القائمة الرئيسية

الصفحات



الشرعية الإجرائية وحقوق الإنسان

الشرعية الإجرائية وحقوق الإنسان
الشرعية الإجرائية وحقوق الإنسان




الشرعية الإجرائية وحقوق الإنسان



دكتور
                                  أحمد لطفي السيد
كلية الحقوق – جامعة المنصورة


2004




مقدمة

1-      الإجراءات الجنائية وحقوق الإنسان : إشكالية الصراع :
     إن تلاقي الإجراءات الجنائية بفكرة حقوق الإنسان ليس بالأمر المستغرب ، ذلك أن الهدف الأسمى لما نسميه بالإجراءات الجنائية هو صيانة جملة الحقوق التي تعترف بها القوانين الوطنية والمواثيق الدولية للإنسان من حيث كونه إنساناً. فمنذ أن حرم الأفراد سلطة إقامة قضاء خاص ، وحرم المجني عليه من حقه في الانتقام الفردي ، أخذت الدولة على عاتقها الالتزام بإقامة العدالة في المجتمع وحسن توزيعها على المواطنين ، وهو التزام ليس للدولة مكنة الوفاء به إذا لم تعمل على إعطاء الحقوق المقررة قانوناً للأفراد الفاعلية والنفاذ عملاً.

والحق أن التلاقي بين الإجراءات الجنائية - كأحد أدوات دولة القانون Etat de droit – وبين حقوق الإنسان قد يخلف وجه من أوجه التصادم أو التعارض ، بحسبان أن جل الإجراءات الجنائية قد تعطل ممارسة الحقوق الأساسية للفرد بغية الحفاظ على كيان المجتمع وتوقيه خطر الجريمة. فالقبض والحبس الاحتياطي ، والتفتيش ، والتحفظ على الأشياء وضبطها ، وكذا مراقبة المراسلات والاتصالات التليفونية ، جميعها إجراءات تمس بطائفة من الحقوق المستقرة للإنسان ، كحقه في التنقل ، وحقه في الملكية ، وحقه في الحياة الخاصة...الخ. فعنصر الدفاع عن حرية الفرد يقف متعارضاً ، منذ بدء الإجراءات الجنائية ، مع حق المجتمع في ملاحقة المجرمين للنيل منهم[1]. فمهما كانت مناصرة المرء للحرية الشخصية وحقوق الإنسان ، فلا مندوحة من الاعتراف بأن هذه الحرية وتلك الحقوق لا يمكن أن تكون مطلقة في الحياة الاجتماعية. فمصلحة المجتمع تتطلب – في مجال إدارة العدالة الجنائية – بعض المساس بحرية الأفراد الشخصية وتقييد حقوقهم الإنسانية ، وخاصة من كان منهم متهماً بارتكاب جريمة.

بيد أن المجتمع كما يهمه عقاب المتهم والقصاص منه حال ثبوت الجرم في حقه ، يهمه أيضاً ألا يطول العقاب بريئاً ، لذا فقد توجب حال تنظيم الإجراءات الجنائية -  في دولة القانون - مراعاة التنسيق بين مصالح المجتمع في صونه من الإجرام والحد من تفاقمه ، وبين حقوق وحريات الأفراد. وحال بلوغ هذا التوازن يمكن القول بأن التنازع بين حق الدولة في العقاب وحق المتهم في الحرية الفردية أصبح تنازعاً ظاهرياً يعبر عن وجهين لعملة واحدة ، بحسبان أن عقاب الجاني هو تأكيد للحرية الفردية للشخص البرئ[2]. فالجماعة لا صالح لها إلا في التعرف على الحقيقة المجردة ، فهى لا تبغي توقيع العقاب على برئ ، الأمر الذي يوجب عليها حال ملاحقة المتهم ضماناً لأمنها واستقرارها التثبت من صحة الاتهام أو بطلانه[3].

فإذا كان الدور التقليدي لقانون الإجراءات الجنائية يتمثل في إدخال قانون العقوبات - فيما يتضمنه من نصوص تجريم وعقاب - حيز التطبيق ، إلا أنه يظل الهدف الأسمى لذاك القانون هو تقرير حماية للبرئ من إدانة ظالمة ، وكذا توكيد حماية للمتهم من إدانة تتأتى وفق إجراءات تمتهن فيها آدميته وكرامته الإنسانية[4]. والثابت أنه لا يتيسر السبيل إلى ذلك إلا بتبني نظام إجرائي مركب القواعد يرسم من خلاله المشرع الحدود التي تقف عندها سلطة الدولة كي يبدأ مجال ما نسميه في الآونة المعاصرة "حقوق الإنسان" ؛ هذا السياج الذي لا يجب على الدولة انتهاكه بدعوى الحفاظ على مصالح مجتمعية معينة ضد خطر الجريمة (حال ممارسة الدولة لوظيفتها للضبط الإداري) ، أو بدعوى الرغبة في الكشف عن الجرائم ومرتكبيها (حال ممارسة الدولة لوظيفتها في الضبط القضائي). ففاعلية المكافحة ، وكذا حسن إدارة العدالة ،  لا يجب أن تتأتى على حساب التضحية بالحريات الشخصية وسائر حقوق الإنسان المرتبطة بها[5].

2-      الشرعية الإجرائية أداة لإدارة الصراع :

     لا شك أن لتنظيم الإجراءات الجنائية مفترضات ومرتكزات لا يتسنى دونها وصف الهيكل القانوني للدولة بالمشروعية ، إذ هو يهوي حال إنكارها أو حال عدم تفعيلها نحو دكتاتورية الدولة والنيل من سيادة القانون. ويأتي احترام الشرعية الإجرائية Légalité procédurale – التي تقابل في أهميتها قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات - كأحد أهم ما يجب أن تحرص عليه الدولة حال تنظيمها للإجراءات الجنائية. ولا يعلل هذا الأمر – على حد قول البعض[6] – إلا لكون الشرعية الإجرائية أداة تنظيم الحريات وحماية حقوق الإنسان ، ولكونها ضمان للتوفيق بين فاعلية العدالة الجنائية واحترام الحرية الشخصية ، الأمر الذي يمكن من صياغة قانون إجرائي لحقوق الإٌنسان يمثل نموذجاً لما يجب أن يكون عليه قانون الإجراءات الجنائية في دولة القانون. 

ورغم أن الشرعية الإجرائية أحد حلقات ثلاث تكون معاً مبدأ الشرعية الذي يسود القانون الجنائي عامة ، وهى بالأحرى حلقة تتوسط شرعية الجرائم والعقوبات[7] Légalité des délits et des peines  ، وشرعية التنفيذ العقابي أو شرعية تنفيذ الجزاء الجنائي[8]  Légalité de l’exécution des sanctions pénales ، إلا أنها تظل الترمومتر الذي يكشف عما إذا كان نشاط السلطة العامة إزاء حقوق وحريات الأفراد يباعد أم لا بينها وبين مفهوم الدولة البوليسية L’Etat de police[9].

وتبنى الشرعية الإجرائية على افترض براءة المتهم Présomption d’innocence في كل إجراء من الإجراءات التي تتخذ قبله منذ البدء في جمع الاستدلالات وحتى استنفاذ طرق الطعن في الأحكام ، وذلك من أجل ضمان الحرية الشخصية[10]. ولم يكن هذا المعني ليغيب عن المشرع الدستوري المصري الذي نص في المادة 67 من الدستور الحالي لعام 1971 على أن " المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه". وهكذا فإنه إذا كانت الشرعية الإجرائية هى عماد البنيان الإجرائي على المستوى الجنائي ، فإن أصل البراءة المقرر للإنسان هو الركن الركين لتلك الشرعية[11] ، ومن ثم وجبت لهذا الأخير الصدارة حال معالجتنا للعلاقة بين الإجراءات الجنائية وحقوق الإنسان (الفصل الأول).              

على أنه لا تتكشف لنا حقيقة الصلة بين الإجراءات الجنائية وحقوق الإنسان إلا عند تحليل الضمانات القانونية المقررة للأفراد حال اتخاذ إجراءات جنائية ماسة أو مقيدة للحرية قبلهم. وهنا يتجلى لنا مقوم آخر من مقومات الشرعية الجنائية والمتمثل في ضرورة استناد الإجراءات الجنائية إلى نص قانون. فإذا كانت المصلحة الاجتماعية تقتضي الحد من حريات الأفراد من أجل المساهمة في كشف الحقيقة بشأن جريمة ما من الجرائم ، ومن أجل تسهيل ممارسة الدولة لحقها في العقاب ، إلا أن خطر المساس بتلك الحريات يجب أن يتعين له سياج من الضوابط ، يتاح للفرد العلم بها من خلال نصوص قانونية تقوم على سنها الهيئة التشريعية صاحبة الحق في التعبير عن إرادة المجموع. فالمشرع وحده – على حد قول محكمة النقض الفرنسية – هو الذي يملك تحديد الأحوال والشروط التي يجوز فيها المساس بالحريات الشخصية للأفراد[12].

وهذا الخطاب التشريعي الذي تعبر عنه نصوص قانون الإجراءات الجنائية لا شك يخاطب كافة سلطات الدولة ، على أنه عند الحديث عن ضمانات الحرية الشخصية  يأتي مرفق الضبط القضائي على رأس المخاطبين باحترام الشرعية الإجرائية ، بما يوجب عليه التيقن من أن الإجراء الجنائي الماس بحريات الأفراد - والمزمع اتخاذه قبل أحدهم - قد توافرت بشأنه الشروط والضوابط التي تقررها القواعد القانونية. وهكذا يمكننا القول أن التنظيم الدقيق لعمل مرفق الضبط القضائي – وعلى رأسهم رجال الشرطة -  في علاقته بالحريات الشخصية للأفراد هو استكمال لهيكل دولة القانون التي ينظر فيها للإجراءات الجنائية كأحد آليات حماية حقوق الإنسان ، ويلتزم فيها مرفق الشرطة حال ممارسته لمهمة الضبط القضائي بكافة عناصر وأركان الشرعية الإجرائية ، وعلى رأسها أصل البراءة في الإنسان ولو كان متهما ، وقاعدة أن القانون مصدر للإجراءات الجنائية (الفصل الثاني).        

وعلى هذا فإن دراستنا للعلاقة بين الإجراءات الجنائية وحقوق الإنسان سوف تتوزع إلى فصلين على النحو التالي :

الفصل الأول : افتراض البراءة والشرعية الإجرائية
الفصل الثاني : الشرطة والشرعية الإجرائية



الفصل الأولافتراض البراءة والشرعية الإجرائية


3-      تمهيد وتقسيم :
     سبق لنا القول أن افتراض البراءة في الإنسان ، حال اتخاذ إجراءات ماسة بحريته الشخصية أو حال خضوعه للاتهام من قبل سلطات التحقيق ، هو المرتكز الذي تقوم عليه دعائم الشرعية الجنائية في شقها الإجرائي ، بل لقد قيل أن قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات التي تسود حال تطبيق القواعد الجنائية الموضوعية إن هى إلا تعبير عن ضمان افتراض البراءة في الإنسان ولو كان متهماً[13]. فحماية الحرية الشخصية التي كفلتها الدساتير والمواثيق لا يتسنى بلوغها إلا إذا افترضت براءة من خضع لاتهام جنائي إلى أن تثبت إدانته في محاكمة عادلة تتوافر فيها كافة ضمانات القضاء العادل.

والحق أن افتراض البراءة "مبدأ سيادي" يهيمن على كافة مراحل الإجراءات الجنائية أياً كانت المرحلة التي تتخذ فيها ، بدءاً بمرحلة جمع الاستدلالات ، ومروراً بمرحلة التحقيق ، وانتهاءً بمرحلة المحاكمة. ولا يتسنى لنا التأكد من "سيادية" هذا المبدأ إلا بتتبع بناءه ، وذلك بالكشف عن التيار الفقهي الذي ناصره حتى جعله واقع ملموس في كافة التشريعات الجنائية المعاصرة (المبحث الأول) ، وكذا بتتبع أثاره وخاصة فيما يتعلق بعبء إثبات الاتهام وتقييم أدلة الإدانة ، وضرورة السماح للمتهم بالمساهمة في تدعيم براءته المفترضة (المبحث الثاني).

