواردة في المادة (328) من قانون الجمارك، فكان التصالح في الجرائم المتعلقة بالمادة (328) من قانون الجمارك من إختصاص المدير العام للجمارك وحده هذا قبل تعديل قانون الجمارك بالأمر 05/06 .

* رؤساء المفتشيات الأقسام للجمارك : والذين يمكنهم فقط التصالح قبل صدور الحكم النهائي وهذا من فئة محددة من المخالفات الجمركية وهي تلك التي يفوق مبلغ الحقوق والرسوم المتملص منها أو المتغاض عنها 200.000 دج دون أن يتجاوز 500.000 دج .

* رؤساء المفتشيات الرئيسية : يمكنهم التصالح قبل حكم نهائي من فئة معينة من المخالفات وهي تلك التي يكون مبلغ الحقوق والرسوم المتملص منها أو المتغاض عنها 100.000 دج دون أن يتجاوز 200.000 دج .

* رؤساء المراكز : يمكنهم كذلك التصالح قبل صدور حكم نهائي فقط في المخالفات التي يكون فيها مبلغ الحقوق والرسوم المتملص أو المتهرب من دفعها أقل أو يساوي 100.000 دج والجدير بالذكر أن توزيع الإختصاص بين مسؤولي إدارة الجمارك على النحو الذي سبق بيانه يستدعي منا إبداء بعض الملاحظات منها مانثيره في هذا الصدد ومنها ما نؤجلها إلى حينها .
فالجديـر بالملاحظة أن الوزير المكلف بالمالية لم يحظ بأي إختصاص في المصالحة وهو الذي كانت تخصه المادة (265/2) من قانون الجمارك – قبل تعديلها – بالذكر دون سواه بل كانت تحصر حق التصالح في شخصه في حين أحالت نفس الفقرة في بندها الثاني إلى التنظيم لتحديد قائمة مسؤولي إدارة الجمارك المؤهلين لمنح المصالحة مما يجعلنا نطرح التساؤلات الآتية :
هل يمارس مسؤولي إدارة الجمارك الذين خولهم قرار وزير المالية المؤرخ في: 22/06/1999 حق التصالح حسب اختصاصهم بصفة أصلية أو بصفتهم مفوضين لذلك من وزير المالية ؟ .
وبالمقابل هل بإمكان هذا الأخير أن يستعمل حق التصدي في التصالح ليحل محل مسؤولي إدارة الجمارك؟ ولو رجعنا إلى القواعد التي تحكم التنظيم الإداري السلمي وعلى اعتبار أن وزير المالية هو السلطة السلمية العليا فبإمكانه القيام بإجراءات المصالحة وبهذه الصفة أصدر قراره المحدد لقائمة المسؤولين المؤهلين بمنح المصالحة ومن ثم فهم يمارسون هذا الإجراء بتفويض منه، أما عن إستعمال حق التصدي فهو محل تردد فبالرجوع إلى القانون الإداري [62] نجد أن الفقـه يؤكـد على حرمان الأصيل مباشرة إختصاصاته المفوضة وإنما عليه أن يلغي التفويض حتى يتمكن من ممارسة إختصاصاته المفوضة وهو نفس النهج الذي سار عليه القانون الجمركي وأيده القضاء إذ حرصوا على أن يكون الموظف الذي أجرى المصالحة مع المتهم مختصاً بذلك بموجب القوانين واللوائح التي منحته هذا الحق ومن ثم قضى بإبطال المصالحة التي أجراها موظف غير مختص أو تجاوز حدود إختصاصه، إلاّ أنه هناك من يرى أن حق المصالحة يمكن ممارسته بواسطة السلطة الأعلى بوصفها سلطة رئاسية [63].
ولقد سبق وأن ذكرنا أن المعيار الذي يحكم توزيع الإختصاص بين مسؤولي إدارة الجمارك هو قيمة الحقوق والرسوم المتملص منها أو المتغاض عنها وليس قيمة البضاعة محل الغش، ولقد ورد تحديد المقصود بالحقوق والرسوم المتغاض عنها أو المتملص منها في نصوص تنظيمية [64]  بما يلي :
'' Droit et taxes éludés ou compromis on entend par droit et taxes éludés ou compromis, le montant des perceptions dans l'administration des douanes a failli être frustrée ou a été frustrée par une infraction douaniere '' .
ومن ثم فإن الحقوق والرسوم المتملص منها أو المتغاض عنها هي مبالغ التحصيلات التي كادت إدارة الجمارك أن تحرم منها أو التي حرمت منها بالفعل من جراء المخالفة الجمركية .
والغالب أن يكون ذلك نتيجة لتصريح مزيف من حيث نوع البضائع أو قيمتها أو منشئها ذلك أن الحقوق والرسوم الجمركية تحدد حسب أحد هذه العناصر الثلاثة ومن ثم يمكن القول أن الحقوق والرسوم المتملص منها أو المتغاض عنها بأنها حاصل الفرق بين الحقوق والرسوم واجبة الأداء على أساس ماتم التصريح به والحقوق والرسوم الواجبة الأداء في واقع الأمر .
ونشير أن الحقوق والرسوم التي تحصلها إدارة الجمارك عديدة ومتنوعة أوردها قانون الجمارك في الفصل (14) ونذكر منها على وجه الخصوص الرسم الداخلي عن الإستهلاك والرسم على رقم الأعمال والرسم التعريفي، علاوة على الحقوق الأصلية التي تفرضها إدارة الجمارك على البضائع عند دخولها أو خروجها من إقليم الدولة وتسمى حسب الحالة حقوق الإستيراد أو التصدير وهي مسجلة في التعريفة الجمركية [65] غير أنه من الممكن أن لاتنطوي المخالفة الجمركية على أي حق أو رسم متملص منه أو متغاض عنه فإلى أي معيار نستند لتوزيع الإختصاص بين مسؤولي إدارة الجمارك؟ والرأي الراجح هو أن يكون الإعتماد على معيار قيمة البضاعة محل الغش ومن ثم تبرز أهمية قيمة البضاعة في تحديد إختصاص مسؤولي إدارة الجمارك في إجراء المصالحة [66] وإذا كان هذا مايتعلق بالإدارة كطرف في المصالحة الجمركية فماذا عن الطرف الثاني فيها وهو الشخص المتابع لإرتكابه جريمة جمركية ولماذا تخلى التشريع الجمركي عن مصطلح ''المتهم'' ؟ هذا ماسنوضحه فيما يلي :

02)     بالنسبة للأشخاص المرخص لهم التصالح مع الإدارة :
Les personnes suxeptibles d'etre admise a souxrire des actes transactionnels  
لقد ورد في نص المادة (265/2) من قانون الجمارك أنه يمكن إجراء المصالحة مع الأشخاص المتابعين بسبب المخالفات الجمركية بناء على طلبهم .
ومن ثم لا يجوز لإدارة الجمارك أن تعقد مصالحة إلاّ مع الشخص المؤهل قانوناً لذلك، وبذا نجد أن المشرع قد تفادى إستعمال مصطلح ''المتهم'' أو حتى ''مرتكب المخالفة'' ليلجأ إلى إستعمال مصطلح أعم وأشمل لينطبق على مرتكب المخالفة وعلى أي شخص آخر جدير بالمساءلة الجزائية أو المالية عن النتائج المترتبة على المخالفة، خاصة – كما سنرى ونوضحه لاحقاً – أنه عملياً من الصعب أن يتم القبض على المسؤول الحقيقي والفعلي في إرتكاب الجريمة الجمركية خاصة في جرائم التهريب، وهذا مايؤدي بنا إلى القول أن المشرع قد وفق في تعميم المصطلح المستعمل ليشمل كل من مرتكب المخالفة، الشريك والمستفيد من الغش والمسؤول المدني [67] .


01)     مرتكب المخالفة :
وهو ماأصطلح عليه بالفاعل الرئيسي أي من قام بالأفعال المادية التي تكتسي طابعاً إجرامياً [68] في نظر التشريع الجمركي، ويتسع مفهوم الفاعل المادي في التشريع الجمركي ليشمل كل من الحائز والناقل والمصرح والوكيل لدى الجمارك والموكل والكفيل [69] .

* الحائـــز : يعتبرمسؤول عن الغش حسب المادة (303) من قانون الجمارك ولقد أكدت المحكمة العليا ذلك في عدة مناسبات [70] ويقصد بالحيازة هنا مجرد الإحراز المادي وليس الحيازة بالمعنى الحقيقـي [71] وهذا ما ذهب إليه القضاء ذلك أنه قض بقيام الحيازة سواء عن طريق الملكية أو عن طريق آخر كالوكالة مثلاً .
والأصل أن المالك هو حائز للبضاعة مالم يثبت تنقل الحيازة لغيره عن طريق التنازل المؤقت أو النهائي وهذا ماانتهت إليه المحكمة العليا بخصوص مستوردي السيارات بوكالة من المجاهدين معطوبين حرب التحرير المستفيدين من شهادة عطب تجيز لهم إستيراد سيارات سياحية بالأعفاء من الحقوق والرسوم الجمركية، وأعتبرت أن المستورد هو الذي يعد حائز للسيارة بمفهوم المادة (303) من قانون الجمارك ومن ثم فهو المسؤول جزائياً عن الغش وليس صاحب الشهادة بصرف النظر عن كون وثائق السيارة تحمل إسم هذا الأخير .

* الناقـــل : ويعد حسب التشريع الجمركي مسؤولاً جزائياً عن البضائع التي ينقلها ويكون محل متابعة حتى ولوكانت البضائع خارج الدعوى، فمسؤولية الناقل مستقلة عن أي مساهمة شخصية في الغش، ولاينحصر مفهوم الناقل حسب المادة (303) من قانون الجمارك في الشخص مالك المركبة التي أكتشفت فيها البضاعة محل الغش بل يمتد ليشمل أيضاً كل شخص منوط به بـأي صفة حراسة المركبة وقيادتها ويستوي أن يكون الناقل عمومياً أو خصوصياً وينطبق مفهوم الناقل على ربابنة السفن وقادة المراكب الجوية طبقاً لنص المادة (304) من قانون الجمارك .

* الوكيل لدى الجمارك : تجيز المادة (87/1) من قانون الجمارك لأصحاب البضائع المستوردة أو المعدة للتصدير أن يصرحوا بها بصفة منفصلة بأنفسهم أو بواسطة الوكلاء لدى الجمارك ويحمل قانون الجمارك هذا الأخير مسؤولية المخالفات التي تضبط في التصريحات الجمركية وهذا طبقاً لنص المادة (307) من قانون الجمارك .

* المتعهـــد : وهو الشخص الذي يحرر التعهد بإسمه والذي يهدف إلى ضمان الوفاء بالإلتزامات التي تقع على عاتق المستفيد من النظم الإقتصادية الجمركية والتي تمكن تخزين البضائع وتحويلها وتنقلها مستفيدة بتعليق الحقوق والرسوم وكذا تدابير الحظر ذات الطاب الإقتصادي الخاضعة لها طبقاً لنص المادة (115) من قانون الجمارك [72] .
02) الشريك والمستفيد من الغش : لعل أهم مايميز قانون الجمارك هو تنبيه لمفهوم المنفرد [73] المستفيد من الغش الذي نختلف عن مفهوم الإشتراك المعروف في قانون العقوبات وكانت المادة (309) من قانون الجمارك قبل إلغاءها بموجب تعديل 98 لقانون الجمارك تحيل بخصوص تحديد مفهوم الشريك في الجريمة الجمركية لأحكام المادتين (42 و 43) من قانون العقوبات، في حين عرفت المادة (310) من قانون الجمارك المستفيد من الغش .

03) المسؤول المدني :
   فقانون الجمارك يحمل مالك البضاعة المسؤولية المالية عن تصرفات مستخدميه كما يحمل الكفيل نفس المسؤولية عند عدم وفاء المدين بدينه .

* المالــــك : تنص المادة (315/1) من قانون الجمارك أن أصحاب البضائع مسؤولون مدنياً عن تصرفات مستخدميهم فيما يتعلق بالحقوق والرسوم والمصادرات والغرامات والمصاريف ويكفي لقيامها إقامة الدليل أنهم أصحاب البضاعة محل الغش لتحملهم المسؤولية المدنية دون الحاجة إلى البحث فيما إذا كان المستخدم إرتكب المخالفة أثناء أو بمناسبة أداء وظيفته وهذا خلافاً على ماهو جاري في القانون المدني، ومن ثم فلا يهم إذا كان المتهم قد تصرف بدون علم المستخدم أو مخالفة لتعليماته أو لحسابه الخاص .

