القائمة الرئيسية

الصفحات



جريمة الإهمال الواضح

جريمة الإهمال الواضح

جريمة الإهمال الواضح



الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة العدل

 المدرسة العليا للقضاء
مديرية التربصات



                                مذكرة التخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء     
تحت عنوان:
                                                                                                             





               مجلس التربص :                                                             من إعداد الطالب القاضي:
          مجلس قضاء مستغانم                                                            قطاف حفيظ  


الدفعة الرابعة عشر 2003- 2006



مقدمـــــــــــــــــة

               الفصل الأول: عموميــــــــات حول جريمة الإهمال الواضح.
         المبحث الأول: مـاهية جــــريمة الـــواضح.
المطلب الأول: التطور التـــاريخي لجريمة الإهمال الواضح..
المطلب الثاني: مفـــهوم جريمة الإهمــال الواضح..
        المبحث الثاني : طبيعة المصــــالح محل الحماية الجزائية في جريمة الإهمــال الواضح والمسؤولية المترتبة عن الإخلال بها .
المطلب الأول: المصالح محل الحماية الجزائية في جريمة الإهمــــــال الواضح..
المطلب الثاني : طبيعة المسؤولية المترتبة عن الإهمــــال الواضح .
               الفصل الثاني: أركـــــــــــان جريمة الإهمال الواضح.
         المبحث الأول: الركــــــــن المفترض.
المطلب الأول: طبيعـــة صفة الجاني في جريمة الإهمال الواضح
المطلب الثاني : الأسبــــاب التي أدت إلى التعديلات المذكورة على نص المادة 119 والتي انعكست إحكامـــــها على المادة 119 مكرر .
المطلب الثالث: أثـــــر انتفاء الصفة المطلوبة وفقا للمادة 119 مكرر في قيام جريمة الإهمال الواضح.
         المبحث الثاني: الركــــــــن المادي.
المطلب الأول: السلـــوك الإجرامي ( الإهمال الواضح )
المطلب الثاني: محــــــــل الجريمة.
المطلب الثالث: النتيجــــــة ( حصول ضرر مادي )
المطلب الرابع: العلاقة السببية بين الإهمــــــال الواضح والضرر الحاصل
           المبحث الثالث: الركـــــــن المعنوي
المطلب الأول: تطوّر الركن المعنوي في جريمة الإهمــــال الواضح
المطلب الثاني:الخطأ غير العمدي في جريمة الإهمال الواضح
المطلب الثالث: معيار تحديد وجود الإهمـــــال الواضح من عدمه.
                 الفصل الثالث: قمع جـــــريمة الإهمال الواضح.
         المبحث الأول: المتابـعة فــــــي جريمة الإهمــال الواضح.
المطلب الأول: إشكالية الشكوى في جريمة الإهمــــال الواضح
المطلب الثاني: شروط الشكوى في جريمة الإهمــــال الواضح
المطلب الثالث: أهم الملاحظات التي تثيرها الفقرة الثالثة والرابعة من المادة 119 التي أحالت عليها المادة 119 مكرر بشان المتابعة الجزائية
         المبحث الثاني:الجزاء في جريمة الإهمال الواضح
المطلب الأول :عقوبة الحبس والغرامة في جريمة الإهمال الواضح
المطلب الثاني:مدى فعالية العقوبة المقررة في جريمة الإهمال الواضح
خاتمـــــــة

مقدّمــة:

         تعدّ الجريمة الاقتصادية من بين الجرائم التي تثير اهتمام المشرع نظرا لارتباطها المباشر بالأمن الداخلي للدولة ولمساسها بالمقومات الاقتصادية والاجتماعية التي يقوم عليها نظام المجتمع.
         فلهذه الأسباب دأب المشرع على محاربة هذا النوع من الجرائم إلا أنه لم يسلم من الانتقادات نظرا لقصور النصوص القانونية على ضبط سياسة جزائية كافية للإلمام بهده الجرائم، مما انعكس سلبا على العمل القضائي، ولذلك ومحاولة من المشـرع على ضوء هذه الانتقـادات تم إدخـال عدة تعديـلات على قانون العقوبـات آخرهـا التعديـل المـؤرخ فـي 26-06-2001 والذي أضاف في هذا المجال مواد مكررة للمادة 119 وإلغاء مواد أخرى.
         ومن بين هذه المواد المضافة، نجد المادة 119 مكرر التي حاول من خلالها المشرع التشديد في التزام الأشخاص المنوط بهم مهام الدولة للمحافظة على المال العام والخاص فنصت على أنه: " يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من50.000 دج إلى200.000 دج كل قاض أو موظف أو ضابط عمومي أو كل شخص ممن أشارت إليهم المادة 119 من هذا القانون تسبب بإهماله الواضح في سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقامها أو وثائق أو سندات أو عقود أو أموال منقولة وضعت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها."
         وفي الحقيقة أن مثل هذه التعديلات جاءت لتغطي النقص وتزيل اللبس الذي كانت تنطوي عليه النصوص القديمة لاسيما وأن أغلبها تضمن جرائم لم تعد صالحة في وقتنا الحاضر كجريمة التخريب الاقتصادي وجريمة المساس بالمصالح العليا للأمة، حيث أن أغلبها كان يعكس الإيديولوجية المتبعة من سنة 1962 إلى 1989.
         وقد كانت لمثل هده الجرائم خصوصية من حيث المحاكمة ومن حيث الطبيعة الجرمية لها إلا أن مفاهيمها تغيرت وأصبحت تعد من جرائم القانون العام تخضع لاختصاص القاضي العادي، تحت تكييفات مختلفة، مع إضافة نصوص ملحقة بها لتجريم الأشكال الجديدة لبعض الأفعال التي تمس بالمال العام أو الخاص ملحقة الضرر به ومن ذلك تجريـم الإهـمال الواضح الصادر من الموظف أو من في حكمه أو القاضي أو الضابط العمومي في المحافظة على المال العام والخاص الموضوع تحت حيازته.
         ولعلّ هذه الإضافة القانونية جاءت لكون أن أغلب الجرائم الاقتصادية كان يشترط فيها العمد، وهو ما سمح في انتشار واسع لجرائم الإهمـال غيـر العمـدية ، التي كان لها دور كبير في الإضرار بالأموال العامة أو الخاصة. الامرالذي انعكس سلبا في تعامل القضاء معها لقصور نطاق التجريم غير العمدي في قانون العقوبات الجزائري.
         ولأجل تجاوز هذه النقائص أدرج المشرع هذه النصوص في قانون العقوبات لغلق الباب أمام الانتقادات الموجهة إلى النصوص التشريعية وكذا مسايرة التطورات الحاصلة التي عرفها المجتمع الجزائري ويظهر ذلك منذ خلال:
1.   إلغاء الأحكام المتعلقة بجريمة التخريب الاقتصادي وكذا تلك الماسة بالمصالح العليا للأمة.
2.   تغيير التكييف القانوني لبعض الجرائم من جناية إلى جنحة تخفيفا من عبء أحكامها.
3.   عدم اشتراط القصد الجنائي في جريمة الإهمال الواضح، بحيث أصبح يكفي وجود عنصر الخطأ بتوفر الإهمال.
4.  تدعيم الضمانات الممنوحة لمسيري المؤسسات لا سيما من حيث المتابعة الجزائية.
ولما كان اهتمام المشرع هو تشديد الرقابة في حماية الأموال العامة والخاصة من الإضرار بها نتيجة الإهمال الواضح من القائمين عليها، فإن ما يهم في إطار موضوع بحثنا هو معالجة الإهمال الواضح كجريمة اقتصادية غير عمدية لا يختلف رجال القانون على أهمية دراستها وذلك نظرا للانتشار الرهيب في السلوكيات المضرّة بالمال العام أو الخاص والناتجة عن عدم الحرص واللامبالاة التي تكرست خلال العشرية الماضية. كما أنها  لم تحظ بالعناية الكافية من البحث والتحليل سواء من طرف رجال القانون أو القضاة أو الفقهاء، مما أدى إلى تطبيق أحكامها بصورة غامضة ساعدت على التجهيل بالجريمة أكثر من التعريف بها،وهذا بالرغم من صلتها بالمصلحة العامة.

         ومن هذا المنطلق فان أهم الإشكاليات والمسائل التي تطرحها جريمة الإهمال الواضح تظهر من خلال مايلي:
  - كيف ظهرت جريمة الإهمال الواضح وما هي مبررات المشرع من تجريم هذا الفعل؟
  - ما التعقيدات التي تثيرها العناصر والأركان المكونة لجريمة الإهمال الواضح؟  
  - كيف عالج المشرع هذه الجريمة من ناحية العقوبة؟  وما مدى فعاليتها؟
       بناءا على ذلك ستتّم دراستنا لهذا الموضوع على أساس تقسيم الخطة إلى ثلاثة فصول:
                 نعالج في الفصل الأول عموميات حول جريمة الإهمال الواضح من خـلال مبحثيــن،
في المبحث الأول ندرس ماهية و مفهوم جريمة الإهمال الواضح، أما المبحث الثاني فنخصّصه لبيان أنواع المصالح  المراد حمايتها من الإهمال الواضح، و كذا معالجة طبيعة المسؤولية التي ترتّبها هذه الجريمة.
         أما في الفصل الثاني فنتطرّق إلى تفصيل أركان جريمة الإهـمال الواضح على أساس ثلاثة مباحث حيث نعالج في المبحث الأول الركن المفترض و ما يطرحه من إشكالات تتعلّق بصفة الجاني و كذا دراسة الأثر المترتب عن انتفاء هذه الصفة في قيام الجريمة،و في المبحث الثاني نتطرّق إلى الركن المادي بجميع عناصره من السلوك الإجرامي، محل الجريمة، النتيجة والعلاقة السببية، و في المبحث الثالث نتطرّق إلى الركن المعنوي موضّحين طبيعة هذا الركـن في هذه الجريمة.
أما في الفصل الثالث والأخير نتناول قمع الجريمة، حيث نخصّص المبحث الأول للمتابعة، و المبحث الثاني نبيّن فيه الجزاء وتقدير مدى فعاليته.


الفصل الأول: عموميات حول جريمة الإهمال الواضح


        من الملاحظ مبدئيا أن دراسة جريمة الإهمال الواضح المتسبّب في إلحاق ضرر بالأموال العامة والخاصة لم يتطرق إليها الباحثون بشكل مستفيض سواء من حيث تحديد ماهيتها التاريخية أو إبراز مفهومها إلا أنه ببحث خلفيات هذه الجريمة نجد أنها قد وردت تحت تسميات اصطلاحية مختلفة، لتصل إلى ما هي عليه في المادة 119 مكرر الجديدة.
        وسنقوم بمعالجة ماهية جريمة الإهمال الواضح من خلال إعطاء نبذة تاريخية عن تطور هذه الجريمة منذ الاستقلال إلى يومنا هذا وبإبراز أهم المفاهيم المتعلقة بها لنصل في الأخير إلى بيان طبيعة المصالح المحمية في جريمة الإهمال الواضح وكذا تحديد المسؤولية المترتبة عنها.

المبحث الأول:ماهية جريمة الإهمال الواضح

        لجريمة الإهمال الواضح المنصوص عليها في المادة 119 مكرر من قانون العقوبات أبعاد تاريخية ومفاهيم متعددة يمكن حوصلتها فيما يلي:

المطلب الأول: التّطور التاريخي لجريمة الإهمال الواضح
        لقد استمد المشرع الجزائري  أحكام جريمة الإهمال الواضح من قانون العقوبات الفرنسي الجديد في مادته 432 فقرة 16 التي تنص على أنّه:
« Lors que la destruction, le détournement ou la soustraction par un tiers des biens visés à l’article 432-15 résulte de la négligence d’une personne dépositaire de l’autorité publique ou chargie d’une mission de service public, d’un comptable public ou d’un dépositaire public, celle-ci est punie d’un an d’emprisonnement et de 100.000F d’amende. »

        وبالرجوع إلى المادة 432-15 نجدها تنص على أنه:

 « Le fait, par une personne dépositaire de l’autorité publique ou chargée d’une mission de service public, un comptable public, un dépositaire public ou l’un de ses subordonnés, de détruire, détourner ou titres en tenant lieu, ou tout autre, ou des fonds publics ou privés, ou effets, pièces ou titres en tenant lieu, ou tout autre objet qui lui a été rernis en raison de ses fonction an de sa mission, est puni de dix ans d’emprisonnement et de 1000.000F d’amende.

La tentative du débit prévu à l’alinéa qui précède est punie des mêmes peines »(1)

 لكن تبقى الآليات التي تحكم هذه الجريمة في التشريع العقابي الجزائري هو التطورات الاقتصادية والاجتماعية والإيديولوجيات المنتهجة التي عرفتها الجزائر بدءا من الاستقلال إلى المرحلة الآنية.

الفرع الأول : جريمة الإهمال الواضح في المرحلة ما بين 1962 إلى سنة 1975.
        تم تمديد العمل بعد الاستقلال بالقانون الفرنسي الذي كان سائدا أثناء الاحتلال إلا ما تعـارض منه بـالسيادة الـوطنية، وذلـك بمـوجب قانـون رقـم 62/175 المـؤرخ في 21/12/1962، لكن نظرا لاستفحال الاستنزاف المالي في دواليب المؤسسات الاقتصادية والإدارية وتأثير ذلك على الأمن الداخلي وظهور سلوكيات استحال عقابها رغم مساسها بالمصلحة العامة، تم اعتماد قانون بتاريخ 27/01/1964 لمعالجة ذلك، إلا أنه تبين قصوره لقلة العقوبات وثقل الإجراءات التحقيقية، فصدر الأمر66/180 المؤرخ في 12/01/1966 والمتضمن إنشاء محاكم خاصة بقمع الجرائم الاقتصادية، والذي كان يتميز بسرعة الإجراءات وشدة العقوبات التي كانت مابين 03 سنوات  حبس إلى الإعدام.
        أما تشكيل المحاكم فتميز بطابعه الشعبي وكذا اعتماد إجراءات استثنائية، كغياب الطعن ضد أعمال وقرارات النائب العام الذي كان يمـلك سلطـة إصـدار العـديد من الأوامر القضائية قبل إخطار قاضي التحـقيق، كما يضـاف إلـى ذلك الـنص صراحـة
 

1 -  l’article 432-16 du code pénal s’applique comme l’art, 173 anc c. pén. à un notaire qui décrit un acte sans seing privé qui lui avait été réunis au communiqué à raison de ses fonctions l’officier public ne peut s’exonérer de ses responsabilités pénal qui encourt qui en rapportant la preuve du consentement de toutes les parties en causes à la destinctions de l’acte. Crime 11 oct 1994.
Bull. crim n 323. Dalloz 1995.96 code pénal (nouveau code pénal – ancien code pénal.أنظر:

على رجعية القوانين العقابية على مثل هذه الجرائم، ومما زاد في قساوة أحكامه هو ما جاءت به المادة الأولى منه على: " أن هذا القانون يهدف إلى قمع الجرائم التي تمس بالأملاك الوطنية والخزينة العامة والاقتصاد الوطني والتي ترتكب من طرف الموظفين وأعوان الدولة ومسيري المؤسسات العمومية والجماعات المحلية والشركات الوطنية...الخ "، أي أنّ هذا النص كان يمس بقدر كبير الموظفين ومن في حكمهم الذين يأتون بأفعال إيجابية تضر بالمال العام كالاختلاس فقط دون جرائم سوء التسيير الأخرى.
        ونظرا لذلك فإن جريمة الإهمال الواضح لم يكن لها وجود إلا بعد إلغاء نصوص الأمر 66/180 في سنة 1975 وإعادة إدماجها في قانون العقوبات.

الفرع الثاني: تأثير النهج الاشتراكي على ظهور جريمة سوء التسيـير مـن سنة 1975 إلى 1988.

        بمقتضى الأمر رقم75/47 المؤرخ في 17 جوان 1975 المعدّل والمتمّم للأمر 66/156 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات أدخلت تعديـلات هامـة على التشريع المتعلق بالجرائم الاقتصادية وإدماجها في قانـون العقوبـات تحـت عـنوان: " الاعتداءات الأخرى على حسن تسيير الاقتصاد الوطني"(1)، والتنصيص عليها في المواد من 418 إلى 428 مع إضافة المادة 119، ولعل المتتّبع لهذا الإصلاح يجده جاء مجسّدا للإيديولوجية الاشتراكية التي كانت سائدة آنذاك، وكمحاولة من المشرع التخلي عن الطابع الاستثنائي لهذه الجرائم وجعلها تتميز بالدّيمومة والاستقرار ضمن قانون العقوبات.
        وعند الرّجوع إلى أحكام هذه المواد فإننا نلاحظ مدى عناية المشرع بالفكر الاقتصادي الاشتراكي وحمايته له، من خلال تجريم أيّ إخلال يؤدي إلى التخفيض من القدرة الإنتاجية أو المساس بالأمن الاقتصادي، وفي هذا الصدد ودرءا للقصور الذي شاب النّصوص السابقة أحدث المشرع بمقتضى القانون 88/04 المؤرخ في 13/02/1988 المعدل والمتمم لقانون العقوبات المادة 421 التي كانـت تنص علـى أنـه:" يعاقب بالحبس مـن شـهرين إلـى 05 سـنوات و بغــرامة تتـرواح مــن 2000 إلى 10.000دج
 

1 – أكمل هذا العنوان بإضافة المؤسسات العامة، وذلك بمقتضى القانون المعدل لقانون العقوبات لسنة 1988
كل من أحدث أثناء التسيّير بسبب إهماله البالغ والظاهر، ضررا مباشرا وهاما بأموال الدولة أو بإحدى المؤسسات المشار إليها في المادة 119 من القانون المذكور.
       ويعاقب بالحبس من شهريـن إلـى سنـتين وبغرامـة تتـراوح مـن 2000دج إلى 10000دج كل من في ظروف صادرة عن إرادته، يترك للضياع أو التلف أو التبديد، أموالا أو أدوات أو منتوجات صناعية أو فلاحية أو موادا أو قيما تملكها الدولة أو إحدى المؤسسات المشار إليها في المادة 119."
        إلا أنه بمقتضى القانون المذكور أعلاه تم تعديل هذه المادة والاحتفاظ بالفقرة الثانية فقط، وقد اعتبر كثيرا من رجال القانون آنذاك أن هذا التعديل كان من شأنه طمأنة المسيّر ليتخذ المبادرة دون أي تخوف، مادام يعمل في إطار القوانين والتنظيمات لا سيما وأنه جاء واسعا متّجها نحو كل من كان له الاختصاص وأهمل المال العام دون أن يتقيد بمن يكون مكلفا بالتسيّير كما كان عليه الأمر من قبل.
وعلى هذا الأساس أصبحت المادة المذكورة أعلاه تعاقب كل من يسيء التسيّير(1) وذلك ضمن شروط معينّة وهي:
1.  أن يكون محل الجريمة مال عام والجاني مسيّرا.
2.  أن يمس بهذا المال ضرر هام يكون نتيجة للإهمال الخطير والبالغ.
الفرع الثالث: المرحلة ما بين 1988 إلى غاية سنة 2001.
 لإدخال تعديلات تتماشى أكثر والإصلاحات الاقتصادية صدر قانون 88/26 المؤرخ في12-07-1988 الذي كان من أبرز نتائج تطبيقه الإلغاء الكلي لجريمة سوء التسييّر من المادة 421، مع الإبقاء على بعض أحكامها بصورة غير مباشرة في المادة  422.
 

