البصمة الوراثية وحجيتها في الإثبات
البصمة الوراثية
و حجيتها في الإثبات
طالب علم
المبحث الأول
بسم الله الرحمن
الرحيم
النسب
المسألة الأولى
:مفهومه
النسب في اللغة : القرابة ، وسميت القرابة نسباً لما بينهما من صلة
واتصال ، وأصله من قولهم نسبته إلي أبيه نسباً ، ومن باب طلب ، بمعني : عزوته إليه
، وانتسب إليه : اعتزي.
والاسم : النسبة بالكسر ، وتجمع علي نسب ، قال ابن السكيت : يكون من
قبل الأب ، ومن قبل الأم ، وقال بعض أهل اللغة : هو في الآباء خاصة علي اعتبار أن
المرء إنما ينسب لأبيه فقط ولا ينسب لأمه إلا في حالات استثنائية .
وقد استعمل النسب وهو المصدر في مطلق الوصلة بالقرابة فيقال : بينهما
نسب أي قرابة ،وجمعه أنساب .قال الراغب الأصفهاني النسب والنسبة : اشتراك من جهة
أحد الأبوين وذلك ضربان : نسب بالطول ، كالاشتراك من الآباء والأبناء ، ونسب
بالعرض ، كالنسبة بين بني الأخوة ، وبني الأعمام ([1])
إصطلاحاً :
مع البحث المستفيض في كثير من المصنفات في المذاهب الفقهية الأربعة لم
أقف علي تعريف شرعي للنسب جامع مانع إذ يكتفي الفقهاء بتعريف النسب بمعناه العام ،
المستفاد في معناه في اللغة وهو مطلق القرابة بين شخصين ، دون أن يعرفوه بالمعني
الاصطلاحي الشرعي ، وهو الذي يفيد صحة ثبوت النسب لشخص ما ، أو عدم ثبوته له . ومن
تلك التعريفات العامة تعريف العلامة البقري بقوله : ( هو القرابة ، والمراد بها
الرحم ، وهي لفظ يشمل كل من بينك وبينه قرابة ، قربت أو بعدت ، كانت من جهة الأب
أو من جهة الأم ) ([2])
وعرفه صاحب العذب الفائض ، بالقرابة أيضاً ، ثم قال ( وهي الاتصال بين
إنسانين بالاشتراك في ولادة قريبة أو بعيدة .
وقد حاول بعض الباحثين المعاصرين تعريف النسب بمعناه الاصطلاحي الخاص
، وهو القرابة من جهة الأب باعتبار أن الإنسان إنما ينسب لأبيه فقط فقد قال في
تعريفه : ( حالة حكمية إضافية بين شخص وآخر ، من حيث أن الشخص انفصل عن رحم امرأة
هي في عصمة زوج شرعي ، أو ملك صحيح ، ثابتين ، أو مشبهين الثابت للذي يكون الحمل
من مائه ) ([3])
المسألة الثانية : رعاية الشريعة الإسلامية للنسب :
أولت الشريعة الإسلامية النسب مزيداً
من العناية ، وأحاطته ببالغ الرعاية ، ولا أدل علي ذلك من جعله في طليعة
الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية علي وجوب حفظها ورعايتها .
وأن من أجلى مظاهر العناية بالنسب في الإسلام أن الله تعالي امتن على
عباده بأن جعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا ، فقال عز وجل : (( يا أيها الناس إنا
خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم
)) ([4])
ولا يتحقق معرفة الشعوب والقبائل ، وما يترتب علي ذلك من تعارف وتألف إلا بمعرفة
الأنساب وحفظها عن الاشتباه والاختلاط .
