القائمة الرئيسية

الصفحات



مجلس المنافسة

مجلس المنافسة

وزارة العــــــدل
المدرســــــة العليـــــــا للقضــاء

مذكـــرة التخــرج لنيــل شهـادة المدرسـة العلـيـا للقضــــاء
إعداد الطالب القاضي
* عمــاري بلقاســم              تحت إشراف السيد : 
  الدفعة الرابعة عشرة             * حمـوش محمـــد 
         رئيس الغرفة الإدارية
      مجلس قضــاء غليـزان


مـقـدمــة 01

الفصل الأول : الطبيعة القانونية لمجلس المنافسة 01

المبحث الأول : ظهور وتطور مجلس المنافسة 03

المطلب الأول: ظهور وتطور مجلس المنافسة في التشريعات المقارنة 04
الفرع الأول: ظهور وتطور مجلس المنافسة في النظام الأنكوأمريكي 04
الفرع الثاني : ظهور وتطور مجلس المنافسة في القانون الفرنسي 05

المطلب الثاني : ظهور وتطور مجلس المنافسة في القانون الجزائري 06
الفرع الأول : مجلس المنافسة في إطار الأمر رقم 95/06 06
الفرع الثاني : مجلس المنافسة في إطار الأمر 0الثالث /0الثالث 07

المبحث الثاني : تشكيل و تسيير مجلس المنافسة 08
 
المطلب الأول : تشكيلية مجلس المنافسة 08
الفرع الأول: فئة الأعضاء 08
الفرع الثاني: فئة المقررين 09

المطلب الثاني : التسيير الإداري لمجلس المنافسة 10
الفرع الأول : الأمين العام 11
الفرع الثاني : مديرو المصالح 12
الفرع الثالث : الأعوان الإداريون و التقنيون و المصلحيون 13

المبحث الثالث : الإجراءات المتبعة أمام مجلس المنافسة 14

المطلب الأول : إخطار مجلس المنافسة 14
الفرع الأول : الأشخاص المؤهلة لإخطار مجلس المنافسة 14
الفرع الثاني : كيفية الإخطار 16

المطلب الثاني : إجراء التحقيق 16
الفرع الأول : الموظفون المؤهلون للقيام بالتحقيقات 17
الفرع الثاني : تنظيم إجراء التحقيق 17

المطلب الثالث :جلسات مجلس المنافسة 18

المطلب الرابع : مقررات و آراء مجلس المنافسة 19
الفرع الأول : أساس السلطة القمعية لمجلس المنافسة 19
الفرع الثاني : أصناف مقررات مجلس المنافسة 20
الفرع الثالث : قوة مقررات مجلس المنافسة 21
-تنفيذ ونشر مقررات مجلس المنافسة 22
-طرق إجراءات الطعن فيها 22

المبحث الرابع : الطابع المزدوج لصلاحيات مجلس المنافسة 24

المطلب الأول : الصلاحيات التنازعية 24
الفرع الأول : مجال الوظيفة التنازعية 24
الفرع الثاني : حدود الوظيفة التنازعية 25

المطلب الثاني : الصلاحيات الإستشارية 26
الفرع الأول : الإستشارة الوجوبية 26
الفرع الثاني :الإستشارة الإختيارية 27

*الـفصـل الثــانـي : نطاق إختصاص مجلس المنافسة 30

المبحث الأول : محاربة الإتفاقات المحظورة 31

المطلب الأول : شروط الإتفاقات المحظورة 31
الفرع الأول : الإتفاق 31
الفرع الثاني : الإخلال بحرية المنافسة 33
الفرع الثالث : العلاقة النسبية بين الإتفاق المعني و الإخلال بالمنافسة 34
 
المطلب الثاني : الإتفاقات الأساسية المنافية للمنافسة 34
الفرع الأول : الإتفاقات حول الأسعار 35
الفرع الثاني : الإتفاقات المتضمنة عرقلة الدخول الشرعي في السوق 35

المطلب الثالث  : الإنفاقات المرخص بها 36


المطلب الرابع : جزاء الإتفاقات المحظورة 37

المبحث الثاني : حظر الإستغلال التعسفي لوضعية الهيمنة في السوق و التبعية الإقتصادية 39

المطلب الأول : حظر التعسف في وضعية الهيمنة على السوق 39
الفرع الأول : تحديد وضعية الهيمنة 39
-تعريف السوق المعنية 39
-تحديد السوق المعنية 40
-المقاييس التي تبين أن العون الإقتصادي في وضعية هيمنة 42
الفرع الثاني : التعسف في وضعية الهيمنة 44
-الممارسات التعسفية 44
-الحكمة من حظر التعسف في وضعية الهيمنة 45
الفرع الثالث : جزاء التعسف في وضعية الهيمنة 45

المطلب الثاني : حظر التعسف في وضعية التبعية الإقتصادية 46
الفرع الأول : تعريف التبعية الإقتصادية 46
الفرع الثاني : الممارسات التعسفية 47
الفرع الثالث : جزاء التعسف في وضعية التبعية الإقتصادية 47

المبحث الثالث : منع ممارسة أسعار البيع مخفضة بشكل تعسفي 48

المطلب الأول : مفهوم البيع بأسعار مخفضة بشكل تعسفي 48
الفرع الأول : تعريفه 49
الفرع الثاني : عناصر البيع بأسعار مخفضة تعسفيا 49
الفرع الثالث : تميزه عن البيع بالخسارة 50

المطلب الثاني: أحكام البيع بأسعار مخفضة تعسفيا 50
الفرع الأول : حظر البيع بأسعار مخفضة تعسفيا 50
الفرع الثاني : الجزاءات المقررة لممارسة أسعار بيع مخفضة بشكل تعسفي 51

المبحث الرابع : رقابة التجميعات 52

المطلب الأول : المقصود بالتجميعات 53
الفرع الأول : العقد المتضمن نقل الملكية و الإنتفاع 53
الفرع الثاني : العقد المتضمن ممارسة النفوذ الأكيد 54

المطلب الثاني : شروط ممارسة الرقابة على التجميعات 54
الفرع الأول : الأضرار بالمنافسة 55
الفرع الثاني : حجم عملية التجميع 55

المطلب الثالث : طرق ممارسة الرقابة على التجميعات 56
الفرع الأول : المبادرة بالرقابة 57
الفرع الثاني  : قرار المجلس حول التجميعات 57

*  خــــــاتمــــــــــة 60



*مــقــدمــــة *

إن الجزائر بعد فشل النظام السابق القائم على إحتكار الدولة على معظم النشاطات الاقتصادية و إنعدام روح المبادرة الفردية ، شاهد النظام الإقتصادي إصلاحات عميقة بهدف مسايرة وتنشيط عملية الإندماج في الحركية الإقتصادية الإقليمية و العالمية ،تعود ملامحها العامة إلى أواخر الثمانينات و بالضبط إثر صدور قانون رقم 88/01 المؤرخ في 12 جانفي 1988 المتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الإقتصادية وما تلاه بعد ذلك من تشريعات سواء في الميدان التجاري أو الصناعي ، وخلال هذه المرحلة بدأ التفكير معمقا حول إيجاد آليات و التي من شأنها ترشيد سياسة الدولة في مختلف الميادين عن طريق إحداث هيئات إدارية مستقلة تمارس مهامها بإسم و لحساب الدولة ،خاصة في الميدان الإقتصادي الذي عرف تحولا من نظام إقتصادي موجه إلى نظام إقتصادي حر .
ثم إن تطبيق هذه الإصلاحات الإقتصادية أدى إلى بروز فرع جديد من فروع القانون في الجزائر ألا و هو قانون المنافسة الذي تضمنه الأمر رقم 95/06 المؤرخ في 25 جانفي 1995 المتعلق بالمنافسة (ملغى)، الذي جاء لوضع قواعد و أسس قانون المنافسة بدل التشريع القديم المتعلق بالأسعار ، بحيث تنص المادة الأولى منه على تنظيم و ترقية المنافسة الحرة ، كما تبرز أهمية هذا القانون في كونه يعتبر لبنة أساسية في الإنتقال من نظام يرتكز على الإقتصاد الموجه إلى نظام إقتصاد السوق تسود فيه حرية المبادرة الخاصة ، إذ يعد من النصوص الرسمية التي إعترفت ضمنيا بمبدأ الحرية المبادرة قبل أن يكرسها دستور 16 نوفمبر 1996 بصفة صريحة في المادة 37 التي تنص على أن " حرية التجارة و الصناعة مضمونة وتمارس في إطار القانون".
غير أن مفهوم إقتصاد السوق لا يعني غياب السلطات العمومية ، بل بالعكس عليها أن تستمر على السير الحسن للسوق عن طريق حماية قواعد المنافسة بين مختلف الأعوان الإقتصادية.
إلا أن الدولة أصبحت لا تتدخل إلا لتحديد المقاييس القانونية، و بالتالي فإن دورها ينحصر في وضع قواعد اللعبة الإقتصادية ، بإعتبار أن تطبيق إجراءات الإصلاحات قد ساهمت في إعادة التوازنات الإقتصادية و المالية الكبرى ،وفي توضيح الأدوار الخاصة لكل من الدولة و السوق في تحقيق الأهداف المنافية لإحتكار النشاطات تم تدعيم هذا البرنامج بإصدار أمر جديد متعلق بالمنافسة رقم 03/03 والذي يتضمن أسس قانون المنافسة و تنظيم قواعد حمايته عن طريق إنشاء مجلس المنافسة كسلطة إدارية لدى رئيس الحكومة .
و أمام هذا الوضع الذي يتميز بتطور التشريع الخاص بالمنافسة، وظهور جهاز مستقل يسهر على حماية المنافسة الحرة من كل قيد أو عرقلة، يمكن القول بأنه قد تقلص دور القاضي الجزائي، الذي أصبح لا يتدخل إلا في مجال ضيق ومحدود.
خاصة مع العلم بأن معظم المخالفات المتعلقة بالمنافسة تطرح في الغالب خارج نطاق القضاء الجزائي، بحيث أصبح الإختصاص فيها يعود إلى هذا الجهاز المستحدث و الذي يصدر عقوبات إدارية خالية في الغالب من المتابعات الجزائية .
و بالتالي فإن البحث في هذا الموضوع يطرح في الحقيقة أكثر من إشكالية، فمن المسائل التي يطرحها هذا الموضوع نذكر التكييف القانوني لهذا الجهاز أي بعبارة أخرى ما هي الطبيعة القانونية لهذا الجهاز ؟ إلى جانب المجال الذي يتدخل فيه مجلس المنافسة أي بعبارة أخرى ما هو نطاق إختصاص هذا الجهاز؟.
و للإجابة على هذه الإشكالية و التي نرجو أن تكون وافية ارتأينا أنه من الضروري تقسيم البحث إلى فصلين: نتعرض في الفصل الأول إلى مسألة الطبيعة القانونية لمجلس المنافسة،  و الذي يقسم بدوره إلى أربعة مباحث.
 نتناول في المبحث الأول ظهور وتطور مجلس المنافسة، ثم في المبحث الثاني تشكيله   و سيره،        و نتعرض إلى إجراءات المتبعة أمام المجلس في مبحث ثالث، و أخيرا نتعرض إلى مسألة الطابع المزدوج لصلاحيات مجلس المنافسة في مبحث رابع .
و في الفصل الثاني نتعرض إلى نطاق إختصاص مجلس المنافسة، و الذي يتضمن بدوره أربعة مباحث، تتمثل في محاربة الإتفاقات المحظورة في مبحث أول، ثم منع الإستغلال التعسفي في وضعية الهيمنة و التبعية الإقتصادية في مبحث ثاني، ثم خطر البيع بأسعار مخفضة تعسفيا في مبحث ثالث، و أخيرا نتناول مسألة رقابة التجمعات في مبحث رابع .


*الــفـــصــل الأول* الطبيعـة القانونيـة لمجلس المنافسـة




بالرجوع إلى النص المنشأ لمجلس المنافسة في ظل الأمر رقم95/06 ،نجد أن المشرع الجزائري لم يتعرض لمسألة الصفة القانونية لهذا الجهاز الجديد ، أي لم يتولى تعريفه و إنما إكتفى فقط بالنص على أنه " يتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة إداريا وماليا " (1)ومع هذا فإن مسألة الطبيعة القانونية لمجلس المنافسة يقتضي البحث عما إذا كان مجلس المنافسة يعتبر بمثابة هيئة قضائية بالنظر إلى قواعد سير أعماله، إستحدثها المشرع لوضع حد لما كانت تتمتع به المحاكم في متابعة المخالفات للقواعد المتعلقة بالممارسات التجارية في ظل القانون رقم 89/12 المتعلق بالأسعار.(2)أم أنه ينظر إليه المشرع بوصفه هيئة إدارية أو سلطة إدارية مستقلة تندرج ضمن المؤسسات الجديدة المكونة لجهاز الدولة، و التي عرفت الوجود مع بداية التسعينات في إطار الإصلاحات الإقتصادية التي إعتنقتها الجزائر توجها نحو إقتصاد، السوق وهو الأمر الذي جاء به الأمر الجديد رقم03/03 المتعلق بالمنافسة بصفة صريحة .
إذن للبحث عن هذه المسألة إرتأينا أنه من الضروري أن نتعرض إلى بعض المؤشرات التي تساعدنا على تصنيف هذه المؤسسة الجديدة وفقا لما هو وارد في أحكام الأمر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة، وكذلك المرسوم الرئاسي رقم 96/44 ،(3) المتضمن النظام الداخلي في مجلس المنافسة، و ذلك عن طريق التعرض أولا إلى ظهور وتطور المجلس في المبحث الأول، تم تشكيله و سيره في المبحث الثاني، وكذا الإجراءات المتبعة أمامه في المبحث الثالث و أخيرا نتعرض إلى الطابع المزدوج لصلاحيات مجلس المنافسة في المبحث الرابع .



*الـمبحــــث الأول * ظهـور وتطـور مجلس المنافسـة:

إن ظهور وتطور مجلس المنافسة مرهونا بظهور و تطور التشريعات المناهضة للإحتكارات ، حيث ظهرت الحاجة لحماية المنافسة الحرة منذ زمن مبكر في البلدان المنتهجة لنظام الإقتصاد الحر ، و يعتبر قانون المنافسة من بين الوسائل القانونية للإنتقال من الإقتصاد الموجه économie dite administré إلى الإقتصاد الحر écomomie dite de marché (1) .
بحيث تعتبر من قبيل الإحتكارات تلك الممارسات التي يكون الهدف منها الإخلال بمبدأ المنافسة الحرة ،ومن أجل حماية الإقتصاد الحر لجأت هذه الدول إلى إنشاء أجهزة متخصصة تسهر بصفة عامة على حماية القواعد الإقتصادية في السوق ،و في هذا السياق سوف نتعرض إلى ظهور وتطور مجلس المنافسة في التشريعات المقارنة أولا تم في القانون الجزائري ثانيا .

*الـمـطـلــب الأول*
ظهور وتطور مجلس المنافسة في التشريعات المقارنة:
تعتبر دول النظام الأنجلوسكسونية السابقة إلى تنظيم التشريعات المناهضة للإحتكارات و إنشاء الأجهزة المتخصصة في مكافحتها، و التي جاءت في سياق ما يعرف بالسلطات الإدارية المستقلة ،وهذه التسمية عرفت وجودها وتطورها في البلدان الأنجلوسكسونية ، بحيث ظهرت أول سلطة إدارية مستقلة في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1889 و التي تدعى interstate commerce commission  ،حتى و أن المشرع الفرنسي قد إستوحى هذه الهيئات من النموذج الأنجلوسكسوني (2).

الفرع الأول :ظهور وتطور المجلس في النظام الأنجلوسكسوني :
إن قانون المنافسة ولد في الولايات المتحدة الأمريكية،(3) و ذلك بصدور قانون" شيرمان" سنة   1890   " sherman acte"، فبالرغم من أن الإقتصاد فيها قائم على أساس المبادرة الفردية و الحرة، إلا أنها لم تسلم من التدخل الحكومي بقصد وضع حد للإحتكارات القائمة أنذاك من طرف عدة شركات كانت تستعمل أساليب تسيء شركات أخرى أقل قوة منها في السوق، إلى جانب حماية المستهلك .(4)
 و بموجب القانون السالف الذكر تم تفكيك شركات كبرى كانت قد أساءت إستخدام سلطتها الإقتصادية و قد تم تدعيم قانون شيرمان بقوانين لاحقة مثل قانون" كلايتون" المضاد للإحتكارات و قانون التجارة الفدرالية،(5) المكلفة بوضع الحد لهذه الممارسات وتوقيع العقاب عليها.


الفرع الثاني : ظهور وتطور مجلس المنافسة في القانون الفرنسي :


إن المشرع الفرنسي قد إستوحى مجلس المنافسة من النموذج الأنجلوسكسوني (1)، و التي من شأنها خلق ظروف و أوضاع إحتكارية من شأنها أن تؤدي إلى تقييد و منع المنافسة و الإنتاج، بحيث يعتبر مجلس المنافسة العنصر المهم في قانون المنافسة الفرنسي الجديد (2)، الذي نظمه المشرع الفرنسي عبر ثلاث مراحل :
*المرحلة الأولى : تتميز هذه المرحلة بظهور اللجنة التقنية للإتفاقات، و التي أصبحت بعد صدور مرسوم 09 أوت1953 يطلق عليها باللجنة التقنية للإتفاقيات و وضعية الهيمنة، وكان هذا الجهاز يوصف بالتقني الذي له صلاحيات إستشارية فقط ، أين يقدم للوزير المكلف بالإقتصاد رأيه حول مدى توافر المخالفات وعليه فإن الوزير يحتكر لوحده على سلطة إخطار القاضي الجزائي، و ليس لهذه اللجنة أي دور في ذلك .
*المرحلة الثانية :إستمر الوضع بتلك الصفة إلى غاية الستينات أين صدر قانون "رايموندبار"،  و ذلك في 19 جويلية 1977 الذي عوض اللجنة السابقة بلجنة المنافسة la commission de la concurrence، وتتميز هذه الأخيرة عن سابقتها بكونها منظمة بشكل يضمن إستقلاليتها، بحيث تتشكل من رئيس ومقررين يمارسون مهامهم بصفة دائمة ومستمرة، إلى جانب إمكانية الإخطار المباشر من الجمعيات المهنية أو المستهلكين، و في هذا الإطار قلصت سلطات الوزير المكلف بالتجارة نوعا ما ،إذ لا يمكن لهذا الأخير أن يتخذ قرارات إلا في حدود الإقتراحات المقدمة من طرف هذه اللجنة، و لكن لا يمكن لهذه اللجنة إصدار القرارات لأنها من صلاحيات وزير  الإقتصاد و المالية بعد تقديم اللجنة رأيها حول ذلك(3) .
و في هذا الشأن إعتبرها الفقيه الأستاذ "جاك أزيما" أنها لا تمارس القضاء الحقيقي في المجال الإقتصادي .
"Jacques azema" : considérait que la commission de la concurrence n’exercait pas une veritable magistrature  economique (4) "
أما الفقيه الفرنسي" لبري قوكانفي" "labard guycanivet "،صنفها ضمن قائمة السلطات الإدارية المستقلة (5).
*المرحلة الثالثة : تتميز هذه المرحلة بإحداث مجلس المنافسة الذي أنشأ بموجب المادة 02 من الأمر رقم    86/1243 المؤرخ في أول ديسمبر 1986 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة، الذي عوض لجنة المنافسة (6)، غير أن هذا الأمر لم يقدم تعريفا لمجلس المنافسة مما أثار نقاشا ساخنا بين من يرى أن مجلس المنافسة سلطة إدارية مستقلة مثل لجنة المنافسة السابقة التي خلفها على أساس أن المعايير التي تميز هذه السلطات الإدارية المستقلة نجدها متوفرة في مجلس المنافسة، مثل تعيين أعضائه بموجب مرسوم بإقتراح من وزير الإقتصاد و له دور إستشاري، بحيث يستشار من طرف الحكومة و البرلمان و الجماعات المحلية، فهذه مؤشرات تتعارض مع إمكانية تمتع المجلس بالطابع القضائي ويضاف إلى ذلك أن سلطته في الإخطار التلقائي تحول دون توفره على الطابع القضائي  لأنه لا يمكن لمحكمة أن تخطر نفسها بنفسها. 
و بين من يعتقد أن مجلس المنافسة الذي يملك سلطات خاصة في مجال الجزاء، و الأمر الذي يطبق القواعد الإجرائية المطبقة من طرف المحاكم كمبدأ المواجهة بين الخصوم وحقوق الدفاع ، يقترب من الهيئات ذات الطابع القضائي أكثر منها إلى السلطات الإدارية المستقلة ، و أن قرارته قابلة للطعن أمام مجلس الإستئناف باريس، حيث يرى الفقيه "سيلنسكي" "selinsky " أنه من المفروض أن تكون قرارات المجلس قابلة للطعن أمام مجلس الدولة إذا كان حقيقة ليس بجهاز قضائي .(1)
 و ساد الوضع كذلك إلى غاية صدور قرار من المجلس الدستوري الفرنسي المؤرخ في 24 جانفي 1987 أين كيفه بأنه سلطة إدارية مستقلة ونفى الطابع القضائي لهذا الجهاز(2)، و فيما يخص تحويل الإختصاص بالنظر في الطعون ضد قرارات مجلس المنافسة إلى الهيئات القضائية العادية ،تم تأكيده بموجب القانون رقم 87/499 المؤرخ في 06 جويلية 1987 و المتعلق بالإجراءات المطبقة أمام مجلس المنافسة ، لكن هذا التعريف المقدم من طرف المجلس الدستوري أصبح بدوره منتقدا على أساس أنه يتجاهل طابع الإستقلالية الذي يتمتع به المجلس (3).
*الـمـطـلـب الـثــانــي *
ظهور و تطور مجلس المنافسة في القانون الجزائري:
إن الدولة الجزائرية طرأ عليها جملة من التحولات المؤسساتية خلال العشرية الأخيرة، أين إنسحبت بصفة تدريجية من الحقل الإقتصادي متوجهة إلى نظام ليبرالي، و هذا يعبر عن الإنتقال من صفة الدولة المتدخلة إلى الدولة الضابطة، نظرا لأن الإدارة الكلاسيكية لم تعد قادرة اليوم لمواجهة الأوضاع فيما يخص ضبط النشاطات الإقتصادية و المالية ، فإبتداءا من دستور 1989 شهدت الجزائر تحرير الإقتصاد و كان أول دعامة له قانون تحرير الأسعار الذي تبعه دستور 1996 في مادته37 التي تنص على" أن حرية الصناعة و التجارة مضمونة تمارس في إطار القانون".
 و حفاظا على المنافسة الحرة و ترقيتها في إطار إقتصاد السوق إستحدث لأول مرة مجلس المنافسة سنة 1995 ، و تواصلت الإصلاحات بفتح المنافسة  تدريجيا للخدمات مثل المواصلات السلكية و اللاسلكية     و النقل ...إلخ، و تم وضع هيئات و سلطات ضبط تتمثل مهمتها في السهر الحسن للمنافسة في الأسواق        و مسايرة لهذا الوضع أصدر المشرع الأمر 03/03 من أجل تعزير صلاحيات مجلس المنافسة .

الفرع الأول : مجلس المنافسة في إطار الأمر رقم 95/06 :

إن صدور الأمر 95/06 المؤرخ في 25 جانفي 1995 جاء لوضع الأسس و القواعد المنظمة لتصرفات الأعوان الإقتصادين في محيط يسوده التنافس بعدما تم تحرير التجارة الخارجية .
و إن وضع هذه المنظومة التشريعية أصبح أمرا لا بد منه، خاصة نحن الآن أمام مرحلة تتميز بإنقضاء و زوال إحتكار الدولة على معظم النشاطات الإقتصادية مما يستدعي الأخذ بنظام إقتصادي جديد تكون فيه حريات التعاقد و التنافس بمثابة أسس له ، و إن ممارسة هذه الحريات بصفة عامة تجد إطارها التنظيمي المرجعي في الأمر 95/06 المتعلق بالمنافسة و الذي يهدف إلى حماية و تطوير المنافسة عن طريق إنشاء مجلس المنافسة .
 و إن تخصيص هذا الجهاز بضبط المنافسة أملته عدة أسباب و عوامل منها عدم ملائمة المحاكم الجزائرية لمتابعة الممارسات المقيدة للمنافسة لأن القاضي لا يملك كل المعطيات و الإعلام و التكوين الضروري، و لا سيما عندما يتعلق الأمر بظاهرة إقتصادية، إلى جانب عامل إزالة التنظيم في الإقتصاد و إزالة الوصف الجزائي عن هذه النشاطات الإقتصادية التي تتسم بالحركية و التعقيد (1).
إذن فإن الفضل الرئيسي في إنشاء مجلس المنافسة يعود للإطار التشريعي95/06 ، إلا أن المشرع لم يقم بتعريف هذا الجهاز، بحيث سار مسار المشرع الفرنسي الذي ترك مسألة تكيفه للفقه، ومن جهة أخرى فإن هذا القانون يعاني من عدة نقائص مما دفع بالمشرع إلى إدخال تعديلات الهدف منها هو تعزير صلاحيات مجلس المنافسة .