1 – نظرا للصياغة الغامضة التي جاءت بها هذه المادة، تم تطبيقها من طرف القضاة بصورة غير واضحة، كما أن النقاش الفقهي الذي ثار بشأنها ورفض المسيرين لها أدى بالمشرع إلى إلغائـها كليـا بالقانـون 88-26 المؤرخ في 12/08/1988.


وما يلاحظ على هذه المادة الأخيرة المذكورة أعلاه هو تأكيدها على الطابع العمدي لجريمة ترك الأموال للضياع، وهو مالا يستقيم بحيث لا يمكن الجمع بين عبارتين متناقضتين فالترك سلبي والتعمد إيجابي، ممّا جعل الممارسة القضائية تكرس ذلك حيث ذهبت مذهبا مغايرا واعتبرت جريمة سوء التسيير المنصوص عليـها في المادة 422 جريمة غير عمدية(1) ، وما ساعد على ذلك هو المشرع نفسه عندما نص على تناسب العقوبة والوصف الجزائي للجريمة مع جسامة الضرر بحيث إذا تجاوزت قيمة مليون دينار جزائري تتحول إلى جناية، الأمر الذي أدى بالقضاة اللجوء تلقائيا إلى تعيين خبراء لتقدير جسامة الأضرار اللاحقة بالأموال العامة ،ومن ثم استخلاص القصد الجنائي على أساس ثبوت الضرر بدل إثبات القصد الجنائي من تصرفات المتهم.
ونتيجة للانتقادات الدائمة الموجهة للنصوص المتعلقة بالجريمة الاقتصادية، وكذا نتيجة لتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى مرّ بها المجتمـع الـجزائري في السنوات الأخيرة، قام المشرع بإجراء تعديلات وإضافات جديدة لقانون العـقوبات، كان من بينها ما جاء به قانون 01/09 المعدل والمتمم الذي أضاف المادة 119 مكرر ضمن الفصل المتعلق بالجرائم ضد السلامة العمومية.
ويبقى ما يميز النص الجديد ( 119 مكرر) عن المادة 422 الملغى هو أنه:
* أصبحت جريمة الإهمال الواضح جريمة غير عمدية، يكفي فيها توفر عنصر الـخطأ.
* اعتبار هذه الجريمة جنحة في كل الأحوال مهما كانت جسامة الضرر اللاحق بالأموال العامة أو الخاصة.
وبعد هذا العرض الموجز لتطور جريمة الإهمال الواضح فإنه يستوجب قبل بحث أركانها إعطاء تعريف لها وفق ما جاء به الفقه والقضاء والتشريع حتى يتسنى لنا حصر الإطار العام لها.
 

1 – راجع: الدكتور أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص، الجزء 02، دار هومة، طبـعة 2004، ص 27.


المطلب الثاني: مفهوم جريمة الإهمال الواضح


عند استقراء النصوص التي وردت فيها فكرة الإهمـال نجـد أن المشـرع أورده في عدد من الجرائم العمدية وغير العمدية، فعالجه دون أن يضع قاعدة عامة تسري على كل الحالات وأهمها هي: جريمة القتل الخطأ ( م 288) الجرح الخطأ (289-442/ف2)، جريمة الإهمال التي يرتكبها الأمين أو الحارس والتي تؤدي إلى الكشف عند سر من أسرار الدفاع الوطني (م66/ف3)، جريمة إهمال المسؤولين عند حراسة المسجونين والتي يترتب عنها هروب المساجين أو تسهيل هروبهم (م190)، جريمة الأمين العمومي الذي يتسبب بإهمـاله في تشويه أو إتلاف أو تبديد أو انتزاع الأوراق أو السجلات المحفوظـة أو أفـلام الكتـاب أو المستودعات العمومية، أو المسلمة إلى أمين عمومي بهذه الصفة(م 159) الخ.             
وتبقى جريمة الإهمال الواضح المؤدي الى الحاق الضرر بالمال العام والخاص ، المنصوص عليها في المادة 119 مكرر من بين أهم الجرائم التي تتكلم عن الإهمال وباعتبارها موضوع دراستنا فإننا سنحاول تقريب معنى الإهمال المنصوص عليه في المادة أعلاه تبيانا للمعنى وتوضيحا للمجهول.

الفرع الاول : التعريف اللغوي للإهمال الواضح
        
الإهمال من فعل أهمل بمعنى أغفل وتهاون وقصّر، ونقول أهمل الشيء تركه ولم يستعمله، وأهمل أمره أي لم يحكمه ،وأهمل فلانا لم يعن به، ونقول أهمل الفرصة أيّ أضاعها، وهناك الإهمال البسيط négligence simple manifestes والإهمال الجسيم négligence grave، أما الواضح فمن الوضوح وتعني ظاهر وجليّ وأكيد أي يمكن إدراكه، والإهمال الواضح يعني الامتناع عن إتيان الواجبات امتناعا مؤكّدا وظاهرا.

وفي قاموس المصطلحات القانونية يعرّف الإهمال بأنه التخلي الإرادي عن حق أو التزام. كما عرّف بأنه خطأ غير مقصود مؤداه أن لا يفعل المرء ما كان يجب عليه أن يفعله، ويختلف الإهمال عن الاستنكاف في القيام بفعل أو بعمل كرفض الإغاثة...الخ، كما أن الإهمال على درجات لأنه يختلف عن الفعل السلبي الخاطئfaute par omission  حيث عنصر القصد أقل وضوحا وأهمية منه في الإهمال. (1)

الفرع الثاني: التعريف الفقهي لفكرة الإهمال الواضح   
يكاد يجمع الفقهاء على أن فكرة الإهمال تعدّ صورة من صور الخطأ الغير العمدي، وتعرّف بأنها: " حصول الخطأ بطريق نتيجة لترك واجب، أونتيجة الامتناع عن تنفيذ أمر ما، ومثاله ذلك الشّخص الذي يهمل في رعاية طفل بعهدته فيؤدي إهماله إلى وقوع الجريمة أو من يهمل في وضع مصباح أو أي إشارة تنبّه المارة لحفرة حفرها بجانب الطريق إذا أدى ذلك إلى وقوع أحد الأشخاص فيها."
* ويعرفه الدكتور معوض عبد التواب بأنه إخلال الجاني بواجبات الحيطة والحذر اللازمين لتجنب الإخلال بحقوق الغير."
* ويعرفه الدكتور مأمون سلامة: " الإهمـال في جوهره هو سلـوك سلبي مفاده عدم الالتزام بالحيطة والحذر الواجبين، فالشخص الحذر هو الذي يتصرف بانتباه لعدم إضراره بمصالح وحقوق الغير".
* كما يعرفه من الأستاذين: Froncis le cumelvu و Frédéric Desportes
« La négligence implique le non respect d’une certaine discipline quelconque le personne négligente fait preuve d’indiscipline car elle néglige de prendre les pré contions, elle néglige d’une telle norme qu’elle aurait normalement du respecter. »




        
1 – Dictionnaire juridique français – Arabe par Ibrahim Nadjar Ahmed – Zaki Badaoui –Youcef Abdellah. Librairie delidan         

الفرع الثالث: التعريف القضائي و القانوني للإهمال الواضح
        
باعتبار جريمة الإهمال الواضح حديثة العهد فإنه لا يوجد قرارات أو اجتهادات للمحكمة العليا تعرف أو تبيّن موقفها من تطبيق نص المادة 119 مكرر، وهذا الأمر لا يقتصر فقط في الاجتهاد القضائي الجزائري بل كذلك الشأن في فرنسا، ومن ثم يصعب إيجاد تعريف قضائي لجريمة الإهمال الواضح.
         ومهما كان فإنه ورد معنى ومضمون الإهمال في إحدى القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى ومثالها القرار الصادر في 24/12/1981 بشأن القضية رقم 25413 الذي جاء في
إحدى حيثياته بما يلي: " وحيث عاين القرار المطعون فيه أن المسمى (ش.ع) لم يتخذ الاحتياطات الضرورية واللازمة حين رجوع الشاحنة للاطلاع على حالة فساد حمولتها وإخباره على الأقل الإدارة.
         وحيث ظهرت إهمالات أخرى أيضا حصلت معاينتها في الشاحنة التابعة لوحدة الإنتاج لعنابة المتمثلة في الخلل في صناعة الحليب الموجه للشحن والتسويق مع انعدام الوثائق الإدارية العادية المرفقة بالبضاعة.
         حيث نتيجة لهذه المعاينات يستخلص أنّ المدعي بصفته المسير لوحدة الحليب كان السبب في الإهمال المكشوف والخطير الذي ترتب عنه الضرر المباشر للمؤسسة التابعة للدولة." ( أنظر الملحق)
         كما أثير في أحد الطعون بالنقض أمام المجلس الأعلى خرق المادة 421 من قانون العقوبات: " أن الإهمال الخطير لا يمكن اعتباره إلا بعد توجيه تحذير أو إنذار، أو عند وجود تقصير أو اللامبالاة أو قصد الأضرار عمدا وهذه لا تثبـت إلا بمعاينـات قطعـية من طرف القضاة."
         إلا أن المجلس الأعلى رفض هذا الوجه كونه غير مؤسس من دون أن يرد عليه حيث مما جاء فيه: " حيث يستخلص من القرار المطعون فيه أن المدعي كان مديرا للتعاونية وسلّمت له كمية كبيرة من الموز، وعوض عرضهـا للبيـع فضّـل خزنها في مكان غير ملائم لحفظها فـكان مصيرهـا التلف مـما تسبب فـي خسـارة عظمى  للتـعاونية.   
وحيث أن مجلس قضاء سطيف شخص هذه الجريمة بالإهمال الخطير المنصوص عليه في المادة 421 من قانون العقوبات فإن الوجه المشـار أعـلاه يستبعد " (1)
         وتبقى هذه القرارات صادرة في ظل المادة 421 الملغاة إلا أنهـا تبـقى صالـحة في تبيان معنى الإهمال المنصوص عليه في المادة 119 مكرر محل الدراسة.حيث يمكن على ضوء ذلك أن نعرفه:"بعدم اخذ الاحتياطات اللازمة لمنع الضرر عن المال العام."
         أما من الناحية القانونية فإن المحلّل لنص 119 مكرر قد يعتقد أنها تكرّس للمسؤولية عن فعل الغير، وذلك من زاوية قيام مسؤولية الموظف وممّـن فـي حكمـه أو القاضـي أو الضابط العمومي عن السرقة أو الاختلاس أو التبديد الذي يقوم به الغير الأجنبي مساسا بالأموال العامة أو الخاصة التي تكون موضوعة تحت يده، وهذا لا يستقيم بأي حال وذلك لأن الموظف
ومن ذكر آنفا لا يسأل عن فعل الغير وإنما يسأل عند إهماله وتهاونه في القيام بواجب الرقابة والحرص لمنع أي فعل من شأنه أن يلحق ضررا بهذا المال، وهذا يقتضي منه اتخاذ التدابير اللازمة كمثل تلك التي يتخذها للمحافظة على ماله الخاص والشخصي.
 وبتحليل نص المادة 119 مكرر يمكننا أن نستشف التعريف التالي: " الإهمال هو كل  إخلال وتقصير من  الموظف أو القاضي أو الضابط العمومي أو ممن حددته المـادة 119 من قانون العقوبات في القيام  بواجبات الرقابة والحرص على الأموال العامة أو الخاصة مما يؤدي إلى إلحاق ضرر مادي بها سواء بتعريضها للسرقة أو الاختلاس أو التلف أو الضياع." (2)
         وعلى هذا الأساس فالموظف ومن في حكمه يقوم هنا بسلوك سلبي تجاه ما تفرضه عليه السلوكيات الوظيفية التي يشغلها والمحددة قانونا،  مما يعني أن جريمة الإهمال الواضح تعتبر من جرائم الامتناع لإحجام الأشخاص المذكورين عن إتيان مـا يأمـر بـه القانون في المحافظة والحرص على هذا المال .
 

1 – قرار مؤرخ في 27/11/1980، صادر في القضية رقم 20966، الغرفة الجنائية الثانية. ( أنظر الملحق ).
2 – وقد ورد في المشروع التحضيري لتعديل قانون العقوبات 01 – 09 في ما يخص المادة 119 مكرر، أن هذه الجريمة هي جريمة جديدة تم إدراجها من اجل محاربة الإهمال الذي تفشى في دواليب المؤسسات والهيئات التابعة للدولة، مما يضرّ بالمال العام.

المبحث الثاني: طبيعة المصالح محل الحماية الجزائية في جريمة الإهمال الواضح والمسؤولية المترتّبة عن الإخلال بها.

         أورد المشرّع المادة 119 مكرر لتحقيق الحماية لمصالح معينّة تمتاز بارتباطها بالصالح العام وذلك بدرء الضرر عنها، كما أنه رتّب في ذمة الجاني مسؤولية مزدوجة إحداها مسؤولية جزائية أشارت إليها المادة السالفة وأخرى تأديبية تضمّنتها النّصوص المتعلّقة بالوظيف العمومي.

المطلب الأول: طبيعة المصالح محل الحماية الجزائية في جريمة الإهمال الواضح
         إن الغاية الأساسية من التجريم هو محاربة ما يعتبر سلوكا غير مألوف بغرض إعادة تقويمه لتحقيق التوازنات التي يقوم عليها نظام أيّ مجتمع وذلك بحماية المصلحة أو الحق أو الشيء أو المركز القانوني من الاعتداء  عليه بإلحاق الضرر به.
         وبالرجوع إلى جريمة الإهمال الواضح يتبين أنّ المشرع جرّم فعل الإهمال الواضح المرتكب من طرف الأشخاص المذكورين في المادة 119 مكرر حماية لمصالح مباشرة وظاهرة وأخرى غير مباشرة ومستترة.

الفرع الأول: المصالح المباشرة و الظاهرة (1)
         إنّ المتمعّن لنص المادة 119 مكرر يستشف أنّ المشرع جرّم فعل الإهمال الواضح منعا للإخلال بالثقة الموكولة للأشخاص المذكورين في المادة أعلاه وتجنّبا لإلحاق الضرر بالأموال العامة أو الخاصة لما ينعكس سلبا في زيادة أعباء الدولة والتزاماتها.
         وعلى هذا الأساس فإننا نعتبر أن صيانة المال العام أو الخاص وتفعيل الثقة الوظيفية هما من أهم المصالح المباشرة التي أراد المشرع من خلال نص المادة 119 مكرر حمايتهما.


 

1 – يقصد بالمصالح المباشرة والظاهرة هي تلك المصالح التي تظهر من خلال القراءة السطحية للمادة 119 مكرر، أي تفهم من خلال حرفية النص وعباراته.

أولا: صيانة الأموال العامة أو الخاصة من الإضرار بها
         يعدّ  الحفاظ على المال العام وكذا المال الخاص الذي أضيف بعد التعديل الأخير أحد المصالح العامة التي ما دأب المشرع يشدد الجزاء في حالة الإضرار بها، سواء نتيجة إهمالها وعدم المحافظة عليها أو نتيجة اختلاسها وتبديدها، ولعل السبب في هذه الحماية يرجع أساسا لما لهذه المصالح من دور كبير في التكوين القاعدي المالي للدولة وأجهزتها وللمؤسسات الخاضعة للقانون العام.
         والمشرع ذهب أبعد من ذلك عندما نص على المادة 119 مكرر ضمن القسم الخاص بالجنايات والجنح ضد السلامة العمومية حيث أن دلّ ذلك فإنما يدل على معنى أوسع وأشمل وهو حماية المصلحة العامة كون الانتفاع بها غير مخصوص وإنما يمس عامة أفراد المجتمع وبالتالي كان من المفروض توفير مثل هذه الحماية.
ثانيا:حماية الثقة في أعوان الدولة (1)
         من المعلوم أنّ القانون يشترط فيمن يتولى الوظائف العامة أو القضاء أو من يتولى القيام بمهمة من مهام الدولة، أن تتوفر فيه صفتا الحيطة والحرص، لأنه يمثل الدولة وأجهزتها أمام عامة الأفراد، فلذلك جاءت أغلب القواعد السلوكية المنظّمة لكل نشاط أو مهنة تفرض على المخاطبين بها السعي إلى كسب ثقة الجمهور في عدالة الدولة وحيادها وشرعية أعمالها، وهذا لن يتأتّى إلا بتجنّب الإهمال في القيام بالمهام المنوطة بكل واحد لأن عكس ذلك سينجر عنه حتما الإضرار بالمصالح التي عمل المشرع على حمايتها والزيادة في اتّساع الهوة بين الحاكم والمحكوم، لا لشيء إلا لأن هذا الأخير وجد أن المكلفين بمهام الدولة ليسوا أهلا لها، فتتزعزع الثقة بأعوانها مما يدفع بالنتيجة إلى نتائج وخيمة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
         وعليه فأن ثقة المواطن بأعوان الدولة سيحقق لها ولأجهزتها ولمؤسساتها هيبتها واستقرارها.


 

1 – يقصد بأعوان الدولة هنا جميع الأشخاص المذكورين في المادة 119 مكرر والمادة 119 من قانون العقوبات.