ومن أجل ذلك عني الإسلام أيما عناية بتنظيم العلاقة بين الرجل والمرآة
ضماناً لسلامة الأنساب ، فحرم الإسلام كل اتصال جنسي يتم علي أصول شرعية يحفظ لكل
من الرجل والمرآة ما يترتب ما يترتب علي هذا الاتصال من آثار ، وما ينتج عنه من
أولاد ، وأبطل جميع أنواع العلاقات التي تعارفت عليها بعض الأمم والشعوب التي
انحرفت عن شرائع الله السوية ، ولم يبح الإسلام سوي العلاقة القائمة علي النكاح
الشرعي بشروطه المعتبرة ، أو بملك اليمين الثابت ، ولذا قال عز وجل ) والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا علي أزواجهم
أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن أبتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون ( ([5])
ومن مظاهر عناية الإسلام بالنسب أنه شدد النكير ، وبالغ في التهديد
للآباء والأمهات حين يقدمون علي إنكار نسب أولادهم الثابت ويتبرؤون منهم ، أو حين
ينسبون لأنفسهم أولاداً ليسوا منهم
وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام : ( أيما امرأة أدخلت علي قوم من
ليس منهم فليست من الله في شيء ، ولن يدخلها الجنة ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر
إليه ، احتجب الله منه يوم القيامة ، وفضحه علي رؤوس الأولين والآخرين ) ([6])
وحرم الإسلام الانتساب إلي غير الآباء حيث قال عليه الصلاة والسلام في
معرض التحذير من ذلك ، وبيان الوعيد الشديد علي فاعله : ( من ادعي إلي غير أبيه
وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) ([7])
وأبطل الإسلام التبني وحرمه ، بعد أن كان مألوفاً وشائعاً عند أهل
الجاهلية وفي صدر الإسلام ، يقول عز وجل )
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم
( ([8])
وإنما حرم الإسلام التبني لما يترتب عليه من مفاسد كثيرة لكون المتبني
ابناً مزوراً في الحقيقة والواقع ، وعنصراً غريباً عن الأسرة التي أنضم إليها ،
ولا يحل له أن يطلع علي محارمها ، أو يشاركها في حقوقها ، إضافة إلي أنه قد لا ينسجم
مع أخلاقها ، ولا يتلاءم مع طباعها ، لإحساسه وإحساس الأسرة بأنه أجنبي عنها ،
وسواء كان المتبني معروف النسب أو مجهولة ، إلا أن الإسلام مع هذا يلحق المجهول
بمن أدعاه بمجرد الدعوى ، مع إمكان كونه منه عادة ، وكل هذا من عناية الشريعة
الإسلامية بالنسب ، ومزيد رعايتها له تحقيقاً لمقاصد عظيمة ، وحكم جليلة .
المسألة الثالثة :الوسائل الشرعية لإثبات النسب :
والمقصود هنا بيان طرق إثبات النسب بياناً مجملاً ، دون الدخول في
تفاصيل آراء العلماء في بعض الشروط والصور المعتبرة في كل طريق من طرق إثبات النسب
.
وطرق إثبات النسب خمسة ، وهي : الفراش ، الإستلحاق ، والبينة ،
والقافة ، والقرعة . فالثلاثة الأول محل اتفاق بين العلماء ([9])
وأما الرابع فيه قال الجمهور ، وأما الخامس فيه قال بعض أهل العلم ،
ودونك الكلام علي كل واحد من هذه الطرق بشيء من الإيضاح علي النحو التالي :
أولاً : الفراش :
أجمع العلماء رحمهم
الله تعالي علي إثبات النسب به بل هو علي أقوي الطرق كلها ، قال العلامة بن القيم
: ( فأما ثبوت النسب بالفراش فأجمعت عليه الأمة ) ([10]) والمراد
بالفراش : فراش الزوجة الصحيح ، أو ما يشبه الصحيح ، فالصحيح هو عقد النكاح
المعتبر شرعاً ، حيث توفرت أركانه وشروطه ، وانتفت موانعه ، وأما ما يشبه الصحيح
فهو عقد النكاح الفاسد ، وهو المختلف في صحته ، وكذا الوطء بشبهة علي اختلاف
أنواعها ، فإن حكمه حكم الوطء بنكاح صحيح فيما يتعلق بثبوت نسب المولود الناتج عن
ذلك الوطء .
