📁 آخر الأخبار

سلطـة القاضـي فـي العقوبات التعزيرية

سلطـة القاضـي فـي العقوبات التعزيرية

سلطـة القاضـي فـي العقوبات التعزيرية





سلطـة القاضـي فـي العقوبات التعزيرية


النقيب الدكتور مصطفى أحمد نجيب•


المقدمـة


نظرا لفظاعة وخطورة وقبح وعظم شأن بعض الجرائم وتهديدها لأمن المجتمع واستقراره، فقد جاء ذكرها نصا واضحا في الشريعة وكان تفصيل عقوبتها اكثر وضوحا وتفصيلا بحيث يدرك عامة الناس قبح هذه الجرائم وفظاعتها، ودورها في فت عضد المجتمع، فلا يجد بعدها غرابة أن تكون عقوبتها مشددة على مرتكبها بل توعدت من يستحلها بغير حق او كل من تسول له نفسه التفكير بإقترافها او المساعدة عليها أو التستر على مرتكبها بأشد العقوبة.

وفي الحقيقة أن هذه الجرائم تعد على أصابع اليدين وهي ما يسميه الفقهاء بجرائم الحدود والقصاص، ولقيت من الفقهاء الكثير من العناية والبحث والتحليل الأمر الذي جعل بعض المشككين أن يلمز بقصد أو غير قصد نظام العقوبات بحجة أن الكثير من الجرائم لم يرد لها ذكر في الكتاب او السنة فيفلت مرتكبها من العقاب ويبقى يعبث في الأرض فسادا، وقد نسي هؤلاء أو تناسوا ان فلسفة العقوبات في الشريعة الإسلامية قائمة على حماية الجماعة من جهة، وحماية المصالح الضرورية المعتبرة في الشريعة من جهة اخرى، لأن الحياة الإنسانية لا تقوم إلا بها فقامت بصيانتها وعدم العبث بها وعمدت إلى حفظ "الدين والعقل والنفس والنسل والمال"، وعملت على ردع الجريمة قبل حدوثها واجتثاث جذورها من المجتمع، ومن هنا جاءت العقوبات الشرعية رادعة وزاجرة ومناسبة وفظاعة وجسامة وخطورة الجريمة، فلا عجب والحالة هذه ان تأتي بعض الجرائم بالنص والحصر ومشخصة بالكتاب والسنة وأن تكون عقوبتها ايضا اشد وضوحا وجلاء، ولا مجال للإجتهاد فيها تبعا لقبح هذه الجرائم وفظاعتها ودورها في هدم المجتمع الإنساني (المسلم وغير المسلم) وفت عضده، فكانت جريمة الزنا والقتل والسرقة وقطع الطريق وغير ذلك مما يسمية الفقهاء بجرائم الحدود القصاص وعقوبة كل منها اشد وضوحا بحيث لا تقبل التغيير او التبديل ولم تعرف البشرية وصفوة رجالها من رجال القضاء والقانون عقوبات رادعة لمرتكبي هذه الجرائم فدفعت الإنسانية ثمنا باهظا لمثل هذه الجرائم وخاصة في المجتمعات غير الإسلامية، فالإيدز وعصابات القتل والمخدرات وغسيل الأموال تفتك بتلك المجتمعات وهي عاجزة من القضاء عليها واستئصالها من المجتمع في حين هي قليلة جدا في المجتمعات الإسلامية حيث جاءت العقوبات لهذه الجرائم من فوق سبع سموات من لدن حكيم خبير عليم، لأن هذه الجرائم لا تعترف بحدود الدول وتقسيمات الأمم المتحدة لها، فترتع وتترعرع حيث الجهل والفقر وحب الدنيا وزينتها من المال والنساء، وهذه لا تتغير ولا تتبدل من مجتمع لآخر ومن هنا كان النص عليها وعلى عقوبتها واضحا لجميع الناس فلا عجب أن نجدة سبحانه وتعالى يخاطب اصحاب العقول في المجتمع وخاصة من له علاقة بالأمن والقضاء ورجال القانون لأنهم أكثر فهما وأقرب الناس من تشخيث الجريمة وعقوبتها بقوله سبحانه وتعالى: "ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون" ، فحكمنا بقتل القاتل بالقصاص منه بمثل فعلته التي ارتكبها وازهاقنا روحه وبذلك نحي الأمة والمجتمع ونصون أرواح الناس.

وفي الحقيقة أن هناك بعض الجرائم التي لم يرد لها ذكر بالكتاب والسنة ولم تكن معروفة في عصر الصحابة والتابعين وسالف العصور، فلا حد فيها ولا قصاص وهذه جرائم لا تنتهي ولا يمكن حصرها وتتغير بتغير الزمان والمكان أحداثها وطريقة تنفيذها، فهل نقف منها موقف المتفرج لأنه لم يرد نص في الكتاب او السنة على عقاب لها فيفلت الجاني ويمعن في الأرض فسادا رغم ثبوت النهي عنها كما اسلفنا الأمر الذي دفع البعض باتهام نظام العقوبات في الشريعة بالتقصير والجمود، وتمادي البعض الى القول بأن هذه العقوبات لا تصلح للتطبيق في هذا العصر، فالرجم والجلد والقصاص ومنع الزنا والخمر وتتنافى مع الحرية الشخصية وحقوق الإنسان، وفيها من الشدة والقسوة ما لا تطيقة النفس البشرية وقد نسي هؤلاء او تناسوا أن هذه الأحكام من لدن عزيز حميد، صالحة لكل زمان ومكان وكفيلة بإيجاد عقوبة رادعة تناسب تلك الجريمة فهي لا تنظر لشخص مرتكبها بل إلى عظم وخطر جريمته، فكل جريمة لا حد فيها ولا قصاص عليها ومثلها الجرائم التي سقط الحد فيها أو تعذر استيفاء القصاص لشبهة او تخلف ركن من أركانها فهذه الجرائم كثيرة ومتعددة وغير متناهية ولا مجال لحصرها وهي ما تسمى عند فقهاء الشريعة "بجرائم التعزير" وهي متعددة ومتشعبة ومتجددة ويصعب حصرها وتقنينها نتيجة للتطور الإجتماعي واتصال الحضارات فأصبح العالم قرية صغيرة فهناك على سبيل المثال لا الحصر جرائم الإنترنت وغسيل الأموال والجرائم الإقتصادية والإخلال بالسلامة العامة وإثارة الفتن وجرائم أمن الدولة وغير ذلك من الجرائم التي لم يرد نص من الكتاب أو السنة بتحديدها او تحديد عقوبتها فلا بد من عقوبة رادعة لها ولغيرها على ضوء الكتاب والسنة، ففيهما من النصوص المرنة والقواعد الكلية من السعة ما يسوغ لولي الأمر تقدير هذه الجرائم وما يناسبها من العقوبة على ضوء الكتاب والسنة فله بذلك سلطة موسعة (بعكس سلطته في الحدود والقصاص) ولكنها مقيدة بقواعد العدالة ومتناسبة مع الجريمة وعقوبتها بحيث يقدر ما يكفي للزجر فلا ينبغي ولا يشترط في العقاب ولا يجعل هواه مسيطرا عليه فيشق على رعيته.