الفرع الثاني: المصالح غير المباشرة(1)
         لقد ذكرنا سابقا أن الجرائم الاقتصادية تلعب دورا كبيرا في تهديد أمن الدولة الداخلي وتمزيق مقوّماتها الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يترتب عنه نتائج جسيمة قد تدخل البلاد في دوامة اللا استقرار.
ونحن نعرف أنّ أي نهضة اقتصادية تتطلب بالضرورة وجود موارد مادية تتمثل أساسا في الأموال وموارد بشرية تحسن التدبير والتسيير، لذلك حرص المشرع على تكامل هذه الأسباب من خلال تجريمه لفعل الإهمال الذي يؤدي إلى استنزاف موارد الدولة وتصغير قدراتها المالية مما يسبب العجز عن القيام بالمهام المنوطة بها فينقلب بصورة غير مباشر على أمنها واستقرارها.
         وعلى هذا الاساس كانت غاية المشرع هي استتباب الاستقرار الاقتصادي بحماية السير الحسن للمرافق العامة و التسيير الامثل لها، وذلك بانتهاج سياسة رقابية رادعة تحفظ الاهداف المتوخاة من استعمال المال العام.
        وإذا كان حماية المال العام من الإهمال لغاية تدرك معالمها، فإن الأمر قد يسوده غموض في المال الخاص، غير أن هذا الغموض واللبس ما يلبث أن يزول إذا عرفنا أن الإهمال والتسيّب إذا كان محله المال الخاص فهذا معناه الإخـلال بثقـة العامـة في الدولة وأعوانها كون أن الأمر يمس بالذمة المالية للشخص.
      فهي – اي الثقة –من العناصر الضرورية لضمان حسن تادية الاشخاص للمهام المنوطة بهم،بحيث تلتزم الدولة بالتعويض لصالح الطرف المنفذ من اجل اعادة الحالة الى ماكانت عليه.
     وبعد بيــان موجز المصالـح محل الحمـاية الجزائية فـي جريمـة الإهمـال الواضح ( 119 مكرر) نتطرق الآن إلى طبيعة المسؤولية المترتبة عن هذه الجريمة.
المطلب الثاني: أنواع المسؤولية المترتّبة عن الإهمال الواضح.
         إن الهدف من إثارة موضوع المسؤولية هنا يرجع أساسا إلى طبيعة الإهمال الواضح بالمقارنة مع الصفة التي تتوفر في الجاني، والتي تؤهله في حالة ارتكـاب فعـل الإهمـال
 

1 – تعني المصالح غير المباشرة هي تلك المصالح ذات الأهمية الاقتصادية والأمنية، والتي تظهر من خلال الانعكاسات الإيجابية في المحافظة على المال العام

إلى المساءلة التأديبية فضلا عن المسألة الجزائية، وهو ما يطرح إشكالية التداخل بين المسؤوليتين المذكورتين.
         وإذا كان في تشريعات دول أخرى أنّ مثل هذا الإهمال لا ينتج عنه سوى المساءلة التأديبية مهما كانت النتائج المترتبة عنه، فإن الأمر يختلف في التشريع الجزائري بحيث يترتب عن الإهمال الواضح المرتكب ضـد الأشخـاص المذكورين في المادة 119 مكرر كلاّ من المسؤولية التأديبية والجزائية ضمن شروط معينة.
وتبقى المسؤولية التأديبية (1) تختلف عن المسؤولية الجزائية في طبيعتها والغاية منها، فهي تترتب عن إخلال شخص ينتمي إلى مؤسسات الدولة وهيئاتها بالواجبات التي يلقيها على عاتقه هذا الانتماء، فهنا يعاقب تأديبيا وفق سلم عقابي محدد إداريا من دون أن يعاقب جزائيا إلا إذا كان الفعل يعدّ في حدّ ذاته أيضا جريمة يعاقب عليها القانون، فإنه عندئذ تقوم كلتا المسؤوليتين معا كما هو الشأن في الإهمال الواضح.
         وإذا كانت المسؤولية التأديبية تختلف في طبيعتها عن المسؤولية الجزائية فإنها تختلف عنها أيضا من ناحية العقوبة المقررة لكليهما، فالفعل المرتّب للمسؤولية التأديبية يبقى تحديده خاضعا وعدم اتفاقه وواجبات الوظيفة ومن ثم لا يمكن حصر المخالفات التأديبية، وإنما أصبح تقديره خاضعا للسلطة التأديبية بحسب درجة جسامة الخطأ وما يستأهله من جزاء في حدود القواعد العامة.
         أما الجرائم المنصوص عليها في القانون العام فهي محكومة بمبدأ لا جريمة ولا عقوبة ولا تدبير بغير قانون، وعليه لا يعدّ الفعل مجرّما إذا لم يكن منصوصا ومعاقب عليه.
         ويبقى في كل الأحوال هذا التمييز تزخر به الكتابات الفقهية وإنما الشيء المهم الذي نستنتجه هو أن كلا المسؤوليتين له مجاله، وقد تترتبان عن الفـعل ذاتـه كمـا هو الشأن في فعل الإهمال الواضح حيث لم يقتصر المشرع على المعاقبة التأديبية لإدراكه أن أثار هذه الجريمة لا تقتصر فقط على مصالح محدودة داخل نـطاق المهنـة وإنما لها أبعاد خطيرة تم
 

1 – راجع: الدكتور عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم العام، ص 61.



توضيحها في المطلب السابق، وعلى هذا الأساس فإن الأشخاص المذكورين في المادة 119 مكرر والمادة 119 من قانون العقوبات في حالة ارتكابهم فعل الإهمال الواضح لا يعدّ الأمر مخالفة تأديبية فقط بل أنه جريمة من جرائم القانون العام لمساسها بالمصالح الحيوية للمجتمع إذ أعطى لها عقوبة تتلاءم وطبيعتها مع اشتراط أن يتعدى الفعل مجرد الإهمال إلى نتائج ضارة بالمال العام والخاص.


الفصل الثاني: أركان جريمة الإهمال الواضح


تقوم جريمة الإهمال الواضح بتوافر أربعة أركان أساسية تشمل الركن الشرعي،  الركن المفترض، الركن المادي، الركن المعنوي.
وإذا كان بحث الركن الشرعي الذي مبدؤه لا جريمة ولا عقوبة ولا تدبير بغير قانون واضح الأبعاد بتجريم الإهمال الواضح المؤدي إلى سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع المال العام أو الخاص، وذلك بالتّنصيص عليه في المادة 119 مكرر بقوله:" يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 50.000دج إلى 200.000دج كل قاض أو موظف أو ضابط عمومي أو كل شخص ممّن أشارت إليهم المادة 119 من هذا القانون وتسبّب بإهماله الواضح في سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقامها أو  وثائق أو مستندات أو عقود أو أموال منقولة وضعت تحت  يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها".
فإن باقي الأركان تحتاج إلى نوع من التدقيق والتفصيل نظرا لما تثيره من إشكالات قانونية تعيق التطبيق السليم للأحكام المتعلقة بها، وسنقوم بناءا على ذلك بدراسة هذه الأركان في ثلاث مباحث على الشكل التالي:
المبحث الأول: الركن المفترض.
المبحث الثاني: الركن المادي.
المبحث الثالث: الركن المعنوي.



المبحث الأول: الركن المفـترض
          ينظر إلى الركن المفترض في جريمة الإهمال الواضح من زاوية صفة الجاني الموضوعة تحت حراسته للأموال المحددة في المادة 119 مكرر بحيث يشترط القانون أن تتوفر فيه صفة معينة عند وقوع فعل الإهمال الواضح الذي يلحق ضررا بتلك الأموال سواء بسرقتها أو اختلاسها أو تلفها أو ضياعها.
          وبالرجوع إلى المادتين 119 و 119 مكرر  نجد أنهما تحددان صفة الأشخاص المعنيين بجريمة الإهمال الواضح بشكل حصري، وأنه بخلو هذه الصفة من شروطها أو انتفائها سيترتب عنه حتما انتفاء الطابع الجرمي عن الفعل بصيغة الإهمال الواضح.

المطلب الأول: صفة الجاني في جريمة الإهمال الواضح.
          إن صفة الفاعل أو الجاني تكتسي أهمية بالغة في مثل هذه الجريمة فهي تعدّ أحد العناصر الأساسية المكونة للجريمة وعلى القاضي التأكد منها وتثبيتها قبل الإدانة وإلا تعرض حكمه إلى النقض.
          ولقد حددت المادة 119 مكرر مجموعة من الأشخاص بصفاتهم تنطبق عليهم أحكامها وذلك عند إخلالهم بواجب المحافظة على الأموال المعهودة إليهم مما يترتب عنه إلحاق الضرر بها سواء بسرقتها أو اختلاسها أو تلفها أو ضياعها.
          وهؤلاء الأشخاص يشملون القاضي، الضابط العمومي، الموظف وكل شخص ممن أشارت إليه المادة 119 من قانون العقوبات(1)، وفي التشريع الفرنسي فإنه يشمل طبقا للمادة 432/16 كل شخص يتمتع بالسلطة العمومية أو مكلّف بمهمة تتعلق بمصلحة عمومية والمحاسب العمومي والمؤتمن العمومي(2)
 

1 –تنص المادة 119/ف2 على انه:" وكل شخص تحت أي تسمية وفي نطاق أي إجراء يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدونه، ويسهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات والهيئات الخاضعة للقانون العام."
2 – راجع المادة 432 فقرة 16 التي تمت الإشارة إليها سابقا في الصفحة 02.

          وإذا كان البعض من هؤلاء الأشخاص لا يثير أيّ إشكالية في بيان أحكامه، فإن الباقي يثير الخلاف نتيجة للغموض الذي يسود بعض أحكـام المـادة 119 من قانون العقوبات التي أحالت عليها المادة 119 مكرر.  
         ونظرا لأهمية تحديد صفة الجاني في الجريمة موضوع الدراسة فإنه يتعين شرح كل ما يتعلق بهذه الأشخاص وفق الترتيب الذي أوردته الـمادة 119 مكـرر، والـمادة 119 من قانون العقوبات.
الفرع الأول: القاضي.
          يقصد بالقاضي هنا كل شخص يملك سلطة الفصل في القضايا حسب الاصطلاح الفرنسي  Le Magistrat الذي دلالته أوسع من مصطلح Le Juge، بحيث يشمل فضـلا على القضاة بعض الموظفين الذين يتمتعون بقسط من السلطة العمومية، وتخولهم وظائفهم صلاحية البث في طلبات المواطنين(1)، وتبعا لذلك يشمل مصطلح القاضي في مفهوم المادة 119 مكرر ما يلي:
1.     القضاة التابعين لنظام القضاء العادي: ويضم هذا السلك بالـرجوع إلى أحكام المادة 02 من القانون العضوي رقم 04/11 المؤرخ في 06/09/2004 المتضمن القانون الأساسي للقضاء:
* قضاة الحكم والنيابة العامة للمحكمة العليا والمجالس القضائية والمحاكم.
* القضاة العاملين في الإدارة المركزية لوزارة العدل وأمانة المجلس الأعلى للقضاء والمصالح الإدارية للمحكمة العليا ومجلس الدولة وفي مؤسسات التكوين والبحث التابعة لوزارة العدل.
2. القضاة التابعون لنظام القضاء الإداري، ويتعلق الأمر بقضاة مجلس الدولة والمحاكم الإدارية.
 

1 –  في قرار لمحكمة النقض الفرنسية قضي بأن صفة القاضي تنطبق على الوزراء والولاة ورؤساء البلديات ونوابهم، إلا أنه في الجزائر وبالرغم من شمول تعريف القاضي لهم فإنهم يستبعدون من أحكام المادة 119 مكرر.



3. قضاة مجلس المحاسبة ويشمل هذا السلك قضاة الحكم والمحتسبين(1)
4. كما تنطبق هذه الصفة على رئيس الجمهورية إلا أنه يستثنى من تطبيق أحكام المادة 119 مكرر.
          ويبقى التساؤل قائما بخصوص انتساب بعض الفئات للقضاة مثل أعضاء المجلس الدستوري وأعضاء مجلس المنافسة، فهنا إذا توسعنا في المفهوم فإنه ينطبق عليهم حكم المادة لكن عملا بالتفسير الضيق لا الموسع فإنهم يستبعدون وهو الأرجح.
         والملاحظ وعلى عكس بعض التشريعات مثل التشريع المصري الذي استبعد مساءلة القاضي عن مثل هذه الجرائم وحصرها فقط في الموظف العام، نجد أن المشرع الجزائري أقحمه ضمن الفئة التي تسأل عن الإهمال الواضح المضّر بالمال العام اوالخاص، ولعل الحكمة في ذلك ترجع إلى طبيعة وظيفة القاضي التي  تخوله استلام أموالا في شكل وثائق أو سندات أو عقود وما شابهها، ولذلك فإنه يجب على القاضي الحفاظ عليها التزاما بروح الأمانة وما تقتضيه سلوكيات المهنة القضائية، وأي إخلال بذلك مما يلحق الضرر بتلك الأموال نتيجة الإهمال يعرّضه إلى أحكام المادة 119 مكرر(2).

الفرع الثاني: الموظف
         لمدلول الموظف أهمية بالغة في القانون الجزائي بصفة عامة وفي الجرائم الاقتصادية بصفة خاصة، وذلك لأن مفهومه في هذه الأخيرة له نتائج وأثار هامة أكثر مما هي عليه في القانون الإداري، وهو ما يستوجب منا تحديد ما ينطبق عليه مفهوم الموظف وما لا ينطبق عليه وذلك بشكل مفصّل درءا لأي لبس قد يقع فيه القاضي.      
 

1 – المادة 02 من الأمر رقم 95 – 23 المؤرخ في 26/01/1995، المتضمن القانون الأساسي لقضاة مجلس المحاسبة.
2 – لا تحرك المتابعة الجزائية ضد القاضي، وإنما لا بد من مراعاة إجراءات خاصة نصت عليها 573 وما يليها من قانون الإجراءات الجزائية.



أولا: تعريف الموظف في القانون الإداري
1 - فقها:
اختلف الفقه الفرنسي في تحديد العناصر التي يمكن بواسطتها إعطاء تعريف محدد للموظف العام: فقد عرفه GESTON JEZE بأنه: "كل شخص يعين في السلطة العامة تحت اسم مستخدمين، وكلاء عاملين، عاملين مساعدين، ويشغلون وظيفة دائمة في مرفق عام تديره الدولة أو الإدارات العامة الأخرى ويستثنـى من ذلك القضاة وأعضاء المجالس البلدية." (1)
     وعرّفه WALIME بأنه: "كل شخص يعيّن في وظيفة مدرجة في الإدارة العامة ويسهم في إدارة مرفق عام يدار بالاستغلال المباشر ويشغل درجة في السلم الوظيفي". (2)
      وما يمكننا استنتاجه من خلال هذه التعاريف أن الفقه الفرنسي يشترط توافر شرطين لاعتبار الشخص موظفا عاما وهي دوام الوظيفة والاندماج في التنظيم الإداري للمرفق.
      أمّا الفقه المصري فقد عرّفه الدكتور توفيق شحاتة بأنه: " الشخص الـذي يسـهم في عمل دائم في مرفق عام أو غيره من الوحدات الإدارية بأسلوب الاستغلال المباشر وتكون مساهمته في هذا العمل عن طريق إسناد مشروع لوظيفة تنطوي على قرار بالتعيين عن جانب الإدارة وعلى قبوله هذا التعيين من جانب صاحب الشأن". (3)
ويرى الأستاذ محمد سليمان الطماوي أن صفة الموظف العام لا تقوم في الشخص ولا تجرى عليه أحكام الوظيفة العامة إلا إذا كان مـعينا فـي عمل دائم وفي خدمة مرفق عام تديره الدولة أو السلطة الإدارية بطريق مباشر"(4)
 

1- GESTON JEZE : Les principes généraux de droit administratif .1930, P 233.
2 -  WALINE : Traité élémentaire de droit administratif – Paris 1952, P 222.
3 – الدكتور محمد سليمان الطماوي، الوجيز في القانون الإداري، 1977، ص 290 - 291
4 – توفيق شحاتة، مبادئ القانون الإداري، 1952، ص 166.





2 - قضاءا:
اعتمد مجلس الدولة الفرنسي على أربعة معايير لتحديد مفهوم الموظف العام وهي (1):
* طبيعة الشخصية القانونية التي يتمتع بها المرفق.
* طبيعة المهام المسندة إلى الشخص.
* طبيعة نشاط المرفق.
* طبيعة العلاقة الموجودة بين الشخص والمرفق.
         وعلى هذا الأساس يعرّف القضاء الفرنسي (2) الموظف العام بأنه: " كل شخص منوط إليه وظيفة دائمة تندرج ضمن الوظائف الخاصة بمرفق عام"
         أما القضاء المصري فقد تولت المحكمة الإداريـة العليـا صـاحبة الاختصـاص في تأصيل قواعد القانون الإداري بيان مفهومـه، حيث استقر قضـاءها بهذا الشأن على أن: " الموظف العام هو الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام، تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى عن طريق شغله منصبا يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق وقائما بعمل دائم وأن يكون هذا العمل في خدمة مرفق عام أو مصلحة عامة."(3)
 

1 – الأستاذ: كمال رحماني، تأديب الموظف العام في القانون الجزائري، ص 21.
2 – La défénition donnée du fonctionnaire public par les juridiction judiciaire est très extensive, elle regroupe tous les citoyens revêtus à un degrés quelconque d’une portion de la puissance public on investis d’un mondât public, électif ou non, ainsi d’ailleurs que les y autorisent plusieurs disposition du code civil.
Dans le nouveau code pénal ratifié cette approche en mentionnant les infractions commises par les personnes à dépositaires de l’autorité publique ou chargés de l’autorité publique ou chargés d’une mission de service public.
On été regardés comme fonctionnaires pour l’application des textes pénaux, tous ceux qui investis d’un mondât public soit par nomination, soit par élection, concourent à la gestion des affaires de l’état ou d’une collectivité territoriale. 
                                -  Alain plantey :la fonction public-traité général- 2éme édition  p13 .    انظر:
3 – الدكتور: سامي حامد سليمان، نظرية الخطأ الشخصي في مجال المسؤولية الإدارية – دراسة مقارنة - ، 1988، ص 43.


