القائمة الرئيسية

الصفحات



التدابير الاحترازية (دراسة مقارنة)

التدابير الاحترازية (دراسة مقارنة)

التدابير الاحترازية
(دراسة مقارنة)



المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي 
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
المعهد العالي للقضاء
قسم السياسة الشرعية
شعبة الأنظمة





التدابير الاحترازية
((دراسة مقارنة))


بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير

إعداد الطالب:
محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز المهنا.

1423/1424هـ


إشراف:
الأستاذ الدكتور: محمد الحسيني مصيلحي.
الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة


إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد:
فإن من مسؤولية الدول في المجتمعات الإنسانية المحافظة عليها من الانحرافات الاجتماعية والأمنية والفكرية، ومحاولة اجتثاث بذور الشر والفتنة، وتنمية دوافع الخير والصلاح من خلال رسم قواعد ونظم يُربط بها الإنسان تبعده عن مزالق الانحراف والجريمة, وتحفظ المجتمع من مغبة ذلك, ولما كانت الشريعة الإسلامية الغراء خاتمة للرسالات السماوية صالحة لكل زمان ومكان فقد جاءت بمبادئ ذلك، ووضعت الأُطر والخطوط العريضة، وتركت العالِم المجتهد يُنزلها في كل مكان وزمان على ما يحقق المصلحة فيها ويوافق مراد الشرع.
وإنَّ من هذه المبادئ التي تحفظ المجتمعات من الانحرافات مبدأ تقرير العقوبة, والتي تزجر الفاعل وتردع غيره، فيتحقق بذلك المقصود، ويتجلى الهدف، إلا أن العقوبة وحدها تقصر في مواضع متعددة عن أداء وظيفتها الاجتماعية، فاحتاجت إلى وجود مبدأ التدابير الاحترازية التي تُعد الوسيلة الثانية للسياسية الجنائية في مكافحة الإجرام والانحراف.
وقد اهتم المنظم في المملكة العربية السعودية بهذا المبدأ حفظاً للمجتمع ودرءاً للجريمة، إلا أنَّ هذا الاهتمام جاء على شكل مواد وفقرات في عدة أنظمة دون أن يكون لها نظام مستقل, ولعلي هنا أُشير إلى بعض تلك المواد التي عالجت هذا المبدأ لأوضح مدى اهتمام المنظم بالتدابير الاحترازية وهي كالتالي:
أولاً: المادة (44) من نظام الجمارك الصادر بالموافقة السامية برقم ( 425) وتاريخ 5/3/1372هـ ونصها ( تصادر الآلات التي تُستعمل للتهريب أيَّاً كان نوعها والأسلحة ووسائط النقل بجميع أنواعها، سواء أكانت مملوكة للمهرب أو لغيره، وسواء أكان مالكها على علم بالتهريب أو على غير علم به، وسواء أكان شريكاً فيه بطريق مباشر أو غير مباشر أو غير شريك...)
ثانياً: المادة (11) من النظام الجزائي للتقليد والتزوير الصادر بالمرسوم الملكي رقم (53) وتاريخ 5/11/1382هـ ونصها ( تُحجز وتصادر جميع النقود المزيفة والمقلدة وتسلم إلى مؤسسة النقد ولا يدفع مقابل لها أي تعويض عنها بأي حال من الأحوال).
ثالثاً:المادة (7/4) من نظام مقاطعة إسرائيل الصادر بالمرسوم الملكي رقم (28) وتاريخ 25/6/1382هـ ونصها ( في جميع الأحوال يُحكم بمصادرة الأشياء المضبوطة , كما يحكم بمصادرة وسيلة النقل التي استُعملت في ارتكاب الجريمة إن علم صاحبها بذلك).
وبعد هذا فإنه لما كان من مستلزمات التخرج من المعهد العالي للقضاء في مرحلة الماجستير في قسم السياسة الشرعية قيام الطالب بإعداد بحث تكميلي في إحدى مواضيع السياسة الشرعية، لذا فقد توجهت رغبتي باختيار موضوع (التدابير الاحترازية دراسة مقارنة) موضوعاً لبحثي . 
هذا والله أسأل التوفيق والإخلاص والإعانة.
أهمية الموضوع:
تظهر أهمية موضوع التدابير الاحترازية في كونه أحد الوسائل العقابية التي تؤدي إلى تفعيل دور العقوبة في مجال وقاية المجتمع من الانحراف والإجرام.
وذلك لأن العقوبة وحدها ليست كافية في وقاية المجتمع، إذ يقصُر تأثيرها في مواضع متعددة.
كما تظهر أهمية الموضوع بكونه وسيلة لمنع الطرق والتسهيلات التي يتتبعها الجاني أو المجرم لارتكاب جريمته, وذلك بطرق متعددة كإغلاق المحل أو الحظر من العمل أو أخذ بعض الأدوات التي تستعمل في الجريمة, كما أن التدابير الاحترازية تحقق العلاج للمشاكل الفردية، وذلك من خلال التهذيب والإصلاح, أما في حالة عدم إمكانية العلاج فإنه يتم حماية المجتمع ووقايته من خلال الإبعاد والعزل.

أسباب اختيار الموضوع:

هناك بعض الأمور التي دعتني لاختيار هذا الموضوع, وهي كما يلي:
(1) أهميته التي أظهرت بعضاً منها في السطور السابقة.
(2) احتياج التدابير الاحترازية إلى إظهار استقلالها عن العقوبة.
(3) محاولة جمع شتات المواد التي عالجت التدابير الاحترازية من أنظمة المملكة العربية السعودية ودراستها دراسة مستقلة.
(4) قلة البحوث في هذا الموضوع التي تجمع بين الدراسة الشرعية والنظامية.
(5) محاولة إثراء المكتبة الإسلامية بالمواضيع المقارنة بين الشريعة والنظام.
(6) تشجيع عدد من الأساتذة والباحثين على محاولة تجلية هذا الموضوع من الناحية الشرعية والنظامية.
(7) ما أرجوه من فائدة لي كباحث من خلال الإطلاع على كثير من أنظمة المملكة ومن خلال الإطلاع على ثنايا هذا الموضوع وجوانبه.
إلى غير ذلك من الأسباب التي دعتني إلى اختيار هذا الموضوع.
الدراسات السابقة:
لعلي أُشير هنا إلى أن هناك عدداً من الكتب التي بحثت مسائل العقوبة في النظم أشارت إلى التدابير الاحترازية إشارات مقتضبة سريعة، مما يجعل الباحث في حاجة إلى معرفة تفاصيل الموضوع وجزيئاته.
لذا فقد حاول بعض الباحثين استجلاء هذا الموضوع واستخراج مكنوناته, إلا أنها محاولات قليلة, ومن هذه المحاولات التي أطلعت عليها ما يلي:
(1) كتاب (النظام القانوني للتدابير الاحترازية) للدكتور عمر سالم, إلا أن بحثه جاء مقتصراً على دراسة الموضوع من خلال المقارنة بين النظام المصري والفرنسي, كما أنه لم يتطرق إلى بحث الموضوع من الناحية الشرعية، أو في أنظمة المملكة العربية السعودية.
(2) كتاب (النظرية العامة للعقوبة والتدابير الاحترازية بين الشريعة والقانون) للمستشار عزت حسنين، إلا أنه في بحثه هذا لم يتطرق إلى النظام السعودي، وإنما اقتصر على القانون المصري والفرنسي والإيطالي، ثم إنه لم يتوسع كثيراً في طرق موضوع التدابير الاحترازية من الناحية الشرعية.
وبحثي سوف يتناول الموضوع من خلال أنظمة المملكة العربية السعودية مقارنة بالشريعة الإسلامية.
(3) كتاب (سياسات التدابير الأمنية والدفاع الاجتماعي بكل من المملكة ومصر) للدكتور محمد عزيز سالم, إلا أنه في بحثه لم يُشر إلى التدابير الاحترازية كنظرية ومبدأ إلا بصورة مقتضبة جداً، وإنما توسع في مواضيع عدة بعيدة عن موضوع التدابير الاحترازية, كما أنه لم يقارن بالشريعة الإسلامية.
وبحثي يتناول التدابير الاحترازية من خلال جوانبها المتعددة مع المقارنة بالشريعة الإسلامية.
(4) كتاب (التدابير الاحترازية وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية) وهو بحث تكميلي في معهد الإدارة مُقدم من الطالب عبد الله بن عبد العزيز الماجد، وجاء هذا البحث مقتصراً على الناحية النظامية فقط.
وبحثي سيكون فيه مقارنة النظام السعودي بالشريعة الإسلامية.
(5) كتاب (التدابير الاحترازية، دراسة مقارنة) للدكتور محمد شلال حبيب، والمؤلف لم يذكر في بحثه النظام السعودي وإنما اقتصر على القانون العراقي، ولم يتطرق إلى المقارنة بالشريعة الإسلامية.
(6) كتاب (النظرية العامة للتدابير الاحترازية، دراسة مقارنة)للدكتور عبد الله سليمان سليمان، وهو في بحثه هذا لم يتطرق إلى الشريعة الإسلامية ومدى تناولها لموضوع التدابير الاحترازية، ولم يتطرق أيضاً إلى النظام السعودي.
(7) كتاب (التدابير الاحترازية في الإسلام وأمن المجتمع) للدكتور أحمد عبد الرحمن.
(8) كتاب (التدابير الزجرية والوقائية في التشريع الإسلامي وأسلوب تطبيقها) للدكتور توفيق علي وهبة.
 وقد اقتصر الكتابان على مدى معالجة الشريعة الإسلامية للجريمة قبل وقوعها، ولم يتطرقا إلى المقارنة بين الشريعة والنظام.
كما وجدت عدة مقالات وبحوث في مجلات قانونية إلا أنه يُلاحظ على مجملها ما يلي:
(1) الاقتصار على جانب من جوانب التدابير الاحترازية.
(2) دراسة الموضوع في ضوء نصوص نظام معين.
(3) عدم المقارنة بالشريعة الإسلامية.
وأخيراً لا أزعم أنني تقصيت جميع البحوث والدراسات في الموضوع, وإنما بذلت جهدي حسب طاقتي وقدرتي واللهَ أسأل التوفيق والسداد.
منهج البحث:
يتبين منهجي في هذا البحث بالأمور التالية:
(1) جمع ما ورد في هذا الموضوع حسب الإمكان من النصوص الشرعية وآثار الصحابة وأقوال أهل العلم وما ورد في الأنظمة.
(2) أُرتب موضوعات البحث في فصول, والفصول تتكون من مباحث, والمباحث تتكون من مطالب, والمطالب تتكون من فروع , وقد أذكر توطئة لبعضها.
(3) عند الاستدلال من القرآن أذكر اسم السورة ورقم الآية.
(4) أقوم بتخريج الأحاديث من مصادرها ونقل كلام أهل العلم في الحكم عليها, وبيان درجتها ما لم تكن في الصحيحين أو أحدهما.
(5) عند التعاريف اللغوية أرجع إلى المعاجم والقواميس وأذكر اسم المرجع ورقم الصفحة و المادة.
(6) عند التعاريف الاصطلاحية أذكر كل تعريف منسوباً إلى صاحبه ثم أختار تعريفاً مبيناً أسباب اختياره.
(7) إن نقلت عبارة بنصها أجعلها بين قوسين وأشير في الحاشية إلى اسم الكتاب والقائل, وإن لم أنقل العبارة بنصها لم أجعلها بين قوسين وهذا يكون فيه تصرف، وأشير إليه في الحاشية.
(8)  اعتمدت على كتب الأنظمة السعودية, وقد أنقل من غيرها في الأشياء المتفق عليها.
(9) أقوم بالمقارنة في بحثي بين ما نصت عليه الأنظمة وبين ما جاء بالفقه الإسلامي.
(10) أقوم بترجمة للأعلام وتكون ترجمة مختصرة.
(11) أهتم بعلامات الترقيم واللغة العربية الفصحى والكتابة العربية السليمة.
(12) أختم البحث بخاتمة أبين فيها أهم نتائج البحث، ثم بفهارس للآيات والأحاديث والآثار والأعلام والمراجع والمصادر, ثم أخيراً بفهرس الموضوعات.


تقسيمات البحث:
المقدمة وتتكون من:
(1) أهمية الموضوع.
(2) أسباب اختيار الموضوع.
(3) الدراسات السابقة.
(4) منهج البحث.
(5) تقسيمات البحث.
التمهيد
: وفيه أربعة مباحث:


المبحث الأول
: تعريف التدابير, وفيه ثلاثة مطالب

المطلب الأول
: تعريف التدابير في اللغة.

المطلب الثاني
: تعريف التدابير في الفقه.


المطلب الثالث
: تعريف التدابير في النظام.

المبحث الثاني
: تعريف الاحتراز, وفيه ثلاثة مطالب

المطلب الأول
: تعريف الاحتراز في اللغة.


المطلب الثاني
: تعريف الاحتراز في الفقه.

المطلب الثالث
: تعريف الاحتراز في النظام.

المبحث الثالث
: تعريف التدابير الاحترازية، وفيه مطلبان

المطلب الأول
: تعريف التدابير الاحترازية في الفقه.

المطلب الثاني
: تعريف التدابير الاحترازية في النظام.

المبحث الرابع
: تمييز التدابير الاحترازية عن غيرها, وفيه ثلاثة مطالب

المطلب الأول
: تمييز التدابير الاحترازية عن العقوبة.
المطلب الثاني
: تمييز التدابير الاحترازية عن تدابير الدفاع الاجتماعي.

المطلب الثالث
: تمييز التدابير الاحترازية عن التدابير الوقائية.
الفصل الأول
: شروط التدابير الاحترازية وتقسيماتها, وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول
: شروط إيقاع التدابير الاحترازية, وفيه مطلبان

المطلب الأول
: شروط إيقاع التدابير الاحترازية في الفقة.

المطلب الثاني
: شروط إيقاع التدابير الاحترازية في النظام.

المبحث الثاني
: الجمع بين التدبير الاحترازي والعقوبة, وفيه مطلبان
المطلب الأول
: الجمع بين التدبير الاحترازي والعقوبة في الفقة.

المطلب الثاني
: الجمع بين التدبير الاحترازي والعقوبة في النظام.
المبحث الثالث
: تقسيم التدابير الاحترازية, وفيه ثلاثة مطالب

المطلب الأول
: التدابير الاحترازية السالبة للحرية, وفيه خمسة فروع:
الفرع الأول
: اعتقال المجرمين في مأوى علاجي.

الفرع الثاني
: حظر ممارسة العمل.
الفرع الثالث
: سحب رخصة القيادة.

الفرع الرابع
: المنع من حمل السلاح.

الفرع الخامس
: موقف الفقه من التدابير الاحترازية السالبة للحرية.

المطلب الثاني
: التدابير الاحترازية المقيدة للحرية, وفيه أربعة فروع:

الفرع الأول
: المراقبة.
الفرع الثاني
: المنع من الإقامة.

الفرع الثالث
: الإخراج من البلاد.

الفرع الرابع
: موقف الفقه من التدابير الاحترازية المقيدة للحرية.
المطلب الثالث
: التدابير الاحترازية المادية, وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول 
: المصادرة.

الفرع الثاني
: غلق المحل.
الفرع الثالث
: حل الشخص المعنوي.

الفرع الرابع
: موقف الفقه من التدابير الاحترازية المادية.
الفصل الثاني
: أحكام التدابير الاحترازية, وفيه مبحثان
المبحث الأول
: الأحكام الموضوعية للتدابير الاحترازية, وفيه ثلاثة مطالب
المطلب الأول
: تحديد مدة التدابير الاحترازية, وفيه فرعان
الفرع الأول
: تحديد مدة التدابير الاحترازية في الفقه.
الفرع الثاني
: تحديد مدة التدابير الاحترازية في النظام.
المطلب الثاني
: مدى اعتبار التدبير الاحترازي سابقة عند العود,وفيه فرعان
الفرع الأول
: مدى اعتبار التدبير الاحترازي سابقة عند العود في الفقة
الفرع الثاني
: مدى اعتبار التدبير الاحترازي سابقة عند العود في النظام.
المطلب الثالث
: مدى جواز تعدد التدابير الاحترازية, وفيه فرعان
الفرع الأول
: مدى جواز تعدد التدابير الاحترازية في الفقه.
الفرع الثاني
: مدى جواز تعدد التدابير الاحترازية في النظام
المبحث الثاني
: الأحكام الإجرائية للتدابير الاحترازية, وفيه ثلاثة مطالب
المطلب الأول
: الرقابة على إصدار أحكام التدابير الاحترازية.
المطلب الثاني
: إجراءات صدور الحكم بالتدابير الاحترازية.


المطلب الثالث
: التنفيذ الفوري للتدبير الاحترازي.

الخاتمة

: وتشمل النتائج.

الفهارس
: وتشمل:

فهرس

: الآيات.المصادر والمراجع.

فهرس
: الأحاديث والآثار.


فهرس
: الأعلام.


فهرس
: المصادر والمراجع.

فهرس
: الموضوعات.


أسأل الله تعالى, أن يوفقني وأن يعينني ويسدد خطاي, والحمد لله أولاً وآخراً, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الباحث
 



التمهيد

وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: تعريف التدابير.

المبحث الثاني: تعريف الاحتراز.

المبحث الثالث: تعريف التدابير الاحترازية.

المبحث الرابع: تمييز التدابير الاحترازية عن غيرها. 
المبحث الأول

تعريف التدابير

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: تعريف التدابير في اللغة.

المطلب الثاني: تعريف التدابير في الفقه.

المطلب الثالث: تعريف التدابير في النظام. 

المطلب الأولتعريف التدابير في اللغة


التدابير جمع تدبير، والتدابير من دبَّر الأمر وتدبره، ومعناه نظر في عاقبته، واستدبره: أي رأى في عاقبته ما لم ير في صدره، وعَرَفَ الأمر تدبراً: أي بآخره، والتدبير في الأمر: أن تنظر إلى ما تؤول إليه عاقبته، والتدبر: التفكر فيه، وفلان ما يدري قِبَل أمره من دباره: أي أوله من آخره، ويقال: إن فلاناً لو استقبل من أمره ما استدبره لهُدي لوجهة أمره: أي لو علم في بدء أمره ما علمه في آخره لاسترشد لأمره، والتدبر: أن يتدبر الرجل أمره، ويدبره: أي ينظر في عواقبه، وفي التنـزيل : ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾( ) أي: ألم يفهموا ما خوطبوا به في القرآن؟ وقوله تعالى:﴿أَفَلا يَتَدَبَرُوْنَ القُرْآن﴾( ) أي: أفلا يتفكرون فيعتبروا؟ فالتدبر: هو التفكر والتفهم.( )
وفي تاج العروس من جواهر القاموس: (التدبر: النظر في عاقبة الأمر: أي إلى ما تؤول إليه عاقبته).( ) 


وفي مختار الصحاح: (والتدبير في الأمر: النظر إلى ما تؤول إليه عاقبته، والتدبر: التفكر فيه).( ) 


 
المطلب الثاني
تعريف التدابير في الفقه

التدبير في الاصطلاح الفقهي له معنى خاص، إلا أنه في الحقيقة يؤول إلى المعنى اللغوي. 
وقد ذكر الفقهاء – رحمهم الله – التدبير في معرض كلامهم عن عتق الرقيق، وفيما يلي بعضاً من تعاريف الفقهاء للتدبير: 
(1) (التدبير: عبارة عن العتق الموقع في المملوك بعد موت المالك عن دبر).( )
(2) (التدبير: عتق معلق على الموت على غير الوصية).( )
(3) (التدبير: هو لغة النظر في العواقب، وشرعاً تعليق عتق بالموت، الذي هو دبر الحياة).( ) 
(4) (التدبير: تعليق عتق عبده بموته)( ) أي بموت السيد. 
مما سبق يتبيَّن أن الفقهاء – رحمهم الله – قد اتفقوا على تعريف التدبير في الجملة، وأنه تعليق عتق العبد بموت سيده. 

والمتأمل لتعريف الفقهاء للتدبير، يجد أنه لا يخرج عن تعريف أهل اللغة؛ وذلك أن التدبير في اللغة هو النظر في عاقبة الأمر، فكأن المولى لما نظر في عاقبة أمره، وأَمْرِ عاقبته، أخرج عبده إلى الحرية بعده.( )
وما سبق من تعريف الفقهاء للتدبير ليس هو المقصود في موضوع التدابير الاحترازية.



المطلب الثالث
تعريف التدابير في النظام

كعادة المنظم فإنه لا يصرح بتعريف المصطلحات، لا سيما إذا كانت تلك المصطلحات لم تفرد بنظام مستقل،  وهذا هو شأن التدابير الاحترازية. 
ومن خلال بحثي عن تعريف (التدابير) في النظام لم أجد من أفرده بتعريف مستقل، وإنما وجدت كل من كتب عن مصطلح التدابير الاحترازية فإنه يعرفها مركبة لا مفردة. 
ويمكنني أن أعرف التدابير في النظام بأنها: مجموعة الإجراءات التي تتخذ قبل وقوع أمر محظور، وذلك بالنظر في عاقبة ذلك الأمر. 

 


المبحث الثاني:
تعريف الاحتراز 


وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: تعريف الاحتراز في اللغة.

المطلب الثاني: تعريف الاحتراز في الفقه.

المطلب الثالث: تعريف الاحتراز في النظام.
 
المطلب الأول
تعريف الاحتراز في اللغة

الاحتراز مصدر احترز يحترز احترازاً. 
والحرز: هو الموضع الحصين، يقال: حرز حريز، واحترزت من كذا واحترز منه وتحرز: تحفظ وتوقى، كأنه جعل نفسه في حرز منه.( )
وفي معجم مقاييس اللغة (الحاء والراء والزاء أصل واحد، وهو من الحفظ والتحفظ، يقال: حَرَزْتُه واحترز هو: أي تحفظ).( ). 
فالاحتراز في لغة العرب هو التحفظ، والتوقي. 
 
المطلب الثاني
تعريف الاحتراز في الفقه 

الاحتراز في الاصطلاح الفقهي لم يعرف كمصطلح فقهي مستقل، كباقي المصطلحات الفقهية التي لها حد. 
إلا أنه يوجد مصطلح قريب إلى حد كبير من حيث المبنى، ومطابق من حيث المعنى لكلمة الاحتراز، ألا وهو الحرز أو الإحراز. 
إن استعمال الفقهاء للإحراز لا يخرج عن المعنى اللغوي، المذكور آنفا.ً( )
والإحراز عند جمهور الفقهاء شرط من شروط القطع في السرقة، للمال المملوك. 
ومن تعريفات الفقهاء للحرز، الذي يُحفظ فيه المال، ما يلي: 
(1) (الحِرْز بكسر الحاء المهملة وسكون الراء أي الحفظ).( )
(2) (وحرز كل مال ما حُفظ فيه عادة؛ لأن معنى الحرز: الحفظ، ومنه احترز من كذا، ولم يرد في الشرع بيانه، ولا له عُرف لغوي يتقدر به، كالقبض والتفريق بعد البيع).( )


(3) (الحرز هو المكان الذي لو وُضع فيه ذلك الشيء قصداً، لا يقال إن صاحبه عرَّضه للضياع، فيقطع السارق المخرج له ...).( ) 
مما سبق يتضح أن الحرز هو ما يُحفظ فيه المال، ويتوقى به من السرقة، وعلى ذلك فيكون معنى الاحتراز في الفقه التوقي والتحفظ. 
وهنا نقول إن تعريف الفقهاء للحرز ليس هو المقصود هنا في موضوع التدابير الاحترازية.




المطلب الثالثتعريف الاحتراز في النظام


ما قيل في تعريف التدابير، فإنه ينسحب على مصطلح الاحتراز، من كون هذا المصطلح لم يُعرّف تعريفاً مستقلاً.
وسوف أقوم بتعريف الاحتراز من خلال ما جاء في الاصطلاح اللغوي والفقهي.
فالاحتراز في النظام هو: مجموعة الإجراءات التي من شأنها أن تكون حافظة وواقية من وقوع أمر مخالف في النظام.
 



المبحث الثالث:

تعريف التدابير الاحترازية 

وفيه مطلبان: 

المطلب الأول: تعريف التدابير الاحترازية في الفقه .