ولعل من الحكمة البالغة أنه لم يفرض في العقوبات التعزيرية عقوبة معينة لكل جريمة معينة (كما هو الحال في جرائم الحدود القصاص) لأن التقييد في هذا المقام يمنع العقوبة أن تؤدي وظيفتها ويجعلها غير عادلة في كثير من الأحوال لإختلاف ظروف الجرائم والمجرمين، وحتى يطمئن الجميع وخاصة ضعاف النفوس والإيمان الذين يتهمون نظام العقوبات بعدم الصلاحية للتطبيق وخاصة في مجال العقوبات التعزيرية ليصلوا من خلال ذلك إلى إتهام الشريعة نفسها بعدم صلاحيتها هذه الأيام للتطبيق فننقل لهم ما قال به علماء القانون  الغربيون منذ زمن بعيد أن في نصوص الشريعة الإسلامية من مميزات وحلول لمشاكل الحياة، فأخذوا منها الشيء الكثير ثم اعترفوا بها كمصدر من مصادر القانون ويشهد بذلك ما جاء في المؤتمر الدولي للقانون المقارن الذي انعقد في مدينة لاهاي في دورته الأولى عام (1932) وفي دورته الثانية أيضا عام (1937) ومؤتمر المحامين الذي انعقد بنفس المدينة عام (1947) بحضور ثلاث وخمسين دولة حيث أقروا واعترفوا بالإجماع وفي كل دورة بأن الشريعة الإسلامية تعد مصدرا من مصادر التشريع العام وانها حية وقابلة للتطور، وهي قائمة بذاتها وليست مأخوذة من غيرها، وكما قيل فإن الحق ما شهدت به الأعداء. وبعد ومن خلال هذه المقدمة نكون قد اجبنا عن العديد من التساؤلات التي تثور في ذهن القارئ الكريم عن عقوبة التعزيز.

والآن نسلط الضوء على العقوبات التعزيرية في المباحث التالية:

المبحث الأول : 1.  تعريفها وحكمة مشروعيتها.
2.  دليل مشروعيتها، وموقعها في نظام العقوبات.

المبحث الثاني: 1.  أنواع العقوبات التعزيرية.
2.  خصائص العقوبات التعزيرية.

المبحث الثالث: 1.  سلطة القاضي في العقوبات التعزيرية.
2.  مسقطات العقوبات التعزيرية.

النتائج والتوصيات:
 

المبحـث الأول



التعزير في اللغة :  ضرب دون الحد لمنع الجاني من المعاودة وردعه عن المعصية.
وأصل التعزير، التأديب ولهذا يسمى الضرب دون الحد تعزيرا لأنه يمنع الجاني أن يعاود الذنب، فسميت العقوبات تعزيرا لأن من شأنها أن تدفع الجاني وترده عن ارتكاب الجرائم والعودة إليها.

وفي الإصطلاع الشرعي :  هي "تأديب وإصلاح وزجر عن ذنوب لم تشرع فيها حدود ولا كفارات من الإمام أو من له قدرة على ذلك" وفي الحقيقة أن المتتبع لمعنى التعزير عند الفقهاء يجد أن الجرائم التعزيرية هي التي لم يذكر الشارع الحكيم عقوبة مقدرة لها كما ذكر لجرائم الحدود والقصاص بل ترك امرها لأولياء الأمور يقدرونها في كل جريمة بحسبها تبعا لإختلاف الأزمنة والأمكنة، فمعاقبة المجرمين في هذه الجرائم مفوض شرعا إلى أولياء الأمور بتقدير الجريمة وعقوبتها لأن سقوط الحد لا يعني أبدا.......................... أن يفلت الجاني من العقوبة بل يفيد سقوط العقوبة المقدرة شرعا هذا لا ينافي معاقبته بعقوبة أخرى أخف من الحد تعزيرا له على جريمته.

حكمة مشروعيتها:  إن الجرائم التعزيرية كثيرة ومتنوعة وهي في الوقت نفسه جديدة ومتطورة ولم تكن معروفة عند السلف الصالح من هذه الأمة، ومن هنا فإنها تحتاج إلى اجتهاد القاضي وسعة أفقه واستنارة فكرة في اختيار العقوبة المناسبة للجريمة التي تستحقها فقد يستلزم الأمر ان ينوع القاضي في العقوبات حسب حال المخالفين مع الأخذ بعين الإعتبار حكمة مشروعية التعزير ، والتي تهدف الى حماية مصالح الناس وضروريات حياتهم وهي ما يسمى بالضروريات الخمس "الدين والنفس والعقل والنسل والمال"  فلا تقوم الحياة بدونها ومن هنا كان الإعتداء عليها جريمة تستوجب العقاب فكل ما يحفظها يعتبر مصلحة وكل ما يفوتها يعد من المفاسد.

كما أنها تهدف إلى ردع الجريمة ومنعها قبل حدوثها وتسعى إلى إجتثاث جذورها من ثانية، وهو في الوقت نفسه زجر للآخرين عن إرتكابها لئلا يصبهم ما أصابه من العقاب ومن هنا عبر الفقهاء عن ذلك بقولهم (بأن العقوبات موانع للفعل قبل وقوعها وزواجر له بعد وقوعه) وبعبارة ثانية هي (زواجر وجوابر) أي انها تزجر الناس عن فعل الذنب وإرتكاب الجريمة كما أن إقامة وتطبيق العقوبة على الجاني تجبر عنه العقوبة في الآخرة.

كما أنها لا تكتفي بإصلاح المجرم فحسب بل وتسعى إلى تقويم أعوجاجه شأنها بذلك شأن الوالد في تأديب ولده والطبيب في معالجة مريضة حيث يعمد هؤلاء الى المعالجة بما يشفى المريض ويؤدب الولد ولا يهمهم أبدا في تلك المرحلة ما يشتهية المريض او يحبه ويتمناه الولد.



ثانيا:  دليل مشروعيتها وموقعها في نظام العقوبات:


دليل مشروعيتها:  التعزير من العقوبات الشرعية الثابتة بالنقل والعقل وإجماع الأمة على ذلك ونكتفي في هذا المقام بالإشارة إلى بعض الآيات والأحاديث كأساس للعقوبات التعزيرية ونترك للمجتهدين إيجاد العقوبات المناسبة لكل جريمة مستنيرين بهذه الأدلة وغيرها ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر.

1. الآية الكريمة في معالجة نشوز الزوجة وتعاليها على زوجها حيث رسمت للزوج نهجا ينبغي عليه أن يتتبع مراحله قبل أن يلجأ إلى الطلاق من ثلاث مراحل تحمل في ثناياها التعزيز للمرأة الناشز فقال سبحانه وتعالى: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا" ، فالوعظ والإرشاد للزوجة ثم الهجر في المنام فلا يبيت معها في فراش واحد وأخيرا الضرب غير المبرح من قبيل العقوبات التعزيرية للمرأة الناشز يلجأ إليها الزوج قبل الطلاق وإعتبرها العلماء بمثابة سند شرعي للعقوبات التعزيرية .