* الكفيــــل : ويكون طبقاً لنص المادة (120/2) من قانون الجمارك ملزماً بدفع الحقوق والرسوم والعقوبات المالية وغيرها من المبالغ المستحقة المدينين الذين استفادوا من كفالتهم.
أما بالنسبة للأهلية اللازمة لإجراء المصالحة فإنه نظراً لكون المصالحة هي إجراء مستوحى من القانون المدني فإنه يشترط لعقدها صحيحة أن يتمتع المتصالح مع إدارة الجمارك بنفس الأهلية اللازمة والواردة في القانون المدني والتجاري .
وإذا رجعنا إلى النصوص التنظيمية فإنها تؤكد أنه في حالة كون المخالف غير قادر على عقد المصالحة فإن هذه الأخيرة يمكن أن تعقد من قبل وكيله الشرعي وإذا كان الأمر لايثير أي إشكال بالنسبة للشخص الطبيعي الذي يكون طرف في المصالحة، فماذا عن الشخص المعنوي وهل من الجائز أن يجري مصالحة مع إدارة الجمارك ؟ والأصل أن قانون الجمارك يستبعد ضمنياً المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عندما يتصرف بصفته وكيلاً لدى الجمارك، من ثم فإن المسير القانوني هو الذي يتحمل التبعية الجزائية المترتبة على المخالفات المرتكبة بواسطة الشخص المعنوي ومن ثم يعد المسير هو الوكيل القانوني للشخص المعنوي يحق له عقد المصالحة بإسم المؤسسة أو التفويض في إجرائها، على أن يعرض الأمر على مجلس الإدارة وباقي الشركاء وهذا ماجاء به النص التنظيمي [74] بتوضيحه لما يلي :
L'orsque une personne morale est poursuivie soit comme cautions d'un redevable qui n'a pas exécuté ses engagement, soit comme civilement responsable d'une infraction commise par ses subordonnées, la transaction est passée avec le représentant légal de cette personne morale   
وبذلك فإنه إذا تمت المصالحة الجمركية متوفرة على جميع الشروط المقررة قانوناً لإنعقادها والتي سبق وأن أوضحناها فإنها تنتج جميع آثارها القانونية إلاّ أنه قد يحدث أن يعترض المصالحة الجمركية عوارض تحول دون تحقق هذه الآثار القانونية المرجوة من قبل طرفيها وهذا ماسنتطرق إليه في المطلب (02) .

المطلب الثاني : عوارض المصالحة الجمركية وآثارها
قبل أن نتطرق إلى الآثار القانونية للمصالحة الجمركية كان علينا أن نبين العوارض التي قد تعيق مسار المصالحة في تحقيق الأهداف المرجوة منها لذلك رأينا أن نقسم هذا المطلب إلى فرعين نتناول في الفرع الأول عوارض المصالحة الجمركية أما في الثاني فنتناول الآثار القانونية للمصالحة الجمركية وفق مايلي :

الفرع الأول : عوارض المصالحة الجمركية
قد يعترض المصالحة نوعان من العوارض وتتمثل في بطلان المالصحة، الطعن في المصالحة .

أولاً : بطلان المصالحة
إن آثار المصالحة لايمكن أن تنتج كلية إلاّ مع توافر شروط مشروعيتها – كما سبق أن وضحنا – فإن تخلف منها شروط تبطل المصالحة ولاتكون صالحة لإنتاج آثارها القانونية وتبطل المصالحة لسببين رئيسين هما :
01-     عدم إختصاص أو عدم أهلية أحد أطراف المصالحة .
02-     توفر سبب من أسباب بطلان العقود .

01) عدم إختصاص ممثل الإدارة أو عدم أهلية الشخص المتصالح معها :
فلقد رأينا فيما سبق أن المصالحة كي تقوم صحيحة يجب أن يقوم بإجرائها الموظف المختص، أو أن يقوم بها الشخص المفوض بصفة أصلية في إجرائها كحالة المصالحة المؤقتة.
وذلك نظـراً للطابـع الإستثنائـي [75] الذي تكتسيه المصالحة وبذلك حصر قانون الجمارك – كما سبق بيانه في المطلب الأول – إختصاص إجراء المصالحة في إدارة الجمارك طبقاً لنص المادة (265/2) من قانون الجمارك وأحال بخصوص تحديد قائمة مسؤولي إدارة الجمارك المؤهلين لإجرائها إلى قرار يصدر عن الوزير المكلف بالمالية [76] .
وهكذا فإن إنعقاد المصالحة دون احترام هذا الشرط يجعلها عرضة للإبطال، وكذلك الحال بالنسبة للمصالحة التي تبرم مع مخالف ليس له أهلية إجراء المصالحة بصفة شخصية كما لو أبرمت مع قاصر أو مع والده أو وليه أو وصيه أو المقدم دون استيفاء الشروط القانونية فتعد المصالحة باطلة .

02)     توفر سبب من أسباب بطلان العقود :
إن قانون الجمارك ينص على أسباب بطلان المصالحة ونظراً للطبيعة التعاقدية للمصالحة الجمركية فإنه تنطبق على هذه الأخيرة نفس القواعد العامة التي تحكم بطلان العقود ولذلك فما هي أسباب بطلان العقود وما مدى تطبيقها في مجال المصالحة الجمركية ؟ وما مدى حجية إعتراف المخالف بإرتكاب الجريمة في حالة بطلان المصالحة ؟
تبطل العقود لثلاثة أسباب وهي الغلط، الإكراه والتدليس بالإضافة إلى الغبن متى توافرت شروط معينة .

* الإكــراه : إذا رجعنا إلى القانون المدني [77] فإنه يجيز إبطال العقد للإكراه وقياسـاً على ذلك فإنـه الإكراه يشكل سبب من أسباب التي تؤدي إلى إبطال المصالحة متى ثبت أن الإكراه هو الذي دفع الموظف المختص للتصالح مع إدارة الجمارك .
وفي هذا الصدد كان اتجاه القضاء الفرنسي يقضي بإمكانية التصريح ببطلان المصالحة إذا ثبت أن إدارة الجمارك هددت المخالف بتوقيع عقوبات لاتوجد أصلاً في القانون أو هي أعلى من العقوبات المحددة في القانون، في حين أنه قضى بعدم توفر الإكراه في حالة تهديد الإدارة المخالف بإحالة قضيته على النيابة من أجل المتابعة القضائية إذا لم يتصالح معها ذلك أن التهديد هنا وثيق الصلة لمبادئ المصالحة في حد ذاتها وأن الإدارة تهدد دائماً بالمتابعة إذا لم تتحق المصالحة، وكذلك فإن المخالف على علم بالنتائج التي تترتب في حالة رفضه لإجراء المصالحة [78] .

* الغلـــط : يفرق الفقه الجنائي بين نوعين من الغلط : الغلط في الواقع والغلط في القانون فالغلط في الواقع هو تصور هذا الأخير على نحو يخالف حقيقته الواقعية وهذا الغلط ينصب على العناصر المكونة للجريمة أو الظروف المادية المحيطة بها، وينتج الغلط أثره في بطلان المصالحة إذا تعلق بشخص المتصالح – وهنا شخصية المتصالح محل إعتبار في عقد المصالحة – كما لو تصالح مسؤول الجمارك المختص مع شخص يعتقد أنه مرتكباً المخالفة الجمركية ثم يكشف بعد ذلك أنه ليست له أي صلة بالمخالفة .
كما يمكن أن يؤدي الغلط في موضوع النزاع إلى بطلان المصالحة كأن يتصالح المخالف على جريمة خلاف للجزيمة محل الدعوى .
أما الغلط في القانون فيمتثل في الجهل أو الفهم الغير صحيح لنصوصه وذلك عندما لا يعلم الفاعل بنص التجريم مطلقاً أو يعلم به إلاّ أنه يفسره تفسيراً غير صحيح .
من المسلم به فقهاً وقضاءاً [79] أن الغلـط في القانـون لا يؤدي إلى بطلان المصالحة إلاّ إذا كان غلطـاً مما لايمكن تجنبه، وهكـذا أقـر القضاء الفرنسي برفض الطلب الرامي إلى تصريح ببطلان المصالحة الذي أسسه صاحبه على عدم العلم بالمخالفة والإعتراف بها بدون حق وقضى في نفس الإتجاه في قضية تتعلق بمخالف يدعي أن مقابل الصلح المطالب به يفوق العقوبات المقررة قانوناً .
وإذا رجعنا إلى القضاء الجزائري نجد أن المجلس الأعلى أصدر ثلاثة قرارات بتاريخ: 12/05/1987 قضى فيها بتأييد القرارات التي صدرت عن مجلس قضاء تلمسان القاضية ببطلان محضر الإذغان للمنازعة الموقع من طرف المخالف لكونه ينطوي على إلتزامه بدفع مبلغ مالي يفوق مايقرره القانون، فتتمثل وقائع أحد هذه القرارات أن الإذغان المكتتب من طرف المخالف يتضمن إلتزامه بدفع مبلغ 1440 دج وهو مايعادل 30 %  من قيمة محل الجريمة المقدر قيمتها بـ 480 دج في حين أن المادة (425) مكرر من قانون العقوبات المطبقة على الوقائع آنذاك تنص على دفع غرامة تقابل قيمة محل الجريمة أي 480 دج [80] .
وعلاوة على الغلط في الواقع والقانون فقد ينصب الغلط على الحساب وكذلك الغلط في الكتابة أو مايسمى بغلط القلم وفي هذا الصدد فإن المادة (84) من القانون المدني تؤكد أن الغلط في الحساب وغلط القلم لايؤثر في صحة العقد ولكن يجب تصحيح الغلط وهو ماينطبق تماماً في مجال المصالحة الجمركية، فإذا وقع وقع غلط في الحساب كأن تتفق الإدارة مع المخالف على الأسس التي تقوم عليها المصالحة وتطبيقاً لهذه الأسس تضع الإدارة الأرقام المتفق عليها ثم تجمع هذه الأرقام لتقدير مبلغ الصلح فيقع خطأ في الجمع مثلاً 100.000 دج بدل 10.000 دج ، كذلك في حالة الغلط في كتابة إسم المتصالح فهذا لا ينجر عنه البطلان وإنما يستوجب تصحيح الخطأ فقط .