المطلب الثاني : تعريف التدابير الاحترازية في النظام. 
المطلب الأول
تعريف التدابير الاحترازية في الفقه 

إذا كانت التدابير الاحترازية ثمرة الأفكار الحديثة لمفهوم نظرية الدفاع الاجتماعي الحديث، فإن فقهاء الشريعة الإسلامية قد تعهدوها بالعناية والبحث بحيث أنتجت جهودهم الفقهية العديدة التي خُصصت لها نظرية مفصلة، واضحة المعالم. 
هذه النظرية هي(التعزير في الشريعة الإسلامية)، وذلك في حقبة من الدهر مرت على كثير من الأمم التي كانت في سبات عميق، وكانت شريعة الغاب هي القانون السائد في هذه الأمم. 
والتعزير في اصطلاح الفقهاء هو تأديب على ذنب لا حد فيه، ولا كفارة، وهو لله ولآدمي.( )
ولا يشترط لإيقاع التعزير فعل معصية، وإنما هذا الضابط للغالب، فقد يوقع التعزير ولا معصية كتأديب طفل وكافر.( )
ويمكن أن تُعرف التدابير الاحترازية في الفقه الإسلامي بأنها: مجموعة من الإجراءات الوقائية التحفظية مما لا حد فيه ولا قصاص، التي وضعتها الشريعة الإسلامية، لمنع الأشخاص الذين تظهر منهم خطورة على أنفسهم أو مجتمعاتهم ، وحماية للمجتمع من وقوع الجريمة. 
يتضح من قولنا: (الإجراءات الوقائية التحفظية مما لا حد فيه ولا قصاص) أننا نخرج بذلك الإجراءات العقابية والإصلاحية؛ لأن محل وقوعهما بعد حدوث الجريمة، بينما الإجراءات الاحترازية تكون لمنع ارتكاب الجريمة.( )
وقولنا: (مما لا حد فيه ولا قصاص) يُفهم منه أن التدابير الاحترازية من قبيل العقوبات التعزيرية، بما يراه الحاكم أو القاضي مناسباً لمنع وقوع الجريمة مما لا حد ولا قصاص فيه. 
 
المطلب الثاني
تعريف التدابير الاحترازية في النظام 

يُعرِّف الدكتور/ محمود نجيب حسني التدابير الاحترازية في النظام بأنها (مجموعة من الإجراءات ، تواجه خطورة إجرامية كامنة في شخصية مرتكب جريمة؛ لتدرأها عن المجتمع). ( )
ويعرفها الدكتور/أحمد عوض بلال بأنها (إجراءات فردية قسرية، لا تتضمن لوماً أخلاقياً، تفرض على أشخاص ثبتت خطورتهم على النظام الاجتماعي، وتهدف إلى القضاء على تلك الخطورة التي تجعل أمراً محتملاً ارتكابهم جرائم في المستقبل).( )
ويوضح هذا التعريف الخصائص الأساسية للتدابير الاحترازية ، في أنها مجموعة من الإجراءات تقتضيها مصلحة المجتمع في مكافحة الإجرام، ومن ثم كان لها طابع الإجبار والقسر، فهي تفرض على من ثبت أنه مصدر خطر على المجتمع. 
كذلك لا يترك الأمر فيها إلى خيار مرتكب الجريمة ولو كانت في ذاتها تدابير علاجية أو أساليب مساعدة اجتماعية يستفيد منها من توقع عليه، ومصدر الإلزام والإجبار أن الهدف الأخير للتدابير هو حماية المجتمع من الإجرام، وليس من المنطق أن يكون تحقيق هذه المصلحة مرتهناً بمشيئة الفرد، وقد لا تلتئم هذه المشيئة مع تلك المصلحة.( )
وفي سبيل حماية المجتمع من الإجرام، تتصدى التدابير الاحترازية للخطورة الإجرامية أيَّاً كان مصدرها، وبصرف النظر عن المسؤولية، الشخصية، سواء تحققت هذه الخطورة عند الأسوياء أو غير الأسوياء، إذ يجوز أن يوقع التدبير الاحترازي على الأشخاص الذين لا يمكن مساءلتهم كالصغار أو مرضى العقول. 
وتتوسع نظرية التدابير الاحترازية في نظرتها لمصادر الخطورة فلا تقصرها على الأشخاص الطبيعية، وإنما تتعدى ذلك إلى الأشياء والأشخاص المعنوية، إذ يصادر الشيء الخطير بذاته أو يتلف أو تغلق المؤسسة، ويعني ذلك أن الركن المعنوي ليس من عناصر الجريمة في مدلول النظرية العامة للتدبير الاحترازي، فهو لا يتناسب مع خطيئة اقترفت، ولا يعبر عن لوم اجتماعي، وإنما هو مجرد وسيلة اجتماعية لدرء خطورة متوقعة الحدوث، ولا يسعى إلى تحقيق الإيلام، إذ أن قصد الإيلام مستبعد، وهو ما يتفق مع غاية التدبير الذي لا يسعى إلى التكفير عن ذنب مضى، وإنما يراد منه التوقي من وقوع جريمة في المستقبل. 
ويتحقق التدبير الاحترازي بطرق مختلفة، منها منع التسهيلات التي تُيسر للجاني طريقة لارتكاب الجريـمـة، كإغـلاق المؤسسة، أو مصادرة الأشياء التي تستخدم في الجريمة، أو بمنعه، أوحظر إقامته في مكان معين. 
وقد تسعى التدابير لتحقيق غايتها أيضاً، بإعطاء الفرد فرصة للعيش بكرامة في المجتمع، وذلك بعلاجه أو تهذيبه، أما في حالة اليأس من إصلاح الجاني، فإن وقاية المجتمع تتطلب اللجوء إلى تدابير عازلة، كالإبعاد أو الاعتقال.( ) 
 
 

المبحث الرابع :
تمييز التدابير الاحترازية عن غيرها، وفيه ثلاثةمطالب: 


المطلب الأول: تمييز التدابير الاحترازية عن العقوبة. 

المطلب الثاني: تمييز التدابير الاحترازية عن تدابير الدفاع الاجتماعي. 

المطلب الثالث: تمييز التدابير الاحترازية عن التدابير الوقائية .  
المطلب الأول 
تمييز التدابير الاحترازية عن العقوبة

ثار الجدل حول وجوه التمييز أو عدمه بين التدابير الاحترازي والعقوبة، ومرد هذا الجدل هو التشابه الكبير في خصائص كل منهما، مما حدا بالبعض إلى تغليب تمسك الجانب الآخر بأوجه الخلاف بينهما مؤكداً على ضرورة التمييز بين النظامين. 
وتبدو خصائصهما المشتركة في خضوعهما لمبدأ الشرعية، والذي بمقتضاه أنه لا عقوبة ولا تدبير احترازي إلا بنص قانوني يحددها، ويحدد حالات إنزالها. 
كما أن التدابير الاحترازية تهدف إلى الوقاية من الجرائم، وذلك بسعيها لتحقيق الردع الخاص للفرد، وهي خاصية مشتركة مع العقوبة، وتطبق التدابير بصفة إلزامية كالعقوبات، إذ هي حق للمجتمع لا يجوز التنازل عنه.( ) 
أما الاختلاف بين التدابير الاحترازية والعقوبة يظهر فيما يلي: 
(1) من حيث نقطة البداية التاريخية لكل منهما: 
فالعقوبة كانت نقطة البداية هي التكفير عن جرم قد وقع في الماضي. 
أما التدابير الاحترازية فكانت نقطة البداية منذ نشأتها هي التوقي من جرم يحتمل أن يحدث مستقبلاً. 
(2) من حيث اختلاف الأسباب القانونية: 
فالعقوبة رد فعل مباشر لمخالفة قاعدة قانونية جنائية، ومن ثم فهى تأكيد للأمر أو للنهي الوارد في القاعدة. 
أما التدابير الاحترازية فتطبق بمناسبة انتهاك أو مخالفة القاعدة الجنائية، بهدف منع وقوع مخالفات في المستقبل. 
(3) من حيث أساس الفكرة لكل منهما:
فالعقوبة قامت على فكرة الخطأ والمسؤولية الأخلاقية لدى الجاني. 
أما التدابير الاحترازية فقد قامت على أساس الخطورة الإجرامية لشخص الجاني، وحق المجتمع في الدفاع عن نفسه. 
(4) من حيث الوظيفة الأساسية لكل منهما:
فالعقوبة وظيفتها الأساسية الردع، وتحقيق المنع العام عن طريق التهديد بتوقيع الجزاء، والمنع الخاص بتوقيع الجزاء على المذنب.
أما التدابير الاحترازية فوظيفتها الوحيدة هي تحقيق المنع الخاص من وقوع الجريمة في المستقبل. 
(5) من حيث اختلاف الموضوع: 
فالعقوبة تؤثر على الجانب النفسي للفرد، ويكون للإيلام النفسي عميق الأثر في تغير شخصية الفرد. 
أما التدابير الاحترازية فتنصب مباشرة على العوامل التي تدفع إلى الجريمة، والإيلام ليس مقصوداً في إيقاع التدابير الاحترازية. 

(6) من حيث وقت تطبيق كل منهما على الفرد:
فالعقوبة توقع بعد الفعل الضار أو الخطر وبسببه. 
أما التدابير الاحترازية فتطبق بعد وقوع الفعل، ولكن ليس بسببه؛ لأن الجريمة هي الظرف الذي بمقتضاه يمكن تطبيق التدبير الاحترازي. 
(7) من حيث المقدار الذي يوقع على الفرد:
فمقدار العقوبة تتناسب بحسب الأصل مع جسامة الجريمة.
 أما في التدابير الاحترازية فتتناسب مع مقدار الخطورة الإجرامية.( ) 
 
المطلب الثاني
تمييز التدابير الاحترازية عن تدابير الدفاع الاجتماعي

كما سبق في تعريف التدابير الاحترازية في النظام ، من كونها توقع على الأشخاص الذين سبق وأن اقترفوا جريمة من الجرائم، ولا زالت تلك الخطورة الإجرامية كامنة في ذواتهم. 
وعلى هذا فيجب التمييز بين التدابير الاحترازية وتدبير الدفاع الاجتماعي، فالأول يُتخذ بعد الجريمة، اتقاء العودة إليها. 
أما تدابير الدفاع الاجتماعي فيتخذ قبل الجريمة، بل وقبل الخطورة الاجتماعية؛ وذلك لمواجهة الظروف الاجتماعية التي قد تؤدي إلى توافر هذه الخطورة، لذلك فإن التدبير الاحترازي فردي بحت، فلا يوجد إلا ضد المحكوم عليه (مرتكب الجريمة)، بخلاف تدبير الدفاع الاجتماعي فإنه قد يكون جماعياً، فيوجد لصالح عدد من الأفراد في إطار السياسة الاجتماعية.( )
 
المطلب الثالث
تمييز التدابير الاحترازية عن التدابير الوقائية 

إنَّ التدابير الوقائية لا يشترط لإيقاعها وجود جريمة سابقة، كما هو الحال في التدابير الاحترازية.
 فالتدابير الاحترازية هي خاصة بالجرائم، كما هو الحال في تلك التدابير التي تتناسب مع الجريمة التي وقعت،مثل مصادرة أدوات الجريمة التي استعملها المجرم في تنفيذ جريمته، أونفيه إلى مكان آخر، وغير ذلك من التدابير التي سأذكرها لاحقاً.
وعلى هذا فإن التدابير الوقائية لا تدخل في منظومة الجرائم والعقوبات، بل تشمل أوسع من ذلك ، فكل تدبير من شأنه منع وقوع أمر خطير على المجتمع فهو من باب التدابير الوقائية. 
ويتضح ذلك جلياً في تلك التدابير التي تتخذ لمنع انتشار مرض خطير، من شأنه أن يكون معدياً. 
وأقرب مثال لذلك ، مرض الالتهاب الرئوي الحاد (سارس)، الذي بدأ بالانتشار منذ سنة تقريباً، فبدأت كافة الدول باتخاذ تدابير وقائية لمنع دخول أو انتشار ذلك المرض، فبعض الدول منعت السفر إلى تلك البلاد التي بُليت بذلك المرض، أما البلاد التي ثبت وجود المرض فيها فقد عزلت المرضى في محاجر صحية؛ لكي لا ينتشر ذلك المرض بصورة أوسع. 
وهذا التـدبـيـر قـد صـرح بـه الـنـبـي ـ صـلـى الله عـلـيـه وسـلـم ـ كـــمـا في حـديــــث عـبـد الله بـن عـامــر بن ربــيـعـة ( )ـ رضي الله عنه ـ
أن عمر( )ـ رضي الله عنه ـ خرج إلى الشام، فلما جاء سَرْغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام، فأخبره عبد الرحمن بن عوف( )ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "إذا سمعتم به بأرض، فلا  تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه" فرجع عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ من سرغ.( )
ولم يقل أحد من العلماء أن هذا المنع من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ . هو تدبير احترازي؛  لأنه سبق أن كيفت التدبير الاحترازي بأنها من قبيل التعزير( )، وهذا التدبير من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما قصد به وقاية المجتمع من الإصابة بهذا الوباء.


الفصل الأول:
شروط التدابير الاحترازية وتقسيماتها، وفيه ثلاثة مباحث:


المبحـث الأول:  شروط إيقاع التدابير الاحترازية.

المبحث الثاني:  الجمع بين التدابير الاحترازي والعقوبة.

المبحث الثالث:  تقسيم التدابير الاحترازية.
 





المبحث الأول:

شروط إيقاع التدابير الاحترازية، وفيه مطلبان:

المطلــب الأول:  شروط إيقاع التدابير الاحترازية في الفقه .

المطلب الثاني:  شروط إيقاع التدابير الاحترازية في النظام .
 
المطلب الأول
  شروط إيقاع التدابير الاحترازية في الفقه 

سبق تكييف التدابير الاحترازية في الفقه على أنها داخلة ضمن التعازير، التي فوضت عقوبتها لولي الأمر؛ وذلك أن الشريعة لم تنص على جرائم التعازير، ولم تحددها بشكل لا يقبل الزيادة والنقصان، كما فعلت في جرائم الحدود وجرائم القصاص والدية، وإنما نصت على ما تراه من هذه الجرائم ضاراً بصفة دائمة بمصلحة الأفراد والجماعة والنظام العام، وتركت لأولي الأمر في الأمة أن يحرموا ما يرون بحسب الظروف أنه ضار بصالح الجماعة أو أمنها أو نظامها، وأن يضعوا قواعد لتنظيم الجماعة وتوجيهها، ويعاقبوا على مخالفتها. 
إن القسم الذي تُرك لأولي الأمر من جرائم التعازير أكبر من القسم الذي نصت عليه الشريعة وحددته، ولكن الشريعة لم تترك لأولي الأمر حرية مطلقة فيما يحلون أو يحرمون، بل أوجبت أن يكون ذلك متفقاً مع نصوص الشريعة ومبادئها العامة وروحها التشريعية.( ) 
لابد من أجل إدخال الفعل أو الترك دائرة تجريم التعزير من أن تتوفر به الشروط التالية: 
1. التزام أحكام الكتاب والسنة، واستخلاص المعاصي التي لا حدود فيها ولا كفارة وإدخالها دائرة الجرائم التعزيرية. 
2. أن يكون الدافع إلى تقنين هذه الجرائم هو حماية المصالح الإسلامية المقررة، وليس حماية الأهواء والشهوات. وضابط التفرقة بين المصلحة العامة للأمة والمصلحة الخاصة للحاكم، هو مقدار الضرر، فالذي يدفع أكبر ضرر وما يجلب أكبر نفع للناس يكون من المصلحة العامة، فإن لم يكن كذلك فهو من قبيل الهوى. 
وعلى الحاكم أن لا يمنع المباحات المقررة إلا إذا ترتب عليها ضرر مؤكد للجماعة، وعليه أن لا يتدخل في الحقوق المكتسبة الثابتة إلا إذا كان الضرر مؤكداً شريطة أن لا يكون الضرر الناتج عن استعمالها أكبر من ضرر الحرمان منها.( )
3. أن يكون الغرض منها التأديب والتهذيب وإزالة الشرور أو تخفيفها، شريطة أن لا يترتب على تقنين هذه الجرائم ضرر مؤكد أو فساد أشد فتكاً بالجماعات، وأن لا يكون الهدف منها الانتقام أو إهانة الكرامة الإنسانية. 
4. أن يكون هناك تناسب بين الجريمة وعقوبتها التعزيرية، وأن تُراعى ظروف الفاعل. 
5. المساواة والعدالة بين الناس، بحيث يكون ضابط التجريم هو نوع الجريمة وظروف الجاني وأحواله، بغض النظر عن لونه أو جنسه أو دينه أو نسبه أو مركزه الاجتماعي.( )

هذا وقد اشترط علماء الفقه القانوني لإنزال التدابير الاحترازية شرطين عامين لكل تدبير، وهما الجريمة السابقة، والخطورة الإجرامية( )، وهذا في حقيقته ليس خارجاً عما ذكره علماء الشريعة، إذ أن القاعدة العامة في الشريعة الإسلامية أن التعزير لا يكون إلا في معصية، أي في فعل محرم لذاته منصوص على تحريمه، ولكن الشريعة تجيز استثناء من هذه القاعدة العامة لولي الأمر أن يتخذ  بعض الأمور التي يراها مناسبة، والتي من شأنها أن تكون ضارة بالمصلحة العامة أو النظام العام ( )، والأفعال والحالات التي تدخل تحت هذا الاستثناء لا يمكن تعيينها ولا حصرها؛ لأنها ليست محرمة لذاتها، وإنما تكون ضارة لوصف فيها، فإذا توفر فيها الوصف فهي ضارة، وإن تخلف عنها الوصف فهي مباحة، والوصف الذي جُعل علة للعقاب هو الإضرار بالمصلحة العامة أو النظام العام.



وعلى هذا فإنه يشترط في التعزير للمصلحة العامة أن ينسب إلى الجاني أحد أمرين: 
1. أنه ارتكب فعلاً يمس المصلحة العامة أو النظام العام. 
2. أنه أصبح في حالة تؤذي المصلحة العامة أو النظام العام.( )
وهذان الأمران هو ما اشترطه علماء القانون لإيقاع التدابير الاحترازية.  

المطلب الثانيشروط إيقاع التدابير الاحترازية في النظام


لكل تدبير احترازي على حدة شروطه التي تُستخلص من نوع ودرجة الخطورة الإجرامية التي يراد أن يواجهها. 
ومما لا شك فيه أن إنزال هذه التدابير على الأشخاص دون وجود شروط لإنزالها سوف يعصف بالحريات والحقوق الفردية، وهذا ما استلزم ضرورة تقييد إنزالها. 
هذا وقد استقر الرأي عند فقهاء القانون الوضعي على شرطين لابد من توافرهما لإيقاع التدبير الاحترازي، وهما: 
ارتكاب فعل يعتبره القانون جريمة أي "الجريمة السابقة"، وتوافر الخطورة الإجرامية. وفيما يلي تفصيل هذين الشرطين:
الشرط الأول: الجريمة السابقة: 
لقد أثار اشتراط وقوع جريمة سابقة لإنزال التدبير الاحترازي جدلاً عند فقهاء القانون الوضعي؛ ويرجع هذا الجدل إلى أن التدبير الاحترازي يرتبط بالخطورة الإجرامية وجوداً وعدماً، وأن الخطورة حالة يمكن اكتشافها قبل ارتكاب الجريمة. 
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل من الأفضل أن تُواجه هذه الخطورة ومن ثَم اجتنابها وقايةً للمجتمع، أم يُنتظر حتى تتحول هذه الخطورة إلى اعتداء على المجتمع؟
المنطق يقتضي أن يُعتد بالخطورة، وقبل أن تتحول إلى اعتداء على المصالح المحمية في النظام حماية للمجتمع؛ لأن درء الخطورة ابتداء أجدى من انتظار تحققها ثم مواجهتها.( ) 
وأمام هذا الواقع فقد وقع الخلاف بين فقهاء القانون الوضعي، حول اشتراط ارتكاب الجريمة السابقة؛ وذلك ما سوف أوضحه من خلال طرح الموضوعين التاليين: 
أولاً: ماهية الجريمة السابقة . 
ثانياً: مدى اعتبار الجريمة السابقة شرطاً لإيقاع التدبير الاحترازي. 
 
أولاً: ماهية الجريمة السابقة: 
يحسن بنا قبل الخوض في الحديث عن شرط الجريمة السابقة، أن نبين المقصود بمصطلح الجريمة السابقة، وكذلك عناصرها وأركانها، وهي كالتالي: 
1. التعريف بالجريمة وعناصرها: 
يعرف الدكتور كامل سعيد الجريمة بأنها (سلوك فعل أو امتناع غير مشروع، أخل بمصلحة أساسية صادرة عن إرادة جنائية، يقرر له القانون عقوبة أو تدبيراً احترازياً).( ) 
ومن خلال هذا التعريف يمكن أن تُستخلص عناصر الجريمة، وهي كما يلي: 
أ. تفترض الجريمة إتيان سلوك يتمثل في إحدى صورتين، فعل إيجابي أو فعل سلبي. 
ب. وتفترض الجريمة كذلك سلوكاً غير مشروع طبقاً لنظام العقوبات، وذلك بوجود نص يحرم هذا الفعل في النظام، ولم يكن هناك ظروف تبرره. 
ج. أن يكون من شأن هذا السلوك الإخلال بمصلحة أساسية لا غني للمجتمع عنها لبقاء كيانه قائماً، فالمجتمع لا يحمي الحقوق إلا إذا قدر لها أهميتها بالنسبة له. 
د. وتفترض الجريمة الجنائية صدورها عن إرادة الجاني، بمعنى أن تكون هناك علاقة بين شخص الجاني وماديات الجريمة. 


2. أركان الجريمة: 
وتنهض الجريمة على ثلاثة أركان: 
الركن الشرعي "القانوني" ،الركن المادي، الركن المعنوي. 
وبذلك لا نكون بصدد جريمة سابقة إلا بتوافر هذه الأركان الثلاثة السابقة، ولكن هنالك إشكال في تطبيق التدبير الاحترازي في حالة عدم توافر الركن المعنوي للجريمة فهل يكفي توافر الركنين الموضوعي والشرعي فقط دون الركن المعنوي؟ وتخريجاً على ذلك فإن المجنون أو المعتوه أو صغير السن إذا ارتكب جريمة، لا تطبق عليه عقوبة أو تدبير احترازي نظراً لانتفاء شرط الجريمة السابقة. 
ولكن هذا القول وإن كانت تفرضه اعتبارات قانونية مجردة، إلا أنه يصطدم مع وظيفة التدبير الاحترازية، ومع مصلحة المجتمع، وبذلك يعطي تحديداً خاصاً للجريمة فيما يتعلق بتطبيق التدابير الاحترازية، إذ يكفي لتحقق شرط الجريمة السابقة أن يتحقق المخالفة المادية بنص التجريم، أي يتحقق الركن الشرعي والركن المادي دون الحاجة إلى الركن المعنوي( ). 
وبناءً على ذلك فإنه يجوز إنزال التدبير الاحترازي بالمجرم المجنون الخطر بالرغم من تجرد مسئوليته باعتباره عديم الأهلية، ويجوز كذلك أن ينزل التدبير الاحترازي بالمجرم الشاذ الذي يرتكب فعله الإجرامي تحت تأثير الإكراه أو حالة الضرورة، إذا ثبت أن لديه خطورة إجرامية.( )

ثانياً: مدى اعتبار الجريمة السابقة شرطاً لإيقاع التدبير الاحترازي:
لقد أثار اشتراط وقوع جريمة سابقة لإنزال التدبير الاحترازي خلافاً بين فقهاء القانون الوضعي؛ وذلك يرجع إلى أن الخطورة الإجرامية التي هي مناط التدابير الاحترازية يمكن اكتشافها قبل ارتكاب الجريمة، فهناك من العلماء من لا يشترط ارتكاب جريمة سابقة، ومنهم من يشترط ذلك وسوف أوضح ذلك من خلال عرضٍ للرأيين التاليين: 
الرأي الأول: القول بعدم اشتراط ارتكاب جريمة سابقة. 
يرى أنصار هذا الاتجاه إلى أنه يكفي لإنزال التدبير الاحترازي بالشخص أن يكشف عن خطورته الإجرامية، دون الحاجة إلى ارتكاب جريمة سابقة، ويكشف الشخص عن شخصيته الإجرامية بارتكابه لأي فعل يمكن أن يُستشف منه مدى خطورة ذلك الشخص على المجتمع الذي يعيش فيه. 
ومن أنصار هذا الاتجاه العالم "نوفولوفي" الذي يقول:(إن التدبير القضائي الاحترازي يمكن النطق به قبل ارتكاب الجريمة، بشرط أن ينص في القانون على حالات موضوعية محددة تحديداً علمياً تكشف عن الخطورة الإجرامية بلا لبس فيها ولا غموض).( )
وتحمى حريات الأفراد وفقاً لهذا المبدأ عن طريق الحكم من خلال سلطة قضائية لا إدارية، وأن يلتزم القضاة بالنص القانوني وأن يلتزم بالحالات التي يجوز له أن ينزل التدابير لمواجهتها. 
* حجج أنصار هذا الرأي: 
ويستند أصحاب هذا الاتجاه لدعم وجهة نظرهم بالحجج التالية: 
أ. أن التدخل قبل ارتكاب الجريمة وعند توافر الخطورة الإجرامية لا ينافى مبدأ العدالة، فالعدالة المبتغاة هي العدالة التي تحمي المجتمع وتقيه من المجرمين الذين لا يردعهم التهديد بإنزال العقوبة، وإنه لمن غير العدل ومن الخطر أيضاً أن تتركهم يهددون المجتمع، فالواجب يقتضي أن تطبق عليهم التدابير الملائمة لطبيعتهم لتجنب الجريمة المتوقع حدوثها.
ب. أن مواجهة حال الخطورة السابقة على الجريمة لا يتعارض مع مبدأ الشرعية والذي يحدد الواقعة المادية، التي تكون دليلاً على هذه الخطورة تحديداً دقيقاً لا يشوبه غموض، ويشترط التزام أحكام الإجراءات الجنائية. 
ج. أن المفهوم الجديد لوظيفة القانون الجنائي الوضعي لا تقف عند حد رعاية مصالح الجماعة وحماية حقوقها وتقرير الجزاء المناسب لمن يعتدي عليها، وإنما يذهب في هذه المهمة إلى أبعد من هذا الحد، فوظيفة التشريع الجنائي الوضعي ليست جزائية فقط بل إن له دوراً إيجابياً أيضاً في تقدم المجتمع وتطوره، ولذا ينبغي عند قيامه بالواجب الملقى على عاتقه أن يتدخل لحماية الحق أو المصلحة المحمية دون أن ينتظر وقوع الاعتداء عليها.

