القائمة الرئيسية

الصفحات



محكمة الجنايات في الجزائر

محكمة الجنايات  في الجزائر

محكمة الجنايات  في الجزائر 




الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة التعليم العالي و البحث العلمي
المركز الجامعي باجي مختار



معهد العلوم القانونية والإدارية
قسم الحقوق



مذكرة تخرج لنيل إجازة الحقوق
تحت عنوان





تحت إشراف الأستاذة:
بونعاس نادية


                                                                  من إنجاز الطالب:
                                                                  جديد سليم




دفعة:2008
   




مقدمة:

لقد اجتهدت الشعوب منذ القديم في وضع قوانين كثيرة تهدف من خلالها للسيطرة و
التحكم في العلاقات الإجتماعية،فتلاحقت مختلف الحضارات القديمة وتتابعت،ولكن الفكرة الأساسية التي كانت سائدة لدى معظم الحكام هي الإستحواذ والسيطرة وبسط النفوذ.
أما في العهود الحديثة،فمازال الإجتهاد متواصلا من أجل تحرير قوانين تهدف إلى  تحقيق العدالة، فلا يدان البرئ ولا يفلت المجرم من العقاب، وكون الجريمة ظهرت  بظهور الإنسان فلطالما كانت الشعوب سواء القديمة أو الحديثة تسعى لوضع حد لها،
فإختلفت العقوبة بدورها بإخلاف الحضارات التي تعملها.
وبماأن الجريمة والعقوبة من مواضيع القانون الجنائي كان لابد من التعريف به، وهو مجموع القواعد التي تحدد التنظيم القانوني للفعل المجرم ورد فعل المجتمع إزاء مرتكب هذا الفعل سواء بتطبيق عقوبة أو تدبير أمن، كما يشتمل أيضا على القواعد الإجرائية التي تنظم الدعوى الجنائية، فالقانون الجنائي على هذا النحو يشتمل على نوعين من القواعد القانونية : قواعد موضوعية تحدد الجريمة ورد فعل المجتمع تجاه فعل الجاني وتضم تلك القواعد مجموعة قوانين العقوبات،كما يتضمن أيضا قواعد الإجراءات الواجب إتخاذها في كافة مراحل الدعوى الجنائية من جمع إستدلالات وإجراء تحقيق والمحاكمة فالحكم والطعن في الأحكام وتنفيذ العقوبة وتنتظم تلك القواعد تحت عنوان قانون الإجراءات الجزائية.
فالقانون الجنائي كماهو معلوم، جزء من النظام القنوني العام الذي تتضامن قواعده فيما بينها لتنظيم المجتمع، وبما أن القانون الجنائي بجميع قواعده فرع من فروع القانون العام، فالدولة عن طريق النيابة العامة هي المختصة بمباشرة الدعوى الجنائية حتى لو صفح المجني عليه عن الجاني وليس للمجني عليه سلطة على الدعوى العمومية عند تحريكها أو مباشرتها من قبل ممثلي الحق العام، وليس له أو للمتهم شأن في إختيار العقوبة والتي ستسلط طبعا من قضاة الحكم الجزائي.
كما أن ظاهرة الجريمة تمثل أهم الموضوعات التي تناولها القانون الجنائي، وبما أن غالب التشريعات الجنائية لم تنص على تعريف عام للجريمة إلا أننا يمكن أن نعرفها على أنها نشاط غير مشروع سواء بعمل أو بإمتناع عن عمل يقرر له القانون عقوبة  أو تدبير أمن وقائي وإحترازي، ويأتيه الشخص عن عمد أو إهمال، ويعتبر هذا التعريف شاملا لجميع الأركان اللازمة لقيام الجريمة ،والتي تتمثل أولا في الركن المادي متضمن لعناصره الأساسة من نشاط إجرامي ونتيجة إجرامية وعلاقة سببية بينهما، وثانيا الركن الشرعي الذي يقصد منه النص عبر القانون العقابي أو القوانين الملحقة والمكملة له على عدم مشروعية الفعل أو الإمتناع، وأخيرا الركن المعنوي وهو القصد الجنائي أو نية الإجرام وإرتكاب الخالفات الجزائية المعاقب عليها.
وتقسم الجرائم حسب المادة27 من قانون العقوبات تبعا لخطورتهاوأثرها المخل بإستقرار المجتمع إلى :جنايات ،جنح ،ومخالفات ،ووضع المشرع لكل نوع منها عقوبات خاصة ومختلفة عن بعضها في الشدة وكيفية التنفيذ وهذا تبعا لنص المادة 5 من قانون العقوبات.


فبوقوع الجريمة ينشأ للدولة حق معاقبة الجاني، وإذا رأت النيابة العامة- كونها السلطة المختصة بالإتهام- تحريك الدعوى العمومية قبل المتهم فإنها تكلفه بالحضور مباشرة أمام المحكمة إذا كانت الجريمة مخالفة أو جنحة متلبس بها ،غير أن النيابة العامة  قد ترى التثبت من التحريات والإستدلالات التي جمعت بفحصها وتمحيصها ، وذلك من خلال إجراء التحقيق الإبتدائي الذي يوجبه القانون بالنسبة للجنايات وجنح الأحدات الإقتصادية والجمركية ،بينما يجاز التحقيق الإبتدائي في باقي الجنح والمخالفات ، وإثر الإنتهاء من التحقيق تحال الدعوى العمومية إلى المحكمة الجزائية لمحاكمة المتهم.
وكون المحاكم الجزائية تفصل في الدعوى حسب الوصف القانوني للجريمة فهي نوعان:
- محكمة الجنح والخالفات وتفصل في الجرائم الموصوفة جنح ومخالفات
- ومحكمة الجنايات-موضوع هذا البحث- وتختص بالفصل في الأفعال الموصوفة قانونا بأنها جنايات. 
والسؤال الذي يثار في هذه المسألة : هو لماذا خص المشرع محكمة الجنايات  بنوع معين من الجرائم وما الذي يميزها عن سائر المحاكم  الجزائية، وهل أحاط المشرع بها ضمانات إجرائية كافية وكفبلة  بضمان حسن وسلامة قصائها؟
 

ولقد إعتمدت المنهج التحليلي زالتركيبي كأدوات منهجية قصد معالجة هذه الإشكالية وفقا للخطة التالية:
مقدمة
-الفصل التمهيدي: ماهية محكمة الجنايات
-الفصل الأول: الهيكلة التنظيمية لمحكمة الجنايات و إنعقادها
-الفصل الثاني: إختصاص محكمة الجنايات وإجراءاتها
-الفصل الثالث: حقوق الدفاع و الأحكام الصادرة عن محكمة الجنايات
خاتمة                                                                                       


لإبراز محكمة الجنايات كان لابد من التطرق في هذا الفصل التمهيدي إلى عدة مفاهيم وتعاريف وتعاريف ومصطلحات تخص لب الموضوع، وقبل اللجوء إلى صلبه وجب علينا ذكر لمحة تاريخية عن نشأة وتطور هذه المحكمة والتنظيم والإجراءات التي كانت خاضعة لها من جهة، ومن جهة ثانية التطرق إلى أهم الخصائص التي تميزها، وذلك من خلال مبحثين الأول يقود إلى تطور النظام القضائي والإجرائي وأخص دراستي على العهد البربري و الروماني في مطلب مستقل والعهد الإسلامي في مطلب ثان وخلال الإحتلال الفرنسي في مطلب ثالث.
ثم سأحاول تخصيص المبحث الثاني في إبراز خصائص محكمة الجنايات.
المبحث الأول: تطور النظام القضائي والإجرائي:
لكي تتمكن محكمة الجنايات من العمل بصورة طبيعية لابد لها من إتباع تنظيم وإجراءات معينة، حيث أن هذا النظام القضائي كان يعتمد قديما على قناصله، سواء حكام أو قضاة يعينون جراء ظهور منازعات تتنوع وتتعدد في كل الميادين،منها: الميدان السياسي و المدني إلى الجنائي فإلى آخره، ولكن يلاحظ أن هذه المناصب القضائية لم تكن تتسم بدقة التنظيم، ومن ذلك مثلا هيئة الفصل في القضايا الجنائية حيث كلف في هذا الشأن شخصان لهما هيئة خاصة تدعى duaviri perduellions  (1)، وتتمحور لنا جل مهام هذه الهيئة في الفصل في قضايا الجرائم العامة كجريمة قتل رب الأسرة والتي كانت تفرض بشأنها عقوبة الإعدام.
وفيما يخص القضايا الجنائية الواردة قانونا فيعود إختصاصها إلى قضاة جرائم القتل و هم  من يسمون بالكوايترز(2)، حيث يمثلون حكام محققين ومختصين بالمسائل المالية،وبالتحقيق في القضايا الجنائية.
فمحكمة الجنايات بدأت تتطور على غرار باقي المحاكم التي وجدت آنذاك لكن إجراءاتها إتسمت بالإضطراب والتدهور أحيانا و أحيانا أخرى تحقق طفرات ملحوظة وتسير نحو الأحسن، وهذا هو سر تطورها، إذا كنت تلك الإجراءات جميعها قد توصلوا إليها و إكتسبوها في تلك الحقبة ، فالسؤال الذي يطرح نفسه،هو كيف تطورت محكمة الجنايات عبر العهود؟
وإلى أي درجة كانت محكمة الجنايات تحقق العدالة على مستوى المستعمرات؟ هل قوانين وإجراءات المحكمة كانت منصبة في قالب واحد أم أن الإستعمار كانت له إجراءاته الخاصة، والمستعمر تطبق عليه إجراءات مخالفة؟
كل هذا وأسئلة أخرى تتعلق بمحكمة الجنايات وجدت نفسي أمامها مضطر إلى بحث وضعية  وظروف هذه المستعمرات من جانب التنظيم القضائي والإجرائي على وجه الخصوص، إضافة إلى وقفة شاملة على أهم الفوارق والتغييرات التي خدمت تطور محكمة الجنايات، وذلك من خلال ثلاث مطالب متعاقبة.
(1): د محمد محدة،ضمانات المشتبه فيه وحقوق الدفاع من العهد البربري حتى الإستقلال ، ج1 ،ص44
(2): د محمد محدة،المرجع نفسه ،ص44





3

المطلب الأول: تطور النظام القانوني والإجرائي خلال العهدين البربري والروماني:

بإعتبار البربر أول سكان الجزائر فقد إمتازوا عن غيرهم بمواصفات تدل على حالتهم القانونية والقضائية، في حين أن الرومان يعدون أول من إستعمر الجزائر لفترة زمنية طويلة، حيث أثروا على البربر خاصة من الناحية القانونية، كما أن القضاء لم يكن مستقلا في البداية ولا وجود لأشخاص متخصصين في المجال القضائي، وهذا ما يجعل النظام القضائي ينبثق وينبع من النظام السياسي لتداخل المهام المتبادلةفيما بينهما.
الفرع الأول: العهد البربري:
قبل التطرق إلى النظام القضائي كان لابد من الإشارة إلى النظامين السياسي والإجتماعي بإعتبارهما مصدر نشأة النظام القضائي، حيث أن البربر إمتازوا بالحياة البسيطة القائمة على النظام الديمقراطي(1).
كما تأثر البربر بالعهد القرطاجي والفنيقي، من خلال الصلاحيات الداخلية و الخارجية، والتي تمتع بها هذين النظامين ، وهذا ما لعب دور كببر في نشأة وتطور النظام القضائي، وهذا هو سر عدم إنفصال القضاء عن التشريع(2)، وأخذ النظام القضائي منعرجا مستقلا بذاته، حيث حذا البربر حذو القرطاجيين في التنظيم القضائي و جعلوا له ناسا مختصين ن توقفت مهمتهم في تولي أمر القضاء ، وحل النزاعات ، فإذا لم يفلح مجلس القضاة ولا مجلس الجماعة(3) في ذلك رفع الأمر إلى المجلس الأعلى، وهذا ما يجعلنا نفرق بين تلك المجالس وما تطبقه من عدالة ،إلى جانب المدة القانونية المتمثلة في نسبة واحدة والممنوحة للقاضي.
الفرع الثاني: العهد الروماني:
على غرار العهد البربري فإن القضاء في تلك الحقبة من الزمن لم يكن مستقلا ذلك لإرتباطه بالسلطة السياسية في تلك المرحلة كون النظام الملكي والقائم على الملك ومجلس الشيوخ ومجلس الشعب.
فكان التنظيم القضائي بسيط ، وإجراءاته بسيطة للغاية، حيث أن الملك هو صاحب الإختصاص القضائي والمكلف بفض المنازعات والخصومات، فشخص الملك كان سلطة قضائية ، لا تخضع لا لإجراءات  معينة ، ولا قابلة للنقض أو الإستئناف.
وهذا بإختصار شديد عن الحكم الملكي ، والذي سرعان ما تغير إلى حكم جمهوري.
والعهد الجمهوري لم يكن إلا فأل خير للنظام القضائي، حيث برز إلى الوجود رجال القضاء وصارت لهم مهام تسمى بالمهام القضائية، ويتولون أيضا إدارة الجيش و إدارة الشؤون المدنية، فسلطتهم كانت أشبه بسلطة الملك وأحكامهم كانت قابلة للإستئناف أو النقض ، لكن ليس أمام الجهة القضائية ، إنما أمام مجلس الشعب أو مجلس الشيوخ ، فهذا الأخير كانت له صلاحيات  كثيرة و من بينها مثلا: إنتخاب القضاة للمناصب العليا، أما مجلس الشعب فخولت له صلاحية إنتخاب القضاة للمناصب الدنيا فقط ، وكذا النظر في الإستئنافات بالنسبة للدعاوي الجنائية الصادر فيها حكم بالإعدام على أحد المواطنين، ونظره في ذلك إما بالإلغاء أو التاييد(4).
(1): د محمد محدة ، المرجع السابق،ص19
(2): د محمد محدة ،المرجع نفسه،ص20
(3): د محمد محدة ،المرجع نفسه،ص28
(4): د محمد محدة، المرجع السابق، ص41

4
و في آخر المطاف يأتي العهد الإمبراطوري و الذي لا يختلف كثيرا عن سابقيه، من العهود، والشئ الجديد الذي طرأ على النظام السياسي هو أنه قائم على الإمبراطور، وإلى جانبه مجلس الشيوخ، ومجلس الشعب مع بعض التغييرات التي طرأت عليه.
أما المحاكم الجزائية و المحاكم الجنائية ، فكان لها دور أساسي مع سعة الإختصاص حيث بإمكان المواطن الروماني أن يطلب المحاكمة أمامها حتى لو إرتكب الفعل خارج روما.
كما ظهرت إلى الوجود وبصورة واضحة الإجراءات الجنائية، وكفلت فيها بعض الحقوق الأساسية للمتهمين.
فالعهد الروماني لم يكتف بحدوده و إنما تغلغلت جذوره إلى أقاليم أخرى ، ومن بين ضحاياه الجزائر ، والتي قسمها وإستقر فيها لمدة زمنية طويلة.
فالتنظيم القضائي والإجرائي في الجزائر لم يتأثرا تماما، وهذا يعود إلى ممارسة الإستبداد والتفرقة ، والظلم واللامساوات في الحقوق والإلتزامات بين الرومان و السكان الأصليين(البربر) ، وكل هذا كان عن العهد الروماني.
 


5

المطلب الثاني: تطور النظام القضائي والإجرائي خلال العهد الإسلامي :

إن الشريعة الإسلامية لا تفصل بين جهة التحقيق والجهة الناظرة في الدعوى ، فالمحقق  هو الحاكم نفسه ، فعند إحالة القضية إلى القاضي ، يقوم بكل المهام التي يقوم بها قاضي التحقيق حاليا ، وقد خضعت الجزائر على غرار دول المشرق والمغرب  لأحكام الشريعة الإسلامية.
وحسب أحكام الشريعة الإسلامية و المبادئ التي تنظم جهاز العدالة لم يحدد إطار تنظيمي للقضاء ، ولكن في المقابل جعلت لذلك الجهاز قواعد عامة ودعائم أساسية يرتكز عليها ، وسأتطرق في هذا المطلب إلى إلى الأصول والمبادئ الأساسية للإجراءات الجزائية في الشريعة الإسلامبة ، وأهم الجهات المكلفة بالإجراءات من خلال ما يلي :
الفرع الأول: الأصول والمبادئ الأساسية للإجراءات الجزائية في الشريعة الإسلامية:
سأعمد على ذكر المبادئ والأصول التي تقوم عليها الإجراءات في قيام الدعوى والمتابعة في الشريعة الإسلامية كالآتي:
أولا: مبدأ المساواة: حرصت الشريعة الإسلامية في ترتيباتها القضائية على ضمان العدالة للمتهمين، والمساواة بينهم ، دون النظر إلى الفوارق الإجتماعية أو الإقتصادية أو العقيدة(1).
ثانيا : أصل البراءة: هو  أحد قواعد الفقه الجنائي الإسلامي والذي يراعى في المحاكم الجنائية بصفة خاصة ،  وفي نسبة الفعل الآثم إلى شخص معين بالذات، وهذا يعني أن القضاء الجنائي الإسلامي لا يرضى بدعوى مجردة من الدليل، ويؤمر القاضي بأن لا يصدر حكما إلا عن بينة، وكل هذا من أجل الوصول إلى الأمان وإحقاق الحق و إنزال العدل ،وكان لابد من إقامة الدليل لأنه الدرع الواقي للقاضي والمتهم معا.
وهذا المبدأ يبقى ملازما للإنسان إلى حين صدور الحكم النهائي في حقه، أي أن يعامل معاملة الأبرياء في جميع مراحل الدعوى الجنائية دون النظر إلى جسامة الجريمة أوكيفية وقوعها(2)،لذا فمن إدعى على غيره حقا من الحقوق التي أقرها المشرع وإعترف بها، فعليه الدليل لأن الأصل في الذمم البراءة  .
ثالثا: مبدأ الشرعية:  جعل مبدأ العدالة الركيزة الأساسية لقيام الدولة وإستمرارها،
ولتحقيق هذا المبدأ لابد من النص على مبدأ الشرعية بما يوفره من حماية للأفراد
من تحكم السلطة وتعسفها.
 ومبدأ الشرعية جاء مرتبطا إرتباطا وطيدا بمبدأ سيادة الشريعة، وهذا ما يستوجب إحترامها من خلال تطبيقها بصفة دقيقة على كل الجرائم بإختلاف أنواعها. 
(1): د محمد محدة ، المرجع السابق، ص103
(2): د محمد محدة، المرجع السابق، ص112



الفرع الثانى:الجهات المكلفة بالقيام بالإجراءات:

و سيتم التطرق في هذا الفرع إلى الأجهزة المكلفة بالبحث عن الجرائم والتحقيق فيها و تحريك الدعوى وتوقيع العقوبة وذلك على النحو التالي:
أولا :رجال الشرطة:  إن مهام رجال الشرطة- في العهد الإسلامي- كانت تنحصر في تحقيق الأمن للأفراد وحفظ النظام العام بالإضافة إلى تنفيذ أوامر السلطات و مساعدة عمال الخراج وإدارة السجون وتنفيذ أوامر القضاة(1)، في تطبيق العقوبات بكل أنواعها سواء كانت قصاص أو حدود أو تعازير، أما ما كان في العهد الأموي ، فقد أصبح رجل الشرطة- حسب رأي ديو مبين الفرنسي- منفذا لقرارات القاضي، كما كان يقضي في بعض الجنح البسيطة غير المحدودة(2).
أما في عهد العباسيين ثم بني زيان، فقد تغير حال الشرطة ولم يستمر على ذلك النحو من الثقة والجدية، لذلك تفطن أولياء الأمور لهذا الوضع فقاموا بفرض رقابة عن طريق رجال الفقه الشرعي.
ثانيا : والي المظالم: ظهر هذا النظام بعد مجئ الإسلام، ويعود سبب ظهوره إلى إنحراف بعض الخلفاء مما آدى إلى بروز طبقة ذات جاه ونفوذ، وبالتالي الإعتداء على حقوق المواطنين من قبلها ، وقد تم اللجوء لهذا النظام خاصة في العهد الأموي قصد التصدي لهذه الإعتداءات ورد الحقوق لأصحابها، والجدير بالإشارة هنا أ، والي المظالم ليس قاضيا، وبذلك فهو يتمتع بإستقلالية عن القضاء.
ثالثا: المحتسب: تعبر وظيفة المحتسب من أعظم الوظائف في الإسلام،  حيث جعلها بعض الفقهاء تتوسط بين وظيفة الشرطة و وظيفة القضاء(3)، وتتمثل إختصاصات المحتسب في مراقبة أداء العبادات والقيام على نظافة المساجد و الحفاظ على هيبتها، كما يقوم بمراقبة الأخلاق والآداب العامة بالإضافة إلى مراقبة الأسعار والموازين،
والتي تعتبر من أكبر مهام المحتسب.
المطلب الثالث: تطور النظام القضائي و الإجرائي خلال الإحتلال الفرنسي للجزائر:
منذ الإحتلال الفرنسي للجدزائر، عرف النظام الإجرائي القضائي تطورا ملحوظا ، حيث جاء بأفكار سياسية تهدف للسيطرة على زمام الأمور وفرض الهيمنة الفرنسية على الأراضي المحتلة، وإتسمت هذه المرحلة بقمع الحركات التحررية ،التي لم تتمكن الدولة الفرنسية من إخمادها مطلقا، وهذا ما دفع السلطات الفرنسية إلى إصدار نصوص تشريعية تخول للقاضي الفرنسي إتخاذ جميع الصلاحيات والسلطات التشريعية و التنظيمية، ومن هنا ظهر نظام الإزدواجية بوجود قضاء خاص بالفرنسيين ويحترم كل الضمانات القانونية الموجودة، وآخر خاص بالجزائريين، وهذا رغم وحدة المؤسسات القضائية والناظرة في نفس المواضيع المطروحة، أما بالنسبة للنظام القانوني والإجرائي الإسلامي ،فلم يطبق إلا في الأحوال الشخصية.
(1): د محمد محدة ، المرجع السابق،ص125
(2): د محمد محدة ، المرجع نفسه، ص126
(3): دمحمد محدة ، المرجع نفسه، ص145





7

الفرع الأول: الإختلافات التمييزية بين الأوروبيين والجزائريين في التجريم والعقاب:

إن هذه الإختلافات نتناولها في جزئين: جزء خاص بالتجريم ، وجزء آخر يخص العقاب على إنتهاك النصوص التجريمية. 
أولا: الإختلافات المتعلقة بالتجريم: إن قانون الإنديجينا ، والذي إشتمل على مجموعة من المخالفات التي يتابع عليها الأهالي بالحبس من 05 أيام،و 15فرنك كغرامة كحد أدنى ، وهي أفعال مجرمة في القانون الفرنسي دون أن يتسع تطبيقها أوتتميز بالعمومية ، بل هي مجرد قواعد عقابية خاصة تؤكد وجود سلطة إستعمارية بالجزائر(1).
ثانيا: الإختلافات المتعلقة بالعقاب: إن الإختلاف الموضوعي من ناحية العقوبة أنه لم يطبق القانون الفرنسي مبدأ الشرعية في الجزائر ،وكذلك مبدأشخصية العقوبة، وغيرها من المبادئ، وهذا ما يدل عليه القرار التغريمي الذي أصدره أحد مرشالات القيادة العسكرية الفرنسية بالجرائر في 22 جانفي1844، والقاضي بتغريم الأهالي سواء منهم الأبرياء أو المذنبين ،في حالة حرق الغابات ، لكنه ألغي في عهد الإمبراطور نابوليون الثالث، ليعود العمل به بصدور المنشور الوزاري في 08 مارس 1859(2).
الفرع الثاني: الإختلافات المتعلقة بالإجراءات والتنظيم:
لإبراز وجود التفرقة ضمن تلك الإجراءات لابد من الإشارة إلى الإختلافات الشكلية والإجرائية وذلك فيما يلي:
أولا :الإختلافات الإجرائية: إن الإجراءات المطبقة على الجزائريين والفرنسيين هي من الأوجه البارزة في التمييز والتفرقة، وما يدل على هذا ، هو تلك الإجراءات المطبقة على الفرنسيين والتي تفصل بين جهة التحريات والنيابة ،من جانب ،ومن جانب آخر الفصل بين سلطة الإتهام(النيابة العامة) وسلطة التحقيق المجسدة في قاضي التحقيق الذي يحضى بإستقلال كامل، وكل هذا من أجل الحفاظ على حقوق المتهمين، ولتوفير أكبر قسط ممكن من العدالة ما لم تثبت الإدانة، بينما يتجرد الجزائريين من كل هذه الحقوق، والحامي الوحيد لحقوقهم وحرياتهم هو مأمور الضبط القضائي المتمتع بكامل الصلاحيات، كما أعتبرت كل الجرائم المرتكبة من الجزائريين متلبس بها ،وبالتالي تخضع للقضاء السريع(3).


(1): د محمد محدة ، المرجع السابق،ص173
(2): د محمد محدة، المرجع نفسه ، ص176-177-178
(3): د محمد محدة ، المرجع نفسه ،ص 180







9
ثانيا: الإختلافات الشكلية: وهذه الإختلافات نجدها في تشكيلات المحاكم الجزائية التي تنظر في الجنح والمخالفات المرتكبة من المواطنين الجزائريين، بحيث تتكون من قاض فرنسي رئيسا وعضوين جزائريين ،يعينان خاصة ممن ليس لديهم معرفة ودراية بالقانون ، وهذا ما يحصل أيضا بمحكمة الجنايات الخاصة بالجزائريين ، و قد  أثر  على نتائج الإحصاءات الخاصة بالمحاكم ومايصدر عنها من أحكام، ومن ثم كانت الإحصاءات التي أجريت ما بين سنتي 1903و1913 في مقارنة بين أحكام محاكم  الجنايات التي تعرض عليها أحوال المسلمين و أحكام محاكم الجنايات التي يتابع أمامها الأوروبيين كالآتي:
نسبة البراءة 17% بالنسبة للمحاكم الجنائية التي يتابع فيها المسلمين، مقارنة بـ44% بالنسبة للمحاكم الجنائية التي يتابع أمامها الأوروبيين. 
كما أن المناطق المدنية كانت المحاكم تطبق فيها أشد العقوبات والإجراءات على الجزائريين مهما كانت المرحلة التي تمر بها الدعوى ، أما المناطق العسكرية بالجنوب وغيرها ، فكان فض المنازعات وتوقيع العقاب من إختصاص الجيش ،
وهذا ما جاء بإنعكاسات سلبية ، وما يلاحظ أيضا أن هناك جهاز إداري يقوم بتوقيع الجزاءات على الأشخاص رغم أنه لا يمد بأي صلة إلى الجهاز القضائي المختص أصلا بذلك ومن ذلك (1) :
1- الحاكم العام: ويستطيع أن يوقع عقوبة الحبس إضافة إلى غرامة مالية قدرها 1000 فرنك فرنسي ، وهذا على مستوى الأراضي المدنية.    
أما المناطق العسكرية وأراضي الجنوب ،فإن اللجان الزجرية العسكرية هي التي توقع تلك العقوبة.       
2- لجنة الدائرة : وتوقع عقوبة تصل إلى شهرين حبسا وغرامة تقدر بمائة ألف فرنك ، وقد يقوم بهذا أيضا قائد الغرفة العسكرية.
3- قائد إقليمي : ويوقع عقوبة شهر حبسا و ثلاثمائة  فرنك كغرامة.
4- قائد مركزي : ويستطيع توقيع عقوبة ثمانية أيام حبسا وثلاثين فرنك كغرامة.
5- قادة محليون : مهما علت درجتهم يستطعون توقيع عقوبة عشرين فرنك كغرامة لكن لا تنفذ إلا بعد مصادقة السلطات الفرنسية.
و أمام هذه الوضعية المزرية قامت جبهة التحرير بإيجاد لجان سمتها بـ: اللجان الشرعية للمثول أمامها كجهاز قضائي بدلا من المثول أمام الجهاز القضائي الفرنسي والتعرض لأعماله التعسفية الظالمة، وقد كانت هذه الجان تقضي وفقا لقانون وضعته جبهة التحرير الوطني ليتماشى مع أخلاق وعادات الجزائريين.
وكانت كل الأعمال والأقضية التي تتناولها اللجان الثورية تسجل في إستمارات خاصة، أما إذا وجدت نفسها عاجزة عن حل قضية ما ، فإنها ترسلها إلى السلطات الأعلى منها ، لتقوم هي بدورها بالبحث فيها لترسل في النهاية  نسخة من الحكم إلى نفس الجهة أو اللجنة المعنية بالأمر لتبلغ الحكم الصادر لهم أو عليهم ، لتنفذه بنفسها.
(1) : د محمد محدة ، المرجع السابق ، ص184




10
و ما يميز هذه الأحكام  الصادرة ، أنها غبر قابلة لأي نقض أو إستئناف ،كما أنها تكون دائما مسبوقة بعملية صلح (1).
ورغم بساطة الجهاز القضائي الموجود إبان الثورة التحريرية ، وقلة قوانينه وإجراءاته إلا أنه كان محافظا على حقوق الخصوم محققا بقضائه وفصله في المنازاعات العدل والإنصاف الذي لم تبلغه أجهزة القضاء الفرنسي يكل ترسانتها القانونية ، وهذا ما يدل عليه ما كان من حق ناله المتهم في أن يختار مدافعا عنه، بشرط أن يطلع على ملفه بثلاثة أيام قبل المحاكمة ، كما يمكن لهذا المدافع طرح الأسئلة على الشهود ومناقشتهم .
ونتيجة لهذا كله نالت أحكامها رغم بساطة أجهزتها ثقة الجزائريين والمتقاضين الشئ الذي سهل عملها في كثير من الأحيان(2).



المبحث الثاني : خصائص محكمة الجنايات :

إن المحاكم الجزائية العادية تشترك جميعا في بعض الخصائص، و لكنها في ذات الحين تختلف في تشكيلها تبعا لنوع الجريمة أكانت جناية أو جنحة أو مخالفة ،هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التنظيم القضائي في الجزائر يقوم على أساس وحدة القضاة ،وهو أهم خاصية توحد المحاكم في الجزائر(1) ،حيث يقوم القضاة ويتولون الفصل في المنازاعات الجزائية وغير الجزائية ،وذلك سواء على مستوى الدرجة الأولى أو الثانية ، بل وتتحقق تلك الوحدة في مرحلة التحقيق الإبتدائي ،فقضاة التحقيق يعينون لهذا الغرض من بين قضاة المحكمة(2) وغرفة الإتهام يعين قضاتها من بين قضاة المجلس القضائي، ومن جهة ثالثة فإن القاضي الجزائي يقوم بنشاطه إنطلاقا من مبدأ تعدد درجات التقاضي ، أي أن الدعوى العمومية تفصل فيها محكمة أول درجة، ثم يستأنف الحكم الصادر فيها أمام محكمة أعلى درجة تتولى إعادة نظر تلك الدعوى ، ويعد هذا المبدأ ضمانة هامة من ضمانات القضاء التي تكفل سلامة الأحكام.
هذا بالنسبة لخصائص المحاكم الجزائية بصفة عامة ، أما بالنسبة لمحكمة الجنايات وبأعتبار هذه الأخيرة المحكمة المختصة بالفصل في الأفعال الموصوفة قانونا بأنها جنايات ،فإنه يمكن أن نميز نوعين من الخصائص: الأولى شكلية والأخرى موضوعية ، وبالتالي يمكن أن نخصص لكل منها مطلبا خاصا بدراستها وذلك حسب الشكل التالي:
المطلب الأول : الخصائص الشكلية :
إن قانون الإجراءات الجزائية لم يضع تعريفا لمحكمة الجنايات ، ولكن بالرجوع إلى النصوص المنشئة لها يمكن إستخلاص بعض الخصائص الشكلية ، إذ تعتبر محكمة الجنايات محكمة شعبية ذات ولاية عامة ، كما أنها تختلف عن باقي المحاكم الأخرى بإعتبارها محكمة إقتناع ، بالإضافة إلى أنها تعتبر محكمة إجرائية لأن الجنايات على خلاف الجنح والمخالفات ، تثار بشأنها مسائل وإشكالات دقيقة ومعقدة مما يجعل الإجراءات  أمام محكمة الجنايات تتصف بطولها و شكلياتها المتعددة والتي يترتب على الإخلال بالكثير منها بطلان الحكم وتعرضه للنقض.
الفرع الأول : محكمة الجنايات ذات ولاية عامة:
تتميز محكمة الجنايات من حيث إختصاصها عن باقي المحاكم ، ذلك أنها تقضي في الدعوى سواء كانت جناية أو تم إعادة تكييفها إلى جنحة أو مخالفة ، كما يمكن أن تجري تحقيقا إضافيا إذا رأت في ذلك ضرورة ، بالإضافة إلى الفصل في الدعوى المدنية الناشئة عن الجريمة، والأساس الذي يقوم عليه هذا الإختصاص هو إعتبار من يملك الكل يملك الجزء، فهي تفصل في أخطر الجرائم ، وبالتالي من الطبيعي والمنطقي أن تفصل في باقي الجرائم الأخرى الأقل منها خطورة(3).
(1):وكذلك بالنسبة للتنظيم القضائي في فرنسا،والذي يعتمد على وحدة القضاء- أحمد شوقي الشلقاني ،المرجع نفسه، ص330
(2): أنظر المادة39 من قانون الإجراءات الجزائية
(3):أحمد شوقي، المرجع السابق، ص387



12 

الفرع الثاني : محكمة الجنايات محكمة إقتناع:

إن محكمة الجنايات لا تسبب الأحكام التي تصدرها ، فالحكم يبنى على أساس الإقتناع الشخصي لأعضاء هيئة المحكمة الذي يستمد من الوقائع المعروضة عليها والمرافعات التي تتم أمامها.
والحكمة في ذلك كونها محكمة جماعية شعبية ، وإذا قامت بتسبيب أحكامها فإن الأسباب تكون متناقضة ، بالإضافة إلى العنصر الشعبي غير المحترف الذي لا يمكن أن يبدي رأيه في مسائل قانونية(1).
الفرع الثالث : محكمة الجنايات محكمة إجرائية:
تمتاز محكمة الجنايات بشكليات متعددة في الإجراءات المنظمة للمحاكمة أمامها، بداية من كيفية تشكيلها إلى غاية النطق بالحكم، حيث رسم قانون الإجراءات الجزائية طريق السير في الخصومة الجنائية أمام هذه المحكمة بدقة نظرا لأهمية وخطورة  أحكامها، وبالتالي فهي تصدر هذه الأحكام بصفة نهائية ولا يمكن إعادتها إلا عن طريق النقض، ومن تم كان من الواجب عليها أن تتحرى الدقة في كل كبيرة وصغيرة في الدعوى القائمة أمامها(2).
المطلب الثاني : الخصائص الموضوعية: 
إن محكمة الجنايات –كما عرفنا فيما سبق- تتميز عن باقي المحاكم الجزائية ببعض الخصائص الشكلية، وبما أن الشكل يقابله المضمون أو الموضوع فهي أيضا تتميز ببعض الخصائص الموضوعية، والتي تتمثل في أنها تختص بالنظر في الجرائم الموصوفة قانونا بأنها جنايات، كالسرقة الموصوفة والقتل العمدي إضافة إلى الجنح والمخالفات المرتبطة بها بصورة غير قابلة للتجزئة ، وبالتالي فهي تفصل في أخطر الجرائم وتقضي في ذلك في ذلك بأقصى العقوبات والحكم فيها يكون نهائيا(3).
إضافة إلى مدى صلاحية القضاة للفصل في الدعوى، وهذا ما سيتم التطرق إليه من خلال ما يلي:
الفرع الأول : محكمة الجنايات تصدر أحكام نهائية:
إن الحكم هو قرار تصدره المحكمة في الدعوى العمومية أثناع نظرها، أولوضع حد لها(4)، وبذلك فالحكم الذي تقضي به المحكمة حكم نهائي غير قابل للإستئناف، والسبب في ذلك يكمن في عدم وجود جهة تعلوها يمكن أن تستأنف أحكامها أمامها ،
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لو كانت هناك جهة قضائية أعلى من محكمة الجنايات مهمتها نظر إستئناف الأحكام كان ضروريا أن تكون تشكيلتها مغايرة لتشكيلة الدرجة الأولى كأن يكون عدد القضاة فيها أكبر، وبالتالي فإنه في كثير من الحالات لن يحصل إتفاق وبذلك يصبح الحكم غير نهائي فيستغرق فترة طويلة مما يؤدي بالمتهم وكذا الضحية والدولة إلى مواجهة بعض الصعوبات وتفقد العقوبة معناها وهدفها.
(1): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع نفسه ، ص389
(2): أحمد شوقي الشلقاني، المرجع نفسه ، ص334
(3): أنظر المادة 250فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية
(4): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ص461 



13 
الفرع الثاني: سلطة القاضي في الفصل في الدعوى:
إن محكمة الجنايات تتميز بأنها تصدر أحكامها حسب إقتناعها الشخصي، فهي لا تتأثر في قضائها بطلبات الخصوم الذين لا يتمتعون بأي طريق من طرق الطعن إلا إذا أرادوا خلاف ما قضت به المحكمة.
كما أن المشرع قرر بعض الضمانات للخصوم التي تهدف إلى كفالة نزاهة  حكم القضاة ، هذه الضمانات تتمثل في رد القضاة والذي يقصد به جواز تنحية القاضي عن  نظر الدعوى متى قام حوله شك  في حياده.
وبذلك  أجاز للمتهم ولكل الخصوم في الدعوى طلب رد أي قاضي من قضاة الحكم كتابة(1) ، ولكي تتمكن المحاكم  من القيام بوظائفها، فإنه يعاقب كل من يعتدي على أعضائها أثناء ممارسة أو تأدية وظيفتهم(2).
أما الضمان الثاني الذي يتمتع به الخصوم فهو الإحالة من محكمة إلى أخرى، ونعني أنه في حالة تأثر المحكمة  بعدم حياد القاضي فإنه يجب إحالة الدعوى العمومية إلى جهة قضائية أخرى من نفس درجة الجهة القضائية المنظور أمامها الدعوى أصلا .