فإذا أتت المرآة بولد ممن يمكن ان يولد لمثله لستة أشهر منذ الوطء ،
أو إن كان الوطء ، فإن النسب يثبت لصاحب الفراش إذا ولد حال الزوجية حقيقة ، أو
حكماً كما في المعتدات ، لقوله عليه الصلاة والسلام ( الولد للفراش وللعاهر الهجر
) ([11])
ويدخل في الفراش عند جمهور العلماء الوطء بملك اليمين ، وهو ما يعبر
عنه بعض الفقهاء بالإستيلاد ، فإذا كان لرجل سُرية يطئها بملك اليمين ، فإنها تعد
فراشاً عند الجمهور ([12])
أما الحنفية فيرون أن فراش الأمة فراش ضعيف ، لا يلتحق الولد بصاحب الفراش إلا
باستلحاقه له ، علي تفصيل عندهم في هذا ([13])
ثانياً : الاستلحاق :
ويعبر عنه أيضاً بـ ( الإقرار بالنسب ) وغالباً ما يكون في أولاد
الإماء والإقرار بالنسب علي نوعين :
الأول :
إقرار يحمله المقر علي نفسه فقط كالإقرار بالبنوة ، أو الأبوة .
الثاني :
إقرار يحمله المقر علي غيره وهو ما عدا الإقرار بالبنوة والأبوة كالإقرار بالأخوة
، والعمومة .
وقد أشترط الفقهاء لصحة الإقرار بالنسب في كلا النوعين شروطاً لا بد
من تحققها لصحة الإقرار وثبوت النسب بمقتضاه ، فاشترطوا لصحة الإقرار بالنسب علي
النفس الشروط التالية :
1-
أن يكون المقر بالنسب بالغاً ، عاقلاً ، فلا يصح إقرار الصغير ، ولا المجنون
، لعدم الاعتداد بقولهم لقصورهم عن حد التكليف .
2-
أن يكون المقر له بالنسب ممن يمكن ثبوت نسبه من المقر ، وذلك بأن يولد
مثله لمثله ، فلو أقر من عمره عشرون ببنوة من عمره خمسة عشر لم يقبل إقراره ،
لاستحالة ذلك عادة .
3-
أن يكون المقر له مجهول النسب ، لأن معلوم النسب لا يصح إبطال نسبه
السابق بحال من الأحوال .
4-
ألا يكذب المقرب المقر له المقر ، إن كان أهلاً لقبول قوله ، فإن كذبه
فإنه لا يصح الإقرار عندئذ . ولا يثبت به النسب .
5-
أن لا يصرح المقر بأن المقر له ولده من الزنا ، فإن صرح بذلك فإنه لا
يقبل إقراره ، لأن الزنا لا يكون سبباً في ثبوت النسب لقول النبي صلي الله عليه
وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر)
6-
أن لا ينازع المقر بالنسب أحد ، لأنه إذا نازعه غير فليس أحدهما أولي
من الأخر بمجرد الدعوى ، فلابد من مرجح لأحدهما فإن لم يكن فإنه يعرض علي القافة ،
فيكون ثبوت النسب لأحدهما بالقيافة لا بالإقرار .
فإذا توفرت هذه الشروط ثبت نسب المقر له من المقر ، وثبت بمقتضي ذلك
جميع الأحكام المتعلقة بالنسب . فإن كان الإقرار بالنسب فيه تحميل للنسب علي الغير
، كالإقرار بأخ له ونحوه ، فإنه يشترط لصحة ثبوت النسب إضافة إلي الشروط المتقدمة
ما يأتي :
1-
اتفاق جميع الورثة علي الإقرار بالنسب المذكور
2-
أن يكون الملحق به النسب ميتاً ، لأنه إذا كان حياً فلابد من إقراره
بنفسه .
3-
أن لا يكون الملحق به النسب قد أنتفي من المقر له في حياته باللعان ([14])
ثالثاً : البينة :
والمراد بها الشهادة ، فإن النسب يثبت لمدعيه بناء علي شهادة العدول بصحة ما ادعاه وقد أجمع العلماء علي أن النسب يثبت لمدعيه بشهادة رجلين عادلين ، واختلفوا في إثباته بغير ذلك : كشهادة رجل وامرأتين ، أو شهادة أربعة نساء عادلات ، أو شهادة رجل ويمين المدعي ، حيث قال بكل حالة من هذه الحالات طائفة من العلماء ، غير أن مذهب جماهير أهل العلم ، وهم المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، أنه لا يقبل في إثبات النسب بالشهادة إلا شهادة رجلين عادلين ([15])
فإذا ثبت نسب المدعي بالبينة لحق نسبه بالمدعي وترتب عليه ثبوت جميع
الأحكام المتعلقة بالنسب .