2. قوله تعالى: "وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم انفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إنه هو التواب الرحيم)  ، نزلت هذه الآية في "كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية" الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك دون عذر شرعي فهجرهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر المسلمين بهجرهم عقابا لهم على فعلهم هذا.

3. والسنة النبوية القولية والفعلية حافلة بالعقوبات والتي يمكن الإعتماد عليها كدليل شرعي للعقوبات التعزيرية منها:

4. ما رواه أبو هريرة  أنه أتى برجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شرب فقال:  "أضربوه، فقال أبو هريرة، فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله والضارب بثوبه" وفي رواية : "بكتوه فأقبلوا عليه يقولون: ما أتقيت الله ما خشيت الله ما استحيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم"  فالضرب والتبكيت والتأنيب للشارب في هذا المقام من باب التعزير له على جريمة الشرب.

5. قوله صلى الله عليه وسلم  "لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله".

6. كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم  "أنه حبس رجلا أتهم بسرقة بعير ولما ظهر فيما بعد أنه لم يسرق أخلي سبيله" وأنه عليه الصلاة والسلام (ضرب وغرب) فيفيد هذا الحديث وغيره أن صلى الله عليه وسلم جعل الحبس عقوبة تعزيرية يمكن لولي الأمر أن يوقعها لمجرد التهمة إن كان في ذلك مصلحة للمسلمين، كما أنه ضرب الجناة وغربهم (أي نفاهم) من بلادهم ردعا وتعزيرا لهم ولأمثالهم من الفاسقين والمخنثين والمتشبهين من الرجال وبالنساء.

وهذا وقد ثبتت هذه الأفعال عن العديد من الصحابة رضوان الله عنهم اجمعين، فعن نافع عن ابن عمر ان أبا بكر الصديق ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي كعب وعبد الله بن مسعود وأبو ذر وهو عند التابعين من بعدهم كمالك وسفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد وغيرهم.

وعن علي رضي الله عنه أنه جيء له بشارب خمر في رمضان فجلده ثمانين جلده وفي اليوم التالي جلده عشرين جلدة وقال : جلدناك العشرين لإفطارك في رمضان وجرأتك على الله".

وسئل رضي الله عنه عن الرجل يقول للرجل "يا فاسق يا خبيث" فقال (هن فواحش فيهن التعزير وليس عليهن حد). كما ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عند إتخذ دار للسجن ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، وكانت درته لا تفارق يده ليؤدب بها فكان يضرب، ويعزر ويؤدب ويحلق الرأس وينفي ويحرق حوانيت الخمارين ومن المعروف أن هذه الأمور ما كانت تتخذ إلا من قبيل التعزير للمخالفين.

هذا وقد أجمعت الأمة على مشروعية التعزير في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم أي منذ عصر الصحابة الى يومنا هذا على مشروعية التعزير في العقوبات زيادة على الحدود والقصاص.

ويشهد لذلك العقل السليم الذي لا ينكر العقوبات التعزيرية ويعتبرها ضرورة حتمية لتأديب أصحاب المعاصي والفجور من جهة، وإصلاحهم وإصلاح باقي أفراد المجتمع من جهة أخرى، وزجرهم جميعا عن كل ما يخالف شرع الله حتى تنتهي الجريمة وتقل الرذيلة ويحل مكانهما الأمن والفضيلة ويكون الناس عباد الله إخوانا آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

2. موقع التعزير في نظام العقوبات:

إذا نظرنا إلى موقع التعزير في نظام العقوبات نظرة موضوعية فلا تكتمل الصورة ما لم نسلط الضوء عليه من عدة زوايا .

فمن جهة يعد التعزير عقوبة أصلية في الجرائم التي لا تصل  إلى الحد أو القصاص، كما ينظر اليه بإعتباره عقوبة بديلة في العقوبات التي لا تحل محل العقوبات الأصلية إذا امتنع تطبيق العقوبة لسبب شرعي كأن يدرأ الحد أو القصاص بالشبهة مثلا.

ويعد أيضا من العقوبات ذات الحدين الأعلى والأدنى بالنظر إليه من حيث سلطة القاضي، فيترك له ان يختار من بينهما القدر الذي يراه ملائما للجريمة ومرتكبها، وهذا يعني أن التعزير من العقوبات غير المقدرة فيختار القاضي العقوبة التي يراها كفيلة بتأديب الجاني وإصلاحه فيحمي المجتمع من إجرامه ونفسح المجال أمامه ليميز بين البواعث الشريفة والخبيثة فيأخذ المتهم بالرأفة أو بالشدة حسبما يراه تبعا للظروف والملابسات التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة، ومن هنا تتحقق فكرة الظروف القضائية المخففة أو المشددة التي ينادى بها رجال القانون.

المبحث الثاني
أولا: أنواع العقوبات التعزيرية.


قلنا في أكثر من موضع في هذا البحث أن العقوبات التعزيرية متعددة ومتطورة وتمتاز بالمرونة فنجدها تناسب كل طائفة في المجتمع وكفيلة بردع الجاني حيث تخول للقاضي أن يعزر مرتكب الجريمة بما يراهخ زاجرا له من العودة إليها وهذا لا يمنع جواز الأخذ بعقوبة اخرى لنفس الجريمة ما دامت تحقق منها بين الناس لأن نظام العقوبات لا يختص بقول معين أو فعل معين، ويتسع لكل عقوبة تؤدي إلى إصلاح المجرم وتأديبه ويعتبرها عقوبة شرعية.

ومن هنا يستطيع الحاكم ان يقنن في إطار عام هذه العقوبات ويضعها في مراتب ويقسمها ويضع أمام كل قسم عقوبة رادعة له من ذوات الحدين ويعطي القاضي صلاحية تقدير حال كل مجرم وما يستحق من عقاب في دائرة العقوبة المقررة بحدها الأعلى والأدنى ويجتهد ضمن هذه الدائرة، ومن هنا أحببت أن اشير في هذه الدراسة إلى بعض الجرائم التعزيرية على سبيل المثال التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى فقال :  "المعاصي التي ليس فيها حد مقرر ولا كفارة، كالذي يقبل الصبيان (أي بشهوة) ويقبل المرأة الأجنبية ويباشر بلاجماع، أو يأكل ما لا يحل كالدم والميتة ولحم الخنزير، أو يقذف في الناس بغير الزنا، أو يسرق من غير حرز، أو يسرق شيئا يسيرا أو يخون أمانته، كولاة أموال بين المال، او الوقف، ومال اليتيم ونحو ذلك إذا خانوا، وكالوكلاء والشركاء إذا خانوا او يغش في معاملته كالذين يغشون في الأطعمة والثياب ونحو ذلك أو يطفف المكيال والميزان، أو يشهد الزور او يلقن شهادة الزور، أو يرتشي في حكمة او يحكم بغير ما أنزل الله، أو يعتدي على رعيته أو يتعزى بعزاء الجاهلية، إلى غير ذلك من أنواع المحرمات، فهؤلاء.  يعاقبون تعزيرا وتنكيلا وتأديبا بقدر ما يراه الوالي على حسب كثرة ذلك الذنب في الناس وقلته، فإذا كان كثيرا زاد في العقوبة بخلاف ما إذا كان قليلا، وعلى حسب حال المذنب فإذا كان من المدمنين على الفجور زيد في عقوبته بخلاف المقل من ذلك، وعلى حسب كثرة الذنب وصغره، فيعاقب من يتعرض لنساء الناس وأولادهم بما لا يعاقب به من لم يتعرض إلا لأمرأة واحدة".