الفرع الثاني : مجلس المنافسة في إطار الأمر رقم 03/03 :

إن هذا الأمر جاء بقواعد لتزيد من الفعالية الإقتصادية وتحسين ظروف معيشة الفرد  و ترفع من القدرة الإنتاجية للمؤسسات وتحمي المستهلك من تواطؤ الأعوان الإقتصادين .
و كان الهدف من وضع هذا النص الجديد هو توسيع الطابع التنافسي للأسواق و الأنشطة الإقتصادية عن طريق تدعيم القواعد الهادفة إلى تصحيح الممارسات التي من شأنها عرقلة المنافسة .
و خلافا للأمر السابق رقم 95/06 فإن الأمر03/03 المتعلق بالمنافسة (2)جعل المشرع مجلس المنافسة سلطة إدارية تنشأ لدى رئيس الحكومة تتمتع بالشخصية القانونية و الإستغلال المالي مع الإعتراف له بممارسة السلطة القمعية لضبط ميدان المنافسة .


*الـمـبـحـث الثــانــي*تشكيــل و تسيـير مجـلس المنافســـة :


بالرغم من تعريف مجلس المنافسة في الأمر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة على أنه "سلطة إدارية تنشأ لدى رئيس الحكومة و تتمتع بالشخصية القانونية و الإستقلال المالي " (1)
فإن الطبيعة القانونية للمجلس تبقى رهينة البحث في تشكيلة المجلس و النظام القانوني الذي يسير عليه، و عليه سوف نتناول تشكيلة مجلس المنافسة في (المطلب الأول) و بعد ذلك نتناول التسيير الإداري للمجلس في (المطلب الثاني ).
*الـمطـلـــــب الأول*
تشكيــلة مجلس المنافســــة
جاءت تشكيلة مجلس المنافسة موضحة في الباب الثالث من الأمر رقم 03/03 إبتداءا من المادة 24 منه، حيث يتشكل من مجموعة الأعضاء يمكن تقسيمها إلى فئتين ، تشمل الفئة الأولى مجموعة الأعضاء و تشمل الفئة الثانية كل من المقررين و ممثل الوزير المكلف بالتجارة .

الفرع الأول : فئة الأعضاء:
إستنادا إلى المادة 24 من الأمر 03/03 فإن مجلس المنافسة يتكون من 09 أعضاء يعينون لمدة 05 سنوات قابلة للتجديد بموجب مرسوم رئاسي، حيث أن مهامهم تنهي بنفس الطريقة و هذا ما تؤكده المادة25 من نفس الأمر.
 و تجدر الإشارة هنا إلى الشيء الجديد الإيجابي الذي جاءت به هذه المادة وهو أنها بينت الطريقة التي يتم إنهاء مهام الأعضاء ،حيث تنص الفقرة الثانية منها أنه"".....و تنتهي مهامهم بالأشكال نفسها"، عكس الأمر 95/06 ،الذي لم يتطرق لإنهاء مهامهم ، غير أنه تطرق لحالة إستقالة الأعضاء  في المادة 45 من الأمر 95/06 و يتم إختيار  هؤولاء التسعة من الأصناف التالية :
1-عضوان (2) يعملان أو عملا في مجلس الدولة أو في المحكمة العليا أو في مجلس المحاسبة بصفة قاض أو مستشار 
2-سبعة (7) أعضاء يختارون من ضمن الشخصيات المعروفة بكفاءتها القانونية أو الإقتصادية أو في مجال المنافسة و التوزيع و الإستهلاك، ومن ضمنهم عضو يختار بناء على إقتراح وزير الداخلية .(2)
و هو الوضع الذي نجده في القانون الفرنسي بحيث يتشكل المجلس من 17 عضوا منهم ثمانية قضاة من النظام الإداري و القضائي و تسعة شخصيات يتم إختيار أربعة منهم معروفين بكفاءتهم في الميدان الإقتصادي أو في ميدان المنافسة و الإستهلاك، و الخمسة الآخرين يكونوا معروفين في ميدان الأعمال، و منه يتبين التوازن الذي يضمن إستقلالية المجلس (3).
ومن ثمة فإن إختيار هذا العدد من الأعضاء من بين الشخصيات المعروفة بكفاءتها في الميدان الإقتصادي أو ميدان المنافسة أو ميدان التوزيع و الإستهلاك يدل على الرغبة في جعل مجلس المنافسة خبير إقتصادي في مجال المنافسة .
وتجدر لنا الملاحظة إلى أن الأمر رقم 03/03 حذف ثلاثة أعضاء من عدد الأعضاء الذين  وجدوا بموجب الأمر السابق، و قد حذف أيضا الفئة التي تختار من مجموعة الأشخاص المهنيين  و الذين يشتغلون في قطاع  الإنتاج، و بهذا فقد زاد المشرع من عدد الأعضاء الذين يتم إختيارهم على أساس كفائتهم في المجال الإقتصادي و الملاحظة الثانية هي أن الأمر رقم 03/03 حدد المدة التي يمارس فيها الأعضاء مهامهم و هي 05 سنوات بينما الأمر السابق في المادة 32 منه تضفي صفة الإستمرارية لأعضاء مجلس المنافسة و بالتالي نجد أن إستقلالية أعضاء مجلس المنافسة مكرسة بتقنية العهدة المحددة بخمسة سنوات (1)، حيث أن رئيس الجمهورية المختص بتعيينهم لا يحق له إقالتهم و لا تبديلهم خلال هذه المدة .
فأعضاء مجلس المنافسة ملزمون بأداء واجبهم المهني، وإذا ما أخلوا به نتج عنه تطبيق إجراءات تأديبية ذلك إن إطلع رئيس مجلس المنافسة على خطأ جسيم إرتكبه أحد الأعضاء يترتب عنه إيقافه (2).
 كما أن أعضاء مجلس المنافسة يتمتعون بالحماية من كل أنواع الضغوطات التي من شأنها الإضرار بأداء مهامهم و الوظيفة التي يؤدونها وظيفة عليا في الدولة (3)
كما تظهر أيضا إستقلاليته من خلال أعماله و قراراته، بحيث لا توجد سلطة تعلوه وهذا ما يتطابق وتعريف الإستقلال الوظيفي لمجلس المنافسة وهو عدم الخضوع لا لرقابة سليمة و لا رقابة وصائية (4)، وهذا ما تؤكده المادة 34/1 من الأمر 03/03 التي تنص "يتمتع مجلس المنافسة بسلطة إتخاذ القرار و الإقتراح و إبداء الرأي بمبادرة منه أو كلما طلب منه ذلك ..".
زيادة على ذلك فقد تتعدى أعمال مجلس المنافسة حدود الإقليم الجزائري حيث يتعامل مع السلطات الأجنبية وذلك في حدود إختصاصه (5).
كما يمكن له بناءا  على طلب السلطات الأجنبية المكلفة بالمنافسة أن يقوم بنفسه أو بتكليف منه بالتحقيقات في الممارسات المقيدة للمنافسة (6)
و نشير في الأخير إلى أن كل هذه المؤشرات تبين لنا إستقلالية مجلس المنافسة .

الفرع الثاني : فئة المقررين 
تنص المادة 26 من الأمر 03/03 المتعلق بالمنافسة على أنه " يعين لدى مجلس المنافسة....و مقررون" ،وذلك لأنه من أجل التحقيق من الملفات المطروحة أمام المجلس يعين الرئيس مقررا يكلفه بالتحقيق .
و تجدر هنا الإشارة إلى أنه حتى في المرسوم الرئاسي 96/44 المحدد للنظام الداخلي لمجلس المنافسة لم يحدد عدد المقررين الواجب تعينهم وهذا ما يجعل الأعباء تتراكم على عدد مقررين المجلس الفعليين الذين يبلغ حاليا عددهم مقررة واحدة فقط.
يكلف المقرر بالتحقيق في العرائض التي يسندها له رئيس مجلس المنافسة ، و يمكن لهذا الأخير أن يكلفه بأي ملف أو تحقيق له علاقة بمهام مجلس المنافسة، بحيث يعتبر مساعد مباشر لرئيس المجلس، و لا يتلقى الأوامر إلا من رئيس المجلس وحده ، و أثناء القيام بمهامه يمارس المقرر السلطات المخولة له في إطار الأمر المتضمن قانون المنافسة ،كما أنه زيادة على ذلك يمكن للمقرر أن يستمع إلى أي شخص من شأنه أن يفيده بمعلومات حول الملف الذي يحقق فيه .
 و تضيف المادة 21 من المرسوم الرئاسي رقم 96/44 المتضمن للنظام الداخلي لمجلس المنافسة بأنه يحرر المقرر بمجرد إنتهاء التحقيق تقريرا أو يعد محضرا حسب الحالة يوقعه و يرسله إلى رئيس المجلس، ثم يبلغ التقرير أو المحضر إلى الأطراف المعنية ، ونجد أيضا أن رئيس مجلس المنافسة يعين المقرر المكلف بالتحقيق و يمكنه أن يستعين بمقررين آخرين .(1)
يفهم من خلال قراءة المادة 19 من المرسوم الرئاسي 96/44 بأنه إلى جانب المقررون الدائمون داخل المجلس توجد فئة أخرى من المقررين خارجيين عن المجلس ، غير أن حقيقة الأمر أنه لم نشهد بعد أمام مجلسنا للمنافسة تعيين مقررين خارجيين، وهذا عكس القانون الفرنسي المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة نجد أنه يشتمل على فئتين من المقررين تتمثل الفئة الأولى من المقررين الدائمين بينما تتمثل الفئة الثانية من المقررين الخارجيين(2). 
و أخيرا نشير إلى أن هذه الفئة تشارك في أشغال المجلس لكن دون الحق في التصويت ، بحيث يتدخل المقرر أثناء الجلسات و ذلك لتقديم ملاحظاته شفويا ،كما أنه إلى جانب المقررون يشارك ممثل الوزير المكلف بالتجارة أشغال المجلس 
-ممثل الوزير المكلف بالتجارة 
تنص المادة 26 من الأمر 03/03 على أنه "... يعين الوزير المكلف بالتجارة ممثلا له و ممثلا إضافيا لدى مجلس المنافسة بموجب قرار و يشارك هؤولاء في أشغال المجلس دون أن يكون لهم الحق في التصويت "
من خلال هذه المادة يتبين لنا أن المشرع لم يحدد صلاحيات ممثل الوزير المكلف بالتجارة و الممثل الإضافي داخل المجلس و إنما إكتفى بالنص على مشاركتهم في أشغال المجلس وذلك دون أن يكون لهم الحق في التصويت .
*المطــلب الثـانــي *
التسييـــر الإداري لمجــلس المنافســة :

لقد نصت المادة 04 من المرسوم الرئاسي 96/44 على أنه" يتولى الرئيس الإدارة العامة لمصالح مجلس المنافسة، وفي حالة حدوث مانع له يخلفه أحد نائبيه و يمارس السلطة السلمية على جميع المستخدمين " .
و عليه فإن الأشخاص المكلفة بالإدارة العامة و تسيير مجلس المنافسة يتم تعينهم من طرف رئيس المجلس ، و هذا ما يبين لنا إستقلال مجلس المنافسة تجاه السلطات العامة في إختيار الأعوان الإداريين للمجلس.

الفرع الأول : الأمين العام 
يتولى الأمين العام الإدارة العامة و سير أعمال المنافسة و يتم تعينه عن طريق مرسوم رئاسي ، و بعد تعينه و تنصيبه في هذا المنصب يكلف بالمهام الآتية :
-تسجيل العرائض و ضبط الملفات و الوثائق و حفظها .
-تحرير محاضر الأشغال و إيداع مداولات مجلس المنافسة و مقرراته.
-إعداد جدول أعمال المجلس.
يالإضافة إلى كل هذه المهام التي تبين إتساع دائرة نشاط الأمين العام، فإن المادة الخامسة (05) من المرسوم الرئاسي رقم 96/44 تضيف ما يلي : " ينسق الأمين العام و يراقب أنشطة المصالح المتكونة من مصلحة الإجراءات و الدراسات و التعاون، مصلحة التسيير الإداري و المالي ومصلحة الإعلام الآلي" 
فكل هذه المصالح المذكورة أعلاه تتمثل في المصالح الداخلية لمجلس المنافسة لذلك نتعرض إلى المهام المنوطة بكل مصلحة من هذه المصالح .
أولا : مصلحة الإجراءات 
تتكلف مصلحة الإجراءات بحسب نص المادة 07 من المرسوم المحدد للنظام الداخلي في مجلس المنافسة بمايلي: 
أ-البريد: بحيث يتولى مكتب البريد إستقبال الظروف الموصى عليها و التي تشمل عرائض الإخطار مهما كانت الجهة المقدمة للإخطار، وكذلك الوثائق الملحقة بها مقابل وصل إستلام .
ب-إعداد الملفات ومتابعتها في جميع مراحل الإجراءات: و في هذا الشأن تبلغ وتراقب إحترام الآجال         و الإنتظام المادي لتوفير الوثائق المقدمة للمناقشة ،كما تسهر كذلك على حسن سير عملية إطلاع الملفات        و حفظها.
ج-كما تتولى كتابة جلسات مجلس المنافسة و تحضير تنظيمها: ، و بهذه الصفة توجه الإستدعاءات و توزع مقررات مجلس المنافسة و أراءه و تراجعها قبل إرسالها إلى الوزير المكلف بالتجارة الذي يكلف بنشرها في النشرة الرسمية للمنافسة .
من خلال ما سبق يمكن القول بأن هذه المصلحة تسير كل المرحلة الإجرائية بمختلف أطوارها من تلقي العرائض إلى إرسال مقررات و إستشارات المجلس  إلى الوزير المكلف بالتجارة 
ثانيا : مصلحة الوثائق و الدراسات و التعاون :
 تقوم هذه المصلحة بالمهام الأتية :
أ-جمع الوثائق الإعلامية التي تتصل بنشاط مجلس المنافسة و توزيعها على مصالحة .

ب-إنجاز الدراسات و الأبحاث لحساب مجلس المنافسة، و هذا يدخل في إطار صلاحيات المجلس الذي يأمر بالقيام بالأبحاث و الدراسات التي لها علاقة بالمنافسة.(1) 
ج-تسيير برامج التعاون الوطنية و الدولية خاصة مع العلم بأن مجلس المنافسة مكلف بتطوير علاقات التعاون مع الهيئات الأجنبية و المؤسسات الدولية (2).
د-الحفاظ على الأرشيف.(3)

ثالثا : مصلحة التسيير الإداري و المالي : 
نظرا لكون أن المجلس مستقلا إداريا وماليا(4)، تم إستحداث هذه المصلحة بموجب المادة 09 من المرسوم الرئاسي رقم 96/44 و التي تكلف بدورها بالمهام الآتية :
أ-تسيير مستخدمي مجلس المنافسة و وسائله المادية .
ب-تحضير الميزانية وتنفيذها
ج-القيام بالمحاسبة لصالحه

رابعا : مصلحة الإعلام الآلي : service d’ informatique 
إن وسيلة الإعلام الآلي أصبحت وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها، بحيث تم إدخالها على جميع مصالح الأجهزة الحديثة ، فمجلس المنافسة بدوره يتوفر على هذه المصلحة كما نصت عليه المادة 09 من المرسوم الرئاسي المشار إليه أعلاه و التي تنص " تكلف مصلحة الإعلام الآلي بتسيير وسائل الإعلام الآلي في مصالح مجلس المنافسة " 
أخيرا نشير إلى أن وجود هذه المصالح الداخلية أمر ضروري لتنظيم نشاط مجلس المنافسة، و تحقيق فعاليته باعتباره المؤسسة السامية لقانون المنافسة ، لكن هذا الأمر يؤسفنا لكون هذه المصالح لم تعرف بعد وجودا لها في الواقع، بحيث عندما تقربنا من مجلس المنافسة فهمنا بأن هذه الوضعية المتمثلة في عدم تنظيم المصالح الداخلية للمجلس تعود إلى الصفة المؤقتة لمقر المجلس ، غير أن هذه الوضعية المؤقتة بقيت مستمرة بالرغم من مرور عدة سنوات من تنصيب المجلس .

الفرع الثاني : مديروا المصالح: 

يوجد على رأس كل مصلحة من المصالح المذكورة أعلاه ، مدير يعينه رئيس مجلس المنافسة بمقرر، و يكلف بتسيير المصلحة التي يشرف عليها بحيث تصنف وظيفة المدير حسب وظائف مدير الديوان و مدير الإدارة المركزية و مدير الدراسات على مستوى الوزارة .(5)
ثم إن تكليف مدير كل مصلحة بتسيير إدارة المصلحة التي توضع تحت إشرافه يدل على مساهمته هؤولاء في تسيير المجلس بصفة عامة ما دام أن هذه المصالح تعتبر هيئات تنظمية داخل مجلس المنافسة .

الفرع الثالث: الأعوان الإداريون و التقنيون و المصلحيون 
إن هؤلاء الأشخاص يشتغلون على مستوى المصالح التي يتشكل منها مجلس المنافسة، سواء الإدارية منها أو التقنية و يتمثلون على الخصوص فيما يلي :
-أمناء المصالح-رؤساء المصالح-المحاسبون-تقنيو الإعلام الآلي .
فحسب المادة 14 من المرسوم الرئاسي 96/44 فإن الأعوان الإداريون و التقنيون  و المصلحيون يستفيدون من التعويض المنصوص عليه في التنظيم الجاري به العمل و المطبق على المستخدمين التابعين لمصالح رئاسة الحكومة .
نشير في الأخير أنه من خلال تنظيم مجلس المنافسة أن الأمر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة ألحق المجلس برئيس الحكومة ، و رغم أنه لا يوجد من الناحية القانونية ما يحول دون ممارسة المجلس لإختصاصاته بكل إستقلالية، إلا أنه من الناحية العملية يمكن تصور ممارسة الحكومة لبعض التأثير على أعماله و من بين هذه التأثيرات ما يلي :
-تعين وزارة التجارة لممثل لها لدى المجلس و المشاركة في أشغاله و الدفاع عن وجهة نظر السلطة التنفيذية، يمكن أن تؤدي إلى المساس بإستقلالية المجلس بطريق غير مباشر ولو أن الممثل لا يشارك في التصويت على قرارات المجلس .
-تمتع الحكومة بصلاحية ترخيص التجميع الذي رفض من طرف مجلس المنافسة و هو الأمر الذي سوف نتناوله بالتفصيل في الفصل الثاني .
-الإختصاص في وضع النظام الداخلي للمجلس، فبعد أن كان هذا المجلس هو الذي يقترح النظام الأساسي لأعضاء مجلس المنافسة ، أصبح في ظل الأمر رقم 03/03 مختلفا حيث صار هذا النظام الأساسي من إختصاص السلطة التنفيذية حسب المادتين 31 و 32 من الأمر رقم 03/03 ، و هو عكس ما نجده في لجنة ضبط الكهرباء و الغاز، التي تقوم بإعداد نظامها الداخلي من تلقاء نفسها .(1)
 غير أنه لا يمكن نفي الإستقلالية عن مجلس المنافسة لمجرد وضعه لدى رئيس الحكومة من حيث أنه لا يخضع لوصاية أية وزارة كما أن إلحاقه برئيس الحكومة يمكن أن يكون لأغراض تتعلق بقواعد      الميزانية .(2)



*الـمبـحــث الـثالــــث *
الإجــراءات المتبعــة أمـام مجلس المنافســة :

يعتبر المرسوم الرئاسي رقم 96/44 المتضمن النظام الداخلي في مجلس المنافسة، بمثابة القانون الإجرائي للمنافسة، إذ أن هذا الأخير لا يتميز كثيرا عن القوانين الإجرائية الأخرى سواء من حيث إعتماد     و سير أعماله وفقا لمبدأ المواجهة بين الخصوم ، و إحترام حقوق الدفاع المكرسة دستوريا(1) ،وكذا من حيث طرق و مواعيد الطعن ضد المقررات الصادرة عن المجلس الأمر الذي أثار جدال حول إعتبار مجلس المنافسة بمثابة هيئة قضائية .
و حتى يقوم المجلس بالأعمال المنوطة به ، وضع القانون قواعد إجرائية تنظم سير أعماله من الواجب إحترامها، و التي تتمثل في إخطار المجلس كإجراء أول ثم إجراء التحقيقات من طرف الأعوان المؤهلة لذلك   و بعدها تأتي مرحلة تنظيم جلسات المجلس، و أخيرا إصدار المقررات و الآراء.
*المــطــلـب الأول*
إخطار مجلس المنافسة Saisine du conseil de la concurrence
يعد الإخطار بمثابة الإجراء الأولي، الذي تبدأ به الإجراءات الإدارية أمام مجلس المنافسة(2) و الذي لا يخص سوى الوقائع التي لم تتجاوز مدتها ثلاث سنوات (3)، إلا أن السؤال الذي يمكننا أن نطرحه في هذا الشأن من هم الأشخاص المؤهلة لإخطار مجلس المنافسة ؟ 

الفرع الأول : الأشخاص المؤهلة لإخطار مجلس المنافسة 
بالرجوع إلى نص المادة 44 من الأمر 03/03 المتعلق بالمنافسة، و في إطار إختصاصاته التنازعية يمكن أن يخطر مجلس المنافسة من طرف الوزير المكلف بالتجارة و أن ينظر في القضايا تلقائيا، أو بإخطار من المؤسسات، أو من الهيئات المذكورة في الفقرة الثانية من المادة 35 من نفس الأمر و هي الجماعات المحلية و المؤسسات الإقتصادية و المالية و الجمعيات المهنية    و النقابية إلى جانب جمعيات المستهلكين .
أولا : الوزير المكلف بالتجارة :
 يتولى الوزير المكلف بالتجارة طبقا لنص المادة 44 من الأمر المتعلق بالمنافسة إخطار المجلس و ذلك بعد الإنتهاء من التحقيق الذي تقوم به المصالح المكلفة بالتحقيقات الإقتصادية، تتولى هذه الأخيرة إعداد تقرير أو محضر بحسب الحالة مرفوقا  بجميع الوثائق التي يشكل ملف القضية، و بعدها يتم إرسالها في ستة نسخ إلى المفتشية المركزية للتحقيقات الإقتصادية و قمع الغش مرفوقا برسالة الإحالة التي تتضمن عرض موجز للوقائع و الإشكالات القانونية المطروحة وكذا رأي المصلحة المكلفة بالتحقيق الإقتصادي .
و بعد ذلك تقوم المفتشية المركزية بدورها بإحالة الملف كاملا على مديرية المنافسة لدى وزارة التجارة، و التي تجري دراسة الملف سواء من حيث الموضوع أو الشكل، و بالتالي فإذا ما أثبتت الدراسة مطابقة الملف شكلا و موضوعا تتولى التحضير للإخطار الوزاري لمجلس المنافسة ، أما إذا أثبتت هذه الدراسة عيب شكلي أو موضوعي ، يرجع الملف إلى الهيئات التي بادرت القيام بالتحقيق بقصد تصحيح العيب أو تزويد الملف بمعلومات إضافية .
ثانيا : المؤسسات الإقتصادية
و يقصد بالمؤسسة كل شخص طبيعي أو معنوي أيا كانت  طبيعته يمارس بصفة دائمة نشاطات الإنتاج و التوزيع و الخدمات(1) ، وهذه السلطة الممنوحة للأعوان الإقتصادين بصفة عامة و المؤسسات الإقتصادية بصفة خاصة من دون المرور عن طريق الإدارة يثبت نية إخراج قانون المنافسة من المنهج المسير عن طريق إنسحاب الإدارة العامة من النشاط الإقتصادي .
و بالتالي فكل عون إقتصادي يتضرر من جراء الممارسات المنافية للمنافسة يحق له إخطار مجلس المنافسة    و الذي يتدخل لوضع حد لمثل هذه الممارسات .
ثالثا : جمعيات المستهلكين :
      يعتبر المستهلك المعني بالدرجة الأولى بالعملية التنافسية، بما توفره له من الإختيار الحر بين عدد من السلع و الخدمات و بما تحققه من خفض للأسعار تساعده على رفع قدراته الشرائية.(2)
و بالرغم من أن جمعيات الدفاع عن المستهلك لا تعتبر أشخاصا لقانون المنافسة غير أن هذا القانون حرص على إشراكهم في محاربة هذه الممارسات بحيث يمكن لجمعيات المستهلكين أن تلجأ إلى إجراءات خبرات و دراسات تتعلق بالإستهلاك و كذا نشر نتائجها، كما يمكن لجمعيات المستهلكين أن ترفع الدعاوى أمام المحكمة المختصة بإبطال أي إلتزام أو إتفاقية أو شرط تعاقدي تتعلق بالإتفاقات المنافية للمنافسة أو التعسف في إستخدام وضعية الهيمنة على السوق(3)، كما يحق لها كذلك المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي تلحق بالمصالح المشتركة بالمستهلكين ، وهذا فضلا عن إمكانية إخطار  مجلس المنافسة كلما كان هناك مساس بالمصالح التي تكلف بحمايتها،  و عليه يمكن القول بأن هذه الجمعيات تلعب دورها وقائيا  وحمائيا في مجال حماية المستهلك.(4)
رابعا : الجماعات المحلية :
نظرا لكون الجماعات المحلية (الولاية و البلدية) تتمتع بالشخصية المعنوية تسمح لها بإبرام عقود وفقا لقانون الصفقات العمومية (5)، فإنها في المقابل تتمتع بحق إخطار مجلس المنافسة حول كل الممارسات المقيدة للمنافسة و التي تلحق أضرارا بالمصالح التي تكلف بحمايتها .
خامسا : الجمعيات المهنية و النقابية :
إن هذه الجمعيات كلما تعلق الأمر بالممارسات التي تمس المصالح التي تمثلها لها الحق في إخطار مجلس المنافسة بتلك الممارسات ، و في هذا الشأن إعتبر مجلس المنافسة الفرنسي في قرار صادر عنه في 14 جانفي 1992 أن النظام الداخلي لمجمع إقتصادي  يشكل إتفاق مقيد للمنافسة و في قرار آخر صادر عنه مؤرخ في 31 أكتوبر 1990 إعتبر أن نقابة الأخصائيون في النظارات الطبية syndicat d’opticiens  غير مرتكبة للممارسات المنافية للمنافسة عندما رفعت الدعوى لتدافع على إحتكار إعترف به القانون و هو بيع العدسات .(6)
سادسا : الإخطار التلقائي للمجلس : la saisine d’office 
يتمتع مجلس المنافسة بسلطة النظر في  القضايا تلقائيا كلما تبين له أنه بأن ممارسة ما تشكل مخالفة لأحكام المواد 6. 7. 10. 11 . 12 من الأمر 03/03 المتعلق بالمنافسة حيث قرر مجلس المنافسة الفرنسي النظر تلقائيا في حالة المنافسة في ميدان الإشهار.(1)
 و من ثمة فهذه الصلاحية تسمح للمجلس بإعطاء توجه لسياسة المنافسة و كذا التدخل في قطاعات     و أسواق تسود فيها ممارسات مقيدة للمنافسة دون إنتظار إخطاره من طرف الأشخاص المؤهلة قانونا لذلك. (2)
و بالتالي فإن هذه الإمكانية التي يتمتع بها المجلس في مباشرة الدعوى تلقائيا دون إنتظار رفع الأمر أمامه من طرف الأشخاص المذكورين آنفا ، يعد إبداع جديد في القانون الجزائري بحيث يعتبر هذا الإخطار وسيلة في يد المجلس للتدخل دون إنتظار في كل مرة تهدد المنافسة الحرة .