3 - قانونا:
يستمد الموظف تعريفه من القانون الأساسي للوظيفة العمومية رقم 66/133 المؤرخ في 02/06/1966 والذي ألغي بموجب القانون رقم 78/12 المؤرخ في 05/08/1978 والملغى أيضا بقانون رقم 20/11 المتعلق بعلاقات العمل.
إن مختلف هذه النصوص التي جاءت بعـد قانون 66/133 ، لـم تعرف الموظـف                            تعريفا شافيا كافيا كما فعل القانون الأساسي للوظيفة العامة.
    وبالرجـوع إلـى القانون المذكور نجد المادة الأولى منه تعرف المـوظفين كالآتي: " هم الأشخاص المعينيون في عمل دائم والمصنفون في درجة بحسب السلم الإداري المركزي للدولة سواء في المصالح الخارجية التابعة لها أو في الجماعات المحلية وكذلك المؤسسات والهيئات العامة بموجب نماذج محددة بمرسوم".
ولعل المحلّل للمادة المذكورة أعلاه يلاحظ أن المشرع لم يعرف الموظف تعريفا جامعا مانعا وإنما اكتفى بتعداد الأشخاص الذين تسري عليهم قواعد الوظيفة العامة وهذا ليس إلا تأثرا بالتشريع الفرنسي.
كما يلاحظ أيضا أن تعريف الموظف على النحو السابق ينطبق على القضاة(1) ومع ذلك تم استثناءهم في الفقرة الأخيرة رفقة رجال الدين ورجال القوات المسلحة في الجيش الشعبي الوطني.
وبالإضافة إلى هذا فإن المشرع أطلق على العاملين في المؤسسات والإدارات صفة الموظف طبقا للمادة 05 من القانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العمومية رقم 85/59 المؤرخ في 23/03/1985 حيث تنص هذه المادة على أنه: "يطـلق على العامل الذي يثبت في منصب عمله بعد انتهاء فترة المدة التجريبية تسمية الموظف، ويكون حينئذ في وضعية قانونية أساسية وتنظيمية إزاء المؤسسة أو الإدارة."
 

1 – يخضعون للقانون العضوي 04 – 11 المؤرخ في 21 رجب عام 1425 الموافق ل 06 سبتمبر 2004، المتضمن القانون الأساسي للقضاء.


وانطلاقا من النصوص القانونية السابقة ومما جاء به القضاء والفقه يمكن أن نستخلص العناصر الأساسية التي يقوم عليها مفهوم الموظف وهي ثلاثة(1):
1 - صدور أداة قانونية يعيّن بمقتضاها الشخص في الخدمة وقد تكون هذه الأداة في شكل مقرّر صادر عن سلطة إدارية.
2 - القيام بعمل دائم أي أن يشغل الشخص الوظيفة على وجه الدوام والاستمرار بحيث لا تنفك عنه إلا بالوفاة أو الاستقالة أو العزل أو التقاعد ،ومنه فإن الأشخاص المكلفين بمهام أو أعمال وقتية عارضة لا يعتبرون موظفين عموميين كالمجندين والمقاولين أو المستخدم المتعاقد (vacataire ).
3 - أن يكون هذا العمل في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخاص التابعين للقانون العام.
والمقصود بالدولة هو الإدارة المركزية ممثلة في رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، الوزارات، المصالح الخارجية.
وبالنسبة للأشخاص التابعين للقانون العام(2) فيقصد بهم المؤسسات ذات الطابع الإداري أساسا والمؤسسات ذات الطابع الصناعي، التجاري، بدرجة أقل.
 

1 – راجع: د. أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص، ج 02، ط 2001، ص 07.
2 – لقد قسم القانون 01-88 المؤرخ في 12/01/1988 المؤسسات الخاضعة للقانون العام إلى فئتين رئيسيتين:
* المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري (EPA)، كالمدرسة العليا للقضاء، الديوان الوطني للخدمات الجامعية...
* المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري (EPIC) كديوان الترقية وللتسيير العقاري، والوكالة الوطنية لتحسين السكن وتطويره، الجزائرية للمياه، هيئات الضمان الاجتماعي ....
وأضاف القانون 98-11 المؤرخ في 22/08/1998 المتضمن القانون التوجيهي والبرنامج الخماسي حول البحث العلمي والتطوير التكنولوجي فئة أخرى وهي المؤسسات ذات الطابـع العلـمي والتكنولوجـي كمركـز البحـث في الاقتصاد المطبق من أجل التنمية، وأخيرا جاء القانون رقم 99-05 المؤرخ في 04/04/1999 المتضمن القانون التوجيهي للتعليم العالي ليضيف المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والثقافي والمهني، كالجامعات والمراكز الجامعية ومدارس ومعاهد التعليم العالي.   



 أما التشريع الفرنسي (1) لسنة 1946 فقد عرف الموظف بأنه:
 « Les personnes qui nommés dans un emploi permanent cent été titularisées dans grade de l'hiérarchie des cadre d’une administration central de l’état, des services extérieurs en dépendent an d’établissements public de l’état.»

وعليه كان يدخل ضمن هذا التعريف الأشخاص التاليين:
* قضاة النظام العام Les magistrats de l’ordre public
* قضاة النظام القضائيLes magistrats de l’ordre judiciaire
* والأشخاص المدنية للوزارات Les personnes civils des ministères
* العسكريون وأعضاء التعليم Les militaires et les membres de l’enseignement
* أعوان المراكز والأشغال العمومية والمديرون و محاسبو المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري
Les agents des postes et des travaux public en régie diverses catégories de contractuels, et même les directeurs est les comptables des établissements public a caractère industriel et commercial.

الفرع الثاني: تعريف الموظف في القانون الجزائي.
يأخذ مدلول الموظف في المجال الجزائي نفس المدلول الموجود في القانون الإداري على الوجه الموضح سابقا إلا أنه ونظرا لضيق هذا المفهوم عمد الاجتهاد الفرنســـــي إلى توسيعه، فقضى بوجوب الأخذ بعبارة الموظف العمومي بمفهومها الأوسـع مع حصرها

 

1 – Alain plantey : La fonction public – traité générale – 2eme édition, P 16.


في المواطنين الذين يتمتعون بقسط من السلطة العامة أي الذين يتولون وكالة عمومية سواء عن طريق انتخاب شرعي أو بمقتضى تفويض من السلطة التنفيذية ويساهمون بهذه الصفة في تسيير شؤون الدولة أو الجماعات المحلية(1)
         وقد ذكر الدكتور مأمون سلامة (2) أنه يشترط في الموظف وفقا للقانون الجنائي توفر شرطين:
أ - مباشرة النشاط العام الذي هو من اختصاص الجهة العامة أي الدولة أو إحـدى هيئاتها أو مؤسساتها العامة بأي صفة كانت.
ب - أن يكون النشاط الممارس منسوبا لتلك الجهة، ولا يهم بعد ذلك طبيعة العلاقة بين الشخص والجهة العامة، ونوع العمل الممارس.
وبالرجوع إلى موقف المشرع الجزائري نجد أنه كرس الاجتهاد الفرنسي المذكور أعلاه في المادة 149 من قانون العقوبات رقم 66/156 المؤرخ في 08-06-1966(3) التي جاء فيها:" يعدّ موظفا في نظر القانون الجنائي كل شخص، تحت أي تسمية وفي نطاق أي إجراء يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر ويسهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العامة أو مرفق ذي منفعة عامة."
وما يلاحظ هنا أن المشرع الجزائي اعتنق مفهوما موسعا للموظف العام بالمقارنة لما هو عليه في القانون الإداري، ولكن سرعان ما تراجع على هذا التعريف بإلغاء المادة 149 من قانون العقوبات المذكورة أعلاه بموجب المادة 23 من الأمر المعدل والمتمم لقانون العقوبات رقم 75/47 (4) المؤرخ في 17/06/1975 إلى الأخذ بالمفهوم التقليدي للموظف.

 

1 – راجع: د. أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 08.
2 – من مقالة في مجلة: القانون والاقتصاد، العدد 01، 1961، تحت عنوان: " جرائم الموظفين ضد الإدارة العامة".
3 – إرجع: الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 49، الصادرة بتاريخ 11/06/1966.
4 – إرجع للجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 53، الصادرة بتاريخ 04/07/1975.

     وقد قدم الفقه تبريرا لاختلاف مفهوم الموظف العام بين القانونين الإداري والجنائي مؤداه ارتكاز الفكرة الإدارية للموظف العام على العلاقة القانونية بين الموظف والدولة وما يترتب عليها من حقوق والتزامات، فيتطلب تعريف الموظف العام تحديد عناصر تتفق مع هذا الغرض أما قانون العقوبات فلا يتعرض لهذه العلاقات، بل يهدف إلى حماية الثقة التي يجب توافرها إزاء الوظيفة العامة ومن يمارسها، لذلك كانت فكرة الموظف العام في قانون العقوبات أوسع منها في القانون الإداري.(1)
ومراعاة منّا للترتيب الذي جاءت به المادة 119 مكرر، سنقوم بتحليل التعديلات التي أدخلـها المشرع على تعريف الموظـف في قانون العقوبـات وذلك عندما نتحدث عن فئـة: " الموظف ومن في حكمه ".

الفرع الثالث: الضابط العمومي.
         كان المفهوم التقليدي للضابط العمومي يشمل كل شخص خوله القانون سلطة التصديق على العقود والوثائق وإعطاء الصفة الرسمية، كرئيس البلدية، ضابط الحالة البلدية، كاتب الضبط بالمحكمة...الخ. ولم تكن مهن الموثق، المحضر القضائي، محافظ البيع بالمزاد العلني، المترجم...الخ مستقلة كما هي عليه اليوم وإنّما كانت حكرا على الدولة لأنها تمثل امتيازا من امتيازات السلطة العامة، إلا أنه بعد تعديل الدستور لسنة 1989 وما حـــمله من تغييرات اقتصادية واجتماعية وسياسية، تم إخراج بعض الوظائف العامة من دائرة احتكار الدولة لها ، وجعلها مهن حرة يتولى تسييرها أشخاص مؤهلين لذلك وفقا لما تنص عليه القوانين الخاصة بكل مهنة، أي أن الدولة في هذه المرحلة ونظرا لمتطلبات اقتصاد السوق والاتجاه الليبرالي تخلّت عن بعض مهامها لصالح أعوان آخرين أضفت عليهم صفة الضابط العمومي، وحددت لهم اختصاصاتهم وحقوقهم وواجباتهم وكذا المسؤولية المترتبة على الإخلال بسلوكيات المهنة التي يشغلونها.
 

1 – د. سامي حامد سليمان، المرجع السابق، ص 64.
ومن هنا أصبح الضابط العمومي لا يقتصر دوره على مجرد التصديق على الوثائق والعقود، وإنما أضحى يمارس مهنة حرة ذات طبيعة خاصة تستهدف خدمة عمومية، دون أن تقوم الدولة بدفع أجر له بل يحصل على أتعابه من زبائنه.
         وانطلاقا من ذلك أصبح يعرّف الضابط العمومي بأنه الشخص الذي يتولى وظيفته بمقتضى قرار من السلطات العمومية ويمارسها لحسابه الخاص.(1)
         كما يعرف أيضا في فرنسا بأنه الشخص الذي يعيّن من طرف السلطة العمومية ويمارس مهنة حرة بصفة احتكارية في مكتب يكون قد اقتناه (2).
         بالرجوع إلى القوانين الخاصة المنظمة لمهنة كل من المحضر القضائي والموثق والترجمان، محافظ البيع بالمزايدة، باعتبارهم ضباط عموميين نجد أن السبب في إدراج هؤلاء ضمن القائمة التي تخضع لأحكام جريمة الإهمال الواضح يرجع أساسا إلى طبيعة مهامهم والصلاحيات المنوطة بهم.

أولا: المحضر القضائي:Huissier
         المحضر القضائي ضابط عمومي له مكتب عمومي يتولى تسييره لحسابه الخاص وتحت مسؤوليته، ومراقبة وكيل الجمهورية لدى الجهة القضائية المختصة إقليميا وترتبط مهنته ارتباطا وثيقا بمهام السلطة القضائية.
وقد نظم القانون رقم91/03(3) المؤرخ في 08-05-1991هذه المهنة، وجاء المرسوم التنفيذي رقم 91/185 المؤرخ في أول يونيو 1991 ليحدد شروط الالتحاق بهذه المهنة وممارستها ونظامها الانضباطي وسير أجهزتها.
 

1 – أضيف الضابط العمومي لقائمة الأشخاص الخاضعين لحكم المادة 119 إثر تعديل 88-01، ونفس الأمر ينطبق على المادة 119 مكرر.
2 – من محاضرات ألقيت على طلبة المدرسة العليا للقضاء من طرف الأستاذ: محمد عمارة.
3 – الجريدة الرسمية ج.ج، العدد 28 الصادرة بتاريخ 13/07/1988.



         وتتمثل مهام المحضر القضائي أساسا حسب المادة 05 من القانون 91/03 في تبليغ المحررات والإعلانات القضائية والإشعارات التي تنص عليها القوانين والتنظيمات عندما لا ينص القانون على خلاف ذلك، كما يقوم المحضر بتنفيذ الأحكام القضائية، ما عدا في المجال الجزائي، ويقوم أيضا بتحصيل الديون المستحقة وديا أو قضائيا.

ثانيا: الموثق Notaire
         يعتبر الموثق ضابط عمومي يقوم بتحرير العقود وتسجيلها وحفظ أصولها، وباعتبار التوثيق هو العمود الفقري من الناحية القانونية لكل نظام والضامن الأساسي للمتعاملين، فإن قانون التوثيق الصادر بتاريخ 12/07/1988(1) نظم هذه المهنة وحدّد اختصاص الموثق وصلاحياته وكذا النظام الانضباطي...الخ.

ثالثا: محافظ البيع بالمزاد العلنيcommissaire preseur
         بموجب الأمر رقم 96-02(2) المؤرخ في 10-01-1996 أنشأت مهنة محافظ البيع بالمزايدة وتلاه المرسوم التنفيذي رقم 96/291 المؤرخ في 02-09-1996 وهو ضابط عمومي يتولى تسيير مكتبه لحسابه الخاص وتحت مسؤوليته ومراقبة وكيل الجمهورية المختص، وهو يكلف بالتقييم والبيع بالمزاد العلني للمنقولات والأموال المنقولة المادية.

رابعا: الترجمان الرسمي (المترجم)TRADICTEUR
         أنشأ الأمر رقم 95/13 المؤرخ في 11/03/1995 مهنة حرة للمترجم بوصفه ضابط عمومي، ثم تلى ذلك المرسوم التنفيذي المؤرخ في 18/12/1995 الذي حدّد شروط الالتحاق بالمهنة ونظام سيرها.

 

1 – القانون رقم 88-27 المؤرخ في 12/07/1988 المتضمن مهنة التوثيق (الجريدة الرسمية ج.ج، العدد 28 الصادرة بتاريخ 13/07/1988)، وهو محل تعديل وإعادة النظر فيه.
2 – الجريدة الرسمية ج.ج، العدد 03، الصادرة بتاريخ 14/01/1996.        

وبالرجوع إلى المادة 05 من الأمر أعلاه فإن المترجم مؤهل للتصديق والمصادقة على توجيه كل وثيقة أو أي سند مهما كانت طبيعته.
         وبناءا على الاختصاصات المنوطة لهؤلاء الضباط العموميين تتبين أن طبيعة مهنة كل واحد منهم تستدعي تسلم وثائق وعقود أو أموال سواء كانت عامة أو خاصة، ولذلك يجب عليه الاتصاف بواجب الحرص والحيطة على هذه الأموال وإلا فإن أي إضرار بها بسرقتها أو اختلاسها أو تلفها أو ضياعها نتيجة إهمالها، فإن أحكام المادة 119 مكرر تطبق في هذه الحالة.
الفرع الأول: من في حكم الموظف(1)
         لقد أشرنا عندما عالجنا مدلول الموظف في مجال القانون الجزائي أن المشرع الجزائري أخذ في البداية بالمفهوم الواسع له تكريسا للاجتهاد القضائي الفرنسي ويتجسّد ذلك في المادة 149 من قانون العقوبات رقم 66/156(2)
         لكن في الحقيقة المشرع تراجع إلى الأخذ بالمفهوم التقلـيدي للـموظف(3) ،وذلك على أثر التعديلات المتتالية التي أدخلها على قانون العقوبات تقويما للمفاهيم وتوضيحا لما يشوب بعض أحكامه من غموض.
         وأولها كان الأمر 75/47 المؤرخ في 17-06-1975، والذي ألغى المادة 149 ونقل مضمونها ضمن المادة 119 (ق.ع) مع التخلي في النص الجديد عـن مصطلح: "الموظف في نظر القانون الجنائي" واستبداله بمصطلح " الشبيه بالموظف " حيث جاءت المادة 119 في فقرتها الرابعة تنص: "يعدّ شبيها بالموظف في نظر قانون العقوبات كل شخص وتحت أية تسمية وفي نطاق أي إجراء ما يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالـة بأجـر أو بـدون أجر
 

1 – المادة 119 مكرر من قانون العقوبات أحالت على المادة 119 من نفس القانون في ما يخص هذه الطائفة.
2 – تنص المادة 149 من الأمر 66- 156 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات على أنه: " يعد موظفا في نظر القانون الجنائي، كل شخص تحت أية تسمية وفي نطاق أي إجراء يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر ويسهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية أو مرفق ذي منفعة عامة ".
3 – راجع: د. أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 09.
ويسهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الإدارات العمومية أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية أو المؤسسات ذات الرأسمال المختلط أو الهيئات المعرفية أو الوحدات المسيرة ذاتيا للإنتاج الصناعي أو الفلاحي، وأية هيئة من القانون الخاص نتولى إدارة مرفق عام.
         ثم تلاه تعديل آخر للمادة المذكورة (119) أعلاه بموجب القانون 88/26 الـمؤرخ في 12-07-1988 والذي حذف عبارة الشبيه بالموظف، وأدرج عبارة " كل شخص وتحت أية تسمية...يتولى وظيفة أو وكالة..." وآخر تعديل لهذا النص كان بمقتضى القانون رقم 01/09 المؤرخ في 26/06/2001 حيث أبقى على نفس الصياغة السابقة للمادة 119، إلا أنه لم يذكر المؤسسات العمومية الاقتصادية، وهو الأمر الذي طرح إشكالات سنفصلها في حينها.
         ما يهمنا هنا أن المشرع عاد إلى الأخذ بالمفهوم التقليدي للموظف، مع توسيع قائمة الأشخاص الخاضعين لحكم المادة 119 وذلك بإضافة فئة جديدة وهي فئة: " من هم في حكم الموظف" ويقصد بها من يتولى وظيفة أو وكالة في مرفق عام أو في مؤسسة عمومية اقتصادية.
         ويمكن إدخال تحت هذه الطائفة أيضا الشخص الذي يكلف بخدمة عامة والذي يمارس أحد أنشطة الدولة باسمها ولحسابها أو لأحد هيئاتها، سواء وجدت علاقة تنظيمية أو لم توجد وسواء كان عمله بأجر أو بدون أجر وسواء بصفة مؤقتة أو دائمة، وهذا متى عهد إليه بأموال أو أشياء لكونه يتمتع بهذه الصفة أو بسببها، وأهمل واجب المحافظة عليها فألحق الضرر بها سواء بسرقتها أو اختلاسها أو تعرضها للتلف أو الضياع، ونذكر منهم الخبير، الجنود...الخ
         وإذا كان الأمر بالنسبة للشخص المكلف بالخدمة لا يطرح إشكالا فإنه بالنسبة للموظف الفعلي غير ذلك، وذلك لكون إن هذا الأخير هو عون إداري غير مختـص، وهو في أغلب الأحيان الشخص الذي عيّن تعيّينا معيبا أو الذي لم يصدر قرارا تعيينه على الإطلاق .(1)

 

1 – راجع: الأستاذ ناصر لباد، القانون الإداري، ج02، النشاط الإداري، ص 263.
        