المبحث الأول
أصل البراءة في مرحلة البناء

4-      أولاً : الظهور الوضعي للمبدأ :
     يقصد بأصل البراءة كمبدأ عام من مبادئ الإجراءات الجنائية المعاصرة ضرورة معاملة من وجه له اتهام بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها قانوناً باعتباره بريئاً حتى تثبت سلطة الاتهام بالدليل القانوني إدانته أمام محكمة مستقلة ومحايدة[14]. فالجريمة تظل أمر استثنائي وخارق للناموس الطبيعي في حياة الفرد والمجتمع ، ومن ثم وجب على من يدعي وقوعها ونسبتها إلى شخص معين أن يثبت ذلك ، فإذا لم ينجح في إثبات ادعائه إثباتا قاطعاً ، تعين الإبقاء على الأصل. وينتج عن ذلك أنه لا يجوز بحال أن يكلف المتهم بإثبات براءته ، ذلك أنها أصل فيه. 

والمؤكد أن مبدأ أصل البراءة ما نشأ إلا ثمرة كفاح طويل عاشته الإنسانية عبر رحلتها الطويلة. ففي وقت أن كانت الإنسانية تعيش عصورها الأولى سيطرت الأساطير والمعتقدات الدينية على طرق الإثبات الجنائي ، فأوجبت إخضاع الأفراد حال اتهامهم بارتكاب جريمة ما إلى عدد من الاختبارات القاسية (كالإمساك بالحديد المحمي ، أو وضع الأيدي في ماء مغلي...الخ) ، والتي تحمل في طياتها معنى افتراض الإدانة وأن المتهم هو المتحمل لعب إثبات براءته[15]. ولم يكن يبرر اللجوء إلى تلك الوسائل البدائية في إثبات البراءة إلا اعتقاد الأولين أن تلك الاختبارات هى حكم الله Judicium Die ، وأن الآلهة لن تتخلى عن البرئ ، بل أنها سوف تتدخل لحماية جسده من تلك العذابات[16]. وبمعنى آخر لم يكن هناك ما يشير في المحاكمات القديمة إلى وجود نظرة متسامحة مع المتهم ، بل الثابت أنه كان يقاسي صنوف العذاب التي تسد أمامه كل أمل في البراءة.      

ولا مرية في أن قاعدة افتراض البراءة – خاصة في شقها المتعلق بالإثبات - تعود في مبتدئها الوضعي إلى الأصول الفقهية الرومانية التي سطرها شراح القانون الروماني ، ويدعم ذلك جملة القواعد التي جاءت بها مدونة جوستنيان[17] فيما يتعلق بالإثبات الجنائي : ومنها قاعدة أن البينة على من ادعى ، وأن في المواد الجنائية يجب التأويل بالأرحم ، وأن المنكر لا يطلب منه الدليل ، وأن الأصل عدم اعتبار أحد مسيئاً ، وأن الدفاع عن المتهم مباح ، وأنه إذا عجز المدعي عن البينة برئت ساحة المدعى عليه[18]. 

وإذا كان تتبع تاريخ أصل البراءة في القانون الوضعي يكشف عن أن انجلترا تعد البلد الأم لهذا المبدأ بحسبانها مهد النظام الاتهامي ، إلا أن المؤكد أن تلك البلد لم تعرفه إلا في بدايات القرن التاسع عشر. فكما يكشف بعض الفقهاء الإنجليز[19] أنه قبل تلك الفترة كان القانون الجنائي يمثل تناقضاً غريباً ، وأنه بدراسة الدعاوى الجنائية أو دعاوى الحق العام Pleas of the crowin يستبين لنا أنها كانت تحتوي على ما يمكن تسميته بتفاهات البراءة Platitudes of innocence ، والتي تبدو في ظهور براءة العديد من المتهمين بعدما يكون قد نفذت أحكام صادرة بالإعدام في حقهم أو بعد فوات مدد طويلة من سلب الحرية.

والمؤكد أنه طيلة حقبة القرن الثاني عشر سيطر نظام المسئولية المشتركة Frankpledge system على تنظيم الإثبات الجنائي في إنجلترا. ويبنى هذا النظام على فكرة الاتهام الفردي الذي كان يتولاه جيران المتهم بناء على معلوماتهم الشخصية مع إخضاع المتهم لعدد من الاختبارات والمحن الجسدية من أجل إثبات براءته. ومع مطلع القرن الثالث عشر بدأ التفكير في تشكيل جهة تتولى الإثبات الجنائي ، الأمر الذي كرسه قانون ونشستر Winchester عام 1285 ، الذي بموجبه يتولى مئة شخص عب ملاحقة المجرمين واثبات إدانتهم ، بحيث إذا ما فشلوا في ذلك تحملوا عبء تعويض الضرر الناشئ عن الجريمة (وعلى الأخص في جرائم السرقات) ، بل عدوا شركاء في الجرم إذا ما أهملوا واجبهم في إثبات الاتهام[20]. ولما كان هذا القانون يفتح الباب أمام إثراء الأفراد على حساب الغير ويحمل أفراداً عبء المسئولية عن جرم لم يشاركوا حقاً فيه ، فقد رؤى التخفيف منه عام 1749 (أي بعد قرابة الخمسمائة عام) بأن تحدد مبلغ التعويض الذي يتحمل به هؤلاء المئة في حد أقصى لا يجوز بحال تجاوزه. وفي ذات الآونة تم اللجوء في إثبات الوقائع إلى هيئتين من المحلفين ، أحدهما كبري Grand Jury ويتولى الاتهام فيها قضاة ، والأخرى صغرى ، Petty Jury ويتولى شأن الاتهام فيها أفراد من الشعب. وفي ذلك وتلك لم تكن تفترض براءة المتهم ، وليس أدل على ذلك من حرمان المتهم من الاستعانة بمحام حتى في الجرائم الخطيرة ، وعدم أحقيته في العلم بتفاصيل التهمة الموجهة ضده ، وعدم أحقيته في الاستعانة بشهود نفي ، بحسبان أن هيئات المحلفين كانت تعمل باسم التاج ، وفي الاستعانة بشهود نفي ما يبرز عدم ولائهم لهذا الأخير. وعلى حد فقهاء ذلك العصر ، فإن التاج يعد حارساً للجماعة وأمنها ، وفي سبيل ذلك ليس بوسعه أن يقدم أية تنازلات للمتهم[21]. 

وبحلول منتصف القرن التاسع عشر بدأت أقلام الفقهاء الإنجليز تكرس هذا المبدأ ، حتى لقد صار المبدأ من قبيل "الحكمة" التي طالما واظب القضاة على ترديدها بقولهم أنه "خير للعدالة إطلاق سراح عشرة مذنبين من إدانة واحد قد يكون بريئاً"[22]
  It is a maxim of English Law that ten guilty men should escape rather than that one innocent man should suffer.

ويكفينا دليلاً على استقرار أصل البراءة كمبدأ من مبادئ القانون الإنجليزي في تلك الفترة أن نقارن بين التعبيرات التي كان يستخدمها القضاة فيما يتعلق بالإثبات حتى مطلع القرن التاسع عشر ، وبين ما بدأ التعارف عليه أواسط هذا القرن. فالملاحظ أنه وإلى حين بلوغ القرن التاسع عشر كان تفترض إدانة المتهم في بعض الأحوال. فها هو القاضي بست Best يقول في قضية R. v. Burdett  عام [23]1820 : يجب ألا يفترض بدون دليل ، ويجب ألا نتخيل افتراض ذنب ضد المتهم عندما لا توجد أية بينة تشير إلى صحة الافتراض ، ولكن هناك أموراً دلت التجربة على أنه عند ثبوتها لابد أن أمراً آخر – ولو لم يثبت – يجب افتراض حدوثه. وكذا يؤكد القاضي هولرويد Holroyed في ذات الدعوى أنه وفقاً للقانون الإنجليزي يجب ألا يدان أي شخص بناءً على مجرد قرينة عارية Mere Naked Presumption ، غير أن أكثر الجرائم خطورة يمكن إثباتها بناءً على قرائن الإثبات فقط حتى لا يفلت مجرم من العقاب ، ومن المقرر كقاعدة عامة في الإثبات أن عبء الإثبات يقع على عاتق الشخص الذي يرغب في أن يدعم قضيته بناءً على واقعة معينة هو على علم بها على وجه الخصوص. ويؤمن على ذلك القاضي بيلي Bayley بقوله : أن الافتراضات يمكن أن يؤخذ بها في القضايا الجنائية ، وأن التجربة المستمرة تؤكد صحة الاعتماد عليها ، بل أن أكثر من نصف المتهمين تتم إدانتهم استناداً إلى قرائن الإثبات ، بحيث يقع على عاتق المتهم عبء إثبات براءته.      

كل تلك الأقوال تكشف عن التوجه المتشكك للقضاء الإنجليزي من مبدأ اصل البراءة ، هذا التوجه الذي سرعان ما لبث أن تبدل منتصف القرن التاسع عشر ، وعلى الأخص عام 1865 ، في قضية R. v. White والتي خاطب فيها القاضي مارتن Martin هيئة المحلفين بقوله "إذا كانت هيئة المحلفين تريد أن تصل إلى قرار بالإدانة ، فإنه يجب عليها ألا تقرر الإدانة حتى تثبت إدانة المتهم وراء أي شك معقول ، وإذا كان كل ما يعتمد عليه في إدانة المتهم يقوم على مجرد الاحتمال ، فإن من واجبهم تبرئة المتهم". بتلك العبارات القليلة يكون قد ثبت من ذلك التاريخ رسوخ أصل البراءة في القانون الإنجليزي على وجه اليقين[24].

ولقد تبع القانون الأمريكي شقيقه الإنجليزي في رحلته التاريخية حول أصل البراءة. فكما يؤكد العديد من الفقهاء فإن غموضاً ظل يكتنف هذا المبدأ في القانون الأمريكي إلى أن ترسخ في عام 1803 مع بدء جلسات قضية Despard’s Case والتي خاطب فيها النائب العام المحلفين بقوله : "أن بشاعة الجريمة المرتكبة يجب ألا تخلق في أذهانكم أي نوع من الكراهية ضد المتهم ، بل على العكس ، يجب أن يكون ذلك حافزاً لكم لإعطائه أكبر قسط من العدالة يسمح به قانوننا ممثلاً في ذلك المبدأ المتسامح والمفيد ، وهو مبدأ افتراض براءة المتهم...وإنني لجد متأكد من أنكم...لن تقرروا إدانته ما لم تقنعكم البينات المقدمة إقناعاً جازماً بأنه مذنب".
   
ولم يكن القرن التاسع عشر يلفظ سنواته الأخيرة حتى تأكد هذا المبدأ في القضاء الأمريكي مرة أخرى في قضية William Plamer’s Case حين وجه القاضي اللورد كامبل نظر المحلفين إلى أنه : في تلك البلاد يجب أن تفترض براءة المتهم حتى تثبت إدانته ، وهى لا تثبت إلا بناءً على بينات مباشرة من قبل الاتهام ، وإذا لم تكن بينة الاتهام مقنعة إلى درجة تؤدي إلى الإدانة ، فإنه يجب أن تبرئ ساحة المتهم ، فيجب ألا تتقرر إدانته بناءً على الشبهات مهما كانت قوية...فإذا ثار أدنى شك معقول فإن من الواجب أن يعطى المتهم فائدة ذلك الشك.

ويكشف عن رسوخ هذا المبدأ في القضاء الأمريكي الحكم الذي أصدرته المحكمة الاتحادية العليا الأمريكية عام 1895 في قضية كوفن Coffin’s Case والذي قررت فيه برأي جماعي Dissenting opinion : أن افتراض البراءة هو مبدأ بديهي وأولي ، وأنه يجد سنداً له في الأساس الذي يقوم عليه إدارة القانون الجنائي. وفي ضوء ذلك فلا يمكن أن تتقرر الإدانة إلا بناءً على بينات واضحة تكاد تصل إلى درجة اليقين[25].

