القائمة الرئيسية

الصفحات



الأسس العامة لمهارات صياغة العقود (دراسة علمية تطبيقية )

الأسس العامة لمهارات صياغة العقود (دراسة علمية تطبيقية )

الأسس العامة لمهارات صياغة العقود (دراسة علمية تطبيقية )




إعداد وتأليف  الدكتور عمر الخولي



إن رجـل القـانون أيـاً كـان موقعـه ( محـام – قاضـي – مستشـار قـانوني – مـدعي عـام – محقـق ... )
ً مـن الأعمـال القانونيـة مثـل العقـود والاستشـارات والمـذكرات القانونيـة والأحكـام
تقتضي طبيعة عمله صياغة عـددا
القضائية ولوائح الادعاء واللوائح الجوابية ولوائح الاتهام ومحاضر التحقيق . ويتطلب كل من هذه الأعمال مهارة
عاليــة فــي الصــياغة والالتــزام بعــدد مــن المبــادئ الأصــولية عنــد صــياغتها ، منهــا مــا هــو شــكلي ومنهــا مــا هــو
موضـوعي حتـى لا تخـرج عـن الغـرض الـذي أعـدت مـن أجلـه أو تقـود إلـى منازعـات جانبيـة ذات صـلة بعمليـة
الصياغة .
ومـن هنـا فإنـه مـن المفتـرض فـي رجـل القـانون أن يكـون علـى علـم ودرايـة بقواعـد اللغـة التـي يصـيغ بهـا
العقــد ( أو الحكــم أو المــذكرة أو القــرار أو البحــث أو المحضــر أو اللائحــة أو أي عمــل قــانوني مكتــوب)، إذ لا
ً مـن
يمكن للصياغة القانونية أن تستقيم صائبة أو مقبولة دون أن تقوم على لغة قانونية صحيحة ، ذلـك أن كثيـر ا
الأفكار القانونية ليس لها ما يقابلها من مترادفات خاصة بها في اللغة الدارجة . لذا لابد لمن يتولى الصـياغة أن
يعلـم أن أي لفـظ أو كلمـة أو عبـارة تـرد فـي سـياق العقـد (أو أي كتابـة قانونيـة أخـرى) إنمـا تـرد وهـي تحمـل دلالـة
معينـة وتعنـي شـيئاً محـددا أن كلمـة أو لفظـاً مـا قـد ورد فـي ً، فـلا ينبغـي للصـائغ أن يستسـلم بسـهولة لأي زعـم بـ
وأياً السياق كمظهر بلاغي أو تجميل للعبارات أو إنه من المحسنات البديعية. كان الأمـر فإنـه لا يعنينـا مـن هـذه
الأعمال القانونية في هذه الدراسة سوى "صياغة العقود" باعتبارها المحور الرئيس لها .
وترتيبـاً علـى مـا تقـدم فـإن علـى مـن يتـولى صـياغة العقـود أن يعمـل علـى التـدقيق فـي اختيـار المصـطلح
الـذي يعبـر بـه عـن حقيقـة المعنـى المـراد مـن اللفـظ أو الكلمـة أو الجملـة أو العبـارة أو حتـى البنـد ككـل، والاعتنـاء
باختيــار المفــردات ، والتــأني فــي اختيارهــا لتكــون متطابقــة ومتوافقــة مــع مــدلولاتها الحقيقيــة والمــراد منهــا، وكــذا
الموائمة بين الألفاظ التي يمكـن أن يـؤدي ظاهرهـا إلـى أكثـر مـن معنـى أو إلـى معـاني متقاربـة رغـم أن لكـل منهـا
مدلولـه الخـاص وآثـاره الخاصـة بـه مـن حيـث هـو مصـطلح قـانوني بحـت ؛ مثـل أن يشـير إلـى "فسـاد العقـد" وهـو
يقصـد "بطلانـه" أو يشـير إلـى "انعدامـه" وهـو يقصـد "إنهـاء العمـل بـه أو" يشـير إلـ ا" ى نفسـاخ" العقـد وهـو يقصـد
"فســخ" العقـد ، أو يشـير إلـى "القــوة القــاهرة " وهـو يقصـد " الظــرف الطــارئ " . فـإذا مـا كـان مـدلول الإنهـاء أو
الانتهاء أو الفسخ أو الانفساخ أو الفساد أو البطلان أو الانعـدام يقصـد بـه زوال التصـرف أو العمـل القـانوني فـي
نهاية الأمر ، إلا أن لكـل لفـظ مـن هـذه الألفـاظ مدلولـه القـانوني الخـاص بـه والآثـار التـي يسـتقل بهـا عـن المعنـى
الآخر ، وكذا الأمر بين القوة القاهرة وبين الظـرف الطـارئ . ومـن هنـا فإنـه لابـد مـن مراعـاة الدقـة فـي عـرض أو
طرح الأفكار والتعبير عنها بحيث لا يتحول مدلول الكلمة إلى معنى غير المراد بها عند اتصالها بعلم الآخرين .
وعلــى صــعيد الأعمــال فــي محــيط التجــار ة الدوليــة ، أثبتــت المعطيــات العمليــة أن خبــرة رجــل القــانون فــي
ً عندما يطلب منه الجلـوس علـى طاولـة المفاوضـات لمناقشـة وصـياغة عقـد ذو
صياغة العقود المحلية لا تكفي أبدا