لو أمعنا النظر في هذا النص لوجدناه يصور لنا الجرائم التعزيرية تصويرا جيدا، فبعضها معاصي في ذاتها وبعضها معاصي لأنها تؤدي إلى معاصي أكبر منها، وجميعها منهي عنها في الدين والأخلاق.

كما ويمكننا أن نقيس غيرها عليها لأنها غير محصورة ومتقاربة في ذاتها، فإذا كان الشارع الحكيم قد قدر بعض العقوبات لبعض الجرائم، فقد كشف لنا المنهاج الذي يتبع بشكل عام في الجرائم والعقاب المترتب عليها حتى تكون العقوبة مانعة للإجرام، وداعية إلى الأنزجار، وباعثة على الإعتبار، وعلى ضوء الكتاب والسنة يستبط ولي الأمر علاجا للجرائم المتجددة في كل زمان ومكان وهنا نتمثل قول الإمام مالك رضي الله عنه في هذا المقام حيث قال: "يجد الناس من الأقضية بمقدار ما يجد لهم من الأحداث".

إن هذا الباب الذي يضم مختلف هذه الجرائم باب خصب يمد أولياء الأمور بالمرونة الكافية واللازمة لمواجهة مختلف صور الإنحراف التي تصاحب تغيير المجتمعات، فالجرائم التعزيرية تشمل جميع الأفعال التي يرى ولي الأمر تحريمها وفرض عقوبات مناسبة لها، فيجوز لولي الأمر أن يمد القاضي بقائمة من العقوبات المتنوعة ليختار من بينها ما يلائم تلك الأفعال المجرمة مع الأخذ بعين الإعتبار مدى جسامة الجريمة من جهة وخطورة الجاني من جهة أخرى.

1. العقوبات البدنية:

الضرب :  وهو الضرب في غير الحد، وأما الضرب في الحد فيسمى جلدا، وهو من أهم العقوبات المشروعة في جرائم التعزير إن لم يكن أهمها لما فيه من ردع سريع ومباشر للمجرمين الذين اعتادوا الإجرام في المجتمع فينفذ على وجه السرعة دون أن يزج بالمجرم في غياهب السجن مع الذين اتخذوا الإجرام حرفة لهم فيعود إلى أسرته ومجتمعه عنصرا صالحا بمشيئة الله تعالى.

والضرب عقوبة مشروعة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الامة في الحدود والجرائم التعزيرية ودليل ذلك:

- قوله تعالى في سورة النساء :  "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن".
- وقوله سبحانه: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" .
- وقول الله عز وجل: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة" .

أباحت الآية الأولى  للزوج أن يضرب زوجته تأديبا وتعزيرا لها على نشوزها وعدم طاعتها والتعالي عليه، كما اوجبت الآيتان آنفتا الذكر الجلد عقوبة أصلية في جريمتي الزنا وقذف المحصنات المؤمنات، ومن المعروف أن التعزير على مقدمات الزنا كالخلوة والتقبيل يكون بالجلد دون أن يصل إلى كمال الحد.  فإن تمت الجريمة وجب الحد فيها.  كما أن الضرب ثابت بالسنة وإجماع الأمة فقد مر معنا قول النبي صلى الله عليه وسلم  "لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله".

فثبت في هذا الحديث الجلد تعزيرا في غير الحدود على أن لا يتجاوز الضرب عشر جلدات إلا في الحدود المنصوص عليها.

وأما بالنسبة لأقل  الجلد في الجرائم التعزيرية فهو ثلاث جلدات ويختلف بإختلاف الأشخاص فلا معنى لتعزيره مع حصول المقصود بدونه فيكون مفوضا إلى رأي القاضي يقدر ما يرى المصلحة فيه ويستحب أن يشهد هذا التعزير طائفة من المسلمين أقلها أربعة وهو العدد المعتبر في جريمة الزنا، لما في ذلك من فوائد جمة تعود على المجتمع بالنفع والفائدة.

وأما بالنسبة لكيفية الضرب فقد فصلها الفقهاء في مواقع عدة نذكر منها ما جاء في حد الزنا حتى لا يظن ظان أنها قائمة على الظلم والإنتقام والنيل من المجرم، لأنه بأمر من الإمام وحضرته، فالثابت فيه أن  (يأمر الإمام بضربه بسوط لا ثمرة فيه ضربا متوسطا لانه ورد عن علي رضي الله عنه عندما أراد أن يقيم الحد كسر ثمرته، والمتوسط بين المبرح وغير المؤلم لإفضاء الأولى الى الهلاك وخلو الثانية من المقصود وهو الإنزجار، وتنزع ثيابه عنه دون الإزار لأن علياً كان يأمر بالتجريد في الحدود ولأن التجريد أبلغ في ايصال الألم إليه، وهذا الحد مبناه على الشدة في الضرب، وفي نزع الإزار كشف العورة فيتوقاه، ويفرق الضرب على أعضائه، لأن الجميع في عضو واحد يفضي إلى التلف، والحد زاجرا لا متلف، إلا راس وفرج لأن الفرج مقتل، والرأس مجمع الحواس، وكذا الوجه وهو مجمع المحاسن، فلا يؤمن فوات شيء منها بالضرب، وذلك أهلاك معنى فلا يشرع حدا.

ويضرب في الحدود – وكذا في التعزير – قائما غير ممدود لقول علي رضي الله عنه:  يضرب الرجال في الحد قياما والنساء قعودا لأن مبنى إقامة الحد على التشهير والقيام أبلغ فيه، فإن امتنع الرجل ولم يقف ويصبر فلا بأس بربطه على اسطوانه او يمسك على سارية ونحوها، ولا ينزع عن المراة ثيابها إلا الفرو والحشو لأن في تجريدها كشف للعورة والفرو والحشو يمننعان وصول الألم الى المضروب والستر حاصل بدونهما فينزعان وتضرب جالسة لأنه أستر لها).

هذا وقد أجمعت الأمة على مشروعية الضرب (الجلد) في الحدود والعقوبات التعزيرية منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم الى عصرنا هذا على أن لا يتجاوز الضرب عشر جلدات ومن تجاوزها كان من المعتدين إلا في الحدود المنصوص عليها.
2. العقوبات القائمة على الترغيب الترهيب:

ومنها الوعظ والهجر على ما بيناه سابقا كما ثبت عن بعض الصحابة أنهم عاقبوا بالهجر والتغريب ولعل في ذلك ما لا يخفي من الناحية النفسية للمجرم عندما يهجره الناس فيندم ويعود عن معصيته، وما أجمل قول شيخ الإسلام إبن تيمية  حيث يقول في هذا المقام: "ليس لأقل التعزير حد بل هو بكل ما فيه إيلام الإنسان من قول وفعل وترك قول وترك فعل، فقد يعزر الرجل بوعظه وتوبيخه والإغلاظ له.  ويعزره بهجره وترك السلام عليه حتى يتوب إذا كان ذلك هو المصلحة كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا كما أن التوبيخ من هذه العقوبات ويسميه الفقهاء  بالقهر والإستخفاف بالكلام على أن لا يكون فيه سب ولا قذف، وهو ثابت في السنة ، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال:  ساببت رجلا فعيرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر أعيرته بأمه أنك أمرؤ فيك جاهلية".