وقد يقال أن اعتناق القانون الفرنسي - ومن سار في فلكه - للنظام التنقيبي Système inquisitoire في الإجراءات الجنائية قد لا يدعم مبدأ أصل البراءة الذي تفتخر بلدان النظام الاتهامي Système accusatoire بأنها التي احتضنته في مهده حتى استقام على عوده في التشريعات المعاصرة. والحق أنه أياً ما كانت الفوارق بين النظامين السابقين من حيث كيفية تنظيم الإجراءات الجنائية فإن الدول التي أقرت النظام التنقيبي – ومنها فرنسا – قد ساندت مبدأ البراءة في الإنسان ، وكل ما يتحصل من فارق فيما يخص هذا المبدأ هو ظهورها في النظام الاتهامي كقاعدة تباشر أثرها في نقل عبء الإثبات إلى عاتق الاتهام ، وكذا في حماية الحرية الشخصية في المرحلة السابقة على المحاكمة : يفترض براءة المتهم فيما يتعلق بالإجراءات الماسة بالحرية الشخصية ، وكذلك يفترض براءته فيما يتعلق بعبء الإثبات. هذا التوسع في مجال أصل البراءة قد لا نراه بذات الحجم في دول النظام التنقيبي ، إذ لا يقام وزناً كبيراً للحرية الشخصية في مرحلة التحقيق السابقة على المحاكمة ، وذلك حين يسمح القانون باتخاذ بعض الإجراءات الماسة بحرية المتهم الشخصية وتغلب افتراض الجرم في الأخير[26]. وقد لا يعلل النيل من مبدأ أصل البراءة في المرحلة السابقة على المحاكمة في دول النظام التنقيبي إلا لتغليب هذا النظام لمصلحة المجتمع فوق مصلحة المتهم. وهكذا لا يمكن القول بأن اعتماد النظام التنقيبي من شأنه التغاضي التام عن الأخذ بمبدأ أصل البراءة المفترض في الإنسان ، فها هى مرحلة المحاكمة تجمع من جديد جناحا النظم الإجرائية المعتمدة في العالم (النظام الاتهامي والنظام التنقيبي) في مسار إجرائي واحد بحيث لا يظهر فارق بين النظم ، اللهم إلا من حيث دور القاضي الجنائي ، الذي هو سلبي ومحايد في النظام الاتهامي وايجابي هو في النظام التنقيبي[27]. فالنظم الإجرائية مهما توزعت أصبحت تعتمد عدة مبادئ تمثل ركيزة وعماد المحاكمة الجنائية ومنها : مبدأ افتراض البراءة في المتهم ، وشفوية المرافعة ، وكفالة حق المتهم في الدفاع ، وعدم إجبار المتهم على الكلام...الخ.

والحق أنه من الناحية التاريخية فإن القانون الفرنسي القديم والذي اعتمد النظام التنقيبي - والذي اعتنقته فرنسا منذ القرن الثالث عشر وتكرس في نظامها القانوني بموجب القار الصادر في عام 1670 - لم يكن يركز إلا على الوصول للحقيقة بأي ثمن كان ولو تأتى ذلك على حساب حرية المتهم وحقوقه ، ومن ثم سمح باتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها إثبات الذنب على المتهم ، الأمر الذي يتسنى معه القول بأنه قد افترض إذناب المتهم في كافة إجراءات التحري والتحقيق. فكان يسمح باستخدام التعذيب للحصول على الاعتراف بالتهمة ، وكان الاستجواب يتخذ كوسيلة للإرباك المتهم والتأثير عليه ، وسمح بأن يتولى القاضي بنفسه مهمة الاستجواب خروجاً على ما توجبه العدالة من فصل بين سلطتي التحقيق والحكم ، وكان المتهم يكلف بأداء القسم خروجاً كذلك على مقتضيات الحق في الدفاع. وكان الإثبات يتقيد بأدلة قانونية محصورة لا سبيل للقاضي حيالها أن يقيم اقتناع ذاتي. وفي ظل نظام هذا شأنه لم يكن هناك مجال لإعمال قاعدة تفسير الشك في صالح المتهم طالما أن القاضي ملزم بأن يقضي بالإدانة طالما توافرت أدلة قانونية معينة ، خروجاً كل ذلك على ما يجب للقاضي من حرية في تقدير الدليل[28]. وبالجملة لم يكن يعرف القانون الفرنسي القديم افتراض براءة المتهم فيما يتعلق بالإجراءات الماسة بالحرية الشخصية ، فالأصل فيما يسبق المحاكمة كان افتراض الإدانة في المتهم. ولم يكن ينبع ذلك في حقيقته من نص قانوني بقدر ما يستنبط من طبيعة الوسائل المسموح باتخاذها في سبيل الوصول للحقيقة حول الواقعة الإجرامية ومرتكبيها.

ولم يكن لهذا النظام التعسفي أن يحيا كثيراً وقد بدأ فلاسفة القرن الثامن عشر - من أمثال فولتير (1689-1755) ومونتيسكيو (1686-1755) وروسو (1712-1778)[29] - ينددون به ويدعون لاحترام كل مظهر من مظاهر الحرية الشخصية. وأمام هذه الحركة التنويرية التي قادها على المستوى الجنائي الماركيز الإيطالي سيزار دي بيكاريا (1738-1794) في مؤلفه العمدة "عن الجرائم والعقوبات" Die delitti e delle    pene(1767)[30] - والتي تبعتها ثورة فرنسية الموطن ، عالمية الصدى ، حفظت ودعمت للإنسان الكثير من حقوقه ، وأهمها حق الإنسان في افتراض براءته - صدر إعلان حقوق الإنسان والمواطن في 27 أغطس عام 1789 مقرراً في مادته التاسعة أن كل إنسان تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته   Tout homme étant présumé innocent jusqu'à ce qu’il ait été déclaré coupable. وامتثالاً لما تقرر في هذا الإعلان صدر قانون في 18 أكتوبر عام 1789 ملغياً كل ما كان مسموحاً به من قبل من انتهاكات جرى عليها العمل من قبل وفق النظام التنقيبي في مرحلتي التحري والتحقيق ، لولا الأحكام الدموية التي صدرت في 10 يونيو 1794 من المحاكم الثورية التي جعلت مما جاء بهذا القانون وما جاء بإعلان حقوق الإنسان والمواطن حبراً على ورق.

غير أنه يظل لهذا الإعلان قيمته القانونية ، ذلك أن قانونا الإجراءات الجنائية الفرنسي لعامي 1808 ، 1958 قد أغفلا النص على مبدأ أصل البراءة ، بما سمح بنشوء جدل قانوني حول قيمة هذا المبدأ في النظام القانوني الفرنسي[31]. وقد انتهى هذا الجدل إلى وضع هذا المبدأ في مصاف المبادئ الدستورية ، ذلك بأن دستور الجمهورية الخامسة لعام 1958 قد تضمن في ديباجته النص على ما جاء من مبادئ في إعلان حقوق الإنسان والمواطن ، الأمر الذي يزيل كل شك حول استقرار مبدأ أصل البراءة في القانون الفرنسي ، بحسبانه دعامة النظامي الإجرائي التنقيبي.                                  

5-      ثانياً : التكريس الإسلامي لمبدأ :   

     آيا ما بدا من نشأة وضعية غربية لأصل البراءة ، إلا أنه من الثابت أن هذا الأخير مبدأ إسلامي النسب. فالقاعدة الشرعية توجب أن الأصل براءة الذمة ، تلك القاعدة التي يتسع مجال تطبيقها ليشمل ليس فقط المجال الجنائي ، بل كافة فروع القانون المختلفة[32]. وفي مقام الاتهام تفترض براءة من توافرت في حقه دلائل على ارتكاب جريمة ، ذلك أنه إن لم تفترض تلك البراءة ، فسوف يكون المتهم مطالباً بإثبات موقف سلبي يتمثل في عدم ارتكابه للجريمة ، وهو أمر يتعذر في كثير من الأحول تحقيقه ، ويوصل إلى انعقاد المسئولية في حق شخص على أساس الظن[33] ، بما يعارض قول ربنا عز وجل "وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ "[34] ، وقوله عز من قائل "وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا"[35]. ويتفرع عن ذلك أن البراءة شرعاً لا تزول بالشك ولا عقاب عند الظن[36] ، مصداقاً لقول الرسول الكريم "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله فإن الإمام يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة"[37]. 

ولقد أسس الفقه الإسلامي أصل البراءة على قاعدة استصحاب الحال ، أي بقاء كل شيء على ما كان حتى يوجد ما يغيره أو يثبت خلافه[38]. فالأصل إذاً استدامة إثبات ما كان منفياً أو نفي ما كان منفياً ، أي بقاء الحكم إثباتا ونفياً حتى ينهض الدليل المغير[39]. وفي ذلك يقول العلامة الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله[40] "الاستصحاب يؤخذ به في قانون العقوبات ، وهو أصل فيه ، لأن الأمور على الإباحة ما لم يقم نص يثبت التجريم والعقوبة ، وأن قضية المتهم برئ حتى يقوم دليل على ثبوت التهمة...هى مبنية على الاستصحاب ، وهو استصحاب البراءة الأصلية". واعتماداً على هذا التأسيس استنبط الفقه الإسلامي قاعدة أن ما يثبت باليقين لا يزول إلا بيقين مثله ، ولا يزول بالشك[41].     

ويتسنى لنا هنا القول أن النبع الحقيقي لمبدأ افتراض البراءة هو القانون الطبيعي الذي جبلت عليه فطرة الإنسان قبل هبوط الرسالات والعمل بالشرائع. هذه الفطرة التي نسجت وشكلت قاعد أن الأصل في الأشياء الإباحة ، وأن الاستثناء هو التجريم والعقاب ، واستنتاجاً من هذا يتعين النظر إلى الإنسان بوصفه بريئاً ، إلى أن يخرج من دائرة الإباحة إلى دائرة التجريم بحكم القضاء. فالإنسان بفطرته يدرك أن فاعلية إدارة العدالة الجنائية وصون الحرية الشخصية للأفراد لا يتأتيان إلا باستصحاب البراءة التي تقررت للفرد منذ ميلاده خلال كافة مراحل عمره وحتى ولو خضع خلالها إلى اتهام جنائي. ولعلنا نلمح صدق هذا التحليل في عبارات المحكمة الدستورية العليا[42] حين قالت أن : "أصل البراءة قاعدة أولية توجبها الفطرة التي جبل الإنسان عليها ، وتقتضيها الشرعية الإجرائية ، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية في مجالاتها الحيوية ، وبوصفها مفترضاً أولياً لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة ، ليوفر بها لكل فرد الأمن في مواجهة التحكم والتسلط والتحامل ، وكان افتراض البراءة لا يقتصر على الحالة التي يوجد الشخص فيها عند ميلاده ، بل يمتد إلى مراحل حياته حتى نهايتها ، ليقارن الأفعال التي يأتيها ، فلا ينفصل عنها باتهام جنائي أياً كان أو الأدلة التي يؤسس عليها...هذا الأصل كامناً في كل فرد سواء كان مشتبهاً فيه أم متهماً".

6-      ثالثاً : التكريس المعاصر للمبدأ :
     رغم ما يبدو لمبدأ افتراض البراءة في الإنسان - وإن صار متهماً - من بداهة تتسق والفطرة الطبيعية إلا أنه قد تعرض لنقد شديد من قبل العديد من الفقهاء ، بيد أن هذا النقد لم يفلح في النيل من سلامة هذا المبدأ ومن التوجه نحو تكريسه على المستوى التشريعي ، سواء في المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، أو في الدساتير الوطنية على تنوعها. على أن هذه المقبولية يجب أن يتزاوج معها غطاء حمائي وتدعيم يفرضه المشرع كي لا يفرع مبدأ أصل البراءة من قيمته.  
  
7-      أ : المقبولية الفقهية للمبدأ :
     لم يلقى مبدأ أصل البراءة مقبولية لدى البعض من الفقه ، ويأتي على رأس هؤلاء أنصار المدرسة الوضعية ، ويشاركهم البعض من الفقهاء المعاصرين توجهم الرافض.

