القائمة الرئيسية

الصفحات



واصل تزويج القاصرات

دكتور/ نصر فريد محمد واصل
مفتي الديار المصرية الأسبق
وعضو هيئة كبار علماء الأزهر
 

مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله الهادي الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وسلك طريقه إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد كرم بني آدم على جميع خلقه حيث جعل فيهم دون غيرهم خلافة الأرض وعمارتها إلى أن تقوم الساعة، قال تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾  (البقرة: 30) والمراد به الإنسان، آدم وذريته إلى قيام الساعة ولتحقيق هذه الخلافة على الوجه الذي ارتضاه الله لتحقيق سعادة الفرد والجماعة فقد شرع الله سبحانه من النظم والقوانين التي جاءت إلى البشر بواسطة وحيه ورسله جميعاً عليهم الصلاة والسلام ما ينظم كل جوانب الحياة البشرية في سبيل المحافظة عليها وتحقيق العدالة لكل القائمين فيها. وقد جاءت هذه القوانين الشرعية عامة وشاملة وموفية للغرض المراد منها شرعاً، ومن هذه التشريعات ما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية في العلاقة التي تجمع بين الذكر والأنثى ويتحقق معها استخلاف هذه الحياة. ونظراً لأن الفقه الإسلامي هو الذي يتولى توضيح هذه النصوص الشرعية وبيانها وتوضيحها حسبما أراده المشرع وهو الله سبحانه وتعالى وذلك من خلال عمل الفقيه أو المجتهد في النصوص الشرعية.
فقد عزمنا الإرادة بإذن الله وتوفيقه على الكتابة في فقه الأسرة ببحث حول تزويج القاصرات لتقديمه إلى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بمكة في دورته الحادية والعشرين وذلك بناء على طلبه بخطاب أمينه العام الأستاذ الدكتور/ صالح بن زابن المرزوقي وقد أعددنا هذا البحث في مقدمه وتمهيد وعدة مطالب وخاتمة ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى ما قصدنا إليه لخدمة العلم وأهله والإسلام والمسلمين في بعض قضاياهم الأسرية وأحوالهم الشخصية في إطار أحكام الشريعة الإسلامية وفقهها التشريعي في الدول الإسلامية.
والله الموفق والهادي إلى طريق الحق والصواب،،


المطلب الأولآراء الفقهاء في «من يصح منه عقد النكاح»

مذهب الجمهور:
ومذهب جمهور الفقهاء أنه لا يصح عقد النكاح إلا من جائز التصرف وهو المكلف البالغ العاقل الذكر وذلك لأن النكاح عقد معاوضة وعقد المعاوضة يترتب عليه إلتزام والصبي والمجنون ليسا من أهل الإلتزام بالأحكام الشرعية والعقود وذلك لرفع التكليف عنهما بحديث «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ» ولأن فاقد الشيء لا يعطيه(1). فإذا كان لا يقدر عليه لنفسه فيكون عجزه عن أدائه لغيره من باب أولى.
كما لا يصح عقد النكاح من المحجور عليه لسفه إلا بإذن الولي لأن النكاح عقد يستحق به المال والسفيه ممنوع من التصرف في المال إلا بإذن فإن أذن له من الولي أو القيم عليه أو الحاكم صح النكاح منه لأن الولي لا يأذن إلا فيما يرى أنه مصلحة له(2) لأن إذنه الشرعي مقيد بذلك.
هل للمرأة ولاية في عقد النكاح؟
اختلف الفقهاء في ولاية المرأة لعقد النكاح لنفسها أو لغيرها على أقوال خمسة وذلك على النحو التالي:
القول الأول- جمهور الفقهاء:
لا يجوز ولا يصح عند الجمهور من الفقهاء أن تتولى المرأة بنفسها عقد النكاح لاشتراط الولي الذكر في عقد النكاح وهي ليست من أهل الولاية به لخطـره وللنهـي الصـريـح الـوارد في ذلك من النبي ﷺ وهو حديث أبي هريرة -  - عن النبي ﷺ: «لا تنكح المرأة المرأة ولا تنكح المرأة نفسها»(3). 
وبناء على ذلك لا تملك المرأة تزويج نفسها ولا تزويج غيرها ولا توكيل غير وليها في تزويجها فإن فعلت ذلك لم يصح النكاح وقد روي هذا عن عمر بن الخطـاب وعلي بن أبي طالب، وابن مسعـود، وابن عباس وأبي هريـرة وعـائشـة - رضي الله عنهم- وإلى هذا الرأي ذهب سعيد بن المسيب والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد الله العنبري ومالك في رواية أشهب عنه والشافعي وابن حزم وإسحاق وأبو عبيد ورواية عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة(1).
القول الثاني:
يجوز للمرأة البالغة العاقلة تزويج نفسها بنفسها ولها أن تزوج غيرها ولها أن توكل أو تتوكل فيه وليس بلازم لصحة العقد إذن وليها بل ذلك مستحب فقط، فإذا عقدت بدون هذا الإذن كان العقد صحيحاً على خلاف المستحب كفؤاً كان الزوج أو غير كفء وهذا المذهب هو رواية أبي حنيفة الأولى(2) في المذهب الحنفي.
القول الثالث:
لأبي حنيفة في روايته الثانية أنه يصح للمرأة ولاية عقد النكاح إن كان الزوج كفؤاً ولا يصح إن كان غير كفء وهذه الرواية هي المختارة للفتوى ولكن الكمال ابن الهمام رأى أن هذا القيد متعلق بما إذا كان للمرأة أولياء على قيد الحياة فإن لم يكن لها أولياء صح العقد منها في جميع الحالات(3).
القول الرابع:
لمحمد بن الحسن في أحد القولين وأبى يوسف في إحدى الروايتين وابن شبرمة، والقاسم بن محمد والحسن بن صالح وهو منسوب لأبي ثور أيضاً كما قال الشوكاني وغيره إن المرأة تصح ولايتها لعقد النكاح إن أذن لها الولي وإن لم يأذن كان العقد موقوفاً على الإجازة، إن أجاز صح العقد والدخول بها، وإن لم يجز بطل العقد ولا يجوز الدخول بها فإن تم دخول كان زنا ولا يثبت به النسب ولا أي حق يتعلق بعقد النكاح الصحيح وإن كان أبو يوسف يرى أن الزوج إذا كان كفؤاً وامتنع الولي عن الإجازة ورفعت المرأة الأمر للقاضي أجاز العقد ولا يلتفت إلى عدم إذن الولي(1).
القول الخامس:
يصح ولاية النكاح للمرأة إن كانت ثيباً ولا يصح إن كانت بكراً ونسب هذا القول إلى داود الظاهري(2).
أدلة من قالوا بأن للمرأة أن تتولى عقد النكاح بنفسها:
استدل أصحاب هذا القول بقوله تعالى: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ (البقرة: 232).
فالله سبحانه وتعالى قد أضاف النكاح إليهن ونهى عن منعهن منه، ولأن النكاح خالص حق المرأة وهي من أهل المباشرة للعقود في الجملة فصح منها عقد النكاح كما يصح منها عقد البيع في مالها، ولأنها إذا ملكت بيع أمتها وهو تصرف في رقبتها وسائر منافعها ففي النكاح الذي هو عقد على بعض منافعها أولى(3).
وهذا قول أبي حنيفة وزفر والحسن وظاهر الرواية عن أبي يوسف(4)، كما استدلوا بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ (البقرة: 230), وقوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: 234), حيث أضاف النكاح والفعل إليهن، وذلك يدل على صحة عبارتهن ونفاذها، لأنه أضافه إليهن على سبيل الاستقلال إذ لم يذكر معها غيرها. والمرأة إذا زوجت نفسها من كفء بمهر المثل فقد فعلت في نفسها بالمعروف فلا جناح على الأولياء في ذلك(1).
كما استدلوا أيضاً بما روى ابن عباس: «أن فتاة جاءت إلى النبي ﷺ فقالت: يا نبي الله إن أبي زوجني من ابن أخ له ليرفع بي خسيسته وأنا له كارهة، فقال لها: أجيزي ما صنع أبوك، فقالت: لا رغبة لي فيما صنع أبي قال: فاذهبي فانكحي من شئت فقال: لا رغبة لي عما صنع أبي يا رسول الله، ولكني أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من أمور بناتهم شيء»(2).

أدلة الجمهور على عدم جواز تولي المرأة عقد النكاح:

وقد استدل جمهور الفقهاء لما ذهبوا إليه من عدم الجواز بما يأتي: 
أولاً: ما روت عائشة - رضي الله عنها- عن النبي ﷺ أنه قال: «أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهم كما ذكره صاحب المغنى وغيره(3).
ثانياً: بما روي عن عائشة وأبي موسى وابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال: «لا نكاح إلا بولي» رواه أحمد وقال صحيح(4).
ثالثاً: أن المرأة الصغيرة لا يصح منها العقد ولأنها مولى عليها بالاتفاق فكذلك الكبيرة لا تليه بنفسها لأنها كالصغيرة. وأما ما ذهب إليه الحنفية من الاستدلال بالآية: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ (النساء: 232) على جوازه منها فإن الجمهور يقولون بأنها دليل على المنع لأنها وردت للنهي عن العضل في النكاح وهو منع المرأة من النكاح، فإن عضل الولي هو الامتناع من تزويجها كما هو صريح الآية في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ﴾ (النساء: 19) وهذا يدل على أن نكاح المرأة إلى الولي ويدل على ذلك سبب نزول الآية فقد نزلت في شأن معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته فنهاه النبي ﷺ عن العضل فزوجها، وأما إضافة النكاح إلى النساء في الآية فسببه لأنهن المحل له وهذا لا خلاف فيه(1).
رابعاً: واستدل الجمهور أيضاً بقوله تعالى: ﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ (البقرة: 221) فإن هذا خطاب للأولياء بألا ينكحوا المسلمات للمشركين. ولو كان يجوز للمرأة إنكاح نفسها لما كانت الآية دالة على تحريم أن تزوج المرأة المسلمة نفسها للمشرك والإجماع قائم على حرمته وبطلانه لأن الذين يذهبون إلى جواز إنكاح المرأة نفسها يذهبون في نفس الوقت إلى أنه يصح أن ينكحها وليها أيضاً، فيلزم أن تكون الآية غير وافية بالدلالة على تحريم إنكاح المشركين للمسلمات لأنها دلت على نهى الأولياء أن ينكحوا مولياتهم للمشركين ولم تدل على نهي المسلمات أن ينكحن أنفسهن لهم، ومن المعلوم أن نكاح المسلمات بالمشركين لا يجوز بالإجماع، فالأمر إذن للأولياء يدل على أنه ليس للمرأة أن تتولى عقد النكاح(2) بنفسها. 
خامساً: كما استدل الجمهور أيضاً بقوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ (النساء: 25) وبقوله سبحانه: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ (النور: 32).
فلو كان للنساء ولاية على أنفسهن لكان التكليف متوجهاً إليهن كما في سائر التصرفات الخاصة بهن كما في قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ (البقرة: 228).
وقوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ (النور: 31) الآية، ولكان أولياؤهن بالنسبة إليهن كالأجانب فلا يتوجه التكليف إليهم بشيء مما يختص بنكاحهن، كما لم يتوجه التكليف إليهم فيما يتعلق بالتصرفات التي يجوز لهن أن يستقللن بها(1).
سادساً: بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة 232) لأن معنى العضل في اللغة هو المنع يقال عضل فلان ابنته من كذا إذا منعها منه ويراد به عند الفقهاء منعها من التزويج؛ فأصل العضل في اللغة الضيق يقال: عضلت المرأة إذا نشب الولد في بطنها، ويقال: عضلت الأرض بالجيش، أي ضاقت بهم لكثرتهم، وأعضل المريض الأطباء أي أعياهم. وسبب نزول الآية يؤيد هذا المعنى الذي قال به جمهور الفقهاء لأنها نزلت في معقل بن يسار وكان قد زوج أختاً له(2) من رجل فطلقها،حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها من أخيها معقل فقال له معقل: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبداً، وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية، فقال معقل: الآن أفعل يا رسول الله، ثم زوجها إياه(3).
فهذه الآية صريحة في أن النكاح لا يصح بعبارة المرأة ولو كانت ثيباً وذلك لأن أخت معقل كانت ثيباً كما ثبت في سبب النزول ولو كان يجوز لها أن تعقد نكاحها بإرادتها وحدها لزوجت نفسها بدون حاجة إلى إذن وليها. ولما كان هناك داع إلى نهي الأولياء عن عضل النساء الذي ورد في الآية الكريمة وحاش لله أن يأتي بما لا فائدة منه فدل صريح الخطاب في الآية على أن العضل حق للأولياء على النساء وهذا صريح في أن حق ولاية العقد في النكاح للرجل لا للمرأة(4).
سابعاً: بما روي عن أبي هريرة -  - ﷺ أنه قال: «لاتزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، وكنا نقول: إن التي تزوج نفسها هي الفاجرة»(1).
مناقشة أدلة الجمهور من المخالفين لهم والرد عليها:
 وقد نوقش دليل الجمهور الأول وهو حديث عائشة: «أيما إمرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ....» بأن مداره على الزهري فعرض عليه فأنكره وحديث عائشة الثاني: «لا نكاح إلا بولي» إما أن يكون ضعيفاً لأن عائشة –رضي الله عنها- عملت بخلافه حيث زوجت بنت أخيها عبد الرحمن في غيبته وتولت هي عقد النكاح بدلاً عنه عندما جاءها الزوج الكفء المنذر بن الزبير فلا يعقل أن تخالف حديثاً صحيحاً هي الراوية له فهو إما غير صحيح أو منسوخ أو يحمل على غير البالغة العاقلة لأنه لا  ولاية لها على عقد النكاح بلا خلاف وللجمع بين الأدلة ولأن هذا الحمل يتفق مع بعض روايات الحديث الأول وهو أيُّما أمة أنكحت بغير إذن وليها بدل أيما إمرأة ولا خلاف في أن ولاية الأمة لسيدها لا لنفسها فقد ورد في بعض الروايات «أيما أمة أنكحت نفسها بغير إذن وليها» فيحمل المطلق على المقيد. أي يحمل حديث المرأة المطلق على حديث الأمة أي تقيد المرأة في الحديث بالأمة للجمع بين الروايتين أو يرجح بينهما ورواية الأمة أرجح لأنها لا تعارض القياس لأن الأولى تعارض القياس أو تحمل على غير البالغة كما ذكرنا ولأن رواية الأمة لا طعن فيها بخلاف رواية المرأة فقد حكي عن أبي العباس المروزي قال سمعت يحيى بن معين يقول: ثلاثة أحاديث لم تثبت عن النبي: «كل مسكر حرام، ومن مس ذكره فليتوضأ، ولا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» ووافقه على ذلك أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
ولأن من مذهب عائشة - رضي الله عنها- جواز النكاح بعبارة النساء وإذا كان مذهبها هذا فكيف تروي حديثاً لا تعمل به ولئن ثبت فيحمل على الأمة لأنه روي في بعض الروايات أيما أمة أنكحت نفسها بغير إذن مواليها وهذا يدل على أن المراد بالمرأة المرأة غير الحرة وهذا جمع بين الدلائل, والجمع إذا أمكن أولى من إعمال البعض وإهمال الآخر بغير دليل قاطع وصريح(1).
وقال ابن الهمام في حديث: «لا نكاح إلا بولي» إنه مضطرب في إسناده لأنه روي موصولاً ومنقطعاً ومرسلاً.
وعلى فرض أننا قلنا إن الأصح فيه أنه موصول لأن الوصل والرفع مقدمان على القطع والإرسال إذا حدث التعارض كما هو الرأي الأصح فإنه حينئذ يكون حسناً وإذا كان هناك حديث أصح من الحسن ومعارضاً له كحديث الثيب أحق بنفسها من وليها فإنه يجب أن يعمل بالحديث الصحيح ويقدم على الحسن(2).
جواب الجمهور عن هذا الاعتراض:
وجواب الجمهور عن هذا الاعتراض من الحنفية هو: أن حديث «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» حديث صحيح بدليل أنهم قد احتجوا به في كون الشهادة واجبة في عقد النكاح ولا يصح النكاح بدونها فكيف يتصور أن يحتجوا بجزء من حديث ويتركوا الجزء الآخر فإذا وافقوا على الاحتجاج بجزئه دل على صحته عندهم ولزمهم العمل ببقية الحديث في جزئه الآخر.
وأما إدعاء أن هناك تعارضاً بين هذا الحديث وأحاديث صحيحة تدل على أن المرأة يجوز لها أن تتولى عقد النكاح بنفسها فإنه يسلم لهم إذا لم يمكن الجمع بينه وبينها ولكنه يمكن الجمع بينهما جميعاً لأن الأول في شأن ولاية العقد والثاني في حق المرأة في إذنها عند النكاح وأنها أحق بنفسها من وليها في هذا الإذن الصريح إذا كانت ثيباً وبذلك يتعلق هذا الحديث بولاية الإجبار وولاية الاختيار من الولي  في عقد النكاح وليس بولاية المرأة لنفسها في عقد النكاح.
الاعتراض الثاني على أدلة الجمهور والرد عليه:
وقد نوقش الجمهور في إستدلالهم بآية: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ...﴾  (البقرة 232) بأن حديث معقل بن يسار  غير ثابت على مذهب أهل النقل في سبب النزول وذلك لأن في سنده رجلاً مجهولاً.
وبيان ذلك أن هذا الحديث قد رواه شريك عن سماك عن ابن أخ معقل بن يسار عن معقل ففيه رجل مجهول هو الذي روى عنه سماك، وإذا كان هذا الحديث قد روي برواية الحسن البصري، فإن حديث الحسن مرسل وعلى فرض ثبوت هذا الحديث فإن ذلك لا يكون نافياً لجواز أن تتولى المرأة عقد نكاحها، وذلك لأن معقل فعل ذلك فنهاه الله عنه فبطل حقه في العضل، بل إن ظاهر الآية يقتضي أن يكون ذلك خطاباً للأزواج، لأن الله تبارك وتعالى قال: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ (البقرة 232) فقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ إنما هو خطاب لمن طلق. وإذا كان الأمر كذلك فإن معنى الآية حينئذٍ هو نهي للأزواج عن عضل المرأة عن الأزواج بتطويل العدة عليها كما في قوله عز وجل: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا﴾(1) .
جواب الجمهور عن هذا الاعتراض:
وقد أجاب الجمهور عن هذا الاعتراض بأن الرواية التي رواها البخاري عن أحمد بن أبي عمر النيسابوري بسنده عن الحسن البصري عن معقل بن يسار متصلة وأن معقل بن يسار حدث الحسن البصري بأنها نزلت فيه وبهذا يكون الحديث صحيحاً وصريحاً رفعه ووصله إلى النبي ﷺ كما قال الحافظ بن حجر العسقلاني(2).
وأما الرد على قولهم بأنه مع صحة الحديث فإن هذا لا ينفي جواز أن تعقد المرأة نكاحها بنفسها لأن معقلاً فعل ذلك فنهاه النبي ﷺ  عنه فبطل حقه في العضل وإذا بطل حقه في العضل رجع الحق لها ويجاب عن ذلك بأننا نوافق على أن معقلاً قد بطل حقه في منعها من الزواج ولكننا لا نوافق على أن ذلك يعني أن لها نكاح نفسها بعبارتها الخاصة بل لا يصح بعبارتها ولا بد أن يعقد لها ولي ليصح العقد لحديث «لا نكاح إلا بولي» جمعاً بين الأدلة.
والذي يدل على أن الولي هو الذي يعقد لها أنه لما نزلت الآية تنهى عن المنع من عضل النساء ودعا رسول الله ﷺ معقلاً وقرأها عليه امتثل معقل لأمر الله وقال: الآن أفعل يا رسول الله وزوجها لزوجها الذي طلقها وكفر عن يمينه(1).
ولو كان النبي ﷺ قد فهم من الآية أنه يجوز لأخت معقل أن تنكح نفسها لأمرها بذلك بعد نزول الآية، ولأبان لأخيها معقل أنه لا ولاية له عليها ولما حنث أخوها في يمينه ولما كفر عنه(2).
وأما القول بأن ظاهر الآية يقتضي أن يكون ذلك خطاباً للأزواج وليس للأولياء، فالرد عليه أن سبب نزول الآية، مبين لضعف هذا القول ورده كما قال الصنعاني(3).
الاعتراض الثالث على أدلة الجمهور والرد عليه:
وقد نوقش الجمهور في حديث أبي هريرة: «لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها» واعترض على دليل الجمهور منه بعدة أمور: 
الأول: أن النهى الوارد في الحديث محمول على الكراهة بالنسبة للمرأة لحضور مجلس الرجال الذي يحصل فيه العقد، لأنه ورد الأمر بإعلان النكاح فيجتمع الرجال فكره أن تحضر المرأة هذا الاجتماع(4).
الأمر الثاني: أن ابن كثير قال في هذا الحديث: الصحيح وقفه على أبي هريرة كما في نيل الأوطار(1) وقد جاء هذا الحديث في لفظ للدارقطني وفيه: «وكنا نقول: إن التي تزوج نفسها هي الفاجرة»(2).
الأمر الثالث: أن معنى هذا الحديث من حيث ظاهر لفظه متناقض مع ما أجمع عليه المسلمون من أن تزويج المرأة لنفسها لا يعد زنا إذا دخل بها الزوج لأن الفقهاء الذين لا يجيزون إنكاح المرأة بنفسها يعتبرونه نكاحاً فاسداً يجب به المهر والعدة ويثبت به النسب إن حصل منه ولد(3).
جواب الجمهور عن هذا الاعتراض:-
وقد أجاب الجمهور عن هذه الاعتراضات بما يأتي فقالوا: والجواب عن الأمر الأول أن الأصل في النهي إنه يفيد التحريم، ولا ينصرف إلى الكراهة إلا لوجود دليل يدل على ذلك ولا دليل هنا، وهذا التحريم المستفاد من هذا الحديث مؤكد بالأدلة الأخرى التي تم الاستدلال بها والتي منها حديث: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل»، وحديث: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» وقد ثبت صحة هذه الأحاديث.
وأما الجواب عن الاعتراض الثاني: وهو أنه موقوف على أبي هريرة فإن هذا الحديث رواه الدارقطني والبيهقي بطرق متعددة ففي بعض هذه الطرق جاء جميع طرق الحديث مرفوعاً وفي بعضها جاء موقوفاً، وفي رواية ثالثة رفع الجملتين الأوليين مع التصريح بوقف الجملة الأخيرة.
وهذه الرواية الثالثة جاء فيها الجملتان الأوليان مرفوعتين إلى النبي ﷺ وقد رويت عن عبد السلام بن حرب الملائي عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين عن أبي هريرة -  - قال: «لا تنكح المرأة المرأة، ولا تنكح المرأة نفسها» قال أبو هريرة: كنا نعد التي تنكح نفسها هي الزانية، رواه كل من الدارقطني والبيهقي في السنن(1).
وقد جاءت رواية الدارقطني بلفظ: قال رسول الله ﷺ: «لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها» وكنا نقول إن التي تزوج نفسها هي الفاجرة(2).
وفي رواية أخرى.. وقال أبو هريرة: وكان يقال: «الزانية تنكح نفسها»(3).
وعبد السلام بن حرب الملائي، الذي رويت عنه الرواية التي فيها رفع الجملتين الأوليين، مع بيان أن الجملة الأخيرة من الحديث موقوفة، وعبد السلام هذا يقول عنه الحافظ البيهقي بعد أن ذكر سائر الروايات: «وعبد السلام بن حرب قد ميز المسند من الموقوف، فيشبه أن يكون قد حفظه»(4).
ومعنى كلام البيهقي هذا أن غير عبد السلام من الرواة قد خلط بين المرفوع والموقوف، فبعض الرواة روى جميع الحديث مرفوعاً، وبعضهم روى جميعه موقوفاً، لكن عبد السلام قد ميز قول الرسول ﷺ عن قول أبي هريرة -   -(5). وأما جواب الجمهور عن اعتراض الحنفية الثالث فيمكن أن يجاب عنه بأن أبا هريرة والصحابة - رضوان الله عليهم- عندما قالوا: إن التي تزوج نفسها هي الفاجرة يريدون تشبيه المرأة التي تزوج نفسها بالزانية بجامع أن كلا منهما تقدم على تسليم نفسها لرجل من غير وجود الولي وإذنه الذي يظهر من خلال عقده لها أمر النكاح الذي أوجدته الأدلة الصريحة وبينته بياناً واضحاً لا لبس فيه ولا خفاء، ولا يلزم من التشبيه أن يأخذ المشبه جميع صفات المشبه به وأحكامه، فلو قيل مثلاً: كل من يقتحم حصون العدو فهو أسد، فإن هذا تشبيه للمقتحم بالأسد في الشجاعة، ولا يلزم من هذا التشبيه أن يكون المقتحم كالأسد في جميع صفاته وأحكامه. وإنما لم يجب حد الزنا على التي زوجت نفسها ودخل بها زوجها لوجود شبهة العقد مع الإنهاء، ولأن الحدود تدرأ بالشبهات بلا خلاف عملاً بالقاعدة الشرعية «ادرءوا الحدود بالشبهات».
الترجيح والاختيار:
والذي نميل إليه في الترجيح والاختيار والله اعلم هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن ولاية النكاح في الزواج إنما تكون للرجال دون النساء لقوة أدلتهم التي استدلوا بها واقتناعنا بوجهة نظرهم في ردهم على الاعتراضات ردا علميا مقنعا مدعما بالأدلة النقلية تارة والعقلية تارة أخرى.
ولأن العمل بمذهب الجمهور بجمع بين الأدلة النقلية والعقلية بخلاف مذهب المخالفين لهم فإن العمل به قد يؤدي إلى ترك كثير من النصوص النقلية الشرعية الصحيحة في مواجهة العقل أو القياس وهذا لا نحبذه ولا نقول به في مجال الأحكام الشرعية وبخاصة التي مدارها على السماع وتعتبر في مرتبة العبادات إن لم تكن منها كمسائل الأحوال الشخصية التي أغلب أمورها إنما تبنى على السماع. وأما مخالفة عائشة لما روته من حديث فإن هذا لا يؤثر في حديثها من حيث وجوب العمل به إذا ثبت صحته ولأن هذا اجتهاد منها في مقابلة النص ولا عبرة عند الجمهور بهذا الاجتهاد إذا تعارض مع النص الصريح أو تعتبر أنها خالفت على سبيل الرخصة من وجهة نظرها اجتهاداً منها لعدم الولي العصبة في ذلك الوقت خوفاً من ضياع الخاطب الكفء لمن تريد زواجها منه.
والخلاف إنما ورد في حكم الأصل وهو العزيمة لا في حكم الضرورة وهو الرخصة والضرورة تقدر بقدرها.
ولأن العمل بمذهب الجمهور لا يضيع حقها في الإذن في نكاح من ترغب فيه ولا يضيع حقها أيضاً في منع العضل عنها إذا أرادت زوجا وأراد وليها من لا ترضاه ولا يضيع أيضا حق الأولياء في اختيار من يشاركهم في نسبهم والذي في سبيله يضحون بالنفس والمال النفيس محافظة عليه وهو مقصد شرعي نبيل دعا إليه الشارع الإسلامي ورغب فيه بل أوجب العمل به والمحافظة عليه فهم لا يرضون أبداً أن يتصل بنسبهم من قد يدنسه أو ينقص من كرامتهم أو يحط من قدرهم وهم من المرأة أدرى بمن يحقق لهم ولها هذا المقصد الشرعي النبيل لاختلاط الرجال بالرجال كثيراً ومعرفتهم ذلك بواسطة هذا الاختلاط في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسؤال عمن يريدون مصاهرته، وليس من السهل خداعهم كما يحدث للمرأة غالباً لكثرة حيائها عادة وخجلها وبعدها عن اختلاط الرجال إلاّ لضرورة شرعية كما أوجب الشارع وأمر بالنسبة لمعاملات الحياة بين الرجال والنساء وفي شئون الحياة كلها.

المطلب الثاني: رأينا في مكونات عقد النكاح المشروع وشروطه الشرعية:

وإذا كان قد ظهر لنا من خلال عرض مذاهب الفقهاء خلاف في مكونات عقد النكاح «أركانه» وشروطه الشرعية فقد ظهر من خلال العرض والبحث أيضاً اتفاقهم في مكونات عقد النكاح الرئيسية وشروطه الجوهرية التي لا يمكن أن يتم العقد في نظر الشارع وتترتب عليه آثاره الشرعية إلا إذا توفرت فيه جميعها وهي: «العاقدان، والمعقود عليه «من يحل نكاحها» والصيغة «الإيجاب والقبول» بما يدل على الرضائية الكاملة بين الزوجين أو من ينوب عنهما بولاية شرعية أو وكالة، والإشهاد على العقد بما يفيد إعلان النكاح بين الناس وإشهاره بينهم حفظاً للنسب والحقوق الزوجية الناشئة عن عقد النكاح الشرعي الصحيح، ومع اتفاق الفقهاء على ذلك من حيث الإجمال إلا أنهم اختلفوا في التفصيل والبيان وقد ظهر لنا من خلال البحث والدراسة أن خلافهم ليس في الجوهر والأصل، وإنما الخلاف في الفروع والشكل، ومن ذلك خلافهم في الولي هل هو ركن في العقد أم شرط صحة أو شرط نفاذ ولزوم، وخلافهم في إعلان عقد النكاح هل هو ركن أو شرط صحة أو ليس بركن ولا شرط، وهل يكفي لتحقق ركن الإعلان على القول بلزومه شهادة الشهود أم لابد من إشهار العقد وإعلانه بين الناس بالطرق المتعارف عليها بما يحقق الذيوع والانتشار بين الناس والشهادة العامة على عقد النكاح، وذلك بدعوة الناس إليه لحضوره وإشهاده ولو بالضرب عليه بالدف لإشهاره بين العامة والخاصة ولو لم تكن له شهادة خاصة تشهد عليه اكتفاء بهذه  الشهادة التي بلغت مبلغ الشهرة والتواتر والتي من خلالها تتحقق الشهادة الخاصة التي تحمي آثار عقد النكاح وأهمها مقصده الأصلي وهو حماية النسب وحفظه بين الناس وكذلك بقية الحقوق الزوجية الناشئة عن عقد الزواج الصحيح، أم يكفي فقط الإعلان بمعناه الخاص بواسطة الإشهاد على العقد لأن بالإشهاد الخاص يتحقق الإعلان بين الناس بهذا النكاح إذا لم يتم التواصي بالكتمان.
ونظراً لأن هذا الخلاف المشار إليه سابقاً بين الفقهاء في مكونات العقد وشروطه من حيث التفصيل، له أسبابه الفقهية والشرعية المقبولة من حيث البحث والدراسة إلا أن الأمر قد يختلف في مجال الترجيح والاختيار والتطبيق والقضاء والتنفيذ ولهذا يجب عند الترجيح والفتوى والقضاء مراعاة حال العقد وما يلائم مصالح الناس وتحقيق المقاصد الشرعية بينهم من مشروعية العقد أو حله لهم وذلك بما يتوافق مع نصوص الشارع وأحكامه في الجملة ولا يتعارض معها بأي حال من الأحوال، وذلك لأن فقه الفقهاء ومذاهبهم الفقهية ما هي إلا تفسير لنصوص الشارع وأحكامه التشريعية وقد تختلف المدارك البشرية في الغاية التي توصلت إليها من فهم النص الشرعي وتفسيره للوصول إلى معرفة حكم الشرع في المسألة أو القضية إذا كانت طبيعة النص تجيز هذا الاختلاف في التفسير وليست من النصوص القاطعة في دلالتها الشرعية التي لا يجوز الخلاف في فهم دلالتها الشرعية عند الفقهاء المجتهدين الذين توفرت لهم أدوات الاجتهاد الشرعي وشروطه الشرعية كما بينها علماء أصول الفقه الإسلامي في مظانها وفي محلها المعروف لكل باحث متخصص في علوم الشريعة الإسلامية وفقهها التشريعي وأصوله التشريعية.
لذلك فإن الذي أراه لابد منه وضرورياً لتكوين عقد النكاح الشرعي وصحته وترتب آثاره الشرعية عليه بما يحفظ النسل والنسب وحقوق الزوجين والأسرة والفرد والمجتمع بما يتلاءم مع العصر الذي نعيش فيه الآن بعد أن قل الوازع الديني وضعف بين الناس وشاع الفساد وذاع بينهم في البر والبحر وتناكر الناس بينهم في الأنساب والحقوق الناشئة عن العقود الشرعية العرفية غير الموثقة رسمياً بطريقة قانونية وتنظيمية توجبها القوانين واللوائح الرسمية بين الناس في المجتمع، هو ما استقر عليه الأمر بالنسبة لنا، وأخذت به دار الإفتاء المصرية في الفتاوى الصادرة عنها في شأن الزواج العرفي، أو الزواج بدون ولي، أو الزواج بدون إعلان، أو الزواج بدون شهود تتحقق فيهم شروط الشهادة الشرعية.
ومن ذلك ما أخذت به دار الإفتاء المصرية في الفتوى رقم 1999(1)، والتي يطلب فيها السائل الحكم الشرعي في زواج ابنة السائل من سائقه بدون ولي ولا إشهار ولا إعلان وبولاية أجنبي لا يعرفه ولا تعرفه الابنة وإجبار السائق لها على التوقيع على وثيقة الزواج أمام شهود من زملائه لا تعرفهم الزوجة ودخل عليها بدون رضاها وكان الجواب فيها على النحو التالي:
الجــواب:
من المقرر شرعاً ومما ذكره الفقهاء أن عقد النكاح كأي عقد من العقود الشرعية لا يتم ولا يظهر له أثر شرعي من الناحية العملية إلا إذا توافرت له مكونات وجوده صحيحة معتبرة في نظر الشارع، ويعبر عنها عند جمهور الفقهاء بالشروط اللازمة لصحة عقد النكاح وهى الإيجاب والقبول والشهود العدول والولي والمهر والصيغة والإشهار والإعلان، ولا يعتبر عقد الزواج صحيحاً شرعاً ومنتجاً لآثاره الشرعية إلا إذا توافرت فيه هذه الشروط، وعلى ذلك فإن جمهور الفقهاء يرون أن حضور الولي في مجلس العقد ركن وشرط في صحة الزواج ولا يصح عندهم أن تتولى المرأة بنفسها عقد الزواج، لأنها ليست من أهل الولاية فيه لخطره.
وجاء النص القرآني الكريم مؤكداً ذلك ومبيناً وموضحاً هذه الحقيقة في قوله تعالى في سورة النساء الآية 25: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾.. إلى قوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: 232) قال القرطبي في تفسير هذه الآية وفي هذا دليل على أن المرأة ليس لها أن تنكح نفسها بغير ولي وهو قول أكثر العلماء. وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: 232). وهذا أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقاً. وفيها دليل على أنه لا يجوز النكاح بدون ولي لأن القرآن نهى الأولياء عن العضل ولا ينهاهم إلا عن أمر هو تحت تدبيرهم ولهم فيه حق وإلا كان النهى عبثاً والعبث محال على الله والعضل هو منع ولي المرأة المرأة من الزواج ممن تريد الزواج منه.
كما جاءت السنة النبوية المطهرة مؤكدة بما لا يدع مجالاً للشك أن النكاح بدون ولي باطل. فعن أبي موسى الأشعري -  - قال: قال رسول الله ﷺ: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله ﷺ «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» أخرجه أحمـد وأبو داود والترمذي. قال الحافظ في الفتح حديث صحيح. وعن أبي هريرة -  - قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها» رواه الداقطني والبيهقي وقال الألباني في الإرواء. وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
من هذه الأدلة الواضحة يرى جمهور الفقهاء أن الزواج بدون ولي باطل ولا تترتب عليه آثاره الشرعية لما فيه من ضياع حق الأولياء في ترك المرأة إدخال العار عليهم بزواجها بدون ولي ولا يخفى على الكثير أننا نعيش في عصر مرجت فيه الفتن والملاحم كموج البحر المتلاطم فنرى شحا مطاعاً وهوى متبعاً ورغبات جامحة في إشباع شهوات طاغية وزين للناس حب الشهوات من النساء. وأصبح الحصول على المرأة هدفاً منشوداً بطرق مشروعة أو غير مشروعة، وانتشرت ظاهرة الزواج بدون ولي أو إشهار وإعلان بعيداً عن الأولياء وفي السر والظلام مسببة العداوة والانقسام والفرقة بين أفراد المجتمع والحرج الشديد لأولياء الأمور، لأن عدم إشهار الزواج وإعلانه يعطي الفرصة لقائلة السوء بين الناس فيتهم الأبرياء في شرفهم ويطعنون في كرامتهم، من أجل ذلك طلب الإسلام إشهار الزواج وإعلانه للقضاء على الرذيلة وحفظاً للأنساب وصوناً للأعراض، فقال ﷺ : «أعلنوا النكاح ولو بالدف» رواه أحمد والطبراني وابن حبان والحاكم والبيهقي والأصل في الأمر للوجوب وهو ما ذهب إليه الإمام مالك -  - وجعله ركناً في العقد.
ودار الإفتـاء المصرية- وقد عكفت على دراسة الموضوع من كل جوانبه - وخاصة في الظروف الراهنة التي انتشرت فيها ظاهرة الزواج بدون ولي أو إشهار وإعلان، والتي تسببت في إفساد العلاقات الأسرية بالمجتمع، وأحرجت الكثير من العائلات وساعدت على نشر الرذيلة بين ضعاف الإيمان، وغررت بالكثير من الشباب والشابات وخرجت الأمور عن مسارها الطبيعي وانحرفت الكثيرات في هذا التيار الفاسد، وانعدمت الضمائر وخربت الذمم، ترى أن رأي جمهور الفقهاء - هو الرأي الصحيح والراجح، وهو الذي تميل إلى الأخذ به وترجحه للفتوى والعمل بمقتضاه لما سبق ذكره من نصوص القرآن والسنة النبوية المطهرة، وسدا لباب الذرائع المفسدة. وإعمالاً للقواعد الشرعية- درء المفاسد مقـدم عـلى جلب المصالح- والضرر الأشد يزال بالضرر الأخف - ولا ضرر ولا ضرار.
ولا يقدح في ذلك وجود قول في الفقه الحنفي يجيز الزواج بدون ولي، بشرط أن يكون الزوج كفؤاً والمهر مهر المثل فإن لم يكن الزوج كفؤاً فللولي حق طلب فسخ العقد. فإن هذا الرأي لا يعول عليه ولا يصح أن يكون أساساً لزواج صحيح. لقوة أدلة جمهور الفقهاء وكثرتها وصحتها واتفاقهم على عدم صحة الزواج بدون ولي أو إشهار وإعلان.
كما أن فقهاء المذهب الحنفي اختلفوا في الزواج بدون ولي فقد حكى الطحاوي - رحمه الله - في شرح معاني الآثار ج3 ص7 عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة على أنه لا يجوز تزويج المرأة نفسها إلا بإذن وليها. وما استند إليه الإمام أبو حنيفة من حديث ابن عباس وحديث أم سلمة فهما ضعيفان وفيهما مقال، ولا يرقى كل منهما إلى مرتبة الحديث المقطوع بصحته وهو قوله ﷺ «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل».
وفي واقعة السؤال: فإن ابنة السائل ما دامت قد غرر بها من جانب سائقها وعقد قرانه عليها بدون حضور والدها الذي هو وليها الطبيعي أو إذنه وبولاية آخر لا تعرفه ولا يعرفه والدها وبدون إشهار وإعلان كما ورد بالطلب، فإن هذا الزواج باطل باطل باطل لخلوه من ركني العقد الصحيح وهما الولي والإشهار والإعلان وعلى ولي الزوجة اللجوء إلى القضاء بطلب فسخ العقد المشار إليه.
هذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال، ومما ذكر يعلم عنه الجواب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فتوى أخرى:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده اطلعنا على البرقية الواردة من سائلة بليبيا المقيدة لدينا برقم 1089 لسنة 1999.
والمتضمنة: أن السائلة تطلب الإفادة عن الزواج العرفي وهل هو معترف به شرعاً من قبل الأئمة وشروطه؟
الجــواب:
من المقرر شرعاً ومما ذكره الفقهاء أن عقد النكاح كأي عقد من العقود الشرعية لا يتم ولا يظهر له أثر شرعي من الناحية العملية إلا إذا توافرت له مكونات وجوده صحيحة معتبرة في نظر الشارع ويعبر عنها عند جمهور الفقهاء بالشروط اللازمة لصحة عقد النكاح، وهى الإيجاب والقبول والشهود العدول والولي والمهر والصيغة والإشهار والإعلان.
ولا يعتبر عقد النكاح صحيحاً شرعاً ومنتجاً لآثاره الشرعية إلا إذا توافرت فيه هذه الشروط وعلى ذلك فإن جمهور الفقهاء يرون أن حضور الولي في مجلس العقد ركن وشرط في صحة الزواج، ولا يصح عندهم أن تتولى المرأة بنفسها عقد الزواج لأنها ليست من أهل الولاية فيه لخطره.
وجاء النص القرآني الكريم مؤكداً ذلك ومبيناً وموضحاً هذه الحقيقة في قوله تعالى في سورة النساء الآية 25: (﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾... إلى قوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾. قال القرطبي في تفسير هذه الآية وفي هذا دليل على أن المرأة ليس لها أن تنكح نفسها بغير ولي وهو قول أكثر العلماء. وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: 232). وهذا أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقاً. وفيها دليل على أنه لا يجوز النكاح بدون ولي لأن القرآن نهى الأولياء عن العضل ولا ينهاهم إلا عن أمر هو تحت تدبيرهم، ولهم فيه حق، وإلا كان النهي عبثاً والعبث محال على الله، والعضل هو منع ولى المرأة من تزويجها.
كما جاءت السنة النبوية المطهرة مؤكدة بما لا يدع مجالاً للشك أن النكاح بدون ولي باطل، فعن أبي موسى الأشعري -  - قال: قال رسول الله ﷺ: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله ﷺ: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي. قال الحافظ في الفتح حديث صحيح. وعن أبي هـريرة -  - قال: قال رسول الله ﷺ : «لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها» رواه الدارقطني والبيهقي وقال الألباني في الإرواء وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
من هذه الأدلة الواضحة يرى جمهور الفقهاء أن الزواج بدون ولي باطل، ولا تترتب عليه آثاره الشرعية لما فيه من ضياع حق الأولياء في ترك المرأة إدخال العار عليهم بزواجها بدون ولي، ولا يخفى على الكثير أننا نعيش في عصر مرجت فيه الفتن والملاحم كموج البحر المتلاطم فترى شخصاً مطاعاً وهوى متبعاً ورغبات جامحة في إشباع شهوات طاغية وزين للناس حب الشهوات من النساء وأصبح الحصول على المرأة هدفاً منشوداً بطرق مشروعة أو غير مشروعة، وانتشرت ظاهرة الزواج بدون ولي أو إشهار وإعلان بعيدا عن الأولياء وفي السر والظلام مسببة العداوة والانقسام والفرقة بين أفراد المجتمع والحرج الشديد لأولياء الأمور، لأن عدم إشهار الزواج وإعلانه يعطي الفرصة لقائلة السوء بين الناس فيتهم الأبرياء في شرفهم ويطعنون في كرامتهم. من أجل ذلك طلب الإسلام إشهار الزواج وإعلانه للقضاء على الرذيلة وحفظاً للأنساب وصوناً للأعراض فقال ﷺ : «أعلنوا النكاح ولو بالدف» رواه أحمد والطبراني وابن حبان والحاكم والبيهقي، والأصل في الأمر للوجوب وهو ما ذهب إليه الإمام مالك- - وجعله ركناً في العقد.
ودار الإفتاء المصرية- وقد عكفت على دراسة الموضوع من كل جوانبه وخاصة في الظروف الراهنة التي انتشرت فيها ظاهرة الزواج بدون ولى أو إشهار وإعلان، والتي تسببت في إفساد العلاقات الأسرية بالمجتمع وأحرجت الكثير من العائلات وساعدت على نشر الرذيلة بين ضعاف الإيمان وغررت بالكثير من الشباب والشابات وخرجت الأمور عن مسارها الطبيعي وانحرفت الكثيرات في هذا التيار الفاسد وانعدمت الضمائر وخربت الذمم ترى - أن رأي جمهور الفقهاء - هو الرأي الصحيح والراجح، وهو الذي تميل إلى الأخذ به وترجحه للفتوى والعمل بمقتضاه لما سبق ذكره من نصوص القرآن والسنة النبوية، وسداً لباب الذرائع المفسدة. وإعمالاً للقواعد الشرعية- درء المفاسد مقدم على جلب المصالح- والضرر الأشد يزال بالضرر الأخف- ولا ضرر ولا ضرار.
ولا يقدح في ذلك وجود قول في الفقه الحنفي يجيز الزواج بدون ولي بشرط أن يكون الزوج كفؤاً والمهر مهر المثل فإن لم يكن الزوج كفؤاً فللولي حق طلب فسخ العقد.
فإن هذا الرأي لا يعول عليه ولا يصح أن يكون أساساً لزواج صحيح. لقوة أدلة جمهور الفقهاء وكثرتها وصحتها واتفاقهم على عدم صحة الزواج بدون ولي أو إشهار وإعلان.
كما أن فقهاء المذهب الحنفي اختلفوا في الزواج بدون ولي فقد حكى الطحاوي- رحمه الله - في شرح معاني الآثار ج3 ص7 عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة  على أنه لا يجوز تزويج المرأة نفسها إلا بإذن وليها. وما استند إليه الإمام أبو حنيفة من حديث ابن عباس وحديث أم سلمة فهما ضعيفان وفيهما مقال ولا يرقى كل منهما إلى مرتبة الحديث المقطوع بصحته وهو قوله ﷺ : «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل».
وفي واقعة السؤال نفيد السائلة بأنه ليس في الإسلام ما يسمى بالزواج العرفي وإنما الزواج المعترف به شرعاً هو ما تحققت فيه شروط وأركان العقد الصحيح التي سبق الإشارة إليها، فإذا تحققت الشروط والأركان كان عقد الزواج صحيحاً شرعاً، سواء أثبت في ورقة أو لم يثبت، وإذا لم تتحقق كان العقد باطلاً. هذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال. ومما ذكر يعلم الجواب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

المطلب الثالث: نموذج من المشاكل الاجتماعية والآثار الخطيرة والسلبية للزواج العرفي بغير ولي والمطلوب فيه رأي فضيلة المفتي ومعالي وزير العدل(1):