تحرص الدولة على سيادة حكم القانون، وعدم الإخلال به ، والذي يتخذ أشد صورة في الجريمة ، وبوقوع الجريمة ينشأ حق الدولة في معاقبة الجاني.
لكن تبرير هذا الحق في العقاب لا يعني أنه على إطلاقه دون قيد ، بل وجب أن يكون خاضغا لمبدأ أو مقتضيات الشرعية الإجرائية بإعتبارها مكملة للشرعية الموضوعية ذلك أن طبيعة الجريمة المرتكبة و درجة خطورتها هي العناصر التي تحدد الجهة القضائية المختصة في النظر والفصل في الدعوى موضوع الجريمة.
وتعد محكمة الجنايات محكمة شعبية ذات ولاية عامة تختص بالنظر في الجرائم الموصوفة قانونا  بأنها جنايات ، كالسرقة الموصوفة والقتل العمدي إضافة إلى الجنح والمخالفات المرتبطة بصورة غير قابلة للتجزئة، وكذا الجرائم المتعلقة بأفعال إرهابية وتخريبية ،والجرائم الإقتصادية الخطيرة.
إذ تعتبر كل تلك الجرائم الموضوعات الأساسية لهذه المحكمة و التي تحال إليها بقرار نهائي من غرفة الإتهام ، ومن خلال ما سبق سنحاول دراسة محكمة الجنايات كجهاز قضائي من خلال مبحثين كالآتي :
المبحث الأول : تشكيل محكمة الجنايات:
محكمة الجنايات ذات طابع شعبي ، تنفرد بطابعها عن باقي المحاكم الجزائية العادية لأنها تتشكل من نوعين من القضاة : وهم قضاة مهنيين ، إضافة إلى مواطنين عاديين تتوافر فيهم  شروط معينة ويعرفون بالمحلفين ، لهذا فهي ذات طابع شعبي  أحكامها لاتقبل التسبيب ولا الطعن فيها بالإستئنافات بما يقدره المشرع فيها من تشكيلها على النحو المذكور سلفا  وما يحيطها به من ضمانات إجرائية يكفل بها حسن سير و سلامة قضائها .
ويقوم النائب العام أو مساعده بمهام النيابة العامة (1) ويعاون المحكمة بالجلسة كاتب (2)، فتشكيل محكمة الجنايات يقوم على 4 عناصر لا غنى عنها وإلا كان الحكم وجميع ما سبقه من إجراءات باطلا بطلانا مطلقا ، وهي العناصر التي نص عليها المشرع في المادة 258 من قانون الإجراءات الجزائية (3) وهي ما سوف نتناوله من خلال المطلبين التاليين :
المطلب الأول : القضاة:
القضاة نوعان ، قضاة مهنيون ، وقضاة عاديون يعرفون بالمحلفين ، وهذا ما ذكره المشرع في المادة 258 من قانون الإجراءات الجزائية .
الفرع الأول : القضاة المحترفون :
بإعتبار القضاة أهم عنصر  في تشكيل محكمة الجنايات ، فكان أول ما ذكره المشرع في المادة 258 من قانون الإجراءات الجزائية ، والقضاة هنا ثلاثة :رئيس ومساعدين له .
(1): أنظر المادة 256-257 من قانون الإجراءات الجزائية 
(2): أنظر المادتين 256-257 من قانون الإجراءات الجزائية 
(3): أنظر المادة 258 الصادرة بالأمر رقم 95-10 المؤرخ في 25 فيفري 1995 من قانون الإجراءات الجزائية 




15
فمحكمة الجنايات تتكون من أحد رجال القضاء بالمجلس القضائي ومن قاضيين آخريين  بالمجلس القضائي كمساعدين له ، حيث يكون الرئيس برتبة رئيس غرفة بالمجلس القضائي على الأقل ، ومساعدين برتبة مستشار بالمجلس على الأقل ، وكلهم معينون بقرار من رئيس المجلس القضائي في كل دورة تنعقد ، ويتم تعيين قضاة إحتياطيين في القضايا التي تستغرق فيها المرافعة وقتا طويلا .
والرئيس قد يكون رئيس غرفة أو رئيس المجلس القضائي في الدائرة التي تحكم فيها محكمة الجنايات، حيث يتم تعيينه تبعا لإنعقاد محكمة الجنايات ،أربع مرات في السنة و مرة كل ثلاثة أشهر ، ولرئيس المجلس أن يترأس محكمة الجنايات في كل مرة يرى فيها أن الأمر يتطلب ذلك ، لكن هذا الأمر نادر جدا (1).
وإذا وجد مانع للرئيس المعين قبل إنعقاد الدورة وإفتتاحها ، فإن إستبداله بغيره يكون بقرار من رئيس المجلس ،وإذا حدث ذلك أثناء إنعقاد الدورة فإنه يستبدل آليا بالمساعد الأعلى درجة (2)، وتكتمل التشكيلة بمساعدين مرسمين ومعينين بنفس الطريقة ، كما يمكن تعيين مساعدين إضافيين لحضور المرافعات دون الإشتراك في المداولات وهم يكملون المحكمة في حالة وجود مانع  لدى أحد أعضائها المهنيين الأصليين ، إذا إقتضت ذلك مدة الدورة وأهمية القضايا المعروضة فيها .
حيث يختار المساعدون من ضمن مستشاري المجلس ويتم تعيينهم بنفس الطرق والأشكال  ولنفس المدة التي يعين بها القضاة الأصليون ، وفي حالة وجود مانع قبل إفتتاح الدورة ، فإن إستبدالهم بغيرهم يحصل بقرار من رئيس المجلس ،وهذا ما نصت عليه المادة 259لا من قانون الإجراءات الجزائية (3).
كما لا يمكن للرئيس و المساعدين الجمع بين مهمتين أو وظيفتين قضائيتين ،أي أنه لا يجوز للقاضي الذي شارك في نظر القضية بوصفه قاضيا للتحقيق أو عضوا بفرقة الإتهام أن يفصل فيها بمحكمة الجنايات وهذا ما جاءت به المادة 260 من قانون الإجراءات الجزائية .
فيكون القاضي متجردا تماما من أي فكرة سابقة عن الدعوى، ولا يكون عقيدته إلا مما يدور أمامه في المرافعات ، وتقضي المادة 557 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه درأ للشبهات وضمانا لحياد القاضي ألزمه المشرع الجزائري بحالات معينة أوجبه فيها أن يتنحى بنفسه تلقائيا عن النظر في القضية ، بل و أعطى هذا الحق لكل طرف في الدعوى طلب رد القاضي عن نظر الدعوى وذلك بتوافر أسباب معينة  منصوص عليها تشريعيا ومحددة بموجب المادة 554 من قانون الإجراءات الجزائية وهي كاللآتي :
أولا : إذا كانت ثمة قرابة أو نسب بين القاضي أو زوجه وبين أحد الخصوم في الدعوى ، أو أقاربه حتى درجة إبن العم الشقيق وإبن الخال الشقيق ضمنا .
(1): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ، ص333
(2): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع نفسه ، ص335 
(3): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ، ص334





16
ثانيا: إذا كان للقاضي مصلحة في النزاع أو لزوجه أو للأشخاص الذين يكون وصيا أو ناظرا أو قيما عليهم أو مساعدا قضائيا لهم أو كانت للشركات أو الجمعيات التي يساهم في إدارتها والإشراف عليها مصلحة فيه.
ثالثا : إذا كان القاضي أو زوجه قربيا أو صهرا إلى الدرجة المعينة  آنفا للوصي أو الناظر أو القيم أو المساعد القضائي لأحد الخصوم أو لمن يتولون إدارة أو مباشرة أعمال شركة تكون طرفا في الدعوى .
رابعا : إذا وجد القاضي أو زوجه في حالة تبعية بالنسبة لأحد الخصوم بالأخص إذا ما كان دائنا أو مدينا لأحد الخصوم أوز وارثا منتظرا له أو مستخدما أو معتادا مؤاكلة أو معاشرة المتهم أو المسؤول عن الحقوق المدنية  ، أو المدعي المدني ، أو كان أحد منهم الوارث المنتظر له.
خامسا:إذا كان القاضي قد نظر القضية المطروحة كقاض أو كان محكما أو محاميا فيها أو أدلى بأقواله كشاهد على وقائع في الدعوى.
سادسا: إذا وجدت دعوى بين القاضي أو زوجه أو أقاربهما أو أصهارهما على عمود النسب المباشر و بين أحد الخصوم أو لزوجه أو أقاربه أو أصهاره على العمود نفسه.   
سابعا: إذا كان للقاضي أو لزوجه دعوى أمام المحكمة التي يكون فيها أحد الخصوم قاضيا لنزاع مماثل للنزاع المختصم فيه أمامه بين الخصوم.
 ثامنا: إذا كان بين القاضي أو زوجه وبين أحد الخصوم من المظاهر الكافية الخطورة ، ما يشتبه معه في عدم تحيزه في الحكم.
الفرع الثاني:القضاة المحلفون:
المحلفون هم العنصر الثاني غير المحترف الذي تتشكل منه محكمة الجنايات ، ولا يتعدى عددهم المواطنان المعينان طبقا للمادة 261 من قانون الإجراءات الجزائية(1) ، أي أن هيئة محكمة الجنايات تضم مساعدين محلفين يختاران بطريق القرعة من الجدول الخاص بهم ، من طرف رئيس محكمة الجنايات ، لكن قبل هذا الإختيار يقوم رجال القضاء المعينين في محكمة الجنايات بإصدار حكم بإجراء قرعة لواحد أو أكثر من المحلفين الإضافيين لحضورالمرافعات، والمحلفون الإضافيون يعينون ليغطوا النقص في المحكمة في حال وجود مانع لأحد المحلفين الأصليين من الأعضاء، ويكون الإستبدال للمحلفين حسب ترتيب المحلفين الإضافيين في القرعة و ذلك ما نصت عليه المادة 259 من قانون الإجراءات الجزائية.



(1): أنظر المواد259و261و262 الصادرة بقانون82-03 المؤرخ في 13-02-1982 والمادة263 من قانون الإجراءات الجزائية.







17
إن نظام المحلفين وجهت له عدة إنتقادات بسبب نقص تكوينهم القانوني والقضائي، فلا يستطيعون بسبب هذا النقص متابعة الخاصة في القضايا الجزائية الصعبة المعقدة، هذا ويمكن للمحلفين التأثر بوسائل الإعلام نتيجة تكوينهم المهني والإجتماعي، وغالبا ما ينخدعون بمهارة الدفاع الذي يؤدي في كثير من الأحوال إلى تبرئة الكثيرين دون أساس من الواقع أو القانون، ويتسامح المحلفون في كثير من الجرائم السياسية والعاطفية ويشددون في جرائم الإعتداء على الملكية، كما أن نظام المحلفين يتناقض مع مبادئ المدرسة الوضعية، ويدور هذا التعارض حول أنه يجب أن يكون القاضي الجزائي متخصص ليتمكن من البحث في شخصية المتهم وظروفه ليحدد العقوبة المناسبة، وغالبا ما يكون دور المحلفين دورا سلبيا ومساهمتهم ترتب تأخيرا في الفصل في الدعوى(1).
وإمتدح رأي آخر نظام المحلفين بإعتباره يهتم بالمتابعة القضائية ويقوم بمراقبة قضاء التحقيق الذي تظهر عيوبه عند نظر الدعوى العمومية بالجلسة ويبحثون كثيرا في تقرير الإدانة، كما أن المحلفين لا يبحثون عن المسؤولية الجنائية من الناحية القانونية فقط بل يأخذون بالدوافع لإرتكاب الجريمة وهو ما يضفي الرحمة على قضائهم بالموازاة مع الخبرة القانونية والقضائية للقضاة المهنيين، فالمحلفون يتقدمون بخبرتهم العملية من الحياة الإجتماعية معبرين عن الضمير الشعبي(2).
أولا: شروط المحلف:
يجب أن تتوافر في المحلف مجموعة من الشروط ، منها ما يتعلق باللياقة، وأخرى بالأهلية ،وشرط آخر يتعلق بعدم التعارض، و هذا ما نصت عليه المادة261 من قانون الإجراءات الجزائية.
1- شرط اللياقة : يشترط في المحلف أن يكون جزائريا ذكرا أو انثى لا يقل سنه عن 30 سنة ، كما يجب أن يكون المحلف ملما بالقراءة والكتابة باللغة الوطنية على أن يتمتع بجميع حقوقه الوطنية والمدنية والعائلية.
والمحلف تتحسس أهليته بمجرد ترشحه للقيام بهذا المنصب فيجب أن لا يوجد في حالة من حالات فقدان الأهلية المعددة في المادة 262 من قانونالإجراءات الجزائية(3).




(1): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق، ص335
(2): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق، ص335
(3): أحمد شوقي الشلقاني، المرجع السابق، ص337 







18
2-شرط عدم التعارض:
نظم المشرع الجزائري في المادة 263 من قانون الإجراءات الجزائية نوعين من التعارض، تعارض نسبي وآخر مطلق
أ-التعارض المطلق: 
نص المشرع في المادة 263 من قانون الإجراءات الجزائية على طوائف يتعارض تكوينها ونظام المحلفين بصفة مطلقة، وهذا التعارض المطلق يكون بالنسبة لعضو الحكومة ونواب البرلمان ،والأمين العام للحكومة أو لإحدى الوزارات والمدراء للمصالح بإحدى الوزارات ،و رجل القضاء في السلك القضائي ، والوالي والأمين العام للولاية ،و رئيس الدائرة ، وموظفوا مصالح الشرطة ورجال الجيش العاملون في البر أو البحر أو الجو حال إشتغالهم بالخدمة ، والموظفون أو المندوبون العاملون  في خدمة الجمارك أو الضرائب ومصلحة السجون أو مياه أو غابات الدولة.
- ويقوم التعارض المطلق بالنسبة لهذه الطوائف لعدة أسباب ومن هذه الأسباب:
لتفادي تأثير وظيفة بعض هؤلاء الأشخاص على باقي أعضاء المحكمة ، أو تعطيل الجهات التي يعملون بها بسبب عملهم كمحلفين وذلك لضمان سير أعمالهم ، أو أن بعض هؤلاء ينتمون إلى وظائف من شأنها فرض أوامر على الموظفين توجب الإمتثال بها وتطبيقها وهذا ما يخلق تدخل السلطة التنفيذية في وظيفة القضاء وسلطته  المستقلة وبالتالي يتنافى هذا مع وظيفة المحلف و المشرع أورد هذه الطوائف  على سبيل الحصر (1).
ب-التعارض النسبي: 
الأصل أن يتقدم المتقاضي أمام المحكمة لمباشرة خصامه أو طرح نزاعه دون أي حسابات أو تهييئات  تجاه الجهة التي ستفصل في قضيته ، وما يقال عن الخصوم  يقال عن القاضي من أجل ضمان حيدته هو والجهة المعروض عليها النزاع، فإذا إفترضنا أنه بإمكان الخصم أن يخلق شيئا من الريبة أو الحذر أو حتى سوء النية ،فإن هذا الإفتراض لا يمكن التفكير فيه إتجاه القاضي ، لأنه قاض، غير أن ظروفا ما قد تحيط بالقضية أو أطرافها أو القاضي المعروض أمامه النزاع فيؤدي ذلك إلى الريبة وهو ما يؤدي بالضرورة إلى السعي في نتحية  القاضي عن نظر تلك الدعوى (2).
وبما أن المحلفون قضاة يجب عليهم الإمتثال إلى واجبهم دون التأثر بأي نوع من القرابة أو أي رابطة تربطهم بالخصوم أو مصالح شخصية، ولذلك أورد المشرع في المادة 263من قانون الإجراءات الجزائية وفي فقرتها الأخيرة  أسبابا من شأنها أن تثير شبهة مؤثرة .
(1):أحمد شوقي الشلقاني ،مرجع سابق، ص338
(2): أنظر الأستاذ سائح سنقوقة ، قانون الإجراءات الجزائية نصا وتعليقا وشرحا وتطبيقا، دار الهدى ص172.







19
فطبقا لهذه المادة لا يجوز أن يعين محلف في قضية سبق له القيام فيها بعمل من أعمال الضبط القضائي، أو إجراء من إجراءات التحقيق بها، أو أدى فيها شهادة أوقام بعمل مترجم ، أو مبلغ أو خبير أو شاك أو مدعي مدني وكذلك لا يجوز أن يكون النحلف قريبا أو صهرا أو زوجا لأحد الخصوم أو المحامين أو وكلاء الخصوم حتى درجتهم الرابعة ، وهذا ما نصت عليه المادة 201 أيضا من قانون الإجراءات الجزائية .
وإخيرا وعند إنعقاد محكمة الجنايات إذا وجد بين المحلفين من لم يستوفي شروط اللياقة و الأهلية وعدم التعارض ، أمر رئيس المحكمة بشطب أسمائهم من الكشف المخصص للمحلفين وهذ1 من جهة ، ومن جهة أخرى فإن تخلف شرط من الشروط السالفة الذكر بالنسبة لأحد المحلفين يرتب بطلان القرار الذي شارك فيه ، وهذا البطلان يتعلق بالنظام العام ولا يلزم لتقريره أن يمس بمصلحة أحد الخصوم لأنه يتصل بمحاكمة جزائية(1).
ثانيا :إجراءات إختيار محلفي الحكم :
إختيار المحلفين يمر بثلاث مراحل :
1- إعداد قائمة المحلفين : (الكشف السنوي):
إعداد الكشف السنوي يكون من إختصاص لجنة محددة بمرسوم تنعقد بدعوة موجهة إليها من رئيسها قبل موعد إجتماعها بـ15 يوم على الأقل(2).
وتقوم هذه الجنة بإعداد كشف للمحلفين الجزائيين ، وهذا الإعداد يجب أن يتم في دائرة إختصاص كل محكمة جنايات في الثلاث أشهر الأخيرة من كل سنة .
كما أن الكشف الذي تحضره اللجنة ، يحوي أو يتضمن على تعيين محلف من كل 5 ألاف مواطن ، على أن لا يقل العدد الإجمالي للمحلفين عن مئة محلف وأن لا يتجاوز المئتين.
وتضيف اللجنة في هذا الكشف أربعين محلف إضافيا تختارهم هي نفسها من بين مواطني المدينة التي تقع  بها محكمة الجنايات ، حتى تتمكن من إستدعائهم إذا دعت الحاجة إليهم عند تشكيل محلفي الحكم ، ويتم إيداع الكشف لدى قلم كتاب المحكمة .
2- جدول محلفي الدورة :
يقوم رئيس المجلس القضائي في جلسة علنية قبل إفتتاح دورة محكمة الجنايات بعشرة أيام بالسحب بطريق القرعة من الكشف السنوي لأسماء ثمانية عشرة من المساعدين المحلفين الذين يتكون منهم جدول المحلفين لتلك الدورة ، وبالإضافة إلى أسماء الثمانية عشرة  من المحلفين الذين قام قام رئيس المجلس القضائي بسحبها، يسحب أسماء عشرة من المحلفين الإضافيين من ذات الكشف  الخاص بهم (3)، وهذا لسد النقص عند حدوث طارئ لأحد المحلفين الأصليين ، وبالتالي يقوم رئيس المجلس القضائي من جديد بسحب أسماء المحلفين عن طريق القرعة في جلسة علنية من بين محلفي المدينة المقيدة أسماؤهم بكشف المحلفين الإضافيين.
(1): أنظر أحمد شوقي الشلقاني، المرجع السابق ص339
(2): أنظر المادة264 الصادرة بالأمر رقم 95-10 المؤرخ في 25-02-1995 من قانون الإجراءات الجزائية .
(3): أنظر المادة 266 الصادرة بنفس الأمر من قانون الإجراءات الجزائية.