رابعاً : القيافة :
وهي لغة تتبع الآثار لمعرفة أصحابها ، والقائف : من يتبع الأثر ويعرف
صاحبه ، وجمعه قافه ([16])
والقائف في الاصطلاح الشرعي : هو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلي
أعضاء المولود ([17])
والقيافة عند القائلين بالحكم بها في إثبات النسب ، إنما تستعمل عند
عدم الفراش ، والبينة ، وحال الاشتباه في نسب المولود والتنازع عليه ، فيعرض علي
القافة ، ومن ألحقته به القافة من المتنازعين نسبه ، ألحق به .
وقد أختلف العلماء في حكم إثبات النسب بها علي قولين مشهورين :
القول الأول :
أنه لا يصح الحكم بالقيافة في إثبات النسب ، وبه قال الحنفية ([18])
القول الثاني :
اعتبار الحكم بالقيافة في إثبات النسب عند الاشتباه والتنازع . وبه قال جمهور
العلماء ، حيث قال به : الشافعية ([19])والحنابلة ([20]) والظاهرية ([21]) والمالكية في أولاد الإماء في المشهور من
مذهبهم ، وقيل : في أولاد الحرائر أيضاً ([22]) ومما لا شك
فيه أن ما ذهب إليه الجمهور من الحكم بالقيافة واعتبارها طريقاً شرعياً في إثبات
النسب هو الراجح ، لدلالة السنة المطهرة علي ذلك ، وثبوت العمل بها عند عدد من
الصحابة رضي الله عنهم ، ولم يعرف لهم مخالف ، فكان كالإجماع منهم علي الحكم بها ،
قال العلامة بن القيم رحمه الله في بيان حجية العمل بالقيافة في إثبات النسب وقد
دل عليها سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعمل خلفائه الراشدين ، والصحابة من بعدهم ، منهم عمر بن الخطاب ،
وعلي بن أبي طالب ، وأبو موسى الأشعري ، وابن عباس ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم ،
ولا مخالف لهم في الصحابة ، وقال بها من التابعين سعيد بن المسيب ، وعطاء بن أبي
رباح ، والزهري ، وإياس بن معاوية ،
وقتادة وكعب بن سور ومن تابعي التابعين اليس بن سعد ومالك بن أنس وأصحابه وممن
بعدهم الشافعي وأصحابه ، وأحمد وأصحابه ، وإسحاق وأبو ثور ، وأهل الظاهر كلهم ،
وبالجملة فهذا قول جمهور الأئمة ، وخالفهم في ذلك أبو حنيفة وأصحابه وقالوا العمل
بها تعويل علي مجرد الشبه ، وقد يقع بين الأجانب ، وينتفي بين الأقارب ) ([23])
هذا وقد أشترط الجمهور لاعتبار قول القائف ، والحكم به في إثبات النسب
عدة شروط من أهمها : أن يكون القائف مسلماً مكلفاً ، عدلاً ، ذكراً ، سميعاً ،
بصيراً ، عارفاً بالقيافة ، مجرباً في الإصابة ([24])
وقد ذهب أكثر القائلين بالحكم بالقيافة إلي جواز الاكتفاء بقول قائف
واحد والحكم بإثبات النسب بناء علي قوله ، بينما ذهب آخرون إلي أنه لا يقبل في ذلك
أقل من أثنين .