8-      أصل البراءة في فكر المدرسة الوضعية :
     لاقى مبدأ افتراض البراءة نقداً شديداً من قبل أنصار المدرسة الوضعية ، لما رأوه من تعارض بين هذا المبدأ وبين فلسفتهم المعتمدة في تصنيف المجرمين ، والتي تبنى على الاهتمام بشخص المجرم أكثر مما تهتم بالواقعة الإجرامية ذاتها. فنفر من أنصار تلك المدرسة قد قال بفكرة المجرم بالميلاد ، وهم أولئك الأشخاص الذين يعود إجرامهم إلى تكوينهم الطبيعي أو البيولوجي ، كما ميزوا بين المجرمين بالعادة ، والمجرمين المجانين ، وآخرين بالصدفة ، والمجرمين بالعاطفة[43] ، وأمام هذا التنوع قالوا بعدم إمكانية الأخذ بمبدأ افتراض البراءة إلا بالنسبة للمجرمين بالصدفة أو بالعاطفة دون بقية الطوائف ، الأمر الذي يتعارض مع عمومية انطباق المبدأ على كافة مرتكبي الجرائم كما يرى أنصار المدرسة التقليدية. وكما يرى أنريكو فيري (1856-1928) ، أحد أقطاب المدرسة الوضعية ، أن تعميم مبدأ أصل البراءة على كافة المجرمين من شأنه أن يؤدي إلى نتائج مبالغ فيها ، وعلى الأخص فيما يتعلق بمنحه حصانة غير مرغوب فيها لمرتكبي الجرائم وفيما يتعلق بالمغالاة في حماية المصلحة الشخصية للمجرم على حساب مصلحة المجتمع[44]. كما قيل أنه لو فرض وسلمنا بافتراض البراءة  فإن هذا لا يتصور إلا في مرحلة التحقيق الابتدائي ، حيث لم تثبت الأدلة بعد في حق المتهم على وجه اليقين ، وحيث لا تمثل تلك الأدلة إلا مجرد احتمالات أو ادعاءات ما زالت تعتريها الشبهة[45]. هذا فضلاً عن أن قيمة هذا المبدأ لا تظهر – في رأي أنصار تلك المدرسة – إلا حينما تكون الأدلة ضد المتهم ضعيفة وافتراضية ، أما حين تكون الجريمة متلبس بها ، أو حينما يدلي المتهم باعتراف تفصيلي ، فإن قيمة هذا المبدأ تبدأ في التلاشي. فإذا أضيف إلى كل ذلك ما يكشف عنه الواقع العملي من أن الكثير من المتهمين تتقرر إدانتهم ، لثبتت المبالغة التي يقيمها الفقه لمثل هذا المبدأ[46].      

والواقع أن الانتقادات التي قال بها أنصار المدرسة الوضعية تبدو مغالى فيها. فقولهم أن هذا المبدأ يعيبه أنه يسري على كافة المجرمين دون تمييز بين طوائفهم ، قول مردود عليه بأن التصنيف الذي اعتمدته تلك المدرسة إنما هو تقسم فقهي أكثر منه تقسيم علمي يستند إلى أسس علمية سليمة. وإذا فرض وقيل أن لهذا التصنيف سند من العلوم التجريبية ، فإنه لن يكون له قيمة إلا في مرحلة التفريد القضائي للجزاء وفي أعقاب ثبوت الإدانة ، أما بالنسبة للإثبات الإدانة ذاتها فإن مقتضى مبدأ أصل البراءة يفرض وجوب تطبيقه على كافة المتهمين دون تمييز. وفي ذلك مراعاة لمبدأ المساواة النابع مما تقتضيه قاعدة القانون من اتصافها بالعمومية والتجريد.

حقاً قد يستفيد بعض المذنبين من هذا الافتراض للبراءة ، ولكن العدالة تأبى أن يكون هناك أنموذجين في تطبيق القاعدة القانونية ، أحدهما يفترض براءة طائفة من المجرمين ، وأخرى تفترض إدانة طائفة أخرى ، ذلك أن مجال تطبيق كل من الأنموذجين لا يمكن تحديده إلا بعد صدور حكم قضائي نهائي يحدد من كان مذنباً ومن كان بريئاً. أما قبل صدور حكم قضائي يحدد مراكز المتهمين فيتعين أن تتوحد المراكز القانونية للجميع دون تمييز. وبهذا الفهم لا يصدق القول بأن مبدأ افتراض البراءة يمنح المجرمين نوعاً من الحصانة غير المرغوب فيها ، فالحق أنه يمنح الجميع حصانة ضد التعسف والحيف والاتهامات التي تنال من الحرية الفردية[47].  

كما لا يصح الادعاء بأن هذا المبدأ لا يجد له قيمة حين تكون الجريمة في حالة تلبس ، أو عندما يدلي المتهم باعتراف تفصيلي ، ذلك أن مبدأ أصل البراءة لا يقتصر أثره على إلزام هيئة الاتهام بإثبات وقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها فقط ، وإنما يفرض عليها ، إلى جانب ذلك ، معاملته على أساس أنه برئ طوال فترة الاتهام حتى تثبت إدانته ثبوتاً قطعياً لا شك فيه. وبدلالة أخرى ، فإن هذا المبدأ لا يهيمن فقط على مشكلة توزيع عبئ الإثبات ، وإنما يهيمن أيضاً على مشكلة أخرى ، لها النصيب الأكبر في مقام الإجراءات الجنائية ، ألا وهى مشكلة ضمان الحرية الفردية لمن تعرض لاتهام.

حقاُ إن ضبط المتهم في حالة تلبس يشكك في براءة المتهم ، الأمر الذي يبرر الخروج على بعض الأصول الكلية للإجراءات الجنائية فيما يتعلق بعمل مأموري الضبط القضائي كي يتمكنوا من الحفاظ على أدلة الجريمة وهى ساخنة ، غير أن ذلك لا يمكن له أن يدحض أصل البراءة المفترض ، الذي يظل محتفظاً بقيمته كاملة ، سواء من حيث دوره في صيانة الحرية الشخصية ، أو من حيث إلقاء عبء الإثبات على عاتق سلطة الاتهام. فلا يعدو التلبس إلا أن يكون قرينة بسيطة على صحة الأمر المدعى به من قبل تلك الأخيرة ، الذي قد يدحضها وجود سبب من أسباب الإباحة في حق من زعم نحوه بحالة التلبس ، أو تأكيد الأخير أن سبب ضبطه في تلك الحالة إنما محاولته إنقاذ الجني عليه الذي استغاث به ، أو مجرد تصادف وجوده في مكان الحادث[48].

وإذا كنا لا نجادل في أن اعتراف المتهم يمثل رأس الأدلة في مقام الإثبات الجنائي متى صدر عن إرادة حرة ، ومن شخص كامل الأهلية ، وكان واضح الدلالة على ارتكاب الجريمة أو المساهمة فيها ، إلا أن ذلك لا ينال من قيمة أصل البراءة المفترض في المتهم ، إذ تظل سلطة الاتهام مكلفة بعبء إثبات أن الاعتراف قد صدر مستكملاً عناصر مشروعيته كدليل للإدانة ، فضلاً عن تمتع المتهم بكامل الحماية التي يضفيها عليه افتراض براءته. وهذا كله لا يدعمه إلا لأن الاعتراف – مع سيادة مذهب الإثبات الحر - صار كغيره من الأدلة يخضع لتقدير محكمة الموضوع التي لها مطلق الحرية في تقدير صحته وقيمته القانونية ، بحيث يكون لها أن تطرحه كدليل مقدرة براءة المتهم[49].

ويكفينا رداً على قول أنصار المدرسة الوضعية أن الواقع العملي يكشف عن أن معظم من يتقرر اتهامهم تتأكد إدانتهم ، أن هذا القول بذاته حجة عليهم ، إذ هم يقرون هكذا أن بعض من يتقرر اتهامهم يقضى ببراءتهم ، الأمر الذي يؤكد ضرورة تمتع كافة المتهمين بأصل البراءة منذ توجيه الاتهام. فما دام أن العمل قد أثبت أن كثيرين قد ثبتت براءتهم بعض أن تعرضوا للاتهام وللحبس الاحتياطي ، فإنه من الأحوط ، إن لم يكن من الضرورة ، معاملة جميع المتهمين على أساس أنهم أبرياء إلى أن يقضى نحوهم بإدانة قاطعة[50]. ولا يخشى حال ذلك أن يفلت بعض المذنبين من قبضة العدالة ، فتلك الأخيرة لا يؤذيها هذا الإفلات بقدر ما يؤذيها إدانة ظالمة لبرئ واحد[51]. والقول بغير ذلك يدفع بالمجتمع نحو التضحية بالأبرياء في سبيل إدانة المذنبين ، الأمر الذي يمثل انتهاك للحرية وامتهان لكرامة الإنسان ، وفرض طابع تسلطي على مجمل الإجراءات الجنائية بحجة ، هى في مبدأها ومبناها واهية ، تسمى الدفاع عن المجتمع ضد الإجرام.

9-      أصل البراءة في الفقه المعاصر :

     وجه بعض الفقهاء المعاصرين سهام النقد لمبدأ اصل البراءة ، حتى أنهم وصفوه بالمبدأ ذو الطبيعة الخيالية أو المثالية utopique Caractère fictif ou فلدى هؤلاء أنه إذا كان هناك ما يدعم هذا المبدأ في الماضي ، إلا أنه ليس هناك ما يدعمه في الوقت الحاضر ، فميزان العدالة كان يميل في الماضي إلى جانب سلطة الاتهام على حساب مصلحة المتهم ، إلى أن تحسن مركز الأخير ونال الكثير من حقوقه ، حتى غدت مدونات الإجراءات الجنائية تنهض على أساس محاباة المتهم على حساب حقوق المجني عليه والمضرور من الجريمة ، الأمر الذي أخل في النهاية بالتوازن الواجب بين حقوق المتهم وما يتوجب للمجني عليه من حقوق[52]. وينتهي هؤلاء للقول بضرورة أن يفسر الشك لصالح المجني عليه أو المضرور من الجريمة لا لصالح المتهم ، فمن الخيال ، بل من السخرية ، القول ببراءة هذا الأخير ثم إحالته للمحاكمة ، فأي برئ هذا الذي تجري محاكمته!؟ ولا يخشى – في رأي هؤلاء – التعسف نحو المتهم ، طالما أن الاتهام لا يسعى إلى الإدانة بل يسعى إلى الحقيقية سواء جاءت في صالح المتهم أم ضده ، وطالما تقرر حق الطعن في أحكام المحاكم الدنيا لدى رجات قضائية أعلى تسمح بتجنب الإدانة الظالمة. 

والواقع أننا نجد لهذا النقد صدى في الفقه المصري[53] ، وذلك حين قال البعض بعدم دقة افتراض البراءة لتعارضه مع واقعة الاتهام ذاتها ومع الإجراءات الماسة بالحرية كالقبض والتفتيش والأمر بالحبس الاحتياطي ، وهى إجراءات لا يتسنى اتخاذها إلا قبل من توافرت دلائل قوية في حقه على الاتهام بارتكاب الجريمة ، فإذا قيل بافتراض البراءة لأصبحت تلك الإجراءات بغير أساس قانوني سليم. هذا فضلاً عن أن الضمانات التي تقررت للمتهم في كافة مراحل الدعوى الجنائية لم تتقرر لكونه برئ وإنما لمجرد كونه متهم. كما أن تفسير الشك لمصلحة المتهم لا يعود لكونه بريئاً ، بل لأن القاعدة أن الإدانة الجنائية تبنى على الجزم واليقين. وأن قاعدة أن عبء الإثبات يقع على عاتق الاتهام فهى الأخرى ليست تطبيقاً لقاعدة افتراض البراءة ، وإنما نابعة من طبيعة الخصومة الجنائية ذاتها. وينهى هذا الرأي بضرورة استبدال عبارة افتراض البراءة بالعبارة التي تبناها الدستور الإيطالي القائلة بأن "المتهم لا يعد مذنباً حتى صدور الحكم النهائي بإدانته" (م.27/2) ، أو بالنص على اعتبار المتهم مجرد مشتبه فيه Simplement suspect بدلاً من اعتباره بريئاً[54] Innocent.