* التدليس والغبن : يعد التدليـس سبب مـن أسباب بطـلان المصالحـة الجمركية إذا ثبت أن المتصالح إستعمل مناورات لخداع الإدارة كأن يدعي أنه معسر ويقدم إثباتاً لذلك شهادة إحتياج مزورة أو يقدم كضمان كفيل معسر أو عقارات مرهونة تؤدي بالموظف المختص بالمصالحة إلى تخفيض بدل المصالحة إلى حده الأدنى .
أما بالنسبة للغبن فلا يمكن تصوره سبباً مبطلاً للمصالحة الجمركية ذلك أن إدارة الجمارك تترك الخيار للمخالف في إبرام مصالحة بالشروط التي يحددها القانون وطالما وقع على محضر أو إتفاق المصالحة فيفترض أنه على علم مسبق بما تتضمنه من شروط .
وهكذا فإنه إذا شاب المصالحة الجمركية عيب من عيوب الرضا المذكورة آنفاً فإن المصالحة تكون قابلة للإبطال عن طريق ممارسة '' دعوى البطلان '' هذه الأخيرة التي يعود اختصاص الفصل فيها إلى القاضي المدني وفقاً لما جاء في نص المادة (273) من قانون الجمارك .
{ تنظر الجهة القضائية المختصة بالبث في القضايا المدنية في الإعتراضات المتعلقة بدفع الحقوق والرسوم أو استردادها ومعارضات الإكراه وغيرها من القضايا الجمركية الأخرى التي لاتدخل في إختصاص القضاء الجزائي } ولاشك أن المنازعات الجمركية المتعلقة ببطلان المصالحة تدخل ضمن '' القضايا الجمركية الأخرى '' التي أشارت إليها المادة، وأما عن إجراءات مباشرة هذه الدعوى فإنها ترفع أمام المحكمة الواقع بدائرة إختصاصها مكتب الجمارك الأقرب إلى مكان معاينة المخالفة .
وذلك عندما تنشأ الدعوى عن مخالفة ثم إثباتها في محضر حجز طبقاً للمادة (274/1) من قانون الجمارك، أما إذا لم تكن المخالفة محل محضر حجز فإن قواعد إختصاص القانون العام هي التي تطبق طبقا لنص المادة (274/2) من قانون الجمارك، وتخضع المنازعة من حيث الإجراءات إلى قانون الإجراءات المدنية، بحيث لاتقبل الدعوى إلاّ إذا رفعها الطرف المخالف وفي الآجال القانونية وكانت مؤسسة على سبب من أسباب البطلان المشار إليها سابقاً .
وتجدر الإشارة هنا أنه ليس لقاضي الإستعجال صلاحية النظر في هذه الدعوى لأن الأوامر التي يصدرها قاضي الإستعجال في المواد المستعجلة لا تمس بأصل الحق .
أما بالنسبة للطعن بالبطلان أمام القاضي الإداري فلا يكون جائز إلاّ في حالة الدعوى المؤسسة على تجاوز السلطة [81] وإذا كانت مسألة الطعن لتجاوز السلطة في المصالحة الجمركية لم تعرض بعد على قضاءنا الإداري، فإنه قد عرض على القضاء الإداري الفرنسي بمناسبة فصله في قضية تتعلق بمخالفة تشريع المياه والغابات فصدر قرار عن محكمة الإستئناف بنيم ''NIMES'' مؤرخ في : 06/06/1958 حيث ذكر Dupré في تعليقه على هذا القرار { أنه رغم صدوره في قضية متعلقة بالغابات فإنه ما توصل إليه هذا القرار يصلح للتطبيق على كافة المواد الجزائية الأخرى بما في ذلك المخالفات الجمركية لما تضمنه من عبارات عامة } .
وأيد ما ذهبت إليه المحكمة في إعتبارها أن المصالحة التي تمت بين الإدارة والمخالف هي عملاً إدارياً منفرداً وليست بعقد على خلاف ماذهب إليه البعض الآخر في أنها عقد وليست بقرار إداري إنفرادي [82] ولقد سبق وأن تناولنا هذه الأراء بالتفصيل عندما تطرقنا إلى الطبيعة القانونية للمصالحة الجمركية، وتوصلنا أن التنظيم الحالي للمصالحة الجمركية في أغلب النصوص واللوائح التنظيمية ينظر للمصالحة على أنها قرار إنفرادي صادر عن إدارة الجمارك بإعتبارها الآمر الناهي فيه ومن ثم فإنه إذا كان الطعن مؤسس على انعدام الأساس القانوني لمقابل المصالحة أو تجاوز مقابل المصالحة الحد الأقصى المقرر قانوناً ففي هذه الحالة الطعن لتجاوز السلطة غير مقبول لأن المخالف يملك طريق آخر هو الطريق المدني طبقاً لنص المادة (273) من قانون الجمارك .
أما إذا كان الطعن مؤسس على عدم إختصاص الموظف الذي أجرى المصالحة فيجوز الطعن لتجاوز السلطة .
ويبق أنه من الصعب القول بذلك عملياً نظراً إلى الطبيعة الخاصة التي تتمتع بها المصالحة كنظام لتسوية المنازعات الجمركية .
- أما بالنسبة للنتائج المترتبة عن التقرير ببطلان المصالحة الجمركية فإنه الأصل أن يعود أطرافها إلى وضعيتهم السابقة الأصلية إلاّ أنه يطرأ على هذا الأصل إستثناءات وذلك في حالة ما إذا تعدد الأطراف المتصالحون مع الإدارة وطلب أحدهم إبطالها لنقص في الأهلية، كذلك في حالة الإعتراف بالمخالفة من قبل المخالف ثم أحيلت القضية على القضاء فما هي حجية هذا الإعتراف .
- بالنسبة للحالة الأولى : القاعدة في القانون المدني هو عدم تجزئة الصلح عند بطلانه طبقاً لنص المادة (466) من القانون المدني، فإذا تم الصلح بين عدة أطراف وطلب أحدهم إبطال الصلح لسبب من أسباب البطلان فالصلح يبطل بالنسبة للجميع، مالم يكن أطراف المصالحة قصدوا أن يكون الصلح مستقلاً بالنسبة لكل واحد منهم، ففي هذه الحالة يسقط الصلح بالنسبة للطعن بالبطلان ويبقى قائماً بالنسبة للآخرين طبقاً لنص المادة (466/2) من القانون المدني، ونحن نعلم أنه إذا أثيرت مسألة بطلان المصالحة الجمركية سيعود اختصاص الفصل فيه للقاضي المدني وبالتالي سيلجأ هذا الأخير إلى تطبيق أحكام وقواعد القانون المدني وبذلك فإن قاعدة عدم تجزئة الصلح عند بطلانه تجد تطبيقها في المصالحة الجمركية، أما الإستثناء الوارد في المادة (466/2) من القانون المدني وهو إمكانية إتجاه إرادة أطراف الصلح صراحة أو ضمنياً إلى اعتبار الصلح مستقلاً بالنسبة لأطرافه فإنه لا يطبق في مجال المصالحة الجمركية ذلك أن مبدأ تضامن الأشخاص المتابعين لإرتكابهم مخالفة جمركية لايترك مكان لإستقلالية بعضهم عن بعض .
- بالنسبة للحالة الثانية : يذهب جانب من الفقه إلى عدم الإعتداد بالإعتراف الصادر أمام الإدارة الجمركية إذا عدل عنه المتهم أمام القضاء لأنه ربما يكون قد صدر نتيجة خطأ منه وهو الإتجاه الذي سلكه القضاء الفرنسي قبل أن يغير رأيه ويستقر على أن بطلان المصالحة لا يمنع القاضي من الإستناد إلى اعتراف المخالف أمام إدارة الجمارك عند تكوين اقتناعه وتذهب إدارة الجمارك في الجزائر إلى أبعد من ذلك فهي تشترط لإجراء المصالحة اعتراف الطرف المخالف بإرتكاب المخالفة وأصبح عملياً محرر الإذغان للمنازعة يشكل وثيقة مهمة في ملف المصالحة بأنواعها وهو اعتراف صريح ومكتوب من قبل المخالف بالمخالفة .
- ويبقى أنه على القاضي أن يقدر هذا الإعتراف، وبالتالي فهو غير ملزم له .

ثانيــــاً : الطعن في المصالحة
نظراً لأن إدارة الجمارك تتفق مع باقي الإدارات الأخرى في تدرجها السلمي الأمر الذي يجعل القرارات الصادرة عن هذه الإدارة تخضع لرقابة داخلية (تدريجية) وأخرى قضائية .
- بالنسبة للطعن السلمي (التدريجي) فإنه يجد تطبيقه في المصالحة الجمركية ذلك أن إدارة الجمارك كما سبق وأن ذكرنا هي إدارة مهيكلة منظمة تنظيماً محكم يتعدد فيها الأعوان المختصين والمؤهلين بإجراء المصالحة وأن ما يبرر الطعن السلمي هو حق التصدي الذي تتمتع به السلطة الأعلى التي بإمكانها البث مباشرة في قضايا من صلاحية السلطة الأدنى ومن ثم يمكن للمخالف أن يرفع طعن للسلطة التي تعلو السلطة المختصة بالمصالحة هذا الطعن الذي يأخـذ شكـل عريضة توجه إلى الوزيـر المكلف بالماليـة أو المديـر العـام للجمارك أو المسؤولين المحليين، ويتمحور هذا الطعن أساساً حول شروط المصالحة وليس حول موضوعها وإذا حظي هذا الطعن بموافقة السلطة المطعون أمامها يتم تحرير محضر مصالحة على الأسس الجديدة المتفق عليها، أما في حالة رفضه فإن الإجراءات تستأنف حيث توقفت عند رفع الطعن – بالنسبة للطعن القضائي وهنا كما سبق وأن رأينا – وهي حالة طعن مرتكب المخالفة في الصلح بعد إجراءه مع الإدارة بحجة عدم إختصاص السلطة التي أجرت معه المصالحة وهنا يكون الطعن لتجاوز السلطة جائز في المصالحة الجمركية أمام مجلس الدولة .
أما في حالة الطعن في المصالحة بعد قبولها حول بدل المصالحة الذي يتجاوز الحد الأقصى المقرر قانوناً أو انعدام الأساس القانوني له لكون أمام التطبيق الفعلي لنص المادة (273) من قانون الجمارك ولا يمكن في هذه الحالة اللجوء للقضاء الإداري وإنما الإختصاص يعود للقاضي المدني . 
وفي الأخير إن ماتناولناه فيما يخص عوارض المصالحة الجمركية والتي لم يتطرق لها بعد القضاء الجزائري نرجعه من جهة نظرنا إلى أنه من جهة لم نصل بعد إلى الدرجة التي يكون فيها هدف إدارة الجمارك الأول والأخير هو تحقيق المصلحة العامة عن طريق تحصيل حقوق الخزينة العامة، ومن جهة ثانية لم نصل إلى درجة المخالف المدرك لتمام حقوقه خاصة في المجال الجمركي ومن جهة أخرى فإننا لم نصل بعد إلى قضاء متمكن من الإجراءات الجمركية في مجال المصالحة يمكنه إثارة هذه التساؤولات  ويجيب عنها على غرار أقرانه في القضاء المقارن .

الفرع الثاني : آثار المصالحة الجمركية
لعل أهم مايسعى لتحقيقه طرفا المصالحة هو الوصول إلى المرحلة النهائية فيها أين ترتب المصالحة الجمركية آثارها القانونية وإن كان هناك من يرى أن إدارة الجمارك هي من تسعى بكل الوسائل المادية والبشرية من أجل بلوغ وتحقيق هذه الآثار إلاّ أننا نرى بأنه كلا الطرفان يلعبان دوراً مهماً حتى تنعقد المصالحة الجمركية صحيحة ومنتجة لكل آثارها القانونية هذه الأخيرة التي تهم الطرفان على حد السواء، فإذا كانت تستوفي بها إدارة الجمارك الحقوق المالية للخزينة بأقصر الطرق وأسرعها، فإن المخالف بدوره يتوقى بها المتابعة القضائية ومـا قد ينجم. عنها من عقوبات سالبة للحرية إضافة إلى الغرامات المالية المقررة لا محالة، وبصرف النظر عن ما يسعى لتحقيقه طرفي المصالحة فإن الأثر الأساسي الذي ينجم عن المصالحة الصحيحة هو حسم النزاع تماماً وتسويته ودياً دون اللجوء إلى القضاء – في حالة المصالحة الجمركية على مستوى إدارة الجمارك – وإذا رجعنا إلى نص المادة (265) من قانون الجمارك فإنها تناولت آثار المصالحة في فقرتها (8) على النحو الآتي : { عندما تجرى المصالحة قبل صدور الحكم النهائي تنقضي الدعوى العمومية والدعوى الجبائية، عندما تجرى المصالحة بعد صدور الحكم النهائي لايترتب عليها أي أثر على العقوبات السالبة للحرية والغرامات الجزائية والمصاريف الأخرى } .
ومن ثم نجد أن المادة تميز في الآثار بين المصالحة التي تتم قبل صدور حكم نهائي والمصالحة التي تتم بعد صدور حكم نهائي .

* آثار المصالحة التي تتم قبل صدور الحكم النهائي : وفي هذا الصدد تميز بين آثار المصالحة بالنسبة للأطراف وآثار المصالحة بالنسبة للغير .