أنا لست من رجال القانون ولكنى أعيش القانون من خلال التعاملات والقراءات وبحكم متابعتي للحياة العامة، واهتمامي بما يدور في هذا الزمن من أمور وما يجري بالمجتمع من وقائع وأحداث، يحدث أن تختلط فيها المسائل وتتداخل في بعضها الأوضاع بسبب إما قصور تشريعي، وإما تأخر العدالة، وإما تفنن البعض في استغلال ثغرات القانون أسوأ استغلال وتكون الكارثة حينما يجتمع كل ذلك، وتكون المحصلة مشكلة يستعصى حلها، والقضية التي نحن بصـددها ليست قضيـة خاصـة ولكنهـا قضيـة عامة تمس الشرع والدين، وقد كثـر الحـديث في هـذه الأيـام عن الزواج العرفي ومضاره، والقضية المطروحة تمثل صورة كئيبة من السوء ومن التضارب والتناقض والمفارقات، مما يستلزم بشأنها أخذ رأي أهل الحل والعقد، فان استحكمت بعد ذلك كان لا مناص من تدخل تشريعي.
ووقائع هذه القضية أو القصة التي لجأ إلينا فيها محام فاضل مارس المحاماة قرابة نصف قرن، تتلخص في أن نجله الطبيب الصيدلي المتدين المستقيم قد تزوج من أكثر من عشر سنوات، وأنجب طفلاً وطفلة، ثم حدث سوء تفاهم بينه وبين زوجته بسبب إصرار والدتها على أن تعمل معها في إدارة مشروعاتها الحديثة، والتي أدرت فجأة أموالاً طائلة، فكان الزوج يرى أن الحال ميسور لديه ولا داعي لعمل الزوجة، وأن التفرغ لرعاية الأولاد أجدى وأنفع، ولكن لم يشفع رأيه لديها ولم تقتنع بحقوقه عليها واستفحل الخلاف ولظروف مرضية وحوادث حالت بين الزوج ووالديه وبين المتابعة والمعالجة والتصرف حصلت الزوجة على حكم ابتدائي بالطلاق، ثم حكم إستثنائي في فترة قياسية وهذا الحكم الأخير غير مذيل بالصيغة التنفيذية، وطعن عليه بالنقض، وكان قد أقام دعوى طاعة أوقفت لحين الفصل في النقض، وذكرت هيئة المحكمة في أسباب حكمها أن ذلك حتى لا تتضارب الأحكام، وعلى توقف الدعوى تعليقاً حتى يفصل في النقض حيث لا طاعة لمطلقة، ولم تحكم المحكمة برفض إنذار الطاعة كما طلبت الزوجة، ويستقى من كل ذلك أن الزوجة ما زالت على ذمة الزوج، وخلال ذلك كان قد صدر للزوجة قرار تمكين من مسكن الزوجية وبالقوة الجبرية، وينص القرار الذي حصن قضائياً أن تمكن الزوجة مع زوجها فلا بد من السكن منفردين، ومنع تعرض الغير لهما وتم تنفيذ ذلك.
ولما جمعهما السكن منفردين سكنت نفساهما، وهدأت سريرتهما وبعيداً عن الأهل والأقارب والمعارف تفاهما وتحركت المشاعر الإنسانية والعواطف البشرية ووصلاً إلى أنهما شرعاً ما زالا زوجين فالصيغة التنفيذية لحكم الإستئناف لم تصدر والطعن قائم بالنقض، لا سيما وأن المحكمة لم تحكم برفض إنذار الطاعة الذي طلبته الزوجة، ثم إن حكم التمكين هذا والذي نفذته الزوجة قد جمعهما معاً وبعيداً عن التدخلات والمؤثرات الخارجية اتفقا معاً على إنهاء المشاكل وتمت المعاشرة الزوجية.
ولكن لم يهدأ بال بعض الأهل وبعض الأقارب والمعارف ممن لا هم لهم سوى خراب البيوت، وبعد فترة وجيزة من بقائهما معاً بمسكن الزوجية عادت الزوجة إلى والدتها لاستكمال مسيرتها في إدارة مشروعاتها، وعاد الخلاف في ظل الوضع القضائي والأحكام الصادرة ومواقفها المشار إليها.
وبعد عدة أشهر تأكد الزوج أن الزوجة قد تزوجت عرفياً بعد أن رفض المأذون زواجها رسمياً في اليوم المحدد لعقد الزواج، وحفل الزفاف الذي أقيم بالفعل بمدينة أخرى، وبعد أن تأكد الزوج من ذلك أبلغ النيابة ولكن النيابة حفظت الموضوع لإنكار كل من الزوج والزوجة الزواج العرفي، ولأن بطاقة الدعوة لحفل الزفاف غير موقعة من أحد الطرفين وأن بها بعض الاختلاف في إسم الزوجة ولم تطمئن النيابة إلى شهادة الشهود. . المهم في النهاية أن الزوجة قد وضعت طفلة عمرها الآن حوالي عشرة أشهر ولم تقيد حتى الآن بالسجل المدني ولم يستخرج لها شهادة ميلاد فابنة من هذه الطفلة البريئة؟فالزوج يصر على أنها ابنته مدللاً ومبرهناً بالتوقيت والزمن الذي عاشر فيه زوجته بمسكن الزوجية والزوجة تنكر عليه بنوته لهذه الطفلة التي يحيطها الغموض ويحيط بمستقبلها الظلام ومطلوب الرأي لإنقاذ هذه الطفلة والحل لمثل هذه الحالات والإجراءات التي تمنع ذلك من المنبع.
ونحن نعلم أن هنـاك تطويراً وتعديلاً تشريعياً منظوراً الآن ومشاريع قوانين لمعالجـة الكثـير مـن مثـل ذلك، ولعـل هذه الحالة أن تكون بمثابة صورة تعـاون المشرعين في سد الثغرات القانونية، من خلال ما يعرض عليهم من حالات.
المطلب الرابع: في موقف القانون المصري من مسألة الولي(1) في عقد النكاح:
تمهيد:
ما سبق تقريره من اشتراط الولي في عقد النكاح هو مذهب جمهور فقهاء المذاهب الإسلامية الثلاثة، ولو أن القضاء إليهم لحكموا بمذهبهم، وبما تقدم رجحانه، وقد تحقق بعض ذلك - في عصور سالفة - قبل إلغاء المحاكم الشرعية بالقانون رقم 462 لسنة 1955 م(1).
أما وأن العمل الآن في القضاء المصري وفق المذهب الحنفي في الأغلب الأعم، ومن ثمَّ لا يسع القاضي في مثل المسألة موضع البحث إلاّ الحكم بالرأي الراجح في المذهب الحنفي(2)؛ لذلك أستعرض - بإيجاز - قوانين الأحوال الشخصية المصرية، للنظر فيما يتعلق منها بالولي في النكاح، وذلك في البند (أولاً)، ثم أبين واجبات المأذونين الشرعيين في البند (ثانياً)، لأسجل ما يبدو لي من مقترحات وتوصيات في البند (ثالثاً)، والله تعالى المستعان وعليه سبحانه التكلان.
أولاً- بيان بقوانين الأحوال الشخصية(3) في جمهورية مصر العربية.
- لا يعتبر الكلام هنا من باب نافلة القول، بل يُعدّ من تتمته، حتى يتبين ما يحكم به في ساحات القضاء المصري. ولئن كان الناس على دين ملوكهم - كما يقال - فإن الملوك على دين علمائهم، كما هو الحال في سائر الأعصار والأمصار.
- فحينما تولى «أبو يوسف - صاحب الإمام أبي حنيفة رحمهما الله تعالى» منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية، كان بحكم منصبه يولي القضاء في الأقطار الإسلامية - ومنها مصر - فقهاء حنفية(4).
- وفي عهد الدولتين: الطولونية والإخشيدية بمصر، كان القضاة من فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية... وفي عصر الدولة الأيوبية كان القضاة من المالكية والشافعية، وظل الأمر على ذلك حتى فتح الأتراك القطر المصري؛ فجعلوا قاضي القضاة حنفياً.
- وفي أوائل حكم محمد علي «باشا» والي مصر، صدر من الدولة العثمانية «فرمان شاهاني» أي أمر سلطاني تضمّن تخصيص القضاء والإفتاء بمذهب أبي حنيفة، ثم أصدر محمد علي «باشا» في آخر أيام حكمه «إرادة سنية» تؤكد العمل بذلك «الفرمان».
- وجرى العمل من ذلك الحين طبقاً لما تضمّنه هذا الفرمان، وتلك الإرادة، وتقرّر بشكل واضح فيما صدر من القوانين للمحاكم الشرعية.
- وفي أواخر القرن الماضي، وأوائل القرن الحاضر اتّجه أولو الأمر إلى إصلاح المحاكم الشرعية إصلاحاً شاملاً، كما طالبت بذلك الأمة، والهيئات النيابية في أوقات مختلفة.
- ومن مجموع البحوث التي أُجريت بهذا الصدد، تبيّن أن في الاقتصار على القضاء بأرجح الأقوال من مذهب الإمام «أبي حنيفة»، وهو ما عليه العمل بالمحاكم الشرعية مشقّة، لأسباب منها:
( أ ) كثرة الاختلاف في ترجيح الأقوال، أو عدم النصّ على الراجح، مما ترتّب عليه اختلاف أحكام القضاة.
(ب) تغيّر الظروف، واختلاف الأحوال الاجتماعية، تدعو المصلحة إلى أن يكون الحكم فيها بالمرجوح من مذهب الحنفية، أو بأحكام المذاهب الأخرى ، رفعاً للمشقة، ودفعاً للحرج عن المتقاضين.
( ج ) درء المفاسد التي حلّت على الأسرة والمجتمع من جراء العمل بالمذهب الحنفي في إنكاح المرأة نفسها بدون وليّ.
- وفي سنة 1915 م أُلِّفت لجنة من كبار العلماء برئاسة وزير الحقانية «العدل» لوضع قانون لمسائل الأحوال الشخصية، فأعدّت اللجنة مشروع قانون للزواج، والطلاق، والمسائل المتعلقة بهما، استمدت أحكامه من المذاهب الأربعة، وطبع المشروع سنة 1916 م، وأعيد طبعه بعد تنقيحه في سنة 1917 م، ولكنه لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ، ولا يزال مهملاً ومتروكاً في زوايا النسيان حتى الآن(1).
- ثم صدرت بعض القوانين التي خالفت فيها مذهب الحنفية، وأخذت بما في المذاهب الأخرى، دون تقيد برأي إمام معيّن، ولا بمذهب دون آخر، وذلك تحقيقاً للعدالة، والمصلحة العامة، ودفعاً للحرج الذي كان يلحق الناس من إلزام المحاكم الشرعية التقيّد بمذهب الحنفية فقط.
وإليك بياناً بهذه القوانين التي خالفت المذهب الحنفي(2):  
1- القانون رقم 25 لسنة 1920. ويتعلق ببعض مسائل الأحوال الشخصية، وهي: «النفقة والعِدّة، والعجز عن النفقة، وأحكام المفقود، والتفريق بين الزوجين بالعيب».
2- المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، خاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية وهي «الطلاق، والشقاق بين الزوجين، والتطليق للضرر، أو لغيبة الزوج أو حبسه، ودعوى النسب، والنفقة والعدّة، والمهر، وسن الحضانة، والمفقود».
3- وقد عدِّلت بعض أحكام القانون الأول، والمرسوم بقانون «الثاني» بالقانون رقم 44 لسنة 1979م.
4- ثم جرى تعديل ثان للقوانين السابقة بالقانون رقم 100 لسنة 1985م.
- وفي تقرير اللجنة المشتركة من: لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الدينية والاجتماعية والأوقاف والتي أحيل إليها الاقتراح بمشروع قانون «الأخير»، وردت عبارات مهمة تتعلق بما نحن بصدده، أختار منها:
- لمّا كان الزواج في الإسلام هو الركن الركين للأسرة فإن عقد الزواج وما يرتبه من آثار يمثل أخطر وأهم ما يبنى عليه المجتمع الإسلامي من قواعد أمر الله بها عباده المسلمين، لذلك وصفه القرآن بأنه «ميثاق غليظ»(1).
- أناطت شريعة الإسلام بوليّ الأمر وأوجبت عليه أن يشرع ما يحقّق صالح المسلمين في كل زمان ومكان في نطاق الأصول والقواعد الشرعية العامة(2).
- إن المذاهب الفقهية قد أثرت التشريع الإسلامي بالاجتهاد والاستنباط في فهم آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بما يحقق مواجهة مشاكل المجتمع في إطار القواعد العامة للتشريع الإسلامي.
- إنّ المشرع المصري قد تدخّل منذ زمن بعيد لتنظيم العديد من المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية استلهاماً من المذاهب الفقهية، والاجتهادات المختلفة دون التقيد بمذهب معين.
- إنه بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على صدور المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 م فقد تغيّرت ظروف المجتمع بما يتطلّب إعادة النظر في بعض أحكام الأسرة بما يكفل لها الاستقرار.
- وقد كان ذلك التقرير عام 1985 م، أي منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، فما بالنا اليوم وحال مجتمعنا، والحاجة الماسّة إلى التغيير أشد وأكثر.
- وفي المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المذكور، والتي سجّلت بمضبطة مجلس الشعب المصري(1)، جاءت هذه العبارات بعد الحديث عن الأسرة، واهتمام الإسلام بها، وأهمية صلاحها في صلاح المجتمع:
- إن اختلاف الفقهاء لم يكن على حكم قطعي، وإنّما كان مردّه إلى أصول الإستنباط وقواعده في المسائل التي للإجتهاد فيها النصيب الأوفى.
- وإذ قد تراخت المروءة في هذا الزمن وانعدمت. . . وأناطت - الشريعة - بوليّ أمر المسلمين أن يشرع لهم في نطاق أصول الشريعة ما يصلح به حياتهم، وتستقيم معه قناتهم.
 -ولما كانت مسائل الأسرة محكومة منذ تنظيم المحاكم الشرعية في مصر بالقواعد التي بيّنتها المادة «280» من المرسوم بقانون 78 لسنة 1931 م بلائحة ترتيب المحاكم والتي جرى نصّها بأن:
«تصدر الأحكام طبقاً للمدوّن في هذه اللائحة ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة..»(2). 
- وآخذاً بسنة التطور التشريعي سبق أن صدر القانون رقم 25 لسنة 1920، والمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض الأحكام الخاصة بالنفقة والعدّة والطلاق والمفقود أخذاً من مذاهب أخرى غير المذهب الحنفي.
- وحيث قد مضى على صدور هذين القانونين قرابة الخمسين عاماً وطرأت بعدها أمور وقضايا كان لها آثارها على العلاقات الاجتماعية، الأمر الذي حمَّل القضاة عبئاً كبيراً في تخريج أحكام الحوادث التي تعرض عليهم، وقد كشف ذلك عن قصور في بعض أحكام القوانين القائمة، ممّا دعا إلى البحث عن أحكام الأحوال التي استجدت في حياة المجتمع المصري، وذلك في نطاق نصوص الشريعة دون مصادرة أي حق مقرر بدليل قطعي لأي فرد من أفراد الأسرة، حيث كان الهدف من المشروع هو تنظيم استعمال بعض هذه الحقوق. 1 ه.
وإذا كان التطبيق، وبشهادة أعضاء مجلس الشعب المصري - منذ أربعة عشر عاماً - قد كشف عن قصور في بعض أحكام القوانين القائمة، فإن الواقع الآن يدعو إلى النظر في هذا القصور، ونحوه، للعمل على استصدار ما يعالجه، ليبرأ المجتمع منه، خاصة في وقت قد انعدمت فيه المروءة، وانمحت منه الأخلاق الكريمة إلاّ من عصم ربّنا سبحانه وتعالى.
هذا وقد صدر القانون رقم «462» لسنة 1955 م، والذي قضى بإلغاء المحاكم الشرعية، والمحاكم الملّية، وإحالة الدعاوى التي كانت منظورة أمامها إلى المحاكم الوطنية، وذلك إبتداءً من أول يناير سنة 1956 م. ومع ذلك جاء في المادة السادسة منه: تصدر الأحكام في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية والوقف، والتي كانت أصلاً من إختصاص المحاكم الشرعية طبقاً لما هو مقرّر في المادة «280» من ترتيب المحاكم المذكورة(1). 
- ثم صدر القانون رقم (628) في نفس العام 1955 م ببعض الإجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف التي تختص بها المحاكم بمقتضى القانون رقم (462) لسنة 1955 ، فنصت المادة الأولى على أنه: «يجوز للنيابة العامة أن تتدخل في قضايا الأحوال الشخصية أو الوقف وإلا كان الحكم باطلاً»(2). 
- ثم صدر القانون رقم (62) لسنة 1976، بشأن تعديل أحكام بعض النفقات.
وهي نفقات: الزوجة أو المطلقة، أو الأبناء أو الوالدين، وتقدير النسبة لكل واحد من هؤلاء، وجهات الإستيفاء وما إلى ذلك(1).
- ثم صدر قرار وزير العدل رقم (3269) لسنة 1985 م، بشأن أوضاع وإجراءات إعلان وتسليم إشهاد الطلاق إلى المطلقة، وإخطار الزوجة بالزواج الجديد، تنفيذاً للمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985.
وبعد: فقد كانت هذه أهم قوانين الأحوال الشخصية، وما طرأ على بعضها من تعديلات بقوانين، أو قرارات لوزير العدل، وأخلص منها إلى ما يلي:
1- أن جُلَّ الأحكام تصدر طبقاً لما هو مدوّن بلائحة المحاكم الشرعية ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة «المادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931م». ولم تلغ هذه المادة.
2- اتجاه أولي الأمر إلى تغيير القوانين التي طرأ عليها ما يدعو لذلك مراعاة لمصلحة المجتمع، ودرءاً للمفاسد.
1- جرى بعض التعديل وفقاً لمذاهب أخرى غير مذهب الحنفية.
2- بدت لي بعض الاقتراحات أحيلها إلى البند «»ثانياً» وهو واجبات المأذونين الشرعيين.
ثانياً: واجبات المأذونين الشرعيين:
وهم أولئك الموظفون المعيّنون بوزارة العدل والذين يتولون إثبات عقود الزواج وإشهارها، وكذا عقود الطلاق وغيرها.
وقد صدر عن وزير العدل قرار بلائحة المأذونين سنة 1955(2).
تضمن الباب الأول من هذا القرار: إنشاء المأذونيات، وتعيين المأذونين ونقلهم.
واشتمل الباب الثاني على: اختصاص المأذونين، فنصت المادة «18» على أنه: «يختص المأذون دون غيره بتوثيق عقود الزواج واشهادات الطلاق والرجعة والتصادق على ذلك بالنسبة للمسلمين من المصريين، ومع ذلك فللعلماء المقيدة أسماؤهم في أحد المعاهد الدينية أن يتولوا تلقين صيغة العقد بحضور المأذون الذي يتولى توثيق العقد بعد تحصيل رسمه.
ثم جاء الباب الثالث بالنص على واجبات المأذونين في المواد من: (21 إلى 32 واجبات عامة، ثم المواد من 33 إلى 38 وتختص بواجبات المأذونين الخاصة بعقود الزواج).
ويهمنا منها - فيما نحن بصدده- المواد الآتية(1):
مادة 33 - (على المأذون قبل توثيق العقد أن يتحقّق من شخصية الزوجين بالإطلاع على البطاقة الشخصية أو العائلية، وإن لم يكن للزوجة بطاقة يجب أن تكون شخصيتها ثابتة بمستند رسمي أو بشهادة شاهدين لكل منهما بطاقة، وعليه أن يتأكد من خلوّ الزوجين من جميع الموانع الشرعية والقانونية، وأن يعتمد على ما تضمنته البطاقة من بيانات الحالة المدنية، ويثبت بالوثيقة رقم بطاقة الزوج وجهة صدورها، كما يثبت ذلك بالنسبة للزوجة إن كانت لها بطاقة، وعليه إثبات وجهة ورقم قيد كل من الزوجين).
مادة 33 ( أ ) - (لا يجوز مباشرة عقد زواج اليتيمات القاصرات اللاتي لهن معاش أو مرتب في الحكومة، أو لهن مال يزيد قيمته على مائتي جنيه إلاّ بعد صدور تصريح من محكمة الأحوال الشخصية المختصة، ويجب إخطار الجهة التي تتولى صرف المرتب أو المعاش بالعقد.
ولا يجوز مباشرة عقد الزواج ولا المصادقة على زواج مسند إلى ما قبل العمل بهذا القانون ما لم يكن سن الزوجة ست عشرة سنة، وسن الزوج ثماني عشرة سنة وقت العقد) وقد عدل فعلاً ذلك سن الزوجة إلى ثمان عشرة سنة كما في سن الزوج وهو مأخوذ من مذهب مالك.
وبناءً على ذلك يكون الواجب على المأذون الشرعي تطبيقاً لما سبق هو:
1- التحقق من شخصية الزوجين، ويكون ذلك عن طريق البطاقة الشخصية، أو بمستند رسمي آخر، أو بشهادة شاهدين.
2- عدم كتابة عقود زواج لليتيمات القاصرات اللاتي لهن معاش أو مرتب حكومي إلا بتصريح من المحكمة المختصة، وبعدها يخطر جهة صرف المرتب أو المعاش.
3- عدم كتابة عقد فتاة لم تبلغ ست عشرة سنة، وقد عدلت بعد ذلك إلى ثمان عشرة أو شاب لم يبلغ ثماني عشرة سنة وقت العقد.
وهذا التحذير الأخير نصّت عليه المادة (99) من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 والمشتمل على لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، ففي الفقرة الرابعة من هذه المادة: 