والحق أن تلك الحجج ليس من شأنها الإقناع بعدم مقبولية مبدأ أصل البراءة. فليس صحيحاً أنه لا يوجد في الحاضر ما يبرر هذا المبدأ ، إذ أن افتراض البراءة لا يتوجه بالخطاب فقط لرجال السلطة العامة ، بل يتوجه للقضاء كذلك في مرحلة المحاكمة. فالواقع أن هذا المبدأ يبدو في كثير من الأحيان كمكمل لعدد من المبادئ التي تلزم لوصف المحاكمة الجنائية بالمحاكمة العادلة ، وعى رأسها مبدأ حياد القاضي الجنائي. فلو فرض وقام شاهد بالتعبير عن رأي يضير بالمتهم ، أو أطلق العنان للسانه لسب المتهم ولم تنه المحكمة عن ذلك ، فإن الأخيرة تكون قد فقدت حيادها بأن شاركت الشاهد عداوته للمتهم ، وافتأتت من ثم على مبدأ أصل البراءة ، الذي يظهر كمكمل لمبدأ حياد القاضي[55].

بل إننا لا نشطت في الحديث إذا قلنا أن النص على هذا المبدأ في صلب الوثائق الدستورية يعني توجهه بالخطاب كذلك للسلطة القائمة على أمر التشريع الجنائي ، بما يضع على عاتقها قيداً يوجب مراعاة قيم هذا المبدأ ونتائجه حال تنظيم الإجراءات الجنائية التي يمكن اتخاذها إذا تم توجيه الاتهام للأحد الأفراد. ولعل كل ذلك يؤكد ضرورة الإبقاء على قيم هذا المبدأ في وقتنا الحاضر ، هذا الوقت الذي تتوجه فيه الأنظار نحو تعزيز واحترام حقوق الإنسان.

كما أن هذا الرأي يتغافل عن الخصوصية التي تتمتع بها الدعوى العمومية ، وكونها دعوى تهم المجتمع بأسره ، ومن ثم فإن تحديد مواقف الخصوم تمليه المصلحة العامة لا مصلحة الجني عليه. والمجتمع كما تهمه معاقبة المتهم حال ثبوت الجرم في حقه ، تهمه أيضاً براءة من وجه إليه اتهام ظالم. وهكذا فإن المجني عليه لا يظهر بحسبانه خصماً في الدعوى العمومية ، ولا تبدو الأخيرة – على خلاف الدعوى المدنية – أنها تستهدف الوصول إلى تسوية عادلة بين المتهم والمجني عليه ، ولا يمكن والحال كذلك القول بأن المجتمع يرى خيره في أن يسارع بإدانة شخص قد تظهر براءته فيما بعد. فالحرية ليست منحة من المجتمع ، بل هى حق طبيعي يتقرر لكل فرد ، ومصلحة الفرد في الدفاع عن حريته تعلو على مصلحة الجماعة في مواجهة الجريمة ، وذلك لما يترتب على الجزاء الجنائي من مخاطر يتعذر في كثير من الأحيان تجاوزها.

يضاف إلى ذلك أن مبدأ أصل البراءة لا يتعارض بحال مع الإجراءات الماسة بالحرية التي يمكن اتخاذها قبل المتهم في مرحلة التحقيق الابتدائي أو في مرحلة المحاكمة ، فكما سبق القول أن عنصر الدفاع عن حرية الفرد يتصادم منذ البداية مع مصلحة المجتمع في الدفاع عن نفسه ضد خطر الجريمة ، وللتنسيق بين المصلحتين يتوجب السماح – بموجب غطاء شرعي من نص دستوري أو قانوني – بالمساس بالحرية الفردية بما يمكن من الوصول للحقيقة حول جريمة ما ، مع وجوب افتراض براءة من خضع لتلك الإجراءات ، بحيث لا تتقرر إدانته في النهاية إلا بأدلة قاطعة تبرر في النهاية ما عساه يكون اتخذ قبله من إجراءات ماسة بشخصه. ولم يكن يمكن التوصل إلى قدر من التوازن بين مصلحة المتهم ومصلحة المجتمع إلا بتقرير ضمانات وحقوق للمتهم ، لا بحسبانه متهماً ، ولكن بحسبان أن ما يتخذ قبله من إجراءات ماسة بالحرية إنما يزيل البراءة المفترضة فيه. ولو قيل أن تلك الضمانات تعود فقط لكونه متهماً ، فلنا أن نتساءل ، لماذا لم تتضمن التشريعات القديمة مثل تلك الضمانات حماية لحقوق المتهم الذي كانت تفترض فيه الإدانة وقتئذ ؟ ولا شك أن المبرر في ذلك يعود إلى أن الإنسانية لم تكن إلى ذاك الوقت لم تكن قد تلمست فكرة افتراض البراءة بعد ، فالمبدأ آنذاك أن يسمح بالمساس بحرية الفرد ، قبضاً وتفتيشاً وحبساً احتياطياً دون أن يكون لذلك أي مبرر من ضرورات تحقيقي أو أمن مجتمع[56]. أما حين عرف مبدأ أصل البراءة مع تعاظم صيحات الفلاسفة والمفكرين منتصف القرن الثامن عشر ، وحين تم تسجيل هذا المبدأ كأصل دستوري وإنساني ، فقد جاءت التشريعات مقررة لضمانات حال خضوع شخص لاتهام بارتكاب جريمة.

وإلى جانب ضمانة تفسير الشك لمصلحة المتهم استصحاباً للبراءة فيه ، فإن إلقاء عبء الإثبات على عاتق سلطة الاتهام تظل أهم نتائج مبدأ أصل البراءة. فهذه القاعدة لا يبررها – على حد قول المعارضين - طبيعة الخصومة الجنائية ، إذ لو صح قول هؤلاء أن من طبيعة الخصومة الجنائية أن يقع عبء الإثبات على عاتق الاتهام ، فكذلك يصح القول بأن من طبيعة الخصومة المدنية أن عبء الإثبات يقع على عاتق المدعي. بيد أن عبء الإثبات يختلف كثيراً في كلتا الخصومتين. ففي الخصومة الجنائية يظل عبء الإثبات دائماً على عاتق الاتهام وسلطة الادعاء ، ولا يرتفع عن كاهلها إلا إذا نص القانون على ذلك صراحة ، فإذا فشلت تلك الأخيرة في هدم قرينة البراءة بإقامة الدليل القاطع على ذلك ، ظل المتهم على براءته ، ولا يكفي أن يبنى الاتهام على قول دون دليل ، ولا يكلف المتهم بإثبات براءته. أما في الخصومة المدنية ، فإن عبء الإثبات يمكن أن ينتقل إلى عاتق المدعي عليه الذي يصبح مدعياً يقع عليه عبء إثبات ما يدعيه إذا ما أثار دفعاً ، ولم يقتصر موقفه على مجر الإنكار. هذا كله لا يسري بحال في المجال الجنائي ، فالمدعى عليه لا ينقلب بمرافعته أو بدفعه مدعياً ، وذلك استبقاءً للبراءة التي تهيمن على كافة إجراءات الدعوى الجنائية ، بما فيها توزيع عبء الإثبات الجنائي[57].         


10- ب : المقبولية التشريعية للمبدأ :
     مع ضعف الحجج التي أرادت النيل من مبدأ أصل البراءة تأكدت حظوة هذا المبدأ على المستوى الفقهي ، غير أن تلك المقبولية الفقهية لم تتحدد قيمتها إلا حال لاقى هذا المبدأ قبولاً تشريعياً ، سواء من قبل المواثيق الدولية ، أو من قبل التشريعات الوطنية الداخلية.

11- مقبولية المبدأ في المواثيق الدولية :
     هاهو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 217 ألف (د-3) في العاشر من ديسمبر عام 1948 يطالعنا في مادته الحادية عشر بقوله "كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن يثبت ارتكابه لها قانوناً في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه". وهذا ما عاود العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة بقرارها رقم 2200 (د-21) في السادس عشر من ديسمبر عام 1966 النص عليه في المادة 14/2 بقوله "من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئاً إلى أن يثبت عليه الجرم قانوناً"[58].

وإذا انتقلنا إلى المستوى الإقليمي ، فإن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية La Convention européenne de sauvegarde des droits de l’homme et des libertés fondamentales ، الصادرة عن المجلس الأوروبي ، والموقعة في روما في الرابع من شهر نوفمبر عام 1950[59] ، تحتل موقع الصدارة في النص على مبدأ أصل البراءة ، إذ خصصت له فقرة مستقلة ، في حين جمعت بقية الحقوق الأخرى للمتهم في فقرة واحدة أخرى ، دلالة منه على أن تلك الأخيرة إنما هى حقوق متفرعة عن أصل البراءة التي تهيمن كمبدأ على تنظيم الإجراءات الجنائية في كافة مراحلها[60]. فقد جاء في الفقرة الثانية من المادة السادسة منها أن "كل شخص يتهم بارتكاب جريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً"
 Toute personne accusée d'une infraction est présumée innocente jusqu'à ce que sa culpabilité ait été légalement établie.

وتضطلع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان La Cour européenne des droits de l’homme بحق رقابة احترام الدول الأطراف لتعهداتهم المتولدة عن الاتفاقية وبروتوكولاتها (م.19). وقد جاء في قضاء تلك المحكمة تفسير لما جاء بالفقرة الثانية من المادة السادسة حول أصل البراءة في قضية Pfunders ، إذ تأكد أن "ذلك النص الخاص بافتراض براءة المتهم إلى أن تثبت إدانته قانوناً يتطلب أن قضاة المحكمة في أدائهم لواجبهم يجب ألا يبدأوا بالإدانة أو افتراض أن المتهم ارتكب الجريمة التي يحاكم من أجلها. بمعنى أخر فإن مسئولية إثبات الجرم تقع على عاتق سلطة الاتهام ، وأي شلك في إقامة الدليل على ذلك يكون في صالح المتهم. وعلاوة على ذلك يجب أن يسمح قضاة المحكمة للمتهم بتقديم شهود النفي Témoins à décharge ، وليس لقضاة الحكم بإدانة المتهم إلا إذا وجدت أدلة مباشرة أو غير مباشرة قوية في نظر القانون بالدرجة التي يمكن معها نسبة الفعل يقيناً إلى المتهم[61]. كما أكدت المحكمة ذات الأمر في حكم Minelli بقولها أن الحكم القضائي الذي يعكس الإحساس بإذناب المتهم دون أن يقوم بإثبات إدانته ، أو لا يمنح المتهم الفرصة الكافية لممارسة حقه في الدفاع عن نفسه ، يعتبر متجاهلاً لافتراض البراءة[62].

ويتجاوز مبدأ أصل البراءة الحدود الأوروبية كي ينتشر في المحيط الأرضي الرحب بقاراته المختلفة. فها هى الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان ، الصادرة في 22 نوفمبر 1969 ، تعتمده بأن نصت في الفقرة الثانية من المادة الثامنة منها على أن "لكل متهم بجريمة الحق في أن يعتبر بريئاً طالما لم تثبت إدانته وفقاً للقانون". وبعد ذلك بسنوات قليلة يصدر الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان عن منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حالياً) عام 1981 متضمناً المادة 7/1 (ب) التي تقضي في صراحة أن "الإنسان برئ حتى تثبت إدانته أمام محكمة مختصة" ، تلك الصيغة التي تبناها بعد عدة أعوام الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عن جامعة الدول العربية في 15 سبتمبر 1994.

ولعل أهم ما تكشف عنه تلك النصوص ذات الصيغ المتقاربة ، هو مدى ارتباط مبدأ أصل البراءة بمفهوم حقوق الإنسان في المجتمع الدولي المعاصر ، وأنه لا بناء لعالم تتدعم فيه حقوق الإنسان إلا إذا حرص المشرع الداخلي عند سن القوانين الجزائية والإجرائية باحترام ما يوجبه هذا المبدأ من نتائج ، خاصة حال تنظيم القواعد الماسة بالحرية الشخصية[63]. فالحرية الشخصية – على حد قول محكمة القضاء الإداري – "هى ملاك الإنسانية كلها ، لا تخلقها الشرائع ، بل تنظمها ، ولا توجدها القوانين ، بل توفق بين شتى مناحيها ومختلف توجهاتها ، تحقيقاً للخير المشترك للجماعة ورعاية للصالح العام ، فهى لا تقبل من القيود إلا ما كان هادفاً إلى هذه الغاية مستوحياً تلك الأغراض"[64].