وخاصم عبد الرحمن بن عوف عبداً من عامة الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب عبد الرحمن وسب العبد قائلا:  "يا أبن السوداء" فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد الغضب ورفع يده قائلا: "ليس لأبن بيضاء على أبن سوداء سلطان إلا بالحق"  فاستحى عبد الرحمن وخجل ووضع خده على التراب ثم قال للعبد طاء عليه حتى ترضى.

هذا ويعتبر التهديد والتشهير من أبرز هذه العقوبات التي يلجأ إليها القاضي حين يلمس ندم المجرم بين يديه وإعلان التوبة حيث أفلح معه النصح والإرشاد فيهدده إن فعل ذلك مرة أخرى وأن عليه كذا وكذا من الحبس أو الطرد أو الضرب، كما يلجا القاضي أحيانا إلى تأجيل العقوبة الصادرة بحق بعض المجرمين ليعلنوا توبتهم ويعودوا إلى الأمانة وحسن السيرة وكثيرا ما تفلح هذه مع الذين ينقصون الكيل والميزان والعديد من الذين يعمدون في أعمالهم على ثقة الناس بهم فيكشف اخبارهم وصورهم في وسائل الإعلام. 

3- العقوبات السالبة للحرية (الحبس):

الحبس عقوبة رادعة تخيف المجرم بإعتباره سالبا لحريته ومقيدا لها ويهدف إلى التحفظ على الجاني أو المتهم بالجريمة لحين عرضه على القضاء فإن ثبتت جريمته يحبس تعزيرا بقدر المدة التي يحددها القاضي وبعكس ذلك يخلي سبيله .

والسجن ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة فقصة سيدنا يوسف عليه السلام معروفة للجميع، وكان السجن في عهده صلى الله عليه وسلم في البيت او المسجد ثم أشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه دارا للسجن من صفوان بن أمية ثم أنشئت السجون وتطورت بإتساع الدولة الإسلامية، وتعد هذه الأيام دورا للرعاية والإصلاح والتوجيه، ولا يلجأ القاضي اليه ما لم يعلم أنه يؤدي غالبا إلى إصلاح الجاني وتأديبه والحفاظ على حياته قبل أن ينظر الحاكم في قضيته.  فالحبس في هذه الحالات يعتبر عقوبة تعزيرية للمجرم.  كما يمكن أن يكون حبسا احتياطيا ويسميه الفقهاء حبس مجهول الحال  وهو إجراء تحفظي يتخذ قبل ان تثبت إدانة المتهم ويلجأ إليه القاضي احتياطا اثناء التحقيق لمنع المتهم من الهروب أو التأثير على مجرى التحقيق وهكذا تتم معاملة المتهم معاملة تختلف عن المحكوم عليه وإذا ثبتت الجريمة على المتهم فإنه يحبس مدة محددة تتناسب مع جريمته.

وأما الذين اعتادوا الإجرام وقطع الطريق وتكررت منهم الجرائم الخطرة بحق الفرد والمجتمع فيظل محبوسا حتى يعلن توبته ويصلح حاله ويحكمه القاضي بأبعد مدة وأطولها واجاز الفقهاء حبسه حتى الموت وهذا ما يسمى بالقانون الحبس مدى الحياة، وتطمئن النفس في هذه الأيام بأن القائمين على دور الرعاية والتأهيل للسجون على علم ودراية وبعد نظر وتجربة تحول من الظلم وتعطي من الحوافز ما يصلح نفسية السجين وتبني فيه حب الخير وترك المنكرات وتشجع فيه البر والإحسان والتقوى والكثير منهم يعود عن غيه ويرجع عنصرا نافعا لأسرته ومجتمعه وبلده.

4- تعزير بالعقوبات المالية:

والتعزير بهذا النوع مشروع ما دام تحت إشراف القاضي ونظره حيث تعالج هذه فئة معينة من المذنبين الذين يستدرجون إلى الجريمة دون أن توجد لديهم ميول إجرامية فتوقع عليهم هذه العقوبة بدلا من السجن إذا ما خير القاضي بين العقوبتين.

فهناك العديد من المخالفات البسيطة لدى أرباب العمل والصناع وغيرهم ممن يرتكبون الجرائم البسيطة فيترتب على مخالفتهم هذه الغرامة المالية المحددة عند القاضي بحدين فلا يخشى من العمل بهذه العقوبة من تسلط الحكام على أموال الناس بالباطل.

ويشهد لهذه العقوبة الكتاب والسنة، فنشير إلى ما يؤكد مثل هذه العقوبات التعزيرية ، كهدمة صلى الله عليه وسلم لمجسد الضرار وقطع نخيل اليهود في خيبر إغاظة لهم، وجواز إتلاف الأصنام المعبودة وتكسيرها، وتحريق سيدنا موسى عليه السلام للعجل وإلقاء برادته في اليم (وكان من الذهب) وأمره صلى الله عليه وسلم بكسر دنان الخمر وتحريق متاع الغال الذي يأخذ من أموال الغنيمة قبل تقسيمها كما يشهد لذلك أفعال الصحابة رضوان الله عنهم فحرق عمر وعلي المكان الذي يباع فيه الخمر، كما أراق عمر اللبن المغشوش تأديبا لصاحبه وتعزيرا له.

ويتبع هذه العقوبة أيضا مضاعفة الغرامة على سارق الضالة، كما هو معروف عند الفقهاء ويقابل ذلك الغرامات المالية المضاعفة في المخالفات المفروضة على أهل السوق من قبل المراقبين له من رجال البلديات كما يجوز أيضا مصادرة المال وتمليكه للغير حيث أباح النبي صلى الله عليه وسلم سلب الذي يصطاد في حرم المدينة وجعله لمن وجده، فيجوز مصادرة المواد المحتكرة والمغشوشة لدى التجار عقوبة لهم على فعلهم هذا، ولا يخشى كما أسلفنا من الظلم والفساد ما دام ذلك بأمر الحاكم وإشراف القاضي وطالما هي لبيت المال وتودع في الخزينة العامة للدولة، فقد روي أن عمر بن الخطاب صادر نصف مال عمرو بن العاص والي مصر عندما وجد أن ماله قد زاد بشكل ملحوظ أثناء ولايته فطبق عليه القانون المعروف "من أين لك هذا".