20
3- إستكمال تشكيلة المحكمة بالمحلفين :
في كل قضية يقوم يقوم الرئيس بإجراء قرعة للمحلفين المستدعين للجلوس بجانب القضاة ضمن تشكيلة المحكمة ، ويكون ذلك من المحلفين الموجودة أسماؤهم بجدول محلفي الدورة .
ويجوز للمتهم أو محاميه رد ثلاثة من المحلفين في ساعة إستخراج أسمائهم  من صندوق القرعة ،ومن بعده النيابة العامة التي يمكنها رد إثنين من المحلفين دون إبداء أسباب ، أما إذا تعدد المتهمون فيمكنهم مباشرة الرد مجتمعين ، وإذا لم يتفقوا  فيحق لهم ولكل واحد منهم الرد فرادا على شرط أن لا يتعدى عدد المحلفين الذين تم ردهم ما هو مقرر لمتهم واحد .
المطلب الثاني :ممثل النيابة العامة وكاتب الجلسة :
محكمة الجنايات تقوم دون مثيلاتها من المحاكم الأخرى على أربع عناصر لا غنى لأحدها على الأخرى ، فلا تكتمل تشكيلتها إلا بوجود عنصرين آخرين ، وهما ممثل النيابة العامة وكاتب الجلسة .
 الفرع الأول : ممثل النيابة العامة :
النيابة العامة هي الهيئة المختصة بتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها أمام القضاء حيث تعتبر النيابة العامة هيئة قضائية لتكونها من قضاة ، يحكمهم في آدائهم لوظائفهم قانون التنظيم القضائي ، كما يتمتع أعضاء هاته الهيئة بنفس الضمانات التي يتمتع بها القضاة الجلسون (قضاة الحكم ).
أما بالنسبة للأعمال التي تقوم بها النيابة العامة فهي تتنوع بين أعمال قضائية وأخرى غير قضائية ، فأما الأعمال القضائية فيتجسد فيما تقوم به من تحقيق الجرائم والبحث في أدلة إثباتها أو نفيها ، أما الأعمال غير القضائية فتكون في أعمالها الإدارية العادية أو الخاصة  كنقل أو تنظيم الملفات القضائية وترتيبها من حيث الأولوية وحفظ القضايا وهي لا تعدو أن تكون أعمال إدارية خاضعة لكل أنواع الرقابة ، إضافة  إلى القيام بمهمة تنفيذ الأحكام القضائية.
وبالرغم من الأعمال غير القضائية المتعددة التي تقوم بها النيابة العامة ، فإن طبيعتها القضائية لا تتغير  وكذلك بالنسبة لوظيفتها القضائية الأصيلة  التي حددها القانون وخصها بها  والمجسدة في رفع الدعوى العمومية ومباشرتها  وهو ما يهدف إلى تقرير حق الدولة في العقاب عبر المطالبة بالحق العام للجماعة المكونة للدولة والمتمثلة في الشعب الذي يملك هو الحق السيادي المفوض للنيابة العامة.
وبإعتبار النيابة العامة عنصرا في تشكيل محكمة الجنايات يمثلها نائب عام أو أحد مساعدي هذا النائب (1) فإن دور النيابة العامة هو توجيه الإتهام ومباشرته ممثلة بهذا العمل المجتمع ، فتصبح صفة ممثل النيابة العامة بهذا الدور خصما في الدعوى أي كأي مدعي في خصومة عادية لكنها تتمتع بإمتياز تمثيل المجتمع ،وبهذا منح لها المشرع الحق في تقديم جميع الطلبات التي تراها مناسبة  حتى ولو كانت في صالح 
(1): أنظر المادة 256 من قانون الإجراءات الجزائية ، المرجع السابق ، ص68 





21
المتهم (1) إذا رأت في ذلك مصلحة للعدالة لكن يبقى قبول طلباتها أورفضها من إختصاص المحكمة وحدها.
كما أن العمل الذي يقوم به النائب العام أو مساعدوه يتضح من خلال  ممارستهم لمهامهم أمام غرفة الإتهام ، لأنه بمجرد الإفصاح بالقرار الصادر من غرفة الإتهام بإحالة المتهم على محكمة الجنايات يتغير مكان مباشرالنيابة لدورها أمام محكمة الجنايات .
والنيابة ملزمة بتقديم القضية إلى المحاكمة مهيأة للفصل فيها في أقرب دورة ، كما تقوم النيابة العامة بتبليغ المتهمين بقائمة المحلفين في مدة يومين  على الأقل قبل إفتتاح الدورة مع قائمة الشهود في أجل ثلاثة أيام .
ونظرا للدور الذي تقوم به النيابة العامة فقد منحها المشرع  إمتيازات لا يتمتع بها باقي الخصوم .
الفرع الثاني :كاتب الجلسة :
أما بالنسبة لكاتب الجلسة أو كاتب الضبط بمحكمة الجنايات ، فإن مهامه في غاية الأهمية فهو يتولى تسجيل محاضر الجلسة ، كما يقوم بالمناداة على المحلفين والشهود ويتولى بأمر من الرئيس تلاوة قرار الإحالة .
كما يقوم كاتب الضبط بتدوين كل إجراءات المحاكمة ، وكل ما يجري أثناء الجلسة من مرافعات مع تقييد أسماء الخصوم والقضاة ، والمدافعين عن المتهمين ، وشهادة الشهود ، وأقوال الخصوم ، مع ذكر تاريخ الجلسة ومنطوق الحكم وغيرها.
 وكاتب الضبط هو شرط أساسي في صحة تشكيل محكمة الجنايات(2).














(1): دار رمسيس بهنام –الموسوعة الجنائية ، القسم الثاني ،ص734 
(2): دار رمسيس بهنام ، المرجع السابق ، ص735 





22  
المبحث الثاني : إنعقاد محكمة الجنايات :
محكمة الجنايات لا تنعقد بصفة دائمة ، بل في دورات تكون الواحدة منها كل ثلاثة أشهر، ويجوز لرئيس المجلس تقرير إنعقاد دورة إضافية أو أكثر إذا دعا الأمر إلى ذلك وهذا لأهمية القضايا المعروضة.
وحسب ما ورد في المادة 255 من قانون الإجراءات الجزائية ، بطلب من النائب العام يقوم رئيس المجلس بأمر منه بإفتتاح الدورة ، وقبل إنعقاد محكمة الجنايات وإفتتاح دورتها لا بد لها من إجراءات تحضيرية.
المطلب الأول : الإجراءات التحضيرية لدورات محكمة الجنايات:
لضمان سير عادي وفعال لدورات محكمة الجنايات وكذا الفصل بسرعة في القضايا المطروحة أمامها ،إرتأى المشرع النص على بعض الإجراءات التحضيرية التي يجب القيام بها قبل إفتتاح الدورة ، وتتمثل في تبليغ المحلفين المعنيين وتبليغ المتهم بقرار الإحالة.
الفرع الأول: تبليغ المحلفين المعنيين:
يبلغ المحلفون المعنيون بنسخة من جدول الدورة المختصة بكل واحد منهم من طرف النائب العام على أن يكون هذا التبليغ في أجل 8أيام على الأقل قبل إفتتاح الدورة مع ذكر هذا اليوم في التبليغ وتنبيه المحلف من الحضور تحت طائلة العقوبة (1).
وعند إنعقاد محكمة الجنايات في الأجل المحدد لإفتتاح الدورة يقوم كاتب الجلسة بالمناداة على المحلفين الذين قيدت أسماؤهم في جدول الدورة ، ويقوم الرئيس والقضاة أعضاء المحكمة بالحكم على كل محلف تغيب دون أعذار مشروعة، وكذلك المحلف الذي إنسحب قبل إنتهاء مهمته بغرامة مالية قيمتها مابين 100دج إلى 500دج وهذا حسب المادة 280من قانون الإجراءات الجزائية ،وكذلك يتم شطب أسماء المحلفين الذين توفوا،وعند نقص عدد المحلفين-وهي تمتل حالة طارئة بالنسبة للمحكمة- عن 18 محلف يستكمل العدد من باقي أسماء المحلفين الآخرين، ويجب أن يتضمن التبليغ تاريخ إرساله ، وتنبيه بالحضور في اليوم والساعة المحددين ، وذلك إما للمحلف مباشرة أو لريس المجلس الشعبي البلدي التابع له
الفرع الثاني: تبليغ المتهم بقرار الإحالة :
بإعتبار المتهم هو المعني بالمحاكمة، وبإعتباره طرفا في الدعوى المرفوعة أمام المحكمة ، سواء كانت الدعوى مدنية أو عمومية ، فإنه المعني الأول بالإحالة ، ويبلغ قرار الإحالة من طرف الرئيس المشرف على السجن إذا كان المتهم محبوسا.
ويتم نقل أوراق ملف الدعوى إلى قلم كتاب المحكمة المعينة  بواسطة النائب العام أو أحد مساعديه ، والمتهم يتم نقله إلى المحكمة بواسطة القوة العمومية حتى يتم إستجوابه في أقرب وقت ، على أن يتم هذا الإجراء في ميعاد 8أيام قبل إفتتاح الدورة من قبل رئيس المحكمة أو أحد مساعديه الموظفين وقبل إفتتاح المرافعة بيومين ، ويبلغ المتهم بكشف الشهود الخاص بالنيابة العامة وشهود المدعي المدني ، وقائمة محلفي الدورة(2).
(1): أحمد شوقي الشلقاني ،مرجع سابق ،ص342
(2): د – رمسيس بهنام ، مرجع سابق ،ص751



23
إن الإجراءات التي تسبق الدورة من إعداد قائمة للمحلفين وتبليغ المتهم لقرار الإحالة  يعتبر تمهيدا لسير سريع وسهل لمرحلة المحاكمة ككل.
المطلب الثاني : الدورات العادية والإستثنائية لمحكمة الجنايات :
تنعقد محكمة الجنايات أربع مرات في السنة وذلك في دورات إنعقاد عادية كل ثلاثة أشر ، كما يمكن أن تنعقد في دورات إستثنائية إن إقتضى الأمر ذلك ، وهذا ما أقره المشرع في المادة 253من قانون الإجراءات الجزائية :"تكون دورات إنعقاد محكمة الحنايات  كل ثلاثة أشهر ومع ذلك يجوز لرئيس المجلس القضائي بناء على إقتراح من النائب العام تقرير إنعقاد دورة إضافية أو أكثر إذا تطلب ذلك عدد أو أهمية القضايا المعروضة".
الفرع الأول : الدورات العادية لمحكمة الجنايات :
محكمة الجنايات إذن هي ليست محكمة دائمة ، بل لها مواعيد إنعقاد لفتح دورات مرافعاتها، وهذا ما حددته المادة 253 من قانون الإجراءات الجزائية ، أي أن محكمة الجنايات تنعقد كل وخلال ثلاثة أشهر ويكون ذلك بقرار من رئيس المجلس القضائي المختص.
فيحدد تاريخ إفتتاح الدورة ، وكل دورة تنعقد بأمر من رئيس المجلس القضائي بناء على طلب من النائب العام ، ويتم إعداد جدول قضايا كل دورة بناء على إقتراح من النيابة العامة ورئيس محكمة الجنايات إلى أن تنتهي القضايا المقيدة بالجدول (1) .
وما نص عليه المشرع بشأن أدوار الإنعقاد لهذه المحاكم يعد قواعد تنظيمية فلا يترتب على مخالفتها بطلان ما.
وتعقد محكمة الجنايات جلساتها بمقر المجلس القضائي ، غير أنه لها أن تنعقد في أي مكان آخر من دائرة إختصاص المجلس القضائي وفي حدود ولايته الإقليمية (2).
الفرع الثاني : الدورات الإستثنائية لمحكمة الجنايات :
محكمة الجنايات لا تنعقد بصفة دائمة ، وإنما في دورات محددة كل ثلاثة أشهر ، ولكن يمكن لها أن تنعقد في دورات إضافية بالموازاة مع الدورة العادية .
حيث نظرا لعدد وأهمية القضايا الداخلة في إختصاص محكمة الجنايات ، يجوز لرئيس المجلس القضائي بناء على إقتراح النائب العام تقرير دورة إضافية أو أكثر خرج الدورة العادية، وذلك للفصل في القضايا التي يمكن أن تتراكم على القضاة أثناء إنعقاد الدورات العادية ، وتعقد المحكمة جلساتها بمقر المجلس القضائي أو في أي مكان آخر ضمن دائرة إختصاص المجلس القضائي.
(1): أنظر المادتين 252و253 من قانون الإجراءات الجزائية 
(2): أنظر المادتين 254و255 من قانون الإجراءات الجزائية 
(3) إسحاق إبراهيم منصور ، المبادئ الأساسية في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، ص162.






إن محكمة الجنايات –كما سبق القول- هي المحكمة المختصة بالفصل في الأفعال الموصوفة قانونا بأنها جنايات ، ومن ثم فإن محكمة الجنايات قبل النظر في الدعوى أو الفصل فيها ، يجب أن تكون أولا مختصة بالفصل في تلك الدعوى .
ويقصد بالإختصاص بصفة عامة ، ولاية جهة قضائية ما للنظر في النزاعات ، بالإضافة إلى ذلك يجب أن تطبق بعض الإجراءات الخاصة أمام محكمة الجنايات – المختصة طبعا بالفصل في الدعوى – ولذلك سأقوم بدراسة إختصاص محكمة الجنايات في المبحث الأول ، أما الإجراءات الواجب تطبيقها أمامها فيأتي ذكرها في المبحث الثاني ، وكل هذا على النحو الآتي:
المبحث الأول : إختصاص محكمة الجنايات :
إن محكمة الجنايات وقبل النظر في الدعوى المرفوعة أمامها يجب أن تكون مختصة بالفصل فيها ، و بذلك فإن الإختصاص يخضع للمبادئ العامة كما أنه ترد عليه بعض الإستثناءات ، ولكن توجد هناك حالة أخرى تتعلق بالإختصاص يجب الإشارة إليها  ،وهي حالة تنازع الإختصاص ، وسيتم التطرق إلى كل ذلك حسب الترتيب التالي:
المطلب الأول : المبادئ العامة للإختصاص :
يتحكم في تحديد القضاء الجزائري المختص بالدعوى العمومية الوضع الشخصي للمتهم (1) ، ولذلك ينقسم إختصاص القضاء إلى ثلاثة أقسام :
الفرع الأول : الإختصاص الشخصي :
يعتبر الإختصاص الشخصي من أهم نواحي الإختصاص في المواد الجزائية ، بينما لا يوجد هذا الإختصاص في المواد المدنية ، ويرجع هذا الإختلاف إ^لى ذاتية قانون العقوبات وإهتمامه دون القانون المدني بشخصية المتهم ، ويقوم هذا الإختصاص على عناصر شخصية توافرت لدى المتهم عند إرتكابه الجريمة كالسن أو الجنس أو الديانة أو الطبقة التي ينتمي إليها (2).
غير أن معظم هذه العناصر تلاشت تحت تأثير سيادة مبدأ المساواة بين الأفراد أمام القضاء ،ولم يبقى منها إلا القليل في التشريعات الحديثة ، ومن ذلك الصفة العسكرية في المتهم.
وما يقضيه النظام العسكري من واجبات مفروضة  على كل من ينتمي إليها إديا إلى إنشاء محاكم بل وقوانين  خاصة تحكم الجرائم التي تنسب إلى مثل هذا المتهم ، وطبيعة الوظيفة السياسية التي يشغلها المتهم أدت إلى تنظيم محاكم تختص وحدها بالفصل في الجرائم المنسوبة لرئيس الدولة والوزراء أثناء تأدية أعمالهم والقيام بنشاطات وظائفهم كمجلس العدل الأعلى في فرنسا ، إلا أن قضاء الأحداث يعتبر أوسع أنواع المحاكم التي تقوم على أساس العنصر الشخصي ، وليس الهدف من تخصيص هذه الطوائف من المتهمين بمحاكم خاصة وقونين خاصة تميزهم عن غيرهم وإنما هو تحقيق محاكمة عادلة تكفل توقيع الجزاء الملائم لشخصية المحكوم عليه (3).
(1): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ، ص356
(2): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ، ص356
(3): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ، ص357



25 
الفرع الثاني : الإختصاص النوعي :
يتم تحديد الإختصاص النوعي للمحاكم وفقا لجسامة الجريمة ، والتي بينها المشرع الجزائري على أساس العقوبة المقررة لها ، فمحكمة الجنايات تختص بالفصل في الجنايات ومحكمة الجنح والمخالفات تختص بالفصل في الجنح والمخالفات .
وكل هذا ما لم ينص القانون على إختصاص محكمة إستثنائية في هذه الجرائم ، والمعول عليع في تحديد إختصاص المحكمة النوعي هو الوصف القانوني للواقعة كما رفعت بها الدعوى ، كما أن المحكمة التي رفعت إليها الدعوى هي التي تقوم بتحديد نوع الجريمة ومدى إختصاصها بها  دون أن تكون مقيدة بالوصف الوارد في قرار الإحالة ، بالإضافة إلى ذلك فإن المجلس القضائي لا يتقيد بما قضت به محكمة أول درجة بشأن نوع الجريمة .
ومن قواعد الإختصاص النوعي أن المحكمة الجزائية تختص بالفصل في الدعوى المدنية التبعية حتى وإن كانت من إختصاص المجلس القضائي حسب قواعد الإجراءات المدنية ، وكذلك الأمر بالنسبة لإختصاص محكمة الجنايات بنظر بعض الجنح التي يحددها القانون .
الفرع الثالث : الإختصاص المكاني :
لا يكفي أن تكون محكمة الجنايات مختصة بالنظر إلى شخصية المتهم ثم بالنظر إلى جسامة الجريمة، حيث تتعدد محاكم الدرجة الواحدة ، ويجب معرفة أيها المختص بالفصل في الدعوى ، ولحسم المسألة فإن المشرع قد وضع قاعدتين :
فمن جهة يقوم بتحديد سلطة كل محكمة من محاكم الدرجة الواحدة للفصل في الدعوى العمومية في إقليم جغرافي معين ، ثم يستوجب من ناحية أخرى وجود علاقة تربط بين الجريمة والمتهم بإرتكابها وبين تلك المنطقة التي تغطيها المحكمة ، ويكون لها ومن خلالها سلطة الفصل في الدعوى العمومية ، وبدونها تكون المحكمة غير مختصة . 
فيجب أن يكون محل وقوع الجريمة في هذه المنطقة والتي يتم فيها الإعتداء على الأمن العام وإنتهاك القانون وبذلك يسهل جمع الأدلة، وقد يكون المتهم مجهولا وبالتالي يصعب إختيار مكان آخر ، كما قد تكون هذه المنطقة محل إقامة أحد المتهمين ، مما يسهل معرفة ماضي المتهم وسوابقه ، وخاصة ، إذا تعذر تحديد مكان وقوع الجريمة أو كونها وقعت بالخارج ، ومحل إقامة المتهم يقصد به مكان إقامته المعتاد وليس الموطن المختار أو القانوني ، كما تجب الإشارة أنه في حالة ما إذا إنعقد الإختصاص لأكثر من جهة قضائية واحدة وحركت الدعوى أمامها جميعا فلا محل لتكرار الدعوى العمومية أمامها جميعا ويستوجب تفضيل الجهة التي حركت الدعوى أمامها أولا ، إلا إذا إقتضى حسن سير العدالة بأن الإختصاص يعود إلى جهة أخرى ، وكذلك يمكن أن تحرك الدعوى العمومية في مكان القبض على مرتكب الجريمة حتى لو كان ذلك لسبب آخر، فتختص بذلك محكمة الجنايات.