فالحماية تفترض تدخلاً سابقاً على الاعتداء؛ لمنع وقوعه وليس لمجرد فرض العقاب على الاعتداء.( ) 
الرأي الثاني: ضرورة ارتكاب جريمة سابقة لإنزال التدابير الاحترازية: 
وهذا الاتجاه هو الغالب في الأنظمة أي اشتراط ارتكاب جريمة سابقة لكي يُنزل التدبير الاحترازي بحق الشخص؛ وذلك لأن التدبير هو أحد صور الجزاء الجنائي، مما يُخضِعها لمبدأ الشريعة حتى لا يفاجأ الأشخاص بتدبير يوقع عليهم لمجرد احتمال وقوع جرائم منهم في المستقبل دون أن يكون قد صدر منهم في الواقع أعمالاً إجرامية.( )
* حجج أنصار هذا الرأي:
أ. صعوبة التحقق من حالة الخطورة الإجرامية. 
(فالخطورة الإجرامية حسب رأي هذا الاتجاه حالة نفسية يصعب التحقق منها أو إثباتها أو الوصول إلى ضابط لها، وإنه لا العلم ولا فن الإجرام سيصلان أبداً إلى نتائج حاسمة في هذا الموضوع).( ) 
ب. مراعاة مبدأ الشرعية. 
ويرى أصحاب هذا الاتجاه ضرورة خضوع التدابير الاحترازية لمبدأ الشرعية، ومؤداه بأنه لا يجوز توقيع التدبير إلا على من ثبت ارتكابه فعلاً يعتبره القانون جريمة؛ وذلك حرصاً على حماية الحرية الفردية من العبث بها؛ وذلك لما في إجراءات التدابير من سلب وتقييد للحرية، فلا يجوز التعليل بحماية المجتمع أو الدفاع عنه على حساب حرية الأفراد.( ) 
ج.  الجريمة السابقة دليل على توافر حالة الخطورة الإجرامية. 
فالجريمة السابقة المرتكبة من قبل شخص تعتبر أهم دليل، فهي على أقل تقدير قرينة تكشف عن حالته الإجرامية.( )
يتضح من خلال استعراض الرأيين السابقين أن لكل منهما وجهته، فالوجهة الصحيحة في الرأي الأول- من وجهة نظري- أن فيه حداً ومنعاً من ارتكاب الجرائم، وذلك بالقضاء عليها قبل ظهورها على حيز الوجود مما يساعد على القضاء على ما تحققه الجرائم من أضرار في المستقبل. 
أما الرأي الثاني ففيه تطبيق لمبدأ الشرعية وحماية حرية الأفراد وعدم المساس بها مما يكفل لهم عدم المساس بحقوقهم لمجرد التعسف من السلطة المختصة لأسباب قد لا تكون سليمة. 
وتطبيقاً للقاعدة الفقهية (الضرر الأشد يُدفع بالضرر الأخف)( ) فإنني أرجح ما ذهب إليه أصحاب الرأي الثاني.   



الشرط الثاني: الخطورة الإجرامية:
تعتبر نظرية الخطورة الإجرامية من الأفكار الأساسية في السياسة الجنائية المعاصرة، وهي تقوم بدور كبير في تطوير مبادئ علم العقاب وأحكام قانون العقوبات، كما تؤثر في تنظيم الخصومة الجنائية على النحو الذي يكفل للقاضي تقدير خطورة المجرم. 
إن الخطورة الإجرامية تشكل شرطاً لإنزال التدابير الاحترازية؛ وذلك لأن العلة من وجود التدابير الاحترازية تكمن في الخطورة الإجرامية، فلو لم تكن حالة الجاني تشكل خطراً على سلامة الأفراد لما كانت هناك حاجة إليها، ولما اضطررنا لتوقيع إحداها بحقه، ولتركنا الجاني يصلح نفسه بنفسه، ويهيئ للعيش بسلام، ولما كانت الخطورة الإجرامية بهذه المثابة فإن حديثي عنها سوف يكون في أمور ثلاثة، هي: 
أولاً:   تعريف الخطورة الإجرامية. 
ثانياً:   خصائص الخطورة الإجرامية. 
ثالثاً:  إثبات الخطورة الإجرامية. 
 
أولاً: تعريف الخطورة الإجرامية: 
يمكن تعريف الخطورة الإجرامية بأنها: حالة تتوفر لدى شخص وتفصح عن ميله لارتكاب الجريمة.
 ويعرِّفها الدكتور محمد نجيب حسني بأنها( احتمال ارتكاب المجرم جريمة تالية).( )
ويقول الدكتور رمسيس بهنام أن الخطورة الإجرامية هي: (حالة نفسية يحتمل من جانب صاحبها أن يكون مصدراً لجريمة مستقبلية). ( )
ويُستخلص من التعريفيين السابقين أن الخطورة الإجرامية حالة في الشخص لا وصف في الجريمة، ولهذا فهي تُلتمس في العوامل الشخصية والمادية التي تحيط بالشخص، وتجعل الحكم عليه بأنه سيرتكب جريمة في المستقبل أمراً محتملاً، ويترتب على هذا أن حالة الخطورة الإجرامية لا علاقة لها بإرادة الشخص، ولا بموقفه النفسي من الجريمة؛ لأنها تنصب على عوامل خارجة عن إرادته، وإن كانت لصيقة بشخصه كمرضه أو بيئته الاجتماعية التي يعيش فيها.( ) 

ثانياً: خصائص الخطورة الإجرامية: 
إن فكرة الخطورة الإجرامية تتميز بعدة خصائص تميزها عن غيرها من الأخطار القانونية، ومن تلك الخصائص: 
1. احتمال ارتكاب الجريمة: 
إن الخطورة الإجرامية تقوم على الاحتمال، وهو الذي يعد من الخصائص المهمة للخطورة الإجرامية، ويمثل الاحتمال جوهر الخطورة الإجرامية. 
وعرَّف الدكتور محمد نجيب حسني الاحتمال بأنه (هو حكمٌ موضوعه تحديد العلاقة بين مجموعة من العوامل توافرت في الحاضر، وواقعة مستقبلية من حيث مدى مساهمة تلك العوامل في إحداث هذه الواقعة).( )
وموضوع الاحتمال هو جريمة ما، وليست جريمة معينة، فلا يكفي إذاً مجرد وجود الشر في شخصية أو سلوك الشخص غير الاجتماعي الذي يهدد به طالما لم يصل إلى مرتبة الجريمة، ويتعين الرجوع إلى المعايير القانونية لتحديد معنى الجريمة المحتملة على ضوء حالة الشخص( )، وبذلك يكون هناك مقياس موضوعي يمكن الاعتماد عليه في تحديد معنى الجريمة التي تُنسب إليها الخطورة، وهي الجريمة التالية.
 والمقصود بها أنها ليست جريمة معينة بالذات بل هي سلوك إجرامي أيَّاً كان، ومن ثم تعتبر الجرائم جميعاً على قدم المساواة دون اشتراط جسامة معينة في الجريمة التالية، ولكن لا تقوم الخطورة الإجرامية من ناحية أخرى باحتمال أن يقوم المجرم على سلوك لاحق مناف للأخلاق دون أن تقوم بذلك السلوك جريمة من الجرائم، ولا أن يقوم على سلوك لاحق ضار بنفسه ولا يعتبر جريمة مثل الانتحار أو إيذاء الإنسان لنفسه.( )
2. الخطورة الإجرامية تعتمد على ظروف واقعية: 
فيجب بناءً على ذلك أن تستند الخطورة الإجرامية إلى أسباب حقيقية لا مفترضة، ويعني ذلك أن الخطورة يجب أن تنبعث من ظروف واقعية ملموسة فعالة تدل عليها أمارات واضحة، وبذلك فإنه لا يكفي مطلقاً للقول بتوافر الخطورة الاستناد إلى مجرد الافتراضات.( )
3. الخطورة الإجرامية حالة حاضرة: 
فلا يكفي مجرد الخطورة السابقة أو المستقبلية بل يتعين أن تكون الخطورة الإجرامية حال حاضرة ثابتة، وبذلك يكون الاحتمال المقصود بالخطورة الإجرامية هو ارتكاب الأفعال الإجرامية المستقبلية التي تصدر عن تلك الحالة الحاضرة.( )
ويرجع استبعاد الخطورة السابقة إلى عدم فعاليتها وتأثيرها في الإجرام الحالي، أما بالنسبة للخطورة المستقبلية فإنه لا أهمية لها في بحث الخطورة الإجرامية؛ لأن هذا البحث يفترض توفر أسبابها وتحقق الأهلية لدى صاحبها، فليس الأمر المحتمل توافره عند الشخص هو أهليته الجنائية، بل إن الغرض هو توافر هذه الأهلية فعلاً.( )
4. تجسد الخطورة الإجرامية في أمارات مادية: 
يتعين أن تكون الخطورة الإجرامية مجسدة في أمارات مادية تدل عليها، وتنبئ عما ينبعث منها، فلا يكفي لذلك مجرد الأمارات المادية المجردة، بمعنى أنه ما يدل على الخطورة يجب أن يتمثل في أفعال معينة ملحوظة في العالم الخارجي، أو وقائع مقررة، أو معلومات لا تقبل المناقشة، فلا يمكن أن تُبنى على مجرد أفكار مجردة ، ولو كان غير مطابقة للروح الاجتماعية السائدة.( )
5. الخطورة الإجرامية فكرة نسبية: 
لما كانت الخطورة الإجرامية بحسب طبيعتها تنطوي على تهديد النظام الاجتماعي باعتبارها حالة تُعرِّض الشخص لارتكاب أفعال يجرمها القانون، ويقتضي هذا الغرض أن الخطورة الإجرامية تعد فكرة نسبية إلى كل نظام اجتماعي، فهي بذلك تتوقف على الحالة الاجتماعية السائدة في لحظة توافرها وفقاً للعلاقات الفردية بين الأشخاص وما يتسمون به من مساعدات علاجية. 
(فالخطورة الإجرامية فكرة نسبية تعتمد على الحال الاجتماعية السائدة والعلاقات بين الناس، وفي هذا المعنى قرر المؤتمر الدولي الثاني لعلم الإجرام المنعقد في باريس سنة 1950م أن الخطورة الإجرامية تعد أساساً فكرة نسبية للنظام الاجتماعي. وتقدر وفقاً للحالة الاجتماعية السائدة والعلاقات بين الأشخاص، واحتمالات المساعدة الاجتماعية والطبية التي توجه إليهم).( )
ثالثاً: إثبات الخطورة الإجرامية: 
يتجه المقنن في سبيل استخلاص الخطورة الإجرامية أحد طريقين هما : 
الأول: منح القاضي سلطة تقديرية: 
للاستعانة بها في تقدير مدى تحقق الخطورة الإجرامية لدى المجرم، ويلجأ القاضي في سبيل القول باحتمال إقدام المجرم على الجريمة إلى المقارنة بين ما يتوفر لدى المجرم من العوامل الدافعة إلى الإجرام والعوامل الرادعة عنه. 
فإذا تبين له غلبة العوامل الدافعة إلى الإجرام و رأى في ذلك احتمالاً لإقدام المجرم على جريمة جديدة، وبذلك يقرر أن الخطورة متوفرة لديه، أما إذا تبين له غلبة العوامل الرادعة فإنه يرجح عدم إقدام المجرم على جريمة أخرى، وبذلك يرى الخطورة الإجرامية غير متحققة لديه.
ويستعين القاضي في تقدير توافر الخطورة الإجرامية لدى المجرم بعناصر كثيرة منها ما يتعلق بشخصية المجرم كحالته الصحية أو العقلية أو النفسية أو البدنية، ووضعه الاجتماعي، ومدى نجاحه أو فشله في دراسته أو عمله، ومنها ما يتعلق بظروف ارتكابه للجريمة وهل أقدم عليها بعد تروي وإصرار، أو ارتكبها كأثر لانفعال مفاجئ، وهل شعر بالندم أم بالارتياح بعد ارتكابها.( ) 
الثاني: افتراض الخطورة الإجرامية: 
قد يرى المقنن في بعض الحالات أن الخطورة الإجرامية من الوضوح بحيث لا توجد ضرورة لإخضاعها لسلطة القاضي التقديرية فيفترضها في المجرم إذا صدرت عنه أفعال معينة، أو اتصف بصفات معينة، مثال ذلك الإدمان على المخدرات أو الاعتياد على الإجرام فإذا ثبت للقاضي تحقق هذه الأفعال، وجب عليه أن يقضي بالتدابير التي نص عليها القانون لمثل هذه الحالة، حيث أن الخطورة الإجرامية تكون مفترضة.( ) 





المبحث الثاني:
الجمع بين التدبير الاحترازي والعقوبة ، وفيه مطلبان:


المطلب الأول : الجمع بين التدبير الاحترازي والعقوبة في الفقة .

المطلب الثاني : الجمع بين التدبير الاحترازي والعقوبة في النظام.
 
المطلب الأول 
الجمع بين التدبير الاحترازي والعقوبة في الفقه 

سبق تكييف التدابير الاحترازية في الفقه على أنها من قبيل التعزير الذي يُوقع على كل من يرتكب معصية لا حد فيها ولا كفارة؛ ويمكن تعليل ذلك بأن العقوبة المقررة من حد أو قصاص وكذلك الكفارة ، هي الأجزية التي أوردها الشارع للجرائم التي شرعت لها ، وما دام أن للفعل عقوبة مقررة فالمفروض أنها تغني عن العقوبة التعزيزية غير المقررة . ولكن هل يمكن مع ذلك أن يجتمع التعزير مع هذه الأجزية، أم أنَّ ذلك غير جائز ؟
أولاً / التعزير مع الحد أو القصاص : 
من خلال استعراض أقوال الفقهاء، نجد شواهد كثيرة على جواز اجتماع التعزير مع الحد أو القصاص. 
فالحنفية لا يرون تغريب الزاني غير المحصن من حد الزنى، فهم يكتفون بجلد الزاني غير المحصن مائة جلدة لا غير، ولكنهم يجيزون تغريبه بعد الجلد، وذلك على سبيل التعزير( )، قال في الهداية: ( ولا يجمع في البكر بين الجلد والنفي  إلا أن يرى الإمام في ذلك مصلحة فيغربه على قدر ما يرى ،وذلك  تعزير وسياسة ; لأنه قد يفيد في بعض الأحوال فيكون الرأي فيه إلى الإمام ).( )
ويجوز تعزير شارب الخمر بالقول، بعد إقامة حد شرب المسكر عليه، فعن أبي هريرة( ) ـ رضى الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر بتبكيت شارب الخمر بعد الضرب، فأقبلوا عليه يقولون : ما اتقيت الله ؟ ما خشيت  الله ؟ ما استحييت من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.( ) والتبكيت تعزير بالقول ، وممن قال بذلك : الحنفية والمالكية.( )                                    
وعند المالكية أن الجارح عمداً يقتص منه ويؤدب، ومن ثم فالتعزير قد اجتمع مع القصاص في الاعتداء على مادون النفس عمداً.
جاء في تبصرة الحكام : ( ومما يجب فيه القصاص والأدب وهو الجارح عمداً يقتص منه ويؤدب).( )
ويجوز اجتماع التعزير مع القصاص فيما دون النفس من الجنايات على البدن، كما هو مقررة في مذهب الشافعي.


 وهو أيضاً يقول بجواز اجتماع التعزير مع الحد، مثل تعليق يد السارق في عنقه بعد قطعها ساعة من نهار، زيادة في النكال،وهذا كذلك هو مذهب الحنابلة.( ) 
ودليل ذلك ما رواه فُضالة بن عبيد ( )أن  النبي- صلى الله عليه وسلم -" قطع يد سارق ، ثم أمر بها فعلقت في عنقه".( ) 
وحد شرب المسكر عند الشافعية ،أربعون جلدة ، ويجوز الزيادة عليها تعزيراً . 
فمن خلال ما تقدم يمكن القول بأن التعزير شُرع في كل معصية ليست فيها عقوبة مقدرة ، هذه كقاعدة ، ولكن ليس هناك ما يمنع من أن يجتمع التعزير مع العقوبة المقدرة إذا كان في ذلك مصلحة ، إذ التعزير يدور مع المصلحة ، ويلاحظ مع ذلك أن العقوبات المقدرة المنتهية بالقتل كالقصاص في القتل العمد ، لا يكون للقول بالتعزير معها محل ، ما دامت العقوبة المقررة ستذهب بحياة الجاني، وإلا لكان في التعزير في مثل هذه الحالات ، زيادة نكال لا تتفق مع مقصد الشارع الحكيم . 

ثانياً / التعزير مع الكفارة : 
قد يجتمع التعزير مع الكفارة ، فمن المعاصي ما فيه الكفارة مع الأدب كالجماع في الإحرام ،وفي نهار رمضان ،ووطء المظاهِر منها قبل الكفارة إذا كان الفعل متعمداً في جميعها.( ) 
وعند الشافعية، يجتمع التعزير مع الكفارة في حالة مظاهرة الزوج من زوجته وكذا في حالة الحلف بالله ـ تعالى ـ كذباً متعمداً، وفي حالة جماع الرجل لزوجته في نهار رمضان ، وفي حالة قتل أحد الوالدين لولده ، وكذا قتل السيد لعبده.( ) 
وعند الحنابلة ، يجتمع التعزير مع الكفارة في القتل شبه العمد، وكذا في الظهار والإفطار في نهار رمضان بسبب الجماع،وكذا الوطء في الإحرام.
إلا أن هذه المواضع غير جائز اجتماع التعزير فيها مع الكفارة على قول آخر في المذهب الحنبلي ، وذكر في الإنصاف أن القول بعدم الجواز هو الصحيح في المذهب.( )
وبناءً على ذلك يمكن القول إن التعزير يجوز أن يجتمع مع الكفارة إذا رُئيت في ذلك مصلحة مع أن الأصل على قول كثير من الفقهاء أن التعزير عقوبة على معصية.  