12- مقبولية المبدأ في التشريعات الوطنية :
     إذا كان مبدأ أصل البراءة قد لاقى تكريساً في جل التشريعات الداخلية على صعيد كافة الأنظمة القانونية ، إلا أن الدول قد تباينت في تحديد الرافد الذي ينبع منه هذا المبدأ. فالبعض من التشريعات قد اقتصرت على النص عليه في قانون الإجراءات الجنائية ، والبعض الأخر أعطت له قيمة دستورية ، في حين جمعت تشريعات أخرى بين القيمة الدستورية والقانونية لهذا المبدأ.

ونلحظ أن غالبية الدول قد أولت هذا المبدأ قيمة دستورية بأن نصت عليه في صلب الوثيقة الدستورية[65]. ونذكر من ذلك نص المادة 27 من الدستور الإيطالي التي تقضي بأن "لا يع المتهم مذنباً قبل الحكم النهائي عليه". ونذكر كذلك نص المادة 11/د من الميثاق الكندي للحقوق والحريات التي تقرر أن "كل متهم له الحق في أن يفترض بريئاً طالما لم تعلن إدانته طبقاً للقانون بواسطة محكمة مستقلة ومحايدة وفي محاكمة علنية وعادلة". وقد تبع ذات النهج المشرع المصري حين اعترف للمبدأ بقيمته الدستورية منذ دستور عام 1971[66] بأن قرر في المادة 67 من الدستور أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه. وعلى ذات النهج – وفي صيغ متقاربة - سارت دساتير كل من ليبيا (م.15) ، وتونس (الفصل الثاني عشر)  ، والكويت (م. 34) ، ودستور العراق السابق (م. 23) ،  وسوريا (م.28).

ومن الدول من أراد تدعيم هذا المبدأ بأن عاود النص عليه في قانون الإجراءات الجنائية بعد أن جاء النص عليه في الدستور. من تلك التشريعات نذكر التشريع السوداني الذي نص في المادة 69 من دستور عام 1973 على المبدأ بقوله "أي شخص يلقى القبض عليه متهماً في جريمة ما يجب ألا تفترض إدانته ، ولا يجب أن يطلب منه الدليل على براءة نفسه ، بل المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته دون ما شك معقول" ، وهو ذات النص الذي اعتمدته المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية السوداني[67].

وهذا النهج في رأينا نهج محمود ، ففي ازدواجية النص على مبدأ أصل البراءة ، دستوراً وقانوناً ، ما يؤكد متانة المبدأ وهيمنته على التشريع الجنائي ككل. فضلاً عن أن معاودة النص على هذا المبدأ في قانون الإجراءات الجنائية من بعد الدستور هو من قبيل التحوط إذ أن معظم رجال الضبط القضائي ، وأعضاء سلطة الاتهام ، والقضاة ، يعتادون التصرف وفقاً لما يتقرر بمدونة الإجراءات الجنائية أكثر مما يرد بالدستور[68]. ولعل ذلك يدعونا إلى أن نهيب بالمشرع المصري أن يسارع إلى النص على هذا المبدأ في صدر مدونة الإجراءات الجنائية.  

والقليل من الدول ، كالتشيك (م.2) وبولندا (م.3) ، قد اقتصرت على النص على مبدأ أصل البراءة في قانون الإجراءات الجنائية. وقد تبع المشرع الفرنسي مؤخراً هذا النهج بناءً على توصية من لجنة العدالة الجنائية وحقوق الإنسان ، وذلك بأن أضاف مادة تمهيدية لقانون الإجراءات الجنائية ، بالقانون رقم 516-2000 الصادر في 15 يونيو 2000 (المسمى قانون تدعيم قرينة البراءة وحقوق المجني عليهم)، جاء في فقرتها الثالثة أن "كل مشتبه فيه ، أو ملاحق جنائياً برئ حتى تثبت إدانته. وتحظر الاعتداءات على قرينة البراءة ، ويجري التعويض عنها والعقاب عليها وفق الشروط المنصوص عليها قانوناً". (م.9-1 من القانون المدني)
 Toute personne suspectée ou poursuivie est présumée innocente tant que sa culpabilité n’a pas été établie. Les atteintes à sa présomption d’innocence sont prévenues, réparées et réprimées dans les conditions prévues par la loi.
ولا شك أن هذا النهج يغاير ما يقتضيه المنطق السليم ، ذلك أن المكان الصحيح لتلك الضمانة التي يبنى عليها بقية ما يتقرر للمتهم من حقوق بصدد الخصومة الجنائية هو الدستور ، باعتباره القانون الأسمى الذي يقيد كافة سلطات الدولة ، بحيث لا يتسنى للمشرع أن يصدر قانوناً يخالف به أصل البراءة المفترض ، ولا يحق لرجال السلطة التنفيذية اتخاذ إجراءات ماسة بالحرية الفردية بعيداً عن رقابة القضاء ، كما لا يحق للقضاء ذاته أن يخرج عن موجبات البراءة المفترضة ، بأن يلقي عبء الإثبات على عاتق المتهم ، أو يقضي بالإدانة بناءً على أدلة غير جازمة ، أو يفسر الشك في غير صالح المتهم.