(ولا تسمع دعوى الزوجية إذا كانت سن الزوجة تقل عن ست عشرة سنة هجرية، أو كانت سن الزوج تقلّ عن ثماني عشرة سنة هجرية إلاّ بأمر منا)(1).
ويقول المستشار حسن حسن منصور شارحاً للفقرة الأخيرة(2):
ألاّ يقل سن الزوجين عن حد معيّن... لما فيه من مصلحة الزوجين،... ويجوز النزول عن هذا الحد الأدنى...  بقرار من وليّ الأمر الممثل في رئيس الدولة وذلك مراعاة لظروف يقررها وحده أخذاً بعجز المادة 99... الذي يقول: (إلاّ بأمر منّا).
وأضيف إلى ما سبق أن (وثيقة عقد زواج - نموذج رقم 76 عدل) وكذلك (وثيقة تصادق على زواج) والتي طُبعت خلف الأولى على ذات النموذج، واللتان تسلّمان للمأذون في (الدفتر)، ليس فيهما ما يشير إلى ولّي الزوجة من قريب أو بعيد(1). 
وعلى ذلك أقرّر الملاحظات التالية على اللائحة المعمول بها حالياً:
أولاً: لا يجب على المأذون سوى التحقق من شخصية الزوجين، ولا يُطلب منه وجود الوليّ أو عدمه، فإن وجد ولي الزوجة فهو على سبيل الندب والاستحباب لا على الحتم والإيجاب كما قرّر ذلك الحنفية.
ثانياً: استمرارية العمل بالمذهب الحنفي في مسألة الوليّ، خلافاً لمذهب جمهور الفقهاء الذين اعتبروا الولي ركناً من أركان العقد.
ثالثاً: تحديد سن زواج الفتاة بست عشرة سنة هجرية، جعلني أتساءل: إذا كان الحنفية قد قاسوا تصرف المرأة في نفسها على تصرفها في مالها، وإذا كان التصرف في المال لا يجوز قبل بلوغ سن الرشد وهو إحدى وعشرين سنة(2)، فكيف يجوز للمرأة أن تعقد على نفسها وهي ابنة ست عشرة سنة؟
بل إنّه إذا أراد الوليّ تزويج ابنته الصغيرة قبل هذه السن فإنّه لا يملك ذلك، وعلى العكس تملكه الفتاة بعد بلوغها السن المحددة دون توقف على إذن الولي أو وجوده؟
يقول الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، بعد حديثه عن قانون تحديد سن الزواج(3):
(ومعنى هذا أن الرجل لو أراد أن يزوج ابنته الأقل من ستة عشر عاماً من خاطب كفء بمهر مثلها فدعا المأذون ليكتب له هذا العقد في الوثيقة الرسمية يمتنع المأذون من كتابته).
ثم وجدت في مجلة المحاماة، العبارة التالية(1):
(هناك فارق بين بلوغ سن الرشد وبين بلوغ سن الولاية على النفس، فبلوغ البنت سن الولاية يكون بظهور الحيض والاحتلام، فإذا لم تظهر هذه العلامات عند بلوغها خمس عشرة سنة تزول عنها ولاية ولي النفس، ويكون لها حق التصرف في شئون نفسها. المادتان 495، 496 من الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لقدري باشا(2)، ومحكمة استئناف القاهرة جلسة 22/4/1951، القضية365 سنة 1967 ق).
ونحن نتسائل أمام أولي الحل والعقد التشريعي؟
كيف أجزتم لابنة ستة عشر عاماً أن تتصرف في بعضها بتزويجها نفسها دون اشتراط إذن وليّها أو حضوره، ثم منعتموها من التصرف في مالها قبل بلوغها إحدى وعشرين سنة وجعلتم ذلك البلوغ رشداً؟ فماذا قبله؟ أليس هو السفه؟
ثم تقيسون جواز تصرفها في نفسها على تصرفها في مالها، فهلاَّ جعلتم ذلك سنا واحدة، فمنعتموها من التصرف الأول حتى تبلغ سن الرشد في التصرف الثاني.
ولو أنّكم قلتم بعدم جواز إنكاح المرأة نفسها بدون وليّها قبل رشدها في مالها، وأجزتم إنكاح الوليّ لها قبل إحدى وعشرين سنة، أي اشترطتم حضوره وإذنه لاستقام الأمر نوعاً ما.
ثالثاً: المقترحات والتوصيات:
أولاً: التوصيات:
1- إحياء القانون الذي أعدته لجنة من كبار العلماء برئاسة وزير العدل سنة 1915 م؛ والذي تم طبعة سنة 1916، ثم أعيد تنقيحه سنة 1917م، لكونه قد استمد أحكامه من المذاهب الأربعة، دون التقيّد بمذهب واحد.
2- أن يعاد النظر في المواد القانونية الحالية، لتعاد صياغتها وفقاً للراجح من المذاهب الفقهية دون إلزام بالمذهب الحنفي وحده.
3- أن يُقدّم إلى مجلس الشعب المصري مشروع بقانون يقضي بإبطال عقد الزواج الذي يتم بدون وليّ النكاح.
4- أن يتقدَّم الباحثون بنتائج أبحاثهم في مجال الأحوال الشخصية، إلى الجهة التشريعية للنظر فيما يقترحونه أو يوصون به(1).
ثانياً: المقترحات:
1- أن يتم تعديل المادة (280) من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931م، لتكون كما يلي:
«تصدر الأحكام طبقاً للمدوّن في هذه اللائحة لأرجح الأقوال من المذاهب الفقهية الإسلامية.
حيث رجُح مذهب جمهور الفقهاء بإشتراط الوليّ في النكاح.
فيجب العمل به شرعاً ونظاماً تشريعياً وقانونياً.
2- يجب إضافة مادة قانونية إلى الباب الثالث من واجبات المأذونين الخاصة بعقود الزواج، أو إضافة فقرة إلى المادة (33)، على النحو التالي: 
«على المأذون ألاّ يعقد عقد الزواج، وألاّ يصادق على عقد سابق إلا في حضور وليّ الزوجة المعتبر شرعاً، ويجب أن يتولى هذا الولي صيغة العقد بنفسه أو من يوكّله هو، وألاّ تتوالاه المرأة بنفسها».
3- إضافة فقرة إلى المادة 33 ( أ) بعد عبارة: «إلاّ بعد صدور تصريح من محكمة الأحوال الشخصية» على النحو التالي:
«وبحضور من له الولاية على اليتيمة حسب ترتيب الأولياء شرعاً.
4- إضافة مادة جديدة تنص على شروط الوليّ، والتي يحب أن يراعي المأذون منها ما يمكن مراعاته، خاصة الإسلام، والعقل، والبلوغ» بالنسبة للمسلمين.
المطلب الخامس: مفهوم الوليّ في النكاح عند الفقهاء:
اختلف الفقهاء في الولي في النكاح من هو؟ فقال جمهور الفقهاء الولي في النكاح هو العصبة أي عصبة المرأة التي تنسب إليهم ويعصبونها من جهة النسب وهم الرجال. وعلى ذلك فولي المرأة في النكاح هو الأقرب من عصبتها دون ذوي أرحامها فليس للخال ولا والد الأم «الجد لأم» ولا الأخوة لأم وما ماثلهم ولاية في النكاح وذلك لما روي عن علي عن النبي ﷺ أنه قال: «الإنكاح إلى العصبات».
وإلى هذا ذهب الإمام مالك والشافعي والثوري والليث بن سعد وغيرهم.
- وأما الحنفية: فإن ولاية النكاح تثبت عندهم لعصبة المرأة الذكور كما تثبت لذوي الأرحام لأنهم يُعدون عندهم من الأولياء للمرأة في النكاح ولكن عند عدم العصبة فإذا لم يوجد أحد من العصبة كان لذوي الأرحام من الرجال ولاية عقد النكاح وذلك قياساً على الميراث.
وليس العصبة كلهم سواء في ولاية النكاح بل أقربهم عصبة هو الأحق بها فإذا تولاها الأبعد بدون إذن الأقرب فتعتبر ولاية غير صحيحة عند الجمهور لأن الحق للأقرب فلا يفتات عليه في حقه.
آراء الفقهاء تفصيلاً في ترتيب العصبات:
1- مذهب الأحناف:
- يرى الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف أن ولاية النكاح كالميراث يقدم فيها الإبن وابن الأبن وإن نزل ثم الأب والجد وإن علا، ثم الأخوة ثم أبناؤهم ثم الأعمام، ثم أبناؤهم(1).
 - وقال محمد بن الحسن من الحنفية يقدم الأب على الإبن لأنه أعلم بمصالح الزواج ولكن الفتوى في المذهب على قول أبي حنيفة وأبي يوسف.
2- مذهب الشافعية:
- وأما عند الشافعية فهي تثبت أولاً للأب ثم الجد ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم. ثم السلطان، وذلك لقوله ﷺ: «النكاح إلى العصبات»(1).
ولا تثبت ولاية النكاح لذوي الأرجام عندهم للحديث السابق وإنما كانت عندهم على الترتيب السابق لأن الولاية في النكاح تثبت لدفع العار عن النسب والنسب إلى العصبات. فإن فقدت العصبات انتقلت إلى الحاكم لأن السلطان ولي من لا ولي له ولا يزوج الأبعد مع وجود الأقرب لأن حق الولاية حق يستحق بالتعصيب يقدم فيه الأقرب فالأقرب كالميراث.
والجد كالأب عند عدمه وليس للإبن ولاية في النكاح إلا إذا كان عصبـة كأن كان أبوه ابن عم لأمه حيث تصح ولايته هنا بإعتباره من العصبة لا باعتباره ابناً فقط(2).
3- مذهب الحنابلة:
وأما عند الحنابلة فهي للأب ثم أبيه وإن علا ثم الإبن وإن سفل ثم الأخ الشقيق ومثله الأخ لأب ثم أولادهم وإن سفلوا ثم العمومة ثم أولادهم ثم عمومة الأب ثم المولى المعتق ثم أقرب عصبته ثم السلطان(3)، والسلطان المراد به الإمام أو الحاكم أو من فوضا إليه ذلك(4).
4- مذهب مالك:
وأما مذهب الإمام مالك -  - في ترتيب العصبات في ولاية النكاح للمرأة فهي في غير الإجبار للإبن ثم ابنه وإن سفل ثم الأب ثم الأخ الشقيق أو لأب ثم ابن الأخ وإن سفل ثم الجد لأب ثم العم ثم ابنه ويقدم الشقيق على الذي لأب في الأخ وابنه والعم وابنه على الأصح في المذهب ثم الولي المعتق للمرأة ثم الحاكم(1).
هل وصي الأب كالأب في ولاية النكاح؟
اختلف الفقهاء أيضاً فيما إذا مات الأب وكان قد أوصى رجلاً على أولاده هل يعتبر هذا الوصي أولى من الولي القريب في عقد النكاح أو هو مثله أو هو لا ولاية له مطلقاً في النكاح؟ على النحو التالي:
1- مالك وربيعة ورواية عن أحمد والحسن وحماد بن أبي سليمان أن الوصي أولى من القريب لأن الأب في حياته لو جعل ولاية النكاح لرجل معين لما كان لأحد من الأولياء أن يعترض عليه فكذلك يكون الأمر بعد وفاته.
2- وقال جمهور الفقهاء الثوري، والشعبي والنخعي، وأبو حنيفة والشافعي وابن المنذر أن ولي القريب أولى من وصي هذا الأب الميت لأن الولاية ثبتت بطريق العصوبة وهي كالميراث لا تثبت للأبعد مع وجود الأقرب فالأقرب يحجب الأبعد في الميراث بالإجماع فكذلك يكون الحكم في عصبة النكاح لأن عصبة النكاح مبنية على عصبة الميراث وأما ما استدل به مالك وربيعة بالقياس على نقل ولايته حال الحياة لما بعد الممات فهو قياس مع الفارق حيث لا يصح قياس حال الموت على حال الحياة(2). والله أعلم.
- مذاهب الفقهاء في ولاية الإجبار وولاية الإختيار في النكاح:
الولاية في النكاح عند الفقهاء عبارة عن سلطة شرعية يمكن صاحبها من مباشرة عقد النكاح وترتيب آثاره الشرعية عليه دون توقف على إجازة الغير وهذه الولاية تنقسم إلى قسمين: أحدهما ولاية إجبار، والثاني ولاية إختيار.
أولاً: ولاية الإجبار:
وولاية الإجبار وهي التي يستبد بها الولي فيزوج من تحت ولايته بغير إذنه ورضاه ويصح معه الزواج ولا يكون لأحد حق الإعتراض عليه ولا خلاف بين جمهور الفقهاء في أنها تثبت في حق الصغير والمجنون والبكر الصغيرة والمجنونة.
ثانياً: ولاية الإختيار:
وأما ولاية الإختيار فهي التي لا يستطيع الولي معها أن يستبد بعقد نكاح المولى عليه بل لابد من مشاركة المولى عليه في عقد النكاح بحيث لا يتم العقد إلا بمشاركته في الموافقة على هذا العقد وإن اشتغل الولي بصيغة عقد النكاح فيه ولهذا سميت هذه الولاية ولاية شركة ولذلك كان للمرأة بمقتضى هذه الولاية مشاركة وليها في اختيار الزوج الذي يعقد عليها عقد النكاح.
ولا خلاف بين الفقهاء في أن ولاية المشاركة هذه بالنسبة للمرأة في عقد زواجها وهي ولاية الاختيار إنما تثبت للمرأة الثيب البالغة العاقلة، والإجماع قائم على أنه لا إجبار لأحد عليها من الأولياء - لو كان أبوها - في زواجها بدون رضائها الصريح وذلك لما روي عن أبي هريرة -  - عن النبي ﷺ أنه قال: «لا تُنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن»(1).
والأيم هي الثيب لرواية أبي هريرة أيضاً: «لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن»(2).
وإليك بيان هذه الولاية بالتفصيل عن الفقهاء: 
أولاً: مذهب الحنفية:
1- ولاية الإجبار: 
يرى الأحناف أن ولاية الإجبار تثبت على فاقد الأهلية وهو المجنون أو المجنونة والمعتوهة والصغير أو الصغيرة بكراً كانت أو ثيباً رعاية لمصلحتهم إذ قد تدعو الضرورة إلى إنشاء عقد الزواج في هذه الحالات إنتهازاً للفرص وضماناً للحصول على زوج كفء قد لا يوجد في وقت آخر وهي تثبت للأب أو الجد عند الجمهور وللأب فقط ووصية عند مالك.
2- ولاية الاختيار:
ومذهب الأحناف - وهو المعمول به في مصر في المحاكم الشرعية سابقاً ودوائر الأحوال الشخصية للمسلمين حالياً -  أن ولاية الإختيار في النكاح تثبت على غير من ذكر في ولاية الإجبار وهي حق للعصبات جميعاً فإن لم يوجد واحد منهم فلذوي الأرحام، لما روي عن علي - - أنه قال: «الإنكاح إلى العصبات»؟ لقوله تعالى: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (الأنعام: 75).
وبذلك تكون هذه الولاية حسب ترتيبها في الميراث عندهم كما سبق بيانه من قبل، ويقدم الإبن على الأب والجد عند أبـي حنيفة وأبـي يوسف. وقال محمد بن الحسن يقدم الأب على الإبن ولكن الفتوى في المذهب على قول أبي حنيفة، وأبي يوسف وأساس ثبوت هذه الولاية هو العقل والبلوغ والبكارة(1).
وبيان ذلك أن المولى عليه في ولاية النكاح عند الحنفية نوعان كما قال الكاساني. ولاية حتم وإيجاب، وولاية ندب وإستحباب، وهذا على أصل أبي حنيفة، وأبي يوسف الأول. وأما أصل محمد فهي نوعان أيضاً: ولاية إستبداد، وولاية شركة وهي قول أبي يوسف الثاني.
وولاية الحتم والإيجاب والإستبداد يشترط لثبوتها على أصل الأصحاب في المذهب كون المولى عليه صغيراً أو صغيرة أو مجنوناً كبيراً أو كبيرة، وسواء كانت الصغيرة بكراً أو ثيباً، لأن هذه الولاية لا تثبت على البالغ العاقل ولا على البالغة العاقلة بكراً كانت أم ثيباً لأن أصل هذه الولاية يدور مع الصغر وجوداً وعدماً وكذا مع زوال العقل وجوداً وعدماً.
وأما ولاية المشاركة وهي المعروفة عندهم بولاية الندب والاستحباب فإنما تكون للبالغة العاقلة بكراً كانت أم ثيباً، لأن أساس هذه الولاية هو البلوغ والعقل لأنه أصل التكليف في كل العقود ولأن الثيب البالغة لا تزوج إلا برضاها بالإجماع فكذا البكر البالغة بجامع البلوغ والتكليف في كل، ولأن الولاية في حالة الصغر إنما كانت بطريقة النيابة عن المرأة لعجزها عن التصرف على وجه النظر والمصلحة بنفسها وبالبلوغ والعقل زال العجز وثبتت القدرة حقيقة، ولهذا صارت من أهل الخطاب في أحكام الشرع إلا أنها مع قدرتها حقيقة عاجزة عن مباشرة النكاح عجز ندب وإستحباب لأنها تحتاج إلى الخروج إلى محافل الرجال والمرأة مخدرة مستورة، والخروج إلى محفل غير النساء عيب في العادة، فكان عجزها عجز ندب وإستحباب لا حقيقة، فثبتت الولاية عليها على حسب العجز وهي ولاية ندب وإستحباب لا ولاية حتم وإيجاب إثباتاً للحكم على قدر العلة وهذا طريق الإمام أبي حنيفة صاحب المذهب(1).
وأما طريق محمد بن الحسن فهو أن الثابت بعد البلوغ ولاية الشركة لا ولاية الاستبداد فلا بد من الرضا من البكر البالغة صراحة كما في الثيب البالغة ولهذا كان الرضا في نكاح البالغة شرط الجواز فإذا زوجت بغير إذنها توقف التزويج على رضاها فإن رضيت جاز العقد وإن ردت النكاح بطل العقد(2).
والمرأة الثيب يعرف رضاها بالقول تارة وبالفعل أخرى.
أما القول فهو التنصيص على الرضا بالنكاح صراحة وما يجري مجراه، فالصريح مثل قبلت هذا النكاح أو قبلته زوجاً لي، أما ما يجري مجرى الصريح نحو أن تقول رضيت أو أجزت ما فعل أبي بشأن نكاحي(3).
وأما الفعل فهو يتحقق بتمكين المرأة من نفسها بعد العقد عليها من وليها أو بالمطالبة بمهرها أو بالإنفاق عليها من الزوج بعد العقد من وليها ونحو ذلك، لأن ذلك دليل الرضا، والرضا يثبت بالنص مرة وبالدليل أخرى(1).
وأما المرأة البالغ البكر فيعرف رضاها بما يعرف به في حق المرأة الثيب لأن هذا هو الأصل أي بالقول الصريح أو ما يجري مجراه. ويزاد على ذلك في حقها السكوت وذلك لما روي عن النبي ﷺ أنه قال: «تستأمر النساء في أبضاعهن فقالت عائشة - رضي الله عنها - إن البكر تستحيي يا رسول الله» فقال ﷺ إذنها صماتها. وروي إذنها رضاها، وروي سكوتها إقرارها وروى البكر تستأمر في نفسها فإن سكتت فقد رضيت(2).وهذا من جهة النص في حق البكر. وأما من جهة العقل فلأن البكر تستحيي عن النطق بالإذن في النكاح لما فيه من إظهار رغبتها في النكاح من الرجال فتنسب به إلى الوقاحة، فلو لم يجعل سكوتها إذناً ورضا بالنكاح دلالة يحل محل الصراحة المطلوبة في حق الثيب وَطُلِبَ نطقها صراحة لفاتت عليها مصالح النكاح مع شدة حاجتها إليه وهذا لا يجوز شرعاً والعادة والعرف أنها لا تنطق عندما يطلب منها ذلك الاستنطاق.
ولهذا جعل السكوت في حقها شرعاً علامة رضاها بهذا النكاح كما صرح بذلك الحديث الشريف في رواياته المختلفة بشرط ألا تظهر مع السكوت قرينة تدل على أنه إعراض منها عنه(3).
وأما اشتراط الإذن الصريح من الثيب البالغ فلقوله ﷺ «الثيب تشاور» «والثيب يعرب عنها لسانها»(4).
ثانياً: مذهب المالكية: 
ولاية الإجبار:
وذهب الإمام مالك - - إلى أن ولاية الإجبار في النكاح إنما تكون للأب فقط على ابنته الصغيرة مطلقاً بكراً كانت أم ثيباً. وذلك لانعقاد الإجماع على تزويج الأب ابنته الصغيرة بكراً كانت أم ثيباً ولأن الشفقة والحرص عند الأب لابنته أكثر من أي شخص آخر.
ويقوم مقام الأب عند مالك وكيله في الحياة ووصيه بالتزويج بعد الوفاة(1).
كما تثبت أيضاً هذه الولاية للأب بسبب البكارة مطلقاً وذلك لما روى مالك: أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله - رضي الله عنهما- كانا ينكحان بناتهما الأبكار ولا يتأمرانهن. قال مالك وذلك الأمر عندنا في نكاح الأبكار(2).
وللمالكية تفصيل في ولاية النكاح كالآتي: 
أولاً: إذا كانت المـرأة غـير شـريفـة: (أي ليست مـن الأشراف المنتمين إلى آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام).
وكانت بالغة عاقلة ثيباً أو بكراً ولكن رشدها أبوها صح لها أن تأذن في النكاح لأي رجل مسلم وكذا إذا لم يكن لها أب ولا وصي له وذلك بالولاية العامة وهي ولاية الإسلام إستدلالاً بقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾(3) (التوبة: 71)
فإن وجد الولي الخاص وكانت المرأة مجبرة كأن كانت صغيرة ثيباً أو بكراً لم يرشدها أبوها فلا يجوز العقد عليها إلا بالولي الخاص(4). 
ثانياً: الولي في نكاح الشريفة عند المالكية:
عند المالكية لا يصح للمرأة الشريفة تولي عقد نكاحها بنفسها ولكن يصح بالولاية العامة مع وجود الولي الخاص إذا كانت غير مجبرة أي بالغة عاقلة بشرط أن يكون الزوج قد دخل بها وطال زمن الدخول وهو مقدر عندهم بأن تلد ولدين أو مضى ثلاث سنوات على الدخول بها أيهما أطول.
فإن لم يطل الزمن فللولي الخاص حق الفسخ وحق الإجازة(1) وهذا أيضاً ثابت للولي البعيد عند عدم القريب كما يثبت للحاكم ولكن في حالتين:
الحالة الأولى: عند عدم وجود الولي العاصب.
الثانية: إذا غاب الولي العاصب غيبة طويلة ويقدرونها بثلاثة أيام فأزيد فإن كانت الغيبة قريبة فلا يصح الفسخ قبل أن يأذن الولي العاصب ويكتب إليه الحاكم للحضور للولاية(2).
وإذا طال الزمن بعد العقد وقبل الدخول عند المالكية في نكاح الشريفة إذا عقد بالولاية العامة إتجاهان:
أحدهما: يتحتم فسخ النكاح من الولي الخاص العصبة.
والثاني: الولي الخاص مخير بين الفسخ أو الإجازة.
وإذا قدم الولي العام وعقد العقد مع وجود الولي الخاص الذي لم يأذن فخلاف للمالكية على قولين:
أحدهما: لا يصح العقد.
والثاني: يصح بالإجازة(3).
والمرجع في طول الزمن أو عدمه بعد العقد وقبل الدخول عندهم هو العرف لأن ما تعارف عليه المسلمون وكان حسناً فهو عند الله حسن وبشرط ألا يتعارض مع نص أو إجماع أو عرف خاص(4) بين الناس.
ثالثاً: مذهب الشافعية:
1- ولاية الإجبار: 
وولاية الإجبار عند الشافعية لا تكون إلا للولي الطبيعي وهو الأب أو الجد فقط دون بقية العصبات في تزويج المرأة إذا كانت بكراً.
ولهذا قال الشافعية: ويجوز للأب والجد تزويج المرأة البكر من غير رضاها ولو كان الزوج غير كفء صغيرة كانت المرأة أو كبيرة عاقلة أو مجنونة، لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: «الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها في نفسها». فإن هذا الحديث يدل على أن الولي أحق بالبكر من نفسها في عقد النكاح وهذا هو معنى الإجبار. وأن المراد من إستئمارها في الحديث هو الإستئذان لحديث ابن عباس أن النبي ﷺ قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صمتها» ولهذا قال الفقهاء إن كانت المرأة بالغة عاقلة فالمستحب إذنها للخبر السابق ولأنها تستحيي أن تأذن لأبيها بالنطق فجعل صماتها إذناً(1).
ولنص الحديث السابق فإن المرأة الثيب إذا كانت بالغة عاقلة فإنه لا يجوز لأحد إجبارها على عقد النكاح حتى ولو كان ذلك المجبر هو الأب أو الجد لقوله ﷺ: الأيم أحق بنفسها من وليها وفي الرواية الأخرى الثيب أحق بنفسها وكل هذا بلا خلاف سواء كانت البكارة قد زالت بوطء صحيح أي بزوج سابق أو بوطء حرام أو وطء شبهة، فإن زالت البكارة بنفسها فالأصح إعتبار البكارة كأنها ما تزال موجودة حكماً بل عبر الإمام النووي في الروضة بالصحيح ليدل على أن الحكم الذي يفتى به ويصح في المذهب هو عدم إعتبار الثيوبة لأنها لم تمارس الرجال ولأن الحياء الذي للأبكار ما زال فيها فهي لا تزال على غباوتها وحيائها.
والقول الثاني: إعتبار المرأة التي زالت بكارتها بأي سبب من الأسباب ولو زالت بنفسها أو سقطت لوحدها أو بسبب سقطة أو نطة أو ضربة مثلاً في حكم المرأة الثيب في أمور الزواج والنكاح وذلك لظاهر الحديث الذي ورد في ذلك ولا داعي للإجتهاد مع وجود النص لهذا صحح الإمام النووي هذا القول في شرح مسلم لنفس السبب الذي ذكرناه.
والدليل على اشتراط إذن المرأة الثيب صراحة في صحة العقد هو الحديث الذي روته خنساء بنت حذام الأنصارية. فقد روت أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فذكرت لرسول الله ﷺ فرد نكاحها ويشترط في الإذن أن يكون بالنطق لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- السابق وهو أن النبي ﷺ قال: «البكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها»، فدل هذا الحديث من جهة المفهوم على أن إذن الثيب هو النطق(1). 
وإذا كانت المرأة الثيب صغيرة فحكمها حكم الكبيرة لأن الحديث لم يفرق بين الصغيرة والكبيرة ولهذا فلا يجوز لأحد إجبارها على الزواج إلا برضاها الصريح وهو النطق ولما كان إذنها في حال الصغر لا عبرة به لإنعدام التكليف الذي هو أساس الإلتزام في كل العقود الرضائية في حقها فقد قال الفقهاء: الشافعية وإن كانت صغيرة ثيباً لم يجز تزويجها حتى تبلغ وتأذن لأن إذنها معتبر في حال الكبر، فلا يجوز الإفتيات عليها في حال الصغر.
وأما إذا كانت المرأة الثيب غير عاقلة بأن كانت مجنونة فإنه يجوز للأب والجد تزويجها صغيرة كانت أو كبيرة دون بقية العصبات لأن تزويجها في هذه الحالة إجبار وليس لسائر العصبات غير الأب والجد ولاية الإجبار فأما الحاكم فإن كانت صغيرة لم يملك تزويجها لأنه لا حاجة بها إلى النكاح وإن كانت كبيرة جاز له تزويجها إن رأى أن في ذلك مصلحة لها لأن زواجها قد يكون فيه شفاء لها(2).  
2- ولاية الإختيار عند الشافعية:
ومعنى الإختيار عندهم في ولاية النكاح كما سبق هو عدم إجبار المرأة على الزواج بل لابد من إشتراط إذنها صراحة. وولاية الإختيار هذه تثبت لكل العصبات بعد الأب والجد. ولهذا فلا يجوز لأحد من العصبات أن يزوج المرأة بغير رضاها الصريح إن كانت ثيباً ورضاها الضمني وهو السكوت إن كانت بكراً لحديث نافع: «أن عبد الله بن عمر -  -تزوج بنت خاله عثمان بن مظعون فذهبت أمها إلى رسول الله ﷺ وقالت إن ابنتي تكره ذلك فأمر رسول الله ﷺ عبد الله بن عمر أن يفارقها وقال: «لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن فإن سكتن فهو إذنهن» فتزوجت بعد عبد الله بن عمر المغيرة بن شعبة - رضي الله عنهما-. 
ولأن المولى غير الأب والجد ليس مثلهما في وفور الشفقة والعطف فهو ناقص عنهما في ذلك وقد يكون هذا سبباً في إضرار المرأة ولهذا لا يملك التصرف في مالها بنفسه بل لا بد من إذن الحاكم كما أنه لا يصح بيع مالها لنفسه فكذلك لا يملك التصرف في بعضها من باب أولى.
ولا خلاف بين الفقهاء في أن سكوت المرأة الصغيرة المميزة في ولاية الاختيار يعتبر دلالة على الإذن إلا أنهم اختلفوا في إذن المرأة البالغة العاقلة البكر على وجهين.
أحدهما: أن إذنها لابد وأن يكون صريحاً ولا يكون ذلك إلا بالنطق لأنه لما افتقر تزويجها إلى إذنها إفتقر إلى نطقها بخلاف الأب والجد حيث اعتبر السكوت معهما رضا لتوفر الشفقة والمصلحة معهما دون غيرهما من العصبات.
والثاني: وهو الصحيح وقال البعض إنه هو المنصوص أن إذنها يكون بالنطق أو السكوت كما في الأب والجد لحديث ابن عباس وهو: البكر تستأذن وإذنها صماتها الحديث(1)، وهذا العموم يستوي في دلالته ولاية الإجبار وولاية الإختيار.
هل يجوز للولي أن يزوج المرأة من غير كفء؟
ولا يجوز في ولاية الإختيار عند الشافعية تزويج المرأة من رجل غير كفء لها إلا برضاها مع رضا سائر الأولياء جميعاً لأن في ذلك إلحاق عار بها وبجميع أوليائها فالحق لهم جميعاً في الإذن لما روت عائشة -رضي الله عنها- قالت: «تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم»(1).
وإن طلبت المرأة من وليها أن يزوجها من رجل اختارته ولكنه غير كفء لها لم يلزم الولي إجابة طلبها وتزويجها بمن اختارته لأنه يلحقه العار بذلك. 
فإن رضي هو وجميع الأولياء من بعده بمن اختارته مع أنه غير كفء جاز التزويج  وصح العقد، لما روت فاطمة بنت قيس قالت: «أتيت النبي ﷺ فأخبرته أن أبا الجهم يخطبني ومعاوية فقال: أما أبو الجهم فأخاف عليك عصاه، وأما معاوية فشاب من شباب قريش لا شيء له ولكني أدلك على من هو خير لك منهما. قلت من يا رسول الله؟ قال: أسامة قلت أسامة! قال : نعم أسامة، فتزوجت أبا زيد فبورك لأبي زيد في وبورك لي في أبي زيد». 
وقال عبد الرحمن بن مهدي أسامة من الموالي وفاطمة قرشية. ولأن المنع من نكاح المرأة غير الكفء لحق الأولياء فإذا رضوا زال المنع.
فإن زُوجت المرأة من غير كفء بغير رضاها أو من غير رضا سائر الأولياء فالنكاح باطل كما في نص الأم للشافعي. وقال في الإملاء - أي الشافعي- كان للباقين الـرد، وهـذا يـدل على أن زواج المـرأة من غير كفء صحيح ولو كان بغير رضـاها. ولهذا فقد اختلف الأصحاب من الشافعية في هذه المسألة على ثلاثة طرق:
الطريق الأول على قولين:
أحدهما: أن الزواج باطل لأنه عقد في حق غيره من غير إذن فبطل كما إذا باع مال غيره بغير إذنه.
والثاني: أن الزواج صحيح وكل ما في الأمر أنه عقد يثبت فيه الخيار لأن النقص يوجب الخيار دون البطلان كما إذا اشترى شيئاً معيباً فإن العقد صحيح ولكن يثبت خيار العيب وهذا بلا خلاف.
والطريق الثاني: القطع بالبطلان استناداً إلى نص الأم وتأول الأصحاب هذا الطريق بما ورد في الإملاء عن الشافعي على أنه أراد بالرد المنع من العقد.
والطريق الثالث: التفصيل. وهو إن عقد الولي العقد وهو يعلم أن الزوج ليس بكفء بطل العقد كما لو اشترى الوكيل سلعة وهو يعلم بعيبها. أما إذا لم يعلم بأن الزوج غير كفء فإن العقد يصح ويثبت الخيار كما لو اشترى الوكيل سلعة ولم يعلم بعيبها. ويحمل قول الشافعي على هذين الحالين(1). 
رابعاً: مذهب الحنابلة في ولاية الإجبار وولاية الاختيار:
وذهب الحنابلة إلى أن ولاية الإجبار تثبت للأب فقط على ابنته البكر إذا زوجها من كفء وكانت صغيرة وهذا بلا خلاف في المذهب لقوله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ (الطلاق: 4) فالله سبحانه وتعالى قد جعل اللائي لم يحضن عدتهن ثلاثة أشهر ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من طلاق ولا طلاق إلا من نكاح، فدل ذلك على أن الصغيرة تزوج وتطلق، ولا إذن لها فيعتبر. ويدل عليه أيضاً ما ورد عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «تزوجني النبي ﷺ وأنا ابنة ست وبنى بي وأنا ابنة تسع» متفق عليه وذكره ابن قدامة(2) ومعلوم أن عائشة وهي في سن ست سنوات لم تكن في حال من يعتبر إذنها، كما روى الأثرم أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست فقيل له: فقال: ابنة الزبير إن مت ورثتني وإن عشت كانت امرأتي.
كما زوج علي -  - ابنته أم كلثوم وهي صغيرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما(3)-.
وأمـا إجبـار البكـر البالغة فقولان في المذهب بناء على روايتين للإمام أحمد في هذا:
أحدهما: هي كالبكر الصغيرة كما هو مذهب مالك والشافعي وابن أبي ليلى وإسحاق.
الثاني: لا إجبار للأب عليها لأن الولاية عليها بعد البلوغ ولاية شركة واختيار كما هو مذهب الأوزاعي والثوري وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لحديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، فقالوا يا رسول الله فكيف إذنها؟ قال: أن تسكت» متفق عليه(1).
ولما روى أبو داوود وابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن جارية بكراً أتت النبي ﷺ فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي ﷺ(2).
فالحديث صريح في أن النبي ﷺ جعل للمرأة البكر الخيار في زواجها إذا زوجها أبوها كارهة. ولا يعتبر هذا الخيار منها إلا إذا كانت ذات إذن معتبر حتى يمكن أخذه واعتباره في المشاورة المتعلقة بأمر الزواج الخاصة بها والتي تهم الأب أيضاً لكثرة عطفه وشفقته عليها وحبه لها حيث لا يريد لها إلا المصلحة الأكيدة.
وإنما كانت مشاورتها معتبرة في عقد النكاح لأنها جائزة التصرف في مالها بلا خلاف فاعتبرت كالثيب والرجل فلم يجز إجبارها على عقد النكاح كما لا يجوز إجبار الثيب البالغة بلا خلاف بين الفقهاء(3).
وأمّا دليل القول الأول في المذهب القائل بأن البكر البالغة كالبكر الصغيرة للأب ولاية الإجبار عليها فهو ما يأتي:
أولاً: حديث ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن وإذنها صماتها» رواه مسلم وأبو داود(4).
وذلك لأن الحديث بمنطوقه يدل على أن الأيم وهي الثيب التي لا زوج لها أحق بنفسها من وليها وهو يدل بمفهومه على أن غير الأيم وهي البكر وليها أحق من نفسها وهذا هو معنى الإجبار بمعنى أنه من حقه أن يزوجها من كفء لو كانت كارهة ويمضي عليها الزواج وإن كان الإستئذان مستحبّاً في هذه الولاية وليس بواجب(1). 
وعند الحنابلة لا يجوز لغير الأب إجبار كبيرة بكر ولا تزويج صغيرة ولو كان هذا الجد وهو أبو الأب كما هو مذهب مالك وأبو عبيد والثوري وابن أبي ليلى(2).
وقد نقل عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل عن أبيه أنه قال بأن لغير الأب من الأولياء تزويج الصغيرة ولكن لها حق الخيار إذا بلغت كما هو مذهب أبي حنيفة والحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس وقتادة وابن شبرمة والأوزاعي وهذا مذهب الزيدية(3).
وذلك لمفهوم قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ (النساء: 3) فمفهوم قوله سبحانه أنه إذا لم يخف الولي عدم الإقساط وهو الظلم فله تزويج اليتيمة، واليتيم هو الذي لم يبلغ بعد لقوله ﷺ «لا يتم بعد إحتلام»(4).
ويدل لذلك قول عروة. سألت عائشة عن قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾ (النساء: 3) فقالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها ويشركها في مالها ويعجبه ما لها وجمالها فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثلما يعطيها غيره فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا فيهن ويبلغوا على سننهن في الصداق. متفق عليه(5).
ولأن غير الأب ولي في النكاح كالأب بلا خلاف فكان كالأب أيضاً في تزويج الصغيرة(1).
والذي عليه الفتوى في المذهب الحنبلي وهو الراجح أن ولاية الإجبار ونكاح الصغيرة هي للأب فقط دون غيره من الأولياء لقول ﷺ: «تستأمر اليتيمة في نفسها وإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها» رواه أبو داود والنسائي(2).
فالحديث صريح في استئمار اليتيمة وهي التي لا أب لها وهذا لا يكون إلا من ولي غيره والحديث صريح في طلب أمرها وإن اعتبر سكوتها إن كانت بكراً جواباً للولي ثم إن الحديث صريح أيضاً في أنها إن أبت أو امتنعت عن الجواب أو كرهت فلا يجوز العقد عليها وهذا صريح في نفي ولاية الإجبار عليها لغير الأب(3). 
ويدل على ذلك ما روي عن ابن عمر أن قدامة بن مظعون زوج ابن عمر ابنة أخيه عثمان فرفع ذلك إلى البني ﷺ فقال: «إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها»(4). 
واليتيمة الصغيرة هي التي مات أبوها، ولأن غير الأب قاصر الشفقة فلا يلي نكاح الصغيرة كالأجنبي، وغير الجد لا يلي ما لها فلا يستبد بنكاحها كالأجنبي. وأما الجد فليس كالأب في الإجبار لأنه يلي بولاية غيره وهو الأب فأشبه سائر العصبات، وفارق غير الأب الأب لأن الأب يدلي إلى المولى عليه بغير واسطة ويسقط الإخوة والجد ويحجب الأم عن ثلث المال إلى ثلث الباقي في زوج وأبوين أو زوجة وأبوين بخلاف الجد الذي يشاركه الإخوة ولا يحجب الأم من الثلث إذا كان معها في ميتة ماتت وتركت أماً وجداً وزوجاً. حيث تأخذ الأم الثلث كاملاً ويأخذ الزوج النصف ويأخذ الجد الباقي تعصيباً لأنه أولى رجل ذكر يأخذ ما بقي بعد أصحاب الفروض وهو بذلك يأخذ أقل من الأم في الميراث وهذا بلا خلاف فدل ذلك على أن الجد ليس مثل الأب في جميع الحالات. ومنها حالة ولاية الإجبار في الزواج(1).
خامساً: مذهب الظاهرية في ولاية الإجبار في النكاح:
ومذهب الظاهرية أنه لا يملك حق إجبار البكر الصغيرة في أمر النكاح المتعلق بها إلا الأب وحده دون سائر الأولياء(2). 
قال ابن حزم: وللأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر - ما لم تبلغ- بغير إذنها ولا خيار لها إذا بلغت فإن كانت ثيباً من زوج مات عنها أو طلقها لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها حتى تبلغ ولا إذن لهما قبل البلوغ. وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها إلا بإذنها فإن وقع فهو مفسوخ أبداً.
فأما الثيب فتنكح من شاءت وإن كره الأب.
وأما البكر البالغ  فلا يجوز لها نكاح إلا بإجتماع إذنها وإذن أبيها.
وأما الصغيرة التي لا أب لها فليس لأحد أن ينكحها لا من ضرورة ولا من غير ضرورة حتى تبلغ، ولا لأحد أن ينكح مجنونة حتى تفيق وتأذن، إلا الأب في التي لم تبلغ وهي مجنونة فقط(3).
وقد استدل ابن حزم لمذهبه بإنكاح أبي بكر ابنته عائشة وهي بنت ست سنين من النبي ﷺ. وهذا أمر مشهور وما يثبت في حق النبي يثبت في حق أمته لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (الأحزاب: 21) ولا خصوصية هنا لعدم الدليل الذي يدل على ذلك(4). 
سادساً: مذهب عثمان البتي وأبو بكر الأصم وابن شبرمة:
ويرى أصحاب هذا المذهب بأن ولاية الإجبار لا تكون إلا على المجانين والمعاتيه فقط دون الصغار حيث لا يثبت على الصغيرة ولاية إجبار النكاح عليها لأحد لأن الصغر ينافي العقود في النكاح لأن مقتضيات عقد النكاح لا تطلب إلا في الكبر أي البلوغ والقدرة على النكاح فلا ضرورة إذن تدعو إلى الإلزام بعقد مؤبد قد لا تظهر آثاره إلا بعد البلوغ وقد تتضرر المرأة منه بعد ذلك ولا تجد وسيلة لدفعه عنها لأنه عقد مؤبد على جهة الإجبار عليها.
وقد استأنس المشرع المصري عند وضع القانون رقم 56 لسنة 1963 الخاص بتحديد سن الزواج التي يجوز العقد معها اعتماداً على القواعد الشرعية المعمول بها في ذلك عند الأحناف برأي أصحاب هذا المذهب وهو مذهب عثمان البتى ومن وافقه يمنع زواج الصغير والصغيرة فقرر هذا القانون بأنه يعاقب بالحبس لمدة سنتين أو بغرامة لا تزيد على مائة جنيه متى شهد بأن الزوجين أو أحدهما قد بلغ السن ولم يبلغ، وكل شخص خوله القانون سلطة عقد الزواج إذا عقد وهو يعلم أن أحد طرفيه لم يبلغ السن القانونية يعاقب بالحبس أو الغرامة التي قد تصل إلى مائتي جنيه.
كما قرر القانون أنه  لا تسمع دعوى الزوجية إذا لم تصل سن الزوجين إلى القدر المحدد إعتماداً على ما تقرر في القواعد الشرعية من أن لولي الأمر تخصيص القضاء بالزمان والمكان والحادثة والشخص. وقد حدد القانون هذه السن بالنسبة للرجل ثماني عشرة سنة والزوجة ست عشرة سنة زيدت إلى ثماني عشرة سنة كالزوج في القانون الجديد ومنع الموظف المختص بتوثيق عقد الزواج إذا كانت السن عند الزواج تقل عن ذلك باعتبار أن هذه السن هي التي يستطيع فيها كل واحد من الزوجين أن يحدد موقفه من شريكه في الحياة تحديداً دقيقاً يوافق ميوله وأغراضه(1).