المطلب الثاني
الجمع بين التدابير الاحترازية والعقوبة في النظام 

لا يكون هناك مجالاً للبحث في مدى جواز الجمع بين التدبير الاحترازي والعقوبة ،عندما تلجأ الأنظمة إلى النص على وسيلة واحدة من وسائل السياسة الجنائية والاقتصار على أحدها دون الاعتماد على الوسيلة الثانية، وكذلك عندما تحدد الأنظمة مجالاً خاصاً لكل من الوسيلتين ، بحيث تقتصر تطبيق العقوبة على نوع معين من المجرمين أو الجرائم، في حين تنزل التدابير الاحترازية على نوع معين من الجناة يحددهم القانون.
كما لا تثار المشكلة كذلك بصدد الأنظمة التي تسمح للقاضي باختيار المناسب من التدبير الاحترازي أو العقوبة على ضوء شخصية الفاعل أو نوع الجريمة.
ولكن تثار المشكلة في الأنظمة التي تنص على كل من الوسيلتين " التدبير الاحترازي والعقوبة" دون أن تحدد نطاق كل منهما، فمثلاً إذا سلمنا وفقاً لاتجاه سائد في القانون الجنائي بأن أساس العقوبة هو الخطأ وأن أساس التدبير الاحترازي هو الخطورة الإجرامية، فإذا توفر الخطأ فقط في جانب شخص أُوقعت عليه العقوبة فقط، وإذا توافرت في جانبه الخطورة الإجرامية فقط أُنزل به التدبير الاحترازي ، ولكن يمكن تصور أن يجتمع في الشخص الواحد الخطأ والخطورة الإجرامية كما هو الحال بالنسبة للمجرم المعتاد مثلاً، فهل يمكن الحكم عليه بالعقوبة والتدبير الاحترازي معاً؟(1) 
يتنازع إمكانية الجمع بين التدبير الاحترازي والعقوبة أربع نظريات:
1ـ النظرية الأولى/ الاقتصار على العقوبة:
تقوم هذه النظرية على أساس أن العقوبة هي الأساس في مكافحة الجريمة والسلوك الإجرامي. 
وهذا الاتجاه هو ما تأخذ به القوانين التقليدية التي لا تعترف بالتدابير الاحترازية كنظام مستقل، وترى هذه التشريعات ـ متأثرة في ذلك بآراء المدرسة التقليدية ـ أن العقوبة لها وظيفة واحدة تنحصر في الإيلام والزجر؛ وذلك أنها تفترض كأساس للمسؤولية حرية الفرد وإرادته الكاملة في إتيان الفعل الإجرامي، ومعنى ذلك أن الأثر الذي يترتب على الجريمة يجب أن يراعى فيه تقويم تلك الإرادة الآثمة، والذي لايتأتى إلا عن طريق الإيلام الذي تتضمنه العقوبة بين طياتها، أما إذا انعدمت المسؤولية الأدبية فلا محل لتوقيع العقوبة، أو أي تدبير آخر من شأنه الحد من  حرية الفرد.(2)
غير أن اتجاه العقوبة إلى الزجر والإيلام ليس معناه إهدار كل قيمة لها بوصفها وسيلة إصلاح عام أو رقابة عامة، ومفاد ذلك أنها تُستخدم أيضاً كوسيلة لتهذيب وتأهيل المحكوم عليه للحياة الاجتماعية التي انفصل عنها حتى لا يعود مرة أخرى إلى الجريمة.
وعلى هذا الأساس يرى هذا الاتجاه أنه لو سلبنا عن العقوبة فكرة الزجر والإيلام، وحصرنا وظيفتها في الوقاية فقط، سواء عامة أو خاصة فإنها تفقد صفتها كعقوبة.(1)
* تقدير هذه النظرية :
إذا كان لهذه النظرية فضل كبير في تأكيد مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، إلا أنها لم تسلم من الانتقادات التي وجهت إليها؛ وذلك بسبب اهتمام هذا الاتجاه بالجريمة دون المجرم، وبالتالي أصبحت العقوبة موجهة إلى الجريمة بغض النظر عن المجرم.
ومن الانتقادات التي وجهت لهذا الاتجاه كونه أخذ بفكرة العقوبات الثابتة، والتي لا يملك القاضي فيها سلطة تقديرية، فإما أن يوقعها كلها أو يرفضها كلها، إذ لا مجال له في إيقاع ما يراه مناسباً لردع المجرم.(2)
2ـ النظرية الثانية / الاقتصار على التدابير الاحترازية:
وهو مسلك القوانين التي تقوم على تبنٍ كامل لأفكار المدرسة الوضعية التي تذهب إلى أن التدبير الاحترازي هو خير بديل للعقوبات.
ويقوم هذا الاتجاه على أساس الاهتمام بدراسة المجرم ، ويرى أن رد فعل المجتمع حيال المجرم والجريمة يجب أن يراعى فيه أساساً فكرة إزالة العوامل والأسباب المؤدية للإجرام،بناءً على أن جبرية السلوك الإجرامي تنفي كل خطيئة أدبية لدى صاحب هذا السلوك، ومن ثم فإن الجزاء الذي يوقع على المجرم يجب أن يقف عند حد التوقي من جرم جديد ومواجهة الخطورة الإجرامية بدلاً من الاشتغال بالتفكير عن جرم مضى، كما يجب أن يُنظر في تطبيق الجزاء إلى شخصية المذنب،لا إلى جسامة الجريمة فحسب.(1) 
* تقدير هذه النظرية :
كانت هذه النظرية محل لعدد من الانتقادات؛ وذلك أنها ساوت بين المجرم العاقل والمجرم المجنون والمجرم الشاذ، كما أنها جردت قانون العقوبات من مضمونه الأخلاقي، فضلاً عن ذلك فإنها ردت الظاهرة الإجرامية إلى مجرم دون الاعتداد بالجريمة، وحددت المسؤولية الجنائية على أساس الخطورة الإجرامية للشخص دون اعتبار لقدر الضرر في الجريمة أو الخطأ فيها.(2)
3ـ النظرية الثالثة/الجمع بين العقوبة والتدبير الاحترازي في نظام واحد:
 (يقوم هذا الاتجاه على أساس توجيه السياسة الجنائية إلى المجرم وعلاجه ، بدلاً من أن توجه إلى الجريمة . كما أن هذا الاتجاه يرى وجوب النظر إلى العقوبة على أنها إجراء وقائي للجماعة وليس إجراء يتضمن الإيلام والزجر للمحكوم عليه، وهي بذلك تتفق مع التدابير الاحترازية في الغاية والهدف).(1)
وأصحاب هذه النظرية يتمسكون بالخصائص المشتركة التي تجمع بين العقوبة وبين التدبير الاحترازي للقول بوحدتها وعدم إمكانية التمييز بينهما ، بل إمكانية الجمع بينهما.
(فلقد سعت هذه المدرسة على توحيد العقوبات والتدابير الاحترازية تحت عنوان جزاءات، وهي بهذا الاتجاه لا تفرق بين التدبير الاحترازي والعقوبة).(2)
ومن أهم الخصائص المشتركة بين العقوبة والتدبير الاحترازي التي دعت إلى القول بهذه النظرية، أن كلاً منهما يمس الحرية الفردية لمرتكب الجريمة، وأن إيقاعهما يفتقر إلى جريمة، كما أن كلاً من العقوبة والتدبير الاحترازي لا يوقعان إلا بناء على قانون، واستنادًا إلى حكم قضائي.(3) 
( فإذا كانت التدابير الاحترازية تستهدف الخطورة الإجرامية،فإن العقوبة وإن استهدفت الردع والعدالة فإنها تستهدف الخطورة الإجرامية في شق أساس منها لمواجهتها واستئصالها ، وحجة ذلك أن العقوبة جزاء الخطأ الذي ارتكبه الجاني ، والتدبير الاحترازي إجراء يواجه الخطورة الإجرامية، وإذا وجدت الخطورة الإجرامية في الشخص وانتفى الخطأ كما هو الحال عند المجرم المجنون ، فتطبق التدابير فقط.
أما إذا اجتمع الخطأ والخطورة في شخص واحد كما هو الحال عند المجرم الشاذ، فالأمر عندئذٍ يقتضي تطبيق العقوبة والتدبير معاً.
ويرى أنصار هذه النظرية أنه إذا كانت التدابير الاحترازية تبتغي فقط الردع الخاص، فإن هذا الغرض هو أهم ما تستهدفه العقوبة).(1) 
*  تقدير هذه النظرية:
سبق لنا فيما مضى أن وضعنا حداً للتمييز والتفرقة بين التدابير الاحترازية والعقوبة.(2)
وعلى هذا فقد تجاهل أنصار هذه النظرية الفارق الأساسي بين كلاً من العقوبة والتدبير الاحترازي، فالعقوبة ـ كما هو معروف ـ تتجه إلى ماضي المجرم لتحاسبه عما اقترفه من إثم مخالف للنظام، وتقرر إيلاماً مقصوداً بحسب جرمه، بينما يتجه التدبير الاحترازي إلى مستقبل المجرم؛ لكي يواجه الخطورة الإجرامية الكامنة فيه، بالإضافة إلى تجرد التدبير الاحترازي من الفحوى الأخلاقي التي تتميز به العقوبة باعتبارها وسيلة المجتمع في توجيه اللوم القانوني للمجرم.
كما أن العقوبة محددة المدة، بينما التدبير غير محدد المدة مرتبط بالخطورة الإجرامية وجوداً وعدماً.
(من الانتقادات التي وجهت إلى فكرة الجمع بين النظامين أيضاً، أنها تجرد شخصية المحكوم عليه إلى جزيئين، أحداهما يمثل الخطورة، والآخر يمثل الخطأ وما يترتب عليه من تخصيص لكل شخصية بما يناسبها من معاملة، وكأننا أمام شخصين مختلفين لا شخص واحد ، وهذا مناقض للواقع .
وتثير فكرة الجمع بين العقوبة والتدبير الاحترازي مشكلة بأيهما نبدأ، فلو كانت البداية بالعقوبة على المصابين بأمراض نفسية وعقلية، فإنه سيؤدي إلى تعقيد الحالة المرضية لهؤلاء الأشخاص ، ومن ثم يصبح إيقاع التدبير الاحترازي بعد العقوبة عسيراً في العلاج، أما إذا كانت البداية بالتدبير الاحترازي، فإنه تعاقب العقوبة سوف يقضي حتماً على النتائج العلاجية التي حققها التدبير الاحترازي).(1) 
4ـ النظرية الرابعة/ الازدواج بين العقوبة والتدبير الاحترازي:
ويرى أنصار هذا المذهب ضرورة استقلال كلاً من العقوبة والتدبير الاحترازي كل في مجال تطبيقه.
وحجتهم في ذلك هو اختلاف كل منهما عن الآخر من حيث الطبيعة ، والأساس، والهدف، فالعقوبة جزاء يستند إلى ثبوت الخطأ في جانب المحكوم عليه ، بينما التدابير إجراء يواجه الخطورة الإجرامية.
إذا كانت العقوبة تنطوي على معنى اللوم الأخلاقي، فالتدبير الاحترازي يتجرد من هذا المضمون وليست له الصفة الجزائية، ولذلك يؤكد أنصار هذه النظرية على أن دمج العقوبة والتدبير الاحترازي في نظام واحد أمر غير منطقي.(1)  
* تقدير هذه النظرية :
لم يسلم نظام الازدواج من النقد، مع أنه هو السائد في كثير من القوانين، فقد أخذ عليه البعض أنه يخالف منطق المذهب التقليدي، كما يخالف أسس المذهب الوضعي، ولا ينتهج فيما بينهما منهجاً له وحدته المنطقية، فهو يحتمل بكل انتقادات المدرسة التقليدية على تدابير الاحتراز حيث مخالفتها لمبدأ الشرعية، ومع ذلك فإن التدابير تطبق في ظل هذا النظام جنباً إلى جنب مع العقوبات ، وهو كذلك يتضمن في أخذه بنظام التدابير مخالفة لنتائج الفكرة التقليدية في شأن المسؤولية الجنائية ، وذلك أن التدابير الاحترازية يمكن تطبيقها على من لا تتوفر لديه عناصر المسؤولية كالمجنون، ومع ذلك فقد بقيت فكرة المسؤولية أساساً لذلك الشق الذي تسود فيه أحكام العقوبة.(1)   



المبحث الثالث:

تقسيم التدابير الاحترازية وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: التدابير الاحترازية السالبة للحرية.

المطلب الثاني :التدابير الاحترازية المقيدة للحرية.

المطلب الثالث: التدابير الاحترازية المادية.
 
المطلب الأول
التدابير الاحترازية السالبة للحرية

هذا النوع من التدابير يسلب الإنسان حريته، ويهدف إلى منع الشخص المحكوم عليه من الاتصال بالمجتمع، أو سحب الوثيقة الرسمية التي تخوله من حمل الأشياء التي تفتقر إلى وثيقة رسمية.
 وتتنوع التدابير الاحترازية السالبة للحرية، تبعاً للحالات المختلفة التي تواجهها؛ وذلك أنها لا تواجه نوعاً محدداً من المجرمين الخطرين، بل تواجه مجموعة مختلفة، وما يلائم فئة قد لا يتناسب مع فئة أخرى.
وسوف يكون حديثي في هذا المبحث على خمسة فروع، أربعة منها هي أنواع التدابير الاحترازية السالبة للحرية، والفرع الأخير موقف الفقه من هذه التدابير ، وهي على النحو التالي :
الفرع الأول: اعتقال المجرمين في مأوي علاجي.
الفرع الثاني: حظر ممارسة العمل.
الفرع الثالث: سحب رخصة القيادة.
الفرع الرابع : المنع من حمل السلاح.
      الفرع الخامس : موقف الفقه من التدابير الاحترازية السالبة للحرية.



الفرع الأول
اعتقال المجرمين في مأوي علاجي

1ـ تعريف المأوي العلاجي:
(هي منشآت يودع فيها من حكم ببراءته من جريمة؛ لجنون، أو عاهة عقلية، وقد تكون ناجمة أيضاً عن تسسم كحولي أو إدمان للمخدرات، ولذا تتسم حالة الفرد حينئذٍ بخطورة على نفسه وعلى المجتمع).(1)  
كما عُرِّف بأنه( كل مصحة لعلاج الأمراض العقلية أو النفسية أو الإدمان على المخدرات أو المسكرات؛ وذلك بهدف مواجهة حالة الخطورة الإجرامية).(2)   
وسبب كون هذا التدبير سالباً للحرية؛ لما يفرضه على المحكوم عليه بالالتزام والإقامة في المصحة أو المستشفى العلاجي، للخضوع للإجراءات العلاجية.(3)
ومن خلال ما سبق يتضح أن هذا التدبير يفترض في أمرين:
أ ـ  أن توفير العلاج الملائم يقتضي منع الحرية والتزام الإقامة في مكان معين.
ب ـ أن خطورة المجرم على المجتمع هي بالقدر الذي لا يمكن معه درءها بغير اعتقاله.
2ـ الفئات التي يُنزل بها هذا التدبير:
يوقع هذا التدبير أساساً على المجرمين المجانين وذوي العاهات العقلية الذين يرتكبون الجرائم بسبب فقدهم لملكة تمييزهم أو نقصها.(1)   
والفئات التي يُنزل بها هذا التدبير هم:
(أـ المجرمون المجانين.
ب ـ المجرمون المصابون بالعته والخلل النفسي.
ج ـ المجرمون المدمنون على المخدرات والمسكرات). (2) 
3ـ حالات الحكم بهذا التدبير:
يوقع هذا التدبير عل الفئات الآنفة الذكر في حالات هي كالآتي:
أـ إذا ارتكب شخص جناية أو جنحة مقصودة ، عقابها الحبس سنتين، وقُضي بعدم مسؤوليته ، لسبب فقدانه العقل.
ب ـ إذا ارتكب شخص جنحة غير مقصودة ، وعقوبتها الحبس أقل من سنتين ، وقضي بعد مسؤوليته ، لسبب فقدانه العقل ، وثبت للقاضي أنه خطر على السلامة العامة.
ج ـ من حُكم عليه بعقوبة جنائية أو جنحة مانعة أو مقيدة للحرية ، وخفضت عنه العقوبة بسبب العته.
هـ ـ من حكم عليه بعقوبة جنائية أو جنحة مانعة أو مقيدة للحرية، وثبت أنه مدمن مخدرات أو كحول ، وكان خطراً على سلامة العامة .
وـ من حكم عليه بعقوبة مانعة أو مقيدة للحرية أو بالعزلة أو بالمراقبة أو بالمنع من الإقامة وثبت أنه أثناء تنفيذ الحكم قد أصيب بالجنون.(1)  
ولا يشترط للحكم بهذا التدابير أن يكون المحكوم عليه قد جُّرم فعلاً بعقوبة من العقوبات الأصلية، بل يكفي أن يكون قد ثبت عليه ارتكابه فعلاً يُعد جريمة.(2)
4ـ مدة الحجز في المأوى العلاجي :
لم يُحدد المنظم مدة محددة لهذه التدابير ؛ وذلك ضماناً لحرية المحكوم عليه فهو تدبير علاجي سالب للحرية ، ولكنه غير محدد المدة ، وهو يعني ـ كما سبق ـ وضع المحكوم عليه  بهذا التدبير في مستشفى ليُعالج ، وتزول بذلك خطورته الإجرامية التي من أجلها أُدخل المأوى.(3)
ويُعد ضماناً من ضمانات المحتجز في المأوى أن يكون هناك طبيب أخصائي أو أكثر يقدم تقارير دورية عن حالة المريض ،حتى يتمكن القاضي من الاطلاع على حالة المريض وتطورها ومدى استجابته للعلاج ، وبذلك يمكن للقاضي تحديد ما إذا كان هناك وجه لإطلاق سراحه أو إبقائه لفترة أخرى.(1)   
وهناك بعض القوانين في بعض الدول وضعت حداً أدنى ، ولذلك يختلف أحياناً بحسب جسامة الجريمة ، ومن ذلك القانون الإيطالي واللبناني.(2)
وفي نظري أن هذا التحديد غير مجدٍ ، لوجود التناقض ، إذ قد يمكن أن يُطلق سراح من هو بحاجة للعلاج ولم تزل الخطورة التي احتجز من أجلها موجودة ، وقد يبقى من هو بحاجة إلى الخروج.
5ـ تطبيقات قانونية لهذا التدبير :
من التطبيقات القانونية لهذا التدبير ما يلي:
أ ـ المادة (37) من القانون المصري رقم (182) لسنة 1960م والتي تضمنت عقوبة السجن والغرامة لمدمن المخدرات ، وجاء في آخرها أنه ( يجوز للمحكمة بدلاً من توقيع العقوبة المنصوص عليها في هذه المادة أن تأمر بإيداع من ثبت إدمانه على تعاطي المخدرات أحد المصحات التي تُنشأ لهذا الغرض ليعالج فيها ،إلى أن تقرر اللجنة المختصة ببحث حالة المودعين المذكورة الإفراج عنه ، ولا يجوز أن تقل مدة البقاء بالمصحة عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة ).
وهذه المادة جاءت على رأي من يرى بتحديد مدة هذا التدبير.
ب ـ المادة (342) من قانون الإجراءات الجزائية المصري والتي تنص بأنه ( إذا صدر أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى أو حكم ببراءة المتهم وكان ذلك بسبب عاهة في عقله، تأمر الجهة التي أصدرت الأمر أو الحكم إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة عقوبتها الحبس بحجز المتهم في أحد المحال المعدة للأمراض العقلية إلى أن تأمر الجهات المختصة بإخلاء سبيله).(1) 

الفرع الثانيحظر ممارسة العمل 


1 ـ التعريف بهذا التدبير :
يعرِّف الدكتور محمد مصباح القاضي هذا التدبير بأنه ( منع المحكوم عليه من مزاولة عمل معين أو مهنة معينة ، وذلك متى تبين أن سلوكه في عمله أو مهنته يمثل عملاً إجرامياً ، ويشكل خطورة على المجتمع وسلامته).(1)
وكذلك عرَّفه القانون الاتحادي في المادة (125) من قانون العقوبات الاتحادي بقوله: (الحظر عن ممارسة عمل هو الحرمان من حق مزاولة مهنة أو حرفة أو نشاط صناعي أو تجاري تتوقف مزاولته على الحصول على تراخيص من السلطة العامة).(2)
 وعلة هذا التدبير أن جريمة من أُنزل به ، تخلق احتمالاً في أنه لو تُرك يباشر هذا العمل فإنه قد يتخذه وسيلة ليرتكب عن طريقه أو بمناسبته جرائم تالية ، ومن ثم تكون مباشرته هذا العمل مصدر خطورة إجرامية تهدد المجتمع ، فيريد المقنن بمنعه منه، القضاء على هذه الخطورة.(3)
2ـ الفئات التي يُنزل بها هذا التدبير:
أ-  الطبيب والصيدلي.
ب- القابلة التي ترتكب جريمة الإجهاض.
ج- مدير الشركة الذي يحتال على الجمهور.
هـ- صاحب المصنع الذي يغش في بضاعته.
د. المهندس الذي لا يلتزم بأصول البناء.
3ـ شروط إنزال هذا التدبير:
يُشترط للحكم بإنزال هذا التدبير ما يلي:
  أ- أن تتوقف مزاولة العمل على صدور إجازة من سلطة مختصة قانوناً بإصدارها، أما إذا كانت مزاولة العمل لا تتوقف على صدور إجازة من سلطة ذات اختصاص بإصدارها فلا يشملها هذا التدبير، مثال ذلك أعمال التجارة وغيرها.
والأعمال التي تتوقف مزاولتها على صدور إجازة من سلطة مختصة بإصدارها كثيرة مثل أعمال الطب والمحاماة والهندسة والقيام بالمشاريع الصناعية والتجارية ، ويلحق بهذه أعمال الناشر في قضايا المطبوعات ولو لم تكن مزاولته للعمل منوطة بترخيص؛ وذلك نظراً لأهمية هذا العمل بالنسبة للمجتمع.
ب ـ أن تكون الجريمة المرتكبة جناية أو جنحة ؛ وذلك أن المنع من ممارسة العمل إجراء ثقيل ؛ لأنه يحرم المحكوم عليه من مورد عيشته ورزقه ويتأثر به أفراد عائلته ، وعلى ذلك لا يجوز أن يسري هذا التدبير بحق من حكم عليه بعقوبة المخالفة.
ج ـ أن تكون الجريمة قد ارتكبت إخلالاً بواجبات المهنة، وهذا الشرط مهم بل هو العلة من تقنين هذا التدبير ، فليس كل جناية أو جنحة يترتب عليها المنع من ممارسة العمل بل لابد وأن يكون الإخلال بواجبات العمل، كما لو كان الجاني طبيباً فارتكب جريمة الإجهاض أو صيدلياً غش أو أخطأ خطأً فادحاً في تحضير وصفة.(1)
4ـ المدة المقررة لهذا التدبير :
تنص بعض القوانين على أن مدة هذا التدبير تتراوح بين شهرين وسنتين، ويمكن الحكم بهذا التدبير مدى الحياة إذا كان المجرم قد حكم عليه بالمنع المؤقت بحكم مبرم لم تمر عليه خمس سنوات أو إذا نص القانون صراحة على ذلك.(2)
وفي قانون العقوبات المصري أوجب على ألا تزيد مدة هذه التدابير عن سنة ويجوز أن تقل عن ذلك.(3)
وفي نظري أنه كلما كانت مدة هذا التدبير أقل ، كان ذلك أنسب ؛ نظراً لأهمية العمل بالنسبة  للإنسان وكونه مصدر رزقه ، ولا بأس بزيادتها عند العودة للمخالفة .
5ـ تطبيقات قانونية لهذا التدبير:
أ ـ المادة (6) من نظام محاكمة الوزراء السعودي ، والتي تنص عل أنه ( يترتب حتماً على الحكم بإدانة الوزير أو من في مرتبته بعزله من منصبه وحرمانه من تولي الوظائف العامة ومن إدارة مجالس الهيئات والشركات والمؤسسات ومن أيَّة وظيفة منها).(4)
ب ـ المادة (12) من نظام مكافحة الرشوة السعودي ، والتي تنص على( الحكم بالإدانة في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام يترتب عليه حتماً وبقوة النظام العزل من الوظيفة وحرمان المحكوم عليه من تولي الوظائف العامة…).(1) 
ج ـ المادة (114) من نظام العقوبات المصري ، والتي تنص على أنه( إذا ارتكب شخص جناية أو جنحة إخلالاً بواجبات مهنته أو حرفته أو نشاطه ، وحكم عليه من أجلها بعقوبة سالبة للحرية لا تقل مدتها عن ستة أشهر ، جاز للمحكمة وقت إصدار الحكم بالإدانة أن تحضر عليه ممارسة عمله مدة لا تزيد عن سنة).(2)



الفرع الثالث
سحب رخصة القيادة

1ـ مفهوم هذا التدبير:
سحب رخصة أو إجازة القيادة تدبير احترازي سالب للحرية يُحرم بمقتضاه من أُوقع عليه هذا التدبير من رخصة القيادة الممنوحة له، من سلطة مختصة بإصدارها قانوناً.
2ـ حالات إيقاع هذا التدبير :
أ ـ أن يكون من يوقع عليه هذا التدبير قد صدر في حقه حكم قضائي يدينه بارتكاب جريمة الاعتداء على النفس أو العرض أو المال. 
ب ـ إذا كان من يوقع عليه هذا التدبير مدمناً على المسكرات ولم يثبت توبته بموجب طرق الإثبات التي يحددها النظام.
 ج ـ إذا أُدين بحكم قضائي بتعاطي المخدرات أو صنعها أو حيازتها أو ترويجها، ما لم يكن قد مضى على انتهاء تنفيذ العقوبة خمس سنوات على الأقل. 
د. أن تكون الجريمة المرتكبة من الجرائم التي يعتبر ارتكابها إخلالاً بالالتزامات التي يفرضها القانون على صاحب الرخصة ؛ذلك أن القانون يفرض على من منحت له رخصة قيادة التزامات كثيرة يجب عليه مراعاتها عند قيادة السيارة أو أي وسيلة أخرى، ومن هذه الالتزامات التزام حامل الرخصة بالسير بسرعة معينة في الطرق الخارجية وفي الشوارع داخل المدن ، وعدم إيقاف وسائل النقل في الأماكن الممنوعة.(1)
3ـ تطبيقات قانونية لهذا التدبير : 
أ ـ المـادة (7) مـن نـظـام الـمــرور الــســعــودي والــتـي تـنص علــى(  أ ـ تسحب رخصة السيارة العمومية إذا حُكم قضائياً على حاملها بإدانته بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (ج) من المادة (4) . ب ـ لا تُعطي رخصة سيارة مهما كان نوعها لمن أُدين بحكم قضائي بتعاطي المخدرات أو صنعها أو حيازتها أو ترويجها، ما لم يكن قد مضى على انتهاء تنفيذ العقوبة خمس سنوات على الأقل . ج ـ لا تُعطى رخصة سياقة مهما كان نوعها لمن كان مدمناً على المسكرات، إلا إذا ثبتت توبته بموجب إجراءات للإثبات يحددها وزير الداخلية، ويعتبر مدمناً في حكم هذا النص من أُدين مرتين على الأقل بحكم قضائي بارتكاب جريمة سكر) . 
ب  ـ المادة (188) من نفس النظام السابق  والتي تنص على أن  ( مدير إدارة المرور العامة عند تكرار المخالفة أكثر من مرة أن يسحب رخصة السياقة لمدة أقصاها شهر ويمكن سحب لأكثر من شهر أو سحبها نهائياً بعد موافقة وزير الداخلية إذا كانت المخالفات المتكررة تشكل خطراً على السلامة العامة ).(1)

الفرع الرابع
المنع من حمل السلاح

1ـ التعريف بهذا التدبير :
يُعرَّف الدكتور محمود نجيب حسني هذا التدبير بأنه ( إنهاء مفعول الترخيص بحمل السلاح الذي يحوزه من يُنزل به هذا التدبير ، وعدم جواز إعطائه ترخيصاً تالياً خلال المدة التي يمتد الحرمان خلالها ).( )
والهدف من هذا التدبير أن المحكوم عليه يحتمل أن يستغل السلاح الذي يحمله ليرتكب عن طريقه جريمة،فيستهدف هذا التدبير  الخطورة الإجرامية التي ينطوي عليها حمل السلاح .
2ـ شرط إيقاع هذا التدبير: 
يشترط لإنزال هذا التدبير أن يكون اقتراف الجريمة بواسطة السلاح أو العنف ؛ وذلك حتى يكون هناك مبرراً كافياً لسحب ترخيص حمل السلاح من المحكوم  عليه.(2)
3ـ المدة المقررة لهذا التدبير : 
الحرمان من حق حمل السلاح قد يكون مؤبداً يستمر مدى الحياة ، وقد يكون مؤقتاً تتراوح مدته بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة . 