[1] G. Stéfani, Quelques aspects de l’autonomie du droit pénal,Etudes de droit criminel, Dalloz, 1956, p. 15 et s ; F. M. Neasey, The rights of the accused and the interests of the community, The Australian Law Journal, Vol. 43, 1969, p. 482. 
[2] د. مأمون سلامة ، الإجراءات الجنائية في التشريع المصري ، ج1 ، دار الفكر العربي ، 1977 ، ص73.
[3] د. حسن صادق المرصفاوي ، المرصفاوي في المحقق الجنائي ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، بدون تاريخ ، ص14.
[4] د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، ط2 ، دار النهضة العربية ، 1988 ، ص4-5.
[5] في ذات المعنى ، د. أحمد فتحي سرور ، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية ، 1993 ، ص13.
[6] د. أحمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص127-128.
[7] مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات هو الحلقة الأولى للشرعية الجنائية Légalité criminelle ، الذي يتصل على نحو دقيق بتحديد من يئول إليه سلطة خلق القاعدة الجنائية الموضوعية المقررة للأفعال والإمتناعات المحظورة والأجزية واجبة التطبيق حال انتهاك الحظر. ولقد صار دستور القانون الجنائي في هذا الشأن أن يوكل أمر خلق القاعدة الجنائية الموضوعية ، بشقيها التجريم والعقاب ، إلى الشارع أو من يفوضه في ذلك ، بحيث يقع على القاضي من بعد مهمة تطبيقها.  وعلى هذا يتحدد مضمون مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في أن الفعل لا يكون مكوناً لجريمة إلا إذا نص عليه قانون سابق على ارتكابه ، ولا يوقع بشأن هذا الفعل جزاء جنائي إلا إذا حدد نوع هذا الأخير ومقداره قانون من قبل توقيعه. وهو ما يعبر عنه اختصاراً بالقول اللاتيني الشهير الذي أطلقه الفقيه الألماني أنسلم فويرباخ Anselme Feuerbach (1775– 1833) بأنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" Nullum crimen, nulla poena sine lege. وتحديد مبدأ الشرعية بهذا المضمون يضمن في آن واحد تحقيق مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة. فأما عن مصلحة الفرد ، فلا شك أن التزام مبدأ الشرعية يضع للأفراد الحدود الواضحة للتجريم والجزاء ، الحدود الفاصلة بين المشروع وغير المشروع من الأفعال ، فيستشعر الفرد معنى العدالة ، إذ يضمن الأخير ألا يعاقب عن سلوك لم يرد بشأنه نص تجريم سابق. بل أن الفرد ولو كان مجرماً يجد مصلحته في مبدأ الشرعية ، إذ يدرأ عنه احتمال توقيع عقوبة أشد مما هو مقرر للفعل وقت ارتكابه. ويستبين من ذلك أن مبدأ الشرعية يتوافق على المستوى الفردي مع الأساس الأخلاقي للمسئولية الجنائية الذي هو عصب تلك المسئولية رغم محاولات الفكر الجنائي الوضعي النيل منه. فإذا كانت المسئولية الجنائية ترتكز على توافر ملكتا التمييز والإدراك ثم حرية الاختيار Libre arbitre حتى يمكن القول بتوافر الإذناب Culpabilité في حق الشخص وإخضاعه من ثم للمسئولية الجنائية ، فيجب بالتالي أن تتاح له فرصة الخيار بين طريق الشر وطريق الخير ، ولا يمكن أن تترك له تلك الفرصة بحكم المنطق إلا إذا أنذره الشارع مسبقاً بالمحظور من الأفعال وما ينتظره من عقاب حال المخالفة ، فهنا فقط يتسنى القول بتوافر الإرادة الآثمة ، التي هى أحد مقومات الجريمة.  أما على المستوى العام فإن مبدأ الشرعية هو الذي يعطي المقبولية من قبل العامة للجزاء الجنائي ، ويعطي لهذا الأخير أساساً قانونياً بحسبانه يوقع في سبيل الصالح العام وباسم القانون. ومن ناحية أخرى فإن الالتزام بمبدأ الشرعية من شأنه تفعيل الجزاء الجنائي ومنحه قوة ردع كبيرة. فتحديد الجزاء الجنائي ومقداره في نص واضح يجعله مؤكد التطبيق عند ارتكاب السلوك الإجرامي ، فتحول الرهبة منه والخشية من توقيعه بين الكثيرين وبين تلمس خطى الإجرام. وهنا يصدق بكاريا حين ذكر أن اليقينية في توقيع العقاب المعتدل هى أكثر ردعاً من احتمالية توقيع العقاب الصارم" ؛ ويصدق كذلك قول مونتسكيو بأن فاعلية العقوبة تقاس بمقدار الخوف من توقيعها ، وهذا الخوف يقاس بدوره بمقدار اليقين في توقيعها لا بمقدار جسامتها ، ولا شك أن قانون العقوبات لا يمكن له أن يصل إلى تحقيق وظيفة الردع تلك ، فضلاً عن دوره التربوي ، ما لم تكن النصوص التي تقرر الجزاء الجنائي واضحة لا تتداخل معانيها. وعلى الرغم من أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات هو مولود إسلامي النسب ، إلا أن الشهرة الحقيقية لهذا المبدأ وبمعناه المعروف به حالياً ، لم تبدأ إلا مع اندلاع الثورة الفرنسية نهايات قرن النور Siècle des lumières - القرن الثامن عشر - حين تبناه رجالتها ومنحوه صياغة واضحة ومحددة في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في 26 أغسطس سنة 1789 (م.8). وبحسبان أن مصر قد التزمت جانب التأثر بالتشريعات الأوروبية ، وعلى الأخص التشريعات الفرنسية ، فكان لابد لهذا المبدأ أن يجد حظه بين مدونات العقوبات المصرية المتعاقبة (م. 28 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية الصادرة عام  1883 ، م 19 من قانون العقوبات الأهلي لعام 1883 ، م.5 من قانون العقوبات لعام 1904). وقد واظب المشرع الجنائي المصري على منهجه بالنص على هذا المبدأ في قانون العقوبات الحالي لعام 1937 بقوله في عبارة موجزة بصدر المادة الخامسة "يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها...". ولقد ارتقى مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات - منذ إقراره من قبل رجالات الثورة الفرنسية - من رتبة المبدأ القانوني الذي تقره القوانين العقابية العادية إلى مرتبة المبدأ الدستوري.  فعلى الصعيد المصري ، فإن المبدأ قد لاقى قيمته الدستورية (م.6 من دستور عام 1923 ، م. 32 من دستور 1956 ، م.8 من دستور 1958 ، م. 25 من دستور 1964. وقد وجد المبدأ مستقره أخيراً في الدستور الحالي لعام 1971 الذي أورد في المادة 66 من الباب الرابع الخاص بسيادة القانون قوله أن "...لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي ، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون" (قريب من ذات المعنى م. 187 من الدستور الحالي). راجع حول هذا المبدأ : د. عبد الأحد جمال الدين ، المبادئ الرئيسية للقانون الجنائي ، ج1 ، النظرية العامة للجريمة ، ط5 ، 1997 ، ص70 وما بعدها ، محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، ط4 ، دار النهضة العربية ، 1977 ، ص77 وما بعدها ، د. فوزية عبد الستار ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، دار النهضة العربية ، 1987 ، ص54 وما بعدها ، د. أحمد لطفي السيد ، أصول القسم العام في قانون العقوبات ، 2004-2005 ، ص68 وما بعدها. وحول تطبيق وأثار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في قضاء المحكمة الدستورية العليا ، د. أحمد فتحي سرور ، الحماية الدستورية للحقوق والحريات ، دار الشروق ، القاهرة ، 2000 ، ص414 وما بعدها ، د. مجدي مدحت النهري ، تفسير النصوص الدستورية في القضاء الدستوري ، مكتبة الجلاء الجديدة ، المنصورة ، 2003 ، ص195 وما بعدها ، د. أحمد لطفي السيد ، المرجع السابق ، فقرة 46 ، ص94 وما بعدها.
J.-P. Delmas Saint-Hilaire, La crise du principe de la légalité des délits et des peines, Cours de doctorat, Le Caire, 1967, p. 38 ; J. Léauté, Le changement de fonction de la règle nullum crimen sine lege, Mélanges Hamel, Dalloz, 1961, p. 61 et s ; S. Saler, La formation actuelle du principe Nullum crimen, RSC. 1952, p. 11 et s ;  R. Poplawski, La loi pénale et le principe de la légalité des délits et des peines en droit français, 1941, p. 92 et s.
[8] تعني شرعية التنفيذ العقابي وجوب حرص الجهة القائمة على أمر تنفيذ الجزاء الجنائي بأن يكون هذا الأخير قد اشتمل عليه حكم قضائي صادر من محكمة مختصة بذلك (م. 459 إجراءات جنائية وتنص المادة66/2 من دستور 1971 على أنه "...لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي" ، وأن يجري التنفيذ وفقاً للقواعد التي قررها الشارع وفي الأماكن المخصصة لذلك ، على أن يتبع في هذا الشأن القواعد المقررة للتنفيذ وقت ارتكاب الجريمة ما دامت هذه القواعد تعتبر جزءاً من النصوص المنظمة للجزاء الجنائي ، ما لم يصدر قانون جديد بعد حكم نهائي يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه فيوقف تنفيذ الحكم وتنتهي أثاره الجنائية (م. 5/3 عقوبات). د. أحمد فتحي سرور ، القسم العام ، المرجع السابق ، ص55. ولا نغالي إذا قلنا أن التزام الشرعية في مرحلة التنفيذ العقابي أصبح يفرض تدخل السلطة القضائية في مرحلة التنفيذ ، باعتبار أن المفاهيم الجنائية الحديثة أصبحت تدخل تلك المرحلة ضمن مراحل الدعوى الجنائية وكجزء من الخصومة الجنائية ، وبهذا أوصى المؤتمر الدولي الرابع لقانون العقوبات الذي انعقد في باريس في الفترة من 26 إلى 31 يوليو من عام 1937. ولهذا أصابت الدول التي أخذت بفكرة قاض تطبيق العقوبات Juge d’application des peines الذي يتولى تنفيذ ما جاء بالحكم الجنائي الصادر بالإدانة ، ويوكل إليه أحياناً التعديل في هذا الحكم وفق ما يراه قد طرأ على سلوك المحكوم عليه سلباً أو إيجاباً. راجع د. عبد العظيم مرسي وزير ، دور القضاء في تنفيذ الجزاءات الجنائية ، دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، 1987 ، د. مرقص سعد ، الرقابة القضائية على التنفيذ العقابي ، رسالة دكتوراه ، القاهرة1972. د. حسن صادق المرصفاوي و د. محمد زيد إبراهيم ، دور القاضي في الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي , منشورات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، 1970.
Bogdan Zlataric, L’évolution des idées et de pratique dans le domaine de l’exécution des sanctions criminelles, Université de Caire, 1954, p. s4 et s ; Sliwowski, Caractère judiciaire ou administratif de l’exécution de la peine au regard du problème de son contrôle, RIDP. 1965, p. 82.
[9] د. أحمد فتحي سرور ، الشرعية والإجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية ، 1977 ، وخاصة ص106 وما بعدها ، ولذات المؤلف ، الدستور والقانون الجنائي ، دار النهضة العربية ، 1992 ، ص11 وما بعدها. وراجع د. عبد الأحد جمال الدين ، المرجع السابق ، ص143 وما بعدها.
[10] كما توجب تلك الشرعية بأن يكون القانون هو مصدر الإجراءات الجنائية ، وألا يقضي في المواد الجنائية إلا الهيئة التي ناط بها القانون القيام بهذه الوظيفة. لذا تقرر المادة 167 من الدستور أن القانون هو الذي يحدد الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم. وكذا توجب الشرعية الإجرائية ألا يحرم المتهم من المحاكمة أمام قاضيه الطبيعي (م. 68 من الدستور) ، وألا يدان شخص إلا بعد دعوى تراعى فيها الإجراءات والضمانات التي قررها المشرع وتحت إشراف القضاء.
[11] للشرعية الإجرائية – في رأي البعض - أركان ثلاثة : ففضلاً عن أصل البراءة ، فإن لا شرعية دون أن يكون القانون هو مصدر الإجراءات الجنائية ، كما لا شرعية دون أن تخضع هذه الأخيرة لضمان القضاء. د. أحمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص166 ، ولذات المؤلف ، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية ، ط7 ، دار النهضة العربية ، 1993 ، ص52.
[12]  Cass. Crim. 1er janv. 1956, D. 1956, p. 365.
[13] K. Vasak, La Convention européenne des droits de l’homme, Paris, 1964, p. 48 et s.
[14] د. محمود نجيب حسني ، المرجع السابق ، ص423 ، د. أحمد إدريس أحمد ، افتراض براءة المتهم ، رسالة دكتوراه ، القاهرة ، 1984 ، ص60 وما بعدها ، د. مصطفى فهمي الجوهري ، الوجه الثاني للشرعية الجنائية "قرينة البراءة" ، دار الثقافة الجامعية ، 1990 ، ص10 وما بعدها ، د. عمر الفاروق الحسيني ، مدى تعبير الحكم بالإدانة غير الصادر بالإجماع عن الاقتناع اليقيني للقاضي الجنائي ، 1995 ، ص51 وما بعدها.
[15] لمزيد من التفصيل ، ويل ديورانت ، قصة الحضارة ، ترجمة د. زكي نجيب محمود ، ج1 ، ص53 وما بعدها.
[16] في ذات المعنى ، د. أحمد إدريس أحمد ، المرجع السابق ، ص89.. ويشير إلى أن من بين الاختبارات التي كان يتعرض لها المتهم لإثبات براءته ذلك الاختبار الذي يقوم على إلقاء المتهم موثوقاً في نهر ليرى ما إذا كان سيطفو إلى سطحه فيكون مداناً إذ لفظه النهر ، أم سيغوص إلى قاعه فيكون النهر قد حماه من العقاب.
[17] تنسب هذه المدونة إلى الحاكم الروماني جوستنيان الذي وضعها عام 533 ميلادية أبان حكمه للإمبراطورية الشرقية. وقد عكف على ترجمتها للعربية المرحوم عبد العزيز باشا فهمي. راجع بصفة خاصة ، مدونة جوستنيان في الفقه الروماني ، دار الكتاب المصري ، 1946 ، ص365 وما بعدها.
[18] د. أحمد إدريس أحمد ، المرجع السابق ، ص101-102.
[19]  C. K. Allen, Legal Duties, Clarendon Press, Oxford, 1931, p. 256.
مشار إليه لدى د. أحمد إدريس أحمد ، المرجع السابق ، ص103.
[20] د. أحمد إدريس أحمد ، المرجع السابق ، ص92.
[21] د. أحمد إدريس أحمد ، المرجع السابق ، ص98.
[22] Glanville Williams, Proof of Guilt, A study of the English Criminal trial, 3rd Ed. 1963m London, Steverns & Sons, p. 186.
[23] حول تلك القضية وما جاء بها من أقول لقضاتها د. أحمد إدريس أحمد ، المرجع السابق ، ص110 وما بعدها.