01) آثار المصالحة بالنسبة للأطراف : الآثر الأساسي للمصالحة بالنسبة للمخالف هو انقضاء الدعوى العمومية والدعوى الجبائية طبقاً لنص المادة (265/8) من قانون الجمارك وإن كان مايهم المخالف هو انقضاء الدعوى العمومية ومحو آثار الجريمة، وبالتالي إذا تمت المصالحة على مستوى إدارة الجمارك – قبل إخطار السلطات القضائية – فإنه يترتب عنها حفظ القضية على مستوى الإدارة وتحفظ هذه الأخيـرة بالملـف كوثيقة إدارية ولا ترسل أي نسخة منه إلى النيابة .
     أما إذا تمت المصالحة بعد إخطار السلطات القضائية بها بأن تكون القضية على مستوى النيابة العامة ولم يتخذ بشأنها أي إجراء ففي هذه الحالة يحفظ الملف على مستوى النيابة وفقاً لإجراءات الحفظ شأنها شأن باقي القضايا الأخرى التي قد تتعرض للحفظ أما إذا ما كانت النيابة قد تصرفت في الملف فحركت الدعوى العمومية إما بتقديم القضية للتحقيق وإما بإحالتها إلى المحكمة فإنه يتحول إختصاص إتخاذ الإجراء المناسب إلى هاتين الجهتين فإذا كانت القضية أمام قاضي التحقيق فبانعقاد المصالحة يصدر أمر بالأوجه للمتابعة وإن كان المتهم رهن الحبس المؤقت يخلى سبيله, أما إذا كانت القضية أمام جهة الحكم يتعين التصريح بانقضاء الدعوى العمومية بفعل المصالحة وهذا ما قضت به المحكمة العليا [83] { حيث أن من آثار المصالحة إنقضاء الدعوى العمومية قبل صدور حكم نهائي بحوز قوة الشيء المقضي فيه ومن ثم فإن حكم القضاء في القضية رغم وجود مصالحة يعتبر تجاوز للسلطة ويكونوا قد خالفوا أحكام المادة(265) من قانون الجمارك والمادة(06) من القانون الإجراءات الجزائري}.
-   أما إذا كانت القضية أمام المحكمة العليا فيتعين عليها التصريح برفض الطعن بسبب انعقاد المصالحة بعد التأكد من وقوعها كما قضت بذالك المحكمة العليا [84] .
أما بالنسبة لأثار المصالحة على إدارة الجمارك هو حصولها على مقابل التصالح الذي تم الإتفاق عليه وغالباً ما يكون مبلغاً من المال وقد يكون مقابل التصالح عقار وفي هذه الحالة لا تنتقل الملكية لإدارة الجمارك إلا بتسجيل سند التصالح وفقاً للقواعد العامة, وإن كانت بعض التشريعات تحدد مقابل التصالح بنص قانوني ( ما يعادل مبلغ العقوبات المالية كاملاً أو ما لا يقل عن نصفه ) فالأمر يختلف عندنا إذ لا يوجد نص خاص بذلك مما قد يؤدي إلى تحكم ومغالاة إدارة الجمارك في تقريرها لهذا المبلغ وتجدر الإشارة إلى أن المذكرة رقم 204 المؤرخة في: 21/01/1985 المتعلقة بإحتساب غرامة التسوية الإدارية جعلت المبلغ يتراوح بين مايعادل مبلغ العقوبات المالية كاملاً ومالا يقل عن نصفه ونفس الشيء جاءت به المذكرة رقم 303 المؤرخ ة في: 31/07/1999 المتضمنة التوجيهات العامة لحساب الغرامات في إطار المصالحة كما يختلف هذا المقابل وفقاً لحطورة الجريمة وجسامتها والضرر الناتج عنها وكمية البضائع المهربة والوضع المالي المخالف وسوابقه .
وفي حالة إمتناع المخالف عن تنفيذ إلتزامـه بتسديد مقابل المصالحة [85] يتعين على إدارة الجمارك تطبيقاً لأحكام المادة (119) من القانون المدني وتكون بذلك أمام خيارين : إما اللجوء إلى دعوى تنفيذ المصالحة أو اللجوء إلى دعوى فسخ المصالحة، وإذا اختارت الإدارة الطريق الأول فلا يكون أمامها إلاّ المطالبة بالجزاءات التصالحية لأن الدعوى العمومية قد إنقضت وللإدارة طريق التنفيذ الخاص الذي تتمتع به وهو الإكراه وطريق القانون العام وغالباً ماتلجأ إدارة الجمارك إلى الطريق الأول وهو الإكراه المنصوص عليه في المادة (262) من قانون الجمارك وإذا توفي المستفيد من المصالحة قبل تسديد المبلغ المتفق عليه يجوز لإدارة الجمارك [86] أن تباشر دعوى قضائية ضد التركة لتحصيل مستحقاتها وهذا طبقاً لنص المادة (261) من قانون الجمارك .

02) آثار المصالحة بالنسبة للغير :  تقضي القواعد العامة بأن آثار العقد لاتنصرف إلى غير عاقديه فلا يستفيد أويضار منه الغير والمصالحة الجمركية لاتخرج عن هذه القاعدة فهي تحدث آثارها بالنسبة لأطرافها فقط فلا ينتفع الغير بها ويضار، ويقصد بالغير بالنسبة للمصالحة الجمركية الفاعلين الآخرين والشركاء والمسؤولين مدنياً والضامنين ولقد أقرت المحكمة العليا { من الثايت أن للمصالحة الجمركية أثر نسبي بحيث يكون مفعولها محصوراً في طرفيها ولاينصرف إلى الغير فلا ينتفع الغير بها ولايضار منها } [87] .

* آثار المصالحة التي تتم بعد صدور الحكم النهائي : لقد كانت المادة (265) قبل تعديلها بموجب قانون 98 لا يجيز المصالحة بعد صدور الحكم النهائي إلاّ أنه تغير أمر بتعديل هذه المادة التي أصبحت تجيز المصالحة حتى بعد صدور حكم قضائي نهائي إلاّ أنها تحصر آثارها – كما رأينا – في انقضاء الدعوى الجبائية دون العقوبات السالبة للحرية أو الغرامات الجزائية أو المصاريف الأخرى طبقاً لنص المادة(265/8) من القانون الجزائي وأقر القضاء في هذا الإتجاه {أن المصالحة الواقعة بين إدارة الجمارك والشخص المتابع علىارتكاب جريمة جمركية تضع حداً للنزاع القائم بينهما بصورة نهائية وتؤدي إلى انقضاء الدعوى الجبائية}[88].
لقد حاولنا من خلال هذا الفصل إبراز التنظيم القانوني للمصالحة الجمركية عبر مختلف مراحلها وذلك من خلال قانون الجمارك – قبل وبعد تعديله – وكذا مختلف النصوص واللوائح التنظيمية .
ولعل من أهم ما توصلنا إليه في الأخير أنه على الرغم من بعض الثغرات والجوانب التي لم يتناولها تنظيم المصالحة في المادة الجمركية إلاّ أنه أقل ما يمكن قوله بالنسبة لهذا التنظيم أنه تنظيم محكم يرقى لمثيله في القانون المقارن .


فالجدير بالذكر أنه على المستوى القانوني – النصي – فإن المصالحة الجمركية تحظى بإجراءات مضبوطة تجعلها لا تحيد عن مسعاها وهدفها في إطار تسوية المنازعات الجمركية هذا في ما يخص – على الأقل في نظرنا – الجانب النظري في تنظيم المصالحة الجمركية لأنه من المنطقي والمقبول أن يكون لكل نص قانوني أو تنظيمي جيد تطبيق جيد، لكن الواقع هو العكس تماماً لذلك أدرجنا فصلاً ثانياً محاولين من خلاله الكشف عن مواطن الخلل بين النصوص القانونية المنظمة للمصالحة الجمركية وواقع تطبيقها وممارستها العملية .





























الفصل الثاني : مدى فعالية المصالحة الجمركية في ضوء الممارسة العملية

إذا كنا في البداية أثناء تفكيرنا في المصالحة الجمركية كموضوع مذكرة تخرج أردناها دراسة عملية بحثة ترتكز أساساً على إحصاء الجرائم الجمركية التي نجحت المصالحة في تسويتها سواء في المرحلة الإدارية أمام إدارة الجمارك، أو في المرحلة القضائية بعد إخطار السلطات القضائية بالمخالفة قبل أو بعد صدور حكم قضائي نهائي، إلاّ أنه في واقع الأمر وأثناء بحثنا إصطدمنا بحقيقتين :
01)  الجهل التام لإجراءات المصالحة الجمركية من طرف قضاتنا وكأنه نظام من وضع إدارة الجمارك وابتكارها وليس للقانون دخل فيه، إلاّ أنه في رأينا حتى يتمكن القاضي من تطبيق القانون ''Dire le droit'' المفروض أن يكون على دراية به، وهكذا جاء تبرير القضاة لعدم الإهتمام بنظام المصالحة الجمركية كون أن عملية المصالحة وإجراءاتها تقنية بحثة تتم على مستوى إدارة الجمارك وهي من إختصاصها – متجاهلين بذلك المصالحة التي تتم أثناء المتابعة القضائية أو حتى بعد صدور الحكم النهائي – وأنها إجراءات عملية أكثر منها قانونية وهذا ما يفسر قلة الكتابات والمراجع حول الموضوع .
02)  عدم دقة الإحصائيات على مستوى الجمارك الجزائرية، فنحن لم نصل بعد إلى درجة التحكم في معطياتنا وإحصائها سواء على مستوى المديرية العامة للجمارك أو المديريات والأقسام المحلية ، وإن كنا تحصلنا على إحصائيات غير رسمية .
-   كذلك سجلنا عدم التنسيق بين إدارة الجمارك والقضاء ذلك أنه هناك نوع من الحذر في تعامل الجمارك مع القاض، وقوبلة طلباتنا في الحصول على بعض المذكرات الداخلية والتعليمات الصادرة عن المدير العام للجمارك بالرفض بحجة السر المهني وأن كنا توصلنا للحصول على فحواها لتدعيم بحثنا عملياً .
وللإجابة على هاتين الحقيقتين أردنا من خلال هذا الفصل إبراز حقيقة ثالثة هي أن موضوع المصالحة الجمركية ليس موضوع خاص Exclusive بإدارة الجمارك وابتكارها مادامت المصالحة منظمة بموجب نصوص قانونية، وأنه إذا اتجهنا إلى القانون المقارن لوجدنا العديد من المراجع القانونية حول الموضوع .
كذلك وحتى وإن كان الكثير يجهل ذلك فإنه على مستوى فقهنا وقضائنا [89] هناك من إهتم بالموضوع وكرس له دراسة خاصة تتناوله بالبحث والتحليل، مساهمة منهم في إثراء المكتبة القانونية بدراسات في الموضوع – وذلك على قلتهم –  .
كما حاولنا تسليط الضوء على العقبات العملية التي طرحها المسؤولين القائمين على المصالحة على مستوى الجمارك الجزائرية، والتي يرون أنها تعرقل من فعالية المصالحة كنظام لتسوية المنازعات الجمركية هذا الأخير الذي أثبت فعاليته ونجاعته لدى العديد من الدول التي تبنت هذا النظام، وهذا مانتناوله من خلال المبحث الأول .

المبحث الأول : المصالحة الجمركية نظام أثبت نجاعته في تسوية المنازعات الجمركية
ذلك أن المصالحة الجمركية كنظام قد توصل إلى إثبات فعاليته في تسوية المنازعات الجمركية خاصة إذا ما علمنا أن حوالي 90% من المنازعات الجمركية في فرنسا تسوى عن طريق المصالحة هذه الفعالية التي تبرز من خلال أهمية المصالحة (المطلب الأول) .
إلاّ أن هذا النظام في الجزائر يحتاج إلى تفعيل وهنا نستشهد بما ذكره الدكتور ' أحسن بوسقيعة ' عند عرضه لمبررات عدم تبني الجزائر لنظام المصالحة الجمركية [90] ذلك أنه أضاف إلى الأسباب السياسية الإيديولوجية والأسباب التقنية القانونية والتي تمثل الأسباب الموضوعية، مبررات أخرى شخصية وذاتية يتمثل في {  ... وقد نضيف إلى هذه الأسباب الموضوعية، سبباً آخر ذاتياً مرده إلى الأوهام وعدم الفهم أكثر منه إلى الحقيقة والواقع هذا السبب هو انعدام الثقة والحذر } .
ونحن نتفق والدكتور إذ أنه من خلال دراستنا العملية نؤكد أنه نجاح السياسة التشريعية للمصالحة في المادة الجمركية مرهون بالنتائج المتحصل عليها من إجراء تطبيقاتها، ذلك أنه يتعين متابعة هذه العملية ومسايرتها ميدانياً بما يضمن بلوغ الهدف من هذه النصوص التشريعية والتنظيمية ولن يتأتى ذلك إلاّ بتوسيع وتدعيم دائرة البحث والدراسة والتحليل بهدف إستيفاء الحلول المناسبة لكل مايقف حائلاً وبلوغ الأهداف المنشودة لذلك حاولنا من خلال (المطلب الثاني) الوقوف على بعض تلك الحلول من أجل إعطاء فعالية أكبر للنصوص المنظمة للمصالحة الجمركية .

المطلب الأول : أهمية المصالحة الجمركية
إذا كان الأصل أنه كل مخالف أو مرتكب جريمة عليه أن ينال جزاء ماأرتكبه إلاّ أن هذا الجزاء يجب أن يوقع عليه بعد استيفاء الإجراءات المكفولة قانوناً والتي في مقدمتها ضمان حق الدفاع عن نفسه، بالإضافة إلى المحاكمة العلنية ... وغيرها إلاّ أنه ولإعتبارات عملية بحثة تم اللجوء إلى المصالحة كإجراء لتسوية المنازعات الجمركية وذلك بعيداً عن تعقيد الإجراءات القضائية وطولها من جهة، وبغرض التخفيف على القضاء من جهة أخرى (الفرع الأول) .