4ـ تطبيقات قانونية لهذا التدبير: 
أـ النظام في المملكة العربية السعودية يسمح بمنح ترخيص حمل السلاح وفق شروط وضوابط معينة ، وينص النظام السعودي على جواز سحب ترخيص حمل السلاح ، حيث ورد في المادة ( 18) من نظام سحب الترخيص أو إلغائه بتسليم السلاح فوراً حتى يُنظر في أمره.( )
فالمادة السابقة تُشعر بإمكانية سحب الترخيص أو إلغائه إذا رأت الجهة المسئولة ذلك. 
ب ـ المادة (97) من قانون العقوبات اللبناني والتي تنص على أن: (كل حكم بعقوبة جنائية أو جنحة من أجل جريمة اقترفت بواسطة السلاح أو بالعنف، يوجب الحرمان من حق حمل السلاح مدة ثلاث سنوات ، إلا أن يتضمن الحكم خلاف ذلك).( )










الفرع الخامس
موقف الفقه من التدابير الاحترازية السالبة للحرية 

إن التدابير الاحترازية في الفقه تدور مع المصلحة العامة أو النظام العام وجوداً وعدماً، فمتى ظهر من الشخص ضرر متوقع، وخطورة إجرامية، فإن لولي الأمر وللقاضي إيقاع ما يشاء من العقوبات، التي من شأنها أن تردع ذلك الشخص الخطير.
 ومن التدابير التي لولي الأمر والقاضي أن يوقعها على كل من يستحقها، ما سلف ذكره في هذا المطلب، من التدابير التي نص عليها القانون. 
إن نظرية التعزير للمصلحة العامة تسمح باتخاذ أي إجراء؛ لحماية أمن الجماعة وصيانة نظامه من الأشخاص المشبوهين والخطرين، ومعتادي الإجرام، والنظرية بعد ذلك تقوم على قواعد الشريعة العامة التي تقضي بأن الضرر الخاص يُتَحمل لدفع الضرر العام، وأن الضرر الأشد يُزال به الضرر الأخف.
إن حجز المشبوهين والخطرين في مأوى علاجي، لكي يتلقوا فيه ما يصلح حالتهم – بعد الله تعالى – هو مما يوافق ما جاء به الفقه الإسلامي، (ومن أمثلة التعزير للمصلحة العامة، منع المجنون من الاتصال بالناس، إذا كان في اتصاله بهم ضرر عليهم، وحبس من أُشتهر بإيذاء الناس ولو لم يقم عليه دليل أنه أتى فعلاً معيناً)( )، ومما يُلحق بالمجنون من به عته وخلل نفسي، يتوقع منه إلحاق الضرر بالناس . 
أما مدمن الخمر، فإنه يحبس لأجل تكرر شربه المسكر، ودليل ذلك أن عمر  بن الخطاب – رضي الله عنه – جلد أبا محجن الثقفي( ) – رضي الله عنه -  في الخمر ثماني مرات، وأمر بحبسه، فأُوثق يوم القادسية، ثم أُطلق بعد توبته.( )
وفي حبس مدمن الخمر، إبعاد له عن مواطن الفساد، مما يترتب على ذلك علاج له من الإدمان ـ بإذن الله تعالى ـ .
أما حظر ممارسة العمل، لكل شخص يظهر منه خطورة إجرامية فهو مما يتوافق مع الفقه الإسلامي، فقد عرف الفقه التعزير بالعزل، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله( ) ـ: (إن التعزير يكون بالعزل من الولاية، وأن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه يعزرون بذلك).( ) 
ومن ذلك: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أعـطـى رايـــة الأنـصـار في غــزوة الــــــفـتــح ســعـد بـن عــبــادة ( )،  فـلـمــا مـــر ســعــد
 بأبي سفيان( )  وهو محتجز على مضيق الوادي لعرض الجيش الإسلامي عليه لإدخال الرعب في قلبه، ثم تحطيم معنويات قومه بواسطته، قال له سعد: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشاً، فلما حاذى الرسول – صلى الله عليه وسلم – أبا سفيان قال له: يا رسول الله ألم تسمع ما قاله سعد؟ قال: وما قال؟ قال: قال كذا وكذا، فأرسل الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى سعد فنزع منه اللواء ودفعه إلى قيس( ) ابنه.( )
وبلغ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عن بعض نوابه أنه يتمثل بأبيات في الخمر فعزله.( )
وجه الدلالة: 
يدل الحديث الأول على أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد عزَّر قائده في تلك الغزوة على تصرفه وكلامه مع أبي سفيان بعزله عن ولاية ذلك الجيش، وهذا دليل على مشروعية التعزير بالعزل. 
ويدل الأثر الثاني على أن عمرـ رضي الله عنه ـ قد عزر نائبه الذي كان يتمثل بأبيات في الخمر بعزله من وظيفته وعمله، ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة، وهذا دليل على مشروعية التعزير بالعزل. 
ويطبق التعزير بالعزل في كل جريمة يرى ولي الأمر أو نائبه ملائمة تلك العقوبة لها.
 هذا وقرر كثير من الفقهاء التعزير لبعض الجرائم فمن ذلك:
أن ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يرى تعزير شارب الخمر بعزله عن ولايته بعد حده أربعين.( ) 
كما قرر بعض فقهاء الحنفية والشافعية توجيه العزل على المرتشي، ورأى بعضهم أنهم ينعزل بمجرد أخذ الرشوة؛ لأن عدالته مشروطة في ولايته فتزول بزوالها.( )
ويمكن لولي الأمر أن يمنع كل من يظهر منه خطورة على المجتمع، إذا أخل بواجبات العمل الذي يمارسه. 
ومن التدابير التي تسلب الشخص حريته، سحب رخصة القيادة، التي تخول حاملها قيادة السيارة، ويطبق هذا التدبير كما سبق، على من استخدم المركبة في تنفيذ جريمته، أو من قادها وهو في حالة سكر، مما ينتج عنه تعريض حياته وحياة الآخرين للخطر. 
فيجوز لولي الأمر أن يمنعه من قيادة السيارة؛ وذلك بمصادرة رخصة القيادة ، وما ذلك إلا تعزير لمن يتخذ السيارة أو أي مركبة لتنفيذ أعماله المشينة. 
والضرورات الإجتماعية هي المسوغ الوحيد لإقرار الشريعة هذا النوع من جرائم التعزير ـ أي التعزير للمصلحة العامة ـ، فحماية نظام الجماعة ومصالحها العامة تقتضي نصوصاً مرنة تلائم كل وقت وآن، وكل ظرف وحالة، وليس أكثر مرونة وأكثر ملاءمة لحاجات من هذا الذي جاءت به الشريعة.( )
وما قيل في سحب رخصة القيادة، يجري في جواز منع حمل السلاح إذا كان يُستهدف من حمله إيقاع جريمة أو كان السلاح قد استُخدم في جريمة ما. 
ومما سبق يتضح أن التدابير السالبة للحرية في القانون، هي متوافقة مع ما جاء به الفقه الإسلامي، إذ أن التدبير السالب للحرية تدور مع مصلحة الجماعة أو النظام العام.













المطلب الثاني
التدابير الاحترازية المقيدة للحرية 

القسم الثاني من أقسام التدابير الاحترازية هو ما يعرف بالتدابير الاحترازية المقيدة للحرية، وهذا النوع من التدابير الاحترازية لا تسلب الإنسان حريته ـ كما هو الحال في المطلب الأول ـ وإنما تضيق منها وتضع لممارستها بعض القيود وتخضعها لنوع من التوجيه.
وسوف يكون حديثي عن هذا المطلب في فروع أربعة هي كالتالي:
الفرع الأول: المراقبة.
الفرع الثاني: المنع من الإقامة.
الفرع الثالث: الإخراج من البلاد.
الفرع الرابع: موقف الفقه من التدابير المقيدة للحرية.  







الفرع الأول
المراقبة

1ـ التعريف بهذا التدبير :
يعرف الدكتور عبدالله سليمان هذا التدبير بأنه( تدبير احترازي يقوم على تقييد حرية الفرد بإخضاعه لمراقبة خاصة، وإلزامه بتنفيذ تعليمات معينة، بهدف تجنيبه ارتكاب جرائم جديدة).( )
2ـ حالات إيقاع هذا التدبير: 
يُحكم بهذا التدبير في الحالات التالية: 
أـ إذا كان الحكم بالحبس لمدة سنة أو أكثر، صادراً في جناية عادية مطلقاً .
ب ـ إذا كان الحكم بالحبس لمدة سنة أو أكثر في أي جنحة سرقة أو احتيال أو تهديد أو إخفاء محكوم عليهم فارين.
ج ـ إذا كان الحكم بالحبس لمدة سنة أو أكثر في أيَّة جنحة بصورة مطلقة، إذا كان المحكوم عليه بها عائداً، أو اتضح لأسباب معقولة أنه سيعود إلى ارتكاب أيَّة جناية أو جنحة.( )


3ـ القيود الواردة على هذا التدبير:
  لكي يحقق هذا التدبير الغرض الذي فُرض من أجله فلابد من إخضاعه لبعض القيود الخاصة التي يمكن تعديلها في وقت لاحق، ومن هذه القيود:
أـ عدم تغيير محل الإقامة إلا بإذن مسبق من الجهة المراقبة، وإن لم يكن له محل إقامة عينت له الجهة المختصة محلاً، ويجب عليه أن يكون موجوداً في المسكن أو في المكان المعين للإقامة .
ب ـ  يجب التواصل بينه وبين الجهة المختصة ، بأن يقدم نفسه لها حسب ما تحدده الجهة . 
ج ـ تجنب مخالطة ذوي السوابق والسمعة السيئة، وعدم ارتياد الأماكن المحظور ارتيادها في الحكم.
د ـ عدم مغادرة المسكن في أوقات معينة بالليل إلا بإذن مسبق.
هـ ـ عدم حمل أي من الأدوات التي يمكن أن تستعمل في الاعتداء.( )
4ـ المدة المقررة لهذا التدبير: 
   تتراوح مدة هذا التدبير بين سنة إلى خمس سنوات ، ويُقدم للقاضي تقريراً عن سيرة المحكوم عليه مرة كل ثلاثة أشهر على الأقل ، ومن خالف الأحكام التي فرضها عليه النظام أو القاضي أو اعتاد التملص من المراقبة، حُكم عليه بالحبس مدة ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.( )
5ـ تطبيقات قانونية لهذا التدبير: 
     ما نص عليه الفصل (10) من القانون الجنائي المغربي من أنه (إذا تبيّن من الأحداث أن المتهم بارتكاب إحدى جرائم المس بسلامة المجتمع له نشاط عادي فيه خطر على المجتمع جاز للمحكمة التي تقضي عليه بالعقوبة من أجل تلك الجريمة أن تعين له مكاناً للإقامة أو دائرة محصورة لا يجوز له الابتعاد عنها بدون رخصة، طوال المدة التي يحددها الحكم على أن لا تتجاوز خمس سنوات، تبتدىء مدة الإجبار على الإقامة من يوم انتهاء تنفيذ العقوبة).( )


 
الفرع الثاني
المنع من الإقامة

1ـ التعريف بهذا التدبير:
هو حرمان المحكوم عليه بعد انقضاء مدة عقوبته من أن يرتاد مكاناً معيناً أو أماكن معينة مدة من الزمن .
وهذا التدبير في الأصل مقصود به حرمان بعض الفئات من الجناة الذين يتخذون من مكان معين أو أماكن معينة مسرحاً لإجرامهم.( )
2ـ الأماكن التي تُمنع الإقامة فيها: 
تمنع الإقامة في نوعين من الأماكن: 
أ ـ الأماكن التي تُمنع الإقامة فيها بقوة القانون ، وهي المقاطعة أو المدينة التي اقترف فيها المحكوم عليه الجناية ، والمقاطعة التي يسكن فيها المجني عليه أو أبناؤه حتى الدرجة الرابعة .
ب ـ الأماكن التي يحددها القاضي إذا قدَّر من ظروف الجريمة أن من المناسب حظر إقامته فيها ؛  درءاً لعودته إلى ارتكاب الجريمة. وهذا التدبير يفرض عادة إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بمناسبة ظروف اجتماعية أو أخلاقية سائدة في منطقة معينة.( )
(وينبغي عند الحكم بهذا التدبير مراعاة حالة المحكوم عليه الصحية وغيرها من الظروف الأخرى، والملائمة بين هذه الظروف وبين المكان أو الأماكن التي يُراد حرمان المحكوم عليه من ارتيادها).( )
3ـ المدة المقررة لهذا التدبير: 
مدة المنع من الإقامة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن مدة العقوبة المحكوم بها، على أن لا تزيد في  جميع الأحوال عن خمس سنوات ، ويجوز للمحكمة في أي وقت أن تأمر بإعفاء المحكوم عليه منها ، أو تأمر بتعديل المكان أو الأماكن التي تنفذ فيها.( )
4ـ تطبيقات قانونية لهذا التدبير: 
المادة (107) من قانون العقوبات المصري والتي تنص على أن (للمحكمة أن تفرض منع الإقامة على كل محكوم عليه في جناية عادية أو جنحة مخلة بالشرف ، ولها في أي وقت أن تأمر بناء على طلب المحكوم عليه أو الادعاء العام بإعفائه من كل أو بعض المدة المقررة في الحكم لمنع الإقامة أو بتعديل المكان أو الأمكنة التي ينفذ فيها).( )




الفرع الثالث
الإخراج من البلاد

1ـ التعريف بهذا التدبير : 
يعرِّف الدكتور محمود قرني هذا التدبير بأنه ( عمل بمقتضاه تُنذر الدولة فرداً أو عدة أفراد يقيمون فيها بالخروج منها في أقرب وقت ، وإكراههم على ذلك عند اللزوم ).( )
ويهدف هذا التدبير تجنيب البلاد خطورة الأجنبي المحكوم عليه ، وهو في الحقيقة تعبير عن سيادة الدولة في مواجهة من يخالف أحكامها.( )
2ـ الفئة المعنيِّة بهذا التدبير : 
يوقع هذا التدبير على الأجانب دون المواطنين ، إذ لا تجيز أنظمة الدول عادة إبعاد المواطنين ؛ وذلك لأنه يُقصد به تخليص البلاد من الأجانب الذين خرجوا عن الأدب بما لا يستحقون البقاء بعدها في البلاد.( )
وهذا التدبير يطبق على الأجانب في حالتين هما : 
أـ في حالة الحكم على الأجنبي بعقوبة جنائية مهما كان نوعها .
ب ـ  في حالة الحكم على الأجنبي بعقوبة بسبب جنحة مهما كان نوعها.( )
3- المدة المقررة لهذا التدبير : 
الحكم بهذا التدبير قد يكون مؤبداً ، وقد يكون مؤقتاً .
والمؤقت يكون لمدة تتراوح ما بين ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة .
وعلى المحكوم عليه أن يغادر البلاد خلال مدة معينة ، حُددت في القانون السوري بخمسة عشر يوماً.
ويعاقب كل من تخلف بعد المدة المعطاة له لمغادرة البلاد بعقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر.( )
5- تطبيقات قانونية لهذا التدبير : 
أ- المادة (60) من نظام الإقامة، والتي تنص على أن (كل من يساعد أجنبياً على الحصول على إقامة أو تأشيرة أو تصريح بالعمل على أساس التدليس أو الغش أو التزوير أو تلفيق المعلومات أو الرشوة ، يجازى بالسجن ثلاثة أشهر إلى ستة  أشهر أو بغرامة مالية من ثلاثمائة إلى ستمائة ريال أو بهما معاً ، ويجري إبعاده عن البلاد إن لم يكن سعودياً )
ب ـ المادة (54) من نفس النظام السابق ، والتي تنص على أن ( كل أجنبي يخالف المادة الثانية عشرة ، يحرم من حق الإقامة ويجري إبعاده عن البلاد).( )
ج ـ المادة (79) من قانون الجزاء الكويتي ، والتي تنص على أن (كل حُكم بالحبس على أجنبي ، يجيز للقاضي أن يأمر بإبعاده عن الكويت ، بعد الانتهاء من تنفيذ العقوبة ، وذلك دون إخلال بحق السلطة الإرادية في إبعاد كل أجنبي وفقاً للقانون).( )

















لفرع الرابع
موقف الفقه من التدابير الاحترازية المقيدة للحرية 

العقوبات التعزيرية متعددة في الشريعة الإسلامية ومتنوعة، إذ أن مقاديرها وأجناسها، وصفاتها تختلف باختلاف الجرائم، في كبرها، وصغرها، ونوعها والتي يستحيل حصرها؛ لأن الحوادث لا تنتهي و لا تقف عند أنواع أو أعداد محددة، ما دام الإنسان ودامت الحياة، وكذا بحسب حال المجرم في نفسه، وحال القائل والمقول فيه والقول، والتعزير لا يختص بفعل معين ولا قول معين وليس لأقله حد مقدر.( )
ويجتهد الإمام في جنس التعزير وقدره؛ لأنه غير مقدر شرعاً، فوُكِل إلى رأيه، وعليه أن يجتهد في سلوك الأصلح لاختلاف ذلك باختلاف مراتب الناس، وباختلاف المعاصي، وعلى الإمام مراعاة الترتيب والتدرج اللائق بالحال في القدر، كما يراعيه في دفع الصائل، فلا يرقى إلى مرتبة وهو يرى ما دونها كافياً مؤثراً.( )
وبناء على ما سبق فإن لولي الأمر وللقاضي أن يأمرا بمراقبة من تظهر منه خطورة إجرامية، أو من وقع في خطأ يخل بالنظام العام، ويخشى العودة إلى ذلك الخطأ، فتستمر المراقبة إلى أن يظهر زوال تلك الخطورة التي دفعت ولي  الأمر إلى إيقاع تدبير مقيد للحرية، ألا وهو المراقبة. 
جاء في كتاب (تحفة الحبيب) في معرض كلامه عن عقوبة الزاني البكر، ونفيه عن بلده: (ولا يُعقل في الموضوع الذي غُرِّب إليه، لكن يحفظ بالمراقبة، والتوكيل به لئلا يرجع إلى بلده).( ) 
والمنع من الإقامة في البيت من التدابير الاحترازية المقيدة للحرية في الشريعة الإسلامية، ويطبق ذلك في حق من يأوي إليه أهل الفسق والخمر، فيُمنع من الإقامة في بيته حفاظاً عليه وعلى الآخرين (وقد سُئل مالك( ) عن فاسق يأوي إليه أهل الفسق والخمر، ما يصنع به؟ فقال: يُخرج من منزله، وتكرى عليه الدار والبيوت، فلا تباع لعله يتوب فيرجع إلى منزله، وينصح مرة أو مرتين أو ثلاثاً فإن لم ينته أخرج من الدار وأُكريت عليه). ( ) 
ومن أشهر التدابير المقيدة للحرية في الفقه الإسلامي ، النفي أو التعزيب على وجه التعزير، وهو ما يُعرف في القانون بالإخراج من البلاد. 
ومــن أمـــثلــــة عـــقــوبــة الـــنــفــي تــعــزيــراً مــا رواه الــبخـــاري( )
 عن ابن عباس( ) – رضي الله عنهما – قال: "لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم، وأخرج فلاناً، وأخرج عمر فلاناً".( )
ومنها ما رُوي عن أبي هريرة – رضي الله عنه - : "أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أُتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – ما بال هذا؟ فقيل: يا رسول الله، يتشبه بالنساء، فأمر به فنفي إلى البقيع، قالوا: يا رسول الله – ألا نقتله؟ قال: إني نهيت عن قتل المصلين".( )    
ونفى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – صُبيغاً( ) إلى البصرة أو الكوفة تعزيراً له على سؤاله عن متشابهات القرآن.( ) 

ويجوز النفي للمصلحة العامة، كنفي عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لنصر بن حجاج( ) من المدينة إلى البصرة ، وذلك بسبب افتتان النساء به.( )
فهذه النصوص دليل على جواز التعزير بالنفي ، والإخراج من البلاد إذا ظهر من الشخص خطورة إجرامية، أو اقتضت المصلحة العامة بإيقاع هذا التدبير، قال ابن حجر( ) ـ رحمه الله ـ  (وفي هذه الأحاديث مشروعية إخراج كل من يحصل به التأذي للناس عن مكانه إلى أن يرجع عن ذلك ويتوب).( )
ويجوز للدولة الإسلامية عند الضرورة أن تبعد أي مسلم أو ذمي عن أرضها إذا لم يكن هناك وسيلة لدفع خطره إلا بالإبعاد، ويكون الإبعاد لبلد هذا الشخص المبعد أو لبلد إسلامي آخر ، ولا يجوز الإبعاد لبلد كافر.( )
فالشخص الذي يُخشى منه الإخلال بالأمن العام يجوز للدولة الإسلامية إبعاده سواء كان مسلماً أو ذمياً، معاهداً.  
 
المطلب الثالث
التدابير الاحترازية المادية

الأصل في التدابير الاحترازية أنها شخصية؛ لأنها تستهدف مواجهة خطورة كامنة في شخص المجرم؛ لدرء خطرها عن المجتمع، ولكن المنظِّم قدَّر أن بعض الأشياء قد تكون عاملاً من العوامل التي تُسهل على المجرم اقتراف جريمته، فواجهها بتدابير مادية تنصب على هذه الأشياء؛ لتجرد الفرد منها، بهدف إبعاده عن الإجرام.
 وسوف يكون الكلام عن هذا المطلب في أربعة فروع، وهي: 
الفرع الأول: المصادرة. 
الفرع الثاني: إغلاق المحل. 
الفرع الثالث: حل الشخص المعنوي. 
الفرع الرابع: موقف الفقه من التدابير المادية. 
 