5- وهناك العديد من العقوبات التعزيرية  نشير اليها في هذا المقام لما فيها من الفائدة:
فقد يلجأ اليها بعض القضاة إذا وجدوها مناسبة للجرائم التي بين أيديهم، فنذكر منها على سبيل المثال:  عقوبة العزل من الوظيفة، وحرمان المجرم من بعض الحقوق المقررة له شرعا، وإزالة أثار الجريمة بحرقها أو هدمها، وهدم البيوت التي تدار للفسق والفجور، والضرب للنائحة والمغنية والراقصة وحلق الرأس والجمع بين أكثر من عقوبة ردعا للمجرم، ولا يفوتنا أن نشير في هذا المقام إلى العديد من القوانين التي تأخذ بعقوبة الإعدام على الجرائم الخطيرة في المجتمع كجرائم أمن الدولة والتجسس لصالح العدو وتجارة المخدرات ونحوها، وإعتقد أنه لا يوجد ما يمنع من هذه العقوبة كجريمة تعزيرية على الجرائم الخطرة طالما كانت تحت إشراف ولي الأمر ومراقبتة حتى لا يعبث ضعاف النفوس بأرواح الناس.

ثانيا:  خصائص العقوبات التعزيرية


لا يخفي على أحد أن أي عقوبة تؤدي إلى المنع او التأديب أو الإصلاح وتهدف إلى حماية المجتمع هي عقوبة مشروعة وهذا لا يعني أبدا أن نظام التعزير لا يقبل غيرها من العقوبات لأن التعزير من العقوبات غير المقدرة بل فيه من المرونة ما يقبل أي عقوبة رادعة تمنع الجريمة أو تسد بابها او تخفف منه . فالتقييد بعقوبات معينة يمنع العقوبة أن تؤدي وظيفتها ويجعلها غير عادلة في كثير من الأحيان نظرا لاختلاف البيئة والجريمة والمجرم في العصر والمصر كما أنه يلغي المرونة في العقوبات التعزيرية ويحد من سلطة القاضي في هذا المقام فالكلمة أو النظرة أو النصحية قد تصلح مجرما وتساهم بإعادته عنصرا فاعلا في المجتمع عند بعض المجرمين ولكنها في الوقت نفسه لا تحرك ضمير ووجدان ومشاعر الخير عند مجرم آخر ارتكب نفس الجريمة فيحكمة القاضي بالجلد او الحبس او الغرامة. كما تمتاز هذه العقوبات التعزيرية بأنها تستند إلى مصادر شرعية كالكتاب او السنة او اجماع الأمة وهي في الوقت نفسه مستندة إلى نص قانوني من ولي الأمر في الإطار الشرعي الذي يحدد اختصاصاته وصلاحياته، ومن هنا نستطيع القول أنها تتسم بالشرعية أيضا، فلنلمس فيها العدالة وتسعى إلى تحقيقها بتطبيقها على جميع الأفراد فيتحقق مبدأ المساواة في المعاملة فالعدالة والمساواة قيم اخلاقية في ضمير المجتمع وسمة فطرت عليها الإنسانية وهي قائمة في ضمير كل إنسان حتى لو كان مجرما، ولعل تطبيق العقوبة على شخص مرتكبها بإعتباره مجرما أو مذنبا دون أن يتعداه إلى والديه أو أحد افراد اسرته أو اقاربه كما تفعل العديد من القوانين الوضعية للضغط والإكراه على الجاني يعتبر قمة العدالة الشرعية في هذه العقوبات، كيف لا وهي تنزيل من عزير حميد؟!
 
المبحث الثالث

1. سلطة القاضي في العقوبات التعزيرية:

إن الباحث المنصف الذي جمع إلى سعة المعرفة صفاء النية وبعد تفهمة لما جاء في باب التعزير يلمس بوضوح تام أن سلطة القاضي في تحديد وإقامة العقوبات التعزيرية ليست سلطة تحكمية لأنها بإشراف ولي الامر، وإنما هي سلطة موسعة يتمتع بها ليتمكن من مواكبة التطور بمواجهة صور الإنحراف الذي تستحدث تبعا له.  ليستطيع من خلالها علاج المجرم والجريمة وفق الإطار الذي رسمته الشريعة وسارت عليه القوانين بأمر من الحاكم للدولة، فلا يجوز للقاضي أن يتعداه لأن سلطته مقيدة وليست مطلقة لأنها سلطة اختيار وتقدير لا سلطة تحكم واستعلاء حيث تهدف إلى تقدير خطورة الجريمة والمجرم واختيار العقوبة الرادعة والمناسبة للجريمة، وهي كفيلة لتحقيق العدالة ورفع الظلم  ، ولا عجب إذن أن نقول: بأن المرونة وصلاحية القاضي في نظام التعزير يعدان من أهم الروافد للتشريع الجنائي المتطور، كيف لا وهما يستندان إلى مصادر شرعية ثابتة بالكتاب والسنة ومنوطان بالمصلحة العامة ومصالحها المعتبرة التي تسعى لحفظ "الدين والعقل والنفس والمال والولد" كما أسلفنا، ويشهد لذلك قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" .

فأوجب الله علينا في هذه الآية طاعته سبحانه وتعالى بإتباع أوامره واجتناب نواهية، كما أوجب علينا ايضا طاعة رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بإتباع ما أمر واجتناب ما نهي عنه وزجر وهذا واضح في سنته، وطاعته واجبة استقلالا ثم عطف الله سبحانه على طاعته وطاعة رسوله و طاعة أولي الأمر كالأمراء والعلماء والحكام والقضاة ولكن لم تجب طاعتهم استقلال بل جاءت معطوفة ومقيدة لطاعة الله وطاعة رسوله لأنه لا طاعة لمخلوق في معيصية الخالق.

وإن المتأمل لقوله تعالى مخاطبًا سيدنا داود عليه السلام بقوله:  "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضللك عن سبيل الله"  يلمس بوضوح تام أمره سبحانه لسيدنا داود عليه السلام بصفته حاكم بأن يحكم بين الناس بالعدل الذي هو حكم الله تعالى في عباده ويحذره في الوقت نفسه أن يتبع في حكمة هوى النفس، ويبين له ولغيره من الحكام من بعده نتيجة اتباع هوى النفس لأنها تضل صاحبها عن سبيل الله القويم وتؤدي به إلى نار جهنم نتيجة لظلمة النابع من هوى نفسه فهذا الأمر وإن كان لسيدنا داود عليه السلام فهو لكل إنسان ولي أمر من شؤون المسلمين فهو مطالب بتطبيق شرع الله فيهم ومنهي عن إتباع هوى النفس لأن الفارق بين حكم القرآن وجور السلطان هو العدل والهوى، فالعدل هو حكم الله، والهوى سواء أكان للحاكم او لمن حوله من بطانة السوء هو الظلم الجائر والعياذ بالله من الظلم والظالمين والقضاة مقيدة وليست مطلقة، فعن نافع عن إبن عمر رضي الله عنهما قال:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإن امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".

وهكذا فهم السلف الصالح من هذه الأمة، وأجمعت الأمة من بعدهم على هذا بأن السلطة منوطة بالمصلحة العامة التي لا تخالف نصا من نصوص الشرع وتكون ملائمة للشريعة وتتجه إلى حفظ الضروريات الخمس وبما يحقق غايات الإسلام الكبرى وتكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين وليس من المصلحة في شيء مخالفة أحكام شرع الله ابدا لأن هذا إتباع لهوى النفس، فهذا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد إختياره خليفة للمسلمين يقول لهم: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".