[24] C. K. Allen, op. cit., p. 283.
مشار إليه لدى ، د. أحمد إدريس أحمد ، المرجع السابق ، ص113.
[25] لمزيد من التفصيل حول تلك القضية وحكم المحكمة الاتحادية العليا فيها راجع د. أحمد إدريس أحمد ، المرجع السابق ، ص119 وما بعدها.
[26] M. J. Essaid, La présomption d’innocence, th. Paris, 1969, p. 12 et s.
[27] د. نجاتي سيد سند ، القضاء الجنائي الأمريكي ودوره الرقابي على الدعوى الجنائية ، القاهرة ، 1994 ، ص44 وما بعدها. ويجب التنويه إلى أن النظم القانونية المعاصرة لا تأخذ بأي من النظامين على إطلاقه ، فالميل يبدو الآن نحو الأخذ بنظام مختلط يأخذ بمزايا كل من النظامين ويتفادى ما بهما من عيوب. راجع د. عبد الرءوف مهدي ، شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية ، 2003 ، ص45 وما بعدها ، د. أحمد عوض بلال ، التطبيقات المعاصرة للنظام الاتهامي في القانون الأنجلو أمريكي ، دار النهضة العربية ، 1992 ، ص66 وما بعدها.
Davorkpac, Quelques questions de l’organisation de la procédure préparatoire dans le type mixte de la procédure pénale européenne, RIDP. 1985, p. 231 et s. 
[28] د. أحمد فتحي سرور ، الشرعية والإجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية ، 1977 ، ص77 وما بعدها.
M. J. Essaid, op. cit., p. 15 et s.
[29] وقد ذكر مونتسكيو في مؤلفه روح القوانين قوله الشهير " أنه عندما لا تؤمن براءة المواطنين فلن يكون للحرية وجود".
Montesquieu, De l’esprit des lois, 2ème partie, Livre XII, Ch. II.
[30] راجع سيزار دي بيكاريا ، الجرائم والعقوبات ، ترجمة د. يعقوب محمد حياتي ، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ، إدارة التأليف والترجمة ، ط1 ، ص1985.
Cesar de Beccaria, Des délits et des peines, Traduction française, éd. Flammarion, 1979.
[31] M. J. Essaid, op. cit., p. 26 et s.
[32] الشيخ محمد أبو زهرة ، أصول الفقه ، دار الفكر العربي ، 1957 ، ص291 وما بعدها ، أ. محمد الحسيني حنفي ، أساس حق العقاب في الفكر الإسلامي والفقه الغربي ، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية ، يوليو 1971 ، ص404 وما بعدها ، د. زكريا البري ، أصول الفقه الإسلامي ، دار النهضة العربية ، 1977 ، ص169 وما بعدها.
[33] د. عبد القادر عودة ، التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالفقه الوضعي ، ج2 ، دار الطباعة الحديثة ، 1984 ، ص515 وما بعدها ، د. عبد المجيد مطلوب ، الأصل براءة المتهم ، بحث مقدم إلى ندوة "المتهم وحقوقه في الشريعة الإسلامية" ، المركز لعربي للدراسات الأمنية بالرياض ، السعودية ، يونيو ، 1982 ، ص229 وما بعدها.
[34] سورة يونس ، الآية 36.
[35] سورة النجم ، الآية 28.
[36] د. محمد محي الدين عوض ، درء الحدود بالشبهات ، مجلة قضايا الحكومة ، س27 ، ع33 ، يوليو-ديسمبر 1978 ، د. مأمون سلامة ، المبادئ العامة للإثبات الجنائي في الفقه الإسلامي ، مقال في دراسات في حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية ، مجلة القانون والاقتصاد ، عدد خاص ، س50 ، 1980 ، ص152 وما بعدها.
[37] رواه الترمذي ، راجع الجامع الصحيح المشتهر بسنن الترمذي ، دار الفكر للطباعة ، بيروت ، ص133. نيل الأوطار للشوكاني ، ج7 ، ص271.
[38] الإحكام في أصول الأحكام ، الإمام الحافظ أبو محمد على بن حزم الأندلسي الظاهري ، ج5 ، ط1 ، 1347هـ - 1927م ، مطبعة ومكتبة الخانجي ، ص3 وما بعدها ، د. زكريا البري ، المرجع السابق ، ص164 ، الشيخ محمد أبو زهرة ، المرجع السابق ، ص283. 
[39] أعلام الموقعين عن رب العالمين ، ابن قيم الجوزية ، ج1 ، مطبعة ومكتبة عبد السلام بن محمد بن شعرون ، 1968 ، ص339 وما بعدها.
[40] الشيخ محمد أبو زهرة ، المرجع السابق ، ص291.
[41] في ذات المعنى ، د. زكريا البري ، المرجع السابق ، ص169.
[42] م.د.ع. جلسة 15 يونيو 1996 ، القضية رقم 49 لسنة 17ق دستورية ، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا ، ج7 ، رقم 48 ، ص739. تؤمن على ذلك المحكمة الدستورية العليا في حكم أخر بقولها أن "أصل البراءة مفترض في كل متهم ، فقد ولد الإنسان حراً ، مطهراً من الخطيئة ودنس المعصية ، لم تنزلق قدماه إلى شر ، ولم تتصل يده بجور أو بهتان ، ويفترض وقد كان سوياً حين ولد حياً أنه ظل كذلك متجنباً الآثام على تبيانها ، نائياً عن الرذائل على اختلافها ، ملتزماً طريقاً مستقيماً لا يتبدل اعوجاجاً ، وهو افتراض لا يجوز أن يهدم توهماً ، بل يتعين أن ينقض بدليل مستنبط من عيون الأوراق وبموازين الحق ، وعن بصر وبصيرة ، ولا يكون ذلك إلا إذا أدين بحكم انقطع الطريق إلى الطعن فيه ، فصار باتاً". م.د.ع. جلسة 5 أكتوبر 1996 ، القضية رقم 26 لسنة 12ق دستورية ، الجريدة الرسمية ، 17 أكتوبر 1996 ، ع41ق دستورية.
[43] لمزيد من التفصيل حول هذا التوجه ، راجع مؤلفنا ، الظاهرة الإجرامية ، الإشكاليات البحثية – النظريات التفسيرية – العوامل الإجرامية ، 2003-2004 ، ص102 وما بعدها.
[44] E. Ferri, La sociologie criminelle, 2ème éd. Paris, 1914, p. 492 et s ; M. J. Essaid, op. cit., p. 51 et s.
[45] G. Tarde, Philosophie pénale, Paris, 1905, p. 451 et s.
[46] د. أحمد فتحي سرور ، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية ، المرجع السابق ، ص185 ، ولذات المؤلف ، الحماية الدستورية للحقوق والحريات ، المرجع السابق ، ص559.
[47] M. J. Essaid, op. cit., p. 53 et s.
قريب من ذات المعنى ، د. محمود مصطفى ، الإثبات في المواد الجنائية في القانون المقارن ، ج1 ، مطبعة جامعة القاهرة ، 1977 ، ص60 وما بعدها ، د. سامي صادق الملا ، اعتراف المتهم ، ط3 ، المطبعة العالمية ، 1986 ، ص77 وما بعدها ، د. أحمد إدريس أحمد ، المرجع السابق ، ص251-252.
[48] د. أحمد إدريس أحمد ، المرجع السابق ، ص253 وما بعدها.
[49] د. أحمد فتحي سرور ، الحماية الدستورية للحقوق والحريات ، المرجع السابق ، ص559 ، د. سامي صادق الملا ، المرجع السابق ، ص77.
[50] د. محمود مصطفى ، الإثبات في المواد الجنائية ، المرجع السابق ، ص56.
G. Stéfani, Quelques aspects de l’autonomie du droit pénal, op. cit., p. 19 et s.
[51] وهنا يردد قضاء النقض قوله "لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس والقبض عليهم بدون حق" ، نقض 21 أكتوبر 1958 ، مجموعة أحكام النقض ، س9 ، رقم 206 ، ص839 ، نقض ، 15 فبراير 1984 ، مجموعة أحكام النقض ، س35 ، رقم 31 ، ص153.
[52] Cl. Lombois, Droit pénal et sociologie criminelle, T. II, Paris, 1978-1979, p. 48 ; S. Plawaski, Les droits de l’homme dans le procès pénal, RIDP. 1979, p. 473 et s ; L. Rajapakse, Is a presumption of gulit or of innocence of an accused in a criminal case necessary ? The Ceylon Law Society Journal, Vol. 10, n°2, 1972, p. 13.
مشار إليه لدى د. أحمد إدريس أحمد ، المرجع السابق ، ص261.
[53] د. آمال عثمان ، الإثبات الجنائي ووسائل التحقيق العلمية ، مطبعة دار الهنا ، 1975 ، ص76 وما بعدها.
[54] د. علاء الصاوي ، حق المتهم في محاكمة عادلة ، دراسة مقارنة بين القانون المصري والفرنسي ، رسالة دكتوراه ، القاهرة ، 2001 ، ص505. قريب من ذات المعنى :
Vu Shutong, La preuve en procédure pénal comparée, RIDP. 1992, p. 323.
[55] د. علاء الصاوي ، حق المتهم في محاكمة عادلة ، المرجع السابق ، ص506. في ذات المعنى د. أحمد حامد البدري ، الضمانات الدستورية للمتهم في مرحلة المحاكمة الجنائية ، دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية ، رسالة دكتوراه ، طنطا ، 2002 ، ص146.
[56] د. محمود مصطفى ، الإثبات في المواد الجنائية ، المرجع السابق ، ص57.
[57] G. Stéfani, Quelques aspects de l’autonomie du droit pénal, op. cit., p. 17 et s.
د. أحمد إدريس أحمد ، المرجع السابق ، ص304-305.
[58] دخل هذا العهد حيز النفاذ في 23 مارس 1976 ، وصدقت عليه مصر في ديسمبر عام 1981 بالقرار الجمهوري رقم 536 لسنة 1981.
[59] دخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ في 3 سبتمبر 1953. وقد تم تعديل تلك الاتفاقية بالعديد من البروتوكولات ، كان أخرها البرتوكول رقم 12 الصادر في روما في الرابع من نوفمبر عام 2000. راجع لمزيد من التفصيل حول تلك الاتفاقية وتعديلاتها ، موقع وزارة العدل الفرنسية على الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت) WWW.justice.gouv.fr
[60] ولقد تكفلت الفقرة الثالثة من الاتفاقية في فقرتها الثالثة بالنص على العديد من الحقوق الأخرى المقررة للمتهم ، ومنها حقه في الإحاطة بالتهمة الموجهة له بشكل مفصل وباللغة التي يفهمها وفي أقرب وقت ممكن être informé, dans le plus court délai, dans une langue qu'il comprend et d'une manière détaillée, de la nature et de la cause de l'accusation portée contre lui.. كما يجب أن يمنح المتهم الوقت الكافي والتسهيلات الضرورية لتحضير دفاعه disposer du temps et des facilités nécessaires à la préparation de sa défense.. كما له الحق في الدفاع بنفسه ، أو أن يختار مدافعاً عنه ، بل يندب له محامياً بالمجان إن لم يكن يملك الوسائل الكافية لتوكيل مدافعاً عنه ، وإذا كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك se défendre lui-même ou avoir l'assistance d'un défenseur de son choix et, s'il n'a pas les moyens de rémunérer un défenseur, pouvoir être assisté gratuitement par un avocat d'office, lorsque les intérêts de la justice l'exigent ;. كما أن للمتهم أن يسأل الشهود الإثبات ، كما له حق طلب إحضار شهود النفي بذات الشروط المقررة بالنسبة لشهود الإثبات interroger ou faire interroger les témoins à charge et obtenir la convocation et l'interrogation des témoins à décharge dans les mêmes conditions que les témoins à charge ;. كما أن للمتهم حق الاستعانة مجاناً بمترجم ، إذا لم يكن بوسعه الفهم أو التحدث باللغة المستعملة بالجلسة se faire assister gratuitement d'un interprète, s'il ne comprend pas ou ne parle pas la langue employée à l'audience.. راجع بصفة عامة حول الاتفاقيات الأوروبية في مجال حقوق الإنسان ، مولر رابارد ، العدالة الجنائية وحقوق الإنسان : دور المجلس الأوروبي ، تقرير مقدم إلى مؤتمر تدريس حقوق الإنسان في الجامعات العربية ، سيراكوزا ، ايطاليا ، يناير 1988 ، د. طارق عزت محمد رخا ، تحريم التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو الحاطة بكرامة الإنسان ، دراسة مقارنة في القانون الدولي العام والقانون الوطني والشريعة الإسلامية ، رسالة دكتوراه ، المنصورة ، 1997 ، ص358 وما بعدها. ولعلنا يجب أن نشير هنا إلى أن تلك الاتفاقية – بما تضمنته من حقوق - تعتبر من المصادر الدولية ذات الطابع الإرشادى بالنسبة للتشريعات الوطنية حال تنظيمها للإجراءات الجنائية. فلقد تضمنت تلك الاتفاقية ، العديد من النصوص التي تتضمن حقوق الإنسان فى كافة مراحل الخصومة الجنائية ، والتي يكون فيها الإنسان فى أمس الاحتياج للبحث في ضمان حقوقه الأساسية. فتؤكد الاتفاقية على ضمان حق الإنسان في المحاكمة العادلة Droit à un procès équitable   (م6) وحقه في احترام حياته الخاصة والأسرية (م8) Droit au respect de la vie privée et familiale وضمان حرية التفكير والعقيدة Liberté de pensée, de conscience et de religion (م9) وحرية التعبير Liberté d’expression  (م10). وتحظر الاتفاقية كل أشكال التمييز Interdiction de discrimination بسبب الجنس أو اللون أو العرق أو اللغة أو الدين أو الأراء السياسية أو بسبب الانتماء للأقليات الوطنية L’appartenance à une minorité nationale (م14) أو بسبب الثروة La fortune أو بسبب الميلاد... الخ.
[61] راجع في تفصيلات هذا الحكم ، د. خير الدين عبد اللطيف ، اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان ودورها في تفسير وحماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد والجماعات ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1991 ، ص380 وما بعدها ، د.أحمد حامد البدري ، المرجع السابق ، ص145 وما بعدها.
[62] Cour européenne des droits de l’homme, Arrêt Minelli, 25 mars 1983, série A, n°62.
في استعراض للأحكام أخرى للمحكمة الأوروبية حول أصل البراءة راجع :
A. Grotrian, L’article 6 de la Convention européenne des droits de l’homme, Droit à un procès équitable, Les éditions du Conseil de l’Europe, 1994, p. 45 et s.
[63] في ذات المعنى ، د. علاء الصاوي ، المرجع السابق ، ص516.
[64] م.ق.أ. جلسة 8 مارس 1951 ، الدعوى رقم 217 ، س4ق ، المحاماة ، ع3-4 ، س56 ، مارس-أبريل 1971 ، ص159.
[65] راجع لمزيد من التفصيل حول قرينة البراءة في التشريعات المقارنة :
J. Pradel, droit pénal comparé, Dalloz, 1995, p. 379 et s.
[66] الجدير بالذكر أن الدساتير المصرية السابقة على دستور 1971 لم تكن تنص على هذا المبدأ. غير أن المحاكم ق اعتبرته ضمانة أساسية للمتهم في مواجهة سلطة الاتهام والحكم. راجع مثالاً لذلك ، نقض 2 ديسمبر 1954 ، مجموعة أحكام النقض ، س6 ، رقم 78 ، ص231. ولعل هذا الموقف القضائي يذكرنا بما جرى عليه عمل الحاكم الأمريكية من ضرورة توجيه المحلفين إلى ضرورة احترام مبدأ أصل البراءة رغم عدم النص عليه في الدستور الاتحادي.، إذ أنه مبدأ مستمد من كليات الدستور وتعديلاته المتعاقبة ويستند إلى مفاهيم قديمة سابقة على تطور الشريعة العامة Common Law. راجع د. أحمد إدريس أحمد ، المرجع السابق ، ص235 ما بعدها.
[67] هذا النهج كان يتبعه المشرع في اتحاد الجمهوريات اليوغسلافية السابق ، الذي كان ينص في المادة 181 من الدستور الاتحادي على مبدأ أصل البراءة  ، ويدعمه بالمادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية.
[68] د. علاء الصاوي ، المرجع السابق ، ص519.

تعليقات