 











أبيض











الخاتمة
رأينا في تزويج القاصرات
أولاً: بيان من هي القاصرة في اللغة والشرع:
في اللغة: القاصـرة هي المرأة التى لا تمد طرفها إلى غير بعلها وتكون مقصورة الطرف إلا إليه ومن ذلك قوله تعالى: ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾ (الرحمن: 72).
وهي المرأة المحبوسة على زوجها وفي مختار الصحاح قصر الشيء حبسه. ومنه مقصورة الجامع. كما تشمل القاصرة في اللغة العاجزة عن أداء أمورها بنفسها وتحقيقه لها بغيرها. فقد جاء في مختار الصحاح قصر عن الشيء عجز عنه ولم يبلغه، وقصر السهم عن الهدف أي لم يبلغه(1).
في الشرع: أما القاصرة في الشرع عند الفقهاء فهي الصغيرة القاصرة عن عقد زواجها الشرعي بنفسها بلا خلاف والكبيرة البالغة كالصغيرة مع الخلاف بكراً وثيباً.
وفي التشريع القانوني: للأحوال الشخصية القاصرة هي المرأة القاصرة عن عقد زواجها بنفسها أو بغيرها إذا لم تبلغ سنها ثمانية عشر عاماً عند العقد كما هو الحال في القانون المصري مادة 33 ( أ ) من لائحة المأذونين المصرية 1955م والمعدلة بالقانون 1 لسنة 2000م.
وفي نص المادة 33 ( أ ) قبل التعديل ولا يجوز مباشرة عقد الزواج ولا المصادقة على زواج مسند إلى ما قبل العمل بهذا القانون ما لم يكن سن الزوجة ست عشرة سنة أو سن الزوج ثماني عشرة سنة وقت العقد. وقد عدل بعد ذلك سن الزوجة إلى ثمانية عشرة سنة كما في سن الزوج. وهو ما يتفق مع مذهب الإمام مالك -  -(2) والإمام أبي حنيفة(3) في قول.
وبناء على ما سبق بيانه في تعريف القاصرات في اللغة والشرع والقانون يكون المقصود من تزويج القاصرات تزويج الصغيرات التى لم تبلغ سن التكليف الشرعية أو القانونية.
ولا خلاف بين الفقهاء من الناحية الشرعية في جميع مذاهبهم وكتبهم الفقهية عامة أنه عندما يعبر بالصغير أو الصغيرة أو الصغار فإنه يكون المراد بذلك هم ما دون البلوغ الشرعي الذي معه يتم التكليف الشرعي للمكلفين من العباد بالأحكام الشرعية المخاطب بها العباد اقتضاء أو تخييراً أو وضعاً.
وتبين النصوص الشرعية أنه قبل البلوغ لا يكون الإنسان مكلفاً بالتكاليف الشرعية، لأن الأحكام الشرعية تتوجه إلى العاقل البالغ حيث لا تكليف شرعاً للصغير الذي لم يبلغ ولا لغير العاقل كالمجنون والقائم لقوله ﷺ: «رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ»(1).
وإذا كان الصغر والكبر أمر محسوس وملموس بعلامات حسية وشرعية يستدل بها على كل منهما فإن العقل أمر خفي يحتاج إلى علامة حسية وشرعية تدل عليه أيضاً لأن العقل هو الأصل في محل التكاليف الشرعية لأن التكاليف الشرعية إلى العاقل حيث لا تكليف لغير العاقل. ولما كان العقل شيئاً خفياً فكان لابد أن يكون هناك ما تدل على وجوده ويرتبط به حساً فأناطه الشارع بالبلوغ فارتبط به لأنه مظنة وجود العقل عنده فتوجه إليه كل التكاليف الشرعية.
وإذا كان الصغير يعرف بأنه من كان دون البلوغ الشرعي والكبير المكلف هو من بلغ حد التكليف الشرعي فقد يأتي السؤال؟ ومتى يبلغ الصغير، والصغير اسم جنس يشمل الذكر والأنثى حتى يكون مكلفاً بجميع التكاليف الشرعية في الشريعة الإسلامية ويكون له الحق الشرعي بالإستقلال بإتخاذ القرارات الشرعية التي يراها محققة لمصالحه الدينية والدنيوية والتى فيها التصرفات المالية، والزواج وغير ذلك من التصرفات والتي يكون معها الإنسان قد ترك مرحلة الصغر وأصبح بالغاً مكلفاً بالأحكام الشرعية التكليفية؟
وللإجابة عن هذا التساؤل من خلال آراء الفقهاء في المذاهب الفقهية الإسلامية نجد أنهم قد اتفقوا على خمسة أشياء تدل على البلوغ بالنسبة للذكر والأنثى معاً يشترك الذكر والأنثى معاً في ثلاثة منها وتختص الأنثى باثنين فأما الأمور الثلاثة التى يشترك فيها الذكر والأنثى للخروج من الصغر إلى الكبر والبلوغ فهي: خروج المني، ونبات الشعر حول عضو التذكير أو التأنيث، والسن.
وأما الأمران اللذان يختصان بالأنثى فهما: الحيض، والحمل، وهذا في العلامات الطبيعية للبلوغ، فإن لم توجد هذه العلامات الطبيعية أو لم تظهر لعارض من العوارض الطبيعية أو البشرية فقط أناط الشارع البلوغ بالسن ليكون بلوغ الإنسان مرحلة معينة من العمر علامة طبيعية شرعية ليكون أهلا للتكاليف الشرعية كالبلوغ الطبيعي وهو القدرة على الإنجاب سواء بسواء.
ومع اتفاق الفقهاء على هذا الضابط الشرعي في الجملة إلا أنهم قد اختلفوا في التفصيل وفي حدود هذه السن العمرية إلى ثلاثة مذاهب:
1- الجمهور من الفقهاء والعلماء: أن مضي خمس عشرة سنة من حين الولادة يكون بلوغاً شرعياً بالنسبة للذكر والأنثى معاً.
وبهذا الرأي قال الأوزاعي، والشافعي وأحمد بن حنبل، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وغيرهم وهو قول عند المالكية(1). 
وقد استدل أصحاب هذا المذهب بحديث عبد الله بن عمر عندما عرض على النبي ﷺ ليشترك مع جيش المسلمين ليقاتل معهم في معركة أحد وكانت سنه في ذلك الوقت أربع عشرة سنة فلم يسمح له النبي ﷺ بالاشتراك مع الجيش في الحرب، ولما بلغ خمس عشرة سنة سمح له النبي ﷺ بالاشتراك في الحرب يوم معركة الخندق. فقد روى البخاري وغيرهما عن عبد الله بن عمر قال: عرضت على النبي ﷺ يوم أحد وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني.
ومعنى الإجازة: الإذن بالخروج للاشتراك في الحرب قال عمر بن عبد العزيز لمّا بلغه هذا الحديث: إن هذا الفرق بين الصغير والكبير(1).
ومع أن الاستدلال بالحديث في دلالة بلوغ الذكر فإن أصحاب هذا المذهب يرون أن السن معنى يحصل به البلوغ يشترك فيه الغلام والصبية فاستويا فيه كإفراز المنى.
2- المالكية: وقد اختلفت الأقوال في المذهب المالكي على ثلاثة أقوال بعضهم يرى أن البلوغ في الذكر والأنثى بالسن سبع عشرة سنة لهما معاً. وقول آخر أنه يكون بثماني عشرة سنة لهما معاً. وقول ثالث: أن البلوغ بالسن بخمس عشرة سنة(2).
3- المذهب الحنفي: وقد اختلفت الروايات في المذهب الحنفي في سن البلوغ فأبو حنيفة إمام المذهب -  - رويت عنه عدة روايات في ذلك إحداها: أن البلوغ بسبع عشرة سنة والثانية: وهى الأشهر أن البلوغ للذكر بتسع عشرة سنة وللأنثى البلوغ بسبع عشرة سنة، والثالثة: أن البلوغ بالسن في حق الغلام بثمان عشرة سنة وفي حق الأنثى بسبع عشرة سنة(3).
وقد جمع بعض فقهاء الحنفية بين الرواية التي تقول إن أبا حنيفة يرى أن البلوغ في حق الغلام بثمان عشرة سنة والرواية التي تقول إنه يرى أن البلوغ في حقه بتسع عشرة سنة بأن المراد أن يدخل الغلام في التاسعة عشرة ويتم له ثماني عشرة سنة فلا يكون اختلاف بين الروايتين. والرابعة من الروايات في المذهب الحنفي للإمام: أن الغلام والجارية يبلغان بخمس عشرة سنة.
وإذ قد تبين لنا مما سبق أن القاصر هو الصغير الذي لم يبلغ بالعلامات الطبيعية المتفق عليها بالنسبة للذكر والأنثى أو بالسن التي يغلب على الظن معها البلوغ الطبيعي والقدرة على الإنجاب والالتزام بالتكاليف الشرعية والاتفاق على البلوغ بالسن عند الفقهاء مع الخلاف بينهم في تحديد هذه السن كما سبق بيانه.
ومذهب الجمهور دليله حديث بن عمر، ومذهب المخالف للجمهور دليله الاستقراء العملي للحياة الاجتماعية بسؤال أهل الخبرة في كل عصر مما قد تختلف الإجابة لأسباب بشرية أو بيئية أو غير ذلك.
فإنه يتبين لنا أيضاً أنه لا خلاف بين جمهور الفقهاء في مبدأ مشروعية تزويج القاصر في أي سن بالنسبة للذكر والأنثى وذلك مع الأب في ولاية الإجبار حرصاً من الآباء على رعاية مصالح الأبناء وتحقيق التكافؤ بينهما وحرص الولي الأب على زوج كفء لإبنته وحرصه على ألا يضيع منها إذا تركت إلى البلوغ وليس هناك سن محددة للزواج الشرعي فهو جاء في أي سن بين الذكر والأنثى مع توافر أركان عقد الزواج وشروطه الشرعية عند الفقهاء والمقصود بسن الزواج هنا هو العقد وليس النكاح وهو الدخول لأن سن النكاح هو سن البلوغ وهو القدرة على الإنجاب لقوله تعالى في سورة النساء الآية 6: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا﴾ الآية.
وقد خالف عثمان البتي وأبو بكر الأصم وابن شبرمة: جمهور الفقهاء في تزويج القاصر الصغير والصغيرة حيث لا يرى أصحاب هذا المذهب بأنه لا ولاية لأحد عليهما في الزواج ولا ولاية إجبار عليهما ولو مع الأب لأن ولاية الإجبار لا تكون إلا على المجانين والمعاتبة فقط دون الصغار حيث لا يثبت على الصغيرة ولاية إجبار النكاح عليها لأحد لأن الصغر ينافي العقود في النكاح لأن مقتضيات عقد النكاح لا تطلب إلا في الكبر أي البلوغ والقدرة على النكاح، فلا ضرورة إذن تدعو إلى الإلزام بعقد مؤبد قد لا تظهر آثاره إلا بعد البلوغ وقد تتضرر المرأة منه بعد ذلك ولا تجد وسيلة لدفعه عنها لأنه عقد مؤبد على جهة الإجبار عليها، وقد استأنس المشرع المصري عند وضع القانون رقم 6 لسنة 1963 الخاص بتحديد سن الزواج التي يجوز العقد معها اعتماداً على القواعد الشرعية ورأى أصحاب هذا المذهب وهو عثمان البتي ومن وافقه.
وقد حدد المشرع المصري في تشريعات الأحوال الشخصية للمسلمين الخاصة بالزواج بأنه لا يجوز العقد في الزواج لمن لم يبلغ سنة ثمانية عشر عاماً للزوجين معاً. وقرر على مخالفة ذلك عقوبة للشاهد على العقد والموثق قد تصل إلى الحبس. كما قرر بالنسبة للزوجين أنه لا تسمع دعوى الزوجية أمام القضاء إذا لم تصل سن الزوجين إلى القدر المحدد اعتماداً على ما تقرر في القواعد الشرعية من أن لولي الأمر تقييد المباح وتخصيص القضاء بالزمان والمكان والحادثة والشخص، والسن التي حددها القانون هي التي يستطيع معها كل واحد من الزوجين أن يحدد موقفه من شريكه في الحياة تحديداً دقيقاً يوافق ميوله وأغراضه.
ومن أهم أغراض الزواج التوافق بين الزوجين على أساس صحيح من الدين والخلق والرضاء التام بينهما في العقد لتحقيق السكن والمودة والرحمة بينهما في الحياة الزوجية نزولاً على قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21).
ثم إن هذه السن هي التي معها يكون كل من الزوجين قد بلغ مرحلة من العلم والمعرفة ما يحقق بناء أسرة صحيحة وسليمة وقادرة على تحقيق دوام السكن والمودة وبناء جيل جديد صحيح وقادر على الخلافة الشرعية المكلف بها شرعاً في أمر دينه ودنياه وذلك من خلال ذريتهما التي تحتاج إلى العلم والمعرفة والتربية الدينية والدنيوية من المهد إلى مرحلة التكليف والشباب. والأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق، وسن الثمانية عشر عاماً هي سن الحصول على مرحلة التعليم الثانوي العام، أو التخصصي وهى مرحلة لاغنى عنها في الحياة الزوجية.
وبذلك نرى أن تحديد السن قانوناً كما هو الحال في مصر وغيرهما لا يعد مخالفاً للشريعة الإسلامية لأن نظام التعليم يجعل هذه السن هي السن المعقولة للزواج والزواج قبل هذه السن في الغالب الأعم يعيق الشباب عن طلب العلم. وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة كما دل على ذلك الحديث، وأن رسول الله ﷺ رفع من شأن العلم والعلماء وطلاب العلم فقال ﷺ: «العلماء ورثة الأنبياء».
وقال: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم»(1).
وقال: «من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخد بحظ وافر»(2).
وقال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11).
وقد ترتب على تزويج القاصرات في الماضي والحاضر مفاسد كثيرة وأضرار عظيمة على القاصرات على وجه الخصوص وعلى الأسرة والفرد والجماعة التى يشيع فيها زواج القاصرات وهذا مالا يجيزه الإسلام بحال لأنه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،،