الفرع الأول
المصادرة

1ـ التعريف بهذا التدبير: 
يُقصد بالمصادرة أن تستحوذ الدولة على أشياء مملوكة للغير، قهراً وبدون مقابل، إذا كانت تلك الأشياء ذات صلة بجريمة اقتُرفت فعلاً، أو أنها من الأشياء المحرمة قانوناً. ( ) 
ومن خلال التعريف لابد أن نفرق بين نوعين من الأشياء التي تكون محلاً للمصادرة: الأشياء المباحة أصلاً، والأشياء غير المباحة. 
فمصادرة الأشياء المباحة الهدف منها هو عقاب الجاني وإيلامه، وبذلك تكون المصادرة في هذه الحالة عقوبة. 
أما مصادرة الأشياء غير المباحة أصلاً، فإنها تعني الوقاية من خطر محتمل، وبذلك تكون المصادرة لذات الشيء المادي، والذي هو محرم نظاماً.( )
فالمصادرة التي نحن بصددها هي المصادرة المادية، والتي يتم اتخاذها كتدبير احترازي، فهي بذلك تهدف إلى توقي خطورة إجرامية بانتزاع عين من المحتمل أن تُستعمل في ارتكاب الجريمة، وإذا كانت هذه المصادرة تعني انتقال ملكية المال إلى الدولة، فليس هدفها هو إثراء الدولة، ولكن هدفها هو سحب الشيء الخطر من التداول، فالدولة لا تعنيها ملكية هذا المال أو حيازتها له، ولكن يعنيها أن لا يكون في حيازة غيرها؛ لخطورة ذلك على أمن المجتمع، وعادة تتلف الدولة هذا الشيء الذي يؤول إليها بناء على المصادرة.( )
2ـ خصائص المصادرة كتدبير احترازي: 
تتميز المصادرة كتدبير احترازي بعدة خصائص تميزها عن المصادرة بوصفها عقوبة، ومن هذه الخصائص: 
أ. أن الحكم بها واجب ولو برىء المتهم من الجريمة أو صدر عفو عنه أو توفي أثناء نظر الدعوى الجنائية، ولكن لابد من إقامة الدعوى الجنائية وصدور حكم القاضي بالمصادرة. 
ب. لا تقيد المصادرة كتدبير احترازي بمراعاة حقوق الغير، ولو كان حسن النية، فهذه المصادرة واجبة ولو كانت الأشياء التي يراد مصادرتها مملوكة لغير المتهم أو كان لغير المتهم حقوقاً عليها. 
ج. المصادرة كتدبير احترازي واجبة الوقوع، فإذا كان الشيء محل المصادرة غير مشروع الصنع كالمخدرات، أو اقتنائه السلاح الغير مرخص، وجب الحكم بها، ولا يجوز إعفاء المتهم لأي سبب كان. 
د. لا بد أن يكون الشيء موضوع المصادرة قائماً وفي حيز الوجود عند صدور الحكم، إذ لا مصادرة بدون ضبط.( )


3. تطبيقات قانونية لهذا التدبير : 
أ. المادة (11) من نظام مكافحة التزوير السعودي والتي جاء فيها( تضبط وتصادر جميع النقود المزيفة والمقلدة وكافة الأدوات المستعملة في الجريمة أو المتحصل عيها، وتُسلم إلى مؤسسة النقد العربي السعودي، ولا يدفع مقابل لها أي تعويض عنها بأي حال من الأحوال). ( ) 
ب ـ المادة ( 12) من نظام مكافحة الرشوة السعودي والتي تنص على أنه( يُحكم في جميع الأحوال بمصادرة المال أو الميزة أو الفائدة موضوع الجريمة متى كان ذلك ممكناً عملاً ).( )
 ج. المادة (39) من نظام المطبوعات السعودي، والتي تنص على أنه( في حال ارتكاب مخالفة لحكم المادة (3/أ ) من هذا النظام يجب الحكم دائماً بمصادرة المبلغ أو المنفعة المقبوضة بالإضافة إلى العقوبة المنصوص عليها في المادة (38)).( )
الفرع الثاني
غلق المحل

1ـ التعريف بهذا التدبير والهدف منه : 
يُعرِف الدكتور محمود قرني غلق المحل كتدبير احترازي بأنه: ( منع مزاولة العمل المخصص له هذا المحل أو هذه المؤسسة ).( ) 
ويهدف هذا التدبير إلى منع الشخص المحكوم عليه من العودة إلى استعمال المحل أو المؤسسة لممارسة عمل إجرامي يمثل خطراً على المجتمع.
2- الشروط الواجب توافرها للحكم بهذا التدبير: 
يشترط للحكم بهذا التدبير ما يلي: 
أـ أن تكون الجريمة جناية أو جنحة، فإذا كانت الجريمة مخالفة فلا يحكم بغلق المحل الذي استخدم في ارتكابها؛ ذلك أن المخالفة من الجرائم البسيطة فلا تستلزم اتخاذ إجراء ثقيل يحرم المحكوم عليه من وسيلة عيشه.
ب ـ أن يكون المحل بحيازة المحكوم عليه وقت ارتكاب الجريمة، فإن كان المحل قد خرج من حيازة الجاني قبل ارتكاب الجريمة أو كان يعود للغير، وليس لهذا الغير صلة بالجريمة فلا يكون الشرط متحققاً ، ولا يشترط أن يكون الجاني مالكاً للمحل، بل يكفي أن يكون بحيازته ، كما لو كان مستأجراً له . 
ج. أن يكون المحل قد استخدم في ارتكاب الجريمة ، فلا يجوز إقفال كل المحلات التي هي بحيازة الجاني وقت ارتكاب الجريمة ، بل التدبير يقتصر على المحل الذي استخدمه في ارتكابها .
3. مدة هذا التدبير : 
يحكم بإقفال المحل الذي استخدم في ارتكاب الجريمة مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة .
ويحضر على المحكوم عليه مباشرة عمله في المحل الذي تقرر غلقه، سواء أكان ذلك بنفسه أو بواسطة أحد أفراد أسرته أو أي شخص آخر يكون المحكوم عليه قد أجره أو تنازل له عنه بعد وقوع الجريمة. ( ) 
4ـ تطبيقات قانونية لهذا التدبير: 
أ ـ المادة (57) من نظام مزاولة مهنة الصيدلة والاتجار بالأدوية الطبية والمستحضرات الطبية ، والتي تنص على أنه( يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد عن عشرة آلاف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من فتح أو أنشأ أو أدار منشأة أو صيدلية بدون ترخيص وفي كل الحالات يًحكم بغلق المنشأة).( ) 
ب ـ المادة ( 202) من نظام العمل والعمال ، والتي تنص على أن 
( يعاقب سجل من يخالف أحكام الفصل الثامن لغرامة قدرها ألف ريال وإغلاق المؤسسة كلياً أو جزئياً أو إيقاف المنشآت الجديدة). ( )
4. المادة (121) من قانون العقوبات المصري، والتي تنص على أن( فيما عدا الحالات التي ينص عليها القانون على الغلق، يجوز للمحكمة عند الحكم على شخص لجناية أو جنحة أن تأمر بغلق المحل الذي استخدم في ارتكاب الجريمة لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة ...) ( )










الفرع الثاني 
حل الشخص المعنوي 

1ـ التعريف بهذا التدبير : 
 يقصد بحل الشخص المعنوي : تصفية أمواله، وزوال وصف الشخصية المعنوية عنه.( )  
والأشخاص الاعتبارية التي يُتخذ بحقها هذا النوع من التدابير هي، النقابات المهنية والجمعيات التعاونية والخيرية والشركات بكافة أنواعها والمصانع الخاصة ، أما الوزارات والإدارات العامة فلا مجال لتوقيع هذا النوع من التدابير ضدها ، خشية تعطيل الخدمات العامة التي تقدمها للأفراد.( )
2ـ الحالات التي يُحكم فيها بحل الشخصية المعنوية: 
الحكم بحل الشخصية المعنوية لمن يتمتع بها ، يتقرر في إحدى الحالات التالية : 
أ. إذا لم تتقيد الشخصية المعنوية بموجبات التأسيس القانوني .
ب . إذا كانت الغاية من تأسيسها مخالفة للقانون، أو كانت تستهدف في الواقع مثل هذه الغاية. 
ج. إذا خالفت الأحكام القانونية المنصوص عليها تحت طائلة الحل. 
د. إذا كانت قد أُوقفت بموجب قرار مبرم لم تمر عليه خمس 
سنوات.( )
3ـ الآثار المترتبة على الحكم بحل الشخصية المعنوية: 
يمكن تلخيص الآثار المترتبة على حل الشخص المعنوي فيما يلي:
أ. إلغاء الوجود القانوني للشخص المعنوي.
ب. تصفية أعمال وأموال الشخص المعنوي.
ج. إنهاء أعمال المديرين والممثلين والعمال، وتصفية استحقاقاتهم وفقدان كافة العاملين مراكزهم وصفاتهم. 
د. لا يستطيع المتسبب من الأشخاص الطبيعيين الاشتراك في تأسيس شخصية اعتبارية مماثلة أو الاشتراك في إدارتها.
هـ . إلغاء الترخيص بمزاولة النشاطات الممنوح لها.( )
4ـ تطبيقات قانونية لهذا التدبير : 
أـ ما نصت عليه المادة (108) من قانون العقوبات اللبناني من أنه ( يمكن وقف كل نقابة وكل شركة أو جمعية وكل هيئة معنوية ،ما خلا الإدارات العامة إذا اقترف مديروها أو أعضاء إدارتها أو ممثلوها أو عمالها باسمها أو بإحدى وسائلها جناية أو جنحة مقصودة يعاقب عليها بسنتي حبس على الأقل ).
ب ـ المادة (109) من نفس القانون أعلاه والتي تنص على أنه: ( يمكن حل الهيئات المذكورة في الحالات التي أشارت إليه المادة السابقة :
1/إذا لم تتقيد بموجبات التأسيس القانونية.
2/إذا كانت الغاية من تأسيسها مخالفة الشرائع، أو كانت تستهدف في الواقع مثل هذه الغاية.
3/إذا خالفت الأحكام القانونية المنصوص عليها تحت طائلة الحل.
4/إذا كانت قد وقفت بموجب قرار مبرم لم تمر عليه خمس سنوات).( )











الفرع الرابع
موقف الفقه من التدابير الاحترازية المادية 

لم يُغفل الفقه الإسلامي اعتبار التدابير الاحترازية المادية، فقد صادر عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أموال أبي هريرة – رضي الله عنه – عندما استعمل عمر أبا هريرة على البحرين، فاجتمعت لأبي هريرة اثنا عشر ألفاً، فلما قدم إلى عمر قال له: أسرقت مال الله؟ فقال أبو هريرة : لم أسرق مال الله، ولكن خيلي تناسلت، وعطائي تلاحق، وسهامي اجتمعت، فأخذ منه عمر المال، فلما صلى أبو هريرة الغداة قال: اللهم أغفر لعمر.( )
فدل هذا الأثر على أن عمر – رضي الله عنه – صادر أموال عامله على البحرين تعزيراً له على تصرفه، وقد أقر المعزر نفسه على ذلك – لصلاحه – رضي الله عنهما – بدليل دعائه له بالمغفرة ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فدل ذلك على جواز التعزير بمصادرة المال. 
ويدخل في ذلك كل ما من شأنه أن يكون خطراً على المجتمع، أو كل ما يتخذه المجرم في تنفيذ جريمته. 
ويجوز لولي الأمر أن يأمر بإغلاق المحل أو حل الشخص المعنوي إذا ظهر من أصحابهما المخالفة، والتي يقع بسببهما اختلال بالنظام العام، أو المساس بمصلحة الجماعة. 
وعلى ولي الأمر أن ينص على كل أمر مخالف، لكي لا يعاقب من يقع في المحظور بغير علم، ولابد أن يكون المحظور مما يكون في ارتكابه توصلاً إلى جريمة أو أمر ممنوع. 
هذا وقد طبقت الشريعة قاعدة: (لا جريمة ولا عقوبة بلا نص) في جرائم التعازير، وكان من المنطقي أن تطبقها؛ لأن القاعدة من القواعد الأساسية في الشريعة، فلا يمكن إهمالها، ولكن الشريعة لم تطبق القاعدة على الوجه الذي طبقتها به على جرائم الحدود، أو جرائم القصاص أو الدية، ولم تتقيد بالحدود الضيقة التي قيدت بها تطبيق القاعدة في تلك الجرائم، وإنما توسعت الشريعة في تطبيق القاعدة على جرائم التعازير إلى حد ما؛ لأن المصلحة العامة وطبيعة التعزير، تقتضي هذا التوسع الذي جاء على حساب العقوبة في أغلب الأحوال، وعلى حساب الجريمة في القليل النادر. 
وجاء هذا التوسع على حساب العقوبة؛ لأنه لا يشترط في جرائم التعازير أن يكون لكل جريمة عقوبة معينة محددة يتقيد بها القاضي كما هو الحال في جرائم الحدود أو جرائم القصاص والدية، فللقاضي أن يختار لكل جريمة ولكل مجرم العقوبة الملائمة من مجموعة من العقوبات شرعت لعقاب الجرائم التعزيرية كلها، وللقاضي أن يخفف العقوبة وأن يغلظها.( ) 









الفصل الثاني :
أحكام التدابير الاحترازية ،وفيه مبحثان:

المبحث الأول: الأحكام الموضوعية للتدابير الاحترازية.

المبحث الثاني: الأحكام الإجرائية للتدابير الاحترازية.
 





المبحث الأول: الأحكام الموضوعية للتدابير الاحترازية، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: مدة التدابير الاحترازية.

المطلب الثاني: مدى اعتبار التدبير الاحترازي سابقة عند العود.

المطلب الثالث: مدى جواز تعدد التدابير الاحترازية.
 
الفرع الأول
مدة التدابير الاحترازية في الفقه 

الأصل أن التدابير الاحترازية غير محددة المدة؛ لأنها تختلف باختلاف الأشخاص، والأزمان، وكذلك نوع الجريمة.
فالجرائم غير الجسمية، أو التي يكون المجرمون الذين صدرت منهم ممن ليسوا من أهل السوابق العائدين لارتكاب الجرائم مرات متعددة، ولم تتأصل فيهم نزعة الإجرام، فهؤلاء تكون مدة التدابير الاحترازية في حقهم أقل من مدة غيرهم ممن اعتاد الإجرام، أو كانت خطورته الإجرامية أكثر من غيره. 
ففي الحبس تعزيراً، نجد أن الفقهاء قد اتفقوا على أنه لا تحديد لأقله، بل الأمر في ذلك مفوض إلى اجتهاد القاضي، فيحكم بالقدر الذي يراه كافياً لزجر وردع المجرم ، فقد يكفي سجن يوم أو ساعة بالنسبة لبعض الناس. 
أما الحد الأعلى فغير محدود عند الجمهور، فلم يبين جمهور الحنفية والمالكية، والحنابلة وطائفة من الشافعية حداً لأعلى الحبس تعزيراً، بل المرجع عندهم في تقدير أعلى مدة الحبس تعزيراً إلى اجتهاد الحاكم بما يراه كافياً للزجر والردع، وذلك يختلف باختلاف الجريمة، والفاعل والظروف التي ارتكب فيها الجريمة. 
جاء في كتاب البحر الرائق: ( وتقدير مدة الحبس راجعة إلى الحاكم).( ) 
وفي كتاب تبصرة الحاكم: (... وأما قدر مدة الحبس فيختلف باختلاف أسبابه وموجباته، فحبس التعزير راجع إلى اجتهاد الحاكم بقدر ما يرى أنه ينزجر به ... ومقتضى مذهبنا – المالكية – أنه موكول إلى اجتهاد الإمام).( ) 
وقال الماوردي( ) الشافعي: (... فمنهم من يحبس يوماً، ومنهم من يحبس أكثر إلى غاية غير مقدرة)( ). وكذلك قال أبو يعلي الحنبلي.( )( )
وذهب طائفة من الشافعية إلى تحديد مدة الحبس في التعزير، فقالوا: لا يجوز أن يبلغ التعزير بالحبس سنة للحر، ونصف سنة للعبد. 
ودليلهم قول النبي – صلى الله عليه وسلم-: "من بلغ حداً في غير حد فهو من المعتدين"( )، وحدد أبو عبد الله الزبيري( )، الشافعي – رحمه الله – الحبس في التعزير فقال: ( إن كان لمجرد الاستبراء والكشف عن حقيقة المتهم فمدته شهر واحد، وإن كان للتأديب والتقويم فمدته ستة أشهر. 
ورجح الماوردي أنه ليس بمقدر، ولو كان للكشف والاستبراء).( )
وهذا التحديد لم يرد فيه نص صحيح صريح، ولذلك فالراجح أن يُترك أمر تقدير المدة للقاضي؛ لأن المدة المحددة قد تمضي دون أن يحصل المراد من الحبس، وهو توبة المجرم وانزجاره عن معاودة الجريمة، ولو ورد تحديد بذلك لما جازت مخالفته. 
والسجن يعد تدبيراً احترازياً مقيداً للحرية، ويقاس عليه سائر التدابير الاحترازية، فلا تحدد بمدة إلا بناء على نظرة القاضي، فإذا رأى القاضي أن من أُوقع عليه التدبير الاحترازي قد صلح حاله، وظهرت توبته، فإن له أن يرفع عنه ذلك التدبير الاحترازي، وكذلك إذا تبين للقاضي أن الخطورة الإجرامية قد زالت ممن ظهرت منه تلك الخطورة، فإن للقاضي – كذلك – أن يحكم برفع ذلك التدبير. 
 
الفرع الثاني
مدة التدابير الاحترازية في النظام

إذا كان تحديد مدة العقوبة يتوقف على حسب جسامة الفعل الإجرامي المكوِن لها، فإن الأمر يختلف في تحديد مدة التدبير الاحترازي.
 فالتدبير الاحترازي يتوقف على الخطورة الإجرامية للشخص، التي هي شرط لإيقاع التدبير الاحترازي، ولا شك أن العناصر المكونة لتلك الخطورة تختلف من شخص لآخر، ولا يستطيع المقنن أن يتكهن بها سلفاً، كما أن هناك تدابير احترازية يُحكم بها على المجرمين المصابين بأمراض نفسيه أو عقلية أو على معتادي الإجرام، يكون من غير المعقول أن يحدد لها القانون سلفاً مدة محددة لها. 
لذلك نجد أن مدة التدبير الاحترازي يجب ألا تحدد في حدها الأقصى؛ لتعارض ذلك مع منطق الأمور التي من أجلها جاءت التدابير الاحترازية، ولكن هل من المنطق أيضاً تحدديها في حدها الأدنى؟ 
لا شك أن اعتبارات منطقية تدعو هي الأخرى إلى عدم الأخذ بذلك، فما دام أن التدبير الاحترازي مناطه الخطورة الإجرامية، فمتى زالت دواعيها فلا محل للتدبير الاحترازي، ولذلك عند تحديد حد أدنى قد تزول دواعي الخطورة في مدة أقل من المدة المحددة، ولذلك فإن منطق الأمور يقضي أيضاً بعدم تحديد التدبير الاحترازي في حده الأدنى. 
والواقع أنه ما دام أن هناك تدخلاً قضائياً في توقيع التدابير الاحترازية، فلا مانع من ترك الأمور لتقدير القاضي تبعاً لظروف كل شخص، وليس هناك ثمة تعارض بين ترك الأمور لتقدير القاضي، وبين كفالة حريات الأفراد؛ إذ أن في ذلك ضماناً لحريات الأفراد أكثر من إخضاعهم لتدبير احترازي مدته لا تتناسب مع درجة خطورتهم الإجرامية.( ) 
وهناك وجهة أخرى ترى عدم جواز تحديد مدة التدبير الاحترازي؛ لأن هذا يفسح المجال بدون حد لطريق التحكم سواء لسلطة التنفيذ أو للقاضي المشرف عليه. 
ثم إن تحديد مدة دنيا و قصوى في نص القانون، ضمانة لا غنى عنها في سبيل الحفاظ قدر المستطاع على حقوق الأفراد، ولو أنه لا يوجد من الناحية القانونية، ما يمنع من تجاوز الحد الأقصى للمدة في حالات خاصة وبشروط معينة. 
ومن جهة أخرى فليس من الضروري أن يظل المحكوم عليه خاضعاً للتدبير طيلة المدة التي حُددت في الحكم، فالطريقة المثلى في التنفيذ أنه بعد أن ينقضي الحد الأدنى لمدة التدبير – كما هو مبين في نص القانون- يفحص القاضي حالة المحكوم عليه، فإن رأى أن خطورته الإجرامية، قد زالت، قرر الإفراج عنه، وإلا فإنه يحدد موعداً لاحقاً لإعادة النظر في الموضوع، وإذا ما تبين على أيَّة حال زوال الخطورة الإجرامية في أي وقت- ولو قبل الموعد المحدد- فللقاضي أن يصدر قراراً بالإفراج أو بوقف العمل بالتدبير. 
ومن جهة ثالثة، ليس من المحتم إبطال العمل بالتدبير فور انتهاء المدة التي حددها الحكم، فقد يتبين للقاضي أن حالة المحكوم عليه تتطلب مزيداً من العلاج فيقرر إطالة مدة التدبير. 
أما تجاوز الحد الأقصى المقرر قانوناً للتدبير، فإنه يلزم أن يحاط بقيود وشروط تكفل عدم تقديره في غير موضعه.( )
وفي رأيي أن عدم تحديد مدة للتدبير الاحترازي، هو الرأي الصحيح؛ لأن مناط إيقاع التدبير الاحترازي هو الخطورة الإجرامية، فمتى زالت هذه الخطورة فيمكن أن يُزال التدبير الاحترازي، لكي لا يكون إيقاع التدبير الاحترازي سبباً في التدخل في حريات الأفراد بدون سبب، وهذا ما يتوافق مع روح الشريعة الإسلامية. 
وبهذا يتضح الفارق الأساسي بين العقوبة والتدبير الاحترازي، فالأصل في العقوبة أنها محددة المدة باعتبارها تمثل الجزاء عن فعل ارتُكب وخطيئة صاحبه، وهما ما يسع القاضي العلم بهما، والاستناد إليها في تحديد نوع العقوبة ومقدارها، وعلى الخلاف من ذلك فإن التدبير الاحترازي بطبيعته غير محدد المدة، باعتباره يواجه احتمالاً مستقبلاً. 
 




المطلب الثاني:

مدى اعتبار التدبير الاحترازي سابقة عند العود، وفيه فرعان:

الفرع الأول: مدى اعتبار التدبير الاحترازي سابقة عند العود في الفقه.

الفرع الثاني: مدى اعتبار التدبير الاحترازي سابقة عند العود في النظام.
 
الفرع الأول
مدى اعتبار التدبير الاحترازي سابقة عند العود في الفقه

من أصر على الجريمة ولم يرتدع بما أُوقع عليه من تدبير احترازي فإن للقاضي أن يشدد في إيقاع تدبير آخر، واعتبار ما مضى من التدبير الموقَع به سابقة يؤاخذ عليها؛ وذلك لأن إصراره على الجريمة وعودته إليها دليل على استهانته بالعقوبة، وبالتدبير الاحترازي. 
قال ابن تيمية – رحمه الله- : (فإن كان من المؤمنين على الفجور زِيد في عقوبته بخلاف المقل من ذلك).( )
فمن داوم على شرب الخمر – مثلاً – ولم يقلع عنها جاز للقاضي إضافة تعزير إلى الحد، وقد رُوي عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه كان يعزر شارب الخمر بنفيه وحلق رأسه.( ) 
وعند الحنفية: أن اللوطي والسارق وشاتم النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا تكرر منهم ذلك يعزرون بالقتل.( )فقد اعتبروا العود إلى الجريمة سابقة عند العود لمثلها، بل إنهم شددوا العقوبة على مرتكب ذلك الأمر، واستحق صاحبه القتل. 