الفرع الثاني : كيفية الإخطار :

ترفع الدعوى أمام مجلس المنافسة بمقتضى عريضة مكتوبة توجه لرئيس المجلس في 04 نسخ، مع الوثائق الملحقة بها بواسطة رسالة موصى عليها مع العلم بالوصول، أو بإيداعها مباشرة لدى مصلحة الإجراءات مقابل وصل إستلام ، و بعدها تسجل العريضة في سجل تسلسلي و تمهر بطابع يتضمن الإشارة إلى تاريخ الوصول، و يجب أن تحتوي العريضة علاوة على موضوعها الإشارة إلى الأحكام القانونية و التنظيمية، و كذا أدلة الإثبات التي تؤسس عليها الجهة المخطرة طلبها (3).
هنا نشير إلى أنه يجب أن نميز بين الأخطار الذي يرفعه الشخص الطبيعي و ذلك الذي يكون العارض شخصا معنويا ، فإذا كان العارض شخصا طبيعيا فيجب أن يبين إسمه و لقبه  و موطنه ، أما إذا كان شخصا معنويا كما لو تعلق الأمر بجمعيات المستهلكين فيجب أن يبين تسميته ، شكله ،مقره الإجتماعي و الجهاز الذي يمثله (4).
كما يجب على العارض أن يحدد العنوان الذي توجه له التبليغات فيه، و أن يشعر مجلس المنافسة دون تأخير عن كل تغيير يطرأ على عنوانه بواسطة  رسالة موصى عليها مع العلم بالوصول (5).
و في الأخير نشير إلى أنه يجب على مجلس المنافسة أن يرد على العرائض المرفوعة إليه في أجل أقصاه شهرين إبتداءا من تاريخ إستلامه للعريضة .
*الـمطـلــب الـثــانــي*
إجـــــــــراء التحقـيــــق :
بعد إخطار مجلس المنافسة من طرف الأشخاص المؤهلة لذلك، تأتي مرحلة التحقيق بحيث تنص المادة 34 من الأمر رقم 03/03  على أنه " يمكن لرئيس المجلس أن يطلب من المصالح الكلفة بالتحقيقات القيام بالمراقبة أو التحقيق أو الخبرة في المسائل المتعلقة بالقضايا المدروسة"
الفرع الأول : الموظفون المؤهلون للقيام بالتحقيقات 
إن الموظفون المؤهلون للقيام بالتحقيقات طبقا للمادة 50 من الأمر رقم 03/03 هم المقررون دون سواهم، وهو عكس ما كان موجودا في الأمر السابق المتعلق بالمنافسة بحيث تنص المادة 78 من الأمر 95/06 على عدة أصناف من الموظفين المؤهلين للقيام بالتحقيقات بحيث أنه علاوة على ضباط وأعوان الشرطة القضائية المنصوص عليهم في قانون الإجراءات الجزائية ،يؤهل للقيام بالتحقيقات الإقتصادية كل من أعوان الإدارة المكلفون بالتحقيقات الإقتصادية و المنافسة و الأسعار و الجودة و قمع الغش، إضافة إلى المقررين التابعين لمجلس المنافسة و لكن بعد إلغاء الباب الرابع و الخامس من الأمر رقم 95/06 بموجب القانون رقم 04/02 المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية (1)، أصبح هؤلاء الموظفون غير مختصون في إجراء التحقيقات في مجال الممارسات المقيدة للمنافسة المنصوص عليها في المواد من 06 إلى 12 من الأمر 03/03، لأن في غير هذه الممارسات حول المشرع النظر فيها للهيئات القضائية و يتعلق الأمر بالقواعد المتعلقة بشفافية الممارسات التجارية ونزاهتها ، وذلك بموجب القانون 04/02 المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية.
الفرع الثاني : تنظيم إجراء التحقيق :
بعد دراسة بعض المؤشرات من طرف مسؤول المصلحة المكلفة بالتحقيقات، و هو المقرر الذي يحقق في الطلبات و الشكاوي المتعلقة بالممارسات المقيدة للمنافسة، التي يسندها إليه رئيس مجلس المنافسة(2) ، إذا ارتأى عدم قبولها طبقا لأحكام المادة 44 في فقرتها الثالثة التي تنص " يمكن أن يصرح المجلس بموجب قرار معلل بعدم قبول الإخطار إذا ما إرتأى أن الوقائع المذكورة لا تدخل ضمن إختصاصه أو غير مدعمة بعناصر مقنعة بما فيه الكفاية "، فإنه يعلم بذلك مجلس المنافسة برأي معلل ، أما إذا ما أثبتت الدراسة بأنه توجد مؤشرات جديرة لإجراء التحقيق يتولى المقرر تنظيم إجتماع داخل المصلحة التي يشرف عليها من أجل القيام بالتحقيق الذي يمر عبر مرحلتين : مرحلة تحضير التحقيق ،ومرحلة غلقه 
*المرحلة الأولى : تحضير التحقيق
يقوم المقرر بفحص كل الوثائق الضرورية للتحقيق في القضية المكلف بها دون أن يمنع من ذلك بحجة السير المهني، كما يمكنه أن يطالب بإستلام أية وثيقة حيثما وجدت و مهما تكن طبيعتها إضافة إلى سلطته في حجز المستندات التي سوف تساعده على أداء مهامه أين تضاف المستندات المحجوزة إلى التقرير أو ترجع في نهاية التحقيق، كما يمكن أن يطلب المقرر كل المعلومات الضرورية لتحقيقه من أي مؤسسة أومن أي شخص آخر و يحدد الآجال التي يجب أن تسلم له فيها هذه المعلومات(3) .
وخلال هذه المرحلة يتولى المقرر تحرير تقرير أولي يتضمن عرض الوقائع و كذا المآخذ المسجلة، و يبلغ رئيس المجلس التقرير إلى الأطراف المعنية، و إلى الوزير المكلف بالتجارة، وكذا إلى جميع الأطراف ذات المصلحة الذين يمكنهم إبداء ملاحظات مكتوبة في أجل لا يتجاوز ثلاثة أشهر(4) .
المرحلة الثانية : غلق التحقيق 
بعد إنتهاء مرحلة تحضير التحقيق ، يتولى مسؤول المصلحة المكلفة بالتحقيق (المقرر) التأكد من صحة الملف من حيث الشكل ومن حيث الموضوع ، و في الأخير يقوم المقرر عند إختتام التحقيق بإيداع تقرير معلل لدى مجلس المنافسة يتضمن المآخذ المسجلة، ومرجع المخالفات المرتكبة و إقتراح القرار وكذا عند الإقتضاء إقتراح تدابير تنظيمية طبقا لأحكام  المادة 37 أعلاه(1) .
وعندئذ يتولى رئيس مجلس المنافسة بدوره بتبليغ التقرير إلى الأطراف المعنية، و إلى الوزير المكلف بالتجارة الذين يمكنهم إبداء ملاحظات مكتوبة في أجل شهرين و يحدد لهم كذلك تاريخ الجلسة المتعلقة بالقضية و ذلك قبل( 15) يوما من تاريخ الجلسة، كما يمكن للمقرر إبداء رأيه في الملاحظات المحتملة المكتوبة المذكورة آنفا.(2)
*الـمـطلـب الـثـالــث*
جلســـــات مجـــلس المنافســـة :
بالرجوع إلى النظام الداخلي في مجلس المنافسة (3) نجد أنه يتناول تنظيم الجلسات التي يعقدها المجلس بحيث يتولى رئيس مجلس المنافسة تحديد رزنامة الجلسات وجدول أعمال كل جلسة، و يرسل جدول الأعمال مصحوبا بالإستدعاء قبل ثلاثة أسابيع من إنعقاد الجلسة إلى كل من:  
- أعضاء المجلس، الأطراف المعنية، المقررين المعنيين، ممثل الوزير المكلف بالتجارة (4).
 و تجدر الملاحظة إلى أن فيما يخص المقريين و ممثل الوزير المكلف بالتجارة يتم إستدعائهم للمشاركة في أشغال المجلس لكن دون الحق في التصويت، كما أنه في حالة غياب المقرر المكلف بالتحقيق لحدوث مانع له، يعيين رئيس المجلس مقررا آخر لتقديم التقرير في الجلسة .
ونشير إلى أنه تعد جلسات مجلس المنافسة علنية في ظل الأمر السابق المتعلق بالمنافسة، على عكس ما نجده في القانون الفرنسي المتعلق بالمنافسة و الأسعار الذي ينص صراحة على أنه لا تعد جلسات مجلس المنافسة علنية (5)، غير أن الأمر 03/03 المتعلق بالمنافسة نص على أنها ليست علنية .(6)
و تجدر الإشارة هنا إلى أن موضوع الجلسات يتعلق بالمخالفات الواردة في المادة 44/2من قانون المنافسة و يتعلق الأمر بالمواد 6. 7 .9 .10 .11. 12 ،كما أن المجلس قد ينظر في الملفات المرفوعة أمامه إما بتشكيلة كاملة كلما إقتضت الضرورة ،وذلك و إعتمادا على طبيعة و أهمية القضية موضوع الدراسة، بحيث لا تصح جلسات المجلس إلا بحضور ستة أعضاء منه على الأقل، بحيث يتخذ قراراته بالأغلبية البسيطة مع ترجيح صوت الرئيس في حالة تساوي الأصوات و يتم نشر القرار من طرف الوزير المكلف بالتجارة في النشرة الرسمية للمنافسة(1)، وله أن ينشر مستخرجا من القرار في الصحف أو في أية وسيلة إعلامية أخرى .

*الـمطـلـب الـرابــع*المقـــــــــررات و الآراء:

يتمتع مجلس المنافسة بسلطة إتخاذ مقررات وعقوبات مالية، وذلك بقصد وضع حد للممارسات المنافية للمنافسة وفقا للأمر المتضمن قانون المنافسة وهذه السلطة التي يخولها له القانون تسمح له بضمان حرية المنافسة و عدم الإخلال بها .
لكن السؤال الذي يمكن طرحه في هذا الشأن ما هو أساس سلطة العقاب المخولة لمجلس المنافسة ؟ وهذا ما سوف نتناوله أولا ثم أصناف المقررات التي يصدرها المجلس، إلى جانب القوة التي تتمتع بها هذه المقررات ثالثا.
الفرع الأول : أساس سلطة العقاب المخولة لمجلس المنافسة :
إن معاقبة الممارسات المنافية للمنافسة كان من إختصاص القاضي الجزائي ، وذلك في إطار قانون الأسعار الصادر في 1989 ،و لقد إنتقل هذا الإختصاص إلى مجلس المنافسة سنة 1995 ، و هو نفس الشيء الذي نجده في إطار القانون الفرنسي قبل صدور الأمر المؤرخ في01 ديسمبر 1986 ، وهذا على إثر إزالة العقاب الجزائي عن الممارسات المقيدة للمنافسة وذلك لعدم ملائمة هذا العقاب الجزائي في المجال الإقتصادي، و هو ما يسمى la dépénalisation du droit de la concurrence (2)  ، غير أن نقل هذا الإختصاص إلى مجلس المنافسة يتصادم مباشرة مع أحكام الدستور الذي يميز بين إختصاصات السلطة التشريعية و إختصاصات السلطة التنفيدية و إختصاصات السلطة القضائية ، وهذه الجزاءات التي يتمتع بسلطة توقيعها تؤدي إلى الفصل في الخصومات خارج سلطة القاضي،حيث يلاحظ إنسحاب سلطة القاضي الإداري أو العادي عن العقاب       و حلول محلها سلطة الإدارة .
و لقد أكد المجلس الدستوري في قرار صادر عنه في 30 أوت 1989 المتعلق بالقانون الأساسي للنائب، مبدأ الفصل بين السلطات كأساس لتنظيم السلطة العامة (3).و هكذا فإن الإعتراف بالإختصاصات القمعية لمجلس المنافسة و هو سلطة إدارية حسب المادة 23 من الأمر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة ، يمس بمبدأ الفصل بين السلطات الذي يتضمن ضرورة التمييز بين الأنواع الثلاث لوظائف الدولة المتمثلة في النطق بالقانون و ضمان تطبيقه و الفصل في المنازعات ،وتخضع الوظيفة الأخيرة بالتأكيد للسلطة القضائية و لا يمكن ممارستها إلا من طرف المحاكم .
غير أن الفقه و المجلس الدستوري في فرنسا قد فصل في شرعية الجزاءات الإدارية التي يمكن أن توقع من طرف السلطات الإدارية المستقلة، و بعد أن كان هذا المجلس يرفض توكيل القمع إلى سلطة إدارية فإنه قبل فكرة الجزاء الإداري ،(4) و في قراره الصادر في 28 جويلية1989 و بمناسبة الإعتراف  للجنة البورصة بسلطتها، فإن المجلس الدستوري قد قرر أن لا مبدأ الفصل بين السلطات و لا مبدأ آخر أو قاعدة ذات قيمة دستورية يقف عائقا أمام ممارسة السلطة الإدارية لسلطة الجزاء في إطار إمتيازات السلطة العامة التي تملكها، بإستثناء الجزاءات التي تؤدي إلى الحرمان من الحرية، و بشرط أن تكون سلطة الجزاء مقيدة من طرف القانون بما يضمن الحقوق و الحريات الدستورية المضمونة لا سيما حقوق الدفاع(1)  لأن التغيير في وصف هذه العقوبات لا يغير بالضرورة من طبيعتها القمعية .
و من خلال ما تقدم نرى بأن فكرة الجزاء الإداري لا تخالف في شيء مبدأ الفصل بين السلطات و لهذا فإن الجزاءات الإدارية ما هي إلا تعبير عن ممارسة إمتيازات السلطة العامة .
و بالنسبة لقانون المنافسة الجزائري فيلاحظ أنه لم يترك مجلس المنافسة يتصرف في سلطته القمعية دون تأطير، بل قيدها بضرورة إحترام الحق في الدفاع المكرس في الدستور(2) ، بحيث تنص المادة 30 من الأمر 03/03 المتعلق بالمنافسة "يستمع مجلس المنافسة بصفة حضورية الأطراف المعنية في القضايا المرفوعة إليه "، و هذا ما يولد مبدأ المواجهة ، إضافة إلى تمكين الأطراف من الإطلاع على الملف مثل ما هو وارد في الفقرة الثانية من المادة 30 السابقة الذكر ، إلا إذا وجدت مستندات أو وثائق تمس سرية المهنة، و ذلك لتفادي الأضرار التي يمكن أن تلحق بالمعني ، يمكن لرئيس مجلس المنافسة بمبادرة منه أو بطلب الأطراف المعنية رفض تسليم تلك المستندات، و القرار الصادر بذلك من مجلس المنافسة لا يكون مؤسسا على المستندات       و الوثائق المسحوبة .
و بالنسبة لحق الإستعانة بمدافع نجد أنه مكرس سواء في مرحلة التحقيق في الممارسات المقيدة للمنافسة أو في مرحلة الفصل في القضية المطروحة.
 غير أنه نسجل ملاحظة تتمثل في أن قانون المنافسة الجزائري نص على حضور المقرر في مداولات المجلس (3)، ونرى أنه من أجل المحافظة على حقوق الدفاع كاملة يجب أن ينسحب المقرر أثناء تداول المجلس في القضية المعروضة عليه، لأن من مقتضيات المحاكمة العادلة أن يتم الفصل بين مرحلة التحقيق التي يضطلع بها المقرر و مرحلة الحكم التي تعود إلى أعضاء المجلس دون المقرر .
الفرع الثاني : أصناف مقررات مجلس المنافسة :
يمكن تصنيف مقررات مجلس المنافسة إلى ما يلي : 
1-عدم القبول : إن مجلس المنافسة إذا ما تبين له بأن الملفات المرفوعة إليه لا تدخل في إطار تطبيق المواد 6. 7. 9. 10. 11. 12 من قانون المنافسة، أو أن العرائض و الشكاوي المقدمة له لا تتضمن أحكام قانونية و تنظيمية، أو عناصر إثبات مقنعة بما فيه الكفاية يصدر مقررا بعدم القبول (4).
و في هذا الصدد بموجب القرار رقم 99 المؤرخ في 11 ديسمبر 1999 الصادر عن مجلس المنافسة، قرر عدم قبول الإخطار المقدم من طرف شركة" سوتييوب"  ضد مديرية الإيدروليك لولاية أم البواقي لعدم إختصاصه و ذلك وفقا للمادة 23 من الأمر رقم 95/06 المتعلق بقانون المنافسة (5)، و ذلك لكون  الإخطار لا يتعلق بالممارسات المقيدة للمنافسة.
2-الرفض : ذلك في حالة ما إذا تم إخطار المجلس من طرف أحد الأشخاص غير المؤهلة قانونا لذلك، أي إنعدام الصفة في الشخص المخطر ، أو إذا كانت الوقائع المرفوعة إليه لا تدخل في إطار المصالح التي تكلف هذه الأخيرة بحمايتها، يتخذ مجلس المنافسة مقررا بالرفض لإنعدام الصفة و المصلحة .
و عليه فإن الإخطار أمام المجلس يرفع من ذي صفة و التي حددها القانون صراحة و من ذي مصلحة كلما توفرت الحاجة المشروعة إلى الحماية من الأضرار الملحقة من جراء ممارسات مقيدة للمنافسة .
3-المتابعة :عندما يتبين لمجلس المنافسة بأن العرائض و الملفات المرفوعة أمامه، أو التي من إختصاصه لوضع حد للممارسات المقيدة للمنافسة فإنه يتخذ مقررات تتضمن ما يلي : 
أ- تصنيف الممارسات وفقا لقانون المنافسة: حيث عندما ترفع القضايا أمام المجلس يتولى هذا الأخير في البداية تقدير الوقائع وتكيفها حسب ما ينص عليه قانون المنافسة .
ب-الأوامر : يمكن للمجلس أن يتخذ تدابير مؤقتة في شكل أوامر تهدف إلى ضمان حرية المنافسة في قطاع معين ، كإتخاذ تدابير مؤقتة للحد من الممارسات المقيدة للمنافسة موضوع التحقيق إذا إقتضت الظروف المستعجلة لتفادي وقوع ضرر محدق لا يمكن إصلاحه لفائدة المؤسسات التي تأثرت مصالحها، أو عند الأضرار بالمصلحة الإقتصادية العامة ، بحيث هذا الطلب يقدم في أية مرحلة كانت عليها الإجراءات، و يجب أن يكون مسبب تسبيبا كافيا وذلك من طرف نفس الأشخاص المؤهلة لإخطار المجلس (1).
ج-التحقيق التكميلي : إذا رأي مجلس المنافسة أن التحقيق المنجز من طرف المقرر غير كاف للفصل في النزاع يأمر بإجراء تحقيق تكميلي ، حيث أصدر مجلس المنافسة قرار رقم 99 مؤرخ في 05 ديسمبر 1999 بشأن القضية المتعلقة بشركة" سوماكس الدولي" التي قامت بإخطار مجلس المنافسة ضد شركة "سافكسsafex"  و المتضمن طلب إجراء تحقيق تكميلي لجمع أكبر قدر من المعلومات حول السوق من أجل السماح لمجلس المنافسة القيام بتحليل الممارسة المعلنة لها على ضوء أحكام الأمر المتعلق بالمنافسة(2) .
د-العقوبات الإدارية :
يصدر المجلس عقوبات إدارية تتمثل في تقرير عقوبات مالية ،كما يمكنه أيضا أن يأمر بنشر قراره أو مستخرجا منه و توزيعه أو تعليقه (3) ، و نشير إلى أنه سوف نتطرق إلى هذه العقوبات بالتفصيل في الفصل الثاني.

الفرع الثالث : قوة المقررات الصادرة عن مجلس المنافسة 
يتم تحرير كل مقرر صادر عن مجلس المنافسة في نسخة واحدة تحفظ مع محضر الجلسة ،و تحتوي على رقم تسلسلي يلائم طبيعة القضية و تبلغ هذه المقررات إلى الجهات المختصة بقصد التنفيذ و ذلك عن طريق رسالة موصى عليها مع العلم بالوصول .
كما تكون مقررات المجلس قابلة للطعن فيها أمام الجهات القضائية المختصة وذلك خلال الميعاد المحدد قانونا لذلك .