ونظرية الموظف الفعلي تعتبر في الحقيقة تصحيح، وتخفيف من النتائج القانونية المترتبة عن عيب عدم الاختصاص، ويبقى السؤال يطرح فيما يخص موضوعنا هو مدى خضوع هذا الموظف إلى أحكام جريمة الإهمال الواضح ؟
         في الحقيقة تم مناقشة نظرية الموظف الفعلي في مجال القانون الإداري ولكن أعمالا لما جاءت به قريحة بعض الفقهاء فإنه لخضوع الموظف الفعلي لأحكام الجريمة موضوع الدراسة لابدّ من التمييز بين حالتين:
أ. إذا كان العيب يشوب إجراءات تعيين الموظف بحيث لا يؤثر في تمتعه بمظاهر الموظف بين العامة فهنا يمكن اعتباره موظفا عاما وفق مفهوم القانون الجزائي ومن ثم تطبيق أحكام جريمة الإهمال الواضح عليه.
ب. إذا كان العيب يشوب إجراءات التعيين بحيث تؤثر بصفة جوهرية في أداء الوظيفة المنوط بها. فهنا لا يمكن اعتباره في حكم الموظف العمومي وبالتالي لا تطبق عليه قواعد المادة 119 مكرر.

المطلب الرابع: الأسباب التي أدت إلى  التعديلات المتكررة على نص المادة 119(1) وإشكالية تطبيق المادة 119 مكرر على المؤسسات العمومية
         لعل المتتبّع للتعديلات التي مسّت المـادة 119 مـن قانـون العقوبـات، لا سـيما في بيان الأشخاص التابعين لها، والتي انعكست على المادة 119 مكرر على الوجه الذي تم بيانه سابقا نجد أن أسباب ودوافع ذلك ترجع أساسا إلى التطورات التي مـرت بـها الـجزائر على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وقد يكون بيان هذه الأسباب أحسن لو كانت هذه التعديلات مصحوبة بالمذكرات الإيضاحية.

 

1 – نذكر المادة 119 هنا لأن المادة 119 مكرر أحالت إليها كما تم توضيحه سابقا بشأن الأشخاص التابعين لأحكامها، لا سيما ما تعلق بفئة "من هم في حكم الموظف"، وكان من الضروري أن تكون للتطورات التي صاحبت المادة 119 تأثير على المادة 119 مكرر.

الفرع الأول: أسباب تعديل المادة 119 من قانون العقوبات التي أشارت إليها المادة 119 مكرر               من نفس القانون.
         ترجع الأسباب المرتّبة للتعديلات المتصلة بنص المادة 119 من قانون العـقوبات إلى جملة التطورات التي عرفتها الجزائر والتي يمكن أن نجملها في ثلاث مراحل وهي:

أولا: مرحلة التوجه الاقتصادي الاشتراكي.
         لقد أظهرت التوجهات الاقتصادية التي عرفتها الجزائر غداة صدور قانون العقوبات لسنة 1966 وإتباع النهج الاشتراكي في بداية السبعينات، قصور التعريف الكلاسيكي للموظف العام، إذ لم يشمل القدر الأكبر من الأشخاص الموضوع المال تحت أيديهم لاسيما بعد تضاعف عدد الشركات الوطنية نتيجة صدور القانون المتعلق بالتسيير الاشتراكي للمؤسسات رقم 71/74 المؤرخ في 16/11/1971 التي لا يمكن اعتبارها إدارة عامة أو مرفق ذي منفعة عامة.
         لذلك أعـاد المشـرع النظـر فـي المـادة 119 بمـوجب الأمر 75/47 المؤرخ في 17/06/1975 بتمديد تطبيق أحكامها إلى كل شخـص يتولى تنفيـذ وظيفـة أو وكالة في المؤسسات الاشتراكية أو المؤسسات ذات الاقتصاد المختلـط أو الهيئـات المـصرفية أو الوحدات المسيرة ذاتيا للإنتاج الصناعي أو الفلاحي أو أية هيئة من القانون الخاص تتعهد بإدارة مرفق عام، وبموجب هذا التعديل توسعت أحكام المادة المذكورة لتشمل العاملين بالشركات الوطنية والمزارع الفلاحية...الخ وكذا في من يتولى وظيفة (المدير العام، مدير وحدة...)، ووكالة ( ممثلي العمال في مجالس الإدارة...).

ثانيا: مرحلة استقلالية المؤسسات العمومية.
         بموجب القانون رقم 88/26 المؤرخ في 12/07/1988عدّلت المادة 119 من قانون العقوبات وتم التخلي عن مصطلح " الشبيه بالموظف ".



         وعلى إثر هذا القانون ثم صدور القانون الأساسي للمؤسسات العمومية والذي صنف هذه المؤسسات الخاضعة للمادة 119 إلى:
* المؤسسات الاقتصادية العمومية EPE: التي لها شخصية معنوية وتخضع للقانون التجاري.
* المؤسسات أو الهيئات الخاضعة للقانون العام وهي نوعان:
- المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري EPA
- المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري EPIC
         ويضاف إلى هذه المؤسسات:
* الهيئات الخاضعة للقانون الخاص ويتعلق الأمر بالمستفيدين من عقود الامتياز.
* الجماعات المحلية: كل أعضاء المجالس الشعبية البلدية والولائية بحكم توليهم وكالة ولو بدون أجر.

ثالثا: مرحلة التوجه الليبرالي وخوصصة المؤسسات
         في هذه المرحلة صدر قانونين الأول الأمر 95/25 المؤرخ في 25/09/1995 المتعلق بتسيير رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة، والثاني الأمر رقم 01/04 المؤرخ في 20/08/2001 المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية وتسييرها وخوصصتها.
         وقد تميّز الأمر 95/25 قبل إلغائه بالأمر 01/04 بإبقائه على الفصل المتعلق بالمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، والمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري من قانون 1988(1) وإلغاءه للفصل الخاص بالمؤسسات العمومية الاقتصادية، كما أنه حوّل القيم المنقولة التابعة للقانون العام إلى شركات قابضة عمومية بقصد تسيير الأسهم والسندات والقيم المنقولة التي  تحوزها الدولة.
 

1 – القانون 88-01 المؤرخ في 12/01/1988 المتضمن توجيه المؤسسات العمومية.


         أما الأمر الثاني 01/04 فقد ألغى الأمر 95/26 السابق ذكره وقام بتعريف المؤسسات العمومية الاقتصادية على أساس أنها شركات تجارية تحوز فيها الدولة أو أي شخص معنوي آخر للقانون التجاري أغلبية رأس المال الاجتماعي بصفة مباشرة أو بصفة غير مباشرة.
         ومن الآثار الناتجة عن تطبيق هذا الأمر هو إحداث 30 شركة ذات أسهم SPA تراقب 937 كيانا قانونيا ظهرت في شكل تجمعات groupes وفروع  filiales ومؤسسات عمومية اقتصادية EPE(1)، وينحصر دور الشركات ذات الأسهم في تسيير وإدارة مساهمات الدولة، أما تسيير المؤسسات العمومية الاقتصادية في حدّ ذاتها فيؤول للهياكل الاجتماعية لهذه المؤسسات.
         ويخضع تنظيم هذه الشركات من حيث: الجمعية العامة، مجلس الإدارة، الرئيس المدير العام، مجلس المراقبة، مجلس المديرين إلى أحكام القانون التجاري.
         وهذه الهيكلة والتنظيم الجديدين لا تعنيان المؤسسات العمومية ذات الطـابع الإداري وتلك ذات الطابع الصناعي والتجاري والتي ما يزال قانون 01/88 يسري عليها بالإضـافة إلى المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والثقافي.
         ويبقى السؤال الذي قد يطرح من خلال التسلسل التعديلي الذي مسّ أحكام المادة 119 التي أحالت عليها المادة 119 مكرر هو مدى خضوع المؤسسة العمومية الاقتصادية لأحكام المادتين المذكورتين سابقا ( 119 و119 مكرر).

الفرع الثاني: إشكالية تطبيق المادة 119 على المؤسسات العمومية الاقتصادية.

         إن إثارة هذه الإشكالية ليس أمرا اعتباطيا، وإنّما نظرا لما ترتّبه من أثار من الناحية العملية هو الذي يحتّم ذلك، إذ كثيرة هي القضايا التي تعرض على القاضي، ويكون موضوعها جريمة الاختلاس أو الإهمال الواضح، وتكون الجهة المتضررة هي مؤسسة عمومية اقتصادية، فيقع اللبس في مدى خضوعها إلى أحكام المادة 119 وبالضرورة للمادة 119 مكرر.


 

1 – راجع أحسن بوسقيعة، المرجع السابق.




         في الحقيقة أن مناط الإشكالية يرجع إلى الفقرة الثانية والثالـثة مـن المـادة 119 من قانون العقوبات، حيث أن المشرع بعد التعديل أبقي على قائمة الأشخاص الخاضعين لحكم المادة المذكورة وهو كل من يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدونه ويسهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات الخاضعة للقانون العام، ولم يتم ذكر المؤسسات العمومية الاقتصادية.
         فحتى هنا لا وجود لأي إشكالية تمسكا بحرفية النص، أي أن المؤسسات الاقتصادية غير معنية إلا أنّ ما جاءت به الفقرة الثالثة من ضرورة الشكوى في المتابعة عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات الاقتصادية العمومية خلق تعدد الاتجاهات في التعامل معه،حيث ذهبت الآراء في هذه المسألة إلى اتجاهين كل له براهينه:
* الاتجاه الأول: يرى أن المؤسسات العمومية لا تخضع لأحكام المادة 119 أو المادة 119 مكرر ويذهب في تعليل ذلك بضرورة الاستناد إلى التفسير الضيق للنص الجزائي، وعلى هذا فإن الفقرة الثانية هي مناط التجريم، وطالما لم تذكر المؤسسات العمومية الاقتصادية فمعنى ذلك إسقاط لها من التطبيق.
         أما بخصوص الفقرة الثالثة فلا يمكن الاعتماد عليها لتبرير خضوع هذه المؤسسات لأحكام جريمة الاختلاس، أو جريمة الإهمال الواضح، وهذا لكونها فقرة إجرائية وفقط وبالتالي تصبح بدون موضوع لا سيما وأن المشروع التحضيري لقانون الـعقوبات ذهب إلى استبعاد المؤسسات العمومية الاقتصادية من خانة أحكام المادة 119.
         وعندئذ فإن الجرائم المرتكبة من مسئولي المؤسسات العمومية الاقتصادية  تتابع على أساس السرقة أوخيانة الأمانة.
* الاتجاه الثاني: ذهب في ذلك اتجاها مغايرا ويرى أن المؤسسات العمومية تخضع لأحكام المادة 119 ومن ثم لأحكام جريمة الإهمال الواضح، ويستند في التعليل بأن المشرع عند عدم ذكره المؤسسات العمومية الاقتصادية في الفقرة الثانية من المادة 119 فهذا تحصـيل حاصل
حيث عندما نص على مجموعة الأشخاص الخاضعين للنص المذكور لم يذكر المؤسسات العمومية الاقتصادية رغبة منه في التنصيص عليها ضمن فقرة مستقلـة كـون أحكامهــا
في المتابعة تتطلب إجراءات معينة ،على عكس المتابعة عندما يتعلق الأمر بالدولة والجماعات المحلية وهيئات القانون العام التي تكون بصفة تلقائية من النيابة.
         بالإضافة إلى ذلك فإن المؤسسات العمومية الاقتصادية حتى وأن الأمر المنظّم لها هو 01/04 قد جعلها شركات تجارية إلا أن قانون 88/01 في المواد 55(1) و56(2)، أخضع هذه المؤسسات عند تعاملها مع الدولة إلى قواعد القانون الإداري وهو ما يؤكد أن مسيري هذه المؤسسات عندما يتصرفون باستعمال امتيازات السلطة العامة في مال المؤسسة فإنهم يخضعون لأحكام جريمتي الاختلاس أو الإهمال الواضح، ولهذا يبقى عدم ذكر المشرع للمؤسسة العمومية الاقتصادية ماهو إلا إغفال منه (3).
         وإذا كان لكل اتجاه حجيته إلا أن الرأي الأول يبقى هو الراجح، ومن ثم تستبعد المؤسسات العمومية الاقتصادية من أحكام المادة 119، و بالأحرى لا تطبق عليها جريمة أحكام الإهمال الواضح.
         وبناءا على كل ما سبق نستنتج أنّ جريمة الإهمال الواضح المتسبب في إلحاق ضرر بالمال العام أو الخاص لا تقوم إلا بتوافر صفة معينة في الجاني ضمن الشروط والأحكام المنوه عنها سابقا بحيث انتفاءها يؤدي إلى عدم الركن المفترض.
 

1- تنص المادة (56) :"عندما تكون المؤسسة الـعمومية الاقتصادية مؤهلة قانـونا لتسيير مباني عامة اوجـزء من الأملاك العامة الاصطناعية وذلك في إطار المهمة المنوطة  بها بما يضمن تسيير الأملاك العامة  طبقا للتشريع الذي يحكم الأملاك العامة 
وفي هذا الاطاريتم التسيير طبقا لعقد إداري للامتياز ودفتر الشروط العامة وتكون المنازعة المتعلقة بملحقات الأملاك العامة من طبيعة إدارية." 
2- المادة (56):"عندما تكون المؤسسة العمومية الاقتصادية مؤهلة قانونا لممارسة صلاحيات السلطة العامة وتسلم بموجب ذلك وباسم الدولة ولحسابها ترخيصات وإجازات وعقود إدارية أخرى،فان كيفيات وشروط ممارسة هذه الصلاحيات وكذا تلك المتعلقة بالمراقبة الخاصة لها تكون مسبقا موضوع نضام مصلحة يعد طبقا للتشريع والتنظيم المعمول به
تخضع المنازعة بهذا المجال للقواعد المطبقة على الإدارة."
3- يأخذ بهذا الاتجاه كثير من القضاة ،وهذا ما لاحظناه في عدة أحكام وقرارات صادرة عن مجلس قضاء مستغانم.


المطلب الثالث: أثر انتقاء الصفة المطلوبة وفقا للمادة 119 مكرر في قيام جريمة الإهمال الواضح
         من الأركان الجوهرية التي يجب أن تتوفر لقيام جريمة الإهمال الواضح هي توفر الصفة في الجاني وفقا لما تم ذكره سابقا، فإذا انقضت عنه الصفة المطلوبة قانونا سواء بالعزل أو الاستقالة أو النقل فإن جريمة الإهمال الواضح المؤدي إلى الأضرار بالمال العام أو الخاص تنتفي في حقه وينعدم فعل الجريمة.
         ويجب التوضيح أنه في حالة ما إذا أثير أمام القاضي دفع بزوال الصفة بالطرق المنصوص عليها قانونا فإنه يجب عليه التحقيق  في ذلك والرد على الدفع وإلا كان حكمه قاصرا استوجب النقض، وتشدد المحكمة العليا رقابتها في مثل هذه المسائل القانونية نظرا لما لها من تأثير في قيام الجريمة من عدمه.
         كما يجب على القاضي التأكد من أن حصول الضرر بالأموال العامة أو الخاصة بسبب الإهمال في اتخاذ واجب الحيطة والعناية قد وقع قبل زوال الصفة عن الشخص، أي أنه كان حائزا له قبل ذلك، وسيتم توضيح فكرة الحيازة عند النظر للركن المادي فوقوع الفعل بعد زوال الصفة ينفي الطبيعة الجرمية تحت تكييف الإهمال الواضح، وإنما يمكن المساءلة تحت تكييفات أخرى.
         وقد جاء في قرار صادر بتاريخ 12/03/1985 تحت رقم 40330 أنه: "من المقرر قانونا أن صفة الموظف في جريمة الاختلاس هي عنصر من عناصر الجريمة وليس ظرفا مشددا لها."
         أما في مدى اشتراط التلازم بين صفة الموظف وتأدية الوظيفة لقيام الجريمة من عدمه فسوف نتطرق إليه عند بحث الركن المادي.
         وأخيرا وخلاصة للمبحث الأول فإنه يمكن القول أن الركن المفترض يتطلب توفر الصفة على الوجه المبيّن سابقا في الجاني سواء كان موظفا أو قاضيا أو ضابطا عموميا أو من كان في حكم الموظف الذي يتولى وظيفة أو وكالة في الدولة ( رئاسة الجمهورية، رئاسة الحـكومة، الوزارات، المصالـح الخارجية، المديريـات الـولائية)، اوالجـماعات المحلية ( البلديات، الولايات)، أو في المؤسسات الخاضعة للقانون العام (EPA،EPIC) وكذا المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والتكنولوجي والمؤسسات ذات الطابع العلمي والثقافي والمهني، وهيئات الضمان الاجتماعي.
         ويقصد بتولي وظيفة هنا كل من أسندت له مهمة معينة أو مسؤولية لدى الأشخاص القانونية المذكورة أعلاه ولا يشمله تعريف الموظف على النحو الذي سبق بيانه .
ويقصد بتولي وكالة كأن يكون الشخص منتخبا كما هو الشأن في الجماعات المحلية بالنسبة لأعضاء المجالس الشعبية والولائية...الخ أو يكون مكلف بنيابة في خدمة الدولة أو الهيئات الخاضعة للقانون العام كما هو  الحال بالنسبة لممثلي العمال في مجلس الإدارة لبعض المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري أو ذات الطابع الإداري كالمركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق.
وبعد التطرق للركن المفترض نعالج في المبحث الموالي كل ما تعلق بالركن المادي.
