حيث جعل طاعته مشروطة بطاعة الله عز وجل فإن عمل في حدود ما أنزل الله وجبت طاعته، وإن تجاوز هذه الحدود فلا سمع ولا طاعة.

وجميعنا يعرف قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر يطلب من رعيته السمع والطاعة فقال له اعرابي: لا سمع ولا طاعة، فوسعه حلمة واستفسر منه عن السبب فأجابة الأعرابي ولما تبين له وجه العدالة فيما فعل عمر، قال الأعرابي الآن سمعنا  وأطعنا والقصة معروفة للجميع.

ونختم هذا بقوله صلى الله عليه وسلم  "من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني" لتأكيد صحة ما سلف من القول من جهة وليعلم الجميع طريقة الفهم والعمل والتطبيق من الصحابة رضوان الله عنهم وبعد نظرهم وإعمال عقولهم وإن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلىالله عليه وسلم :  بعث سرية وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا بلى قال:  عزمت عليكم ألا جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها فجمعوا حطبا فأوقدوها، فلما هموا بالدخول فقام ينظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: إنما تبعنا النبي صلى اللهعليه وسلم  فرارا من النار، أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذا خمدت النار وسكن غضبه فذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:  "لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا إنما الطاعة في المعروف".

فيتضح من هذه أن طاعة العلماء والأمراء والقضاة وإن كانت واجبة علينا إلا أنها مقيدة في غير معصية الله لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.  وإن هذه الطاعة لها ضوابط تنتهي اليها.  وكذلك الأمر فإن سلطة القاضي مقيدة وليست مطلقة ولها حدود تنتهي إليها وضوابط لا يمكنه الخروج عنها.

وإن المتمعن بالمادة رقم (221) من قانون العقوبات المعمول به في الإمارات العربية المتحدة حيث تقول المادة : "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين أو الغرامة التي لا تجاوز عشرة آلاف درهم من أعطى بيانا كاذبا عن محل إقامته وكذلك من انتحل إسما غير اسمه في تحقيق قضائي او إداري"  يلمس بوضوح تام صحة ما ذهبنا اليه، فالقاضي لا يجوز له أن يزيد في حكمه على المجرم بأكثر من سنتين أو عشرة آلاف درهم أو الجمع بينهما.

ولكن يحق للقاضي أن يحكم بالسجن سنة واحدة على بعض الجناة أو سنة ونصف أو نصف سنة دون أن يتجاوز السنتين في حكمه، كما يحق له ان يفرض غرامة مالية تتراوح بين الدرهم والعشرة آلاف درهم، فقد يحكم بالألف أو الثلاثة أو الخمسة او التسعة وما بينها دون ان يتجاوز العشرة آلاف، وهذا كله راجع إلى اجتهاده وتقديره لظروف الجريمة والمجرم، ومن هنا يتضح معنى قولنا إن سلطة القاضي مقيدة وليست مطلقة، وإنها سلطة إختيار وتقدير، ولا نلمس فيها التحكم والإستعلاء لأنها منوطة بالمصلحة العامة للمجتمع وبعيده كل البعد عن الظلم او هوى النفس.

ثانيا:  مسقطات العقوبات التعزيرية:


يعتبر التعزير عقوبة مستقلة كغيرة من العقوبات الشرعية ولقى من العناية والاهتمام ما لقيته سائر العقوبات كعقوبات الحدود والجنايات والقصاص على النفس والأطراف فقد يحيط بالجرائم التعزيرية من الظروف ما لم يحيط بجرائم الحدود والقصاص مما يقتضي التخفيف او التشديد او العفو، حتى أنها تسقط أحيانا بعد ثبوتها حيث ترك صلاحية تقدير العقوبة حسب ظروف الجريمة وطبيعة الجاني فقد يكتفي القاضي بقوله للجاني بعد جلبه إلى مجلس القضاء:  بلغني عنك كذا وكذا، وقد يجد من المصلحة العفو عنه فظروف الجناية متعددة ولا ينظر إليها من زاوية واحدة بل لا بد من الإحاطة بجميع ظروفها.  وإن من الفائدة بمكان ان نشير إلى أهم الحالات التي تسقط فيها عقوبة التعزير  ولا يخشى أبدا ان تفوت حقوق الناس أو يستشري الظلم في المجتمع لأن هذه المرونة في التطبيق تكون بيد قاض "عدل" يفترض فيه ان لا يتجاوز شرع الله تعالى وأن ينظر إلى مصلحة الفرد والجماعة ويوفق بينهما ما إستطاع إلى ذلك سبيلا، وإن لم يفعل فلا ننسى أبدا أن سلطته مقيدة وليست مطلقة، وأن سلطة الحاكم أو ولي الأمر فوق سلطته، ومن هنا لا يتصور ابدا أن تتهم العقوبات التعزيرية بأنها ربما تقوم على هوى القاضي فيعرض أموال وحياة الناس إلى الخطر إذا اصدر حكما بالقتل (الإعدام) على بعض الجرائم الخطيرة كالجاسوسية وترويج المخدرات وجرائم امن الدولة أو أمر بمصادرة اموال بعض الناس في القليل من الجرائم.

ومن المفيد في هذا المقام أن نختم بذكر بعض الحالات التي تسقط فيها عقوبة التعزير، فإذا فات المحل في العقوبة التعزيرية بهلاك الجاني مثلا أو زوال المنكر أو أداة الجريمة فلا يتصور عندها تنفيذ العقوبة.  كما أن توبة الجاني وإنابته إلى ربه قبل أن يقدر عليه الحاكم بحيث يظهر بين الناس ويشهد الجماعة قبل ان ينكشف امره ويقدر عليه الحاكم فإن توبته مقبولة في الأمور المتعلقة بحقوق الله سبحانه وتعالى خلافا لحقوق العباد، وأما إذا عفا المجني عليه عن الجاني فتسقط العقوبة التعزيرية ويبقى للقاضي ان يوقع عليه عقوبة الحق العام لما فيها من مصلحة عامة للجماعة.

كما أن الهنات والسقطات من ذوي الهيئات والمروءات تقال عنهم ولا يعاقبون عليها لقولة صلى الله عليه وسلم  : "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود"، وذوي الهيئات في هذا المقام عند الفقهاء   هم أصحاب الصغائر دون الكبائر والذين لا يعرفون بالشر فإذا زل احدهم في زلة تركها ولا يعود إليها أبدا، وقيل عنهم بأنهم الذين إذا وقع منهم الذنب تابوا وأنابوا إلى الله تعالى.  وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصار خير فقال :  "أقبلوا على محسنهم وتجاوزا عن مسيئهم".

وأخيرا، فإن الجهل بالأحكام الشرعية ومثلها الجهل بأحكام القانون يسقط العقوبة التعزيرية وفق أحكام وقواعد خاصة بينها الفقهاء وحددها القانون كا أن مرور فترة زمنية معينة   على الحكم بالعقوبة دون تنفيذها (وهو ما يسمى بالتقادم) يمنع تنفيذ العقوبة إذا وجد الحاكم أن في ذلك مصلحة لاستقرار التعامل بين الناس واحترام إرادتهم ورغباتهم.