أولا : تنفيد و نشر مقررات المجلس :
بعد تبليغ مقررات مجلس المنافسة إلى الأطراف المعنية، ترسل إلى الوزير المكلف بالتجارة الذي يسهر على تنفيذها، و يجب أن تبين هذه المقررات تحت طائلة البطلان  آجال الطعن وكذلك أسماء الجهات المرسل إليها و صفاتها و عناوينها .
أما عن نشر هذه المقررات فيتولى الوزير المكلف بالتجارة نشر جميع المقررات الصادرة في مجال المنافسة، سواء تلك الصادرة عن مجلس المنافسة أو تلك القرارات التي تصدرها الغرفة التجارية على مستوى مجلس قضاء الجزائر، وذلك في النشرة الرسمية للمنافسة ،كما يمكن أن ينشر مستخرج من القرارات عن طريق الصحف أو بواسطة أي وسيلة إعلامية أخرى (1).
ثالثا : طرق و إجراءات الطعن في مقررات مجلس المنافسة :
إن الطابع الإداري لمجلس المنافسة يعتبر أمرا مؤكدا بعد أن وصفه المشرع بذلك صراحة في المادة 23 من الأمر المتعلق بالمنافسة على أنه "تنشأ لدى رئاسة الحكومة سلطة إدارية"، و يترتب على كون مجلس المنافسة سلطة إدارية إعتبار  الأعمال الصادرة عنه تصرفات و قرارات إدارية وبناءا على ذلك فإنه  من المفروض  أن المنازعات الناشئة عن تلك الأعمال  و القرارات تخضع كما هو الشأن بالنسبة للسلطات الإدارية كلجنة البورصة، و سلطة ضبط البريد و المواصلات (2)..إلخ إلى القاضي الإداري، بإعتباره هو القاضي الطبيعي و العادي لتلك المنازعات.
غير أنه فيما يخص مجلس المنافسة فإن المقررات التي يصدرها و يثور بشأنها منازعات يطعن فيها أحيانا أمام القاضي العادي و أحيانا أخرى أمام القاضي الإداري فبالنسبة لقرار رفض التجميع فإنه طبقا للفقرة الثالثة من المادة 19 من قانون المنافسة يطعن فيه أمام مجلس الدولة ، أما بالنسبة لمقررات المجلس الأخرى فيطعن فيها أمام الغرفة التجارية على مستوى مجلس قضاء الجزائر العاصمة، و ذلك حسب ما تقضي به المادة 63 من قانون المنافسة التي تنص على انه " تكون قرارات مجلس المنافسة قابلة للطعن أمام مجلس قضاء الجزائر الذي يفصل في المواد التجارية " ،و ذلك في أجل لا يتعدى شهر واحد من تاريخ تبليغ القرار .
و بغض النظر عن سبب التمييز في الجهة القضائية المختصة في الطعون ضد قرارات مجلس المنافسة، فإن إخضاع الطعن إلى القاضي العادي لا يعني أن مجلس المنافسة ليس بجهاز إداري حيث أن القانون قد أضفى عليه الطابع الإداري من جهة و أن المادة 19 من قانون المنافسة تخضع قرار رفض التجميع للطعن أمام مجلس الدولة مما يؤكد الطابع الإداري للهيئة من جهة أخرى .
و في هذا الشأن يرى الفقيه" لومبارد مارتين" "LAMBARD Martine "أن القاضي التجاري ينظر في الطعون المرفوعة ضد قرارات مجلس المنافسة بكونه قاضي مشروعية العمل الإداري، لا كقاضي إستئناف حكم قضائي صادر من جهة قضائية وهو ما يشكل إستثناء على القاعدة المعروفة في إختصاص القضاء الإداري .
و في الأخير تجدر الإشارة إلى أن الإستئناف لدى المجلس القضائي للجزائر لا يترتب آثر موقف لمقررات مجلس المنافسة ، غير أنه يمكن لرئيس المجلس القضائي في أجل لا يتجاوز 15 يوما أن يوقف تنفيذ التدابير المذكورة أعلاه و يقدم طلب وقف التنفيذ هذا طبقا لأحكام قانون الإجراءات المدنية (1).
كما أنه بمجرد إيداع الطعن أمام مجلس قضاء الجزائر ترسل نسخة منه إلى رئيس مجلس المنافسة ،وإلى الوزير المكلف بالتجارة عندما لا يكون هذا الأخير طرفا في القضية، و بعد تلقي هذه النسخة يتولى رئيس مجلس المنافسة بدوره إرسال ملف القضية إلى رئيس مجلس قضاء الجزائر في الآجال التي يحددها له هذا الأخير ،كما أنه بعد تبادل الأطراف للمستندات الجديدة المتعلقة بالقضية يرسل المستشار المقرر نسخة منها إلى رئيس مجلس المنافسة بقصد الحصول على ملاحظات مكتوبة في أجال يحددها المستشار.
 و أخيرا نود الإشارة إلى أن الأمر رقم 03/03  المتعلق بالمنافسة إستحدث ما يعرف بإجراء التدخل في الدعوى وذلك طبقا للأحكام المعروفة في قانون الإجراءات المدنية (2).



*الـمبـحـث الـرابــع*الطابـــع المـزدوج لصلاحيــات مجلس المنافســة :

إن تحقيق المهام المنوطة لمجلس المنافسة لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق ممارسة السلطات المخولة له بموجب قانون المنافسة،  و في هذا الإطار يتمتع مجلس المنافسة كما رأينا سابقا بسلطة إتخاذ القرار و إبداء الرأي حول جميع المسائل التي تدخل ضمن إختصاصه، سواء كان ذلك بمبادرة منه عن طريق التدخل التلقائي la saisine d’office  ،أو كلما طلب منه ذلك من طرف الأشخاص المؤهلة قانونا لذلك .(1)
ومن ثمة تشكيل ملف حول الممارسات المرفوعة أمامه أو تلك التي بادر بالمعاينة فيها و في الأخير إتخاذ القرار المناسب وفقا لأحكام الأمر المتضمن قانون المنافسة ، إلى جانب ذلك يلعب مجلس المنافسة دور هيئة إستشارية  أمام السلطات التشريعية و التنفيذية فيما يخص تحضير مشاريع النصوص القانونية و  التنظيمية التي لها علاقة بالمنافسة.
و عليه نشير إلى أن المجلس يضطلع على نوعين من المهام فمنها ما يتعلق بالوظائف التنازعية  و منها ما يتعلق بالوظائف الإستشارية .
*الــمطـلـب الأول*
الصلاحيـــات التــنازعيـة :
يتدخل مجلس المنافسة في كل الخلافات التنازعية المرتبطة بالمنافسة، و يتمتع كما سبقت الإشارة إليه بسلطة القرار كلما كانت الممارسات و الأعمال المودعة أمامه أو المثبتة تدخل في إطار تطبيق المواد من06 إلى 12 من الأمر المتعلق بالمنافسة .
و من خلال هذه المهام الأساسية المعترف بها للمجلس، و التي من شأنها تحقيق أكبر شفافية في ميدان الممارسات المقيدة للمنافسة ،  أراد المشرع أن يجعل من المجلس الضابط الأساسي للمنافسة ،و الخبير الرسمي في ميدان المنافسة بعدما أظهرت سلطة القضاء الموكلة للقاضي محدوديتها فمن جهة هذه القطاعات جد تقنية      و من جهة أخرى أظهرت العدالة الجزائية تأخرها.
      فمبدأ إزالة التجريم "dépénalisation" يسمح لمجلس المنافسة الإستفادة من التدخل في مجالات مهمة لا يمكن ضبطها بالقنوات التقليدية وهكذا تم تبني فكرة السلطة القمعية لمجلس المنافسة في المجال الإقتصادي(2) .
إذن الصلاحيات التنازعية لمجلس المنافسة حددها المشرع في إطار الممارسات المقيدة للمنافسة كما نصت عليها المادة 44 من الأمر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة .
غير أنه ليس كل ما يتعلق بالممارسات المقيدة للمنافسة يعد من إختصاص مجلس المنافسة و إنما هناك حالات بالرغم من كونها تدخل في إطار تطبيق المواد من 6 إلى 12 إلا أنها تخرج من إختصاص مجلس المنافسة .

الفرع الأول : مجال الوظيفة التنازعية :
يتمتع مجلس المنافسة بصلاحيات تنازعية "attributions contentieuses" ،إلا أنها محدودة فقط على الممارسات المقيدة للمنافسة عندما يخطر من طرف الأعوان الإقتصاديين أو الوزارة المكلفة بالتجارة، وعندما يخطر تلقائيا و تتمثل هذه الممارسات فيما يلي :
-الممارسات و الأعمال المدبرة و الإتفاقات الصريحة أو الضمنية (المادة 06).
-التعسف الناتج عن الهيمنة على السوق (المادة07).
-التعسف في إستغلال وضعية التبعية لمؤسسة أخرى (المادة11).
-البيع بأسعار مخفضة بشكل تعسفي (المادة 12)
و بالتالي فإن الممارسات المشار إليها أعلاه تشكل نطاقا يمارس فيه المجلس إختصاصه في المتابعة .

الفرع الثاني : حدود الوظيفة التنازعية :
بالرغم من أن المشرع قد حدد مجالا يمارس فيه مجلس المنافسة صلاحيته التنازعية، إلا أنه هناك حدود ينبغي إحترامها ، بحيث لا يعود الإختصاص فيها إلى المجلس ذلك بالرغم من كونها ترتبط بالممارسات المقيدة للمنافسة .

أولا : إيطال الإتفاقات و العقود :
عادة ما يلجأ المتعاملون الإقتصاديون في معاملاتهم إلى إبرام إتفاقات و عقود بينهم، فإذا كانت هذه الممارسات من شأنها المساس و الإخلال بحرية المنافسة يعود الإختصاص أصلا إلى مجلس المنافسة، الذي يتولى التحقيق فيها عن طريق المصالح المكلفة بالتحقيقات الإقتصادية وتوقيع الجزاءات وفقا لما هو منصوص عليه في الأمر المتعلق بالمنافسة .
غير أنه إذا كانت هذه الإتفاقات و العقود ينصب موضوعها على آثار منافية للمنافسة فإن المادة 13 من الأمر رقم 03/03 تنص على أنه :
"دون الإخلال بأحكام المادتين08 و09 من هذا الأمر يبطل كل إلتزام أو إتفاقية أو شرط تعاقدي يتعلق بإحدى الممارسات المحظورة بموجب المواد 6. 7. 10. 11. 12. أعلاه " 
و يفهم من خلال قراءة نص هذه المادة بأنه كلما كان محل الإتفاق أو أي إلتزام منافي للمنافسة يبطل ، و لكن السؤال الذي يمكن أن نطرحه حول إختصاص مجلس المنافسة في إبطال هذه الإتفاقيات ،و إذا كان غير مختص فما هي الجهة المختصة لتقرير البطلان ؟.
 بالرجوع إلى الإختصاصات التقليدية للهيئات القضائية فإنه يعود إختصاص إبطال الإتفاقات أو في إلتزامات إلى القاضي المدني ، في القضايا المدنية بينما في الإتفاقات بين التجار يمكن تقرير البطلان فيها من طرف القاضي التجاري .

ثانيا : المسؤولية الجزائية للأشخاص الطبيعية :
في إطار الأمر 95/06(ملغى) المتعلق بالمنافسة إذا ثبتت المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي، فإن مجلس المنافسة عليه أن يخطر وكيل الجمهورية المختص إقليميا قصد المتابعات القضائية، إلا أنه مع صدور الأمر الجديد رقم 03/03  المتعلق بالمنافسة ثم التخفيف بكيفية واسعة من القسم القمعي للأمر 95/06 عن طريق حذف عقوبة الحبس وذلك عملا بمبدأ إزالة التجريم  و التركيز بصفة أكثر على العمل الوقائي .

 
ثالثا : الفصل في طلبات التعويض :
يمكن لكل شخص طبيعي أو معنوي يعتبر نفسه متضررا من ممارسة مقيدة للمنافسة وفقا لمفهوم الأمر المتعلق بالمنافسة ، أن يرفع دعوى أمام الجهة القضائية المختصة طبقا للتشريع المعمول به(1) .
إذن مجلس المنافسة غير مختص لتقرير التعويض للأشخاص المتضررة من الأعمال  و الممارسات المقيدة للمنافسة .
*المـطـلب الـثــانــــي*
الصلاحيات الإستشارية les attributions consultatives

إلى جانب الصلاحيات التنازعية التي سبق ذكرها، يتمتع مجلس المنافسة بصلاحيات إستشارية في مجال المنافسة إذ يعتبر بمثابة الخبير المختص في هذا المجال(2)،  فحسب المادة 36 من الأمر 03/03 سيستشار مجلس المنافسة في كل مشروع نص تنظيمي له صلة بالمنافسة، وكل المسائل التي لها صلة بالمنافسة، و نشير إلى أنه يمكن التمييز بين نوعين من الإستشارات التي يقدمها المجلس بحيث يستشار تارة وجوبا و تارة أخرى إختياريا .

الفرع الأول : الإستشارة الوجوبية :
تكون إستشارة مجلس المنافسة وجوبية كلما تعلق الأمر بالمسائل التالية :
1-يستشار المجلس وجوبا حول كل مشروع مرسوم يحدد أسعار بعض السلع و الخدمات التي تعتبرها الدولة ذات طابع إستراتيجي(3) ، غير أنه ليس هناك معيار دقيق يميز السلع التي تعد ذات طابع إستراتيجي عن غيرها ، فإن الدولة تتمتع بالسلطة التقديرية في إعتبار سلعة ما ذات طابع إستراتيجي (4).
2-كل مشروع مرسوم أو التدابير الإستثنائية للحد من إرتفاع الأسعار، أو تحديدها في حالة إرتفاعها المفرط بسبب أزمة أو كارثة أو صعوبات مزمنة في التموين بالنسبة لقطاع نشاط ما أو في منطقة جغرافية معينة، أو في حالات الإحتكارات الطبيعية التي يقصد بها حالات السوق أو النشاط التي تتميز بوجود عون إقتصادي واحد يستغل هذه السوق أو قطاع نشاط معين ،و تتخذ هذه التدابير الإستثنائية بموجب مرسوم لمدة أقصاها 06 أشهر بعد أخذ رأي مجلس المنافسة (5) .
3-كل مشروع نص تنظيمي له إرتباط بالمنافسة أو يتضمن تدابير من شأنها على الخصوص :
-إخضاع ممارسة مهنة ما أو نشاط ما أو دخول سوق ما إلى قيود من ناحية الكم .
-وضع رسوم حصرية في بعض المناطق أو النشاطات .
-فرض شروط خاصة لمباشرة نشاطات الإنتاج ، التوزيع و الخدمات .
-تحديد ممارسات موحدة في ميدان شروط البيع .(1)
نستخلص مما تقدم أن إجراء الإستشارة يبقى إلزاميا إذا كان للنص التنظمي أحكام تتعلق بإحدى الحالات المذكورة أعلاه، مع الإشارة إلى أن هذه الحالات قد جاءت على سبيل المثال فقط و هذا ما يفهم من العبارة المستعملة في المادة36 من الأمر المتعلق بالمنافسة "كل مشروع...إجراءات من شأنها على الخصوص.."
إذن الحكومة ملزمة بإستشارة المجلس في مواد مشاريع النصوص التنظيمية فقط دون أن تكون ملزمة بإستشارته إذا ما تعلق الأمر بنصوص قانونية .
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الشأن ما هي الطبيعة القانونية لرأي مجلس المنافسة ؟ بمعنى آخر هل رأي مجلس المنافسة يلزم الحكومة أم لا ؟.
تكون الإستشارات الوجوبية المقدمة من طرف الحكومة محل آراء أو رأي معلل من طرف  مجلس المنافسة ، إلا أن العبارات الواردة في نص المادتين 5 و 36 من الأمر 03/03 لا تحتمل أكثر من تفسير ، فمجلس المنافسة يمارس دور الهيئة الإستشارية و لا تكون لآرائه القوة الإلزامية و لا تلزم الحكومة بأخذ رأيه، و لا مسؤولية للحكومة في هذا الجانب بينما تعتبر السلطة التنفيذية ملزمة بإستشارة المجلس ، فلا يمكن لها أن تبادر إلى عرض مشروع نص تنظيمي يرتبط بالمنافسة على مجلس الوزراء دون أخذ رأي مجلس المنافسة كإجراء مسبق و هو نفس الشيء في فرنسا حيث الحكومة ملزمة باستشارة مجلس المنافسة فيما يتعلق بالحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون المنافسة الفرنسي، و تبقى الحكومة حرة بالأخذ برأي المجلس أم لا (2).

الفرع الثاني : الإستشارة الإختيارية consultation facultative
لقد سميت بالاستشارة الاختيارية نظرا إلى أنه يسمح لفئات مختلفة من الأشخاص بإستشارة مجلس المنافسة، فمجلس المنافسة حسب ما جاء في نص المادة 36 من الأمر المتعلق بالمنافسة (3)، يمكن أن يعطي رأيه حول كل مسألة ترتبط بالمنافسة كلما تم إخطاره من طرف الجماعات المحلية و الهيئات الإقتصادية       و المالية و المؤسسات و الجماعات المهنية و النقابية و كذا جماعات المستهلكين .

1-الإستشارة من طرف الحكومة :
يمكن للحكومة إلتماس إستشارة مجلس المنافسة في المسائل التي تخص المنافسة غير تقديم مشاريع القوانين أو إعداد النصوص التنظيمية بحيث يبدي المجلس رأيه لكن بشرط أن تكون هناك إستشارة مسبقة من قبل الحكومة.(4)
و تجدر الإشارة إلى أن أغلب الإستشارات التي إلتمستها الحكومة من طرف مجلس المنافسة إقتصر موضوعها على الأسعار(5)، غير أنه بالرجوع إلى القانون الفرنسي نجد أن المجلس الفرنسي للمنافسة أكثر نشاط و خبرة في الميدان، بحيث سبق و أن تمت إستشارتة حول عدة مسائل ترتبط بالمنافسة ،كما أبدى رأيه حول عدة مشاريع القوانين نذكر منها مشروع القانون المتعلق بتوزيع الأدوية الصيدلانية و ذلك بتاريخ       31 مارس 1987...إلخ(1)
2-الإستشارة من طرف الأشخاص و المؤسسات الأخرى :
في إطار تقديم إستفسارات وتوضيحات حول المسائل التي لها علاقة بالمنافسة، فإنه حسب المادة 35  في فقرتها الثانية تسرد جميع الأشخاص و المؤسسات الأخرى، التي بإمكانها طلب إستشارة مجلس المنافسة    و المتمثلة في الجماعات المهنية و الجماعات المحلية و المؤسسات الإقتصادية و المالية و الجماعات النقابية     و كذا جماعات المستهلكين .
و نشير إلى أن الإستشارات التي يقدمها مجلس المنافسة لهؤلاء غير إلزامية إذ لها طابع إعلامي فقط .
3-الإستشارة الإختيارية من طرف الهيئة التشريعية :
إن الأمر رقم03/03 المتعلق بالمنافسة لم يتناول إمكانية الهيئة التشريعية بإستشارة مجلس المنافسة عكس الأمر السابق في المادة 19 منه التي تنص على هذه الإمكانية و ذلك عندما يتعلق الأمر بمشاريع القوانين فإن اللجنة البرلمانية المكلفة بالتشريع هي التي تتولى طلب الإستشارة .
غير أنه في القانون الفرنسي فإن اللجنة البرلمانية يحق لها طلب الإستشارة من مجلس المنافسة،  و هو حق معترف به حتى بالنسبة للجان المؤقتة مثل لجنة التحقيق و لجنة مراقبة المرافق العامة ، و ينصب طلب الإستشارة على مشاريع القوانين أو حول مسألة لها علاقة بالمنافسة
"La demande d’avis peut porter sur des propositions de Lois ou sur toute question intéressant la concurrence  (2)" 
4-الاستشارة الصادرة عن الجهات القضائية :
إن القضاء بصفة عامة يحتل مكانة معتبرة في قانون المنافسة، بحيث بالرجوع إلى الأمر المتعلق بالمنافسة نجد أن المشرع منحه دورا أساسيا في رقابة وحماية المنافسة وذلك بإختصاص الغرفة التجارية لدى مجلس قضاء الجزائر العاصمة بالنظر في الطعون المقدمة ضد قرارات مجلس المنافسة ، فإنها يمكن لها أن تستشير المجلس حول القضايا المطروحة عليها و المتصلة بالممارسات المقيدة للمنافسة .(3)

و خلاصة القول من خلال ما سبق دراسته فهناك العديد من المؤشرات ما يوحي بأن المجلس يمكن النظر إليه بوصفه سلطة إدارية مستقلة تتمتع بسلطة القرار، بحيث أنه وممارسة للسلطات المخولة له في إطار الأمر 03/03 المتعلق بالمنافسة يتولى المجلس إصدار مقررات بقصد وضع حد و المعاقبة على الممارسات المقيدة للمنافسة وكذلك أوامر وقتية هدفها وقف تلك الممارسات .
و هذا النشاط الإداري في مجمله لا يتميز كثيرا عما هو معروف في النظام الإداري التقليدي ، أين كانت مختلف الهيئات الإدارية تتمتع هي الأخرى سلطة إتحاد القرارات بهدف الحفاظ على النظام و حسن سير المرفق العام.
و الأمر الذي يؤكد أن مجلس المنافسة سلطة إدارية مستقلة هو الإستقلالية التي يتمتع بها المجلس و ذلك إزاء السلطة التنفيذية كونه لا يخضع إلى نظام التدرج السلمي التقليدي و لا يتلقى أوامر ممن كان، مما يفيد بأنه ليس بهيئة إدارية عادية تخضع للسلطة الرئاسية أو الوصاية الإدارية .
غير أنه في الحقيقة فإن إستقلالية مجلس المنافسة إزاء السلطة التنفيذية ليست بالمطلقة نظرا لتدخل رئيس الحكومة في إختصاص مجلس المنافسة فيما يتعلق بترخيص التجميع إذا صدر رفض من مجلس المنافسة ، إلى جانب إحتكار السلطة التنفيذية المجسدة في رئيس الجمهورية لسلطة تعيين الأعضاء و هذا على عكس المشرع الفرنسي أين نجد أنه وزع سلطة تعيين الأعضاء بين عدة جهات ، و عليه فإن إستقلاليه نسبية و ليست مطلقة.
و إضافة إلى كل هذه المؤشرات التي توحي بأن مجلس المنافسة سلطة إدارية مستقلة، فإن قانون المنافسة يتضمن أحكاما توصف لنا بأن المجلس ليس بهيئة قضائية و من بينها أن جلساته ليست علنية و أن قراراته تتخذ بالأغلبية البسيطة و هذا عكس ما هو معمول به في الجهات القضائية، و أن قراراته ترسل إلى الوزير المكلف بالتجارة الذي يسهر على تنفيذها عكس الأحكام و القرارات القضائية التي يختص في تنفيذها الجهة القضائية التي أصدرت الحكم أو القرار أو بواسطة أعوان التنفيذ ، بالإضافة إلى أن المجلس يرفع تقريرا سنويا عن نشاطه  إلى الهيئة التشريعية و إلى رئيس الحكومة و إلى الوزير المكلف بالتجارة و هذا ما لا نجده في الهيئات القضائية، و زيادة عن ذلك كون عدد القضاة الذين يتشكل منهم المجلس يكسبون داخل هذا الأخير صفة عضو و ليس قضاة وهذا فضلا عن أن تعين الأعضاء يتم من طرف رئيس الجمهورية بناءا على إقتراح وزير العدل و وزير التجارة . 
و أمام هذا الوضع هناك من الفقهاء من بينهم الأستاذ الشريف بناجي يكيف هذه الهيئة على أنها سلطة إدارية مستقلة مزودة بوظيفة قضائية تنظيمية(1) .و بالرجوع إلى المهام المنوطة بالمجلس في إطار الأمر المتعلق بالمنافسة، نجد أنه يتمتع بوظائف تنظيمية و إستشارية و قمعية  و نظرا لتعدد وظائفه فإن فكرة الضبط الإقتصادي وحدها الكافية لإستيعاب هذه الوظائف ، و الضبط la regulation"  " هي المهمة التي بموجبها يقام التوازن بين حقوق و إلتزامات كل طرف في السوق و ذلك بتصحيح السلوكات و الممارسات التي من شأنها عرقلة أو الإخلال بحرية المنافسة ، بحيث يقول الأستاذ لورونس بوي LAURENCE  BOY  في شأن الضبط الإقتصادي الذي تمارسه السلطات الإدارية المستقلة مثل مجلس المنافسة :
 "la régulation économique souvent présentée  comme la forme la plus moderne et la plus pérformante de l’intervention de l’Etat dans la gestion de l’activité économique (2)" 

و عليه يمكن تكييف مجلس المنافسة على أنه سلطة إدارية مستقلة مزودة بمهام ضبطية في مجال المنافسة تتولى ضبط جميع نشاطات الأعوان الإقتصاديين في السوق لتفادي التعسف الذي ينتج عن هذه النشاطات .


*الـفصــل الـثـانـــي *نطــاق إختصـاص مجلس المنافســة



تحت تأثير المنافسة يلجأ المتعاملون الإقتصاديون في معظم الأحيان إلى مضاعفة قوتهم الإقتصادية في السوق عن طريق إستعمال أساليب تتنافى مع قواعد المنافسة الحرة , بحيث يسعى هؤلاء إلى تلبية حاجيات المستهلكين و تحقيق الأرباح مما يفرض عليهم بذل جهود مستمرة في مجال التطوير و الإبداع , ومن أجل تحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح قد يحاول البعض منهم تقليص عدد منافسيهم أو إقصائهم من السوق بوسائل غير قانونية توصف بالممارسات المقيدة للمنافسة الهدف منها الحد من المنافسة أو الإخلال بها , ونظرا لخطورة هذه الممارسات لكونها تعيق السير العادي للسوق فإن معظم التشريعات التي تنتهج إقتصاد السوق قد كلفت أجهزة متخصصة في متابعة هذا النوع من الممارسات .