الفرع الأول : الأهمية العملية للمصالحة في المادة الجمركية
لعل أهم ماسعى إليه القائمين على إصلاح العدالة هو إيجاد سبل وكيفيات من أجل التقليص ن الإجراءات القضائية وتعقيدها، ولا أحد منا ينكر أن هناك تطور ملحوظ على مستوى محاكمنا ومجالسنا القضائية في آجال دراسة القضايا وصدور الأحكام والقرارات القضائية [91] إلاّ أنه يبقى عدد القضايا خاصة في المجال الجزائي يتزايد بإستمرار مما يحد من قدرة قضاتنا في تصفية الملفات – على كثرتها – في حينها خاصة أمام المشاكل التي يعانون منها .
وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن أغلب الدول اليوم توصلت إلى قناعة تتمثل في أن العقاب لم يعد يلعب دوره في الردع ودليل إستمرار إرتكاب المجرمين لنفس الجرائم رغم توقيع عقوبات صارمة عليهم، ولذلك توجهت هذه الدول إلى إيجاد بدائل للعقاب من جهة تحقق الهدف منه ومن جهة أخرى تحاول الإختصار من الإجراءات المطولة وهكذا ظهرت نظم كثيرة تعالج هذه المسألة أهمها، نظام التحول عن الإجراءات الجزائية، نظام المساومة على الإعتراف ونظام الأمر الجزائي [92] ورغم مالهذه الأنظمة من مزايا في تفادي طول الإجراءات وتعقيدها وتحقيق الهدف من العقاب والمتمثل في الردع إلا أنه تبقى المصالحة هي أنجع سبيل لتفادي طول الإجراءات وتعقيدها ومايترتب عن ذلك من بطء في الفصل في القضايا وتراخي صدور الأحكام وتنفيذ العقوبات بعد مرور وقت طويل منذ ارتكاب الجريمة – هذا في أحسن الأحوال – إن لم تعد القضية مرة أخرى لتعرض على القضاء من أجل البث في إشكالات التنفيذ المتعلقة بالحكم الصادر فيها ومرد ذلك يرجع إلى الحيل التي أصبح يلجأ إليها المحكوم عليهم للتهرب من التنفيذ عليهم هذا من جهة، ومن جهة أخرى عدم وضوح ودقة مناطيق الأحكام في بعض الأحيان ونظراً لما تتميز به المنازعات الجمركية من خصوصية وأحكام متميزة تخرجها عن نطاق قواعد وأحكام القانون العام وأضفى عليها طابع مميز جعلها تستأهل بجدارة ماتوصف به أنها تشكل قانون عقوبات خاص Droit pénal spécial  [93] وذلك لما تتمتع به إدارة الجمارك من صلاحيات وسلطات واسعة في الأخذ بنية المخالف عند المساءلة وتقدير الجزاء اللتين تكون عادة من ختصاص القضاء وحده [94] بالإضافة إلى كون القاضي لا يتحكم بصورة جيدة في الإجراءات الجمركية فبقي المجال الجمركي بعيد عن إهتمام القضاة عندنا وأصبح يخضع في بعض الحالات لإرادة إدارة الجمارك في توجيه القضية وتأجيلاتها وحتى في كيفية الفصل فيها [95].
وبناءاً على ماتقدم فإننا نرى أن المصالحة هي الوسيلة المثلى لتسوية المنازعات الجمركية في جميع مراحلها، فعقد المصالحة في أية سيوفر على إدارة الجمارك الكثير من الجهد والوقت في تحصيل حقوق الخزينة .
وفي هذا الإطار أكد لنا مدير المنازعات على مستوى المديرية العامة للجمارك (DGD) أنه لايمكن القول أبداً أن المصالحة كاللجوء للقضاء مادام الهدف النهائي هو تحصيل إدارة الجمارك للحقوق والرسوم المستحقة قانوناً، ذلك أنه في الفترة الأخيرة وإن كانت إدارة الجمارك حصلت على أحكام قضائية في مواجهة المخالفين – المرتكبين لجرائم جمركية – تلزمهم بتسديد الغرامات المالية المستحقة إلاّ أنه يبقى أمام إدارة الجمارك مواجهة مشاكل التنفيذ التي تشكل نفق آخر فإذا كان صدور حكم قضائي يحتاج إلى سنة فإن تنفيذه يحتاج إلى سنتين أخرتين .
أما بالنسبة لتخفيف العبء على القضاء وإن كان لقضاتنا وجهة نظر خاصة في هذا المجال، فإذا كان الأصل أن المصالحة الجمركية تتم والقضية على مستوى إدارة الجمارك وعلى إثر معاينة المخالفة الجمركية وفقاً للإجراءات والشروط التي تعرضنا لها سابقاً فإن نص المادة (265) من القانون الجزائي أجاز المصالحة والقضية أمام الجهة القضائية المختصة بل وذهب أبعد من ذلك حيث أجازها حتى بعد صدور حكم نهائي كما سبق توضيحه .
إلاّ أن قضاتنا يرون أن المصالحة الجمركية لا يكون لها الدور الفعال في تخفيف العبء على القضاء إلاّ إذا تمت أمام إدارة الجمارك وسويت بذلك المنازعات الجمركية ودياً على مستوى المرحلة الإدارية ودون إخطار الجهة القضائية بها، لأنه إذا عرضت المنازعة الجمركية على القضاء حينها إذا تمت المصالحة لايكون لها دور في تخفيف حجم القضايا الجمركية المعروضة على القضاء مادامت أن هذه القضية ستجدول ويقوم القاضي بدراستها ويفصل فيها بحكم، ويضيف قضاتنا أنه مادام ملزم بالفصل في القضية بحكم فسواء كان الحكم بإدانة المخالف أو بإنقضاء الدعوى العمومية في حقه فهو ملف أو قضية تزيد من حجم القضايا التي تعرض على القضاء سواء أنتهت بمصالحة أو غيرها فأين التخفيف على القضاء هنا ؟ خاصة وأن القضاة مطالبين اليوم بالفصل في القضايا في إطار ما أسمي'' بأحسن الآجال '' مع صرامة الإحصائيات التي تقيم نشاط القاضي مقارنة بسرعة فصله في القضايا هذه الإحصائيات التي لم تعد سنوية وشهرية فحسب بل أصبحت أسبوعية .
وإذا كان لهذا الرأي ما يبرره مادام القاضي ملزم بإخراج ملفاته والفصل فيها في أحسن الآجال بغض النظر عن نوعية المنازعات التي تعرض عليه وأهميتها .
إلاّ أننا نرى أن هذا الرأي يجانب الصواب لأنه ينبغي أن يكون هدف القاضي بإعتباره يطبق القانون ويحمي حقوق الأفراد والمؤسسات هو تسوية النزاع بأية وسيلة كانت حكم قضـائي أو مصالحـة بين الأطـراف أو غيرها، بالإضافة أن الهدف من المنازعة الجمركية – غالباً – هو تحصيل حقوق الخزينة التي هي أموال عامة تحصيلها يجب أن يكون إنشغال الجميع وليس لإدارة الجمارك فحسب، خاصة أن صدور حكم قضائي يلزم المخالف بأداء الحقوق والغرامـات المالية المقـررة قانونــاً لا يـؤدي دائمـاً إلى ذالك كما سبق توضيحه، لذلك نرى أن المصالحة وفي أية مرحلة تمت فيها تكون الوسيلة الأنجع في تحصيل إدارة الجمارك للحقوق المقررة على المخالف وهذا ما أكده القائمين على المصالحة على مستوى الجمارك بكون التحصيل عن طريق المصالحة يكون أسرع بالمقارنة مع التحصيل بعد صدور حكم قضائي لأنه في هذه الحالة الأخيرة عادة ماتلجأ الإدارة إلى تقسيط مبالغ الغرامات المالية المقررة على المخالف على دفعات، وذلك وفق جدول أو برنامج يشترك في إعداده الطرفان يحدد فيه مبلغ كل دفعة بالإضافة إلى الجدول الزمني لهذه الأقساط .
وإن كان هذا بالنسبة للمبررات العملية التي تؤكد على فعالية المصالحة، فإنه هناك إعتبارات إقتصادية تجعلنا نشجع من إجراء المصالحة في المادة الجمركية وهذا ما نتناوله في (الفرع الثاني) .

الفرع الثاني : المصالحة الجمركية حتمية تفرضها إعتبارات إقتصادية
إن الحفاظ على التوازن الإقتصادي لبلد ما يفرض حتماً العمل بقواعد حازمة وتطبيق عقوبات ردعية صارمة، إلاّ أن استيفاء حقوق وأموال الخزينة يجعل الهدف ليس مجرد إكتشاف المخالفات وقمعها بل يتعداه لمحاولة إيجاد سبل لتحصيل حقوق الدولة ولعل تداعيات التوجه الإقتصادي الذي عرفته الجزائر بإنفتاحها على السوق الدولية واقتران ذلك بتعديل قانون الجمارك بموجب قانون رقم 98/10 المؤرخ في 22/08/1998 بما يستجيب والإعتبارات الراهنة للسياسة الإقتصادية للدولة، جعلت إدارة الجمارك كواجهة تعكس مدى إمكانية مواكبة مختلف الرهانات والتحولات، هذه السياسة التي تهدف إلى تنمية الموارد المالية والتي تشكل أحد الوظائف الأساسية للإدارات المالية ومن ثم فلا غرابة أن يحتل تأمين تحصيل الموارد المالية صدارة إهتمامها والثابت أن المصالحة من الوسائل التي تضمن بلوغ هذا الهدف لما تحققه من تخفيف العبء المالي على الدولة ونجاعة في تحصيل مواردها .

01)     تخفيف العبء المالي على الدولة : إذا كان المتقاضون يشكون عادة من بطء الإجراءات وتعقيدها، فإنهم يطرحون كذلك مسألة المصاريف القضائية والنفقات المرتبطة بها التي تثقل كاهل المتقاضي، ورغم أن إدارة الجمارك – كمقتضي – بصفتها ممثلة للدولة معفاة بموجب المادتين (278) (279) من قانون الجمارك من المصاريف القضائية كباقي الادارات العمومية الأخرى , إلاّ أن لجوء إدارة الجمارك إلى القضاء يرتب نفقات تتحملها الخزينة سواء عند مباشرة الدعوى آو أثناء سيرها أو عند تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية , فضلا عن أتعاب المحامين عند الطعن بالنقص [96] و إن كانت هذه المصاريف و الأتعاب يحكم بها على المخالف في حالة الإدانة , إلا أن الحكـم لا يضمـن لإدارة الجمـارك إمكانية استيفاء حقوقها المالية و يبقى ذلك مرهونا بمدى عسر أو يسر المخالف , هذا ما يجعل إدارة الجمارك لا تستوف حقوقها في آجال مقبولة إلا في حالات نادرة عند ما يتعلق الأمر بجرائم جمركية عقوبتها المالية بسيطة نوعا ما و مما لا شك فيه أن المصالحة تحقق تخفيف العبء على الموارد المالية للدولة فتختصر الوقت و الجهد و النفقـات للأجهـزة القضائية و التنفيذية مما يمكن أن تستفيد منها هذه الأجهزة , كما تسمح المصالحة لإدارة الجمارك بالإستغلال الأمثل لمواردها البشرية فتركز نشاطات ومجهودات أعوانها على مهام أخرى .

02)  النجاعة في تحصيل موارد الدولة : وهنا يثور مشكل عدم تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن الجهات القضائية المختصة والقاضية بإلزام المخالف بدفع ماعليه من حقوق لإدارة الجمارك .
ومن ثم جعل إدارة الجمارك طرف ممتاز في الدعوى القضائية تتمتع بوسائل غير مألوفة – Son caractère exorbitant ou encore dérogatior  - [97] في القانون الخاص يضمن لها تحصيل الحقوق والرسوم ولو بالإكراه إذ بإمكانها أن تصدر أوامر بالإكراه قصد تحصيل الحقوق والرسوم والغرامات المالية والمبالغ الأخرى المستحقة لها طبقاً لنص المادة (262) من قانون الجمارك وهذا كله لم يجعل إدارة الجمارك بمنأى عن المشاكل التي يتخبط فيها المتقاضي من بطء في الفصل إلى عدم تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية .
مما جعل إدارة الجمارك تؤكد أن نسبة تحصيلها للحقوق والرسوم لايتجاوز 50% خاصة بعد تخلي إدارة الجمارك على طريقة الدفع على أقساط من قبل المخالف في المصالحة التي تتم على مستوى إدارة الجمارك وهذا بعد المشاكل التي طرحها هذا الإجراء، حيث أصبح المخالف يدفع القسط الأول وما أن يضمن تسوية المخالفة على المستوى الإداري حتى يصبح يتهرب من دفع باقي الأقساط مما جعل إدارة الجمارك لا تلجأ لهذه الطريقة – دفع مبالغ الغرامات المالية المستحقة على شكل أقساط – إلاّ في حالة المصالحة التي تتم بعد صدور حكم نهائي .
كذلك نبرز من جهة أخرى أن جل المخالفات الجمركية هي إعتداءات على المال العام وقد جعل المشرع إدارة الجمارك وحدها صاحبة الدعوى الجبائية L'action fiscale التي تصدق خصوصاً إلى تحصيل الحقوق والرسوم الجمركية المتملص من دفعها طبقاً لنص المادة (259/1) من قانون الجمارك [98] وبذلك تمارس إدارة الجمارك الدعوى الجبائية أمام المحاكم الجزائية وتكون طرف في جميع الدعاوي - بل طرف ممتاز – التي تقام بناء على طلبها وإما تلقائياً ولصالحها .
ولهذا فإن إدارة الجمارك يجب أن تكون في مستوى الصلاحيات والسلطات الواسعة المخولة لها والتي تتجاوز في بعض الأحيان سلطات القاضي، فإن رأت أن لجوؤها للقضاء لا يحقق غايتها في تحصيل الحقوق والرسوم المقررة قانوناً فإنه يكون من واجبها اللجوء للمصالحة لتحصيل المبالغ المتصالح عليها بسرعة وبأقل تكلفة .
ومن خلال ماتقدم وبعدما أبرزنا الأهمية العملية والإقتصادية للمصالحة، في المادة الجمركية فإنه يتعين علينا أن نعطي أهمية أوسع لهذا النظام عندنا وأن تفعيل المصالحة على مستوى إدارة الجمارك الجزائرية أصبح ضرورة لامناص منها خاصة بعد أن أثبت الطريق القضائي عجزه في تسوية المنازعات الجمركية المطروحة عليه في آجال مقبولة .