26
المطلب الثاني : الإستثناءات على قواعد الإختصاص:
إن المشرع الجزائري قد خرج عن المبادئ العامة للإختصاص سابقة الذكر في حالات معينة تحقيقا لإعتبارات تتعلق بحسن سير العدالة ، وتتمثل هذه الإستثناءات فيما يلي :
الفرع الأول : شمول إختصاص محكمة الجنايات:
إن قواعد الإختصاص كما سبق وأن رأينا، هي من النظام العام ، ولذلك فإنه يفترض عدم مخالفتها ، فليس لمحكمة الجنح والمخالفات أن تفصل في جريمة تخرج عن إختصاصها ويتعين عليها حينئذ أن تقضي بعدم إختصاصها وبإحالتها إلى النيابة العامة للتصرف فيها حسبما تراه ، أما بالنسبة لمحكمة الجنايات فليس لها أن تقرر عدم إختصاصها (1) بل يتعين عليها الفصل في الدعوى العمومية المحالة عليها حتى وإن كانت غير مختصة في الفصل فيها طبقا لقواعد الإختصاص، وذلك ما لم ينص المشرع على غير ذلك كالشأن بالنسبة لأقسام الأحدات التي تختص وحدها بالفصل في الجنح والجنايات المنسوبة لحدت ولو ساهم معهم في الجريمة متهمون بالغون(2).
وبالتالي نعتبر أن قرار إحالة الدعوى العمومية إلى محكمة الجنايات مكسب للإختصاص  في حين أن قرار الإحالة إلى المحاكم الأخرى يعد بيانيا لا يلزمها بالفصل في القضية في حالة عدم إختصاصها بها، وتطبيقا لذلك فإذا وجدت محكمة الجنايات أن الجريمة المسندة للمتهم ليست جريمة قتل ،وإنما مجرد جنحة قتل خطأ وجب أن تفصل فيها بالرغم من ذلك (3) ، أما بالنسبة للدعوى المدنية التبعية فإن محكمة الجنايات تقضي فيها حتى لو قضت بالبراءة أو بإعفاء المتهم من العقاب (4).
وبذلك فإن شمول إختصاص محكمة الجنايات يؤكد بأنها تحقق للمتهم أكبر قدر من الضمانات في المحاكمة ، بالإضافة إلى تجنب إطالة الإجراءات وكثرة النفقات عن طريق إعادة عرض الدعوى على المحكمة المختصة أصلا.
الفرع الثاني : ‘متداد الإختصاص :
إن الجرائم المنسوبة للمتهم قد تتعدد فتشمل جنايات وجنح ومخالفات، وبذلك تتعدد المحاكم المختصة بالفصل في كل منها رغم وحدة المتهم أو وقوعها تنفيذا لنشاط إجرامي واحد رغم أنه قد يتعدد المتهمون المشتركون في إرتكاب جريمة واحدة ، ولكن بعضهم قد يخرج عن الإختصاص الشخصي للمحكمة المختصة وفقا لقواعد الإختصاص مما يستدعي محاكمته أمام محكمة أخرى ، إلا أن حسن إدارة العدالة يقتضي أن تتولى محكمة واحدة تراعي ظروف ومسؤولية المتهم الفصل في هذه الجرائم ،مع منع أي  تعارض بين الأحكام مما يكفل عدالة أسرع وتكلفة أقل ، ولهذا فإن القانون يمد إختصاص المحكمة إلى جرائم أو متهمين لا تختص بهم طبقا للقواعد فتقوم بإصدار الحكم فيها جميعا سواء كان تعدد الجرائم معنويا أو ماديا.

(1): أنظر المادة351 من قانون الإجراءات الجزائية.
(2): أنظر المادة 465 من قانون الإجراءات الجزائية .
(3): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ،ص 361.
(4): أنظر المادة316-361 من قانون الإجراءات الجزائية.


27 
فإن كان التعدد معنويا فإن الجاني يرتكب فعلا سلوكا إجراميا واحدا ولكنه يحتمل عدة أوصاف قانونية، أي يخضع لأكثر من نص قانوني واحد وحينئذ يتعين أن يوصف الفعل بالوصف الأشد منها (المادة 32 من قانون العقوبات ) ومن تم تختص بالدعوى محكمة الوصف الأشد دون غيرها (1) ، أما التعدد المادي فهو نوعان : تعدد مع إرتباط لا يقبل التجزئة وآخر مع إرتباط بسيط .
- أولا: التعدد مع إرتباط لا يقبل التجزئة : ويتحقق عندما تقع  عدة جرائم يعاقب عليها القانون ،و لكن كل منها على حدى سواء تعدد المتهمون أم لا مع وجود علاقة وثيقة تربطهما ، إما عن طريق وحدة الغرض أو رابطة السببية  أو كون إحدى الجرائم عنصرا مكونا لجريمة أخرى أو ظرفا مشددا لها.
ولا يلزم أن تقع هذه الجرائم في مكان واحد أو في وقت واحد ما دامت قد جمعتها هذه الرابطة ، فإذا كانت بعض هذه الجرائم من إختصاص جهات قضائية مختلفة تتبع جميعا القضاء العادي وجب ضمها جميعا لنظرها بمعرفة جهة منها ، سواء من قضاة التحقيق أو الحكم (2).
أما إذا كانت إحدى تلك الجرائم من إختصاص القضاء العادي والأخرى من إختصاص القضاء الإستثنائي إختصت بها جميعا جهة القضاء العادي ما لم ينص القانون على غير ذلك (3)، كما توجب المادة 465 من قانون الإجراءات الجزائية إحالة المساهمين مع الحدت إلى الجهة المختصة عادة بمحاكمتهم .

-ثانيا: أما التعدد مع إرتباط بسيط فيعني أن يوجد بين الجرائم المتعددة رابطة ولكنها لا تصل في قوتها و وضوحها إلى حد عدم التجزئة (4)، وفي حالة تعدد جهات القضاء المختصة بالجرائم المرتبطة ، جاز للجهة القضائية أن تضم الدعاوى العمومية الناشئة عنها أو تفصل في كل منها على حدى ، كما يجوز لها أن تتصدى للدعاوى التي تختص بها ، وتحيل الدعاوى الأخرى إلى الجهة القضائية المختصة طبقا للقواعد العامة.



(1): راجع المادة 32من قانون العقوبات .
(2) : أنظر المادة 269 الفقرة 3 من قانون الإجراءات الجزائية .
(3) : راجع المادة 327 من قانون الإجراءات الجزائية.
(4): أنظر المادة 188 من قانون الإجراءات الجزائية والتي نصت على حالات الإرتباط البسيط الواردة على سبيل المثال لا الحصر.








28
الفرع الثالث: المسائل والدفوع الأولية:
تكون محكمة الجنايات المطروح أمامها الدعوى العمومية مختصة  بالفصل في جميع الدفوع التي يبديها المتهم دفاعا عن نفسه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك (1) ، ولهذا لا يجوز لتلك المحكمة أن توقف نظر الدعوى العمومية إلى أن يفصل في النزاعات غير الجزائية من الجهة المختصة .
وهذه القاعدة تكفل حسن سير العدالة وسرعة البت في الدعاوى العمومية.
وبذلك يختص القاضي الجزائي بالفصل في كل المسائل اللازمة للحكم في الدعوى العمومية.
كما أن إيقاف الدعوى العمومية إلى حين الفصل فيها من القضاء المختص يسمح للمتهم بعرقلة سير الدعوى ، وتطبق الحكمة الجزائية حين فصلها في المسائل العارضة طرق الإثبات في القوانين المنظمة لتلك المسائل دون غيرها المقررة في قانون الإجراءات الجزائية.
لكن يرد على هذه القاعدة إستثناء إختتمت به المادة 330من قانون الإجراءات الجزائية وهو وجود نص يوجب الفصل في هذه المسائل أو الدفوع من جهة قضائية أخرى بسبب أهميتها وتحقبقا لحسن سير العدالة الجزائية ، ويتحقق ذلك بالنسبة للمسائل والدفوع الأولية ، فيجب على القاضي أن يوقف الفصل في الدعوى العمومية حتى تفصل جهة قضائية أخرى جزائية أو مدنية أو إدارية أو تجارية في هذه المسائل، وتتقيد المحكمة الجزائية بالحكم الصادر من الجهة القضائية الأخرى في هذه الحالات إستثناء من قاعدة إختصاص المحكمة الجزائية بالبت في كافة الدفوع المتعلقة بالدعوى العمومية ، وهذا ما يستوجب عدم التوسع في تفسيره مما جعل المشرع يقيده بقيود : فلا تلتزم المحكمة كقاعدة عامة بوقف الفصل في الدعوى العمومية إلا إذا كان المتهم قد إبدى الدفع الأول إلا أنه ليس ضروريا أن يطلب إيقاف الدعوى حتى البت في المسألة الأولية ، وأنما يكفي أن يتمسك بها ، وكذلك يتعين أن يكون الدفع جديا فيستند إلى وقائع تصلح أساسا لما يدعيه المتهم .
و أخيرا ينبغي أن تكون هذه المسألة من شأنها أن تنفي عن الواقعة وصف الجريمة  فتتصل بركن من أركان الجريمة أو بشرط لا يتحقق وجود الجريمة إلا بوجوده وإلا إنتفت علة الإيقاف .
فإذا تخلفت هذه الشروط ، إستمرت المحكمة في المرافعات ، أما إذا توافرت جميعا ، وجب على المحكمة أن توقف الدعوى وتمنح المتهم مهلة يتعين عليه خلالها رفع الدعوى بالجهة القضائية المختصة ، فإذا لم تفعل وفصلت في الدعوى بعد التصدي للمسألة الأولية أو دون التعرض لها كان حكمها باطلا لمخالفة النظام العام. 


(1):راجع المادة 330من قانون الإجراءات الجزائية.






29
و إذالم يقم المتهم برفع الدعوى في تلك المهلة ، ولم يقدم للمحكمة ما يثبت ذلك ، صرفت المحكمة النظر عن الدفع ، و إعتبرته كأن لم يكن حتى لا يتسنى للمتهم أن يعطل الفصل في الدعوى العمومية، أما إذا أقام الدعوى فعلا ، وجب على المحكمة أن تمد إيقاف نظر الدعوى العمومية ‘لى حين الفصل في المسألة الأولية بحكم بات ، ويكون لهذا الحكم حجية على الدعوى العمومية .
الفرع الرابع : التجنيح القضائي:
بالرغم من توافر عناصر الجريمة الموصوفة قانونا بأنها جناية إلا أن وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق قد يحيلها ‘لى محكمة الجنح للحكم فبها بعقوبة الجنحة ، ويبرر التجنيح بتقدير سلطة الإتهام أو سلطة التحقيق قسوة الجنايات ، وتكمن أهميته في الإقتصاد في النفقات وتحقبق سرعة الفصل في الجريمة بدلا من الإجراءات الطويلة أمام محكمة الجنايات لكي تتفرغ هذه الأخيرة للجرائم الأكثر خطورة.
والواقع أن التجنيح تعرض للنقد لأنه يصطدم بقواعد الإختصاص المتعلقة بالنظام العام ، وما زال يعتمد في بقائه سوى على الموافقة الضمنية للخصوم.
(1).
المطلب الثالث : تنازع الإختصاص: 
يتعين على القضاء الجزائي ،كما سبق القول ، أنيتأكد من إختصاصه بالدعوى  العمومية أولا قبل أن يتطرق إلى الفصل فيها ، أو عدم إختصاصه ، وبذلك يطعن في الحكم بالإختصاص أو عدمه بمختلف طرق الطعن ، وبالرغم من ذلك يمكن أن تقرر جهتان من جهات التحقيق أو الحكم إختصاصها أوعدم إختصاصها عن جريمة أو عدة جرائم مرتبطة في حين يكون الإختصاص منحصرا في إحداهما فقط .
فيوجد تنازع إختصاص قضائي بين هذه الجهات ، وهو تنازع إيجابيفي الحالة الأولى ،وتنازع سلبي في الحالة الثانية.
وتشير المادة 545 من قانون الإجراءات الجزائية (2) إلى عدة صور لتنازع الإختصاص ، فقد يكون بين جهتين من جهات التحقيق(3) ، أوبين مجلسين قضائيين  أو بين جهتين من جهات الحكم العادية أو الإستثنائية و جهة من جهات التحقيق ، ولكن يشترط صدور حكمين أو قرارين قضائيين وأن يكونا متعارضين وباتين ،


(1): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ، ص370.
(2): الأمر 69-73 المؤرخ في 16 سبتمبر 1969.
(3): قد تكون هذه الجهة قاضي تحقيق أو غرفة إتهام.









30 
كما يجب أن تكون إحدى الجهتين هي المختصة فقط ، بالإضافة إلى ذلك فإن تنازع الإختصاص تثور بشأنه بعض المسائل والتي تتمثل فيما يلي :


الفرع الأول : التعارض الحتمي : 
إن تنازع الإختصاص قد يكون بصدد قرار أو حكم قضائي فقط إذا قرر خطأ عدم إختصاص الجهة القضائية رغم أنها هي الوحيدة المختصة، ثم يصبح هذا الحكم أو القرار باتا لا يقبل الإلغاء بأي طريق من طرق الطعن ،وهذا ما يجعل الجهة التي تحال إليها الدعوى تقضي فيها بعدم الإختصاص من جديد ، وهذا ما يخلق تنازع سلبي برفض جهتين قضائيتين للإختصاص.
الفرع الثاني : الجهة المختصة بالفصل في التنازع : 
لقد جعل المشرع الجهة الأعلى درجة المشتركة حسب التدرج في السلك القضائي (1) هي المختصة بالفصل في تنازع الإختصاص ، أما إذالم توجد جهة عليا مشتركة  فإن النزاع سواء تعلق بجهات تحقيق أو جهات الحكم العادية أو الإستثنائية يطرح على الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا (2) ومثال ذلك قرار التحقيق أو غرفة الإتهام خطأ بإحالة الدعوى العمومية إلى محكمة الجنح رغم أن الواقعة جناية.
الفرع الثالث : إجراءات تعيين المحكمة المختصة : 
وقد تم تنظيم هذه الإجراءات في المادة 547 من قانون الإجراءات الجزائية على الشكل التالي : 
- لكل من النيابة العامة والمتهم والمدعي بالحق المدني رفع طلب النظر في تنازع الإختصاص ، ويحرر ذلك الطلب في عريضة تودع لدى قلم كتاب الجهة القضائية المطالبة بالفصل في تنازع الإختصاص خلال مهلة شهر إعتبارا من تبليغ آخر حكم قضائي، كما تعلن العريضة إلى جميع أطراف الدعوى المعنيين ، ولهم مهلة 10 أيام لإيداع  مذكراتهم لدى قلم الكتاب .
- ويجوز للمحكمة العليا بمناسبة طعن مطروح أمامها أن تفصل من تلقاء نفسها في تنازع الإختصاص وهو ما يتحقق عندما يصدر حكم بعدم الإختصاص خطأ فيكون التعارض حتميا بينه وبين الحكم أو القرار الذي يصدر من جهة قضائية أخرى بإحالته إليها وبذلك يجوز إعتبار الطعن بالنقض في الحكم الصادر فعلا بعدم الإختصاص بمثابة طلب تعيين المحكمة المختصة.



(1): هذه الجهة هي التي يطعن أمامها في القرارات والأحكام الصادرة من الجهتين المتنازعتين .
(2): أنظر المادة 546 من قانون الإجراءات الجزائية.