هذا وقد لفت فقهاء الشريعة الإسلامية  النظر الى سقوط العقوبة حتى وإن كانت حدا او قصاصا عن الأصل بالنسبة لفرعه كالأب والجد لأنه ليس من الإحترام والتقدير لهما أن يكونا موضعا للتعزير بسبب ابنهما.

وبعد فهذه اهم مسقطات العقوبات التعزيرية ولا تنسى أولا وأخيرا أن للقاضي في هذه العقوبات سلطة شرعية يلجأ إليها وينفذها ما دام هناك مصلحة عامة للمجتمع، فهناك العدد من الدول الإسلامية التي منحت فرصة للمحكوم عليهم بجرائم تعزيرية وغيرها بالإفراج عنهم إذا حفظوا القرآن الكريم وتركوا الإشراف والتنظيم لهذه الكيفية للقضاء واصحاب الرأي في هذا المجال، واستفاد العديد من نزلاء السجون من هذه الفرصة وعادوا إلى أسرهم ومجتمعهم عناصر نافعة تساهم في رفع بناء المجتمع.











النتائج والتوصيات:

لقد تطرق البحث إلى العديد من الأحكام المتعلقة بالجرائم التعزيرية وتجلت فيه بوضوح تام مرونة العقوبات التعزيرية لتسع جميع الجرائم المتجددة في كل زمان ومكان وإنها مستندة في ذلك إلى سند شرعي من الكتاب والسنة وإجماع الأمة (أو نص قانوني).

كما لمسنا دور القاضي في إقامة هذه العقوبات لأنه في الحقيقة يتمتع بسلطة واسعة في هذا المجال ولكنها مقيدة بأحكام الشريعة.

كما تطرق البحث إلى مشروعية التعزير في الكتاب والسنة والحالات التي تسقط فيها . 

العقوبة الشرعية، وأشار الى العديد من الجرائم التعزيرية والعقوبات الخاصة بها، وسنجمل فيما يلي أهم النتائج والتوصيات التي توصلت اليها هذه الدراسة وأوصى الباحث بضرورة تطبيقها والعمل بها.

1. ضرورة تطبيق شرع الله تعالى في جميع مناحي الحياة وخاصة في مجال العقوبات الشرعية لردع المجرمين والقضاء على الجريمة فنظام العقوبات يستند إلى دليل شرعي من الكتاب والسنة او نص قانوني من ولي الأمر.
2. جاءت العقوبات التعزيرية لمعالجة الجرائم التي لا تندرج تحت قائمة الحدود والقصاص، فلا يمكن دراستها بمعزل عن مسقطات الحدود والقصاص، فكلما سقط الحد أو تعذر استيفاء القصاص انتقل الامر الى التعزير وهو متروك لولي الأمر ويراعي فيه مصلحة المجتمع.
3. يجوز تقنين العقوبات الشرعية في قواعد ومواد قانونية (دون حصرها) ليسهل الرجوع إلى الجريمة وعقوبتها وفق ضوابط شرعية وقانونية تنتهي إليها إذ لا يوجد في نصوص الشريعة ما يمنع ذلك.
4. سلطة القاضي ليست سلطة تحكمية وإنما هي سلطة موسعة أعطيها ليتمكن من مواكبة التطور بمواجهة صور الإنحراف التي تستحدث تبعا له، ومن هنا فهناك دور كبير للإمام بتقديم الجرائم التعزيرية ودور هام للقاضي بتنفيذ تلك العقوبات على المجرم وهدفهم جميعا المصلحة العامة للمجتمع.
5. لا يتصور الظلم من القاضي وتعريضه أرواح واموال الناس للخطر لأن سلطته في هذا المقام قائمة على العدل وإصلاح المجتمع ومنوطة بسلطة الإمام ومرتبطة بالمصلحة العامة للمجتمع.
6. سلطة القاضي مقيدة وليست مطلقة فهي سلطة اختيار وتقدير لا سلطة تحكم واستعلاء.
7. إذا كان القاضي مجتهدا او عالما بأصول الشريعة فيجب عليه ان يضع لكل جريمة ما يناسبها من العقوبة ويتناسب مع الضرر الناشئ عنها مع مراعاة ظروف الجريمة والمجرم.
8. المرونة وصلاحية القاضي يعدان من أهم الروافد للتشريع الجنائي الإسلامي المتطور ويحققان فكرة الظروف القضائية المخففة والمشددة التي ينادي بها رجال القانون.
 
المراجـع


1. القرآن الكريم.
2. البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل – صحيح البخاري – دار الإفتاء الرياض.
3. ابن تيمية، أحمد، السياسة الشرعية دار الكتاب العربي 1951.
4. أبن كثير: إسماعيل بن كثير، تفسير أبن كثير – دار الفكر الرياض.
5. ابن عابدين، محمد أمين، حاشية أبن عابدين – بيروت دار الفكر.
6. أبن المنظور: لسان العرب، دار الفكر.
7. أبو حسان، محمد، أحكام الجريمة العقوبة في الشريعة الإسلامية، مكتبة المنار 1978.
8. أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن ابو داود، دار الفكر.
9. أبو زهرة، محمد العقوبة والجريمة في الفقة الإسلامي دار الفكر.
10. البهنسي، أحمد فتحي، التعزير في الإسلام مؤسسة الخليج العربي 1988.
11. الترمذي، أبو عيسى بن محمد سنن الترمذي دار الفكر 1978.
12. الحطاب محدم بن عبد الرحمن، مواهب الجليل بيروت 1978.
13. خضر، عبد الفتاح، التعزير والإتجاهات الجنائية المعاصرة، مطابع الإشعاع الرياض 1399هـ.
14. خلاف، عبد الوهاب، أصول الفقه الطبعة التاسعة 1970.
15. الزيلعي:  فخر الدين بن عثمان، تبيين الحقائق دار المعرفة بيروت.
16. السيوطي:  جلال الدين، الأشباه والنظائر دار الكتب 1979.
17. الشافعي، محمد بن إدريس، الأم، دار الفكر 1983.
18. شلبي: محمد مصطفى، المدخل في التعريف بالفقة الإسلامي.
19. الشيرازي، إبراهيم بن علي، المهذب دار الفكر بيروت.
20. الشوكاني، محمد بن علي، تفسير فتح القدير – مطبعة السعادة مصر.
21. عامر عبد العزير، التعزير في الشريعة الإسلامية 1957.
22. عودة، عبد القادر التشريع الجنائي الإسلامي، مؤسسة الرسالة 1081.
23. الكاساني، علاء الدين أبو بكر الصنائع- دار الفكر 1974.
24. الماوردي، علي بن محمد، الأحكام السلطانية المطبعة المحمودية القاهرة.
25. المرغيناني، برهان الدين، الهداية.
26. نجيب، مصطفى أحمد، تفريق القاضي بين الزوجين – الرياض 1988.
نجيب، مصطفى أحمد، فقه العقوبات – عمان 1998.

تعليقات