المطلب الثاني : ضرورة تفعيل نظام المصالحة الجمركية
وننطلق من هنا  { المصالحة الجمركية لم تعد مجرد وسيلة إدارية لفض النزاعات الجمركية بل أصبحت مطلباً قضائياً وضرورة إجتماعية وغاية إقتصادية لما تعود به من فوائد سواء على المستوى القضائي أو على المستوى الإجتماعي والإقتصادي } [99] .
وفي نفس السياق جاء تعديل قانون الجمارك في 1998 وعمل على إسقاط الطابوهات التي طبعت التشريع الجمركي الذي تميز بلاءاته الثلاثة وهي لا يجوز مسامحة المخالف على نيته، ولا يجوز التخفيض من الجزاءات الجبائية ولا يجوز مناقشة المحاضر الجمركي بخصوص المعاينة المادية ومع سقوط الائين (1) و (2) بتعديل نص المادة (281) من قانون الجمارك وإلغاء نص المادة (282) من قانون الجمارك والتي أصبح بموجبها يسمح للقضاة الأخذ بالظروف المخففة ولو بصفة رمزية بدأت تزول أكبر العقبات أمام تحديث قانون الجمارك، وبوجه عام فإن إصلاح التشريع الجمركي الذي لا يستجيب لمطلبين أساسين وهما حماية الإقتصاد الوطني والحفاظ على الحقوق والحريات الفردية يكون معلولاً وإن كان التوفيق بين المطلبين ليس بالأمر الهين خاصة في بلد مثل الجزائر يتميز إقتصاده بتبعية شبه كلية للخارج مما يعقد الأمر ويجعل حل المعادلة صعب ويبدوا وأن المشرع قد وضع المطلبين المذكورين نصب عينيه عند تعديله لقانون الجمارك في 98 لما أدخله من تعديلات على العديد من الأحكام بما فيها الأحكام التي تتعلق بالمصالحة الجمركية وذلك بتعديله لنص المادة (265) من قانون الجمارك، هذه القناعة التي في رأينا بدأ يحيد عنها المشرع الجزائري خاصة في الأمر 05/06 المتعلق بمكافحة التهريب – وذلك بإستثناءه لجرائم التهريب من إجراءات المصالحة – ذلك أنه في نظرنا إذا كانت المصالحة الجمركية كنص قانوني (قانون الجمارك بالإضافة إلى النص واللوائح التنظيمية) موجودة فالأمر يستدعي تفعيلها وجعلها القاعدة وليست الإستثناء، وهذا لن يتأتى إلاّ بإقتناع جميع الأطراف وخاصة القائمين عليها بضرورتها – في تسوية المنازعات الجمركية وبالتالي في تحصيل حقوق الخزينة – والتي سبق وأن وضحناها وبذلك يجب أن نكرس قاعدة اللجوء إلى القضاء هو الإستثناء تطبيقاً للمقولة   mauvaise transaction vaut mieux qu’un bon procès}100 إلاّ أنه لاحظنا في العشرية الأخيرة ولأسباب مرتبطة بالسياق الظرفي أصبح اللجوء بكثرة إلى طريق القضاء وأثر تكديس الملفات بالمحاكم سلباً على مصالح الخزينة، إلاّ أن تطور المبادلات سيقلب توازن المعاقل العتيقة المشيـدة في ظل سياسة حمائية باعثة على الدخول في مجابهات عقيمة [100] إلاّ أننا نرى أن السيـاق الإقتصادي في الجزائر قد تغير وبالتالي فإن الإصلاحات التي أدخلت أو التي سيتم إدخالها يجب أن تساير هذا التغير لاعتبارات أهمها تغير الذهنيات والممارسات العتيقة لفائدة ترقية قواعد السوق، وإذا كان هذا رأي المسئولين على مستوى الجمارك الجزائرية، فإنه هناك رأي القائمين على السياسة التشريعية [101] وهو ضرورة إعطاء المصالحة في المادة الجمركية أبعاد تتماشى والتوجه الإقتصادي لبلادنا هذا من جهة وما يحفظ حقوق وأموال الخزينة من جهة ثانية وهذا من خلال ما يلي :
{ فيما يخص '' Transaction '' التصالح مع المستوردين أو المصدرين في إطار القضاء على بعض المشاكل للسماح للسلع بالدخول إلى البلاد أو الخروج منها، والمصالحة لم تكن ضغطاً ولكن هي التي سمحت بالقضاء على مشاكل تجميد السلع في الموانئ، كما سمحت من خلال المفاوضات بين مصالح الجمارك والمستوردين بتحديد القيمة التي تكون سبب النزاعات في كثير من الأحيان وعموماً عندما تكون المصالحة فإننا نجد الحل النهائي للمشاكل المطروحة } .
وإن كان تدخل هذا النائب حول المصالحة الجمركية جاء بعيداً عن التحديد القانوني الدقيق لإجراءاتها وأهدافها إلاّ أنه يلخص الكثير من الحقائق التي وقفنا عليها على مستوى إدارة الجمارك، حيث أكدوا أن البضائع كانت تبقى بالأشهر إن لم نقل لسنوات داخل الحاويات في الموانئ، بإنتظار أن يفصل القضاء وفي الأخير بعد الحصول على الحكم القضائي غالباً ما تكون البضائع التي تساوي الملايين قد تعرضت للتلف، الشيء الذي لا يخدم لا صاحب البضاعة ولا إدارة الجمارك وكان يمكن تفادي كل ذلك باللجوء للمصالحة، لأنه لا نتصور الجريمة الجمركية يرتكبها المخالف البسيط فقط الذي لا يفقه في الإجراءات الجمركية شيئاً وإنما هناك جرائم جمركية ترتكب من قبل متعاملين إقتصاديين على إدراك تام بكافة الإجراءات الجمركية ومن ثم ينبغي أن يكون لدى هؤلاء ثقافة التصالح لحصول كل طرف على حقه بدل التعنت في المواقف والذي يكون نتائجه ليست في صالح المخالف، لأنه كما أكد لنا المسئولين القائمين على إجراءات المصالحة على مستوى إدارة الجمارك أن هذه الأخيرة طال الأمد أم قصر ستحصل على حقوقها .
إلاّ أنه من وجهة نظرنا على الأقل لا بد أن يتخلى مسئولينا على مستوى إدارة الجمارك على فكرة الخاسر الوحيد في كل الأحوال هو المخالف وينبغي أن يكون لنا وعي أكبر بأهمية الوقت الذي يلعب دور حاسم في خيارتنا الإقتصادية أمام عالم اقتصادي يتغير من ساعة لأخرى بالإضافة إلى ذلك يجب أن يتحلى القائمين على المصالحة بنظرة إيجابية لهذه الأخيرة والتخلي على المعيار الذاتي في التعامل مع الملفات وجعل المصلحة العامة – تحصيل حقوق الخزينة – هي الهدف الأسمى، لأنه لا يمكن تصور أن ينتظر المخالف لأشهر قبل إيداع طلب المصالحة وينتظر أشهر أخرى للحصول على رد لطلبه بالقبول أو الرفض وفي بعض الأحيان فإن إدارة الجمارك لاترد على الطلب .
ولعل ما إستغربناه ربما نتيجة عدم إدراكنا بعد للإجراءات الجمركية وأهدافها بصفة جيدة ؟ هو كيف أنه طلبات مصالحة تتوفر على جميع الشروط القانونية واستوفى فيها المخالف جميع الإجراءات المقررة ولا تحظى بالموافقة لإعتبارات أكدوا لنا أنها عملية بحتة وكذا هناك اقتراح في جعل بدل المصالحة يدفع على أقساط حتى على مستوى إدارة الجمارك لتمكين المخالف من الدفع على مراحل وتشجيع المصالحة .
وإن كان هناك من يتساءل [102] هل لمصطلح المصالحة من معنى في ظل تنظيم يصف من يتصالح مع إدارة الجمارك بوصف المتهم ويشترط الإقرار بالمخالفة المرتكبة ويسمح للإدارة بفرض مقابل تسوية بإرادتها المنفردة ؟ وأمام تنظيم تجسيد المصالحة في شكل قرار بدل محضر مصالحة وأمام أحكام لا تترك مجال آخر للخيار أمام الطرف الآخر غير الانصياع لقرار الإدارة وذلك بتشديد الخناق على القضاء عن طريق تجريد القاضي من سلطته التقديرية في الإثبات والعقاب .
والواقع أنه إضافة على ما سبق ذكره فإننا لا تتصور أي معنى للمصالحة إذا لم توضع ضوابط تحكم الإدارة في تعاملها مع من يتصالح معها وإلاّ تحولت عن مقصدها الأول المتمثل في التخفيف عن القضاء ليصبح قضاءاً موازياً مع ماقد يترتب عن هذا الإنحراف من إنزلاقات خطيرة تنعكس آثارها سلباً على إدارة الجمارك بالدرجة الأولى .
وهذا ما يفسر تخوف بعض مسئولي إدارة الجمارك من الصلاحيات الجديدة المخولة لهم في إطار المصالحة [103] .
وأمام هذه التساؤلات التي تطرح على مستوى التنظيم القانوني للمصالحة تطرقت إدارة الجمارك إلى عقبات عملية وميدانية بعيدة عن التصور النظري للنص القانوني هذا الأخير الذي يحاكي في تنظيمه التنظيم القانوني للمصالحة في دول متطورة تجاوزتنا في هذا المجال بكثير لذلك سوف نحاول من خلال المبحث الثاني التطرق لهذه العوائق العملية التي طرحها المسئولين القائمين على إجراءات المصالحة والتي جعلوا منها حاجز يحول دون تحقيق المصالحة للأهداف المتوخاة منها، بالإضافة إلى ذلك سنتطرق لموقف قضاءنا باعتباره حامي للحقوق والحريات الفردية .