31
-  وتقوم الجهة المعروض عليها النزاع بتعيين الجهة القضائية التي تتولى السير في الدعوى ، كما تفصل أيضا في شأن الإجراءات والأحكام التي إتخذتها الجهة القضائية التي قضي بتخليها عن النظر بالدعوى ، وذلك سواء ببطلانها أو بصحتها            
( المادة 547-5) ، ويكون قرارها غير قابل لأي طعن (المادة547-6) ، ويلاحظ أن كثيرا من حالات التنازع بين قضاة التحقيق المنتمين لمحاكم مختلفة لا تطرح على المحكمة العليا ، إذ يصدر أحدهما بناء على طلب النيابة العامة قرار بالتخلي عن نظر الدعوى ( المادة 547 فقرة أخيرة ) للقاضي الآخر الذي يقتضي حسن سير العدالة إختصاصه هو بالتحقيق كأن تكون الوقائع التي حدث التخلي عنها مرتبطة بوقائع أو متهمين يتولى هذا الأخير التحقيق بشأنهم، ويعد هذا القرار بالتخلي قرار قضائيا فاصلا في الإختصاص ، يقبل فيه الطعن من المتهم ومن المدعي المدني (1) 
المبحث الثاني : الإجراءات أمام محكمة الجنايات:
تتميز الإجراءات أمام محاكم الجنايات بطولها وشكلياتها المتعددة ، والتي يترتب على الإخلال بالكثير منها بطلان الحكم ، ويفسر ذلك بأن تلك المحاكم تفصل في أخطر الجرائم وتقضي بأقصى العقوبات (2) ، ولأن المحاكمة من أهم مراحل الدعوى العمومية ، وذلك لكونها المرحلة النهائية والحاسمة التي تسبق إصدار الحكم الذي يتقرر عليه مصير المتهم ، سواء بإثبات براءته أو إدانته ، ولهذا فقد خص المشرع مرحلة المحاكمة أمام محكمة الجنايات بجملة من الإجراءات جعلها ضمانات تكفل في هذه المحاكمة أن تكون محققة للعدالة ومطابقة للقانون.
المطلب الأول : القواعد العامة التي تحكم إجراءات المحاكمة:
محكمة الجنايات تنعقد بمجرد  إصدار قرار الإحالة الصادر من طرف غرفة الإتهام 
لكن قبل إنعقاد جلسات دورة محكمة الجنايات ، يجب أن تتم جملة من الأعمال التحضيرية التي لابد منها لإنطلاق عمل المحكمة (3)، ويباشر هذه الإجراءات النيابة العامة ، ورئيس المحكمة .
الفرع الأول : دور النيابة العامة: 
يتمثل دور النيابة العامة في إتخاذ الإجراءات التالية:
أولا: تبليغ قرار الإحالة إلى المتهم : يبلغقرار الإحالة للمتهم شخصيا ، من طرف النيابة العامة ، فإذا كان المتهم محبوسا يكون تبليغه بواسطة الرئيس المشرف على السجن  (4) ، أما إذا لم يكن محبوسا فيتم التبليغ وفقا للإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية (5).
(1): راجع المادتين 172-173 من قانون الإجراءات الجزائية .
(2): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ،ص387.
(3): عبد العزيز سعد ، أصول الإجرءات أمام محكمة الجنايات ، الديون الوطني للأشغال التربوية ، ص37.
(4)أنظر المادة 268 من قانون الإجراءات الجزائية .
(5): أنظر المادتين 268-439 من قانون الإجراءات الجزائية.





32
ثانيا : تبليغ قائمتي الشهود والخبراء : كما يبلغ المتهم بقائمتي الشهود والخبراء ، وذلك قبل إفتتاح باب المرافعات ، ويبلغ المتهم بدوره ، كشف بشهود النيابة العامة والمدعي المدني (1) .
وعليه فإذا كان لدى النيابة العامة عدد من الشهود ترغب في أن تستشهدهم لتدعيم وتقوية حججها ، أو كان للضحية المدعي مدنيا أمام محكمة الجنايات للمطالبة بالتعويض عما عما قد يكون قد أصابه من ضرر ناتج عن الجريمة عدد مماثل من الشهود يرغب في تقديمهم إلى المحكمة لسماعهم بقصد إثبات ضرر ناتج عن وقائع الجريمة فيجب على كل واحد منهما تقديم قائمة أسماء وألقاب وعناوين الشهود خلال مهلة لا تقل عن ثلاثة أيام كاملة قبل إفتتاح الجلسة ، وإذا تعدد المتهمون توجب تقديم قائمة شهود النيابة ،و قائمة شهود الضحية إلى كل واحد من المتهمين وهو ما تنص عليه المادة 273 من قانون الإجراءات الجزائية (2) ، وللمتهم أن يعترض على شهادة كل شاهد لم يبلغ بإسمه.
ثالثا: تبليغ قائمة المحلفين : أما بشأن تبليغ قائمة المحلفين ، تقوم النيابة العامة بتليغ المتهم بقائمة المحلفين المعينين للدورة الجنائية المنعقدة ، والذين يساهمون في تشكيل هيئة الحكم وهذا حسب المادة 275 من قانون الإجراءات الجزائية (3) .
ويتم تبليغ المتهم بواسطة الشرطة القضائية ، أو بواسطة مصلحة التبليغ والتنفيذ ، أو بواسطة إدارة السجن أو بأي طريقة قانونية أخرى.
ويجوز للمتهم أو محاميه أن يثير دفعا بعدم التبليغ أمام نفس المحكمة قبل مناقشة الموضوع (4) ، ويتم في الأخير إرسال ملف الدعوى بواسطة النائب العام إلى قلم كتاب المحكمة بمجرد الإفصاح عن القرار الصادر من غرفة الإتهام بإحالة المتهم على محكمة الجنايات ، وينقل المتهم بعد ذلك إلى مقر المحكمة حسب المادة269 من قانون الإجراءات الجزائية(5) إذا لم تنعقد في المكان الذي تم فيه التحقيق وحبس المتهم.


(1):أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع نفسه ،ص388.
(2): عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ،ص 39.
(3): أنظر المادة 275 من قانون الإجراءات الجزائية .
(4): عبد العزيز سعد، المرجع نفسه ، ص42.
(5): القانون رقم 01-08 المؤرخ في 26جوان 2001










33
وللمتهم الحق بالإتصال بالمحامي الذي يمكنه بعد ذلك من الإطلاع على ملف الدعوى دون أن يترتب عن ذلك تأخر في سير الإجراءات ، ويوضع الملف تحت تصرفه بخمسة أيام على الأقل (1).
الفرع الثاني : دور رئيس محكمة الجنايات:
يتخذ رئيس محكمة الجنايات عدة إجراءات تحضيرية تمهيدا لإفتتاح الدورة للسير العادي للمرافعات .
أولا :أوردت المادة 255 من قانون الإجراءات الجزائية أن رئيس المحكمة يقوم بضبط جدول القضايا التي ستعرض بالدورة بعد إقتراحها من النيابة العامة ، على أن تقدم القضايا مهيئة للفصل فيها إلى المحكمة ، وهذا حسب نص المادة 279 من قانون الإجراءات الجزائية(2).
و يمكن ضم القضايا التي صدرت فيها عدة قرارات إحالة عن جناية واحدة ضد متهمين مختلفين أو إذا صدرت عدة قرارات إحالة عن جرائم مختلفة ضد متهم واحد  
فيجوز للرئيس أن يأمر بضمها جميعا سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب النيابة العامة ، و هو ما نصت عليه المادة 277 من قانون الإجراءات الجزائية (3)، كما يمكن للرئيس أن يأمر بتأجيل الفصل أو نظر القضايا التي برمجت لعرضها ، سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب النيابة العامة ، وهذا بعد أن تم قيدها بجدول الدورة المنعقدة إلى دورة أخرى لاحقة أو إلى آخر الدورة نفسها(4).
ثانيا : القيام بإجراء تكميلي: وهذا ماجاءت به المادة 267 من قانون الإجراءات الجزائية المعدلة بالقانون رقم 82-03 التي تنص على أنه يجوز لرئيس المحكمة إذا رأى أن التحقيق غير كاف أو إكتشف بعد صدور قرار الإحالة عناصر جديدة أن يأمر بإتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق ، ويمكنه تفويض قاض من قضاة المحكمة المعينين معه للقيام بذلك التحقيق، ويطبق في هذا الصدد القواعد الخاصة بالتحقيق الإبتدائي، لا سيما ما يتعلق بتعيين الخبراء و سماع الشهود، وإعادة تمثيل 

(1): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ، ص389.
(2): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ، ص389.
(3): أنظر المادة 277 من قانون الإجراءات الجزائية.
(4): عبد العزيز سعد، المرجع نفسه، ص45.












34
الجريمة(1)، ويقوم النائب العام بتكليف رجال الدرك أو الشرطة يإجراءات البحث والتحري لكنها تكون على سبيل الإستدلالات فقط(2).
ثالثا : وتتعدى سلطة رئيس محكمة الجنايات إلى إتخاذ جملة من الإجراءات الإدارية التي تسير سير المرافعات الحسن ، والتي منها ما يمكنه من ممارسة سلطته التقديرية، كأن يأمر بإستدعاء أشخاص لم ترد أسماؤهم على قوائم الشهود للإستماع إلى شهادتهم ، أو أن ينتقل بنفسه إلى مكان الجريمة للتعرف على ملابساتها(3).
رابعا: إستجواب المتهم: بعد نفل المتهم إلى المؤسسة العقابية بمقر محكمة الجنايات ، إذا لم يكن محبوسا فيها ، يستلم رئيس المحكمة زمام إستجواب المتهم ، وله أن ينتدب أحد القضاة المعينين ضمن تشكيلة المحكمة  بموجب قرار إنتداب كتابي يلحق نسخة منه بملف القضية ، وهذا حسب المادة 270 من قانون الإجراءات الجزائية .
ويتم إستجواب المتهم قبل إفتتاح الدورة بثمانية أيام ، وهذا التحقيق ذو طبيعة إدارية  لأنه يهدف إلى التحقق من وصول تبليغ قرار الإحالة إلى المتهم ، فإن زعم أنه لم يتسلمه  ، وجب على رئيس المحكمة تمكينه بنسخة منه (4) ، ويتعين على القائم بإستجواب المتهم أن يطلب منه إختيار محام للدفاع عنه ، وإن لم يختر لنفسه محاميا 
يلتزم الرئيس بتعيين محام للمتهم من المحامين المسجلين في النقابة المحلية من تلقاء نفسه(5).
وفي الأخير يحرر محضر بجميع إجراءات الإستجواب  ، موقع من طرف الرئيس و الكاتب والمتهم والمترجم عند الإقتضاء ، وهذا حسب المادة 271-2 من قانون الإجراءات الجزائية.
لكن رغم ماسبق ، فقد تكون الإجراءات التحضيرية أو أحدها محل إغفال أو جهل أو نسيان من طرف رئيس المحكمة أو النيابة العامة(6) ، وإهمال بعض الإجراءات قد يؤثر في سير المحاكمة ، ويمنح المتهم ومحاميه حق إثارة هذا الإغفال ، وكذا الدفع بعدم صحة الإجراءات التحضيرية كتابيا ، ولكن يتم ذلك قبل الشروع في مناقشة الموضوع ، وبواسطة مذكرة كتابية واحدة تقدم للمحكمة مع ذكر نوع الإجراء المهمل ومدى تأثيره على حق المتهم في الدفاع عن نفسه ، على أن يقدم الطعن مباشرة عند إفتتاح الجلسة ، وقبل مناقشة الموضوع ، وإلا أعتبر غير مقبول إطلاقا(7).
(1): عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص44.
(2): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ، ص391.
(3): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق، ص391.
(4): عبد العزيز سعد ، نفس المرجع ، ص39.
(5): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ، ص391.
(6): أنظر المادة 290من قانون الإجراءات الجزائية .
(7): عبد العزيز سعد ، نفس المرجع ، ص46.






35
المطلب الثاني : مراحل إجراءات المحاكمة:
إن محكمة الجنايات تعرف عند المحامين والقضاة بأنها محكمة إجراءات ، بإعتبار أن إدارة الجلسة  ومراعاة تطبيق القواعد القانونية ذات الصلة تتطلب من رئيس محكمة الجنايات ومن القضاة المشاركين معه ، وحتى من النيابة العامة  ، أن يكونوا على إطلاع بأوراق القضية وكافة وقائعها ، وأن يكونوا ملمين إلماما كبيرا بالقواعد الإجرائية التي يستوجب إعمالها من أجل إحترام حقوق الدفاع ، ومراعاة تطبيق القانون التطبيق السليم لإصدار حكم عادل .
الفرع الأول : سير الجلسة:
يتم سير الجلسة وفق التشريع الجزائري بمرافعات شفوية وإجراءات علنية، وتجري في حضور الخصوم ، غير أن القاضي في ظل هذا التشريع لا يقتصر على الموازنة بين حجج الخصوم و أوجه دفاعهم ، وإنما يتولى إدارة المرافعات وإنتظام سيرها ، 
كما يشارك في جمع الأدلة لكشف الحقيقة.
أولا: إفتتاح الجلسة : بحلول اليوم المحدد لكل قضية ، يتخذ القضاة والنيابة وكتاب الجلسة أماكنهم ، ويستحضر المتهم للجلسة غير مقيد ومصحوبا بحارس فقط (1)، و إذا لم يحضر المتهم الجلسة رغم إعلامه بتاريخ إنعقادها ، يقوم الرئيس بإنذاره بواسطة القوة العمومية ، و إذا رفض الحضور يخبر على الحضور بواسطة القوة العمومية ، ويتم بعد ذلك إستئناف المرافعات ، وتعتبر الأحكام الصادرة في غيبته حضورية ، ومن ثم يبلغ بجميع الأحكام الصادرة في المسائل العارضة مع الحكم الصادر في الموضوع والفاصل فيه بشكل نهائي(2)، على أن تكون الجلسة علنية شفهية في مرافعاتها مستمرة في إنعقادها ضمن جلساتها المبرمجة سلفا.
1- علانية وإستمرارية إنعقاد الجلسة: في إطار الجلسة وإستمراريتها نصت المادة 285 من قانون الإجراءات الجزائية ، بأن تكون المرافعات علنية ما لم ينشأ عن علنيتها إخلال بالنظام العام والآداب العامة (3) ، لكن يمكن أن تكون المرافعات في جلسة مغلقة أو سرية لا يحضرها من الجمهور إلا من كان حضوره ضروريا ، أو من تأذن لهم المحكمة بالحضور.



(1): أنظر المادة 293 من قانون الإجراءات الجزائية .
(2): راجع المادة 294 من قانون الإجراءات الجزائية .
(3): عبد العزيز سعد ، المرجع السابق، ص49.









36
مع هذا فالحكم لا يصدر إلا في جلسة علنية (1) ، ويجوز للمحكمة أن تحدد عدد الأشخاص الذين يجوز لهم الحضور بما يتفق وسعة القاعة ، وليس في ذلك إخلال بمبدأ العلانية (2).
لكن المادة 285-2 من قاتنون الإجراءات الجزائية تخرج عن هذا الأصل ، وتسمح بقطع المرافعات وتوقيف الجلسة لمدة من الزمن تكون كافية لراحة القضاة والمتهم وللمحامين أيضا .
2- ضبط الجلسة : إن ضبط الجلسة يدخل ضمن صلاحيات وسلطان رئيس المحكمة حسب ما نصت عليه المادة 286 من قانون الإجراءات الجزائية .
فيمكن لرئيس المحكمة إتخاذ أي إجراء يراه مناسبا وضروريا للحفاظ على الأمن أثناء الجلسة و المرافعات ، وبكلف في هذا الخصوص كل من رجال الشرطة والدرك الوطني الذين يمتثلون لتعليماته وينفذون أوامره (3)، وله أن يأمر كذلك بإبعاد كل من يخل بالنظام بأي طريقة كانت من قاعة الجلسة ، وإذا لم يمتثل يتم إصدار أمر بإيقافه وحبسه في الحال ، وهذا حسب المادة 295 من قانون الإجراءات الجزائية (4).
أما إذا كان المخل بالنظام المتهم نفسه (5) ، يقوم الرئيس بإنذاره بأنه إذا تمادى في تصرفاته سيطرد من الجلسة ، ويحكم عليه في غيبته ، وإذا لم يكف المتهم عن الفوضى يطبق عليه الرئيس أحكام المادة 295 من قانون الإجراءات الجزائية ، فيبعده من قاعة الجلسات ويوضع تحت حراسة القوة العمومية ، وتحت تصرف المحكمة حتى نهاية المرافعات ، لكن مع ذلك تعتبر الأحكام الصادرة في غيابه حضورية ، ويحاط بها علما وفقا لإجراءات التبليغ العادية (6).
ثانيا : إقامة الأدلة من المرافعات : 
1- إستجواب المتهم : يحقق مع المتهم من طرف رئيس المحكمة إبتداء بهويته وصولا إلى ظروف وقوع الجريمة ووسائل إرتكابها ، ودوافعه في إرتكاب الجريمة 
والأدلة والحجج التي تستند التهمة إليها ، ولا يمكن للقضاة أو المحلفين أو النيابة العامة أو هيئة الدفاع مقاطعة الرئيس خلال إستجوابه المتهم بل يمكنهم ذلك بعد



(1): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ،ص484.
(2): سليمان بارش ، شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري ، دار الشهاب للطباعة والنشر ، طبعة 1988، باتنة (الجزائر)،ص211.
(3): عبد العزيزسعد ، المرجع السابق ، ص51.
(4): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق،ص394.
(5): أنظرالمادة296 المعدلة والمتممة بقانون رقم 90-24.
(6): عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص54.





37
إنتهائه من إستجواب المتهم حيث لا تطرح الأسئلة مباشرة على المتهم  من القضاة أو المحلفين أو النيابة العامة ، بل تطرح هذه الأسئلة  على لسان رئيس المحكمة (1).
2- سماع الشهود تقاريرالخبراء : ينادى على الشهود منفردين للإدلاء بشهاداتهم بعد آداء اليمين (2)، وللنيابة العامة توجيه الأسئلة إليهم مباشرة ، ويجوز للمتهم أو محاميه توجيه أسئلة إليهم بواسطة الرئيس، وتقضي القواعد العامة بالبدء بسماع شهود الإثبات ، ثم سماع شهود النفي ، ولمحكمة الجنايات أن تكتفي بإعتراف المتهم 
وتحكم عليه بغير سماع الشهود ، فإذا كان المتهم قد إعترف في الجلسة بإقتراف الجريمة المسندة إليه ، فإن إثارة الدفع بالمساس بحقوق الدفاع في هذا الشأن لا يكون ذا معنى ، ورغم هذا يعتبر إعتراف المتهم في مرتبة الأدلة الإخرى .
إن قراءة تقارير الخبراء في بعض المسائل و القضايا التي تحتاج إلى خبرة أجازها المشرع  للقاضي في مرحلة المحاكمة ، كما أجازها لقاضي التحقيق في مرحلة التحقيق الإبتدائي ، حيث بالإمكان تعيين خبير لفحص مسألة معينة تستدعي إبداء الرأي فيها بمعلومات فنية ، وذلك من الجدول المعد من طرف المجالس القضائية 
كما أجاز تعيين الخبراء بطلب من النيابة العامة أو الخصوم .
ويتعين على الخبير أن يقوم بالعمل الموكل إليه ، وأن يقدمه للجهة التي وكلته به في المدة المحددة له ، وفي تقرير مكتوب يتضمن الأعمال التي قام بها ، والرأي الذي إنتهى إليه ، وللخصوم الحق في الإطلاع على هذا التقرير ومناقشته(4).
3- سماع مرافعات النيابة العامة : تعطي المحكمة النيابة العامة الكلمة بعد إستجواب المتهم ، وبعد سماع أقوال الشهود ، ولذلك يجب على النيابة العامة أن تكون ملمة بملف الدعوى(5) ، ولكن مايلاحظ في السنوات الإخيرة هو عدم الإطلاع الشامل للملف من قبل النيابة العامة ، وهو مالا يخدم العدالة وإحقاق الحق ، والسبب في ذلك هو تعقيد الملفات الجنائية ، إضافة إلى كثرة الملفات وتكدسها على مستوى الجنح ،وكذلك إضافة أنشطة إضافية للنيابة العامة على المستوى المدني  مما يحد من قدراتها في تمثيل الحق العام وكذا حمايتها لحقوق الأفراد خاصة حقهم في الدفاع أمام محكمة الجنايات.
4- سماع دفاع المتهم : إن وجود المحمي هو أمر وجوبي ، إلى جانب المتهم في محكمة الجنايات ، فبعد سماع ممثل النيابة في مرافعته ، تحيل المحكمة الكلمة إلى المحامي الذي تم توكيله للدفاع عن المتهم ، وهذا من أجل رد إتهام النيابة العامة ومناقشتها فيما قدمته من ادلة وحجج ، أو لمناقشة الوصف الجرمي الذي إعتمدته 
(1): عبد العزيز سعد ن المرجع السابق ، ص58.
(2): أنظر المادة 298 من قانون الإجراءات الجزائية .
(3): مجموعة المبادئ القانونية التي تقررها محكمة النقض ، الدائرة الجنائية والهيئة العامة للمواد الجنائية في عشر سنوات (جانفي 1956 إلى جانفي 1966) .
(4):أنظر المادة 143 من قانون الإجراءات الجزائية.د
(5): عبد العزيز سعد ، نفس المرجع ،ص61 .