المبحث الثاني: الركن المادي
         إن وجود الركن المفترض لا يكفي وحده لقيام جريمة الإهمـال الواضـح المؤذي إلى إلحاق الضرر بالأموال العامة أو الخاصة بل لابد من توافر الركن المادي كونه يعتبر من الأركان الرئيسية لهذه الجريمة.
         والركن المادي في الجريمة موضوع الدراسة يقوم على سلوك مجرم يتصف بالإهمال الواضح، على محل جريمة يتمثل في مال عام أو خاص.
         وتكون نتيجته إحداث ضرر مادي مع توفر العلاقة السببية بين السلوك والضرر المحقق.

المطلب الأول: السلوك الإجرامي ( الإهمال الواضح)
         يقصد بالسلوك الإجرامي ذلك السلوك المادي الصادر عن إنسان والذي يتعارض مع القانون، فالفعل هو جوهر الجريمة ولهذا قيل " لا جريمة بلا فعل"، وهو يشمل الإيجاب(1) كما يشمل السلب فمن يأمره القانون بالعمل فيمتنع عن أداءه يكون قد خالف القانون، وعلى هذا الأساس فإن الفعل الذي يصدر عن الموظف ومن حكمه أو القاضي أو الضابط العمومي في جريمة الإهمال الواضح يكيف على أساس فعل سلبي، وذلك لوجود الإحجام عن القيام بسلوك معين يوجبه القانون وهو المحافظة على الأموال العامة والخاصة ودرء الضرر عنها.
         فالسلوك السلبي قد يكون في صورة اتخاذ موقف مغاير لما يتطلبه القانـــون أو في صورة امتناع كلي عن السلوك، وعليه فإن الجرائم التي يكون ركنها المادي على الدوام سلوكا سلبيا حتى وإن كان لا يخلو دائما من حركة مثل جريمة الإهمال الواضح المنصوص عليها في المادة 119 مكرر، تعدّ من جرائم الامتناع ذات النتيجة.
         وبالرجوع إلى أحكام المادة 119 مكرر من قانون العقوبات نجد أن المشرع لم يعرف فعل الإهمال الواضح أو يحدد له أوصافا معينة كالتقصير أو عدم المراقبة أو الخطأ...الخ إلا
 

1 – يعد الفعل إيجابيا بإتيان فعل حرم القانون القيام به، ويكون في صورة حركة عضوية إرادية.

أنه يمكن القول بأن الإهمال المقصود في المادة أعلاه هو الإخلال بواجبات الحرص والعناية اللازمة للمحافظة على الأموال العامة أو الخاصة، كما يمكن أن يأخذ صورة الترك وعدم الانتباه. فالفعل المادي السلبي الذي يصدر عن الموظف ومن في حكمه (1) في هذه الجريمة يتمثل في إخلال أي واحد منهم بالواجبات التي تفرضها القوانين واللوائح والأنظمة عليهم في إطار المهمة المكلف بها كل واحد متى توفرت استطاعته للقيام به على أكمل وجه.
         ولا يكفي وجود الإهمال في حق الأشخاص المبينين في المادة أعلاه بل يجب أن يكون إهمالا واضحا أي مبينا وجليا بحيث لا يختلف اثنان على تقدير وجوده بل يمكن إدراكه والوقوف عليه دونما تعقيد.
         وهنا ننبّه أن المعيار المستعمل في ذلك هو معيار الرجل العادي في الظروف التي وجد فيها الجاني.
         والمشرع لا يميز بين الإهمال الجسيم والإهمال البسيط وإنما يكفي أن تتحقق النتيجة وهي إلحاق ضرر بالمال العام أو الخاص، وهذا ما سوف نوضحه عند التطرق إلى عنصر الضرر والنتيجة.
المطلب الثاني: محل الجريمة ( مال عام أو خاص)
         موضوع جريمة الإهمال لا يختلف عند موضوع جريمة الاختلاس فهو في كليهما المال، غير أن المشرع نص على طائفة من الأموال واعتبرها بمثابة محل جريمة الإهمال الواضح وهي:
* الأمـوال: ويقصد بها جميع النقود ورقية أو معدنية.
* الأشياء التي تقوم مقام الأموال: كالشيكات بمختلف أنواعها والسفائح...الخ.
* الوثائق: جميع الوثائق ذات القيمة المالية كالمخالصات الإيجارية وحوالات الدفع.
* السندات: يقصد بها جميع القيم المنقولة كالأرباح التي تعود للدولة بفائدة الأسهم، الالتزامات، القروض.
 

1 – اختصارا في تحديد باقي الأشخاص الخاضعين للمادة 119 مكرر سنستخدم عبارة " ومن في حكمه " والتي نقصد منها، كل من القاضي، الضابط العمومي ومن يدخل في حكم الموظف على الطريقة المبينة سابقا.

* العقود: جميع العقود مهما كان شكلها رسمي أو عرفي بشرط أن تكون لها قيمة مالية معينة كعقد الرهن وعقد البيع...الخ.
* الأموال المنقولة: جميع المواد والأشياء التي لها قيمة مالية كالمواد الأولية، التجهيزات، الوسائل...الخ
         ومحل جريمة الإهمال الواضح بمجموعه يجب أن يكون مالا عاما أو مالا خاصا فماذا يقصد بذلك وماذا يشترط فيه؟
أولا : المـال العام.
         تحديد المال العام مسألة تكتسي أهمية بالغة في الفقه الجزائي نظرا لما يترتب عليه من أثار قانونية لا سيما وأن النصوص القانونية جاءت بعبارات مختلفـة، فتـارة تنـص على الأموال المملوكة للدولة وتارة على تلك المملوكة لأحد هيئاتها، وفي أخرى المملوكة للمؤسسات الخاضعة للقانون العام، ورغم الاختلاف الفقهي حول مسألة تحديد المال العام إلا أن غالبيته استقر على  أن كل ما يدخل في الذمة المالية للدولة أو لأحد هيئاتها وما يدخـل في مال المؤسسة الخاضعة للقانون العام وما هو في ذمة الغير الذي هو حق لها، يعدّ مالا عاما متى كان الهدف منه هو تحقيق المنفعة، كما يشترط ليكون المال عاما أن يخصص للاستعمال المباشر للجمهور أو  يكون مخصصا للمرفق العام ولا يستثن أن يكون المال العام عقارا أو منقولا.
ثانيا: المـال الخاص
         يقصد بالمال الخاص محل الحماية الجزائية ضد فعل الإهمال الواضـح المـؤدي إلى سرقته أو اختلاسه أو تلفه، وضياعه، جميع الأموال المنقولة سواء كانت الحقوق أشياء أو وثائق أو سندات أو عقود أو غير ذلك والتي ليس للدولة عليها حق من العينة أو  الحقوق الشخصية المكفولة بضمان عيني وهذه الأموال تكون مملوكة لأشخاص طبيعيين.
         ولعلّ العلّة من تجريم الإهمال الواضح الواقع على الأموال الخاصة يرجع إلى ضمان الثقة العامة التي يوليها الأفراد في أجهزة الدولة، وكذلك لما تلعبه هذه الأموال في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي، وتظهر بوضوح هذه الأموال في تلك التي يتسلمها الموظف من أجل حفظها أو تسليمها لأصحابها كالبضائع، الرسائل، الطرود، الحوالات البريدية، الشيكات، السندات...الخ ...

الفرع الثاني: الشروط الواجب توافرها في حيازة المـال.
         بالرجوع إلى المادة 119 مكرر من قانون العقوبات، اشترط المشرع أن تكون الأموال محل الجريمة في حيازة الجاني وأنها سلمت إليه بمقتضى الوظيفة أو بسببها.
         وأن الموظف ومن في حكمه يجب أن يكون مختصا بحيازة المال العام أو الخاص وهنا لابد من التمييز بين حالتين:
أ. إذا كان الموظف مختصا بحيازة المال العام والخاص باسم صاحبه ولحسابه فإنه إذا قام بعمل يدل على إهمال واضح بعدم الحرص على هذا المال وذلك بالإحجام عن اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة، فيتعرض للسرقة أو الاختلاس أو التلف أو الضياع فإنه يسأل في هذه الحالة عن جريمة الإهمال الواضح.
ب. إذا لم يكن الموظف مختصا بالحيازة وإنما يقحم نفسه فيما هو خارج نطاق أعمال وظيفته دون تفويض أو وكالة، وأدى ذلك إلى إهمال المال فإن جريمة المادة 119 مكرر لا تسري في حقه كون الحيازة غير قانونية،لكن السؤال الذي يبقى مطروح، هو كيف يثبت وجود الحيازة؟
إن الحيازة المقصودة هنا هي الحيازة الناقصة (1) وذلك لأن الموظف يحوز الأموال المبينة في المادة 119 مكرر بمقتضى وظيفته أو بسببها، مما يخول له السيطرة المادية على المال دون ملكيته التي تظل للغير.
وتقوم هذه الحيازة في جريمة الإهمال الواضح بمجرد تسليم المال إلى الموظف ومن في حكمه، وقد عبّر عن ذلك المشرع في المادة 119 مكرر بقوله: "... وضعت تحت يده...»(2) ويجب التوضيح أن الحيازة لا تقتضي فقط قـدرة المـوظف أو مـن فـي حكمه


 

1 – بالعكس من ذلك نجد الحيازة الكاملة أو التامة والتي تتحقق بالسيطرة المادية والفعلية على الشيء بنية تملكه.
2 – قانون العقوبات الفرنسي، المادة 432 الملغاة كانت تنص: «  … qui étaient entre ses mains … »   



الوصول إلى المال كالدخول مثلا إلى مكتب رئيسه كيفما شاء، بل يجب أن تكون للموظف سلطة توجيه ذلك المال بناء على ما يخوله القانون أو اللوائح أو التنظيمات ،وبالتالي إذا وقع هذا المال بيده بصفة عرضية أي أن التسليم المادي كان من المفروض أن يكون لشخص معين إلا أنه وقع له، فهنا على اعتبار أنه غير مختص بهذه الحيازة فلا تقوم جريمة الإهمال الواضح، ولكن المقتضيات القانونية للوظيفة تستوجب تصحيح الوضع في هذه الحالة وذلك بإعادة تسليمه إلى الشخص المعني.
والمال الذي يحوزه الموظف والمسلّم إليه بمقتضى وظيفته لا يشترط فيه القانون أن يكون ذا طبيعة مشروعة للتعامل فيه، فالموظف الذي تسلم له المخدرات بمختلف أنواعها أو الأسلحة – كأمين الضبط- تقوم في حقه جريمة الإهمال الواضح إذا أدى ذلك إلى إلحاق الضرر بها قبل التصرف فيها.(1)
 وحسب رأينا فإنه يشترط أن يدخل المال في حوزة الموظف بصورة قانونية أي أنه لا يكفي اختصاصه بالحيازة وفقط وإنما أيضا، أن تكون هذه الحيازة والتسليم قد تم بطريقة مشروعة أي لابد من وجود نص قانوني يخوله ذلك، فرجال الضبطية القضائية لا يجوز لهم حيازة الأشياء الموجودة في المنازل إلا بعد إذن بالتفتيش أو توفر حالات الاستعجال ولابد من بيانها في المحضر.
وتبقى مسألة إثبات وجود فعل التسليم من عدمه تخضع للقواعد العامة أي أنه يثبت بجميع الطرق القانونية المنصوص عليها في القانون المدني.
ولقد بينت المادة 119 مكرر أن حيازة الموظف للمال العام أو الخاص يشترط فيها أن تكون قد تمت بمقتضى وظيفته أو بسببها، فما معنى ذلك؟

 

1 – يتم التصرف في المخدرات بالإتلاف أو المصادرة أو بيعها بالمزاد العلني.




الفرع الثالث: تسلّم المـال بمقتضى الوظيفة أو بسببها.
          ممّا ورد في المـادة 119 مكـرر(1) أن يكـون تسليـم المـال للمـوظف ومـن في حكمه، قد تم بمقتضى وظيفته أو سببها، وهذا تقييد لا يجوز تجاوزه بل لابدّ من مراعاته عند بحث مقتضى التسليم، حيث يشترط إن يكون سند حيازة وتسلّم الموظف أو من في حكمه للمال هو نتيجة مباشرة لطبيعة الوظيفة التي يشغلها بحيث لولاها لما عهد إليه بها.
ونلاحظ أن المشرع ذكر في المادة عبارة بمقتضى الوظيفة أو بسببها على عكس بعض التشريعات الأخرى التي تنص على المقتضى والمناسبة، فهو لم يميّز بين سبب الوظيفة وبين مناسبة الوظيفة، فحين أن كل من المفهومين يختلف عن الآخر، فالتسليم بسبب الوظيفة هو الذي يقصده المشرع في جريمة الإهمال الواضح، حيث يقوم هـذا الســبب على أساس واجبات الوظيفة التي تشترط المحافظة على المال العام أو الخاص.
أما التسليم الذي يتم بمناسبة الوظيفة فهو التسليم الذي يتم خارج نطاق الواجبات المفروضة على الموظف بمعنى أنه إذا تسلم موظفا ما هذه الأموال على أساس صفته الوظيفية دون أن يكون بمقتضاها، فلا جريمة في حقه.
ويجب التوضيح أنه لا يشترط دائما في التسليم أن يكون مصدره القانون بل يمكن أن يكون بمقتضى اللوائح والتنظيمات.
وفي كل الأحوال يجب أن تتوافر صلة السببية بين حيازة الموظف للمال وبين وظيفته، وهذا ما حرصت المحكمة العليا التأكيد عليه في عدة قرارات منها القرار الصادر بتاريخ 1984.04.03 الذي جاء فيه: " لا تكفي معرفة صفة الجاني لتطبيق المادة 119 من قانون العقوبات بل يجب أن يكون المال محل الجريمة موضوع تحت يد الموظف بمقتضى الوظيفة ولسببها."(2)
 وبعد دراسة ومعالجة السلوك الإجرامي ومحل الجريمة نعالج الآن شرط النتيجة.
 

1 – مما جاء في المادة 119 مكرر أنه: " يعاقب كل من تسبب ... في سرقة .... وضعت تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها"، والمشرع الفرنسي طبقا لنص المادة 432 فقرة 15 نص على التسليم بسبب الوظيفة والمهنة.
2 – قرار صادر بتاريخ 03/04/1984، المجلة القضائية 1989، العدد 01، ص 277.


المطلب الثالث: النتيجة (حصول ضرر مادي)
تعدّ النتيجة عنصرا جوهريا في جريمة الإهمال الواضح، بحيث يجب أن يرتب الإهمال الواضح المرتكب من الموظف أو من في حكمه ضرر يلحق المال العام أو الخاص ويكون ماديا بتحققه فعلا.
ويلاحظ على المادة 119 مكرر في بيانها إلى طبيعة الضرر المادي أن المشرع حصر نوع الضرر المادي بحيث لا تهم الأضرار الأخرى.

الفرع الأول: نوع الضرر المادي في جريمة الإهمال الواضح.
          لقد أشرنا أن المشرع في المادة 119 مكرر حصر نوع الضرر المادي الناتج عن الإهمال الواضح في السرقة، الاختلاس، التلف أو الضياع وبالتالي ما كان يخرج عن هذه الأضرار من آثار أخرى فلا يمكن المساءلة عنه تحت وصف الإهمال الواضح.
أولا: ضرر السرقة كنتيجة لفعل الإهمال الواضح
         السرقة تأخذ مفهوم الاستيلاء على مال الغير بنيّة تملّكه، وبدون رضا صاحبه، أي بمعنى الاستيلاء على المال سواء كان عاما أو خاصا من حائزه وهو الموظف أو من في حكمه نتيجة عدم اتخاذه لجميع إجراءات الحراسة الضرورية والعناية الكافية لها.
         والسارق هنا لا يكون موظفا في نفس الجهة لأن الأمر عندئذ يكيّف بالاختلاس، وإنما يتعلق بشخص أجنبي عن الهيئة ولا تربطه أية  علاقة بها، كالموظف في البريد الذي يهمل غلق الصندوق فيقوم أحد المواطنين بسرقته، ولا يشترط في الفاعل أن يكون معروفا بل يكفي ثبوت السرقة دونما حاجة إلى حكم جزائي يدين الفاعل، أي يكفي وجود تقرير إداري عن حدوث السرقة من أجل تحريك الدعوى العمومية، عن جريمة الإهمال الواضح.
ثانيا: ضرر الاختلاس كنتيجة عن فعل الإهمال الواضح.
         يعتبر الاختلاس الضرر الثاني الذي يكون نتيجة للإهمال الواضح وفعل الاختلاس يعتبر أحد العناصر الضرورية لجرائم عدّة كالسرقة وخيانة الأمانة إلا أن مفهومه يـختلففي هذه الجرائم عنه في جريمة الاختلاس (المادة 119) حيث في هذه الأخيرة يتحقق هذا السلوك بمجرد تحويل المؤتمن حيازة المؤتمن عليه (المال العام أو الخاص) من حيازة ناقصة إلى حيازة تامة على سبيل التملك.
         وقد يطرح السؤال عن كيفية تصور الاختلاس في جريمة الإهمال الواضح أي أنه إذا قام الموظف ومن في حكمه باختلاس الأموال الموضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها فإنه يسأل من المفروض عن جريمة الاختلاس لا الإهمال الواضح.
         نقول أن المشرع هنا عندما نص على الاختلاس كضرر نتيجة فعل الإهمال الواضح يقصد به الرئيس لا المرؤوس في السلم الإداري،أي بمعنى أوضح طالما أن الرئيس له سلطة المراقبة والتوجيه من جهة وعليه واجب الحرص وبذل العناية للمحافظة عـلى الأمـوال من جهة أخرى سواء تلك الموضوعة تحت يده مباشرة أو تحت يد مرؤوسيــه بنــاء على طبيعة الوظيفة وقوانينها، فإنه يسأل عن إهماله إذا قام أحد مرؤوسيه باختلاس المال الذي تحت حوزته.
         وفي كل الأحوال يعاقب الجاني في جريمة الإهمال الواضح بحصول فعل الاختلاس بغض النظر عن الضرر المادي الذي يقع، وإنما يكفي وجود الاختلاس بتحويل حيازة المال من مؤقتة إلى تامة، وحسب رأينا أنه لا يشترط انتظار حكم قضائي يدين الجاني عن جريمة الاختلاس من أجل المتابعة عن جريمة الإهمال الواضح بل وجود تقرير إداري صادر عن لجنة من الهيئة المعنية أو غيرها يفيد وجود اختلاس كاف للمتابعة.
ثالثا: ضرر التلف والضياع كنتيجة لفعل الإهمال الواضح
         يقصد بالتلف هو تعرض الأموال العامة أو الخاصة إلى التخريب بطريقة تجعلها غير صالحة للاستعمال والاستفادة منها، وهذا التلف سواء كان كليا أو جزئيا،ومثاله: تعرض عقار أو منقول كالطرق والمباني والمزارع إلى التـخريب أو السفـاتج  إلى محو الكتابة المدونة عليها...الخ
         وتلف هذه الأموال وتعرضها للتخريب يجب أن يكون نتيجة إهمال الموظـف ومن في حكمه في توفير العناية الكافية لها،أما إذا تلفت لأسباب خارجة عن إرادته فلا يمكن مساءلته عن إهماله جزائيا.
         أما الضياع فيعني فقدان هذه الأموال وعدم الوقوف على أسباب اختفاءها وتضييعها، وفي الغالب يكون ذلك نتيجة الإهمال وعدم المبالاة كالموثق الذي يضيع النسخ الأصلية للعقود أو أمين الضبط الذي يتلف العقود اوالسندات الموجودة بالملف...الخ
         وبعد بيان طبيعة الأضرار التي حصرتها المادة 119 مكرر للمساءلة عن جريمة الإهمال الواضح، قد يطرح التساؤل باعتبار جريمة الإهمال الواضح من جرائم الامتناع ذات النتيجة فهل ترتيب النتيجة والضرر لازم لقيامها أم لا ؟
الفرع الثاني: ارتباط قيام جريمة الإهمال الواضح بالنتيجة المترتبة عنها.
         كما تم بيانه في بداية هذا المطلب، أنّ المشرع في المادة 119 مكرر اشترط أن يرتّب الإهمال الواضح الصادر من الموظف ومن في حكمه ضرر محقق.
         ومن هنا فإن تحقق النتيجة ( الضرر) يعدّ شرطا لازما للعقاب عن الإهمال الواضح لأن الغاية من العقاب في هذه الحالة هو لإعادة ضبط ما تم فقدانه نتيجة الإهمال، اي المساس بالثقة والاقتصاد الوطني، فإن لم تتضرر الأموال العامة أو الخاصة ولم تتزعزع الثقة الوظيفية فلا داعي للمساءلة الجزائية بل يكفي المساءلة التأديبية.