ومبني الخلاف في ذلك علي اعتبار القائف هل هو شاهد ، أو مخبر ، فمن
قال بالأول أشترط أثنين ، ومن قال بالثاني أكتفي بواحد ، وقيل مبني الخلاف علي أن
القائف هل هو شاهد أو حاكم ؟ قال الباجي :
(وجه القول الأول : أن هذه طريقة الخبر عن علم يختص به القليل من الناس كالطبيب
والمفتي ، ووجه القول الثاني انه يختص بسماعه ، والحكم به ، الحكام ، فلم يجز في
ذلك أقل من أثنين ([25])وقال في
الإنصاف : ( وهذا الخلاف مبني عند كثير من الأصحاب علي أنه هل هو شاهد أو حاكم ؟
فإن قلنا هو شاهد اعتبرنا العدد ، وإن قلنا هو حاكم : فلا وقالت طائفة من الأصحاب
: هذا خلاف مبني علي أنه شاهد ، أو مخبر ، فإن جعلناه شاهداً اعتبرنا العدد ، وإن
جعلناه مخبراً لم نعتبر العدد ، كالخبر في الأمور الدنيوية ) ([26]) ورجح العلامة
بن القيم الاكتفاء بقول قائف واحد محتجاً بذلك بقوله : ( ومن حجة هذا القول ، وهو
قول القاضي وصاحب المستوعب ، والصحيح من مذهب الشافعي ، وقول أهل الظاهر أن النبي
صلي الله عليه وسلم سر بقول مجزز المدلجي وحده ، وصح عن عمر أنه أستقاف المصطلقي
وحده كما تقدم ، واستقاف بن عباس ابن كلبة وحده ، واستلحقه بقوله . وقد نص أحمد
علي أنه يكتفي بالطبيب والبيطار الواحد إذا لم يوجد سواه ، والقائف مثله
............ بل هذا أولي من الطبيب والبيطار ، لأنهما أكثر وجوداً منه فإذا أكتفي
بالواحد منهما مع عدم غيره فالفائق أولي ([27]) هذا وإن لم
تتفق الفاقة علي إلحاق المجهول نسبه بأحد المدعيين ، بل تباينت أقوالها وتعارضت ،
فإن قولها يسقط لتعارضها ، كالبينتين إذا تعارضتا تساقطتا ، إلا في حالة واحدة وهي
أن يتفق اثنين من الفاقة علي إلحاقه بشخص ، ويخالفهما قائف واحد ، فإنه لا يلتفت
إلي قوله ، ويؤخذ بقول الاثنين لأنهما كالشاهدين ، فقولهما أقوي من قول الواحد .
أما ما عدا ذلك من حالات الاختلاف كأن يعارض قول اثنين قول اثنين
أحرين ، أو قول ثلاثة فإن قول القافة يسقط في هذه الحالات كلها . وبهذا قال
الحنابلة ([28])
أما لو أخذ بقول القافة ، وحكم به حاكم ، ثم جاءت قافة أخري فألحقته بشخص أخر ،
فإنه لا يلتفت إلي قول المتأخرة منهما ، لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف ، ومثل هذا
أيضاً لو رجعت القافة عن قولها بعد الحكم به وألحقته بشخص أخر فإنه لا يلتفت إلي
رجوعها عن قولها الأول لثبوت نسب المجهول بمن ألحق به أولاً وبهذا قال الشافعية
والحنابلة ([29])
وإذا لم يؤخذ بقول القافة لاختلاف أقوالها ، أو أشكل الأمر عليها فلم تلحقه
بواحد من المدعين ، أو لم توجد قافة ، فإن نسب المجهول يضيع علي الصحيح من مذهب
الحنابلة ([30])
والقول الأخر للحنابلة هو مذهب الشافعية ([31]) : أن الأمر
يترك حتى يبلغ المجهول ، ثم يؤمر بالانتساب إلي أحد المدعين ، لأنه روي عن عمر رضي
الله عنه أنه قال للغلام الذي ألحقته القافة بالمدعيين ( وال أيهما شئت ) ([32]) ، ولأنه إذا
تعذر العمل بقوله الفاقة رجع إلي اختيار الولد الجبلي ، لأن الإنسان يميل بطبعه
إلي قريبه دون غيره ، ولأنه إذا بلغ صار أهلاً للإقرار ، فإذا صدقه المقر له فيثبت
نسبه حينئذ بالإقرار .