38
غرفة الإتهام ، وإستندت له النيابة العامة كأساس للإدانة (1) ، فحسب المادة 304 من قانون الإجراءات الجزائية ، فإن مرافعات وتعليقات النيابة العامة تأتي بعد الإنتهاء من التحقيق ليأتي أخيرا دور محامي المتهم فيقدم مرافعته ودفوعه .
إذن فسماع كلمة المتهم ومحاميه تكون دائما الأخيرة.
الفرع الثاني : إقفال باب المرافعات :
وهي الإجراءات التي تقوم بها المحكمة تمهيدا للفصل في الدعوى ، وهي :
أولا:إجراءات تحضير الفصل في الدعوى: وتتعلق بثلاث نقاط هي :
1- تلاوة الأسئلة الواردة في ورقة الأسئلة : وتحرر من طرف رئيس المحكمة ، ويجيب عليها أعضاء المحكمة بعد أن يتلوها رئيسها علنا فور إقفال باب المرافعات، وهذا حسب المادة 305-1 من قانون الإجراءات الجزائية(2).
وتتضمن هذه الأسئلة الوقائع موضوع الإتهام ، والواردة في منطوق قرار الإحالة (3) ، كما يتم وضع سؤال عن كل ظرف ظهر في المرافعة ، وايضا يتم وضع سؤال عن ظروف التخفيف ، ولا ينبغي طرحه أو تلاوته بالجلسة ، وإنما يجب تلاوته ومناقشته في غرفة المداولات بعد التصويت الإيجابي على الإدانة ، وعند مناقشة العقوبة.
2- تلاوة نص المادة 307 من قانون الإجراءات الجزائية: و هو أهم ثاني عمل يقوم به  رئيس محكمة الجنايات موجه إلى كل قضاة المحكمة التي يترأسها ، سواء القضاة المحترفون ، أو المساعدون الشعبيين ، ويتم تعليقها على جدار القاعة ، بإعتبارها تشكل سند ودستور للقضاة عند إصدارهم للحكم .
3- إخراج المتهم و الإنتقال إلى غرفة المداولات : حيث يأمر رئيس المحكمة الحراس المكلفين بالأمن ، بإخراج المتهم من قاعة الجلسة إلى المكان المخصص للمتهمين قرب قاعة الجلسات .
ثم ينتقل الأعضاء ، القضاة والمحلفين ، مصحوبين بملف الدعوى إلى غرفة المداولات (5).
ثانيا : المداولات : وتتم المداولات من خلال الإجابة عن الأسئلة التي تمت تلاوتها في الجلسة بشأن الإدانة ثم العقوبة.
1- المداولات بشأن الإدانة : يتم تبادل الرأي بين الفضاة و المحلفين حول الإتهام ، و تتخذ الأصوات في أوراق سرية بكلمة نعم أو لا ، والإقتراع يكون على كل سؤال على حدة.
(1): عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص62.
(2): أحمد شوقي الشلقاني ، نفس المرجع ، ص402.
(3): عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ،ص65.
(4): أنظر المادة 309 من قانون الإجراءات الجزائية .
(5): عبد العزيز سعد ، نفس المرجع ،ص66.






39
وجل القرارات تصدر بالأغلبية (1)، وتكون في صالح المتهم الأوراق البيضاء أو التي تقرر الأغلبية بطلانها (2).
ثم بعد ذلك تعرض العقوبة المقررة على أعضاء المحكمة ليناقشوا مدى ملائمتها مع الوقائع الجرمية ، ومع النص الواجب التطبيق ، ثم يجري التصويت بشأنها بطريقة سرية وبالأغلبية أيضا (3).
3- المداولات بشأن العقوبة : إذا لم تستند الجريمة إلى نص يعاقب عليها أو قرر القضاة والمحلفون عدم إدانة المتهم لعدم ثبوت إرتكابه الجريمة، فيعود أعضاء المحكمة إلى الجلسة ، التي بها يعلن حكم البراءة.
وفي حالة الإجابة بنعم على سؤال الإدانة ، يتداول أعضاء المحكمة تحت إشراف الرئيس حول العقوبة الملائمة ، وإذا لم تتوفر الأغلبية بشأن العقوبة ، أعيد التصويت على عقوبة أقل حتى تنال الأغلبية وتقضي المحكمة بالأوضاع نفسها في العقوبات التبعية أو التكميلية ، وفي تدابير الأمن.
ثالثا : النطق بالقرار : عند الإنتهاء من المداولات ترجع هيئة المحكمة إلى قاعة الجلسة ، ويستدعى المتهم من طرف رئيس المحكمة الذي يتلوا الإجابات والمواد القانونية  التي طبقت ، وينطق بعد ذلك بالحكم بالإدانة أو الإعفاء ، وفي كلتا الحالتين يلتزم المتهم بالمصاريف لصالح الدولة (4).
وللمتهم الحق في الطعن بالنقض في الحكم الصادر خلال ثمانية أيام من يوم إصدار الحكم ، إذا برئ المتهم من العقاب ، أفرج عنه في الحال ، ما لم يكن محبوسا لسبب آخر.
المطلب الثالث : إجراءات التخلف عن الحضور أمام محكمة الجنايات :
يشترط لإصدار أمر التخلف عدة شروط منها أن يكون المتهم غير محبوس إحتياطيا أو لم يتقدم إلى المحكمة خلال عشرة أيام الممنوحة له لتقديم نفسه ، أو أن يكون قد فر وهرب بعد تقديم نفسه أو القبض عليه (5) ، ففي كل هذه الحالات لا يتم الحكم غيابيا على المتهم ، وإنما تجري المحاكمة طبقا لإجراءات خاصة تسمى إجراءات التخلف عن الحضور(6).
الفرع الأول: الإجراءات المحاكمة في غياب المتهم :

(1): عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص66.
(2): أنظر المادة 309 من قانون الإجراءات الجزائية الصادر بالأمر 39-73 المؤرخ في 16 سبتمبر 1969.
(3):عبد العزيز سعد ، نفس المرجع ، ص67.
(4): أنظر المادة 310 من قانون الإجراءات الجزائية ، الصادر بالقانون رقم 85-02 المؤرخ في 26 جانفي 1985 .
(5): عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص168.
(6): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ، ص409.





40
إذا لم يتقدم المتهم للمحاكمة بعد إنقضاء مهلة 10أيام ، أو لم يتم القبض عليه ، فإن المتهم يحاكم غيابيا (1)، كما يحرم من الدفاع عن نفسه ، فلا يجوز لأي محام التقدم و الدفاع عن المتخلف عن جلسات المحاكمة ، أما إذا كان للمتهم أعذار شرعية مقبولة وتقدم خلال الأجل المحدد بعد زوالها  ، فيجوز في هذه الحالة لأحد أقاربه أو أصدقائه أو محاميه ، أن يقدم للمحكمة عذره ، ويبين فيه سبب تخلفه عن الحضور ، أما إذا إنتهت المدة التي تمنحها المحكمة للمتغيب لسبب شرعي عن الحضور ، دون تقدم المتهم للمثول أمام هيئة المحكمة ، فإنها تستأنف الإجراءات وسيرها العادي كالآتي:
أولا: مراجعة إجراءات التخلف: فللمحكمة عند تأكدها من تخلف المتهم عن المحاكمة  أن تحدد جلسة للمحاكمة ، وعند إفتتاحها يكلف رئيسها ، كاتب الضبط بمنادات المتهم مرة أو مرتين، وعند التأكد من عدم حضوره ، يطلب من المحلفين الإنسحاب من الجلسة (تشكيلة المحكمة) ، وبعد ذلك يشرع في إجراءات المحاكمة  وهي تلاوة قرار الإحالة والمحاضر المتعلقة بالتخلف ، والمادة 317 من قانون الإجراءات الجزائية (2)، وقراءة محضر سماع الشهود مباشرة ، كل ماسلف ذكره يحدث في غياب المتهم ولا ي}ثر هذا إطلاقا على حقه في الدفاع بإعتباره في حكم الخارج عن القانون.
وبعد ذلك تصدر المحكمة حكما بشأن صحة أو عدم صحة الإجراءات بعد إبداء النيابة العامة طلباتها في هذا الشأن.
ثانيا : الشروع في المحاكمة : تقوم المحكمة بمباشرة إجراءات الفصل في الموضوع التهمة بعد الـتأكد من صحة الإجراءات وسماع أقوال النيابة العامة ، حيث تتداول المحكمة في الدعوى والإجراءات الواردة فيها ، وإذا توصلت إلى الإدانة والحكم بالعقوبة ، تقوم بتقريرها دون منح المتهم المتخلف ظروف التخفيف ، وهو ما تنص عليه المادة 319 من قانون الإجراءات الجزائية (3) ، كما يمكنها أن تحكم ببراءة المتهم أو تغير وصف الجناية إلى جنحة .
ثالثا :محاكمة المتهمين الشركاء : إذا تعدد المتهمون في جريمة واحدة ، يتم سير الإجراءات العادية للمتهمين المحالين على المحكمة ، ولا يوجب القانون وقفها أو تأجيلها ، عكس المتخلف عن حضور جلسات المحكمة ، فينبغي له تأجيل الفصل في موضوع التهمة إلى حين القيام بإجراءات الغياب عن الحضور ( التخلف عن الحضور).
الفرع الثالث : آثار الحكم الغيابي بعد القيام بإجراءات التخلف عن الحضور:
لقد ورد النص على آثار التخلف عن الحضور والحكم الغيابي على المتهم المتخلف في المادة 317 من قانون الإجراءات الجزائية وكذلك المادة 320 منه ، وهي تتمثل 
(1): عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص169.
(2): القانون رقم 01-08 المؤرخ في 26 جوان 2001.
(3): القانون رقم 01-08 المؤرخ في 26 جوان 2001.
(4): أنظر المادة 324 من قانون الإجراءات الجزائية.
    



41
في ما يلي :
1- أن أول أثر من آثار إجراءات تخلف المتهم عن الحضور هو إعتباره خارجا عن القانون ، وحرمانه من ممارسة حقوقه المدنية ، وحرمانه كذلك من ممارسة حق التقاضي أمام القضاء الوطني أو رفع أية دعوى كيفما كانت مدنية أو تجارية أو إدارية .                                                                                                                                                                                                                                                            
2- أما ثاني أثر فهو تأييد بقاء أموال المتهم تحت الحراسة القضائية ، إن لم تكن قد صودرت ، وليس له الحق في التصرف فيها سواء بالبيع أو التبرع.
3- وكذلك من الآثار غير المباشرة وجوب نشرنسخة من  حكم الإدانة في إحدى جرائد الولاية التي يوجد فيها مسكن المحكوم عليه في أقصر مهلة بواسطة العام(1).
4- بالإضافة إلى الإثار غير المباشرة ، فيتم تعليق أو إلصاق نسخة من الحكم على باب آخر موطن للمحكوم عليه ، ونسخة ثانية تعلق على باب مقر المجلس الشعبي البلدي الذي إرتكبت الجناية بدائرته، ، ونسخة ثالثة تعلق على باب محكمة الجنايات ،
كما ترسل نسخة رابعة إلى مدير مصلحة أملاك الدولة بموطن المحكوم عليه ، كل ذلك يتم بواسطة كتابة ضبط المحكمة تحت إشراف النيابة العامة 
5- وإخيرا يترتب على الحكم الغيابي بالنسبة إلى المتهم المتخلف عن الحضور ، حرمان المحكوم عليه من ممارسة حق الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا(2).
















(1): عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص173.
(2): عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ،ص 173.






42   











 

 















تأصلت جذور حق الدفاع في القاعدة التشريعية الثي إستقرت في كافة التشريعات الحديثة ، وهي أن الأصل في الإنسان البراءة لا الإدانة ، وأقر التشريع وألزم بهذه القاعدة لتحقيق العدالة القضائية ، والهدف منه في النهاية هو صدور حكم يعلن إرادة القانون في واقعة خاصة لحل النزاع ، ومتى إنتهت المحاكمة في الجنايات ، يكون الحكم قابلا للطعن فيه بالنقض في موعد معين إذا توافرت أسباب الطعن ، وهكذا فليس صدور أي حكم في الدعوى يرتب إنقضائها بل لا بد أن تكون الدعوى قد إستنفدت جميع أطوارها ، وصدر فيها حكم في الموضوع وأصبح هذا الحكم غير قابل للطعن فيه بالإستئناف ( الأصل أن حكم محكمة الجنايات إبتدائي نهائي غير قابل للإستئناف)  أو المعارضة ( يكون حكم محكمة الجنايات قابل للمعارضة إذا صدر عبر إجراءات التخلف عن الحضور) ، ونطلق على هذا الحكم تعبير الحكم النهائي ، وبه تنقضي الدعوى العمومية.
المبحث الأول : حقوق الدفاع : 
حق الدفاع هو حق متفق عليه من طرف جميع التشريعات أمام القضاء الجنائي على وجه الخصوص ، ويعتبر هذا المبدأ مستقر، ويستمد أصله من حق الإنسان في الدفاع عن نفسه ، ولهذا أستلزم على محكمة الجنايات تعيين محام للدفاع عن المتهم ، إذا لم ينتدب لنفسه مدافعا للدفاع عن نفسه والمرافعة عنه ، والغرض من وجود المترافع لا يتحقق إلا إذا حضر إجراءات المحاكمة أمام المحكمة ، وعاون المتهم معونة إيجابية(1).
المطلب الأول : مستلزمات الدفاع : 
مستلزمات الدفاع يمكن التطرق إليها في أربعة زوايا كالآتي :
الفرع الأول : دعوة المتهم للحضور :
يبلغ المتهم بقرار الإحالة من طرف الرئيس المشرف على السجن وبكون ذلك  أثناء الإجراءات التحضيرية للدورة ، وقبل أن يستجوب القاضي المتهم يتحقق من تلقي المتهم لحكم الإحالة ، فإذا لم يكن قد بلغ به ، يترك له نسخة من قرار الإحالة .
وبعد تولي النيابة العامة نقل ملف الدعوى وأدلة الإتهام إلى قلم كتاب المحكمة ، ينقل المتهم المحبوس إلى المحكمة (2)، والهدف من هذه الإجراءات هو إعلام المتهم بالتهمة التي أسندت إليه، هذا إذا كان المتهم محبوسا ، أما إذا لم يكن محبوسا ، أو  

(1): د محمد محدة ، ضمانات المشتبه فيه وحقوق الدفاع  من العهد البربري حتى الإستقلال ، الجزء الثاني ، ص202.
(2): أنظر المادة 269 من قانون الإجراءات الجزائية الصادر بالقانون 01-08 المؤرخ في 26 جانفي 2001.








43
لم يتم القبض عليه ، أو فر بعد القبض عليه فيبلغ بحكم الإتهام بتكليف بالحضور إلى جلسة المحاكمة ، ويجب أن تتضمن هذه الورقة : بيان نوع التهمة المقدم عليها المتهم إلى المحاكمة ، وتحت أي نص من النصوص القانونية تنطوي أو بالإمكان التكييف إستنادا إليه ، فضلا عن إيضاح المحكمة التي يمثل أمامها ، ومكان وساعة وتاريخ الجلسة (1).
الفرع الثاني : الإتصال بالمحامي والإطلاع على ملف الدعوى :
للمتهم الحق في أن يكون له محام قبل موعد الجلسة، ومنذ صدور حكم الإحالة في حقه ليتسنى له الحضور وتحضير دفاعه مع المحامي (2)، لأنه إذا كان وجود المحامي إلى جانب المتهم أمام محكمة الجنح والمخالفات هو أمر إختياري بصفة عامة ، فإن وجوده بجانب المتهم أمام محكمة الجنايات هو أمر وجوبي (3) ، وتستوجب العدالة أن يتمتع خصم النيابة العامة بمركز يوازي مركزها ،وبحقوق مماثلة لحقوقها حفاظا على التوازن القائم بين خصوم الدعوى العمومية ، وهذا مايسمى بحقوق الدفاع ، فهذه الحقوق مقررة للمجتمع نفسه ، وإن كان المتهم هو الذي يباشرها  ، ولهذا فالأصل أن حقوق الدفاع هي قواعد متعلقة بالنظام العام ، رغم أنها تبدو مقررة لصالح المتهم (4) ، كما أن حرية الدفاع لا تقتصر على تقديم أدلته بل تمكنه من مناقشة أدلة الإتهام التي تقدمها النيابة العامة ضده.
و يجوز لمحامي المتهم الإطلاع على ملف الدعوى في مكان وجوده ،أي لدى قلم كتاب المحكمة ، على أن لا يعيق أو يعطل سير الإجراءات ، ويوجب القانون  وضع الملف تحت تصرف المحامي بخمسة أيام قبل إنعقاد الجلسة على الأقل ، ولما كان الإطلاع على أوراق الدعوى من حقوق الدفاع الأساسية المتعلقة بالنظام العام ، فإن هذا الحق يصبح ساريا منذ إعلام المتهم بقرار الإحالة، فإذا لم يتسنى لمحاميه الإطلاع عليها لأي سبب كان ، ثم طلب التأجيل إستنادا لداعي عدم الإطلاع  على أوراق القضية ، فهنا يتعين على المحكمة إجابتهم إيجابا ، وإلا عد رفضها إخلالا بحق المتهم في الدفاع.
الفرع الثالث : حضور المحامي :
بإعتبار المتهم طرفا ضعيفا أمام ممثل النيابة العامة ، بالإضافة إلى ما ينتابه من إرتباك قد يعيقه أو يعطل دفاعه عن نفسه (5) ، ولهذا السبب نص المشرع على وجوب حضور محامي المتهم أمام محكمة الجنايات ، ونص عليها الدستور بأن جعل

(1): أنظر المادة 400من قانون الإجراءات الجزائية.
(2): د / رؤوف عبيدة ، المشكلات العملية العامة في الإجراءات الجزائية، جامعة عين شمس ،ص634.
(3): د/ عبد العزيز سعد، مرجع سابق ،ص62.
(4): د/ صادق المرصفاوي ، ضمانات المحاكمة في التشريعات العربية ، ص123.
(5): د/ رمسيس بهنام ، مرجع سابق ، ص310.