و يشير الأمر رقم03/03 المتعلق بالمنافسة إلى عدة أنواع من الممارسات المقيدة للمنافسة و التي تكمن فيما يلي : 
-الإتفاقات المحظورة (المادة 06).
-الإستغلال التعسفي لوضعية الهيمنة على السوق و التبعية الإقتصادية (المواد7 و 11) .
-البيع بأسعار مخفضة بشكل تعسفي (المادة 12)
-كذلك الأمر بالنسبة لمراقبة التجميعات التي قد تؤدي هي الأخرى إلى تشكيل ممارسات مقيدة للمنافسة (المواد من 15 إلى 22) .
إذن فإن الممارسات المشار إليها أعلاه تشكل نطاقا يمارس فيه المجلس إختصاصاته في المتابعة , حيث أن كل الممارسات و الأعمال المرفوعة إليه و التي يقدر بأنها تدخل في إطار تطبيق هذه المواد تعد من إختصاص مجلس المنافسة .


*المـبـحــث الأول* محاربـــة الإتفاقــــات المحظـــورة


إن المادة 06 من الأمر رقم03/03 المتعلق بالمنافسة تنص على أنه :
"تحظر الممارسات و الأعمال المدبرة و الإتفاقات والإتفاقيات الصريحة أو الضمنية عندما تهدف أو يمكن أن تهدف إلى عرقلة حرية المنافسة أو الحد منها أو الإخلال بها في نفس السوق أو في جزء جوهري منه لا سيما عندما ترمي إلى :
-الحد من الدخول في السوق أو في ممارسة النشاطات التجارية فيها.
-تقليص أو مراقبة الإنتاج أو منافذ التسويق أو الإستثمارات أو التطور التقني .
-إقتسام الأسواق أو مصادر التموين.
-عرقلة تحديد الأسعار حسب قواعد السوق بالتشجيع المصطنع  لإرتفاع الأسعار أو إنخفاضها .
-تطبيق شروط غير متكافئة لنفس الخدمات تجاه الشركاء التجاريين , مما يحرمهم من منافع المنافسة 
-إخضاع إبرام العقود مع الشركاء لقبولهم خدمات إضافية ليس لها صلة بموضوع هذه العقود سواء بحكم طبيعتها أو حسب الأعراف التجارية ".
و عليه فمن أجل حصر الإتفاقات المحظورة وتحديدها , ينبغي أن نتعرض إلى شروطها في (مطلب أول) ثم بعد ذلك سنتعرض إلى أهم الممارسات المنافية للمنافسة في (مطلب ثاني) وذلك حتى نميزها عن تلك الإتفاقات المرخص بها في (مطلب ثالث) و في الأخير نبحث عن العقوبات المقررة لمثل هذه الممارسات في (مطلب رابع ).

*الـمـطـلـب الأول* شـروط الإتفاقـــات المحظـــورة


يخضع تطبيق نص المادة السابقة إلى توفر بعض الشروط , حيث أنه لإعتبار إتفاق ما بأنه محظور لا بد من توفر بعض الشروط و التي تتمثل فيما يلي : 
-الإتفاق بين الأعوان الإقتصادين-الإخلال بحرية المنافسة-العلاقة السببية بين الإتفاق و الإخلال بحرية المنافسة .
الفرع الأول : الإتفاق : l’entente 
يقصد به تبني خطة مشتركة بين مجموعة من الأعوان الإقتصادين تهدف إلى الإخلال بحرية المنافسة داخل سوق واحدة للسلع و الخدمات و لا يقوم الإتفاق في غياب هذا الشرط (1). 
إذن الإتفاق يتحقق بمجرد إنصراف إرادة كل مؤسسة معنية بسلطة القرار إلى الإنخراط في قالب مشترك يشكل سلوك جماعي لمجموعة من المؤسسات مما قد يؤثر على الإستقلالية المعترف بها لكل منها (2), وعليه فتكييف الإتفاق يستدعي إلتقاء مجموعة من الإرادات بين مجموعة من المؤسسات تتمتع بإستقلالية في إتخاذ القرار , بحيث تساهم كل منها و بصفة مستقلة في رسم سياستها الخاصة في السوق, وذلك بغية إيجاد هدف مشترك بينهم خاصة مع العلم بأن حرية المنافسة في السوق تقتضي الحفاظ على إستقلالية قرار كل المتعاملين الإقتصاديين سواء من حيث تحديد الأسعار أو الدخول في السوق أو الشروط العامة للبيع ..
إن مسألة إستقلالية إرادة الأطراف إذن ذات أهمية في تكييف الإتفاق بحيث تطرح أساسا في العلاقات التي تربط الشركة الأم بأحد فروعها و لا سيما إذا كانت الشركة الأم هي التي تراقب أعمال فروعها, بحيث هذه الصورة تفلت من تطبيق أحكام المادة 06 من قانون المنافسة. (1)
أما من حيث طبيعة الإتفاق فإنه ليس من الضروري أن يكون تعاقديا يولد إلتزامات متبادلة بين المتعاملين المعنيين كما هو معروف في القانون المدني. (2), و إنما قد تكون في صورة ترتيبات ودية بين الأطراف المتواطئة تتمثل في مجرد تشاور بسيط , أو تبادل المعلومات حول أسس الخطة المراد تبنيها .
و بالنسبة للقائمين بالتشاور فإنه مهما كانت طبيعتهما فلا تأثير لها حول الإتفاق سواء تعلق الأمر بأشخاص معنوية أو بين أشخاص طبيعية , لكن بشرط أن تمارس نشاط إقتصادي. (3), و في هذا الصدد يمكن التميز بين تلك الإتفاقات التي تخص الأعوان الإقتصاديين  المتواجدين في نفس المستوى من الإنتاج و التسويق (الإتفاقات الأفقية) و تلك التي تتم في مستويات مختلفة (الإتفاقات العمودية).
أولا :الإتفاقات الأفقية : les accords horizontaux 
و يقصد بها تلك الإتفاقات التي تتم بين مجموعة من المتعاملين مستقلين فيما بينهم, أي أنهم ليس ثمة رابطة تبعية بينهم يقومون بنشاط إقتصادي مماثل و يعملون على مستوى واحد في السوق .
ففي هذه الحالة يتم تموين السوق من طرف مؤسسات عديدة متواجدة على مستوى واحد كتلك التي تبيع مثلا سيارات من أطراز متشابهة فبدل منافسة بعضهما البعض بإمكان صناع السيارات تحديد الأسعار التي تضمن لهم الأرباح الأكثر إرتفاعا , يتعلق الأمر هنا بإتفاق أفقي حيث يتفق أعضاء المجموعة على توزيع السوق فيما بينهم و إقصاء المؤسسات التي ليست طرفا فيه و ذلك بعرض سلعهم بأسعار رمزية يهدف إبعاد منافسيهم من السوق (4)
ثانيا : الإتفاقات العمودية : les accords verticaux 
و يقصد بها تلك الإتفاقات التي تتم على مستويات مختلفة في السوق من الإنتاج و التوزيع ، كالإتفاقات التي تبرم بين منتج يتواجد في مرتبة عليا و موزعين يتواجدون في مرتبة دنيا على مجرى السلعة إلى المستهلكين تشملها شروط عقدية مقيدة ، وتستمد هذه الممارسات مرجعيتها من سلسلة الإنتاج و التوزيع ,أي من الحركة العمودية للبضائع إنطلاقا من منتج المواد الأولية إلى المستهلكين ومرورا بالصانع و الموزع,حيث تقتضي فرض سعر البيع على الموزع مما لا يسمح له بتحديد هامش ربحه مما يشكل مساس بحرية تحديد الأسعار في السوق .
وأما عن شكل الإتفاق فقد يأخذ شكل عقد أو إتفاقيات مكتوبة وهو ما يدعى في مضمون النص (المادة06) بالإتفاقات الصريحة لكن وحتى و إن كان العقد صحيحا من الناحية القانونية فإن الأطراف المتعاقدة تتعرض مع ذلك إلى تطبيق أحكام المادة 06 السالفة الذكر, لأن المقصود هنا هو موقفها تجاه إحترام قواعد المنافسة.
كما أن الإتفاق قد لا يكتسي شكلا قانونيا واضحا و يتم بطريقةلا تترك أية آثار كتابية ,ويتعلق الأمر في هذه الحالة بالإتفاقات الضمنية وتعد هذه الإتفاقات أكثر تعقيدا من حيث الإثبات.
و يمكن إثبات الإتفاقات المقيدة للمنافسة بطرق عدة و منها على وجه الخصوص :
- الدليل المادي المبني على وجود وثائق كافية في حد ذاتها و على معاينات محققي إدارة التجارة أو مقرري مجلس المنافسة و تصريحات الأطراف من جهة .
ومن جهة أخرى محاولة إقناع مجلس المنافسة و الغرفة التجارية على مستوى المجلس القضائي للجزائر العاصمة إذا إقتضى الأمر ذلك بوجود إخلال بحرية المنافسة (1).
و عندما يتعلق الأمر بالمناقصة يمكن إبراز التشاور اللاشرعي إنطلاقا من تحليل الأسعار من جهة و سلوك المتعهدين المشبوه بهم من جهة أخرى .
و بالتالي فقصد توفير أقصى الحظوظ لفوز المتعهد بالصفقة يقدم الشركاء عروضا لتغطية العملية علما بأنه غالبا ما يكون المتعهد المذكور هو الوحيد الذي يقدم عرضا جديا و مفصلا , بينما يكتفي شركائه بتقديم عروض ناقصة, و لا يستبعد أن يذهب إلى حد إقتراح أسعار مختلفة وحلولا أقل كلفة سيبادر بمراجعتها بمجرد فوزه بالصفقة .
وكذلك الأمر بالنسبة لإحتمال وجود علاقات مالية أو شخصية أومن نوع آخر بين مختلف المتنافسين المشكوك فيهم ,و على السلطات المكلفة بالمنافسة أن تهتم بسلوكهم و أن تفتح تحقيقا بالإعتماد على الأدلة التي يتقدم بها الشاكون والمعلومات المستقاة من مصادر أخرى, وتكون هذه الممارسات في بعض الأحيان محل تنديد من قبل مؤسسة كانت طرفا في إتفاق سري, بل حتى من المستخدمين أنفسهم على أن تتم بعد ذلك المقارنة بين مختلف العناصر المتحصل عليها قصد التأكد من وجود إتفاق محظور .
الفرع الثاني : الإخلال بحرية المنافسة
إلى جانب تحقق شرط وجود الإتفاق , ينبغي البحث عن الآثار التي يرتبها على حرية المنافسة لأن الإتفاق المحظور هو الذي يكون ذو طبيعة مناهضة للمنافسة سواء بالحد منها أو بالإخلال بها.
 فبالإضافة إلى الحظر العام للإتفاقات التي يتضمنها النص نجد أوجه خاصة ومحددة تتمثل في مجموعة من الممارسات تعتبر بمثابة أساليب للإخلال بالمنافسة الحرة (2).
و بالرجوع إلى أحكام المادة 06 من قانون المنافسة, فإنها واضحة في هذا الشأن, بحيث لا يأخذ في الحسبان سوى الإتفاقات (صريحة كانت أو ضمنية) التي تهدف أو يمكن أن تهدف إلى عرقلة أو الحد أو الإخلال بحرية المنافسة في السوق , فموضوع الإتفاق يقصد به في الحقيقة النية معه , بحيث يكتفي لإعتبار إتفاق ما محظورا مجرد إنصراف نية الأطراف إلى إعاقة أو تقيد المنافسة الحرة دون ضرورة تحقيق الأهداف غير المشروعة المناهضة للمنافسة (3).
أما بالنسبة لآثر الإتفاق فيقصد به كل من الأثر المحقق وكذا المحتمل ,خاصة مع العلم بأن المشرع قد إستعمل عبارة "يمكن أن تهدف" 
حيث إن تأثير الإتفاق سلبا على المنافسة بمنعها أو الحد منها أو الإخلال بقواعدها قد يكون متوقعا ومحتملا فقط, بالتالي فإن شرط الإخلال بحرية المنافسة يعد أساسا لتكييف إتفاق ما بأنه ممنوع ومحظور ,لذلك فإن الإتفاقات التي لا تهدف أو لا يترتب عنها مساس بقواعد المنافسة لا تشكل ممارسات منافية للمنافسة و لا تقع تحت طائلة المادة المشار إليها أعلاه .
ومن هذه الإتفاقات  نخص بالذكر تجميعات المؤسسات و مجموعات النقابات المهنية التي تهدف إلى تنظيم المهن و تبادل المعلومات التقنية أو المعلومات المتعلقة بالتسيير..إلخ ,مما سيتوجب معرفة ما إذا كان موضوع الإتفاق المذكور أو الهدف منه هو إلغاء حرية المتعاملين المعنيين في إتخاذ قراراتهم بعد التحقيق من تحديد أسعارهم وفق التعليمات الموجهة لهم, و هذا بغض النظر عن كونها أقل من الأسعار التي يمارسها متعاملون آخرون في نفس القطاع (1).

الفرع الثالث : العلاقة السببية بين الإتفاق و الإخلال بالمنافسة 
يتحقق هذا الشرط في حالة ما إذا كان الضرر الذي ألحق بحرية المنافسة في السوق من فعل الإتفاق المعني القائم بين الأطراف المتواطئة فيه , ومن خلال هذا الشرط نستخلص بأنه يجب أن تكون هناك علاقة سببية بين عملية التشاور التي تجري بين عدة أطراف وما ينتج عن هذه العملية من آثار سلبية على حرية المنافسة .
فوجود العلاقة السببية بين الإتفاق و تقيد المنافسة يفرض على السلطة المكلفة بالمنافسة دراسة الإتفاق دراسة معمقة وتحليل السوق إعتمادا على ما تتوصل إليه من حوصلة للمنافسة على هذا المستوى.
   وتجدر الملاحظة في الأخير إلى أن حظر الإتفاقات la prohibition des ententes  مرهون بتحقق الشروط المشار إليها , لأن السلوك المحظور يتمثل في ذلك الفعل المدبر أو الإتفاق المبرم بين طرفين أو أكثر, و الذي يكون له غرض أو أثر مناف للمنافسة وهذا ما سنحاول أن نبينه من خلال دراسة بعض المعاملات التي تعد بمثابة إتفاقات محظورة .

*المـطلـــب الـثــانـي*الإتفاقـــات الأساسيـــة المقيـدة للمنافســـة


تضمن قانون المنافسة في مادته السادسة, أوجه خاصة ومحددة من الإتفاقات غير المشروعة (2), إلا أنها جاءت على سبيل المثال فقط لا على سبيل الحصر ,حيث يمكن للسلطات المعنية كمجلس المنافسة في هذه القضايا أن يعاقب كل ممارسة تجارية قامت بتقيد المنافسة الحرة توصف بأنها أخذت شكل إتفاقية وفقا لما سبقت الإشارة إليه أعلاه , ذلك بالرغم من عدم ورودها في المجموعة التي جاءت بها المادة السادسة من الأمر المتعلق بالمنافسة ,و فيما يلي سنحاول لنتعرض إلى أهم الإتفاقات الأساسية المقيدة للمنافسة .
الفرع الأول : الإتفاقات حول الأسعار 
يعتبر إتفاق تحديد الأسعار و الخدمات بمثابة المحور الذي تدور من حوله أغلب الإتفاقات التي يبرمها المتعاملون الإقتصاديون, بغية تقييد المنافسة بينهم أو تفاديها, لذلك فإن كل التشريعات المقارنة المتعلقة بالمنافسة تنص على حظر إتفاق تحديد الأسعار سواء بطريق مباشر أو غير مباشر من خلال حظر كل إتفاق يؤدي إلى تقييد المنافسة.
 و في فرنسا عرف قانون المنافسة و الأسعار لسنة 1986 في مادته السابعة إتفاق تحديد الأسعار بأنه "تحفيز رفع أو إنخفاض الأسعار بواسطة تفادي تعيينها من خلال معطيات السوق وظروفه " و يتحقق ذلك من خلال لجوء عدة مؤسسات تابعة لنفس قطاع الإنتاج أو الخدمات إلى المبادرة نحو التشاور فيما بينها حول تشجيع الإرتفاع الموحد للأسعار(1), و هو ما ينص عليه المشرع الجزائري في نص المادة 6 المشار إليها أعلاه, بحيث يمنع كل ممارسة ترمي إلى عرقلة تحديد الأسعار حسب قواعد السوق بالتشجيع لإرتفاع الأسعار أو لإنخفاضها (2).
و من خلال ما تقدم يمكن القول بأن إتفاق تحديد الأسعار هو عقد أو تفاهم مشترك بين مجموعة من المتعاملين الإقتصاديين بهدف تعطيل قوى السوق , حيث يتنازل هؤلاء المتعاملين عن إستقلاليتهم و سلطاتهم التقديرية في وضع الأسعار المناسبة.
 و كمثال حول إتفاقات تحديد الأسعار, إن تنصب شركة مختصة مثلا في أدوات التجميل شبكة من الموزعين الوكلاء و تتفق معهم بصفة صريحة أو ضمنية حول بنود ترمي إلى حماية التموين الحصري على مستوى الإقليم و تحديد الأسعار .
و بهذه الطريقة تتمكن الشركة المعنية من مراقبة الجزء الكبير من السوق وتوحيد الأسعار على مستوى كل البائعين الحائزين على حق التفرد , و بالتالي فإن هذا الإتفاق يعتبر باطلا طبقا لقانون المنافسة (3), و ذلك بإعتباره يحد من الدخول الشرعي في السوق في وجه البائعين الأخرين ,و بفرض سعر إعادة البيع مما يشكل ممارسة غير مشروعة .

الفرع الثاني : الإتفاقات المتضمنة عرقلة الدخول الشرعي في السوق :
و تتجسد هذه المخالفة في عرقلة الدخول الشرعي في السوق أو عرقلة الممارسات الشرعية للنشاطات التجارية من طرف منتج أو موزع آخر (4)) , و يقصد بها إتفاق مجموعة من الأعوان الإقتصاديين على وضع حواجز للدخول إلى السوق من خلال وضع قواعد خاصة تحدد مدى إمكانية الدخول إلى السوق وذلك بقصد مقاطعة مقاولة أو مؤسسة غير منتمية إلى الإتفاق.
 لذلك فتطبيقا لمبدأ حرية الصناعة و التجارة , فإن كل متعامل يملك حق الدخول إلى السوق دون قيود, فتكوين عوائق لدخول متعاملين منافسين إلى هذه السوق, أو إقصاء منافسين آخرين منها يعد أمرا محظورا لأن القانون يمنع الشروط التي تحكم العلاقات بين المنتجين  و الموزعين كلما كان الهدف منها المساس بقواعد المنافسة و تقييد الحرية التجارية للتجار , بحيث يجب أن يحتفظ التاجر بحرية تحديد ثمن إعادة البيع للزبائن دون تدخل المنتج في فرض الأسعار و إلزام التاجر بإحترامها(1) ,لأنه وكما سبق الذكر عنه فإن حرية المنافسة في السوق تقتضي الحفاظ على إستقلالية قرار كل المتعاملين الإقتصاديين سواء من حيث تحديد الأسعار أو الدخول في السوق.
كما أن القانون الفرنسي للمنافسة و الأسعار يمنع بدوره في المادة السابعة منه, كل تحديد و تقليص من الدخول للسوق وكذا الحد من الممارسة الحرة للمنافسة , بحيث يدخل ضمن هذه المعاملة أغلبية الممارسات المنصوص عليها في مضمون هذه المادة , فالإتفاق يمكن أن يكون موضوعه أو أن يكون له كأثر مثل تقليص عدد المنافسين , و بالتالي الحد من الممارسة الشرعية للنشاطات التجارية (2).
   و بصفة عامة فإن الإتفاق على وضع حواجز للدخول إلى السوق يعد سلوك محظور, يحد من حرية ممارسة النشاط التجاري ,هذا ما يجعل إحترام هذه الحرية يعد شرطا أساسيا لصحة إتفاقات التوزيع الحصري(3) ,ومن أمثلة هذا النوع من الممارسات ذلك الإتفاق المبرم بين موزع للأفلام و قاعة للسينما بقصد مقاطعة برمجة الصورة الأصلية للفيلم في قاعة مجاورة واقعة في نفس القطاع , مع العلم بأن القاعة السينمائية الأولى برمجت في ذات الوقت نفس الفيلم الذي حظى بشعبية كبيرة باللغة الفرنسية (4).

*المـطــلب الثــالــث*
الإتفاقـــات المرخـص بـــــــها

إن الإتفاق في حد ذاته غير محظور كما رأينا أنفا , وإنما الشيء المحظور هو غرض الإتفاق و الآثار المترتبة عنه إذا كانت مقيدة  للمنافسة , وأحكام نص المادة 06 من الأمر المتعلق بالمنافسة لا تمنع إلا الإتفاقات التي تمس بحرية المنافسة, وتستثني من هذا الحظر الإتفاقات التي تؤدي إلى تطور إقتصادي أو تقني, و هذا الإستثناء وارد في المادة 09من نفس الأمر و التي تنص على أنه :"يرخص بالإتفاقات و الممارسات التي يمكن أن يثبت أصحابها أنها تؤدي إلى تطور إقتصادي أو تقني أو تساهم في تحسين التشغيل , أومن شأنها السماح للمؤسسات الصغيرة و المتوسطة بتعزير وضعيتها التنافسية في السوق , و لا يستفيد من هذا الحكم سوى الإتفاقات و الممارسات التي كانت محل ترخيص من جلس المنافسة " 
إذن جميع الإتفاقات التي من شأنها ضمان التطور الإقتصادي أو التقني أو تحسين التشغيل أو السماح للمؤسسات الصغيرة و المتوسطة PME  ,كما هو وارد في المادة المشار إليها أعلاه, غير ممنوعة لما تحققه من آثار إيجابية على المنافسة في السوق , لذلك فإن إتفاقات البحث و التنمية والإنتاج المشترك و التوزيع المشترك و الإستعمال المشترك للمنشآت الإنتاجية لإنشاء علامة مشتركة تعتبر إتفاقات مرخص بها لكن شريطة ألا تتعلق بالأسعار ,وفي هذا الصدد يقع على عائق القائمين بالإتفاق ضرورة تبرير تصرفاتهم والتي من شأنها ضمان التطور الإقتصادي و التقني ..إلخ 
و في هذه الحالة ينبغي الإشارة إلى أن الشرط الجوهري عند إبلاغ مجلس المنافسة يكمن في الترخيص, و الذي يعتبر بمثابة إجازة ,لكن قبل منح أي ترخيص من طرف مجلس المنافسة عليه أن يتولى دراسة الإتفاق دراسة معمقة و الإعتماد على ما توصل إليه من حوصلة للمنافسة من خلال تفحص الجانب الإيجابي و الجانب السلبي للإتفاق .

*الـمــطلـب الـرابــع*
جــــــزاء الإتفاقــــات المحظـــورة :

إن قيام الأعوان الإقتصاديين بإبرام إتفاق مهما كان شكله ,يكون موضوعه أو الغرض منه هو تقييد المنافسة الحرة , يجعل تصرفهم باطلا بحيث يبطل كل إلتزام أو إتفاقية أو شرط تعاقدي يتعلق بأحدى الممارسات المحظورة بموجب المواد 6. 7. 10. 11. 12 من قانون المنافسة (1), إلا أن هذا الإبطال ليس من إختصاص مجلس المنافسة كما رأينا سابقا بل يرجع إلى الجهات القضائية العادية .
وتنص المادة 45 من قانون المنافسة على أنه" يتخذ مجلس المنافسة أوامر معللة ترمي إلى وضع حد للممارسات المعاينة المقيدة للمنافسة عندما تكون العرائض و الملفات المرفوعة إليه أو التي يبادر هو بها من إختصاصه, كما يمكن أن يقرر المجلس عقوبات مالية إما نافذة فورا و إما في الآجال التي يحددها عند عدم تطبيق الأوامر"
يفهم من هذه المادة أن مجلس المنافسة يتدخل أولا بواسطة أوامر معللة ترمي إلى وضع حد للممارسات المقيدة للمنافسة , غير أنه في حالة عدم تطبيق الأوامر الصادرة عن المجلس من طرف الأعوان الإقتصاديين المعنيين يقرر عقوبات مالية تتمثل في عقوبات تهديدية في حدود مبلغ مائة ألف دينار (100.000دج) عن كل يوم تأخير .
و يعاقب على الممارسات المقيدة للمنافسة كما هو منصوص في المادة14 أعلاه بغرامة لا تفوق 7% من مبلغ رقم الأعمال من غير الرسوم المحقق في الجزائر خلال آخر سنة مالية مختتمة ,و إذا كان مرتكب المخالفة شخصا طبيعيا أو معنويا أو منظمة مهنية لا تملك رقم أعمال محددا فالغرامة لا تتجاوز ثلاثة ملايين دينار(3.000.000دج) (2)
-أما بالنسبة للشخص الطبيعي الذي يساهم شخصيا و بصفة إحتيالية في تنظيم الممارسات المقيدة للمنافسة و تنفيذها يعاقب بغرامة قدرها مليوني دينار (2000.000دج) (3).
-أما بالنسبة للمؤسسات التي تتعمد تقديم معلومات خاطئة أو غير كاملة بالنسبة للمعلومات المطلوبة أو تتهاون في تقديمها طبقا لأحكام المادة 51 من الأمر المتعلق بالمنافسة (4), أو التي لا تقدم المعلومات المطلوبة في الآجال المحددة من قبل المقرر فإن مجلس المنافسة يقر غرامة لا تتجاوز مبلغ خمسمائة ألف دينار          (500.000دج)و ذلك بناءا على تقرير المقرر ,كما يمكن له أن يقرر غرامة تهديدية تقدر بخمسين ألف دينار   (50.000دج) عن كل يوم تأخير (1).
-أما بالنسبة للمؤسسات التي تعترف بالمخالفات المنسوبة إليها أثناء التحقيق في القضية و تتعاون في الإسراع بالتحقيق فيها و تتعهد بعدم إرتكاب المخالفات المتعلقة بتطبيق أحكام الأمر المتعلق بالمنافسة , فإن مجلس المنافسة يمكن له أن يقرر تخفيض مبلغ الغرامة أو عدم الحكم بها على هذه المؤسسات (2) , إلا أنه في حالة العود فمهما تكن طبيعة المخالفات المرتكبة من المؤسسة العائدة فلا تستفيد من التخفيض أو عدم الحكم بالغرامة.