وعند الحنابلة: أنَّ من تكرر منه الفساد ولم يرتدع بالحدود المقدرة يعزر بالقتل، واعتبروه حينئذ كالصائل.( )
والعود للجريمة له مفهومان: 
أحدهما: أن يرتكب جريمة ثم يعود إليها نفسها، كأن يرتشي ثم يعود إلى الارتشاء مرة أخرى، وهذا ما يسمى في القانون بالعود الخاص.   
وثانيهما: أن يرتكب جريمة ثم يعود إلى جريمة أخرى من نوع آخر، كأن يرتشي ثم يشهد الزور، وهذا ما يسمى في القانون أيضاً بالعود العامة. 
وكلا المفهومين ينطبق عليهما العود، وللقاضي إضافة إلى اعتبار العود للجريمة سابقة عند العود لها، أن يشدد في العقوبة التعزيرية إذا رأى ذلك. 
وليس هناك حد فاصل بين زمن ارتكاب الجريمة الأولى وبين زمن ارتكاب الجريمة الثانية، فإن العائد لها يُعد في جميع الأحوال عائداً يستحق إيقاع التعزير بل و تغليظ التعزير إذا رأى القاضي ذلك.( ) 
 
الفرع الثاني
مدى اعتبار التدبير الاحترازي سابقة عند العود في النظام

تعتبر العقوبة الصادرة بموجب حكم نهائي – نال قوة الأمر المقضي به- على الجاني سابقة في العود، عندما يعود الجاني لاقتراف جريمة جديدة، على أن يحدد القانون ظروف اعتبار الإدانة السابقة سابقة في العود، سواء من حيث طبيعتها – نوع الجرائم – أو من حيث المدة الفاصلة بينهما وبين الجريمة الجديدة. 
وتظهر حالات العود، أن العقوبة الأولى كانت غير كافية لمنع الجاني من العودة إلى الجريمة الثانية، وأنه يصر على معاودة الإجرام غير مبالٍ بمثل العقوبة التي فرضت عليه سابقاً. 
وقد أعارت القوانين الوضعية بمجملها اهتماما خاصاً بمسألة العود، باعتباره ظرفاً مشدداً يبرر تشديد العقوبة على العائد، لعل في العقوبة ما يكفي لزجره ويثنيه عن عزيمته في الإجرام. 
وإذا كانت الإدانة الأولى بعقوبة تعتبر سابقة في العود لمن يعود لاقتراف الجريمة من جديد، فهل نستطيع تطبيق هذا النظام على التدبير الاحترازي، واعتبار أن الإدانة الأولى بتدبير احترازي يعتبر سابقة في العود؟ 
بصرف النظر عن النقد الموجه إلى وجوب تشديد عقوبة الجاني بوصفه عائداً، فإن ما يبرر هذا التشديد هو اعتبار أن العقوبة السابقة كانت إنذاراً فشل في تحقيق الردع الخاص للجاني، فهل يستطيع التدبير الاحترازي أن يكون إنذاراً - مثل العقوبة – على أساسه نعتد بعودة الجاني إلى الجريمة أم لا؟ 
ينزل التدبير الاحترازي بناء على جريمة مقترفة – حسب الرأي الغالب في القوانين الوضعية – لمنع اقتراف جريمة جديدة تنم عنها شخصية الجاني، وعلى ذلك فإن اقتراف الجريمة التالية بعد إنزال التدبير يعني أن التدبير الاحترازي لم يقضِ على حالة الخطورة لدى الجاني، وهنا ما يقال عن العقوبة يقال عن التدبير أيضاً، فكلاهما قد أخفق في تحقيق الردع الخاص للمجرم. 
نتوصل من ذلك إلى القول بأن معاودة الجريمة من قبل الجاني سواء سبق له أن أُنذر بالعقوبة أو بالتدبير تعني فشل هذا الإنذار من جهة، وتعني خطورة الجاني من جهة أخرى. 
ويجادل فقهاء القانون الوضعي في إمكانية اعتبار التدبير الاحترازي إنذاراً، فيرى البعض أن التدبير الاحترازي لا ينطوي على معنى الإنذار؛ لأنه لا يستند إلى تقرير مسؤولية عقابية، ولأن التدبير الاحترازي لا ينطوي على إيلام مقصود، حتى يقال بأن المحكوم عليه لم يرتدع، فأصبح متعيناً الزيادة في هذا الإيلام، وهو اتجاه يتفق مع ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية، حيث اعتبرت أن التدبير الاحترازي الذي يُنزل بالحدث لا يمكن اعتباره سابقة في العود، فعقوبة الإرسال إلى الإصلاحية مهما تكون مدتها لا يمكن اعتبارها أساساً لأحكام العود.( )
ولعل الرأي الآخر الذي يرى عدم إهمال التدبير الاحترازي عند تقرير حالة العود، هو الراحج؛ لأن التدبير يحمل إيلاماً معيناً لمن ينفَّذ عليه، وقد يعتبر في بعض الحالات أقسى من العقوبة ذاتها، وهو ما يستوجب اعتبار التدبير كالعقوبة إنذاراً سابقاً. 
أما القول بأن التدبير الاحترازي لا يستند إلى تقرير مسؤولية عقابية، فلا يعني أن الأشخاص الذين يطبق بحقهم التدبير هم متجردون في جميع الحالات من الإرادة والإدراك، فليس بشرط أن يقتصر تطبيق التدبير الاحترازي على المجانين وأشباههم. 
وقد سبق أن شرطي تطبيق التدبير هما: توافر الخطورة الإجرامية، وارتكاب جريمة سابقة، وهما شرطان قد يتوافران في المجرم المسؤول أو المجرم غير المسؤول. 
ولكن ما الفائدة من اعتبار التدبير الاحترازي إنذاراً للجاني، فهل يمكن تشديد التدبير الاحترازي الجديد أو العقوبة الجديدة؟  
الأمر واضح بالنسبة للعقوبة؛ ذلك أن اعتبار التدبير إنذاراً سابقاً يؤدي إلى تشديد العقوبة، إذا رأى القاضي ضرورة الحكم بالعقوبة من جديد، أما عند الحكم بتدبير جديد فمن المنطق القول أن التدبير الجديد لا يشدد، فالتدابير الاحترازية ينقصها التدرج، على أن ذلك ليس مطلقاً، فالتدابير المقيدة للحرية والتدابير المادية تقبل التشديد، فسحب الرخصة لمدة قصيرة أولاً قد يعقبه سحب الرخصة لمدة أطول. 
وعلى أيَّة حال، فإن التدبير الاحترازي السابق يكشف عن الحالة الخطيرة للمحكوم عليه، ولذلك لا يجوز إهداره عند النظر في الجريمة الجديدة، لأنه ليس ظرفاً مشدداً بل حالة خاصة يجب الاعتداد بها. 
وقد يكون للعود مدلوله إذا ما عاد المحكوم عليه لجريمة هي من نفس نوعية الجريمة السابقة مما يفيد أن التدبير السابق لم يؤهل المحكوم عليه، ولذا وجب إلغاؤه أو تعديله عند تطبيقه من جديد.( )
 





المطلب الثالث:

مدى جواز تعدد التدابير الاحترازية، وفيه فرعان:

               الفرع الأول: مدة جواز تعدد التدابير الاحترازية في الفقه.

  الفرع الثاني: مدى جواز تعدد التدابير الاحترازية في النظام.
 
الفرع الأول
مدى جواز تعدد التدابير الاحترازية في الفقه

العقوبات التعزيرية يجتهد الإمام ونوابه القضاة في جنسها، وقدرها على ضوء مقاصد الشريعة ومصالح الأمة؛ ولانتفاء تقديرها شرعاً تُركت لاجتهاده واجتهاد نوابه.
 وإذا كان التعزير بعقوبة واحدة في وقت قد يرى فيه الإمام أو نائبه أن المصلحة تقتضي إضافة عقوبة أخرى- كأن يكون السجن غير كاف لزجر الجاني وردع غيره – كان بإمكان الإمام إضافة عقوبة تعزيرية أخرى يراها موافقة لحال الجاني وقدر جنياته. 
قال أبو حنيفة( ) في المرأة الحرة المرتدة المستتابة ولم ترجع إلى الإسلام:  إنها تسجن تعزيراً حتى تسلم أو تموت، ويُعرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا أعيدت، وتضرب أسواطاً في كل مرة.( )

وجاء في حاشية ابن عابدين( ): (التعزير واجب في كل بدعة لا توجب الكفر بأي وجه يمكن أن يمنع من ذلك، فإن لم يكن المنع بغير حبس وضرب يجوز الحبس والضرب). ( )  
قال زكريا الأنصاري الشافعي( ) : (يحصل التعزير بحبس، أو جلد، أو صفع، أو توبيخ بكلام، أو فعل، كنفي أو نحوها، ككشف رأس، وإقامةٍ من مجلس وبحسب ما يراه الإمام باجتهاده جنساً وقدراً إفراداً وجمعاً).( )
وفي الإنصاف: (شاهد الزور إذا لم يرتدع فإن للإمام ضم عقوبات أخرى، كالضرب والتشهير والحبس الطويل ونحو ذلك)( )؛ لما رُوي عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه كتب إلى عمَّاله في كور الشام في شاهد الزور: أن يجلد أربعين، ويحلق رأسه، ويشحم وجهه، ويطاف به، ويُطال حبسه.( )
 فمما سبق يتضح أن تعدد التعازير على شخص واحد، جائز ، ويكون ذلك على حسب الحاجة، وحال الجاني، وكذلك خطورته الإجرامية.    
 
الفرع الثاني
مدى جواز تعدد التدابير الاحترازية في النظام

قد يرتكب أحد الأشخاص جرائم متعددة دون أن يُفصل في إحداها بحكم بات، ويتضح للقاضي أن كل جريمة من هذه الجرائم تكشف عن صورة من صور الخطورة الإجرامية، وبالتالي تستوجب توقيع تدبير احترازي معين، فهل تتعدد التدابير الاحترازية بتعدد الجرائم؟ 
الإجابة على هذا السؤال لا بد أن تكون بالإيجاب؛ ذلك أن التدابير الاحترازية تعد وسائل علاجية للحالة الخطرة بكافة صورها وأشكالها، لذا فإن الأصل هو تعدد التدابير الاحترازية بتعدد أسبابها، ومما يؤكد ذلك أنه يصعب إجراء تدرج للتدابير الاحترازية لتحديد أشدها وتطبيقه دون غيره. 
أما إذا كانت الجريمة قد صدرت من حدث فإن التدابير في حقه لا تتعدد، كما جاء ذلك في القانون المصري من أنه إذا ارتكب الحدث الذي لا تزيد سنه على خمس عشرة سنة جريمتين أو أكثر وجب الحكم عليه بتدبير واحد مناسب، ويتبع ذلك إذا ظهر بعد الحكم بالتدبير أن الحدث ارتكب جريمة أخرى سابقة أو لاحقة على ذلك الحكم.( ) 
ومؤدى هذا النص عدم جواز تعدد جرائم الحدث في هذه الحالة؛ ويعلل ذلك من ناحية بخشية تعارض هذه التدابير إن تعددت، ومن ناحية أخرى فإن الغرض من  التدابير واحداً- وهو تهذيب الحدث – فمن الملائم أن يتوحد في تدبير واحد يراعى فيه مدته وأسلوب تنفيذ هذا الغرض.( )
وقد صرح القانون الاتحادي في المادة (93) من قانون العقوبات بتعدد التدابير الاحترازية فقال: (تنفذ جميع عقوبات الغرامة والعقوبات الفرعية والتدابير الجنائية مهما تعددت، على ألا يزيد مجموع مدد مراقبة الشرطة على خمس سنوات).( )
فخلاصة القول أنه يجوز تعدد التدابير الاحترازية بتعدد موجباتها، خاصة إذا كان في ذلك ردعاً وزجراً للمجرم، ويستثنى من ذلك الحدث إذا ارتكب عدة جرائم؛ لأن إيقاع العقوبة مع تدبير واحد- مثل الإيداع في دار الأحداث – يكون مهذِباً لذلك الحدث.   
 





المبحث الثاني:

الأحكام الإجرائية للتدابير الاحترازية وفيه ثلاثة مطالب : 

المطلب الأول : الرقابة على إصدار أحكام التدابير الاحترازية.

المطلب الثاني : إجراءات صدور الحكم بالتدابير الاحترازية.

المطلب الثالث: التنفيذ الفوري للتدبير الاحترازي.
 
المطلب الأول
الرقابة على إصدار أحكام التدابير الاحترازية

لا يُتصور تدبير احترازي إلا بناء على قانون ينص عليه ويحدده ويبين أحكامه وشروط إنزاله تطبيقا لمبدأ الشرعية.
وفيما يتعلق بنوع التدبير نجد أن القانون هو المختص وحده بتحديد أنواعها، ويربطها بنوع الخطورة الإجرامية، ولا يجوز للقاضي أن يأمر بتدبير لا يعرفه القانون فاختيار القاضي للتدبير لا تحدده الجريمة المرتكبة بل خطورة الفاعل، مما يوسع من سلطة القاضي التقديرية التي تتوافر عند تقديره للعقوبة ويختار القاضي من بين التدابير المنصوص عليها في القانون التدبير المناسب للمجرم، ولكن ليس للقاضي مطلق الحرية في اختيار التدبير الاحترازي فهو مقيد بنصوص القانون في بعض الحالات.
فالقانون ينص على تدابير تربوية للأحداث، يتعين على القاضي أنَّ يطبق تدبير واحد منها، ويلاحظ أن هذه التدابير مقررة لجميع الأحداث بصرف النظر عن نوع الجريمة ولا ترتبط بسن الحدث نفسه.
وهناك بعض الحالات الأخرى يتقيد القاضي بنوع التدبير المنصوص عليه كما في حالة علاج المدمنين، ولا يستطيع القاضي أن يطبق التدبير المنصوص عليه إلا بناء على معلومات طبية من الواجب توافرها.
وفي حالات أخرى يؤخذ في الحسبان تعدد الجرائم المرتكبة لكي يطبق التدبير، كما في حالات الاعتياد على الإجرام أو حالة الاشتباه في القانون المصري.( )
وعلى هذا فيجب على الجهات التي تراجع الأحكام القضائية - كما هو الحال في المملكة العربية السعودية فحكمة التمييز تراجع الأحكام الصادرة من المحاكم- أن ترى مدى تطبيق القاضي للقانون الصادر للتدبير الاحترازي فإذا رأت أن القاضي قد خالف القانون فعليها أن تنبه القاضي لذلك فيتراجع عن حكمه أو يبدي وجهة نظره في سبب إيقاع هذا التدبير، كأن تكون الخطورة الإجرامية للمجرم تستدعي أن يوقع عليه تدبير أشد من التدبير المقرر.
 
المطلب الثاني
إجراءات صدور الحكم بالتدابير الاحترازية

ما من شك في أن الإجراءات التي تحدد الخطورة الإجرامية و التحقق منها، والتي على أساسها تطبق التدابير الاحترازية، تشكل في مجموعها تنظيماً خاصاً يطلق عليه اسم (دعوى التدابير الاحترازية) ولهذه الدعوى أُسس تسير عليها، وهي كما يلي :
تمر دعوى التدابير الاحترازية بمرحلتين: 
الأولى / مرحلة خاصة بالتحقق من ارتكاب الجريمة.
الثاني / تتعلق بالتحقق من الخطورة الإجرامية.
والمرحلة الأولى هي في الواقع من اختصاص قاضي الموضوع؛ نظراً لأن المبادئ والقواعد الإجرائية التي تحكم هذه المرحلة هي بذاتها التي تنظم الدعوى الجنائية منذ تحركها حتى صدور حكم فيها يحوز حجية الشيء المقضي به.
إلا أن التحقق من الجريمة ليس هو الشرط الوحيد الذي يسبق تطبيق التدبير الاحترازي؛ وذلك لأنه يتعين تحقق مرحلة ثانية هي الكشف عن الخطورة، سواء كانت خطورة اجتماعية أم خطورة إجرامية، وبمعنى آخر وجوب التحقق من وجود احتمال أن يرتكب المهتم جريمة أخرى.
والخصومة في دعوى التدابير الاحترازية هي خصومة تنفيذية إذ يدعو قاضي الإشراف على التنفيذ الشخص الذي سيخضع لتدبير احترازي أو خضع فعلاً له بأن يعلن عن رأيه في مناسبة هذا الإجراء له، وينص على هذا التصريح في المحضر.
وعندما يقرر القاضي من تلقاء نفسه التدبير الاحترازي فإنه يرسل الأوراق للنيابة العامة كما في مصر ـ هيئة التحقيق الإدعاء العام كما في المملكة العربية السعودية ـ لإبداء رأيها ، ومن الضروري أن تكون هذه الطلبات أو تلك الآراء التي تبديها النيابة العامة مكتوبة ومسببة.( )
 
المطلب الثالث
التنفيذ الفوري للتدبير الاحترازي 

تقضي قرينة الأصل في المتهم البراءة، أن يكون لطرق الطعن ـ كقاعدة عامة- أثر مُوقف لتنفيذ الجزاء الجنائي، ولكن من الملائم أن تخرج التدابير الاحترازية عن هذا المنطق فاتجاهها إلى معالجة الخطورة الإجرامية يستوجب تنفيذها تنفيذاً معجلاً ولو كان من الجائز استئنافها، فتأخير التنفيذ قد يزيد من هذه الخطورة وهو ما لا يتفق مع مصلحة المحكوم عليه بعد ذلك، إذ قد يترتب على تطبيق تدابير أطول أمداً مما لو بُدأ بالتنفيذ بمجرد ثبوتها بالحكم الإبتدائي.
ومما يؤكد ذلك أن التدابير لا تنطوي على إيلام مقصود وبالتالي لن يضر المحكوم عليه من تنفيذ التدبير تنفيذاً معجلاً.( )
ومن الأمور التي تجعل التدابير الاحترازية غير خاضعة للطعن ما يلي :
1- أن إخضاع التدبير الاحترازي لطرق الطعن وتوقيف تنفيذه أمراً ليس في مصلحة المجتمع أصلاً، إذا لا يجوز إطلاق سراح المحكوم عليه ولو لفترة الطعن خشية من خطورته على المجتمع.
2- قيل إنه لا فائدة من إخضاع التدابير الاحترازية لطرق الطعن أصلاً؛ ذلك أن التدابير بطبيعتها قابلة لإعادة النظر فيها، ولهذا فإن مجرد القول بخضوع التدابير الاحترازية لطرق الطعن هو تناقض لا مبرر له.
3- إذا ما ثبتت خطورة الفاعل فلا مجال بعدها للتمسك بقاعدة (إن الجاني يعتبر بريئاً حتى تثبت إدانته)، فإذا كان ذلك ضروريا في العقوبات فهو ليس كذلك في التدابير الاحترازية، فالتدابير لا تحمل معنى العار، ولا تتناسب مع جسامة الجريمة المقترفة ويمكن تعديلها في كل وقت.
أما العقوبات فإنها تراعي الخطأ الذي وقع، وتسعى لإيجاد الجزاء المناسب معه وتحمل معاني العار والتحقير، وهذا كله يؤكد ضرورة الأخذ بطرق الطعن وبآثارها في العقوبات دون التدابير الاحترازية.
ولا بد بعد ذلك من التسليم بضرورة التطبيق الفوري للتدابير رغم كل طرق الطعن.( ) 
إن التنفيذ الفوري للتدابير الاحترازية يتناسب بشكل واضح مع الأحداث الذين تنفذ بحقهم التدابير تنفيذاً معجلاً ولو مع استئنافها( ) وغني عن البيان أن تدبير إيداع المجنون المجرم في إحدى المصحات العقلية يتم تنفيذه بصفة معجلة.




الخاتمة

الحمد لله الذي بيده تتم الصالحات، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: 
فلقد بات أمراً مسلماً به أن إدخال التدابير الاحترازية في الأنظمة الحديثة إنما يُمثل تقدماً في السياسة الجنائية، قائماً على إدراكٍ أكثر وعياً بشخصية الجاني والجوانب المختلفة المؤثرة على السلوك الإجرامي، بُغية الوصول إلى نتائج فعَّالة لإعادة تأهيل المجرم والعمل على علاجه والتوقي من الخطورة الكامنة فيه؛ لأن النظرية الحديثة في الأنظمة الوضعية الجنائية والاجتماعية ترى أن المجرم مريض ينبغي علاجه،ومن ثَم ظهر ما يُسمى بمبدأ تقرير العقاب في مادة علم الإجرام ، الأمر الذي يقتضي اتخاذ بعض التدابير الاحترازية مع بعض مرتكبي الجريمة، بُغية العمل على إصلاحهم وعدم عودتهم للجريمة، أو اتقاء شر بعضهم لخطورته، فيأتي التدبير الاحترازي لمعالجة هذه الأحوال، خاصة أن التدابير الاحترازية إنما شُرعت لأجل التوقي من جرم يحتمل أن يحدث مستقبلاً، وكلها تمثل تقدماً في السياسة الجنائية،قائماً على إدراك أكثر وعياً بشخصية الجاني والجوانب المختلفة المؤثرة على السلوك الإجرامي، كما أشرت في بداية الخاتمة،بغية العمل على علاجه والتوقي من الخطورة الكامنة فيه.
وقد أثبتت الدراسات الجنائية أهمية نظام التدابير الاحترازية؛ لدوره الفعال في مكافحة الإجرام، فأصبح ضروري في أي نظام جنائي حديث؛ وذلك نظراً لقصور العقوبة وحدها في حماية المجتمع من الجريمة،ففي مواضع لا يجوز توقيعها كحالة المجرم المجنون، وفي مواضع أخرى تبدو غير كافية لمواجهة الخطورة الإجرامية كحالتي المجرم الشاذ، والمعتاد على الإجرام، ومن ثم كان التبرير الحقيقي لوجود التدابير الاحترازية هو العمل على سد مواطن القصور في نظام العقوبة. 
نتائج البحث وأهم التوصيات:
إنني في ختام هذا البحث المتواضع،أذكر أهم النتائج التي يمكن أن تستخلص، وهذه النتائج هي كما يلي: 
1. أن المقصود بالتدابير الاحترازية هي مجموعة من الإجراءات، تواجه خطورة إجرامية كامنة في شخصية مرتكب جريمة، لتدرأها عن المجتمع. 
2. الفقه الإسلامي سبق جميع القوانين الوضعية، ومنها ما سنه علماء فقه القانون الوضعي في التدابير الاحترازية. 
فالتدابير الاحترازية داخلة تحت منظومة التعزير في الفقه الإسلامي، والذي يُعرَّف بأنه: تأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة . 
3. تتميز التدابير الاحترازية عن غيرها مما هو شبيه بها من العقوبة، وتدابير الدفاع الاجتماعي، والتدابير الوقائية. 
فالتدابير الاحترازية إنما شُرعت لأجل التوقي من جرم يحتمل أن يحدث مستقبلاً. 
أما العقوبة فهي للتكفير عن جرم قد وقع في الماضي. 
كذلك فإن التدابير الاحترازية قد قامت على أساس الخطورة الإجرامية لشخص الجاني، وحق المجتمع في الدفاع عن نفسه. 
أما فكرة العقوبة فقد قامت على أساس الخطأ والمسؤولية الأخلاقية لدى الجاني. 
كما أن التدابير الاحترازية تنصب مباشرة على العوامل التي تدفع إلى الجريمة، والإيلام ليس مقصوداً في إيقاعها، وعلى ذلك فإن مقدار التدابير الاحترازية يتناسب مع مقدار الخطورة الإجرامية. 
والعقوبة تؤثر على الجانب النفسي، ويكون للإيلام النفسي عميق الأثر في تغيير شخصية الفرد، ويكون مقدار العقوبة على قدر جسامة الجريمة.
 وتفترق التدابير الاحترازية عن تدابير الدفاع الاجتماعي من أن الأولى توقع على الأشخاص الذين سبق وأن اقترفوا جريمة من الجرائم، ولا زالت تلك الخطورة كامنة في ذواتهم. 
بينما تدابير الدفاع الاجتماعي فتُتَخذ قبل الجريمة؛ وذلك لمواجهة الظروف الاجتماعية التي قد تؤدي إلى توافر هذه الخطورة. 
وتتميز التدابير الاحترازية عن التدابير الوقائية، من أن التدابير الاحترازية تكون خاصة بالجرائم. 
بينما التدابير الوقائية لا تختص بالجرائم فقط، بل تطبق على كل ما من شأنه أن يكون خطراً على المجتمع. 
4. يُشترط لإيقاع التدابير الاحترازية شرطان هما: 
(أ) الجريمة السابقة.
(ب) توافر الخطورة الإجرامية، إضافة إلى الشروط الخاصة لكل تدبير احترازي.
وهذا لا يتنافى مع الفقه الإسلامي؛ لأن التعزير موكول لولي الأمر فله الحق في حظر كل ما من شأنه أن يسبب خللاً في النظام العام أو أمن المجتمع، ويرتب عليها العقوبة المناسبة، بشرط المساواة بين الناس. 
5. يجوز الجمع بين التدابير الاحترازية والعقوبة، إذا اقتضت الحاجة لذلك، أما إذا كانت العقوبة كافية في ردع الجاني، وكان العود للجريمة ليس ممكناً، فيكتفي بإيقاع العقوبة فقط؛ لأن في الجمع بين العقوبة والتدابير الاحترازي فيما ليس له فائدة من الجمع، تدخلاً في حريات الأفراد. 
6. تنقسم التدابير الاحترازية إلى:
 ( أ) تدابير سالبة للحرية مثل: 1ـ اعتقال المجرمين في مأوى علاجي 2ـ وحظر ممارسة العمل 3ـ وسحب رخصة القيادة 4 ـ والمنع من حمل السلاح، وغيرها.
(ب) وكذلك تنقسم إلى تدابير مقيِّدة للحرية مثل:1ـ المراقبة   2ـ  والمنع من الإقامة3ـ والإخراج من البلاد،وغيرها.
(ج) وأخيراً تدابير احترازية مادية مثل: 1ـ المصادرة 2ـ وإغلاق المحل 3ـ وحل الشخص المعنوي بقرار من السلطة المختصة، وغيرها.
 وكل هذه التدابير لا تُخالف ما جاء به الفقه الإسلامي.
7- الأصل في التدابير الاحترازية أنها غير محددة المدة؛ لأنها تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان، وكذلك نوع الجريمة، وهذا يتوافق مما يوافق مع الفقه الإسلامي. 
8. إذا عاد من أوقع عليه التدابير الاحترازي للجريمة، فإن التدبير اللاحق يكون أشد من سابقه؛ لأن التدبير الاحترازي السابق لم يردع المجرم من العودة إلى جريمته. 
9. إذا ارتكب الشخص عدة جرائم، يكون لكل جريمة تدبيراً احترازياً مختلفاً عن الآخر، فإنه يجوز أن يوقع عليه أكثر من تدبير احترازي، كذلك إذا رأى القاضي إيقاع أكثر من تدبير، كسجن المجرم ثم نفيه، فإن له ذلك، وهذا الأمر يدور مع المصلحة وجوداً وعدماً. 
10. من ضمانات من يوقع عليه التدبير الاحترازي، وجود جهة عُليا تراجع وتدقيق حكم القاضي في التدبير الاحترازي، وكذلك لا يكون هناك تدبير احترازي إلى بناء على قانون ينص عليه. 
11. يمر الحكم بالتدبير الاحترازي بإجراءات تسبق الحكم به، وهي ترتبط بشرطي إيقاع التدبير الاحترازي، فإذا تأكد القاضي من تحقق وقوع الجريمة وكان من ارتكبها قد سبق أن اقترف جريمة، فإنه ينتقل إلى المرحلة الثانية وهي التحقق من الخطورة الإجرامية، وفي ذلك حفظاً لحقوق الفرد، وعدم التعسف بإيقاع تلك التدابير الاحترازية. 
12. ينفَّذ التدبير الاحترازي مباشرة بعد الحكم به، إذا لم يكن للطعن فيه مصلحة في ذلك، كما هو الحال في الأحكام الصادرة ضد الأحداث، فإن التعجيل في تنفيذ ما صدر في حقهم مع الاستئناف فيه مصلحة لهم. 
ومن خلال ما سبق من النتائج فإنني أضع قاعدة عامة يمكن أن تكون ضابطاً للتدابير الاحترازية، وهي أن التدابير الاحترازية تدور مع مصلحة المجتمع وجوداً وعدماً، فإذا وُجد من شخص خطر على المجتمع فإن إيقاع التدبير الاحترازي تسوغ في حقه. 
ولعل جعل التدابير الاحترازية تابعة لنظر القاضي فيه توسعة لدائرة الحكم بالتدابير الاحترازية، فلا يقتصر القاضي في النظر في الحكم بالتدبير الاحترازي إلى النصوص القانونية فحسب، بل ينظر إلى القاعدة العامة ـ الآنفة الذكرـ  ويكون ذلك من باب التعزير الذي يُسند النظر فيه إلى القاضي. 
ثم بعد هذا أحمد الله الولي الحميد، على نعمه الظاهرة والباطنة، فله الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شاء من شيء بعد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 











فهرس الآيات


الآية السورة ورقم الآية رقم الصفحة

﴿أَفَلا يََتَدَبَرُوْنَ القُرْآن﴾

﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾


﴿أَفَلا يََتَدَبَرُوْنَ القُرْآن﴾
سورة النساء ،الآية: 82
  
سورة المؤمنون،الآية: 68

سورة محمد،الآية: 24  
15

15

15














فهرس الأحاديث والآثار



أولاً/ الأحاديث النبوية:
طرف الحديث         رقم الصفحة

1. "إذا سمعتم به بأرض، فلا  تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه"
2. "أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أُتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء... "
3. "أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتبكيت شارب الخمر بعد الضرب.. "
4. "أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أعطى راية الأنصار في غزوة الفتح سعد بن عبادة..."
5. " قطع يد سارق ، ثم أمر بها فعلقت في عنقه".
6. "لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء... "
7. "من بلغ حداً في غير حد فهو من المعتدين".