44
حق الدفاع  مضمون في القضايا الجنائية، وهذا في دستور 1989 في المادة 142-2 كما أكد على هذا المبدأ في تعديل الدستور سنة 1996.
ولما كان حضور المحامي مع المتهم أمام محكمة الجنايات وجوبيا ، فعدم حضوره يرتب بطلان المحاكمة (1) ، حتى لو كانت الإدانة في النهاية بعقوبة الجنحة لتوافر ظرف قضائي مخفف، وفي حال تعذر حضور المحامي ، فيتعين عليه أن يعين من ينوب عنه إذا كان موكلا من طرف المتهم ، أما إذا كان منتدبا من طرف المحكمة فعليه أن يعلمها لتنتدب آخر(2).
ويمكن أن يتولى محام واحد الدفاع عن عدة متهمين في جناية واحدة ، أما إذا قام تعرض بين مصالح المتهمين فإن الإجراءات تكون معيبة ، نظرا للإخلال بحقوق الدفاع والتي ضمنها القانون.
الفرع الرابع :التنبيه إلى تغيير وصف التهمة أو تعديله:
إن المبادئ العامة التي تحكم محكمة الجنايات تعطي للمحكمة مكنة قانونية تخولها عدم التقيد بالوصف القانوني للواقعة محل الإتهام الذي تعطيه جهة الإتهام عند رفعها الدعوى العمومية ومباشرتها أمام المحكمة ، فيمكنها تغيير الوصف القانوني للواقعة المحددة في قرار الإحالة وإعطائها الوصف الذي تراه مناسبا ، لها كذلك الحق في تعديل التهمة .
فيجب على المحكمة إذا غيرت الوصف القانوني للتهمة بإضافتها لظرف مشدد ، تنبيه المتهم بذلك حتى يستطيع أن يبني دفاعه على أساس التغيير ، أو التعديل الجديد 
وعبيها كذلك أن تتيح للمتهم فرصة تقديم دفاعه كاملا ، وإن طلب الدفاع التأجيل وجب عليها الإستجابة لهذا الطلب وإلا عدت مخلة بحق الدفاع ، والذي يستوجب بطلان الحكم.
أما إذا إستبعدت المحكمة ظرفا مشددا أو إتخذت ظرفا مخففا ، أو أنها إستبعدت بعض عناصر الجريمة في الواقعة المطروحة ، فإن هذا يعتبر في مصلحة المتهم وليس هناك مساس بأي حقوق مقررة له (3) ، فلا حاجة لتنبيه المتهم إلى التعديل الذي طرأ ما دامت المرافعة قد أكدت تغيير الوصف الجرمي بما هو في صالح المتهم
بعد طرح ذاك التغيير بالجلسة ، ومنه إذا حضر المتهم دفاعه بعد ذلك على أساس الوصف الجديد ، فلا يجوز للمحكمة الرجوع للوصف القديم والذي تم إعتماده أولا ، وإلا عد ذلك إخلالا بحق الدفاع(4).
(1): د/ صادق المرصفاوي ، مرجع سابق ، ص116.
(2): د/ رؤوف عبيد ، المرجع نفسه ، ص224.
(3): د/ رؤوف عبيد ، المرجع نفسه ، ص117.
(4): د/ صادق المرصفاوي ، المرجع نفسه ، ص198.








45    
المطلب الثاني : كفالة الدفاع في الجلسة :
إن دفاع المتهم يرتكز على مدى مقدرته على الحصول على جميع البراهين و الحجج المتاحة، وإمكانية توظيفها في صالح المتهم ، وبذلك يستطيع الدفاع  نفي التهمة المسندة إلى المتهم ، فهو إذا يستعمل ويوظف شتى السبل والطرق القانونية المكفولة من أجل الوصول إلى ذلك الهدف ، كما يتيح القانون للدفاع طلب ما يراه مناسبا وموصلا إلى غايته في الدفاع.
الفرع الأول : حضور المتهم جلسة المحاكمة: 
إن حضور المتهم إلى الجلسة يتم بواسطة تكليف بالحضور ، وحضور المحامي هو أمر وجوبي ، أما إذا لم يحضر المتهم رغم إعلامه ، فيوجه له إنذار من طرف رئيس المحكمة بواسطة القوة العمومية ، وإن رفض الحضور بعد ذلك ، أمر بإحضاره جبرا ، أو يتخذ بشأنه إجراءات المرافعة في غيابه ، وتكون الأحكام الصادرة في حقه حضورية ، كما يرفض أي دفاع عن المتهم المتغيب من طرف المحامي .
و أما العلة في حضور المتهم أمام محكمة الجنايات بعد تكليفه بالحضور ، هو إخباره بالتهمة المسندة إليه حتى يتمكن من إعداد دفاعه(1).
الفرع الثاني : واجب الإستماع إلى مرافعة المتهم ودفاعه عن نفسه:
بإعتبار الدفاع في مرحلة التحقيق الإبتدائي محصورا في تقديم الدفوع والطلبات ، فإن دوره في المحكمة يسمح بمناقشة الأدلة وحتى تعزيزها ، لذا يلزم المشرع محكمة الجنايات بسماع مرافعة المتهم ودفاعه حتى النهاية(2).
وكل منع للدفاع في إبداء وجهة نظره  يبطل إجراءات المحاكمة كما أن المرافعة الشفهية لها دور كبير في السماح  للمتهم من مناقشة كل ما يتعلق بالتهمة المسندة إليه لأن عمود الإثبات في الوقائع الجنائية هو شهادة الشهود وتقارير الخبراء ، وللدفاع كامل الحرية في عرض ما يراه لازما لإظهار براءة المتهم أو تخفيف الحكم الذي قد يصدر عليه ، ولا يجوز للمحكمة أن توجه المحامي ، أو أن تقيده بخطة معينة في دفاعه ، أو أن تقاطعه بسبب ضيق الوقت ، ويترتب عن ذلك إبطال إجراءات المحاكمة .
ويمكن لرئيس المحكمة مقاطعة الدفاع أثناء مرافعته للإستفسار عن نقاط معينة ، على أن لا يكون ذلك ماسا بحقوق الدفاع (3) .


(1): د/ رمسيس بهنام ، مرجع سابق ، ص830.
(2): د/ عبد العزيز سعد ، مرجع سابق ، ص63.
(3): د/ محمد محدة ، مرحع سابق، ص221.








46
المطلب الثاني : الأحكام الصادرة من المحكمة وطرق الطعن فيها: 
إن الهدف من تحريك الدعوى العمومية هو صدور حكم فيها يؤدي إلى إعلان إرادة القانون في حل النزاع الجزائي ، وبالتالي تصل الدعوى إلى النهاية ، ولكن رغم تحقيق هذا الغرض إلا أنه يبقى الحكم قابلا للطعن فيه بالنقض في موعد معين إذا توافرت أسباب الطعن فيه ، وهكذا نتوضل إلى أنه ليس صدور أي حكم في الدعوى يرتب إنقضاءها بل لابد من أن تكون هذه الدعوى قد إستنفذت  جميع أطوارها ، وسنتناول بالدراسة هذا الأمر من خلال مطلبين ، الأول يفصل في نوع الأحكام الصادرة والثاني في طرق الطعن في الأحكام.
المطلب الأول : الأحكام القضائية:
تنقسم الأحكام تبعا لوصف الحكم ذاته من حيث نوعها والآليات المتبعة في إصدارها و سنتناول هذه الإحكام كالآتي : 
الفرع الأول : أنواع الأحكام القضائية الصادرة منها : 
إن الأحكام الصادرة عن محكمة الجنايات تقسم إلى أحكام تصدر تبعا لوصف الحكم ذاته ، وهي أحكام حضورية  تصدرفي حضور المتهم ، وأحكام غيابية تصدر في غيبة المتهم , وأحكام حضورية إعتبارية وهي أيضا أحكام صادرة في غيبة المتهم .
أولا: الأحكام الحضورية : 
الحكم الحضوري يعني صدوره في مواجهة أطراف الدعوى أي أن الأطراف كانوا حضور منذ بداية النزاع (1) أي أمام المحكمة ، وتمت جميع الإجراءات بحضور المتهم في الجلسات إلى غاية النطق بالحكم النهائي ، ويتم إصدارهذا الحكم  في جلسة علنية وفي حضور المتهم ،  ويعتبر في مرتبة الحكم الحضوري  جميع الأحكام التمهيدية الصادرة في المسائل العارضة والدفوع ، وكذا الأحكام الصادرة في حق المحلفين المتغيبين عن الجلسة  والشهود الممتنعين عن الشهادة أو أداء اليمين ، وكذلك الأحكام الصادرة في حق الحاضرين بالجلسة لعدم إمتثالهم لأوامر الرئيس وإخلالهم بنظام الجلسة ، أما الأحكام الصادرة في حق المتهم المبعد عن الجلسة بسبب إخلاله بالنظام العام للجلسة فتعتبر أحكام حضورية بسبب تواجد المتهم بمقر المحكمة رغم إبعاده عن القاعة التي تنعقد قيها المحكمة(2).





(1): الأستاذ سائح سنقوقة ، المرجع السابق ، ص82.
(2): المادة 345 (الأمر 69-73 المؤرخ في 16سبتمبر1969) ، والمادتين 347و350 من قانون الإجراءات الجزائية.






47
ثانيا: الأحكام الغيابية :
إن صدر قرارالإحالة إلى محكمة الجنايات ، ولم يحضر المتهم بعد إعلامه يجوز للمحكمة أن تصدر حكما غيابيا في حق المتهم ، أما في حالة ما إذا كان المتهم مقيما 
بالخارج فلا يجوز إصدار حكم عليه في غيابه إلا بعد أن يتم تبليغه قانونا ويكون الإعلام والتبليغ بقرار الإحالة بواسطة ورقة التكليف بالحضور ، وبمحل إقامة المتهم إن كان معلوما ، وذلك قبل شعر من الجلسة المحدد تاريخها مع مراعاة جميع المواعيد ، وإذا لم يتم حضور المتهم يجوز إصدار حكم غيابي في مواجهته ، وبعد أن يتم تبليغه قانونا .
لكن قد يحصل التأجيل في نظر الدعوى المرفوعة أمام المحكمة ، وذلك في حالة حضور المتهم بناء على إعلامه أو تبليغه بقرار الإحالة أو أمر بالتكليف بالحضور ،ثم حضر بعد ذلك أحد أقاربه أو أصدقائه ليقدم عذرا تعتد به المحكمة وتعده مقبولا عن سبب تغيب المتهم،  ولكن إذا لم تعتبره  فإنها تصدر حكما غيابيا ، ولكن قبل صدور هذا الحكم الغيابي تتخذ المحكمة ضده إجراءات التخلف عن الحضور ، و تكون هذه الإجراءات صادرة بأمر من القاضي رئيس الجلسة أو القاضي المعين من قبله ، ، وتمكن هذه الإجراءات من حرمان المتهم من رفع الدعاوى بإسمه ،وكذلك كل تصرف قام به أو إلتزام تعهد به ، كما تجمد المحكمة المختصة والتي تقع في دائرة إختصاصها أموال المتهم  هذه الأموال ، وهذا بوضعها تحت الحراسة القضائية مدة التحقيق في إجراءات الغياب (1) ، ويلي صدور الحكم إجراءات النشر التي ينص عليها القانون ، والتي يباشرها النائب العام ، وهي تتمثل فيما يلي : 
-القيام بنشر الحكم في إحدى الجرائد الولائية التي بها محل إقامة المحكوم عليه .
- يعلق الحكم على باب آخر محل إقامة للمحكوم عليه ، وكذا على لوحة إعلانات مقر المجلس الشعبي البلدي الذي أرتكبت الجناية بدائرته ، وكذا في المحكمة التي أصدرت الحكم (2).
- وتوجه نسخة من الحكم إلى مدير مصلحة الأملاك الوطنية الموجودة بموطن المحكوم عليه المتخلف(3).

(1): المادة 317 الصادرة بالقانون 01-08 المؤرخ في 26 جانفي 2001 ،والمادة 318 الصادرة بالقانون رقم 90-24 المؤرخ في 18 أوت 1990 ، والمادة 325 الصادرة بنفس القانون رقم 90-24 المؤرخ في 18 أوت 1990من قانون الإجراءات الجزائية.
(2): أنظر نص المادة 321 الصادرة بالقانون رقم 01-08 والمؤرخ في26 جانفي 2001 من قانون الإجراءات الجزائية .
(3): الندوة الوطنية للقضاء الجنائي – الديوان الوطني للأشغال التربوية ، ص88.







48
الفرع الثاني : بيانات الحكم الصادر عن محكمة الجنايات :
الحكم المقصود هنا هو القرار الصادر من  القسم الجنائي بالمجلس القضائي ، فيما يخص الدعوى الجنائية ، وبالتالي فهو أهم حكم يصدر من السلطة القضائية ، لما يتميز به من كونه يمثل المرحلة الفصل في الدعوى الجنائية والتي كان من الممكن أن تقف عند حد معين في المراحل السابقة والممثلة في الإتهام أوالتحقيق أو حتى أثناء مرحلة الإستلالات الأولية .
ولأهمية هذا الحكم يجب أن يتمتع بمقومات وجوده من حيث الشكل والموضوع ، والإنجاز والطعن فيه بالطرق المقررة قانونا(1) .
أولا : المداولة لإصدار الحكم النهائي (2):
للفصل في الدعوى العمومية يجب إجراء المداولة بعد إنتهاء المرافعات ، ولكي تكون المداولة قانونية يجب توافر الشروط الآتية :
1- يجب على القضاة الذين باشروا جميع إجراءات الدعوى وسمعوا المرافعات أن يشاركوا في المداولة دون غيرهم من غير المطلعين على كيفية سير المرافعات .
2- يجب أن تتم المداولة في إطار السرية .
3- يجب أن تكون جميع وثائق القضية تحت تصرف المحكمة حتى تتمكن من المداولة في شأنها.
4- يجب إصدار الحكم بالأغلبية في حال تعدد أعضاء المحكمة ، وهوكذلك في محكمة الجنايات ، حيث تتشكل من خمس قضاة ،ثلاث منهم محترفون والآخران قاضيان شعبيان .
5-يجب على المحكمة أن تبني حكمها على الأدلة التي عرضت أمامها وحصلت المناقشة بشأنها، وبالتالي لا يجوز للمحكمة أن تعتمد على دليل لم يطرح أمامها ، كما لا يجوز لأعضائها الحكم بعلمهم الشخصي ، وعليه تدور المداولة حول أمرين :
أ- التهمة :
وتجيب المحكمة على السؤال الرئيسي المطروح حول التهمة الموجهة للمتهم ، ويتم ذلك بالإقتراع السري ، و تتم الإجابة على كل سؤال تم إراده وطرحه ضمن ورقة الأسئلة، وفي حالة الإجابة بنعم على الأسئلة  المتضمنة لموضوع التهمة ، تقوم المحكمة بطرح سؤال يتعلق بالظروف المخففة والذي يلتزم الرئيس بإعداده عند ثبوت الإدانة.


(1): محمد علي سليمان المحامي ، الحكم الجنائي ، دار المطبوعات الجامعية ، ص2.
(2): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ، ص466.







49
ب- العقوبة :
في حالة إجابة المحكمة على الأسئلة بإدانة المتهم ، تنتقل إلى المداولة بشأن تطبيق العقوبة ، وبالتالي لا تطبق العقوبة إلا إذا تمت المصادقة عليها بالأغلبية المطلقة.
أما إذا لم يتحقق هذا ، فإنه تتكرر المداولة من جديد إلى أن يتم الحصول على عقوبة يتفق عليها المتداولون ، وكما يجوز لمحكمة الجنايات الأمر بوقف تنفيذ العقوبة في حالة الحكم بعقوبة جنحية ، ولا يجوز لها إصدار حكم الإعدام إلا بالإجماع بسبب شدة هذه العقوبة .
ثانيا: البيانات اللازم توافرها في الحكم : 
وتوجد ثلاثة بيانات يتضمنها الحكم في فحواه وبصفة عامة ، وهي ما يلي :
1- الديباجة (1): 
وتمثل الديباجة مقدمة الحكم ، وتشمل البيانات المتعلقة بالمحكمة التي صدر عنها الحكم ، وأسماء أعضائها وباقي الهيئة الداخلة في تشكيلها .
2- أسباب الحكم (2): 
إن تسبيب الحكم وإيراد أسباب الإدانة أو البراءة من أهم الضمانات القانونية ، فأسباب الحكم هي تلك الوسائل والأدلة التي بمقتضاها توصلت المحكمة إلى حكمها تطبيقا لمبدأ الشرعية الإجرائية الذي يدعم الثقة في القضاء ،  غير أن مبدأ الشرعية لا يلزم محكمة الجنايات بتحديد أسباب حكمها ، وذلك لأن محضر الإجاية عن الأسئلة يعد في حد ذاته التسبيب الكافي ، وفي هذا تعقيد لوظيفة الرقابة من المحكمة الأعلى درجة وهي المحكمة العليا حين آدائها لدورها في مراقبة قانونية الحكم .
ويجب أن يتضمن الحكم الحيثيات المستوجبة للعقوبة والظروف التي أحاطت بها ، والإشارة إلى النص القانوني الذي ينطبق على الواقعة ، وكذلك الأدلة التي يجب أن تكون واضحة ومقبولة ، والإشارة أيضا إلى موقف المحكمة من الطلبات والدفوع .
3- منطوق الحكم (3): 
منطوق الحكم هو ذلك القرار الذي إتخذته محكمة الجنايات للفصل في الدعوى ، ويجب أن بكون منطوق الحكم هذا مطابقا لما نطق به القاضي (رئيس المحكمة ) في الجلسة العلنية ، وكما يجب أن لا يكون متعارضا مع لأسباب الحكم .

أما إذا أغفل الحكم هذه البيانات فإنه يكون معيبا ، ويترتب على ذلك البطلان .


(1): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع السابق ، ص469.
(2): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع نفسه ، ص470.
(3): أحمد شوقي الشلقاني ، المرجع نفسه ، ص469.

تعليقات