المطلب الرابع: العلاقة السببية بين الإهمال والضرر الحاصل.
          إن البحث في العلاقة السببية يفترض وجود العلاقة بين السلوك والنتيجة، فإذا تواجد السلوك ولم تتواجد النتيجة فلا مجال للبحث عن هذه الرابطة لأن هذه الأخيرة لا تقوم إلا بين السلوك والنتيجة ( الضرر الحاصل) التي يعتد بها المشرع في التكوين القانوني للجريمة (1)
وعلى هذا الأساس فإن النتيجة التي ينبغي ربطها ماديا بالسلوك لقيام الركن المادي هي فقط النتيجة التي يأخذها النص التجريمي بعين الاعتبار لقيام الجريمة قانونا أو لإمكان إحداث آثارها القانونية.
والمشكلة التي تطرح عند دراسة العلاقة السببية هي في حالة تعدد الأسباب أي أنه قد يجتمع إلى جانب الإهمال عوامل أخرى ساعدت على إلحاق الضرر بالمال، فأي سبب نأخذ به؟.


 

1 – راجع: د. مأمون سلامة، شرح قانون العقوبات – القسم العام – ط 1990، ص 144.




لقد تعددت النظريات الفقــهية في هذا المجال إلا أن المشرع الجـزائري يأخـذ في الكثير من الأحيان بنظرية السبب الفردي والمباشر ومؤدّى هذه النظرية أن السبب الذي يؤخذ به لربطه بالنتيجة هو العامل السابق مباشرة على تحقق النتيجة، أما باقي العوامل فهي ظروف للنتيجة (1)
ومنه وبالرجوع إلى نص المادة 119 مكرر فإنه يتبين اشتراطها الصريح بأن يكون الإهمال الواضح – وفق ما تم شرحه- هو السبب المباشر لا غير في حدوث الضرر بالمال العام أو الخاص للمساءلة الجزائية عن هذه الجريمة فبانتفاء هذا السبب تنتفي معه العلاقة السببية ومنه الجريمة.
وعلى هذا الأساس لمعرفة ذلك، ينبغي على القاضي طرح السؤال التالي: هل لو حرص الموظف ومن في حكمه على العناية بالمال على الوجه المفروض كما أمرت به القوانين واللوائح والتنظيمات، هل كان الضرر الذي لحق به سيقع؟
وكنتيجة عامة للمبحث الثاني فإنه يمكن القول أن الركن المادي يجب أن يتعامل معه القضاة بنوع من الرقابة والتشدد خاصة وأن السلوك الإجرامي مفهومه يخضع لتقدير القضاة أي يقاس بناءا  على ما جاءت به الأحكام الوظيفية من ضرورة مراعاة أقصى درجات الحيطة والحذر، والتقيّد كذلك بفعل الجريمة وحصر النتيجة في السرقة أو الاختلاس أو التلف والضياع وضرورة لزوم العلاقة بين النتيجة وفعل الإهمال.










المبحث الثالث: الركن المعنوي.
         الركن المعنوي في جريمة الإهمال الواضح يقوم على أساس الخطأ أي عدم وجود القصد الجنائي في ارتكاب الضرر على المال العام أو الخاص.
         والخطأ هنا هو الإهمال الذي هو صورة تتحقق عند إخلال الجاني بواجبات الحيطة والحذر والحرص للحفاظ على الأموال المحددة في المادة 119 مكرر.
ولعلّ العقاب عن هذا الإهمال الصادر من الموظف بالرغم من عدم تعـمّده له يرجع إلى إمكانية توقع النتيجة، وأنه بعدم انتباهه ولا مبالاته سينجر عنه حتما  تضرر للمال العام والخاص الموضوع تحت يده. (1)
المطلب الأول: تطور الركن المعنوي في جريمة الإهمال الواضح.
         إن جريمة الإهمال الواضح جريمة غير عمدية ولا قصدية تقوم على الخطأ الذي يتوفر بمجرد حصول ضرر مادي بفعل الإهمال الصادر من الجاني، فلا يشترط فيها توافر قصد جنائي ولا نيّة إضرار.
وبالرّجوع إلى الأحكام التي سبقت هذه الجريمة، أي قبل تعديل قانون العقوبات بموجب القانون 88/36 كانت المادة 432 الملغاة تشترط لقيام جريمة ترك الأموال أن يكون الفعل متعمدا، إلا أنّه بعد صدور القانون المذكور أعلاه جرّم المـشرع الإهمـال الخطيـر في المادة 422 حيث نص على معاقبة كل من أحدث أثناء التسيّير بسبب إهماله البالغ والظاهر ضررا مباشرا وهاما بالأموال العامة، وهنا تخلى عن الإرادة الجنائية المتعمدة والقصدية.
         ونتيجة لسوء تطبيق هذه المادة وتحت ضغط المسيّرين الاقتصاديين، اضطر المشرع إلى إلغاءها، ويبدو من خلال نص المادة 119 مكرر الجديدة أن المشرّع أعاد بعث المادة 421 في شكل جديد وبعنوان آخر إلا أنه أشد قمعا من النص القديم، إذ لم يعد يشترط أن يكون الإهمال بالغا أو الضرر هاما، كما وسّع ليشمل المال الخاص.
 

1 – يجب التأكيد هنا عن العلاقة السببية بين فعل الإهمال والضرر الحاصل، بحيث إذا أتبث الجاني قيامه بجميع تراتيب الحيطة والحذر فلا تقوم الجريمة.

الفرع الثاني: الخطأ غير العمدي في جريمة الإهمال الواضح
         يمكن تعريف الخطأ غير العمدي (1) بالمقابلة للقصد الجنائي، فإذا كان القصد الجنائي يقوم على إرادة النتيجة فإن الخطأ غير العمدي يقوم على عـدم إرادة النتيجـة، فـالنتيجة في الخطأ غير العمدي تتحقق رغما عن إرادة الجاني أي دون اتجاه الإرادة إلى تحقيقها، ويستوي بعد ذلك أن يكون الجاني قد توقعها، فعلا أو كان باستطاعته توقعها كما أن الجاني يجب أن يكون له موقف نفسي مرتبط بهذه النتيجة يرجع أساسا للإهمال وعدم مراعاة الواجبات المفروضة بمناسبة ممارسة السلوك الذي تسبب في إحداثها.(2)
         وعلى هذا الأساس فالخطأ غير العمدي في جريمة الإهمال الواضح يتكون أساسا من مركز نفسي، فهو يتوافر بالنسبة للموظف ومن في حكمه عند عدم توقع النتيجة الضارة بالأموال العامة أو الخاصة وكان في مكنته توقعها وتجنبها، وعدم التوقع إنّما يتأتى نتيجة لنقصان الانتباه والمبالاة المتعلقان بالإرادة، واللذان هما في حدّ ذاتهما حالة نفسية (3).
         وتخلف الانتباه المؤدي للإهمال قد يكون الدافع إليه إرجاع الاهتمام بمباشرة السلوك الواجب إلى وقت لاحق أو الحاجة إلى الاسترخاء والراحة أو غيره من العوامل.
         فالموظف ومن في حكمه تقوم في حقه قرينة ضرورة التوقع بأن إهمال القيام بالواجب المطلوب حفاظا على الأموال العامة أو الخاصة، سيؤذي حتما إلى الإضرار بها سواء بسرقتها أو اختلاسها أو تلفها أو ضياعها.

المطلب الثاني: معيار الخطأ غير العمدي في جريمة الإهمال الواضح
         قد يطرح التساؤل على أي أساس أو معيار يقاس وجود الإهمال في حق الموظف ومن في حكمه حتى يمكن قيام المسؤولية الجزائية في جانبه؟
 

1 – راجع: د. مأمون سلامة، المرجع السابق، ص 347.
2 – الجرائم إما تكون عمدية تقوم على أساس توفر القصد الجنائي، وإما غير عمدية تقوم بمجرد الخطأ.
3 – راجع: د. مأمون سلامة، المرجع السابق، ص 275.


         للإجابة عن هذا التساؤل يلجأ إلى القواعد العامة بهذا الشأن وبالضبط إلى معيار الرجل العادي، أي مدى قدرة المتهم على توقع النتيجة الضارة كأثر لإهماله وكذا ضرورة العلم بالظروف التي حدثت فيها، حتى يتسنى التفكير في توقعها من عدمه.
         فالقاضي لا يكتفي إذا أثار الموظف ومن في حكمه عدم قدرته على توقعه النتيجة الضارة ،لأن هذا أمر شخصي يستعصى إثباته، بل يجب الاعتماد على المعيار الموضوعي الذي يقضي عدم مطابقة سلوك الموظف لمستوى الحرص والانتباه والحيطة التي يتصف بها الرجل العادي من نفس الوظيفة في نفس الظروف.
      وتطبيقا لهذا المعيـار فإنه إذا خالف سلوك المـوظف ومن في حكمه سلوك الموظف العادي ،و كان في نفس الظروف التي أحاطت بالجاني سواء ما تعلق بحالته الصحية أو سنه أو ظروف الزمان والمكان، وكـذا اقدميته وكـفاءته(1)   ،فانـه تـقوم الجريمة فـي حقـه مع مراعاة طبيعة الوظيفة، فالإهمال الذي يرتكبه القاضي ليس كالإهمال الذي يرتكبه أمـين الضبط وقس على ذلك.
         والمعيار الموضوعي ما هو إلا وسيلة لإثبات وجود الإهمال في حقّ الموظف أو من في حكمه في القيام بالاحتياطات اللازمة لمنع النتيجة الضارة بالأموال العمومية، وهذا راجع لكون أن جريمة الإهمال الواضح ترجع بوجه عام إلى مخالفة قواعد الحيطة والحرص التي تقتضيها القوانين واللوائح والتنظيمات والمنشورات المتعلقة كلها بالوظيفة.
         وعلى هذا الأساس فإنه لإثبات وجود الإهمال في حق الموظف ومن في حكمه بالاعتماد على المعيار الموضوعي فإنه يتعين:
* وجود قواعد سلوكية تقتضيها الحياة الوظيفية.
* مخالفة الموظف ومن في حكمه هذه القواعد وذلك بتقصيره في واجب الحيطة والحرص.
* أن يكون عدم توقّع الموظف النتيجة ناتج عن إفراطه في الثقة بعد تحققها.
         ثم بعد ذلك يتم إسقاط هذه الشروط على الموظف العادي من نفس الوظيفة، في نفس الظروف الزمنية والمكانية ليتم الحكم في الأخير بوجود الإهمال من عدمه .                                                            
 

1 – جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية: " أن السلوك المعقول العادي للموظف تحكمه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والعرف، ومألوف الناس في عاداتهم وطبيعة مهنهم وظروفهم، فإن تخلى عن بذل القدر الذي يبذله أكثر الناس تهاونا كان تصرفه خطأ جسيما."

الفصل الثالث: قمع جريمة الإهمال الواضح.
       تعتبر جريمة الإهمال الواضح جنحة وتخضع لإجراءات المتابعة العادية، إلا أنّ ما جاءت به المادة119/ف3-4 فيما يخص المتابعة عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات العمومية الاقتصادية أثار بعض التحفظات على المتابعة التلقائية للنيابة لا سيما وأن كثير من القضاة يذهبون إلى تطبيق أحكامها.(أنظر الملحق)
المبحث الأول: المتابعة في جريمة الإهمال الواضح.
         لا تخضع المتابعة في الجريمة محل الدراسة لأيّ قيد أو إجراء كقاعدة العامة، إلا أن ماجاءت به الفقرة الثالثة والرابعة من المادة 119 التي أحالت عليها المادة 119 مكرر من اشتراط الشكوى عند تحريك الدعوى العمومية ضد المؤسسة العمومية الاقتصادية خلق بعض الإشكالات .
حيث تنص:"... عندما ترتكب الجريمة المنصوص عليها في هذه المادة أو الجرائم المنصوص عليها في المواد 119 مكرر أو 119 مكرر1 أو 128 مكرر أو 128 مكرر1 إضرارا بالمؤسسات العمومية الاقتصادية التي تملك الدولة كل رأسمالها أو ذات رأس المال المختلط، فإن الدعوى العمومية لا تحرك إلا بناءا على شكوى من أجهزة الشركة المعنية المنصوص عليها في القانون التجاري والقانون المتعلق بتسيير رؤوس الأموال التجارية."
         ولقد توصلنا عند التعليق على إشكالية انتساب المؤسسة العمومية الاقتصادية إلى الفئة المعنية بنص المادة 119 أو 119 مكرر إلى  وجود اتجاهين والأرجح فيهما، هو إخراج المؤسسة العمومية الاقتصادية من أحكام المواد المذكور أعلاه، وبذلك تصبح الفقرة 3 و4 من المادة 119 بدون موضوع.
المطلب الأول:إشكالية الشكوى في جريمة الإهمال الواضح.
         في الحقيقة أن اشتراط الشكوى لتحريك الدعوى العمومية عند الإضرار بالأموال التابعة للمؤسسة العمومية الاقتصادية بسبب الإهمال ما هو إلا تزيّد في غير محله، وهذا لأنه كما قال الدكتور احسن بوسقيعة- ونحن نؤيده في ذلك- أنه طالما الفقرة الثانية تتعلق بالتجريم ولم يرد من ضمن أشخاصها المؤسسة العمومية الاقتصادية فإن الفقرة الثالثة والرابعة تصبحان بدون موضوع.
         وما يؤكد هذا الرأي أن المشروع التحضيري عند عرض أسباب تعديل المادة 119 جعل الهدف يتمثل أساسا في إخراج المؤسسات العمومية الاقتصادية، التي أصبح رأسمالها مشتركا بين الدولة والخواص من مجال تطبيق قانون العقوبات وإحالتها إلى الأحكام المتعلقة بالشركات التجارية.
         وفضلا عن ذلك أن تطبيق قاعدة الالتزام بالتفسير الضيق للنص الجزائي تقتضي عدم تطبيق النص الجزائي على أشخاص لم يشملهم نص التجريم والعقاب، اللذان هما من اختصـاص المشرع، وليس للقاضي أن يكمـل النقص أو الفراغ التشريعي الـذي وقع فيه لا سيما في المجال الجزائي.
         وبغضّ النظر عن الملاحظات السابقة، ومسايرة لنص الفقرة الثالثة والرابعة فيما يتعلق بالمتابعة، خاصة وأنّ ما عايناه في الميدان أثناء التربص من اتجاه أغلب القضاة إلى تطبيقهما، فإننا سنقوم بدراسة شرط الشكوى ولو بصورة نظرية لاستبعادنا تطبيقها على نص المادة 119 مكرر.

المطلب الثاني: شرط الشكوى في جريمة الإهمال الواضح.
         الأصل أن جريمة الإهمال الواضح باعتبارها تمس بالمصالح العامة في المجتمع وتهدد أمنه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي نظرا للنتائج الخطيرة المترتبة عنها فإن مباشرة التحري وتحريك الدعوى العمومية يكون للنيابة بصفة تلقائية للمطالبة بحق المجتمع في توقيع العقاب.
         إلا أن المشرع استثنى  في تحريك الدعوى العمومية عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات العمومية الاقتصادية بضرورة تقديم الشكوى ضد الجاني وفق ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 119 مكرر، ولعل اشتراط المشرع هنا للشكوى رعاية منه لبعض المقتضيات التي تتطلبها المصلحة العامة في هذا النوع من المؤسسات.
        