ً مـن العيـوب والثغـرات مثـل عـدم

طابع دولـي، فتكـون النتيجـة أن معظـم عقـود التنميـة فـي الـدول الناميـة تحـوي عـددان العيـوب والثغـرات مثـل عـدم 
مواجهة الاحتمالات الواردة في نصوص يتم إدراجها في العقد، وكذلك غياب التوازن بين طرفي العقد وعدم التعادل
في الأداءات أو احتمال تغير أسعار المواد الخام أو عملة الوفاء .
ٕ لذا فإن من يسند إليه إد طـلاع
ارة تعاقد وصياغة عقد ذو صبغة أو طبيعة دولية لابد أن يكـون علـى علـم وا
ودرايـة بـالإجراءات والقواعـد الدوليـة مثـل النقـل الـدولي للبضـائع ، وأنـواع البيـوع الدوليـة والتـأمين، وعمليـات البنـوك ،
والأسواق الدولية للسلع، والقروض الدولية فضلاً عن العملات الأجنبية وأسلوب تداولها وتحديد سعر صرفها والقيـود
التي عليها ، وأسلوب فض المنازعات الدولية ، وقواعـد الاختصـاص القضـائي ، والقـانوني والتحكـيم الـدولي ووسـائل
تنفيذ الأحكام الأجنبية في الدولة الأخرى .

ً من المدارس المتباينة التـي تتبنـى
 في مجال صياغة العقود يمكن القول – بصفة عامة - أن هناك عدد ا
أساليباً مختلفة في الصياغة ، ومن أبرز هذه المدارس:
١ - مدرسة الاستفاضة أو التوسع في النص :
 ومنطلق هذه المدرسة هو تبني أسلوب شرح كل الجزئيات اللازمة في بنود العقد بحيـث يكـون العقـد قالبـاً
ٕ متكاملاً وشاملاً ينظم شروط وقو جراءات وأحكام وضـعه موضـع التنفيـذ
اعد وا ، وتمثلهـا المدرسـة الأنجلـو أمريكيـة
(الولايات المتحدة وبريطانيـا ) أو مـا يعـرف بـدول القـانون العـام أو المشـترك . وهـو التوجـه الـذي يـأتي متطابقـاً مـع
الــذين يفضــلون التوســع فــي الشــروط عنــد الصــياغة ، ويــرون حريــة العقــود أنواعــاً وشــروطاً و وجــوب الوفــاء بهــا
جميعاً.

٢ - مدرسة التضييق أو التحجيم في النص:

 ومنطلق هذه المدرسـة هـو أن العقـد يجـب ألا يتضـمن نصوصـاً تفصـيلية تزيـد عمـا هـو مطلـوب أو لازم
لموضـوع العقـد وتمثلهـا المدرسـة اللاتينيـة (فرنسـا ) أو مـا يعـرف بـدول القـانون المـدني . وهـو التوجـه الـذي يـأتي
منسـجماً مـع المدرسـة التـي تميـل إلـى التضـييق فـي الشـروط قـدر الإمكـان ، فـلا يكـون لأي مـن طرفـي العقـد أن
يشترط شروطاً تخالف مقتضى العقد، وليس لأي طرف أن يخالفه أو يضيف له شيئاً يقيده بقيد .
٣ - المدرسة الوسطية :
 وتتبنـى هـذه المدرسـة منطلقـاً يسـتهدف حفـظ الحقـوق بقـدر متـوازن مـن الصـياغة أي دون استفاضـة فـي
تفاصيل العقد ودون اختصار فيها على نحو قد يخل بالعقد أو يغفل جوانب هامة فيه. ويمثل هـذا الفقـه عـدد مـن
الـدول التـي تـدور فـي فلـك المدرسـة اللاتينيـة، التـي رأت اللجـوء إلـى الموائمـة بـين الإسـهاب الممـل وبـين الإيجـاز
المخـل فتبنـت أسـلوباً ينطـوي علـى قـدر مـن التوسـع المحـدود فـي الاحتمـالات التـي قـد تطـرأ علـى وضـع العقـود
موضع التنفيذ 
 حـري بنـا قبـل الخـوض فـي مهـارات وفنـون وأسـاليب صـياغة العقـود ، أن نلقـي – بإيجـاز شـديد - بقـدر
من الضوء على تعريف العقد وأنواعه وأرك ، انه قبـل أن نتعـرف علـى بعـض الأدوات المتداولـة فـي الحيـاة العمليـة
والتي قد تختلط مع العقود بينما هي أدوات تقود إلى إبرامه وتمهد إلى ذلك .

* تعريف العقد :

ً" لمـا قـد
ً لمـا يمكـن أن يعـد "عقـدا
 لـم يجـر العمـل علـى أن تتـولى القـوانين (الأنظمـة) تبنـي تعريفـاً محـددا
يترتـب علـى تبنـي تعريـف محـدد مـن مشـاكل تطفـو علـى السـطح فـي الحيـاة العمليـة . لـذا فقـد جـرى العمـل فـي
مختلف المدارس القانونية والأنظمة القضائية على ترك مهمة تحديد تعريف أو مفهوم "العقد" لفقهاء القـانون ومـن
بعده القضاء .
 و بصفة عامة يمكن تعريف العقد بأنه كل ما يعزم المرء على فعله أو يشترطه على نفسه أي يعقـد لنفسـه
أو لغيـره علـى فعلـه والوفـاء بـه بإرادتـه وعزمـه علـى وجـه الإلـزام . وبهـذا فـإن مفـردة "العقـد" تطلـق علـى مـا يترتـب
على التقاء إرادتين لإحداث أثر على محل .
 وقـد عرفـه الـبعض بأنـه " ربـط أجـزاء التصـرف بالإيجـاب والقبـول "
)٣(
 . كمـا عرفـه آخـرون بأنـه "
)٢ )ارتباط الإيجاب بالقبول الإلزامي "
ً
 . أما مجلة الأحكام العدلية فقد عرفته بأنه " التزام المتعاقدين وتعهدهما أمرا
)٣ ، )وهو ارتباط الإيجاب بالقبول ... "
 .
 وقـد اتفـق فقهـاء القـانون – بصـفة عامـة - علـى أن العقـد هـو : توافـق أو التقـاء إرادتـين أو أكثـر علـى
.)٤ )إحداث أثر قانوني معين، سواء بالإنشاء أو النقل أو التعديل أو الإنهاء.

 كما عرفه القانون المدني الفرنسي بأنه : اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو عدة أشخاص آخرين بإعطاء
شيء أو بفعله أو بالامتناع عن فعله .

 والمراد بـ " توافق إرادتين " أي تقابلهما وتراضيهما مثل إرادة الزوج مقابل إرادة الزوجة في عقـود النكـاح ،
ٕ رادة البائع مقابل إرادة المشتري في عقود البيع ونحو ذلك
وا . أما الأثر القانوني الذي يترتـب علـى هـذا التقابـل أو
الالتقاء أو التوافـق بـين الإرادات فيتمثـل فـي التـزام الـزوج بـدفع المهـر والإنفـاق علـى زوجتـه وقيـام الزوجـة بـالالتزام
بالواجبات الزوجية ، وتسليم البائع المبيع أو محل البيع للمشتري وقيام هذا الأخير بتسليم الثمن إلى البائع . ومن
حيث التقاء الإرادات على التعديل فمثل الاتفـاق علـى تعـديل الـثمن فـي عقـود البيـع أو تعـديل القيمـة الإيجاريـة أو
مدة العقد في عقود الإيجار ونحو ذلك . ومن حيث الإنهـاء فمثلـه أن يتفـق الطرفـان وتلتقـي الإرادات علـى إنهـاء
الرابطة العقدية القائمة بينهما بالتراضي 


تعليقات