*المبحــث الثـــاني*حظر الإستغلال التعسفي لوضعية الهيمنة على السوق والتبعية الإقتصادية


إن الحجم الكبير للمؤسسة و الذي يسمح لها بإكتساب مركز قوي في السوق غير ممنوع في حد ذاته ,و إنما يمنع القانون التعسف في إستعمال هذه القوة الإقتصادية خاصة عندما يكون الهدف منها الحد و الإخلال بحرية المنافسة الحرة عن طريق إقصاء المنافسين الآخرين عن ممارسة النشاط الإقتصادي في السوق , و في هذا الإطار نص الأمر الجديد المتعلق بالمنافسة على نوعين من الإستغلال التعسفي للقوة الإقتصادية للمؤسسة يتمثل الأول في التعسف في وضعية الهيمنة على السوق , أما الثاني يتمثل في الإستغلال التعسفي لوضعية التبعية الإقتصادية.

*الـمـطلـب الأول*
حظر التعسف في وضعية الهيمنة على السوق :

تنص المادة 07 من قانون المنافسة على أنه "يحظر كل تعسف ناتج عن وضعية هيمنة على السوق أو إحتكار لها أو على جزء منها .."
إن التعسف الناجم عن الهيمنة على السوق أو على جزء منه غالبا ما يكون من فعل مؤسسة أو مجموعة من المؤسسات , فالمادة المشار إليها أعلاه تمنع هذا التعسف, لذلك فإن تطبيق هذه المادة يقتضي التطرق إلى تحديد وضعية الهيمنة في (فرع أول) ثم دراسة التعسف في وضعية الهيمنة في (فرع ثان) و أخير العقوبات المقررة لإستعمال التعسف في (فرع ثالث) .

الفرع الأول : تحديد وضعية الهيمنة :
تكون في وضعية هيمنة كل مؤسسة تتواجد في موضع يسمح لها بأن تلعب دورا رئيسيا في سوق ما للسلع و الخدمات دون أن يكون بمقدرة أي منافس آخر توفير بدائل معتبرة سواء لزبائن أو موردي المؤسسة المتواجدة في هذه الوضعية (1).
و في غالب الأحيان ترتبط هذه الوضعية بالقوة الإقتصادية التي تعطي للمؤسسة أو العون الإقتصادي القدرة الكافية على التصدي للمنافسة الفعلية على مستوى السوق المعنية , إذ تمكنه من توخي سلوك مستقل إزاء منافسيه يجعله لا يتأثر بإستراتيجيتهم(2) .
ومن أجل تحديد ما إذا كانت المؤسسة الإقتصادية أو العون الإقتصادي في وضعية هيمنة يجب أولا تعريف السوق المعنية ثم نتولى تحديد هذه السوق المعنية وأخيرا نتعرض إلى المقاييس التي تبين أن العون الإقتصادي في وضعية هيمنة .
أولا : تعريف السوق المعنية : 
يقصد بالسوق المعنية ذلك الفضاء الذي تلتقي فيه العروض و الطلبات أو الخدمات القابلة للإستبدال,  و التي يعتبرها المشترون أو المستعملون كبديلة فيما بينهم ,دون أن تكون قابلة للإستبدال مع غيرها من السلع أو الخدمات المعروضة (1).
و قد عرفه المرسوم التنفيذي الصادر في 14 أكتوبر 2000 الذي يحدد المقاييس التي تبين أن العون الإقتصادي في وضعية هيمنة بأنه "يقصد بالسوق أو جزء من السوق المرجعي لتحديد وضعية الهيمنة ,السلع و الخدمات التي يعرضها العون الإقتصادي ,و السلع و الخدمات البديلة التي يمكن أن يحصل عليها المتعاملون أو المنافسون في نفس المنطقة الجغرافية (2).
 ومن خلال هذا التعريف يتبين لنا بأن معيار المبادلة يشكل العنصر الأساسي في تعريف السوق المعنية, و بتعبير آخر فإن مفهوم قابلية المنتوجات أو الخدمات للإستبدال يكتسي أهمية كبيرة في تحديد السوق المعنية , فمثلا في سوق المواد الدسمة تعد مادة المارغرين  منتوجا يعوض الزبدة .
ثانيا: تحديد السوق 
يشكل تحديد السوق المعنية la délimitation du marché ,وسيلة تحليل أساسية في قانون المنافسة , و يتجلى ذلك من خلال قياس مقدار المنافسة الواقعة أو المحتملة , الأمر الذي يسمح بقياس سلطة الهيمنة لمؤسسة ما (3).
ثم إن إستخدام مصطلح السوق السلعي يفترض البحث عن الموضوع المشترك للعرض       و الطلب, كذلك البحث عن المجال الإقليمي الذي يلتقيان فيه , أي أنه لا يمكن الوقوف على موقع الهيمنة إلا بإبراز المعايير التي تساعد على تحديد السوق (4).
1-معيار المبادلة :
يعتبر هذا المعيار العامل المشترك بين العرض والطلب , بحيث يقتضي الأمر في هذه الحالة البحث عن إمكانية إستبدال منتوج معين بمنتوج آخر إذا كان سعره في إرتفاع , و في هذا المجال نميز بين الطلب البديل و العرض البديل (5).
أ-الطلب البديل : 
من المعروف أن كل زيادة تطرأ على سعر معينة عادة ما تؤدي إلى إنصراف العملاء إلى سلعة أخرى مشابهة لها , تقوم بنفس الغرض , أي إشباع ذات الحاجة مما يعني أن يكون ثمة تشابه بين السلع في الإستعمال, بحيث تقوم كل سلعة مقام الأخرى في الأداء المطلوب (6) ,ومن ثم يكون هناك تحول للعملاء(الزبائن) بين تلك السلع و التي في الأخير تتضمنها سوق واحدة , فسوق السلع إنما يحدد بواسطة التبادل المعقول بين السلع من قبل الزبائن ,ونشير إلى أن الطلب البديل لا ينحصر على السلع البديلة فحسب , و إنما يمتد أيضا إلى الخدمات التي تقدم من طرف المتعاملين الإقتصادين .

ب-العرض البديل :
يتعلق الأمر في هذه الحالة بالبحث عن مدى توفر عروض بديلة لتلك المقدمة من طرف المؤسسة المعنية (1), أي البحث عن مدى إستعداد متعاملين آخرين على توفير السلعة أو البديل لها عندما يكون ثمة زيادة في سعر السلعة الأصلية .
و لكن الإشكال المطروح هو صعوبة توفير بديل مطابق, بحيث أنه في بعض الحالات نجد سلعتين مختلفتين تعتبران من سوق واحدة نظرا إلى كون المستهلكين يعتبرونها كافية لإشباع نفس الحاجة , مما يجعلها لا تنتميان إلى سوق واحدة (2).
وأمام هذه الصعوبة , ذهب مجلس المنافسة الفرنسي ,وكذا القضاء الفرنسي إلى إيجاد بعض المعايير يعتمد عليها في إختيار العرض البديل و التي تتمثل في ما يلي (3): 
-دراسة المنتوج سواء من حيث الشكل أو التشكيلة , مدة الإستعمال و كل الخصوصيات التي تميزه عن غيره .
-دراسة منافذ التوزيع بحيث يسمح لمجلس المنافسة الفصل بين أسواق مختلفة لمنتوجات من نفس الطبيعة و نفس الإستعمال 
وترتيبا على ذلك فإن المصانع التي تحتوي على خطوط مختلفة تتكيف وفقا لمعطيات السوق و إحتياجاته, أي أنه في وقت معين تقوم بإنتاج سلعة معينة و في وقت آخر تتولى إنتاج سلعة أخرى من نفس الطبيعة و مع إستعمالات مختلفة , فإن ما يقوم المصنع بصنعه تضمنه سوق واحدة و على سبيل المثال فإن مصانع الورق يختلف إنتاجها بإختلاف الفترات بحيث تقوم أحيانا بصناعة الدفاتر و ورق التغليف تضمنها سوق واحدة و هي سوق إنتاج الورق (4).
ومن خلال دراستنا للمنهجين يتبين لنا بأن الطلب البديل أضيق نطاقا من العرض البديل بإعتبار أن الأول ينظر إلى تحول العملاء إلى طلب سلعة أخرى تقوم مقام السلعة الأصلية , بينما الثاني ينظر إلى مدى إستعداد المتعاملين الإقتصاديين الأخرين إلى توفير السلعة البديلة أو الأصلية .
وبعد إنتهاء مجلس المنافسة من تعيين أو تحديد السوق المعينة ينتقل إلى المرحلة الثانية و المتمثلة في تحديد السوق المعنية من الناحية الجغرافية .
2-معيار التحديد الجغرافي :
سبق أن عرفنا السوق المرجعي بأنه المكان الذي تتلاقى فيه العروض والطلبات, لهذا وحتى يتمكن مجلس المنافسة من الوقوف على مدى توفر وضعية الهيمنة في السوق يجب تحديد الرقعة الجغرافية لهذه الأخيرة , إذ أن سعة السوق تختلف بإختلاف النشاط الإقتصادي الذي تزاوله المؤسسة(5) , بحيث كلما كان النشاط واسع المدى كلما كانت السوق أوسع ,كما يجب الأخذ بعين الإعتبار إمتداد خدمات المؤسسة عبر كامل إقليم الدولة, أم أنها تقتصر فقط على جزء منه و في هذه الحالة الأخيرة نكون أمام  سوق محلية و بالتالي تكون الهيمنة على جزء من السوق المعنية (6).
فالتحديد الجغرافي للسوق المرجعي إذن يقتضي البحث عن المنطقة الجغرافية التي تمارس فيها المؤسسة نشاطها في الإنتاج و التوزيع, بحيث يمكن أن تقتصر على منطقة معينة أو مكان معين معزول أو بعيد إذا كانت مثلا وسائل الإتصال صعبة أو تكلفة النقل مرتفعة , وقد يتعلق الأمر بسوق داخلية أو سوق عالمية إذا كان المنتوج مستوردا (1).
 إذن فإن تعين حدود السوق له أهمية بالغة و ذلك بتأثيره المباشر على إكتمال موقع الهيمنة أو إخفاقه و ذلك بالنظر إلى محل المنافسة التي قيدت بفعل الهيمنة , و بالتالي فبعد القيام بتحديد السوق المعنية من حيث السوق السلعي و السوق الجغرافي نتساءل عن المقاييس التي تبين أن العون الإقتصادي في وضعية هيمنة ؟.
ثالثا : المقاييس التي تبين أن العون الإقتصادي في وضعية هيمنة 
إن المرسوم التنفيذي رقم 2000/314 المؤرخ في 14 أكتوبر 2000 أتى بجملة من المعايير يمكن الإستئناس بها حيث البعض منها كيفيا و البعض الآخر نوعيا, و لقد جاءت بها المادة الثانية منه و التي تنص على أن "المقاييس التي تحدد وضعية هيمنة عون إقتصادي على سوق السلع أو الخدمات أو جزء منها هي على الخصوص ما يلي :
-حصة السوق التي يحوزها العون الإقتصادي مقارنة إلى الحصة التي يحوزها كل عون من الأعوان الإقتصاديين الآخرين الموجودين في نفس السوق .
-الإمتيازات القانونية أو التقنية التي تتوفر لدى العون الإقتصادي المعني .
-العلاقات المالية أو التعاقدية أو الفعلية التي تربط العون الإقتصادي بعون أو عدة أعوان إقتصاديين و التي تمنحه إمتيازات متعددة الأنواع .
-إمتيازات القرب الجغرافي التي يستفيد منها العون الإقتصادي المعني" 
ما يمكن ملاحظته في هذه المادة أن المشرع لم يحدد هذه المعايير على سبيل الحصر حيث إستعمل في مضمون هذه المادة عبارة "على الخصوص".
ومن ثم يكون من صلاحية مجلس المنافسة الإعتماد على غيرها من المعايير أو المقاييس التي تحدد وضعية الهيمنة التي يتواجد فيها العون الإقتصادي .
ومن أجل تحليل نص المادة الثانية يتعين علينا التطرق (أولا) إلى المعايير الكمية ثم بعد ذلك نتطرق إلى المعايير الكيفية (ثانيا) .
1-المعايير الكمية : 
من الأمور التي تؤشر على مدى تكون موقع الهيمنة هو مقدار الحصة السوقية التي يحوزها العون الإقتصادي, بالإضافة إلى القوة الإقتصادية التي تتمتع بها المؤسسة على مستوى السوق .
أ-حصة السوق :
و يقصد بها تلك الحصة التي يحوزها العون الإقتصادي مقارنة بالحصة التي يحوزها كل عون من الأعوان الإقتصاديين الآخرين الموجودين في نفس السوق , وتعد الحصة في السوق المقياس الأكثر دلالة على وضعية الهيمنة وقد يكون كافيا لإثباتها ، وأحسن مثال على ذلك وضعية الإحتكار التي تمكن المستفيد منها على مستوى سوق معينة من إحتلال موقع هيمنة عن طريق إكتساب كل أو أغلبية حصص السوق ,حيث لا تخضع لأية منافسة , فتحقق بذلك تركيز وتجمع للقوة الإقتصادية فيصبح المتعامل الوحيد في نفس السوق (1).
و فيما يخص كيفية تحديد حصة السوق فإنها تحدد بالعلاقة بين رقم الأعمال العون الإقتصادي المعني و رقم أعمال جميع الأعوان الإقتصاديين الموجودين في نفس السوق  .(2)
كما يرى المجلس الفرنسي للمنافسة بأن المؤسسة التي تملك على مستوى سوق ما حصة تفوق 50% تحتل موقع هيمنة على مستوى هذا السوق (3).
ب-تجمع القوة الإقتصادية :
عندما ترتكز القوة الإقتصادية في يد مؤسسة أو مجموعة من المؤسسات فإنها تحتل موقع الهيمنة و يمكن تقديرها من خلال عناصر متعددة منها (4):
-عدد و أهمية الإتفاقات المالية والإقتصادية المبرمة مع المجموعات الأخرى .
-القدرة على رفع الأسعار أو ممارسة التمييز غير العادل بين الأعوان .
-سهولة الحصول على مصادر التمويل .
-خصائص المؤسسة المعتبرة مثل تفوقها في التسيير و الإبتكار التقني .
و بالتالي تشكل القوة الإقتصادية التي تتمتع بها مؤسسة ما على مستوى السوق إحدى هذه المعايير.
2-المعايير الكيفية : 
بالإضافة إلى المعايير السالفة الذكر هناك عوامل أخرى ذات طابع كيفي يمكن أخذها بعين الإعتبار في تحديد مدى تكون وضعية الهيمنة ومنها : 
أ- الإمتيازات القانونية أو التقنية التي تتوفر لدى العون الإقتصادي المعني :
فيتعين على مجلس المنافسة في هذه الحالة إثبات توفر هذه الإمتيازات لدى العون الإقتصادي المعني وذلك عن طريق البحث عن الوسائل التقنية المستعملة, وكذا الوضعية التي يتواجد عليها كحسن الموقع و الوصول بالأفضلية لبعض مصادر التمويل .
ب- العلاقات المالية و التعاقدية أو الفعلية التي تربط العون الإقتصادي بعون أو عدة أعوان إقتصاديين و التي تمنحه إمتيازات متعددة الأنواع .
ج- الشهرة أو العلامة : فالنسبة لعلامة سامسونغ"SAMSUNG" مثلا فيما يخص الإلكترونيك فإنه في نظر المستهلكين تعد علامة ذات شهرة كبرى.
د- إمتيازات القرب الجغرافي التي يستفيد منها العون الإقتصادي المعني .
و- الوضعية التنافسية (5): بحيث إنه قد يتطلب موقع الهيمنة علاوة على ما سبق تحليل الوضعية التنافسية على مستوى قطاع معين للتأكد من قدرة المتعامل الإقتصادي على الإحتفاظ بموقعه رغم المنافسة الحادة التي يتعرض لها من قبل المتعاملين الآخرين في السوق .
الفرع الثاني :التعسف في وضعية الهيمنة :
من خلال قراءة نص المادة السابعة المشار إليها أعلاه, فإن وضعية الإحتكار قد تمثل وضعية هيمنة على السوق إذا كانت المؤسسة تشمل على جميع حصص السوق, الأمر الذي يجعلها لا تخضع إلى أية منافسة, و بالتالي تكون بهذه الصفة قد حققت تمركزا أكيدا للقوة الإقتصادية (1).
ففي هذه الحالة فإن الفعل المحظور لا يتجسد في مجرد الهيمنة على السوق, وإنما يتمثل في إستغلال هذه الهيمنة (2) ، فكما هو معروف منذ القدم فإن كل من يحوز على السلطة يكون قابلا للتعسف بها , لأن كل متعامل إقتصادي يسعى دائما وراء تحقيق موقع هيمنة وسيطرة في السوق,    و لا شك أن السعي لتحقيق ذلك يساعد كثيرا على تفعيل المنافسة إن لم يكن مقترنا بالتعسف في إستعمالها , وعليه فلتحديد مفهوم التعسف في وضعية الهيمنة يستلزم علينا البحث في الممارسات التعسفية أولا ثم الحكمة من حظر هذا التعسف ثانيا وفي الأخير نتناول الجزاء المقرر لهذا التعسف.
أولا : الممارسات التعسفية  :
يطبق مفهوم التعسف على المؤسسة أو العون الإقتصادي الذي يسعى للحصول على إمتيازات تجارية و إقتصادية لا مبرر لها ما عدا الهيمنة على السوق والتعسف في إستغلالها , لكن مجرد الإدعاء بوجود هذه الممارسات التعسفية غير كاف و إنما على من إدعى ذلك أن يثبتها , بحيث لا يقبل الإخطار المقدم لمجلس المنافسة إن لم يكن مدعما بعناصر إقناع كافية(3) .
وقد ذكرت المادة 7 من قانون المنافسة بعض حالات التعسف الناتج عن هيمنة في السوق وتتمثل فيما يلي :
- الحد من الدخول في السوق أو في ممارسة النشاطات التجارية فيها .
- تقليص أو مراقبة الإنتاج أو منافذ التسويق أوالإستثمارات أو التطوير التقني .
- إقتسام الأسواق أو مصادر التموين.
- عرقلة تحديد الأسعار حسب قواعد السوق بالتشجيع المصطنع لإرتفاع الأسعار و لإنخفاضها.
- تطبيق شروط غير متكافئة لنفس الخدمات تجاه الشركاء التجاريين ,مما يحرمهم من منافع المنافسة 
- إخضاع إبرام العقود مع الشركاء لقبولهم خدمات إضافية ليس لها صلة بموضوع هذه العقود سواء بحكم طبيعتها أو حسب الأعراف التجارية .
وهنا نشير إلى أن هذه الصور للتعسف في وضعية الهيمنة على السوق هي نفسها المتعلقة بالإتفاقات المحظورة و التي سبق و أن شرحناها في المبحث الأول من هذا الفصل  ويضيف المرسوم التنفيذي رقم 2000/314 السالف   ذكره (4), حالات أخرى تتمثل في الممارسات التي تستجيب على الخصوص للمقاييس الآتية : 
- المناورات التي تهدف إلى مراقبة الدخول إلى السوق أو سيرها 
- المساس المتوقع أو الفعلي بالمنافسة , أي أنه لا يقتصر على النتائج القاطعة لتحقق التعسف في وضعية الهيمنة , وإنما يمتد حتى إلى الأثار المحتملة , و سيتوجب أن يكون إحتمال التقييد معقولا , أي مبنيا على أسس موضوعية و ليس فقط مجرد الإحتمال .
- غياب حل بديل بسبب وضعية إقتصادية, وتعتبر هذه الحالة قبل صدور الأمر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة بمثابة وجه ثاني لحالة التعسف الناتج عن الهيمنة على السوق , أما بعد صدور الأمر السالف الذكر خصص لها المشرع مادة وحدها وهذا ما سوف نتناوله بالتفصيل في المطلب الثاني .
وعليه فإن كل الممارسات التي يسعى من خلالها الأعوان الإقتصاديون للحصول على إمتيازات تجارية وإقتصادية دون مبرر شرعي يمنعها القانون نظرا لما تلحقه من مساس بالمنافسة, وهو الأمر الذي يدفعها إلى البحث عن الحكمة من حظر التعسف في وضعية الهيمنة .
ثانيا : الحكمة من حظر التعسف في وضعية الهيمنة :
يمنع قانون المنافسة الإستغلال التعسفي لوضعية الهيمنة, و لعل الحكمة من هذا الحظر هو أن المشرع أراد من خلال ذلك تحقيق التوازن في العقود المبرمة بين أطراف غير متكافئة في القوة التفاوضية, و ذلك عن طريق منع إساءة إستعمال القوة الإقتصادية التي يحوزها الطرف القوي من خلال سيطرته و إحتكاره لجميع أو معظم حصص السوق ,و بالتالي حماية الطرف الضعيف عما ينجر من شروط تعسفية عن الهيمنة على السوق.
و بناءا على ما سبق فمن أجل إعادة التوازن في العلاقات التعاقدية , و لا سيما بعد ظهور مؤسسات قوية في مجالات الإنتاج والتوزيع, أصبح من الضروري منع التعسف في إستخدام وضعية الهيمنة حسب ما حدده قانون المنافسة (1).
 و الجدير بالذكر أنه يمكن لمجلس المنافسة أن يلاحظ بناءا على طلب المؤسسات المعنية و إستنادا إلى المعلومات المقدمة له أن إتفاقا ما أو عملا مدبرا أو إتفاقية أو ممارسة كما هي محددة في المادتين (6)و(7) المشار إليهما سابقا لا تستدعي تدخله (2).
 و بشأن كيفات الحصول على التصريح بعدم التدخل l’attestation négative صدر مرسوم تنفيذي يحدد لهذه الكيفيات (3), وجاء تطبيقا للمادة 08 من الأمر المتعلق بالمنافسة التي تنص على إمكانية الحصول على التصريح بعدم تدخل مجلس المنافسة في الممارسات المحددة في المادتين (6)و(7) المشار إليهما أعلاه,    و التي تتعلق كما رأينا سابقا بالممارسات المدبرة للمنافسة و التعسف في وضعية الهيمنة على السوق.
 إلا أن المرسوم المشار إليه أعلاه يحدد كيفيات الحصول على التصريح بعدم التدخل بخصوص الإتفاقات و وضعية الهيمنة على السوق, وهنا نشير إلى أن المشرع حذف عبارة "التعسف", و نحن نتساءل لماذا حذفها المشرع علما أن وضعية الهيمنة لوحدها كما رأينا سابقا هي مشروعة و ليست ممنوعة فلا داعي من تقديم الطلب للحصول على التصريح بعدم التدخل و لكن ربما يعد سهوا من طرف المشرع .
ثالثا : جزاء التعسف الناتج عن الهيمنة على السوق :
يعد الإستغلال التعسفي مهما كان شكله أمر محظورا قانونا, و ذلك نظرا لما يحققه من إعاقة للسريان العادي للسوق بصفة عامة و المساس بحرية المنافسين الآخرين بصفة خاصة , و بالتالي فمعاقبة الممارسات التعسفية يعد أمر ضروري .
 فالعقوبات المقررة لهذا التعسف هي نفسها المقررة للإتفاقات المحظورة و هي غرامات مالية لا تتجاوز 07% من رقم أعمال المؤسسة أو العون الإقتصادي , إلى جانب الأمر بوضع حد نهائي للممارسات المقيدة للمنافسة .
و في هذا الصدد بموجب قرار صادر عن مجلس المنافسة في سنة 1999 بشأن الإخطار الذي قدمه وزير التجارة ضد المؤسسة الوطنية لصناعات الإلكترونية ENIE وحدة سيدي بلعباس المتضمن : 
-أمر الشركة الوطنية لصناعات الإلكترونية بوضع حد نهائي للممارسات التي قامت بها وذلك بخرقها أحكام المادة 07 من الأمر المتعلق بالمنافسة .
-فرض غرامة قدرها (4.348.560.00دج) على المؤسسة الوطنية لصناعة الإلكترونية (وحدة سيدي بلعباس)(1).