وفي حالة تقديم الشكوى إلى النيابة العامة من طرف الأجهزة المخول لها ذلك قانونا فإن وكيل الجمهورية له أن يتخذ ما يراه بشأنها مناسبا وفقا لمبدأ الملائمة حيث له أن يحرك الدعوى العمومية أو يحفظ  الشكوى.
         والقانون لم يطلب تطبيقا للقواعد العامة إبداء الشكوى في شكل معين أي لم يشترط إفراغها في قالب شكلي معين، بحيث يمكن أن تكون كتابة أو شفوية لكن الأغلب أنها كتابية تدعيما للإثبات.
         وفي حالة إجراء المتابعة من النيابة بدون تقديم الشكوى، ودفع المتهم بدون صحتها أو عدم وجودها فإن الحكم يكون بعدم قبول الدعوى العمومية لعدم توفر شرط تحريكها.
         كما اشترطت المادة 119 من قانون العقوبات أن تقدم الشكوى ممن أجاز له القانون ذلك، وهؤلاء الأشخاص حدّدهم القانون المتعلق بتسيير رؤوس الأموال التجارية للدولة والقانون التجاري، ويشملون الجمعية العامة للمساهمين، مجلس الإدارة، الرئيس المدير العام للمؤسسة ونجد أيضا مجلس المديرين (1) ومجلس المراقبة (2) والشكوى هنا تقدم من ممثل أحد هذه الأجهزة.
         وفي حالة تهاون هذه الأجهزة في تقديم الشكوى بوجود الإهمال المتسبب في الضرر بمال المؤسسة العمومية الاقتصادية رتّب القانون في الفقرة الرابعة من المادة 119 من قانون العقوبات متابعة ممثلي هذه الأجهزة على أساس نص المادة 181 من نفس القانون أي يكيّف عدم إيداع الشكوى بالإهمال الواضح على أساس عدم التبـليغ عـن جنـاية وهـو ما يطرح إشكال في التطبيق.


 

1 – مجلس المديرين: عبارة عن لجنة استشارية في طبيعته، وهو يتكون من 03 إلى 05 مديرين فنيين كمدير الموظفين، مدير الدعايات ...الخ
2 – مجلس المراقبة: يشمل مفوضي المراقبة، مراقبي الحسابات ... الخ






المطلب الثالث: أهم الإشكالات التي تثيرها الفقرة الثالثة والرابعة من المادة 119 التي أحالت عليها المادة 119 مكرر.
         ما يلاحظ عند تطبيق نص المادة 119 ف3 وف4، بعض الإشكالات التي تنعكس بالضرورة على أحكام جريمة الإهمال الواضح يمكن إجمالها في (1):
* أن الفقرة الثالثة أشارت إلى القانون المتعلق بتسيير رؤوس الأموال التجارية للدولة رقم 95/25 المؤرخ في 25/09/1995 فحين أن هذا القانون تم إلغاؤه بموجب الأمر رقم 01/04 المؤرخ في20/08/2004  المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية وتسييرها وخصخصتها فما مدى تأثير هذا الإلغاء على حكم المادة 119/03 من قانون العقوبات.
* في حالة سحب الشكوى وعلى عكس بعض النصوص التي تشترط وجود شكوى لتحريك الدعوى العمومية  وتجعل سحبها يؤدي إلى انقضاء هذه الدعوى، لم تشر المادة 119 قانون العقوبات لذلك، مما يستدعي هنا تطبيق أحكام المادة 6 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص: " أنه تقتضي الدعوى العمومية في حالة سحب الشكوى إذا كانت هذه شرطا لازما للمتابعة."
* إذا لم تبادر أجهزة المؤسسة إلى تقديم الشكوى، ويحصل التبليغ من أعضاء الأجهزة فهل تقتصر المساءلة الجزائية على عدم الإبلاغ على الأعضاء الآخرين من دون العضو المبلّغ؟
* تكييف المتابعة الجزائية عن عدم إيداع الشكوى لدى النيابة في حالة وجود إهمال أدى إلى إلحاق ضرر بمال المؤسسة على أساس المادة 189 أي عدم التبليغ عن جناية،  فيه لبس وإشكال كون أن جريمة الإهمال الواضح تعدّ جنحة وليست جناية؟
         ولعل ملاحظتنا للأحكام والقرارات الصادرة عن مجلس قضاء مستغانم تذهب إلى تطبيق الأحكام المذكورة المتعلقة بالشكوى وذلك التزاما بحدود النص.


 

1 – راجع: د. أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 24.


المبحث الثاني: الجزاء في جريمة الإهمال الواضح.
         باعتبار أن جريمة الإهمال الواضح وفقا للمادة 119 مكرر تعد جنحة قرر لها المشرع عقوبة الحبــس مـن 06 أشهـر إلى 03 سنـوات وغرامـة من 50.000 دج إلى 200.000دج.
         ولعل هذه العقوبة سنها المشرع تحقيقا لغايات معينة.

المطلب الأول: عقوبة الحبس والغرامة في جريمة الإهمال الواضح
         تعاقب المادة 119 مكرر على فعل الإهمال الواضح بالحبس ما بين ستـة أشـهر إلى 03 سنوات وغرامة من 50.000دج إلى 200.000دج.
         وقد كانت المادة 422 قبل إلغاءها بموجب القانون رقم 01/09 تعاقب على ترك الأموال للضياع بعقوبات جنائية أو جنحية حسب جسامة الخسارة المسببة وذلك كما يلي:
 تكون جريمة جنحة إذا كانت الخسارة تقل عن مبلغ 1.000.000دج وتتراوح عقوبتها حسب جسامة الخسارة ما بين 06 أشهر و10 سنوات حبسا.
         تكون جناية وعقوبتها السجن من 05 إلى 10 سنوات إذا عادلت الخسارة مبلغ 1.000.000دج أو تجاوزته.
         والقاضي في تعامله مع نص المادة 119 مكرر ملزم بتطبيـق العقـوبة المـحددة في جميع الحالات وذلك مهما بلغت قيمة الضرر الحاصل بالأموال العامة أو الخاصة.
         أما عن باقي القواعد المتعلقة بظروف التخفيف فيمكن أن يستفيـد منـها الجـاني ولا استثناء عليه.

المطلب الثاني: مدى فعالية العقوبة المقررة في جريمة الإهمال الواضح.
         على اعتبار أن جريمة الإهمال الواضح جريمة غير قصدية ،أي لم يتعمّد الجاني الإضرار بالأموال العامة والخاصة، فإنه يلاحظ على العقوبة المقررة أنها جاءت تتناسب وعدم هذه الإرادة، وقد قررها المشرع ردعا للموظف ومن في حكمه وللقاضي وللضابط العمومي تذكيرا لهم بلزوم احترام السلوك الوظيفي الحريص، كما أنها تمثل عبرة للأشخاص الآخرين في ضرورة بذل عناية أكبر حفاظا على الأموال الخاصة والعامة منعا للضرر الذي قد يلحق بها سواء بسرقتها أو اختلاسها أو تلفها وضياعها.
كما أن تجريم الإهمال الواضح وفق العقوبات المقررة في المطلب السابق سيعيد الثقة الوظيفية خاصة ،وأنها تتعدى مجرد العقوبة التأديبية إلى العقوبة الجزائية التي تمثل الوسيلة المثلى للخواص لحماية أموالهم وتشجيعهم على استثمار أموالهم لدى المؤسسات المالية، بما يسمح على الزيادة في فعالية الهيئات المصرفية وبالضرورة عـلى المسـاعدة في التنمية الاقتصادية.












خـاتمـة:


         لطالما كان هدف المشرع من وراء كل إصلاح تشريعي هو تغطية النقائص التي تشوب النصوص القانونية السابقة بناء على المتطلبات والمستجدات المستمرة التي يمر بها المجتمع، فكان اهتمام السلطات العليا للبلاد في بداية الأمر منصبا على محاربة كل ما من شأنه المساس باقتصاد الدولة وبتوازناتها المالية الكبرى. فتم تجريم عدة أفعال الصادرة عن أشخاص يحملون صفات معينة ولهم دور فعال في توجيه ورقابة التصرف في المال العام من موظفين ومسيرين للمؤسسات الاقتصادية والإدارية، وكذا كل من له دور التصرف في هذا المال.
         وقد كانت النصوص العقابية المجرمة لهذه الأفعال تتسم بالشدة وخاصة تلك المتعلقة بجريمة التخريب الاقتصادي، أو تلك الماسة بمصالح الأمة، حيث قرر لها المشرع محاكمة خاصة بأقسام خاصة، بإجراءات ذات طابع قسري متشدد يتسم بالسرعة والتبسيط.
         لكن، ونظرا لمقتضيات سياسة الانفتاح ومتطلبات اقتصاد السوق والمنهج الليبرالي أدخل المشرع تعديلات إصلاحية جمة مست بالدرجة الأولى هذه الجرائم، بحيث ألغيث الجرائم الاقتصادية كجرائم ذات طبيعة خاصة، وتم إدراجها ضمن القانون العام تحت تسميات مختلفة.
ولعل جريمة الإهمال الواضح موضوع الدراسة والتي أراد من خلالها المشرع التخفيف من عبء النصوص السابقة، نجد بعد تحليلنا لها أنها تمتاز بنوع من الغموض أثر بالدرجة الأولى في تعامل القضاة معها أو فهم رجال القانون لها.
         وهذا الغموض – إن صح التعبير – ليس ناتجا سوى من النقائص التي أحاطت بالصياغة القانونية للعبارات الواردة ضمن المادة 119 مكرر، والتي أظهرت لنا بعض الملاحظات يمكن جمعها في ما يلي:
* أوردت المادة 119 مكرر في تحديدها للأشخاص الخاضعين لأحكامها "من هم في حكم الموظف"، وهذه الفئة الأخيرة وجدنا في تحليلنا لها أنها تتسم بالمرونة مما يترك للقاضي مجالا واسعا في استخدام سلطته التقديرية، وهو ما يتنافى ومبادئ القانون الجزائي.

* أشار المشرع إلى الإهمال من دون أن يحدد مجالاته، فهو باعتباره صورة من صور الخطأ غير العمدي يقتضي أيضا بيان مجالاته وصوره مثل عدم الحرص، عدم القيام بالواجبات...الخ، وهذا كله بغرض حصر القاضي في التكييف القانوني للفعل.
* إن المادة 119 مكرر تأثرت في أحكام المادة 119 وما شابهها من تعديل لاسيما في الجزء المتعلق بالمتابعة في المؤسسات العمومية الاقتصادية، وهو الأمر الذي خلق كما رأينا انقسام الاتجاهات في تطبيق أحكامها على هذه المؤسسات الاقتصادية إلى اتجاهين كل له حججه.
* نص المشرع على القانون 95-25 المؤرخ في 25/09/1995 والمتعلق بتسيير رؤوس الأموال التجارية للدولة، في حين أن هذا القانون ثم إلغاؤه بموجب الأمـر 01/04 المـؤرخ في 20/08/2004، والمتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية وتسييرها و خوصصتها.
* إن اشتراط الشكوى للمتابعة الجزائية في المؤسسات العمومية الاقتصادية، خلق نوع من اللاوضوح في تجريم أعمال التسيير، وهذا فيه خطر على المال العمومي – إن سلمنا بأن المؤسسة العمومية الاقتصادية تخضع لأحكام المادة 119 مكرر.
         وفي كل هذه الملاحظات يبقى دائما النـص القانوني للمـادة 119 مكـرر، بـحاجة إلى التغييرات تتماشى والتطور الذي يشهده فكر التسيير الإداري والمالي المتعلق بالمال العمومي، ولهذا الغرض فإننا نقترح إدخال بعض التعديلات على نص المادة 119 والمادة 119 مكرر لتشمل أساسا:
- الابتعاد عن الغموض في الصياغة القانونية للعبارات، وهذا باستعمال مفردات من شأنها توضيح وبيان الفعل المجرم وطبيعته دون أي تفسير يتطلبه.
- حذف الفقرة 03 و 04 من المادة 119 التي أحالت عليها المادة 119 مكرر، وفي الحالة العكسية وجوب التنصيص على المؤسسة العمومية الاقتصادية في الفقرة الثانية من نفس المادة.
- ذكر المشرع سبب الوظيفة دون المناسبة، وفي هذا تضييق للنص في التطبيق.
- بيان صور الإهمال المعاقب عليه جزائيا، كعدم الحرص أو عدم القيام بالواجبــات، وهذا على سبيل الحصر درءا لتعدد التأويلات والتفسيرات.
- معنى الوضوح يشمل أساسا كل ما يمكن تبينه، وهذا يعني أن الإهمال البسيط غير معاقب عليه، حتى وإن تضرر المال العام، وهو الأمر الذي يتنافى وروح النص، لذلك فإنه من الضروري الاستغناء عن هذه العبارة بمصطلح " الإهمال " فقط.
         وأخيرا، وإلى حين إدخال المشرع للتعديلات التي يراها ضرورية فإن المحـكمة العليا مدعوة إلى بيان اجتهادها حول جل المسائل التي تعددت الاتجاهات بشأنها، ولاسيما في ما يخص تطبيق نص المادة 119 مكرر على المؤسسات العمومية الاقتصادية.



المراجع باللغة العربية
*  الدكتـــــور عبد الله سليمـــان"شرح قانون العقوبات ،القسم العام ، الجريمة " دار الهدى،عين مليلة ، الطبعة الثانية سنة 1990 .
* الأستاذ كمال رحماوي "تأديب الموظف العام في القانون الجزائري " دار هومـــة، الطبعـــــــة 2003 .
*   جيلالي بغدادي "التحقيق دراسة مقارنة نظرية وتطبيقية " الفقرة الأولى  1999.
*   الدكتور عبد الله أو هايبية"شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري " دار هومة 2004 .
 *  الدكتور أحسن بوسقيعة"الوجيز في القانــــــــــون الجنائي الخاص " الجــــزء الأول و الثانـي دار هومــــة طبعـــــة 2004 .
*  الدكتور ماجد راغب الحلو " القانون الإداري " دار المطبوعات الجديدة الطبعة 2000
*  الدكتور عبد الحميد الشواربي"التعليق الموضوعي على قانون العقوبات "جنايات و الجنح المضرة بالمصلحة  لعامة " منشاة المعارف طبعة 2003 " .
*  الدكتور رمسيس بهنام"الجرائم المقترنة بالمصلحة العامة "دار المعارف الإسكندرية.
*  الدكتور محمد عوض، الجرائم المقترنة بالمصلحة العامة " دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية " الطبعة 2 سنة 1996.
*  الدكتور عبد الحميد الشواربي " شرح العقوبات منشأة المعارف الاسكندرية الطبعة 1991.
*   الدكتور توفيق شحاتة " مبادئ القانون الإداري " دار المطبوعات الجامعية  الإسكندرية سنة 1952 .
*  الدكتور محمد احمد عابديــــــــن"جرائـم الموظف العام " دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية ،الطبعة الاولى1985.
*  الدكتور فتوح عبد الله الشاذلي"قانون العقوبات القسم الخاص"دار المطبوعات جامعية الإسكندرية  الطبعة الثانية 1996  .
*   الدكتور محمد زكي ابعامر ، الدكتور عبد المنعم ، قانون العقوبات الخاص بالمؤسسة الجامعية للدراسات و التسيير الطبعة 1999.
*  مأمون سلامة"قانون العقوبات " دار الفكر العربي ،الطبعــــــــة الثالثة 1990 .
*   الدكتور سليمان الطماوي "الوجيز في القضاء الاداري"دار الفكر العربي سنة 1971.
*  الدكتور سامي حامد سليمان"نظرية الخطأ الشخصي في مجال المسؤولية الإدارية  " دارسة مقارنة"،  دار الفكر العربي،  الطبعة الأولى  1988 .
*  المستشار عبد الحكيم فوده،"جرائم الإتلاف"دار الفكر الجامعي سنة 1998.
المراجع باللغة الفرنسية
1- GESTON JEZE : les principes généraux de droit administratif 1930
                                       2- WALINE:traité élémentaire de droit administratif paris 1952
3- ALIN PLANTEY : la fonction publique ,traité général 2éme édition.
4- DICTIONNAIRE JURIDIQUE Français – Arabes  Par Ibrahim Nadjarahmed–Zaki Badaui  Youssef Abella Librairie Liban
5-Code Pénal –Nouveau code pénale- ancien code pénal ,Dalloz 1995-96.

المجلاّت
مجلة الفكر القانوني  :الصادرة عن اتحاد الحقوقيين الجزائريين ،العدد الاول  ،نوفمبر 1984

النصوص القانونية:

1 / الأمر رقم 66 – 133 المؤرخ في 20 يونيو 1966 المتضمّن القانون الأساسي للوظيفة العمومية – الجريدة الرسمية العدد 46 – الصادرة بتاريخ 08 يونيو 1966 .
2 / الأمر  رقم 66 – 155 المؤرخ في 08 يونيو1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية الجريدة الرسمية، ج. ج العدد 49 الصادرة بتاريخ 11 يونيو 1966 المعدل والمتمم.
3 / الأمر رقم  66 – 156 المؤرخ في 08 يونيو 1966 المتضمّن قانون العقوبات الجريـــــدة الرسمية ج. ج العدد 49 الصادرة بتاريخ 11 يونيو 1966 المعدل والمتمم.
4 / القانون المدني الجزائري الصادر في 26 سبتمبر 1975 - وزارة العـــــدل – الديوان   الوطني للأشغال التربوية – الطبعة 2 سنة 2000 .
5 / المرسوم رقم 85 – 59 المؤرخ في 23 مارس 1985 المتضمن القانــــــــون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العمومية – الجريدة الرسمية ج . ج العدد 13    الصادر بتاريخ 24 مارس 1985 .
6 /القانون رقم 88/01 المؤرخ في12/01/1988 المتضمّن توجيه المؤسسات العمومية
7 / القانون رقم 88 – 27 المؤرّخ في 12 يوليو 1988 المتضمن مهنة الموثق – الجريــــدة لرسمية ج. ج العدد 53 الصادرة بتاريخ 13 ديسمبر 1989 .
8 / القانون رقم 91 – 03 المؤرخ في 08 يناير 1991 المتضمّن مهنة المحضر- الجريـــدة الرسمية ج . ج العدد 2 الصادرة بتاريخ 09 يناير 1991 .
9 / الأمر رقم 95 – 13 المؤرخ في 11 مارس 1995 المتضمن مهنة المترجم – الترجمان الرسمي – الجريدة الرسمية ج. ج العدد 17 الصادرة بتاريخ 29 مارس 1995 .
 10/ الأمر 95/26 المؤرخ في 25/09/1995 المتعلق بتسيير رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة.
11 / الأمر رقم 96 – 02 المؤرخ في 10 ينايـــــــــر 1996 المتضمّن مهنة المحافــــظ البيع  بالمزايدة – الجريدة الرسمية ج . ج العدد 03 الصادر بتاريخ 14 يناير 1996 .        
12/ الأمر 01/04














































تعليقات