المبحث الثاني : حدود المصالحة الجمركية


المطلب الأول : عوائق المصالحة على مستوى الإدارة الجمركية
إن كان من منظورنا أن النص القانوني الجيد هو ذلك النص الذي يعكس فحواه النظري تطبيقات عملية، فإننا طرحنا انشغالنا هذا على القائمين على تكريس المصالحة في المادة الجمركية ميدانياً، فلا أحد منا ينكر أن تنظيم المصالحة قانوناً جاء محكم وأخذ خلاصة ما توصلت إليه التشريعات التي سبقتنا في تطبيق هذا النظام، إلاّ أنه على المستوى الميداني فإن المصالحة الجمركية عندنا لم تحقق الهدف المرجو منها وبقيت مشاركتها في تسوية المنازعات الجمركية ضئيلة مقارنة مع بلدان غربية كفرنسا أو حتى مجاورة كتونس والمغرب.
وهل يصلح القول – في هذا المجال – الذي جاء به البعض [104] '' الحرص على تجنب محاكاة الدول المنظمة تنظيماً محكماً '' وفي هذا الصدد حاولنا مع هؤلاء المختصين – إن صح القول – في مجال المصالحة الجمركية الوقوف على العقبات التي تحول دون تحقيق المصالحة لأهدافها متطرقين لرأيهم في جاء به الأمر 05/06 المتعلق بمكافحة التهريب ومدى تأثيره على المصالحة .
في البداية علينا أن نفرق بين حالتين :
الحالة الأول : وهي الولايات الحدودية، كتبسة، أدرار، تمنراست، ... إلخ والتي أغلب الجرائم الجمركية فيها هي جرائم التهريب بمختلف صوره ويلعب فيها النطاق الجمركي دوراً هاماً هذا الأخير الذي يمتد من الحدود البحرية والساحل إلى خط مرسوم على بعد 30 كلم منه وعلى الحدود البريـة من حد الإقليـم الجمركي إلى خط مرسوم على 30 كلم منه مع الإشارة إلى أن المسافات تقاس على خط مستقيم [105] وأجازت المادة (29/2) من قانون الجمارك تمديد المنطقة البرية من 30 كلم إلى 60 كلم وتمديد هذه المسافة إلى 400 كلم في ولايات تندوف وأدرار وتمنراست وأحالت نفس المادة في فقرتها الأخيرة بخصوص كيفيات تطبيقها إلى قرار وزاري مشترك بين الوزراء المكلفين بالمالية والدفاع الوطني والداخلية، وبما أن التربص الذي قمنا به كان على مستوى مجلس قضاء و محكمة أدرار التي تعرف فيها الجرائم الجمركية نسبة عالية – خاصة – جرائم التهريب نظراً لشساعة حدودها مع دول إفريقية وكذا طبيعتها الصحراوية التي تسهل من عمليات التهريب لذلك فإن إجراءات المصالحة الجمركية كانت تعرف تطبيق ضيق طبقاً لنص المادة (265/3) من قانون الجمارك هذا من جهة، ومن جهة أخرى نظراً للطابع الخاص الذي تتميز به جرائم التهريب في هذه الولاية فلقد أكد القائمين على المصالحة أن هذه الأخيرة تكون بدون جدوى أمام شبكات تهريب منظمة تملك من التقنيات والوسائل مالا تملكه إدارة الجمارك .
فشبكات التهريب هذه يوظف فيها أشخاص يكونون في الواجهة يقومون بارتكاب الجريمة الجمركية بوسائل نقل تسجل بأسمائهم من قبل أصحابها الأصليين، وأن أعوان الجمارك في مطاردتهم لهؤلاء على الشريط الحدودي عادة ما يتعرضون لاعتداءات من قبل المهربين الذين قد يلجؤون لإحراق وسيلة النقل وما فيها،  أو الخروج منها ودفعها على دوريات الجمارك والتي تشكل بما فيها من بضاعة قذيفة تؤدي إلى انفجار سيارة الجمارك، وفي أحسن الأحوال عند القبض عليهم يكونوا عادة أحداث مجردين من وثائقهم التي تثبت هويتهم، هذا المهرب لا يعرف أي شيء غير اسمه وأنه هو صاحب البضاعة ووسيلة النقل، هذا الشخص المخالف يتكفل به وبعائلته إن وجدت مقابل قضاءه العقوبة المقررة .
وفي ظل هذه المعطيات كيف يمكن إجراء مصالحة جمركية خاصة أن المسئولين الحقيقيين يبقون بعيدين كل البعد عن مسرح الجريمة ويمكن إسترجاع وسيلة النقل الشيء المهم عن طريق إعادة شرائها من المزاد الذي تقوم به إدارة الجمارك وستعوض خسارة البضاعة بعملية أخرى أو عمليتين، ومن ثم فإن هؤلاء لا يسعون للتصالح مع إدارة الجمارك مادام هناك من يقضي العقوبة عنهم، هذا الأخير يحكم عليه بقضاء العقوبة وحتى الغرامات التي يحكم بها ويبقى تحصيل حقوق الخزينة عن طريق المصالحة – درب من الخيال – في ظل هذه المعطيات من جهة أخرى فإن أغلب الجرائم الجمركية التي تجري فيها المصالحة هي جرائم غراماتها المالية بسيطة، أما الجرائم الجمركية التي تكون غراماتها المالية المقررة قانوناً كبيرة فإن الأطراف لا يلجؤون فيها للمصالحة لأن بدل المصالحة سيكون مبالغ كبيرة وحتى إن لجأت إدارة الجمارك لتخفيض بدل المصالحة إلى نصف الغرامات المالية المقررة فإننا نتكلم هنا على ملايير أحياناً يستحيل على المخالف دفعها، ولقد أشار المسئولين على مستوى إدارة الجمارك لولاية أدرار أنه في وقت سابق وأثناء تفشي ظاهرة تهريب المواشي من دول حدودية كالمالي والنيجر لولاية أدرار وكانت هذه الأخيرة تعاني من أزمة في تزويدها من اللحوم الحمراء وردت تعليمة تتعلق بقبول طلبات المصالحة الخاصة بمخالفات جمركية تتعلق بتهريب المواشي مقابل بدل مصالحة مقبول، وإن كان هذا ما طرحه المسئولين على مستوى مفتشية أقسام الجمارك لولاية أدرار، فإننا انتقلنا لمعرفة رأي المسئولين على مستوى المديرية العامة للجمارك .

الحالة الثانية :  بالنسبة للولايات الأخرى فإننا اتجهنا إلى مديرية المنازعات على مستوى المديرية العامة للجمارك, أين أكد مدير المنازعات أنّ المصالحة لوقت قريب كانت تلعب دوراً هاماُ في تسوية المنازعات الجمركية, إلا أن هذا الدور تراجع في السنوات الأخيرة فعدد القضايا المعروضة اليوم على المحكمة العليا يقدر بحوالي 45.000 قضية جمركية .
والجدير بالذكر أنه في بلدان مجاورة كتونس خلال 1987 حرر 37.000 محضر إثبات مخالفة جمركية سويت 95% منها عن طريق المصالحة فيما أحيلت  %05على القضاء وفي فرنسا حرر في نفس الفترة 109.300 محضر إثبات مخالفة سويت منها 98  % عن طريق المصالحة وأحيل 02%  منها على القضاء وبهذه الطريقة سويت 1.8% من 02% المحالة على القضاء [106] فمقارنة بذالك فإن المصالحة عندنا لا تساهم إلا في تسوية 40% من المنازعات الجمركية, إلا أنه أمام هذه الوضعية في 2002 أصدر المدير العام للجمارك مذكرة من أجل قبول الملفات المتعلقة بالمصالحة والتسهيل في إجراءاتها,إلا أن الأمر 05/06 المتعلق بمكافحة التهريب وما جاء به من أحكام فيما يخص المصالحة بأنه استثنى جرائم التهريب منها فهذا الأمر حتى في الجرائم الجمركية المتعلقة بالتهريب والتي كانت تجوز المصالحة فيها بموجب قانون الجمارك ل 98 فإنه باستثنائها من المصالحة لصدور الأمر 05/06 جعل ملفات المصالحة المتعلقة بها معلقة وإن كان طالبات المصالحة قدمت من قبل صدور الأمر إلا أن تخوف المسئولين القائمين على إجراء المصالحة في هذا الإطار عقد اجتماع جمع المدير العام للجمارك بمدير المنازعات وباقي المديرين الجهوين أصدر فيه المدير العام للجمارك تعليمات شفوية ترمي إلى عدم البث في طلبات المصالحة المتعلقة بجرائم التهريب أو الفصل برفضها وإحالة الملفات على القضاء ضارباً بذالك عرض الحائط  المبدأ القانوني المتعلق بعدم رجعية القوانين أو عدم سريانها بأثر رجعي.
فحسب المختصين في مجال المصالحة الجمركية فإن أحكام هذا الأمر جاءت لتعرقل دور المصالحة – بعد أن عرفت نوع من التفعيل – وأنه وإن كان ظاهرياً يقتصر على جرائم التهريب فإنه التطبيقات العملية لهذا الأمر سيشمل جرائم جمركية أخرى.
في الأخير نشير أنه حصلنا على إحصائيات غير رسمية فعلى مستوى مفتشية أقسام الجمارك لولاية أدرار فإن عدد القضايا الجمركية التي تم تسويتها عن طريق المصالحة فتقدر بحوالي 20% .
- أما على مستوى المديرية العامة للجمارك فلقد أكد مدير المنازعات أن عدد القضايا التي سويت عن طريق المصالحة في الخمسة سنوات الأخيرة هي حوالي 50%  وهذه النسبة سجلت خاصة بعد المذكرة التي أصدرها المدير العام للجمارك والتي مفادها الإسراع في البث في طلبات المصالحة المعروضة على اللجنة الوطنية .

المطلب الثاني: مركز القضاء في المصلحة الجمركية
لعل أهم الأسباب التي جعلتنا ندرج هذا العنوان كمطلب في بحثنا هو التساؤل الذي كان يطرحه القضاة علينا دائما وهو ما دورنا نحن كقضاة في المصالحة الجمركية ؟ وما الأهمية في معرفة القاضي لإجراءات المصالحة الجمركية وشروطها وآثارها ؟ فحاولنا أن نجيب على هذه التساؤلات من خلال توضيحنا أن القاضي باعتباره حامي الحقوق والحريات الفردية ة وذالك بالسهر على ضمان الرقابة القضائية على مختلف الأعمال والإجراءات الإدارية التي تقوم بها الإدارة في مواجهة الأفراد ذالك أنها من موقع السلطة تتمتع بامتيازات تجعل المتعامل معها في المركز الأضعف وليس من سبيل لحمايته إلا القضاء, بالإضافة إلى أنه قد سبق وأن عرضنا في الفصل الأول مختلف المنازعات التي عرضت على القضاء سواءً المدني أو الإداري والتي تتعلق بالمصالحة والتي عرضت على القضاء الفرنسي , وإن كانت لم تعرض على القضاء الجزائري اليوم فإنه لا يعني أنها لن تعرض عليه أبداً خاصة أن الأوضاع الاقتصادية في بلادنا في تغير مستمر, وبدخول الجزائر في شراكة مع دول أجنبية يجعل هذه الأخيرة – خاصة في المجال الجمركي – التعامل وفقاً للإجراءات المعمول بها في بلدانها والتي تشكل المصالحة جزءًا منها وبذالك فإن على القاضي أن يساير هذا التطور الحاصل في جوانب عدة لذالك فإننا نرى أنه وإن كانت إجراءات المصالحة الجمركية هي من اختصاص إدارة الجمارك فإنه على القاضي – على الأقل – أن يميز بين المصالحة المؤقتة والإذعان للمنازعة ومحضر المصالحة النهائية خاصة في المصالحة التي يتمكن اللجؤ إليها بعد إخطار السلطات القضائية بالقضية, وعلى إثر هذا التمييز يتمكن القاضي من الحكم بانقضاء الدعوى العمومية أم لا ؟ وهذا ما سنوضحه من خلال قرارين هامين للمحكمة العليا تؤكد فيهما هذه الأخيرة على ضرورة إلمام القاضي بإجراءات المصالحة .

القرار الأول : ملف رقم 205814 المؤرخ في 26/07/98 قضية إدارة الجمارك ضد (ق م) ومن معه وفصلاً في الطعن بالنقض الذي رفعته إدارة الجمارك بتاريخ 07/01/98 في قرار صادر 04/01/98 عند مجلس قضاء مستغانم القاضي بانقضاء الدعوى العمومية بالمصالحة بالنسبة للمتهم (د-م) حيث جاء في حيثيات القرار:
'' حيث أن المجلس أسس قراره بخصوص المدعى عليه في الطعن (د-م) على كونه سوى وضعيته مع إدارة الجمارك طبقاَ لنص المادة (265) من قانون الجمارك إستناداً إلى وصل صادر عن إدارة الجمارك وحيث أنه إذا كانت المصالحة الجمركية تؤدي فعلاً إلى انقضاء الدعوى بين الجبائية والعمومية المتولدين على الجريمة الجمركية, فإن هذا الأثر معلق على تقديم محضر المصالحة الموقع من عاقديها وهما الشخص المتابع بجريمة جمركية ومسئول إدارة الجمارك المؤهل لإبرام المصالحة .
وحيث أن الوصل الذي استند إليه قضاة المجلس في قضية الحال لا يصلح دليلاً كافياً لإثبات قيام المصالحة الجمركية مما يجعل الوجه المثار مؤسساً في شقه الخاص بالمدعى عليه في الطعن (د-م) '' .