الباحث

 









أبيض









ملخص البحث
مذاهب الفقهاء في تزويج القاصرات
الحكم الشرعي لهذا الزواج بالنسبة للقاصر الصغير أو الصغيرة التي لم تبلغ مرحلة التكليف الشرعي بالعلامات الطبيعية وهي القدرة على الإنجاب بظهور المني للذكر والحيض للأنثى أو السن إذا لم تظهر هذه العلامات، الفقهاء في هذا الحكم على ثلاثة مذاهب:
الأول: لجمهور الفقهاء وفيهم الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك والشافعي، وأحمد. وهو الجواز مطلقاً بالنسبة للقاصر الصغير والصغيرة.
الثاني: ابن حزم الظاهري وهو الجواز بالنسبة للصغيرة القاصرة دون الصغير عملاً بالآثار المروية في ذلك وهي ثابتة في الصغيرة دون الصغير فإذا زوج الصغير من وليه فهو باطل ومفسوخ لأن قياس الصغير على الصغيرة باطل ولا يصح العمل به شرعاً(1).
الثالث: عدم الجواز مطلقاً بدون تفريق بين الصغير والصغيرة حيث لا يصح تزويجهما قبل البلوغ الشرعي لا للأب ولا لغيره من الأولياء، وزواج الصغار باطل لا يترتب عليه أيّ أثر شرعي، هذا مذهب ابن شبرمة والبتي وأبو بكر الأصم(2). 
أدلة الجمهور على تزويج الصغار مطلقاً وجوازه شرعاً:
1- قول الله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ (الطلاق: 4) فقد جعل الله عدة الصغيرة التي لم تحض ثلاثة أشهر، والعدة لا تكون إلاّ بعد زواج شرعي والزواج الشرعي لا يكون إلاّ بعد عقد استوفى كل أركانه الشرعية فدل ذلك على صحة العقد على الصغيرة بدون حاجة إلى استئذانها في ذلك، لأنها في سن لا يعتبر فيها إذنها الشرعي التي تترتب عليه الأحكام التكليفية.
2- وقوله تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ (النور: 32) والأيم اسم للأنثى التي لا زوج لها صغيرة كانت أم كبيرة وعموم الخطاب في الأيمة للأولياء وهو يتناول الأب والجد وغيرهما(1). وهذا عند البعض أما عند الجمهور فهو مقتصر على الأب والجد فقط في ولاية الإجبار، وعند مالك وأحمد على الأب فقط وزاد مالك وصية في حياته(2).
3- وقول عائشة رضي الله عنها: تزوجني النبي ﷺ وأنا ابنة ست (سنين) وبنى  بي وأنا ابنة تسع(3)، ولا خلاف فيه أن أبا بكر الصديق -  - هو الذي زوج عائشة رضي الله عنها من النبي ﷺ في هذه السن، فدل ذلك على حق الأولياء في تزويج الصغار. ويؤيد ذلك أيضاً أن النبي ﷺ زوج بنت عمه حمزة من ابن أبي سلمة وهما صغيران(4).
4- والمأثور عن عدد من الصحابة يؤيد صحة تزويج الصغار والعقد لهم من الأولياء، فقد زوج علي -  - ابنته أم كلثوم وهي صغيرة من عمر بن الخطاب، وتزوج قدامة بن مظعون ابنة الزبير حين ولدت، فقيل له في ذلك، فقال: هي ابنة الزبير إن مت ورثتني وإن عشت كانت امرأتي، وزوّج عروة بن الزبير بنت أخيه من ابن أخيه وهما صغيران، وقد تضافرت الأخبار عن وقوع ذلك من الصحابة فدل على جوازه ولو كان غير ذلك لما فعلوه(5).
5- ولأن الزواج من جملة المصالح التي ينبغي للأولياء مراعاتها ولا تكون المصلحة في الزواج محققة إلاّ إذا كان الأكفاء والكفء لا يوجد في كل وقت فإذا وجد الأب الكفء كان من مصلحة الصغير أن يعقد عليه عقد الزواج فلا يفوت هذا العقد منه بالانتظار إلى البلوغ(1).
هذا ولا يجوز عند مالك وأحمد زواج القاصرات إلاّ للأب فقط فإن فعل ذلك غير الأب من الأولياء لم يصح العقد على الصغير مطلقاً، لأن الشرع جوزه للأب فقط رخصة لمصلحة الصغير ولفرط شفقته عليه خوفاً من ضياع الكفء إذا وجد عند العقد ولصدق رغبة الأب في مصلحة ولده الصغير، والأصل عدم صحة العقد على الصغير مطلقاً وأجيز للأب إستثناء للرخصة فلا يلحق به غيره من الأولياء ويقران هذا أن قدامة ابن مطعون زوج بنت أخيه من عبد الله بن عمر فرفع ذلك إلى النبي ﷺ فقال إنها يتيمة ولا تنكح إلاّ بإذنها، واليتيمة هي الصغيرة التي مات أبوها لقوله «لا يتم بعد احتلام» (2). 
ومذهب الإمام الشافعي: للأب والجد تزويج الصغار والقاصرات ولو كان مما يتغابن فيه الناس حيث يصح العقد ولو لم يتحقق شرط الكفاءة ومهر المثل(3).
أما أبو يوسف ومحمد وقول عند الشافعية: لا بد من شرط الكفاءة ومهر المثل لصحة هذا العقد لأن الولاية على الصغار للمصلحة ولا مصلحة واضحة في تزويج الصغير ة من غير كفء، بغير مهر المثل وإذا عرف الأب أو الجد بسوء الاختيار أو بالمجون والفسق فلا يجوز التزويج إلا بكفء وبمهر المثل وإلا كان العقد باطلاً(4).
أما الثوري ومعمر وقتادة وطاووس: فمذهبهم أن تزويج الصغار والقاصرات لجميع الأولياء الأب والجد وغيرهما لأن شفقة الأولياء لا تمنع من إساءة الإختيار عن غير قصد وهذا كما يحدث مع الأب أو الجد يحدث مع غيرهما ويعوض دائماً لأنه يجب أن يعطى الصغير الذي عقد عليه عقد الزواج حق النسخ حين بلوغه إذا وجد أن هذا الزواج ليس في مصلحته أو من هذا المذهب لاتوارث بينهما قبل البلوغ إذا مات أحدهما(1).
أدلة من قالوا ببطلان زواج القاصرات والصغير والصغيرة وأصحاب هذا المذهب: ابن شبرمة وعثمان وحجتهم في بطلان هذا الزواج وعدم جوازه شرعاً ما يأتي:
1- قول الله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ (النشاء: 5) حيث دلت هذه الآية على أن بلوغ سن النكاح هو علامة على انتهاء الصغر، فلو كان الزواج يصح في سن الصغر لما كان لهذه الغاية معنى.
2- ولأنه لا فائدة للصغير من هذا العقد عليه بالزواج، أن الزواج للمعاشرة والسكن النفسي والتناسل، ولا تتحقق واحدة من هذه في زواج الصغار، وقد يكون فيه ضرر بالغ بهم إذ إنه إجبار لهم على حياة مشتركة مؤبدة دون التأكد من الانسجام بين الزوجين، فما وجه الحكمة في جواز هذا العقد، والولاية إنما شرعت على الصغار لمصالحهم ودفع الأذى عنهم.
والاستدلال بزواج النبي ﷺ بعائشة وهي صغيرة لا يصح العمل به في حق غير النبي ﷺ وذلك لأنه خاص به ولا ينكر من أحد اختصاص النبي ﷺ ببعض الأحكام دون أُمته. ومن المؤكد أن زواجه ﷺ بعائشة كان في مكة قبل الهجرة وذلك قبل أن يتقرر استئذان الأبكار واستئمار الثيبات كما هو ثابت في الحديث وبهذا لا يكون في زواج عائشة دليل على صحة زواج الصغار لغير النبي ﷺ.
موقف قانون الأسرة والأحوال الشخصية من تزويج القاصرات:
كان العمل في المحاكم الشرعيةقديماً في الدول الإسلامية بمذهب جمهور الفقهاء من صحة زواج الصغار وكان عليه العمل عند عامة الناس ولكن بعد أن ظهرت أضراره وكثرت وأضرت بمستقبل الصغار ونشأت عن ذلك مآسي إجتماعية وأضرار خلقية كانت الحاجة ماسة إلى تشريعات قانونية إسلامية لمعالجة ذلك فصدر قانون حقوق العائلة للدولة العثمانية لسنة 1336 بعدم جواز العقد على الصغار اعتماداً على مذهب ابن شبرمة وعثمان البتي والأصم. حيث نصت المادة 4 (الرابعة) من هذا القانون: يشترط في أهلية النكاح أن يكون الخاطب في سن الثامنة عشرة والمخطوبة في سن السابعة عشرة فأكثر. 
ونصت المادة السابعة منه على ما يلي: «لا يجوز لأحد أن يزوج الصغير الذي لم يتم الثانية عشرة من عمره ولا الصغيرة التي لم تبلغ التاسعة من عمرها» واكتمال أهلية العقد للزوجين بثمانية عشر عاماً في الفتى وسبعة عشر عاماً في الفتاة، وما قبل بدء الأهلية غير صحيح، وما بعدها حتى اكتمالها متوقف على إذن الولي والقاضي وما بعد اكتمال عقد صحيح نافذ من غير إذن الولي إذا استوفى أركانه وشروطه(1).
وقد أخذ القانون السوري سنة 1397 ه بمذهب ابن شبرمة ومن وافقه أيضاً(2).
وقد نصت المادة 15 من هذا القانون على الآتي:
1- يشترط في أهلية الزوج العقل والبلوغ.
2- للقاضي الإذن بزواج المجنون والمعتوه إذا ثبت بتقرير هيئة من أطباء الأمراض العقلية أن زواجه يفيد في شأنه(3). 
ما عليه العمل في جمهورية مصر العربية:
في مصر لم يصدر تشريع يقيد سن الزواج بعد, يمنع من صحته شرعاً بدونه، وبذلك بقي زواج الصغار صحيحاً شرعاً وقانوناً تترتب عليه آثاره الشرعية ما دام لم يحصل عليه خلاف أو إنكار يؤدي إلى رفع الأمر للقضاء. والتشريعات القانونية التي صدرت في هذا الموضوع تتعلق بإجراء عقد الزواج رسمياً أمام الموظف المختص وبسماع دعوى الزوجية عند الاختلاف فيها وتتضمن شروطاً قانونية لا تمس صحة العقد شرعاً، وإنما يترتب على تخلفها آثار قانونية لا دخل لعمل والخرمة فيها وذلك أخذاً بمذهب جمهور الفقهاء.
وقد اشترط القانون المصري لإجراء الموظف المختص عقد الزواج وتسجيله في الوثائق الرسمية أو تسجيل المصادقة عليه بعد استيفاء الشروط الشرعية، ألاّ تقل سن الزوجة عن ست عشرة سنة وعدل أخيراً في القانون الحالي إلى ثماني عشرة سنة كما في سن الزوج وذلك وقت إجراء العقد كما جاء في الفقرة الثانية من المادة 367 من لائحة المحاكم الشرعية الصادر بها القانون رقم 78 لسنة 1931(1)، ولمّا تحايل الناس على هذا القانون ليوثقوا زواج الصغار بإخفاء شهادات الميلاد، والاستشهاد بشهادات الأطباء أحياناً أو بشهود الزور أحياناً أخرى وضع المشرع عقوبة لمن يعقد هذا العقد وهو يعلم أنه مخالف للحقيقة أو يدلي بمعلومات كاذبة يعقد العقد بناءً عليها وجاء ذلك بالمادة الثانية من القانون رقم 44 لسنة 1938 ونصها:
يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على مائة جنيه كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانوناً لضبط عقد الزواج أقواله يعلم أنها غير صحيحة أو حرر أو قدم لها أوراقاً كذلك متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق.
ويعاقب بالحبس أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه كل شخص خوله القانون سلطة ضبط عقد الزواج إذا عقده وهو يعلم أن أحد طرفيه لم يبلغ السن المحددة في القانون.
هذا مع ملاحظة أن صدور هذا القانون كان في سنة 1933 بما يعني أن الجنيه في ذلك الوقت يعادل الجنيه الذهبي 8.5 جرام بما يؤكد أن العقوبة بالغرامة التي جاءت في القانون عقوبة رادعة جداً وهي بقيمتها في هذا العصر والزمن الذي نعيش فيه في 2012 م الجنيه بمقياس 1933 يعادل أكثر من 2000 ألفي جنيه مصري بما يعني أن الغرامة بمائة جنيه يعادل حالياً أكثر من مائتي ألف جنيه مصري وهي بذلك عقوبة رادعة تحفظ للقانون والتشريع هيبته وتحقق الغرض منه في حفظ الحقوق والواجبات والوقوف عند حدودها القانونية والشرعية مما يعني وجوب تعديل التشريعات القانونية للأحوال الشخصية بما يلائم غرض المقنن في التشريع وقت إصداره وهذا ما نطالب به من خلال هذا البحث في مواجهة أولي الأمر والمجالس التشريعية في الدول الإسلامية. والأخذ عند التعديل بمذهب ابن شبرمة ومن وافقه، هو الأَولى والأرجح في شأن تزويج الصغار والقاصرات في هذا العصر لسد المفاسد والأضرار الاجتماعية، التي انتشرت بمشروعية زواج القاصرات اعتماداً على مذهب جمهور الفقهاء.
تزويج القاصرات
زواج القاصرات في الإسلام

حلول زواج القاصرات

زواج القاصرات بالمغرب

أسئلة عن زواج القاصرات

إحصائيات زواج القاصرات

تساؤلات البحث عن زواج القاصرات

زواج القاصرات 2019

زواج القاصرات ppt

تعليقات