ثانياً/الآثار:
طرف الأثر
1. أن عمر  بن الخطاب – رضي الله عنه – جلد أبا محجن الثقفي– رضي الله عنه -  في الخمر ثماني مرات...
1. أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كتب إلى عمَّاله في كور الشام في شاهد الزور... 
2. بلغ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عن بعض نوابه أن يتمثل بأبيات في الخمر فعزله.
3. رُوي عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه كان يعزر الشارب بنفيه وحلق رأسه.
4. صادر عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أموال أبي هريرة – رضي الله عنه – عندما استعمل عمر أبا هريرة على البحرين.
5. نفى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – صُبيغاً إلى البصرة أو الكوفة ...
6. نفي عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لنصر بن حجاج من المدينة إلى البصرة ...




       37



     102 



61



89


60


103


122




رقم الصفحة


87






136



89



128



116




104




104








فهرس الأعلام

اسم العَلَم                                                                                               رقم الصفحة                                                                                             

1. ابن تيمية........................................................88
2. ابن حجر العسقلاني......................................104
3. ابن عابدين....................................................136
4. أبو حنيفة......................................................135
5. أبو سفيان بن حرب........................................89
6. أبو عبد الله الزبيري....................................122
7. أبو محجن الثقفي..........................................88
8. أبو هريرة......................................................61
9. أبو يعلى الفراء.............................................122
10. الإمام البخاري..........................................103
11. زكريا الأنصاري......................................136
12. سعد بن عبادة.............................................89
13. صُبيغ بن علي الحنظلي.............................104
14. عبد الرحمن بن عوف....................................37
15. عبد الله بن عامر بن ربيعة..........................36
16. عبد الله بن عباس.....................................103
17. عمر بن الخطاب.........................................36
18. فُضَالة بن عبيد...........................................62
19. قيس بن سعد بن عبادة...............................89
20. مالك بن أنس............................................102
21. الماوردي.....................................................122
22. نصر بن حجاج...........................................104




















فهرس المصادر والمراجع

أولاً/القرآن الكريم:
القران الكريم
ثانياً/الأحاديث النبوية:
1. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي،دمشق،الطبعة الأولى،1399هـ.
2. الجامع الصحيح (سنن الترمذي)،محمد بن عيسى الترمذي،تحقيق: أحمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي،بيروت، بدون رقم الطبعة ولا تاريخ الطبع.
3. سنن ابن ماجة،محمد بن يزيد القزويني،تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي،دار الفكر،بيروت، بدون رقم الطبعة ولا تاريخ الطبع.
4. سنن أبي داود،سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي،تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد،دار الفكر،بيروت،بدون رقم الطبعة ولا سنة الطبع.
5. السنن الكبرى،أحمد بن الحسين البيهقي،دار المعارف العثمانية،الهند،الطبعة الأولى، 1346هـ.
6. سنن النسائي،أحمد بن شعيب النسائي،تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة،مكتب المطبوعات الإسلامية،بيروت،بدون رقم الطبعة،1406هـ.
7. صحيح البخاري،محمد بن إسماعيل البخاري،المكتبة الإسلامية،إستانبول،الطبعة الأولى،1979م.
8. صحيح مسلم ،مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري،دار الفكر،بيروت،الطبعة الأولى،1402هـ.
9. صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني،المكتب الإسلامي، دمشق،الطبعة الأولى،1392هـ.
10. فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: الشيخ عبد العزيز بن باز ، دار الفكر ، بيروت، الطبعة الرابعة،1416هـ.
11. مصنف ابن أبي شيبة،أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي،تحقيق: محمد عبد السلام شاهين،دار الكتب العلمية،لبنان،الطبعة الأولى،1416هـ.
12. المصنف،عبد الرزاق الصنعاني،تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي،المكتب الإسلامي،بيروت،الطبعة الأولى،1971م.

ثالثاً/الكتب الفقهية:
أـ المذهب الحنفي:
1. البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن إبراهيم ابن نجيم الحنفي، دار الكتاب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، بدون تاريخ الطبعة.
2. تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق، عثمان بن علي الزيلعي،دار الكتاب الإسلامي،بيروت، بدون رقم الطبعة ولاسنة الطبع.
3. رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، دار الكتب العلمية، لبنان ،بدون طبعة، 1412هـ.
4. شرح فتح القدير ، محمد بن عبد الواحد الحنفي المعرف باسم(الكمال ابن الهُمام)، دار الفكر، بيروت،الطبعة الأولى، 1408هـ.
5. المبسوط ، محمد بن أحمد السرخسي، دار الفكر، بيروت،بدون رقم الطبعة،1409هـ.
6. مُعين الحكام ، علاء الدين الطرابلسي،دار الفكر،بيروت،بدون رقم الطبعة ولاسنة الطبع.
7. الهداية، علي بن أبي بكر المرغيناني،المكتبة العلمية،بيروت،الطبعة الأولى،بدون سنة الطبع.

ب ـ المذهب المالكي:
1. بلغة السالك (الشرح الصغير)، أبو العباس أحمد الصاوي،دار المعارف،مصر، بدون رقم الطبعة و لا سنة الطبع.
2. التاج والأكليل لمختصر خليل، محمد بن عبد الرحمن (الحطَّاب)، مطبعة دار الفكر،بيروت،بدون رقم الطبعة ولاسنة الطبع.
3. تبصرة الحكام، ابن فرحون اليعمري، ،دار الكتب العلمية،بيروت،الطبعةالأولى،1406هـ.
4. منح الجليل شرح مختصر خليل، أبو عبدالله محمد بن أحمد(الشيخ عليش)،دار الفكر،بيروت،بدون رقم الطبعة،1409هـ.


ج ـ المذهب الشافعي:
1. الأحكام السلطانية والولايات الدينية ، أبو الحسن علي بن محمد الماوردي،دار الكتاب العربي،بيروت،الطبعة الثالثة،1420هـ.
2. أسنى المطالب شرح روض الطالب، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي،دار الكتاب الإسلامي،بيروت،بدون رقم الطبعة ولا سنة الطبع.
3. الأشباه والنظائر،جلال الدين عبد الرحمن السيوطي،مكتبة نزار الباز،مكة المكرمة،بدون رقم الطبعة ولا تاريخ الطبع.
4. تحفة الحبيب ،سليمان بن محمد البجيرمي،دار الفكر،بيروت،االطبعة الرابعة،1370هـ.
5. حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المحلى على المنهاج، أحمد بن سلامة القليوبي وأحمد البرلسي عميرة ،دار إحياء التراث العربي، بيروت،بدون رقم الطبعة ولاسنة الطبع.
6. مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، محمد أحمد الشربيني، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون رقم الطبعة ولا سنة الطبع.
7. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، محمد بن شهاب الدين الرملي، ،دار الفكر،بيروت،الطبعة الأولى،بدون سنة الطبع.

د ـ المذهب الحنبلي:
1. الأحكام السلطانية، لأبي يعلي محمد بن الحسين الفراء الحنبلي،طبعة مصطفى الحلبي،دمشق،الطبعة الثانية،1386هـ.
2. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علي بن سليمان المرداوي ، توزيع وزارة الشؤؤن الإسلامية والدعوة والإرشاد، الرياض،بدون رقم الطبعة،1419هـ.    
3. السياسة الشرعية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ، من مطبوعات وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الرياض، بدون رقم الطبعة، 1419هـ.
4. الطرق الحكميَّة في السياسة الشرعية، ابن القيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون رقم الطبعة  ولا سنة الطبع.
5. كشاف القناع عن متن الإقناع،منصور البهوتي،المكتب الإسلامي،لبنان، الطبعة الثانية،1415هـ.
6. مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع وترتيب: الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطابعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، بدون رقم طبعة، 1416هـ.
7. مطالب أولي النهي في شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد الرحيباني، المكتب الإسلامي،بيروت،الطبعة الثانية،1415هـ.
8. المغنى، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي،دار عالم الكتب،الرياض،الطبعة الثالثة،1417هـ.

رابعاً/كتب فقهية أخرى:
1. أحكام الجريمة والعقوبة في الشريعة الإسلامية، د.محمد أبو حسان،دار المنار، الأردن، الطبعة الأولى 1408هـ.
2. الأموال، لأبي عبيد القاسم الهروي، مكتبة الكليان، مصر، الطبعة الأولى، 1388هـ.
3. التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة،لبنان، الطبعة الرابعة عشرة، 1421هـ.
4. التعزير في الشريعة الإسلامية، د. عبد العزيز عامر، دار الكتاب العربي، مصر، الطبعة الثانية، 1375هـ.
5. الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، د. محمد أبو زهرة، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1404هـ.
6. فقه السنة، السيد سابق، دار الفكر ، بيروت، الطبعة الرابعة،1398هـ.

خامساً/الكتب القانونية:
1. الأحكام العامة في قانون العقوبات ،د.محسن ناجي،مطبعة العاتي،مصر،الطبعة الأولى،1947م.
2. أصول علم الإجرام والجزاء، د. سليمان عبد المنعم،المؤسسة الجامعية للدراسات،مصر،بدون رقم الطبعة،1996م.
3. أصول علمي الإجرام والعقاب، د.رؤوف عبيد،الدار العربية للموسوعات القانونية،مصر،الطبعة الرابعة،1984م.
4. التدابير الاحترازية في السياسة الجنائية الوضعية والشرعية، د. محمد مصباح القاضي،دار النهضة،مصر،بدون رقم الطبعة،1996م.
5. التدابير الاحترازية في قوانين التشرد-الاشتباه-الأحداث، د. محمود سامي قرني،المكتبة القانونية،مصر، بدون رقم الطبعة ولا سنة الطبع.
6. تعليقات وشروح مقارنة على مجموعة القانون المغربي الجديد ، د.توفيق الشاوي ،بدون اسم المطبعة،الدار البيضاء،الطبعة الأولى،1969م.
7. دراسة تحليلية في علم العقاب ، د. عبد الرحيم صدقي،دار الثقافة العربية،مصر،الطبعة الأولى،بدون سنة الطبع.
8. دراسة في علم الإجرام والعقاب،د. محمد زكي أبو عامر،منشأة المعارف،مصر،الطبعة الأولى،1966م.
9. شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات،د.كامل السعيد،دار النهضة،مصر،الطبعة الأولى،1989م.
10. شرح قانون العقوبات اللبناني ، د. محمود نجيب حسني،دار النقري،بيروت،الطبعة الثانية،1975م.
11. الظاهرة الإجرامية، د. جلال ثروت،مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات،الرياض،رقم التسلسل(191272)،بدون رقم الطبعة ولا سنة الطبع.
12. العقوبات والتدابير وأساليب تنفيذها، د. علي محمد جعفر ،المؤسسة الجامعية،مصر،الطبعة الأولى،بدون رقم الطبعة.
13. علم الإجرام ، د. رمسيس بهنام،منشأة المعارف،الإسكندرية،الطبعة الأولى،1966م.
14. علم الإجرام والعقاب ، د. محمد شلال العاني ، علي حسن طوالبة ، ،دار المسيرة،مصر،الطبعة الأولى،1418هـ.
15. علم الإجرام والعقاب، د.عبد الفتاح الصيفي و د.محمد زكي أبو عامر،دار المطبوعات الجامعية،مصر،بدون رقم الطبعة ،1997م.
16. علم العقاب، د. محمود نجيب حسني،دار النهضة،مصر،الطبعة الأولى،1967م.
17. علم العقاب النظرية العامة والتطبيقات، د. أحمد عوض بلال،دار الثقافة العربية،مصر،الطبعة الأولى،1983م.
18. علم العقاب،د. يسري علي،د.آمال عبد الرحيم،دار النهضة،مصر،الطبعة الأولى،1973م.
19. قانون العقوبات اللبناني،د.محمود نجيب حسني،دار النقري،بيروت،الطبعة الثانية،1975م.
20. المبادئ العامة في العقوبات ، د. محمد الفاضل،مطبعة جامعة دمشق،سوريا،الطبعة الأولى،1385هـ.
21. مبادئ قانون العقوبات (القسم العام) ،د.سمير الجنزوري،مطبعة دار النشر،القاهرة،الطبعة الأولى،1971م.
22. مبادىء علم الإجرام وعلم العقاب، د. فوزية عبد الستار ،دار النهضة،مصر،الطبعة الأولى،1973م.
23. المجرمون الشواذ، د.محمود نجيب حسني ، دار النهضة،مصر،الطبعة الأولى،1964م.
24. مكافحة الجريمة، د.علي محمد جعفر،المؤسسة الجامعية،مصر،بدون رقم الطبعة ولاسنة الطبع.
25. الموسوعة المقارنة للقوانين والتشريعات والأنظمة ، أحمد عبد الخالق ، محمود  النقيب،دار النشر العربي،مصر،الطبعة الأولى،1973م.
26. النظام القانوني للتدابير الاحترازية،د.عمر سالم،دار النهضة،مصر،الطبعة الأولى،1995م.
27. النظرية العامة للتدابير الاحترازية،د.عبد الله سليمان،المؤسسة الوطنية للكتاب،الجزائر،بدون رقم الطبعة ولا تاريخ الطبع.
28. الوجيز في علم الإجرام والعقاب، د. يسر علي ، و د. آمال عبد الرحيم،دار النهضة،مصر،الطبعة الأولى،1979م.

سادساً/كتب التراجم:
1. أُسد الغابة في معرفة الصحابة،علي بن أبي الكريم بن الأثير،دار الشعب،القاهرة،بدون رقم الطبعة،1970م.
2. الإصابة في تمييز الصحابة،أحمد بن حجر العسقلاني،مطبعة السعادة،مصر ،بدون رقم الطبعة،1358هـ.
3. الأعلام،خير الدين الزركلي،دار العلم للملايين، بيروت،الطبعة السادسة،1984م.
4. البداية والنهاية،إسماعيل بن عمر القرشي(ابن كثير)،مكتبة المعارف،بيروت،الطبعة الأولى،1387هـ.
5. تقريب التهذيب،أحمد بن علي بن حجر العسقلاني،دار العاصمة، الرياض،الطبعة الأولى ،1416هـ.
6. طبقات الشافعية الكبرى ،عبد الوهاب بن علي بن السبكي، طبعة عيسى الحلبي،بيروت،الطبعة الأولى،1383هـ.
7. الطبقات الكبرى، محمد بن سعد بن منيع،دار صادر،بيروت، بدون رقم الطبعة ولا تاريخ الطبع.
8. فتوح البلدان، أحمد بن يحيى البلاذري، دار النشر، بيروت، بدون رقم الطبعة.
9. وفيِّات الأعيان ،أحمد بن محمد بن خلكان،دار الثقافة،بيروت،الطبعة الأخيرة،بدون سنة الطبع.

سابعاً/ كتب اللغة:
1. تاج العروس من جواهر القاموس، محب الدين أبو الفيض، السيد محمد مرتضى الحسيني،دار الفكر،بيروت،بدون رقم الطبعة،1414هـ.
2. القاموس المحيط، الفيروز آبادي،مؤسسة الرسالة،بيروت،الطبعة السادسة،1419هـ.
3. لسان العرب،ابن منظور،المطبعة الأميرية ببولاق،مصر،الطبعة الأولى،1900م.
4. المختار من صحاح اللغة، محمد محيي الدين عبد الحميد ومحمد عبد اللطيف السبكي، مطبعة الاستقامة،القاهرة،الطبعة الرابعة،بدون سنة الطبع.
5. معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا،دار إحياء التراث،بيروت،الطبعة الأولى،1422هـ.

ثامناً/ الدوريات:
1. أصول علم الإجرام والعقاب ، د.مأمون سلامة ،المجلة الجنائية،مصر،العدد الأول،1968م.
2. التدابير الاحترازية ، د. نعيم عطية، مجلة الأمن العام،مصر، العدد (103).
3. مجلة الوعي الإسلامي، د. أحمد المجذوب ،الكويت، رجب 1411هـ.
4. نحو نظام موحد للجزاءات الجنائية ، د. حسن علام . المجلة الجنائية القومية،العراق، العدد الأول 1964م.






فهرس الموضوعات

المقدمة        : ........................................................................................... 2      
التمهيد
المبحث الأول
: تعريف التدابير:
المطلب الأول
: تعريف التدابير في اللغة...................................................
16
المطلب الثاني
: تعريف التدابير في الفقه..................................................
.......................
18
المطلب الثالث
: تعريف التدابير في النظام................................................
20
المبحث الثاني
: تعريف الاحتراز:
المطلب الأول
: تعريف الاحتراز في اللغة..................................................

22
المطلب الثاني
: تعريف الاحتراز في الفقه................................................
23
المطلب الثالث
: تعريف الاحتراز في النظام..............................................
25
المبحث الثالث
: تعريف التدابير الاحترازية:
المطلب الأول
: تعريف التدابير الاحترازية في الفقه................................
27
المطلب الثاني
: تعريف التدابير الاحترازية في النظام..............................
29
المبحث الرابع
: تمييز التدابير الاحترازية عن غيرها:
المطلب الأول
: تمييز التدابير الاحترازية عن العقوبة.............................. 33
المطلب الثاني
: تمييز التدابير الاحترازية عن تدابير الدفاع الاجتماعي.
36
المطلب الثالث
: تمييز التدابير الاحترازية عن التدابير الوقائية............... 37
الفصل الأول
: شروط التدابير الاحترازية وتقسيماتها:
المبحث الأول
: شروط إيقاع التدابير الاحترازية:
المطلب الأول
: شروط إيقاع التدابير الاحترازية في الفقة.......................
41
المطلب الثاني
: شروط إيقاع التدابير الاحترازية في النظام.....................
45
المبحث الثاني
: الجمع بين التدبير الاحترازي والعقوبة:
المطلب الأول
: الجمع بين التدبير الاحترازي والعقوبة في الفقة.............
61
المطلب الثاني
: الجمع بين التدبير الاحترازي والعقوبة في النظام........... 65
المبحث الثالث
: تقسيم التدابير الاحترازية:
المطلب الأول
: التدابير الاحترازية السالبة للحرية.................................. 74
الفرع الأول
: اعتقال المجرمين في مأوى علاجي..................................
75
الفرع الثاني
: حظر ممارسة العمل........................................................ 80
الفرع الثالث
: سحب رخصة القيادة......................................................
84
الفرع الرابع
: المنع من حمل السلاح......................................................
86
الفرع الخامس
: موقف الفقه من التدابير الاحترازية السالبة للحرية.......
88
المطلب الثاني
: التدابير الاحترازية المقيدة للحرية...................................
93
الفرع الأول
: المراقبة............................................................................. 94
الفرع الثاني
: المنع من الإقامة...............................................................
97
الفرع الثالث
: الإخراج من البلاد...........................................................
99
الفرع الرابع
: موقف الفقه من التدابير الاحترازية المقيدة للحرية........ 102
المطلب الثالث
: التدابير الاحترازية المادية................................................ 107
الفرع الأول 
: المصادرة...........................................................................
108
الفرع الثاني
: غلق المحل........................................................................ 111
الفرع الثالث
: حل الشخص المعنوي.......................................................
114
الفرع الرابع
: موقف الفقه من التدابير الاحترازية المادية..................... 117
الفصل الثاني
: أحكام التدابير الاحترازية:
المبحث الأول
: الأحكام الموضوعية للتدابير الاحترازية:
المطلب الأول
: تحديد مدة التدابير الاحترازية:
الفرع الأول
: تحديد مدة التدابير الاحترازية في الفقه......................... 122
الفرع الثاني
: تحديد مدة التدابير الاحترازية في النظام....................... 125
المطلب الثاني
: مدى اعتبار التدبير الاحترازي سابقة عند العود:
الفرع الأول
: مدى اعتبار التدبير الاحترازي سابقة عند العود في الفقة................................................................................. 129
الفرع الثاني
: مدى اعتبار التدبير الاحترازي سابقة عند العود في النظام.............................................................................. 131
المطلب الثالث
: مدى جواز تعدد التدابير الاحترازية:
الفرع الأول
: مدى جواز تعدد التدابير الاحترازية في الفقه................. 136
الفرع الثاني
: مدى جواز تعدد التدابير الاحترازية في النظام............... 139
المبحث الثاني
: الأحكام الإجرائية للتدابير الاحترازية:
المطلب الأول
: الرقابة على إصدار أحكام التدابير الاحترازية............ 142
المطلب الثاني
: إجراءات صدور الحكم بالتدابير الاحترازية...............

144
المطلب الثالث
: التنفيذ الفوري للتدبير الاحترازي...................................
146
الخاتمة

: ........................................................................................
148
فهرس

: الآيات.المصادر والمراجع..................................................
154
فهرس
: الأحاديث والآثار.............................................................

155
فهرس
: الأعلام............................................................................

157
فهرس
: المصادر والمراجع............................................................
159
فهرس
: الموضوعات.

170





تعليقات