*الـمـطـلب الـثـانــي*
حظر التعسف في إستغلال وضعية التبعية الإقتصادية :

في السابق كان المنع و الجزاء مفروضا على مجرد التعسف في وضعية الهيمنة في السوق, إلا أن القانون الفرنسي قد أضاف قاعدة جديدة عن طريق الأمر المؤرخ في 01 ديسمبر 1986 المتعلق بالمنافسة و الأسعار, تتمثل في الإستغلال التعسفي لوضعية التبعية الإقتصادية (2), أما المشرع الجزائري قد تأخر في تنظيم هذه الممارسة إلى أن صدر المرسوم التنفيدي رقم 2000/314 المؤرخ في 14 أكتوبر 2000 السالف الذكر , بحيث أشارت المادة 05 منه على أنه "تحدث هذه الحالة في غياب حل بديل" .
ولكن لم يتم تنظيم هذه الممارسة المقيدة للمنافسة بصفة واضحة إلا بصدور الأمر رقم03/03 المتعلق بالمنافسة, أين خصص لها المشرع مادة مستقلة (3), بعدما كانت صورة من صور التعسف في وضعية الهيمنة على السوق في ظل القانون السابق للمنافسة(4).
 و عليه لتحليل المادة 11 من الأمر رقم 03/03 المتعلقة بالتعسف في إستغلال وضعية التبعية الإقتصادية يتعين علينا تعريف التبعية الإقتصادية أولا ثم صور التعسف في إستغلال هذه التبعية و أخيرا الجزاءات المقررة لها .

الفرع الأول : تعريف التبعية الإقتصادية :
يرجع الفضل إلى الأمر الجديد المتعلق بالمنافسة الذي عرف التبعية افقتصادية كما يلي :
"يقصد بها تلك العلاقة التجارية التي لا يكون فيها لمؤسسة ما حل بديل مقارن إذا أرادت رفض التعاقد بالشروط التي تفرضها عليها مؤسسة أخرى سواء كانت زبونا أو ممونا "(5)
ومن خلال هذا التعريف نلاحظ أن غياب الإحتكار الكافي لأحد الشركاء يجعلهم مرغمين على التعاقد مع تلك المؤسسات, رغم ما ينجز عن ذلك من شروط تعسفية, و الجدير بالذكر هنا أن القانون لا يعاقب على التبعية الإقتصادية و إنما يعاقب على الإستغلال التعسفي لهذه الوضعية .
و يعود سبب ظهور التبعية الإقتصادية في السوق إلى التركز الكبير في مجال قطاع التوزيع(1) , ويمكن لمجلس المنافسة أن يجتهد في هذا الشأن لإيجاد المعايير المناسبة لتحديد وضعية التبعية الإقتصادية .
ونشير إلى أنه لا يشترط أن تكون هناك علاقة تعاقدية للقول بان المؤسسة في حالة تبعية, لأن المشرع في المادة الثالثة من قانون المنافسة عرف التبعية بأنها العلاقة التجارية و بالتالي لم ينص على ضرورة وجود علاقة تعاقدية .

الفرع الثاني : الممارسات التعسفية : 
قد ذكرت المادة 11 المشار إليها أعلاه بعض حالات التعسف الناتج عن إستغلال وضعية التبعية الإقتصادية تتمحور معظمها حول الأسعار و شروط البيع التي تقرها المؤسسة المستغلة لوضعية التبعية الإقتصادية لمؤسسة أخرى, أو تلك التي تضبط علاقاتها التجارية مع الشركاء الإقتصاديين.
1- الممارسات المتعلقة بالأسعار و شروط البيع : 
تعتبر تعسفية الممارسات التي ترمي إلى الإلزام بإعادة البيع بسعر أدنى, بحيث يتم تخفيضها بصفة إصطناعية مما يلحق الضرر بالحرية التجارية للزبون ,كما تعتبر تعسفية أيضا المبيعات المشروطة بإقتناء كمية دنيا, حيث يخضع بيع منتوج ما لشراء منتوج آخر أو تقديم خدمة لتقديم خدمة أخرى.
كذلك الأمر بالنسبة للبيع التميزي (2), إذ يتعارض مع الممارسة الحرة للمنافسة التي تقتضي المساواة بين جميع الشركاء الإقتصاديين , كإبرام عقد بيع ينحصر في بعض الأعوان الإقتصاديين دون الآخرين .
2-الممارسات المتعلقة بالعلاقات التجارية مع الشركاء الإقتصاديين : 
علاوة على الممارسات المتعلقة بالأسعار و شروط البيع , تشير المادة 11 إلى قطع العلاقات التجارية بمجرد رفض المتعامل الخضوع لشروط تجارية غير شرعية , و غالبا ما يسمح هذا التصرف للمؤسسات المتعسفة بفرض ممارسات أخرى مثل تحديد أسعار إعادة البيع .
يضيف المرسوم التنفيذي رقم 2000/314 السالف ذكره (3), حالة أخرى و هي غياب حل بديل بسبب وضعية تبعية إقتصادية .
و عليه فإن كل هذه الممارسات يمنعها القانون نظرا لما تلحقه من مساس بالمنافسة .
الفرع الثالث :جزاء التعسف في إستغلال وضعية التبعية الإقتصادية:
إن قانون المنافسة يقر لهذا التعسف نفس الجزاء المقرر للإتفاقات المحظورة و التعسف الناتج عن الهيمنة على السوق, و هي غرامة مالية لا تتجاوز 7% من رقم أعمال المؤسسة المتعسفة في إستغلال هذه الوضعية(4) , مع إمكانية المجلس بإتخاذ أي إجراء من شأنه أن يضع حدا لمثل هذا النوع من الممارسات.
*الـمبـحـث الثـالــث*
منع ممارسة أسعار بيع مخفضة بشكل تعسفي

حسب مقتضيات المادة 12 من الأمر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة يمنع كل عون إقتصادي من بيع سلعة بسعر أقل من سعر التكلفة الحقيقي , إذا أدى أو عندما يؤدي ذلك إلى الحد من المنافسة السوق , ويخص الحظر القانوني المنتوجات التي يعاد بيعها بسعر أقل من سعر التكلفة الحقيقي , مع الإشارة إلى أن إستعمال السعر المنخفض مقارنة بتكاليف الإنتاج و التحويل و التسويق من طرف المشرع قد يطرح إشكالية تحديد هذا السعر, فإذا كان سعر الشراء يظهر من تفحص الفواتير التي يسلمها البائع , فإن سعر التكلفة لا يمكن التحقق منه إلا بالرجوع إلى هيكل الأسعار وتحديده, الشيء الذي يزيد في تعقيد عملية البحث عن الإثبات, لأن إنجاز مثل هذه العملية ليس بالأمر الهين.
إن عمليات البيع قد تأخذ أشكال مختلفة تختلف بإختلاف ظروف البيع , فحتى أن المبيعات الموجهة للمستهلكين يمكن أن تكون تعسفية تهدف إلى تحقيق تحويل العملاء و لو بصفة غير مباشرة(1) , هذا ما يجعلنا نتساءل عن مفهوم البيع بأسعار مخفضة تعسفيا في (مطلب أول) ثم عن أحكام البيع بأسعار مخفضة بشكل تعسفي في (مطلب ثاني).

*الـمطـلـب الأول*
مفهـوم البيـع بأسعـار مخفضـة تعسفيـا :

إن البيع بأسعار مخفضة تعسفيا لا يشكل طريقة بيع بقدر ما يشكل ممارسة مقيدة للمنافسة ,الهدف منها إزاحة المنافسيين للإستيلاء على السوق, و الرجوع بعد ذلك إلى السعر العادي وهو الهدف الحقيقي من هذه العملية , و بالنسبة للمستهلك فإنه قد يدرك لأول وهلة الهدف من هذه الممارسة , إذ أنه يعتقد بأن المنتوجات التي يعاد بيعها بسعر أقل من سعر تكلفة إنتاج وتحويل و تسويق تلك السلعة المراد بيعها قد تخدم مصالحه إلا أن الحقيقة غير ذلك .
 وهذه الممارسة تجد تطبيقها في المراكز الكبرى للتوزيع , أين تعرض بعض السلع و المنتوجات للبيع بأسعار زهيدة لكن في نفس الوقت تعرض سلع أخرى بأسعار معقولة (2) , فالعملية الأولى تكون بمثابة فخ , إذ أن الزبائن يغرون مما يدفعهم إلى الشراء أكثر , فقد ذهب بعض الفقهاء إلى إيجاد عبارة تدل على هذا النوع من الممارسات و التي يعبر عنها "بجزيرة من الخسائر في محيط من الأرباح" (3)
و عليه و أمام هذه الظاهرة الخطيرة سوف نتناول تعريف البيع بأسعار مخفضة بشكل تعسفي أولا ثم ندرس عناصر هذا البيع ثانيا و أخيرا نميزه عن البيع بالخسارة .

الفرع الأول : تعريفه 
إن المقصود بالبيع بأسعار مخفضة تعسفيا هو قيام العون الإقتصادي بعملية بيع سلع و منتوجات للمستهلكين بأسعار تكون مخفضة إلى ما دون سعر تكلفة الإنتاج و التحويل و التسويق لتلك السلعة المراد  بيعها(1). 
   و هذه العملية سواء قام بها عون إقتصادي بصفة منفردة أو مشتركة فإنها دائما تنصب على عنصر السعر .
و القول بأن العملية هي بيع بسعر منخفض تعسفيا هو على أساس أن العون الإقتصادي بغية تخفيض السعر إلى ما دون تكلفة السلعة المراد بيعها وتكون رغبته إما إخراج عون إقتصادي آخر من السوق, أو عرقلة دخول إحدى منتجات العون الآخر إلى السوق , فالعون الإقتصادي الذي يقوم بهذه العملية تكون له نية من وراء ذلك و قد يتعمد على الخسارة , لأنه على علم بأنه بعد إفشال المنافسة سوف يبقى هو المحتكر الوحيد للسوق , و بعد ذلك يرفع الأسعار بحسب رغباته (2).

الفرع الثاني : عناصر البيع بأسعار مخفضة تعسفيا: 
بعدما عرفنا ماذا يقصد بعملية البيع بأسعار مخفضة تعسفيا, يمكن لنا أن نستخرج العناصر المكونة لهذه الممارسة و المتمثلة في :
1- كون عملية البيع موجهة إلى المستهلكين,وهذا يظهر لنا أنه تم إستبعاد مثل هذه الممارسة إن تم حدوثها بين الأعوان الإقتصاديين فيما بينهم , أي أنه تعتبر عملية بيع بأسعار مخفضة تعسفيا تلك التي تتم فقط بين المستهلك و مؤسسة أوعون إقتصادي.
 و المقصود بالمستهلك في هذا المقام هو ذلك الشخص الذي يشتري السلعة من أجل قضاء حاجاته الخاصة (3), أي أنه يشتريها بغرض إستهلالكها و ليس بغرض إعادة بيعها.
و تجدر الإشارة هنا أنه لا فرق بين شخص طبيعي أو معنوي المهم أنه يشتري السلعة من اجل حاجاته الخاصة .
2- إن ممارسة أسعار مخفضة تعسفيا وكذلك أيضا مجرد عرض الأسعار التي تكون بهذا التخفيض التعسفي يعتبر محظورا , أي مجرد عرض مثل هذه الأسعار يعتبر مخالفة في حد ذاتها 
3- يجب أن يكون السعر المعروض أو الممارس فعلا منخفضا بالمقارنة مع تكاليف الإنتاج و التحويل        و التسويق, أما في حالة إعادة البيع لسلعة على حالتها فإنه لا يمكن أن نكون أمام هذه الممارسة (4).
4- العنصر المعنوي و هو العنصر المهم و المتمثل في نية المؤسسة أو العون الإقتصادي في إبعاد أحد منافسيه من السوق, أو عرقلة أحد منتوجاته من الدخول إلى السوق, حيث تؤدي إلى النتائج الذي ذكرناها سابقا , بمعنى أن التخفيض التعسفي يقصد من وراءه إلحاق الضرر بعون إقتصادي آخر.


الفرع الثالث : تمييزه عن البيع بالخسارة :
ما يمكن ملاحظته من خلال ما تقدم أنه هناك مجموعة من العناصر التي تميز البيع بأسعار مخفضة تعسفيا عن عملية البيع بالخسارة, بحيث أن عملية البيع بأسعار مخفضة تعسفيا تستوجب أن تكون السلعة المراد بيعها قد ثم إنتاجها أو تحويلها بالإضافة إلى تسويقها , أما عملية البيع بالخسارة فهي مجرد عملية إعادة بيع السلعة على حالتها دون أن يحدث فيها أي تغيير , فالعون الإقتصادي الذي يبيع هنا السلعة يقوم فقط بعملية إعادة بيعها على الحالة التي تم شراءها. إلى جانب أن عملية البيع بأسعار مخفضة تعسفيا تكون محظورة عندما تتم ممارستها بين العون الإقتصادي  و المستهلك وهذا ما جاءت به المادة 12 من الأمر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة , أما عملية البيع بالخسارة فلم تحدد المادة 19 من قانون 04/02 المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية (1), و التي تقابلها المادة 31 من القانون الفرنسي للمنافسة و الأسعار التي تمنع إعادة البيع لمنتوج في حالته بسعر أقل من سعر الشراء الحقيقي prix d’achat éffectif (2), و عليه يمكن القول بأن عملية البيع بالخسارة قد تكون إما بين الأعوان الإقتصادين فيما بينهم, أو بين الأعوان الإقتصاديين و المستهلكين.

*الـمطـلب الـثـانـي*
أحكـــام البيـع بأسعــار منخفضــة تعسفيــا :

يشكل البيع بأسعار مخفضة بشكل تعسفي إحدى الممارسات المقيدة للمنافسة التي تدخل في نطاق إختصاص مجلس المنافسة, وذلك نظرا لما تحدثه من إخلال بالمنافسة في السوق و هو الأمر الذي دفع بالمشرع إلى منع و حظر هذا النوع من المعاملات مع إقرار عقوبة مالية لها .

الفرع الأول :حظر البيع بأسعار مخفضة تعسفيا 
إن عملية البيع بأسعار مخفضة تعسفيا هي ظاهرة خطيرة جدا, وذلك لما تحدثه من آثار سلبية على السوق وعلى مبدأ حرية المنافسة, و لهذا فقد قام المشرع الجزائري بحظر ومنع هذه الممارسة وذلك بموجب المادة 12 من قانون المنافسة التي تنص على أنه"يحظر عرض الأسعار أو ممارسة أسعار بيع مخفضة بشكل تعسفي للمستهلكين مقارنة بتكاليف الإنتاج و التحويل و التسويق" 
إذن يفهم من هذه المادة أن المشرع لم يكتفي بمنع الممارسة فقط لأسعار بيع مخفضة بشكل تعسفي , بل منع أيضا مجرد عرض مثل تلك الأسعار, والجدير بالملاحظة هو أنه من خلال الإطلاع على نص المادة 12 المشار إليها أعلاه نستخلص بأن هذه الممارسة الممنوعة تتعلق بالخصوص بأسعار المنتوجات دون غيرها, فهي لا تمتد إلى الخدمات و إنما يقتصر فقط على السلع أو المنتوجات و تقابلها المادة 420-5 من القانون التجاري الفرنسي التي تنص على ما يلي(3):
"sont prohibées les offres de prix ou pratiques de prix de vente aux consommateurs abusivement bas par rapport aux coûts de production,  de transformation et de commercialisation des lors que ces offres ou pratiques ont pour objet ou pour effet d’éliminer d’un marché ou d’empêcher d’accéder a un marché une entreprise ou l’un de ses produits … »

الفرع الثاني :الجزاءات المقررة لممارسة أسعار بيع مخفضة بشكل تعسفي:
 نشير إلى أن الجزاءات المقررة لممارسة أسعار بيع مخفضة بشكل تعسفي هي نفسها المقررة للممارسات الأخرى المقيدة للمنافسة و هي غرامات مالية لا تتجاوز 07%  من رقم أعمال العون الإقتصادي أو المؤسسة المتعسفة في ذلك ..(1)
























*الـمبـحـث الــرابــع*
رقـــــابـــة التجميعـــــــات



إن دراسة التجميعات أو كما يمكن تسميتها كذلك بالتمركزات  الإقتصادية تكتسي أهمية خاصة , لما تعود على المؤسسات بالنفع و ذلك من خلال زيادة كفاءتها الإنتاجية ورفع قدراتها(1), و لا سيما أن إشكالية مؤسساتنا الإقتصادية تكمن في قدرتها على مواجهة المنافسة الدولية التي ستنجر في إطار إنضمام الجزائر إلى منطقة التبادل الحر مع بلدان الوحدة الأروبية, وكذا المنظمة العالمية للتجارة , لأنه من الصعب منافسة المتعاملين الإقتصاديين نظرا لأقدميتهم وخبرتهم في الميدان, و بالتالي فإن ظاهرة الممارسات المقيدة للمنافسة ليست بأمر غريب عنها.

 ثم إن قانون المنافسة لا يمنع إجراء التجمعات مثلما يمنع الممارسات المقيدة للمنافسة الحرة , بل يعتبر أن كل تمركز إقتصادي يرمي إلى التحكم الفعلي في جزء من السوق الوطنية يجب أن يحصل على إعتماد مسبق من قبل مجلس المنافسة (2).

فمراقبة التجميعات يشكل إجراءا معقدا يشتمل على تحاليل تجري على مستويات مختلفة وتتم على عدة مراحل , إذ يجب في مرحلة أولى فحص ما إذا كانت العملية تجميعا حسب مدلول نص المادة 15 من قانون المنافسة , وفي مرحلة ثانية تحديد ما إذا كانت العملية  تدخل في الإطار المنصوص عليه في الأمر المتعلق بالمنافسة , على أن يتم بعد ذلك تقييم العملية و تقدير آثارها على المنافسة الحرة .













*الـمطـلـب الأول*
المقصـــــود بالتجميعـــــات

إنّ المشرع لم يتولى تعريف التجميعات سواء في ظل الأمر السابق المتعلق بالمنافسة (1) أو في ظل الأمر 03/03 المتعلق بالمنافسة, و إنّما إكتفى بذكر صور و حالات التجميع (2), بحيث يتم التجميع عن إندماج مؤسستين فأكثر و هي في الأصل مستقلة, كما ينتج عن أي عقد مهما كان شكله يتضمن تحويل الملكية بكل أو جزء من متلكات أو حقوق أو سندات عون إقتصادي, قصد تمكين عون إقتصادي من مراقبة  عون إقتصادي آخر , أو ممارسة النفود الأكيد عليه و الذي من شأنه المساس بالمنافسة و تعزير وضعية الهيمنة على السوق
ويلاحظ بالرجوع إلى المادة 15 من الأمر رقم 03/03 ,أنّ مفهوم التجميعات مفهوم واسع يمكن إقامة التجميعات من خلال عدة عقود .

الفرع لأول : العقد المتضمن نقل الملكية أو الإنتفاع :
تتم عملية التجميع حسب المادة 15 المشار إليها أعلاه, بموجب عقد مهما كان شكله , فيمكن أن يؤدي هذا العقد إلى نقل كلي أو جزئي للملكية مثل الدمج (  Fusion)  (3) , أو شراء مجمل أسهم مؤسسة ما, أو شراء عناصر من أصول مؤسسة ما . كما قد يكتسي العقد شكل مساهمة تسمح بالتدخل في سير المؤسسة أو عدة مؤسسات و التأثير على قرارتها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة , بحيث إنّ مثل هذه العقود تؤدي إلى النفوذ الجازم على تشكيل مداولات أو مقررات أجهزة المؤسسة (4).
و في الحقيقة يسمح هذا العقد للمؤسسات المعنية من إقامة علاقات فيما بينها تختلف طبيعتها من حالة إلى أخرى , فقد يتعلق الأمر إمّا بـ : 
1- علاقات ذات طبيعة تعاقدية : 
و تتجسد هذه العلاقة في إطار إتفاقات التعاون المبرمة بين المؤسسات بقصد الإستغلال المشترك للدراسات و البحوث , و نشير في هذا الصدد إلى أنّ هذا النوع من العقود كثيراً ما تلجأ إليه المؤسسات فيما بينها بغرض توحيد الجهود و الخبرات المكتسبة في هذا الميدان .
2- علاقات مالية : 
و تتجسد عادة في حالة قيام مؤسسة ما بالمساهمة أو شراء أسهم تابعة لمؤسسة أخرى أو مجموعة من المؤسسات (5) .


3- علاقة هيكلية : 
كما لو تعلق الأمر بكل أشكال الإندماج الكلي أو إدماج شركات في شركات أخرى (1) ,و تتجسد هذه العلاقات بدورها في حالة تجمع المؤسسات و كذلك عقود المقاولة من الباطن Contras de sous traitance (2) .

الفرع الثاني : العقد المتضمن ممارسة النفوذ الأكيد :
لا يمكن إضفاء صفة التجميع على العملية إلاّ إذا كان النفوذ الناجم عن نقل الملكية أو الإنتفاع نفوداً حاسماً (3) , و بالتالي فإنّ ممارسة النفوذ الأكيد, و المتمثل في وضع مقاولة أو مجموعة من المقاولات تحت سيطرة و تحكم مقاولة أخرى, أو مجموعة من المقاولات من خلال نقل الإنتفاع أو ملكية أموال أو حقوق التابعة لمقاولة ما (4) , يعد عنصراً أساسياً لتعريف التجميع .
و الجدير بالملاحظة هو أنّ الطابع الواسع لتعريف التجميعات يخول للمجلس سلطة رقابة و تقدير واسعة , تختلف بإختلاف و تعدد الطرق التي تمكن المتعاملين الإقتصاديين من ممارسة نفوذهم على نظرتهم ممّا يجعل تقدير العملية يرتبط إرتباطاً وثيقاً لتحليل ما ينجر عنها من آثار على المنافسة .

* المـطـلـب الثــانــــي
شـروط ممارســـة الرقابـــة على التجميعـــات :
إنّ قانون المنافسة لم يحصر العمليات التمركزية, طالما أنّ الممارسات التجارية و المالية تسمح بتشكيل تجميعات و كذا مراقبة مقاولة أو عدة مقاولات من قبل مقاولة أخرى, أو مجموعة من المقاولات (5), و بالتالي حتى يتدخل مجلس المنافسة من أجل فرض رقابته على مشروع التجميع أو التجميع, لابد من تقدير العملية من خلال تحليل آثارها على المنافسة الحرة, و ذلك مع أخذ بعين الإعتبار نسبة التجميع وفق لما هو محدد في قانون المنافسة.
 و يقصد بالمراقبة في مفهوم الأمر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة, تلك المراقبة الناتجة عن قانون العقود, أو عن طرق أخرى تعطي بصفة فردية أو جماعية حسب الظروف الواقعة, إمكانية ممارسة النفوذ الأكيد       و الدائم ( والذي يعتبر كشرط أساسي لممارسة هذه الرقابة ) على نشاط مؤسسة, ولا سيما فيما يتعلق بما يأتي:
1. حقوق الملكية أو حقوق الإنتفاع على ممتلكات مؤسسة أو على جزء منها .
2. حقوق أو عقود المؤسسة التي يترتب عليها النفوذ الأكيد على أجهزة المؤسسة من ناحية تشكيلها أو مداولاتها أو قرراتها (6).
الفرع الأول: الإضرار بالمنافسة:
لا تخضع مشاريع أو عمليات التجميع للمراقبة إلاّ إذا كان من شأنها إلحاق الضرر بالمنافسة, من خلال تدعيم موقع الهيمنة الذي يحتله المتعامل الاقتصادي على مستوى السوق (1).
فمراقبة التجميعات تمكن مجلس المنافسة بالتدخل بخصوص الأعوان الإقتصاديين الذين يؤسسون هياكل كفيلة بالتأثير على الإقتصاد, و ذلك حتى في حالة عدم إقدامهم على أي تعسف , أمّا مراقبة التعسف فإنّها تسمح للمجلس بمعاقبة السلوك التعسفي الناجم عن التجميع , فالهدف من مراقبة التجميع هو الوقاية من التعسف المحتمل .
 لكن السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا , يكمن في مدى إتساع مجال تطبيق هذا الشرط ؟ و  بتعبير آخر هل يمكن لمجلس المنافسة أن يفرض رقابته على التمركزات الأجنبية و التي يكون لها أثر على السوق الوطنية ؟
إن المشرع الجزائري قد سكت في هذا الشأن , وبالتالي لا يمكن تطبيق هذا الشرط إلا على التمركزات التي تتم على إقليم الدولة الجزائرية دون تلك التي تتم في إقليم دولة أجنبية و ينجم عنها آثار سلبية على السوق الوطنية, و أن أهمية ذلك تظهر مع إبرام إتفاق الشراكة مع الإتحاد الأوربي , و الذي يتضمن إنشاء منطقة التبادل الحر(2) , و بالتالي في مثل هذه الحالة سوف نشهد إنسحاب العديد من المؤسسات الإقتصادية ولا سيما المتوسطة و الصغيرة (MPE)  من المنافسة .