بالنسبة للقرار الثاني: قرار رقم 261135 مؤرخ في 02/09/2002 قضية (إ ج) ضد (ش ن) (النيابة العامة) حيث جاء في حيثيات القرار ما يلي: { .... حيث أنه من جهة أخرى فإن المصالحة تثبت بمحضر المصالحة الذي لم يتطرق إليه المجلس في أسبابه إذا ما كان هناك فعلاً محضر مصالحة وبدون هذا المحضر لا يمكن إثبات المصالحة .
وحيث أن ما قدمه المطعون ضده أمام المجلس من وثائق تثبت دفعه مبالغ مالية لإدارة الجمارك لا يمكن أن يثبت وقوع المصالحة في غياب المحضر المثبت لها .
وحيث أن التعهد المبرم أمام الموثق من طرف المتهم هو تصرف شخصي لم تكن إدارة الجمارك طرفاً فيه وبالتالي لا يجوز الاحتجاج به في مواجهتها .
وحيث أنه ما جاء في تعليل المجلس هو مجرد تصريحات من طرف المتهم ووثائق من صنعه وحده لا يمكن لها أن تعوض محضر الصلح الذي لا يظهر من القرار المطعون فيه أنه موجود مما يجعل الوجه المثار مؤسس ويؤدي للنقض } .
وهكذا بينت المحكمة العليا في مناسبتين دور القاضي في مراقبة ما يقدمه المخالف ويدعي به عقد مصالحة مع إدارة الجمارك, والإطلاع الذي يجب أن يكون لدى القاضي على مختلف الإجراءات والمراحل والوثائق التي تتعلق بالمصالحة وأن المصالحة بدون محضر نهائي يثبت وقوعها هي والعدم سواء .
من جهة أخرى فإن أهم الأسباب التي استند إليها المشرع في تعديله لقانون الجمارك هو حماية حقوق المواطن وحرياته الأساسية, هذا الهدف المنوط تحقيقه بالقضاء, وإن كان هناك قضاة لا يرون أي إشكال في أن تتمتع إدارة الجمارك بسلطات واسعة تكاد تشكل قضاءً موازياً فإننا نتفق والرأي الذي أسس موقفه على ضرورة تدخل القضاء في إجراءات المصالحة ورقابتها على أسس منطقية وعملية, ومن أهمها إعادة النظر في تشكيل لجان المصالحة لا سيما اللجنة الوطنية بإسناد رئاستها لقاضٍ من قضاة المحكمة العليا وبتوسيع عضويتها إلى قضاة من المحكمة العليا ومجلس الدولة والمحاسبة وإلى موظفين من قطاعات أخرى دون إدارة الجمارك وذالك على غرار ما فعله المشرع بالنسبة للجنة الوطنية للطعن والتعريفة الجمركية التي نصت عليها المادة (13) من قانون الجمارك حيث أسندت رئاستها لقاضٍ وتضم تشكيلتها عضوين خارج قطاع الجمارك .
ولعل ما أبرزناه في هذا الإطار هو الشيء القليل من الدور الذي يلعبه القاضي في مجال المصالحة الجمركية في بلدان حققت في هذا المجال خطوات عديدة, حيث تظافرت فيها جهود القضاء وإدارة الجمارك من أجل إعطاء فعالية أكبر لهذا النظام دائماً في ظل احترام حقوق وحريات الأفراد حتى وإن كان هذا الفرد مرتكب لمخالفة جمركية .

 الخاتمـــــــــة

لقد حاولنا من خلال هذا الموضوع أن نبين التنظيم القانوني للمصالحة الجمركية عبر مختلف النصوص القانونية والتنظيمية بالإضافة إلى تطبيقاتها العملية على مستوى الجمارك الجزائريـة في ظل العقبـات التي طرحتها هذه الأخيرة والأهداف المرجوة منها متعرضين إلى موقف قضاتنا من نظام المصالحة في المادة الجمركية, ولقد حاولنا جعل هذه الدراسة عملية قدر الإمكان – معتمدين على المعطيات المقدمة من طرف إدارة الجمارك باعتبارها طرفاً فاعلاً في إجراء المصالحة – إلى جانب الطرف المخالف –  وفي ظل المراجع القليلة في هذا الموضوع وغياب إحصائيات دقيقة لدى إدارة الجمارك .
وأدركنا من خلال هذا البحث أهمية التطرق إلى الجانب التنظيمي للمصالحة والتعريف بهـا وبمختلـف إجراءاتهـا وشروطهـا وآثارها خاصة بالنسبة لنا قضاة – ولاقتناعنا أن الجانب التطبيقي ما هو إلا امتداد للتنظيم النظري ولن يستقيم الجانب الأول باستقامة الجانب الثاني .
ويبقى أن نذكر أن المخالفة الجمركيـة هـي جريمـة ذات طابـع خـاص لا تترك في المجتمع الأثر نفسه الذي تتركه جرائم القانون العام وبذالك فإن مسؤولية ردعها ومحاربتها تقع على هيئات الدولة وحدها دون أن تتلقى الدعم والردع المادي والمعنوي الذي تتلقاه باقي جرائم القانون العام من أفراد المجتمع مما يقتضي ضمان إطار منظم يضمن التنسيق بين مختلف الأجهزة والإطارات وعلى جميع المستويات, ولعل هذا ما يفسر الهدف من إصدار المشرع للأمر رقم 05/06 المتعلق بمكافحة التهريب والذي جاء بأحكام ردعية مشددة لهذا النوع من الجرائم وإن كنا نرى – من منظورنا – أن هذا الأمر جاء إستجابة لضغوط دولية أكثر منه يستجيب لواقع إجتماعي وإقتصادي وسياسي جزائري وهذا خاصة بعد مصادقة الجزائر على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والمعتمدة من قبل الأمم المتحدة بتاريخ 15/11/2000 وبعد المصادقة عليها بتحفظ بموجب المرسوم رقم 02/55 المؤرخ في 05/02/2002 .
وفي الأخير نؤكد على ضرورة إعطاء فعالية أكبرللمصالحة الجمركية حتى تتمكن من تحقيق الأهداف المنوطة بها والمتمثل في التخفيف على القضاء والتمكن من تحصيل حقوق الخزينة في أحسن الآجال, بالإضافة إلى ذالك فإنه ينبغي أن نحرص على حماية حقوق الفرد في مواجهة الإدارة وهذا يقتضي بالضرورة البحث عن آليات لضمان رقابة قضائية على عمل الإدارة وفي هذا السياق فإن أي مسعى يكون بدون جدوى إذا لم يسلك المسلكين معاً وهما مسلك القضاء برد اعتباره بصفته المزدوجة كحاكم نزيه وحارس للحقوق والحريات ومسلك من يتصالح مع الإدارة بترقيه مركزه وتحريره من عقدة المتهم ولن يتأتى ذالك إلا بتحقق المثلث الذي قاعدته مصالحة جمركية لا يفلت مسارها وضوابضها عن رقابة القضاء باعتباره حامي الحقوق والحريات الفردية وضلعيه رقابة جمركية صارمة في ظل نصوص قانونية واضحة ودقيقة .
وإن كنا حاولنا إلقاء الضوء على جانب من الإجراءات الجمركية والمتمثل في إجراء المصالحة والتي لم تحض باهتمام القانونين فإنه يبقى المجال الجمركي من المجالات التي تحتاج إلى الكثير من البحث والدراسة والتحليل لتبسيط إجراءاته من جهة ولإزالة الحاجز النفسي بين إدارة الجمارك والقضاء من جهة أخرى .

إنتهى بعون الله

المراجع المعتمدة


I  النصوص القانونية والتنظيمية
1)    الدكتور أحسن بوسقيعة, التشريع الجمركي مدعم بالاجتهاد القضائي , الديوان الوطني للأشغال التربوية, الطبعة الثانية, 2001 .
2)         الأمر رقم 05/06 المؤرخ في 23/08/2005 المتعلق بمكافحة التهريب .
3)         المرسوم التنفيذي رقم 99/195 المؤرخ في 16/08/1999 المتضمن إنشاء لجان المصالحة وتشكيلها وسيرها .
4)    قرار مؤرخ في 22/06/99 يحدد قائمة مسئولي إدارة الجمارك المؤهلين لإجراء المصالحة مع الأشخاص المتابعين بسبب المخالفات الجمركية .
5)         المنشور رقم 353 المؤرخ في 19/09/1999 المتعلق بكيفيات تطبيق المادة (265) من قانون الجمارك .
6)         مجموعة من المذكرات الصادرة عن السيد المدير العام للجمارك.

II  - الكتـــــــــــــب والمؤلفــــــات
1)    الدكتور أحسن بوسقيعة, المصالحة في المواد الجزائية بوجه عام وفي المادة الجمركية بوجه خاص الديوان الوطني للأشغال التربوية, الطبعة الأولى, 2001 .
2)         الدكتور أحسن بوسقيعة, المنازعات الجمركية, دار النخلة, الطبعة الثانية 2001 .
3)    الأستاذ جيلالي بغدادي, الإجتهاد القضائي في المواد الجزائية, الديوان الوطني للأشغال التربوية, الطبعة الأولى 2002 .


III   المذكـــــــــــــــــــــــــــــــــرات
1)    أحسن بوسقيعة, المصالحة الجمركية في القانون الجزائري والقانون المقارن، رسالة لنيل درجة دكتوراة دولة في القانون, جامعة قسنطينة ديسمبر 1996 .
2)         M' zaalani A , les particularités du droit penal douanier , thése de doctorat 1997-1998.
3)    بودرة ليندة, دور إدارة الجمارك في متابعة الجرائم الجمركية, مذكرة تخرج لنيل إجازة المعهد الوطني للقضاء 2001-2004 .
4)         نبيل بوطرفة, الجريمة الجمركية بين المعاينة والمتابعة, مذكرة لنيل إجازة المعهد الوطني للقضاء 2003.
5)         سليماني هندون, المنازعات الجمركية في ضوء التشريع والقضاء الجزائري 2001.

IIII  -   المقـــــــــــــــــــالات والمحاضــــــرات  :
1) M. AC. Djbabra, introduction au droit douanier, formation continue / le droit douanier .
2) الدكتور أحسن بوسقيعة، مقال المصالحة الجمركية، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، العدد الرابع، 1993، ص 315 .
3) الأستاذ عمرو شوقي جبارة، الإقتناع الشخصي للقضاة على محك القانون الجمركي الإجتهاد القضائي لغرفة الجنح والمخالفات، المحكمة العليا، قسم الوثائق، عدد خاص 2002 .
4) الدكتور أحسن بوسقيعة، محاضرة الطبيعة القانونية للدعوى الجبائية في القانون الجزائري والمقارن، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، العدد الثاني، 1994 .
5) الأستاذ عمرو شوقي جبارة، محاضرة تكيف إدارة الجمارك مع الإصلاحات، الندوة الوطنية الثانية للقضاء أيام 23، 24 و 25 فيفري 1991 .
6) الدكتور أحسن بوسقيعة، خصوصيات المنازعات الجمركية، المجلة القضائية العدد الثاني، 2000 .
المــــلاحـــــــــــــــق

I.        الملحــــــق رقــــم (01)
دراسة حالة تطبيقية عن المصالحة الجمركية
إن القضية المطروحة في هذه الدراسة تحمل رقم: 2179/RAC/98 تتعلق بالخطأ في القيمة، أدى إلى رسوم زائدة بمقدار 33.025,12 دج .

إكتشاف المخالفة وتكييفها القانوني :
01)  إكتشاف المخالفة : بمقر المفتشية الرئيسية للعمليات التجارية (IPOC) حسب تصريح رمز 10 رقم 40578 مؤرخ في: 03/10/1998 صرح عبور سوتراف (T.SOTRAF) لحساب دع بأنه استورد سلعاً لجعلها للإستهلاك ويتعلق الأمر بمقاطع وقتية (interrupteurs horaires)
الكميـــــة : 100
المنشــــأ  : فرنســـا
القيمــــة  : 160319.16
الوزن الصافي : 09 كلغ
بعد الفحص والإطلاع على الملف من قبل العاملين بالحجز لوحظ أن المنشأ، الوزن مطابقة بينما القيمة غير مطابقة الأمر الذي أدى إلى مخالفة جمركية تمثلت في رسوم زائدة المقدار 33025 دج .
02)  تكييف المخالفة : مخالفة منصوص ومعاقب عليها بموجب المادة (319) قانون الجمارك وتقدر الغرامة المالية بـ 5.000,00 دج .
03)  كيفية إجراء المصالحة : تقديم المخالف بطلب إلى رئيس مفتشية أقسام معترفاً بإرتكابه المخالفة ويقدم عرضاً لتسوية القضية وفق الشرط التالي : تسديد الغرامة المالية المقدرة بـ 5.000,00 دج وقبل قابض المنازعات هذا العرض بقبضه المبلغ المشار إليه وتم توقيع المصالحة النهائية في: 19/10/1998 .

تعليقات