الفرع الثاني : حجم عملية التجميع :
بعد التأكد من طبيعة المشروع على ضوء مقتضيات الأمر المتعلق بالمنافسة, لابد من النظر فيما إذا كانت نسبة التجميع تتجاوز النسبة القانونية المحددة , وذلك على أنّ يكون مشروع التجميع يرمي إلى تحقيق أو يكون قد حقق أكثر من 40 % من المبيعات أو المشتريات المنجزة في سوق معينة)3( , و بالتالي فعملية التجميع لا تخضع للمراقبة إلاّ إذا تجاوزت النسبة المحددة من المبيعات و المشتريات و إذا كان من شأنها أن تلحق الضرر بالمنافسة .
حيث يتم تقدير هذه النسبة بالرجوع إلى المبيعات و المشتريات في سوق معينة, ممّا يستوجب تحليلاً مسبقاً للسوق المعنية لتحديد حصة المعنيين بعملية التجميع فيه(4) , و تعتمد  طرق تحديد الحصة في السوق على عدة عناصر منها على وجه الخصوص تقييم  الإستهلاك الوطني للمنتوج المعني بالإضافة إلى تحديد رقم الأعمال المنجز في السوق من طرف المعنيين بعملية التجميع (5) .
أمّا بالنسبة للسوق المقصودة في هذه الحالة , تقتصر على السوق الداخلية أو الوطنية ثم إن تحديد حجم عملية التجميع بنسبة 40% من المبيعات و المشتريات في سوق معنية لا يشكل المعيار الوحيد الذي يعتمد عليه لتقييم التجميع , بحيث يمكن الإستئناس بالعديد من المقاييس التي أقرها المرسوم التنفيذي رقم 2000/315 المؤرخ في 14 أكتوبر 2000 (1) , و الذي يحدد مقاييس تقدير مشاريع التجميع أو التجميعات, و التي تتمثل في حصة السوق التي يحوزها كل عون إقتصادي بعملية التجميع , و كذا حصة السوق التي تمسها هذه العملية (2), و تحدد حصة السوق بالعلاقة الموجودة بين رقم أعمال كل عون إقتصادي معني متدخل في نفس السوق, و رقم الأعمال العام لهؤلاء الأعوان الإقتصاديين المتواجدين في نفس السوق(3) .
بينما يعتمد القانون الفرنسي المتعلق بالمنافسة و الأسعار, في تنظيم و مراقبة التجميعات أو التمركزات الإقتصادية على معيار رقم الأعمال . بالإضافة إلى إشتراط نسبة المبيعات ب 25 % ,و الذي تحدد قيمته بسبعة (07) ملايين فرنك فرنسي دون رسوم, على أنّ تحقق مؤسستين عضوة في التمركز على الأقل رقم أعمال لا يقل قيمته على مليارين فرنك فرنسي , و بالتالي فالقانون الفرنسي يعتمد على وجه الخصوص بنسبة رقم الأعمال, و القيمة المطلقة التي تقتضي تحقيق رقم أعمال محدد من طرف المؤسسات المعنية على مستوى السوق الوطنية , كما أنّه يأخذ في الحساب رقم الأعمال للمؤسسات المعنية التي تكون طرفاً في العملية دون ذلك الذي يخص المجموعة التي تتشكل منها (4).
أخيراً نشير إلى أنّه بعد الإنتهاء من مرحلة التأكد من حضور عملية التجميع من خلال تجاوز الحجم القانوني و كذا الإضرار بالمنافسة , تأتي مرحلة ثانية تكمن في ممارسة الرقابة على التجميعات من قبل مجلس المنافسة و في هذا الصدد نتساءل على ما هي طرق ممارسة هذه المراقبة ؟ 

*الـمـطلـب الثـالـث*
طـــرق ممارســـة الرقابــــة علــى التجميعــات :

يضطلع مجلس المنافسة بموجب الأمر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة بمهمة مراقبة التجميع , في حالة تجاوز النسبة القانونية و إحتمال إلحاق الضرر بالمنافسة , غير أنّ الأمر المتعلق بالمنافسة لم يحدد إجراءات المراقبة و بالتالي على المجلس أن يعكف على دراستها و ضبطها إستئناساً بتجارب بعض البلدان في هذا الميدان لا سيما تجربة فرنسا في هذا المجال.
و أمّا بالنسبة للقائمين بالتجميعات التي من شأنها المساس بالمنافسة, ولا سيما عن طرق تعزيز وضعية الهيمنة لمؤسسة في السوق , فيجب عليهم الخضوع إلى مجلس المنافسة عن طريق تقديمه له , أو بمبادرة من الجهات المختصة يتخذ المجلس قراراً بشأن مشروع التجميع المحال إليه و ذلك في الآجال القانونية المحددة لذلك (5) .



الفرع الأول : المبادرة بالرقابة : 
يتولى مجلس المنافسة عملية الرقابة على التجميعات كلما تحققت الشروط أو الحالات المشار إليها سابقاً و تتم هذه المراقبة إمّا :
1. بمبادرة من المؤسسات المعنية بمشاريع التجميع أو التجميعات , بحيث تتولى هذه الأخيرة إبلاغ مجلس المنافسة والذي يفصل في الأمر خلال مدة ثلاثة أشهر إبتداءاً من إبرام العقد المكون للتجميع (1)
2. أو بمبادرة تلقائية من طرف مجلس المنافسة و الذي منح له القانون سلطة واسعة في هذا المجال. كما قد يكون كذلك بمبادرة من الإدارة المركزية المتمثلة في الوزارة المكلفة بالتجارة و المصالح المكونة لها, و ذلك عندما يكون مشروع التجميع من شأنه المساس بالمنافسة, أو أنّه يرمي إلى تحقيق أو يكون قد حقق أكثر من 40 % من المبيعات و المشتريات داخل سوق معينة .
غير أنّ السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا يكمن في مدى توفر المجلس على الوسائل الضرورية للقيام بمراقبة التجميع ؟ و ما هي وضعية المؤسسة المرشحة  للتجميع في إنتظار البث فيه من طرف المجلس ؟ 
لقد فصل الأمر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة في صحة التصرفات التي قد يقدم عليها المعنييون بالعملية في الفترة الممتدة من تاريخ إشعار المجلس بالعملية إلى تاريخ البث فيها, و ذلك عندما نصت المادة 20 منه على أنّه : " لا يمكن أن يتخذ أصحاب عملية التجميع أي تدبير يجعل التجميع لا رجعة فيه ...", هذا من جهة , و من جهة أخرى فإنّ المهلة المحددة للبث في هذه العمليات و المحددة بثلاثة أشهر غير كافية نظراً لضرورة إستحضار المعلومات و البحوث الجدية .
و كما سبق القول فإنّ مراقبة التجميعات تشكل عملية معقدة تتطلب إجراء تحاليل تتم على مستويات مختلفة, و عبر مراحل متعددة و هو الشيء الذي يفتقر إليه المجلس حالياً .

الفرع الثاني : قرار المجلس حول التجميعات :
عند إحالة مشروع التجميع على المجلس, عليه أن يحللّه من الجانب الإقتصادي(2) لتحديد ما ينجر عنه من آثار على المنافسة , و عليه أن يصدر قراراً مسبباً يتضمن :
- الترخيص بالمشروع أو التجميع .
- رفض التجميع أو المشروع .
- الترخيص مع مراعاة بعض الشروط للمحافظة على المنافسة و ترقيتها (3).
- و في هذا الشأن نود أن نشير أن القانون الفرنسي يخول إصدار القرار حول التجميعات إلى الوزير المكلف بالإقتصاد أمّا مجلس المنافسة فيقتصر دوره في تقديم رأيه حول مشروع التجميع أو    التجميع (4) .

و الشيء الجديد الذي جاء به الأمر رقم 03/03 كما أشرنا إليه سابقاً هو إمكانية الطعن في قرار رفض التجميع أمام مجلس الدولة (1) , و هذا عكس القرارات الأخرى التي يطعن فيها أمام الغرفة التجارية على مستوى مجلس قضاء الجزائر العاصمة .
كما أنّه يمكن للمجلس أن يقبل التجميع, وفق شروط من شأنها تخفيف آثار التجميع على المنافسة , و بهذا يمكن القول بأنّه تم السماح للمؤسسات أن تندمج مع مؤسسات أخرى بشرط أن تتعهد بنفسها بالمحافظة على قواعد المنافسة, بالإضافة إلى ما تمت الإشارة إليه فإنّ الأمر رقم 03/03 قد كرس حق الحكومة في ترخيص التجميعات الإقتصادية التي رفضت من طرف المجلس و ذلك عندما تقتضيه المصلحة العامة للإقتصاد , أو بناء على طلب من الأطراف المعنية بالتجميع الذي كان محل رفض مجلس المنافسة (2) .
أمّا بالمناسبة للعقوبات المطبقة على التجميعات من طرف مجلس المنافسة التي أنجزت بدون ترخيص من مجلس المنافسة, فحسب المادة 61 من قانون المنافسة يعاقب على عمليات التجميع المنصوص عليها في أحكام المادة 17 أعلاه و التي أنجزت بدون ترخيص من مجلس المنافسة بغرامة مالية يمكن أن تصل إلى   7 % من رقم الأعمال من غير الرسوم المحقق في الجزائر خلال آخر سنة مالية مختتمة ضد كل مؤسسة هي طرف في التجميع أو ضد المؤسسة التي تكونت من عملية التجميع (3) .
كما يمكن للمجلس في حالة عدم إحترام الشروط و الإلتزامات المنصوص عليها في المادة 19 أعلاه, إقرار عقوبة مالية يمكن أن تصل إلى 5% من رقم الأعمال من غير الرسوم المحققة في الجزائر خلال آخر سنة مالية مختتمة ضد كل مؤسسة هي طرف في التجميع أو المؤسسة التي تكونت من عملية التجميع.

و في الأخير نلاحظ أنّ المشرع إعترف لهذا المجلس بالسلطة القمعية المتمثلة في العقوبات المالية التي يقررها, و ذلك بعدما خول هذه السلطة لعدة أجهزة تشابهه, بحيث يعود إختصاص قمع المخالفات في مجال البورصة للجنة تنظيم و مراقبة عمليات البورصة (4) , و في نظام البنوك فإنّ اللجنة المصرفية توقع عقوبات مالية على البنوك و المؤسسات المالية عندما تخالف الأحكام التشريعية و التنظيمية و آخلاقيات المهنة(5) .
و بالتالي فإنّ تخويل السلطة القمعية لهذه الهيئات يعبر عن حياد الدولة في المجال الإقتصادي و المالي, و يساهم في الحد من تدخلاتها المتزايدة, و بالتالي فإنّنا نشهد ظاهرة إزالة التجريم في المجال الإقتصادي و المالي التي تساهم في ضبط هذا المجال(6).
و ما يمكن أن نستخلصه هو أنّ المشرع حدد لمجلس المنافسة مجالاً أو نطاقاً لتدخله, بحيث خارج هذا المجال الذي حددته المادة 44 من قانون المنافسة فإنّ المجلس بموجب قرار معلل يقضي بعدم قبول الإخطار, إذا ما إرتأى أنّ الوقائع المذكورة لا تدخل ضمن إختصاصه أو غير مدعمة بعناصر مقنعة بما فيه الكفاية .

و في هذا الصدد قرر المجلس عدم إختصاصه, في إخطار قدم له من طرف ممثل مؤسسة الأشعال العمومية و البناء في 3 ماي 1998 بشأن الممارسة الموضوعة حيز التنفيذ من طرف مديرية التشغيل و التكوين المهني لولاية أدرار, بمناسبة طلب العروض الصادر من طرف مكتب الدراسات المستعد لإنجاز مركزين للتكوين المهني في منطقة " فنوغيل "  و تسبيت "بولاية أدرار .
و كان قرار المجلس مبني على المادتين 2 و 23 من الأمر رقم 95/05 المتعلق بالمنافسة, حيث إعتبر المجلس أنّ قرار منح الصفقة هو قرار إداري, ووفقاً للمادة 02 من قانون المنافسة فإنّه لا يطبق قانون المنافسة إلاّ على نشاطات الإنتاج و التوزيع و الخدمات, و بالتالي إعتبر مجلس المنافسة أنّ الممارسات المصرّح بها من طرف ممثل مؤسسة الاشغال العمومية و البناء لا تدخل ضمن إختصاص مجلس المنافسة لذا قضى  مجلس المنافسة بعدم قبول الإخطار لعدم الإختصاص (1).



 
خـــاتمــــة

يرجع الفضل الرئيسي في ميدان المنافسة للأمر رقم 95/06 المتعلق بالمنافسة (الملغى) الذي جاء بمبادئ جديدة في المحيط القانوني الجزائري , لكن مع هذا يبقى قانون المنافسة جديداً في الجزائر , حتى و أنّه لازال يعد مجالاً مجهولاً في الواقع الإقتصادي , هذا بالرغم من تكريس بعض قواعد المنافسة في إطار قانون 89/12 المتعلق بالأسعار (الملغى), و الذي كان يرتكز أساساً على تنظيم أسعار السلع و الخدمات دون الإهتمام بترقية و تطوير المنافسة .

فهذه المبادئ الجديدة التي جاء بها الامر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة لا تشكل عبئاً على المؤسسات الإقتصادية , بل بالعكس فإنّ المنافسة ترمي إلى تحقيق الفعالية الإقتصادية و تحسين معيشة المستهلكين عن طريق الإعتراف بمبدأ حرية المبادرة , كما أنّ للمنافسة قواعد و إلتزامات لابد من إحترامها من طرف جميع المشاركين في الحياة الإقتصادية .

و في سبيل تحقيق ذلك و تدعيم إحترام و حماية المنافسة الحرة , وضع الأمر المتعلق بالمنافسة جهاز مستقل إداريا و مالياً بهدف تجسيد الرقابة على الخروج عن القواعد المرسومة لممارسة حرية المنافسة, غير أنّه مهما كان نطاق هذه الإستقلالية فإنّها غير مطلقة , بحيث تبقى السلطات الإدارية على مستوى الحكومة تمارس بعض وسائل التأثير, و ذلك بتدخلها بمنح ترخيص التجميع الذي كان محل رفض من طرف مجلس المنافسة .

و أمام كل هذا الوضع تبدو هذه المؤسسة غائبة في الساحة الوطنية , بحيث تجد صعوبات في الظهور كهيئة قوية في ترقية المنافسة رغم المجهودات المبذولة منذ إنشائها , حتى أن أغلبية المؤسسات تجهل وجود مجلس المنافسة و أهمية دوره في إحترام قواعد المنافسة .

كذلك إنّ نظام و كيفية سير المجلس , و النقص في وسائل التدخل و كذا غياب الإتصال مع المحيط الإقتصادي و المؤسساتي لم يسمح له أنّ يقيم سلطته في السوق , بحيث أنّ منذ تنصيبه إلى يومنا هذا لم يرفع أي تقرير سنوي لرئيس الجمهورية و إلى الهيئة التشريعية , علاوة على أنّ قراراته المتعلقة بالقضايا المدروسة لم تنشر بعد في النشرة الرسمية للمنافسة.

و تجدر الإشارة هنا إلى أن النشرة الرسمية للمنافسة تشكل وسيلة حقيقية لتجسيد العلاقات الموجودة بين مختلف الأجهزة المكلفة بأعمال المنافسة كما أنّها تعد وسيلة أساسية لتقييم مدى تطبيق قواعد المنافسة عن طريق القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة و كذا الهيئات القضائية المختصة, و التي تنشر دورياً في هذه النشرة , لكن نتأسف لكون هذه النشرة الرسمية للمنافسة لم تعرف بعد وجود لها .
إنّ مجمل هذه النقائص لا تخدم إنتشار هذا الفرع القانوني الجديد , خاصة مع العلم بأنّ المهام  المنوطة لمجلس المنافسة و الذي يعد إبداع كبير في الجزائر , تشكل المادة الأولية و الأساسية للتعرف بمجالات المنافسة, و نشر ثقافة المنافسة في مرحلة يضاف إليها صعوبات المنافسة التي يفرضها إنفتاح إقتصادنا للمبادلات الدولية , ممّا يقتضي الإعتناء أكثر بمجلس المنافسة عن طريق :

- تزويده بمقر خاص به يسمح له بتأدية مهامه كما هو منتظر منه .
- الإهتمام بنشر النشرة الرسمية للمنافسة .
- تطوير علاقات التعاون و المساعدة مع السلطات الأجنبية للمنافسة في مجال تبادل المعلومات و في مجال التحقيقات المرتبطة بالممارسات المقيدة للمنافسة التي تؤثر على العلاقات التجارية ما بين الدول .
- تشجيع المجلس للقيام بالأبحاث و الدراسات في كل ما يتعلق بالمنافسة.
 غير أنّه تجدر الإشارة في الأخير إلى أنّه من الصعب حالياً تقييم دور مجلس المنافسة و يعود ذلك إلى كونها تجربة جديدة في الجزائر .


















*قــائــمـة الـمـراجــع*

أولا :باللغة العربية 

I-الرسائل :

1-عيساوي عز الدين , السلطة القمعية للهيئات الإدارية المستقلة في المجال الإقتصادي و المالي,مذكرة لنيل درجة الماجستير في القانون, فرع قانون الأعمال –كلية الحقوق-جامعة تيزي وزو –السنة الجامعية 2004,2005 

2-محمد الشريف كتو, الممارسات المنافية للمنافسة في القانون الجزائري,أطروحة لنيل درجة دكتوراه دولة في القانون, كلية الحقوق, جامعة تيزي وزو  السنة الأكاديمية 2003/2004 .

3-ناصري نبيل, المركز القانوني لمجلس المنافسة بين الأمر 95/06 و الأمر 03/03 مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون , فرع قانون الأعمال, كلية الحقوق, جامعة تيزي وزو , السنة الجامعية 2003/2004 .

II-المقالات:

1-محمد الشريف كتو, حماية المستهلك من الممارسات المنافية للمنافسة , مجلة الإدارة, عدد 23 , سنة 2002.
2-هامل الهواري, دور الجمعيات في حماية المستهلك, مجلة العلوم القانونية و الإدارية,جامعة سيدي بلعباس , الجزائر 2005 .

III-المطبوعات :

1-زوايمية رشيد , قانون النشاط الإقتصادي , مبدأ المنافسة الحرة , مطبوعة غير منشورة , كلية الحقوق , جامعة تيزي وزو 1998/1999 .







VI-النصوص القانونية :

1-الدساتير :
-المرسوم الرئاسي رقم 96/483 المؤرخ في 7 فيفري سنة 1996 , يتعلق بنشر نص تعديل الدستور الموافق عليه في إستفتاء 28 نوفمبر 1996 , الجريدة الرسمية , عدد 09 الصادر في 8 ديسمبر 1996.

2-النصوص التشريعية :

-القانون 88/01 المؤرخ في 12 جانفي 1988 , يتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات الإقتصادية, الجريدة الرسمية عدد 02 الصادرة في 13 جانفي 1988 

-القانون رقم 89/12 المؤرخ في 5 يوليو 1989 , يتعلق بالأسعار , الجريدة الرسمية عدد 29 , الصادرة في 19 يوليو 1989 .

-المرسوم التشريعي رقم 93/10 المؤرخ في مايو سنة 1993 , يتعلق ببورصة القيم المنقولة , الجريدة الرسمية عدد 34 لسنة 1993 .

-الأمر رقم 95/06 المؤرخ في 25 يناير سنة 1995 , يتعلق بالمنافسة, جريدة رسمية عدد 09 الصادرة في 22 فيفري 1995 .

-القانون رقم 2000/03 المؤرخ في 05 أوت 2000, يحدد القواعد العامة المتعلقة بالبريد و المواصلات السلكية و اللاسلكية , جريدة رسمية عدد 48, الصادرة في 06 أوت سنة 2000.

-القانون رقم 02/01 المؤرخ في 05/02/2002, يتعلق بالكهرباء و توزيع الغاز بواسطة القنوات, الجريدة الرسمية عدد 08 لسنة 2002.

-الأمر رقم 03/03 المؤرخ في 19 يوليو 2003 يتعلق بالمنافسة الجريدة الرسمية , عدد 43 لسنة 2003.

-الأمر رقم 03/11 المؤرخ في 26 أوت 2003 , يتعلق بالنقد و القرض , الجريدة الرسمية عدد      لسنة2003

-القانون رقم 04/02 المؤرخ في 27 يونيو 2004 , يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية , الجريدة الرسمية عدد 41 لسنة 2004 .

3-النصوص التنظيمية :

-المرسوم الرئاسي رقم 96/44 المؤرخ في 17 يناير 1996, يحدد النظام الداخلي في مجلس المنافسة , الجريدة الرسمية عدد 05 لسنة 1996 .

-المرسوم التنفيذي رقم 2000/314 المؤرخ في 14 أكتوبر 2000, يحدد المقاييس التي تبين أن العون الإقتصادي في وضعية هيمنة و كذلك مقاييس الأعمال الموصوفة بالتعسف في وضعية الهيمنة , الجريدة الرسمية عدد 61 لسنة 2000 .

-المرسوم التنفيذي رقم 2000/315 المؤرخ في 14 أكتوبر 2000, يحدد مقاييس تقدير مشاريع التجميع أو التجميعات , الجريدة الرسمية عدد 61 لسنة2000 .

-المرسوم الرئاسي رقم 02/250 المؤرخ في 24 يوليو 2002 , يتضمن الصفقات العمومية , الجريدة الرسمية عدد 52 لسنة 2002.

-المرسوم التنفيذي رقم 05/175 المؤرخ في 12 ماي 2005 , يحدد كيفيات الحصول على التصريح بعدم التدخل , الجريدة الرسمية , عدد 35 لسنة 2005 .



ثانيا باللغة الفرنسية :
A- OUVRAGES:

1-ALAIN Couret, Jean Jacques Barbieri , droit commercial SIREY , 13 eme édition ,Paris 1996.

2-BOUTARD Labard.Canivet Guy, MARIE Chantal , Droit des affaires de la concurrence ,L.G.D.J. Paris 1994.

3-CHARTIER YVES, droit des affaires , tome 1 , l’entreprise commerciale, 4eme édition , presse universitaire de France , Avril 1993.

4-ELIE Alfandri, droit des affaires,LITEL ,SLE Paris 1993. 

5-JEAN Bernar Blaise ,   droit des affaires manuel commerçant, concurrance, de tribution .L.G.D.J édition DELTA  ,Paris 1999.

6-JEAN Marc monsseron, véronique selinsky  , le droit Français de la concurrence , 2eme édition LITEL Paris 1988 .

7-MICHEL Pedamon ,droit commercial, DALLOZ,2eme édition Paris 2000.

8-PIERRE Ghauthier, Bianca Lauret, droit pénal des affaires économica ,Paris 1992.

9-RENEE Galene, le droit de la concurrence ,EFE, Paris , 4eme édition 1994 .

10-VOGEL Louis traité de droit commercial tome 1 volume 1 ,18  eme  édition L.G.D.J Paris 2001 .

B-MEMOIRES

1-BELLIL Aicha, le droit de la concurrence ,INM Annee 2000/2001.

C-REVUES :

1-Revue ,jurisprudence, Recueil, Dalloz,Paris 1999 .




D-ARTICLES 

1-BENNADJI Cherif, le dispositif  légal  relatif a la concurrence ,les vois de recours contre les décisions du conseil de la concurrence, la lettre juridique N° 22 Fevrier 1995.

2-BENNADJI Cherif, le droit de la concurrence en Algerie , la revue Algerienne des sciences juridiques , économiques et politique  N° 3/2000 

3-LAURENCE BOY , le droit de la concurrence régulation et ou contrôle des restrictions a la concurrence in :w w w-juris classeur.com .

4-RACHID ZOUAIMIA  , les autorites administratives indépendantes et la régulation économique .Non publie, université de TIZI OUZOU 2000/2001.

5-SAIDI ABDELMADJID, présentation des pratiques anticoncurrentielles ,leur contrôle et leur sanction in :w w w .ministère du commerce .dz.org.

6-SELINSKY VERONIQUE.conseil de la concurrence,   Juris classeur commercial Fascicule 370 ,1987 .



تعليقات