وفي قول في كلا المذهبين : أنه يؤمر بالاختيار والانتساب إلي أحد
المدعيين إذا بلغ سن التمييز . والمفهوم من مذاهب المالكية : أن الحكم كذلك ، حيث
نصوا علي أن الفاقة إذا بأكثر من أب ألحق بهم حتى يبلغ ، ثم يؤمر باختيار واحد
منهم ([33])
المبحث الثاني
البصمة الوراثية
المسألة الاولى :
مفهومها :
البصمة مشتقة من البُصْم وهو : فوت ما بين طرف الخنصر إلي طرف البنصر
يقال ما فارقتك شبراً ، ولا فتراً ، ولا عتباً ، ولا رتباً ، ولا بصماً . ورجل ذو
بصم أي غليظ البصم وبصم بصماً : إذا ختم بطرف إصبعه .
فالبصمة عند الإطلاق ينصرف مدلولها غلي بصمات الأصابع وهي :
الانطباعات التي تتركها الأصابع عند ملامستها سطحها مصقولاً ، وهي طبق الأصل
لأشكال الخطوط الحلمية التي تكسو جلد الأصابع وهي لا تتشابه إطلاقاً حتى في أصابع
الشخص الواحد .
المسألة الثانية : ماهية البصمة الوراثية : -
مما تقدم في بيان التعريف اللغوي للفظ البصمة يتضح أن من أهم فوائد
معرفة بصمات الأصابع الاستدلال بها علي مرتكبي الجرائم من خلال ما ينطبع من
بصماتهم علي الأجسام المصقولة في محل الجريمة ، فهي قرينة قوية في التعرف علي
الجناة ، ولقد تجاوزت الاكتشافات الطبية الحديثة معرفة هذه الخاصية من جسم الإنسان
إلي اكتشاف خواص كثيرة فيه وإدراك مدي تأثير تلك الخواص في الوراثة عن طريق أجزاء
من جسم الإنسان من دم أو شعر أو مني ، أو بول أو غير ذلك .
وقد دلت الاكتشافات الطبية أنه يوجد في داخل النواة التي تستقر في
خلية الإنسان ( 46 ) من الصبغيات ( الكروموسومات ) وهذه الكروموسومات تتكون من
المادة الوراثية – الحمض النووي الريبوري اللأكسجيني – والذي يرمز إليه بـ (دنا )
أي الجينات الوراثية ، وكل واحد من الكروموسومات يحتوي علي عدد كبير من الجينات
الوراثية قد تبلغ في الخلية البشرية الواحدة إلي مائة ألف مورثة جينية تقريباً
وهذه المورثات الجينية هي التي تتحكم في صفات الإنسان ، والطريقة التي يعمل بها ،
بالإضافة إلي وظائف أخرى تنظيمية للجينات .
وقد أثبتت التجارب الطبية الحديثة بواسطة وسائل تقنية في غاية التطور
والدقة : أن لكل إنسان جينوماً بشرياً يختص به دون سواه ، لا يمكن أن يتشابه
فيه مع غيره أشبه ما يكون ببصمة الأصابع في خصائصها بحيث لا يمكن تطابق الصفات
الجينية بين شخص وآخر حتى وإن كانا توأمين .
ولهذا جري إطلاق عبارة ( بصمة وراثية ) للدلالة علي تثبيت هوية الشخص أخذاً من عينة
الحمض النووي المعروف بـ ( دنا ) الذي يحمله الإنسان بالوراثة عن أبيه وأمه ، إذ
أن كل شخص يحمل في خليته الجينية ( 46 ) من صبغيات الكروموسومات ، يرث نصفها وهي (
23 ) كروموسوماً عن أبيه بواسطة الحيوان المنوي ، والنصف الأخر وهي ( 23)
كروموسوماً يرثها عن أمه بواسطة البويضة وكل واحد من هذه الكروموسومات والتي هي
عبارة عن جينات الأحماض النووية المعروف باسم ( دنا ) ذات شقين ويرث الشخص شقاً
منها عن أبيه والشق الأخر عن أمه فينتج عن ذلك كروموسومات خاصة به لا تتطابق مع
كروموسومات أبيه من كل وجه ن ولا مع كروموسومات أمه من كل وجه وإنما جاءت خليطاً
منهما ([36])
وبهذا الاختلاط أكتسب صفة الاستقلالية عن كروموسومات أي من والديه مع
بقاء التشابه معهما في بعض الوجوه ، لكنه مع ذلك لا يتطابق مع أي من كروموسومات
والديه ، فضلاً عن غيرهما
قال الدكتور محمد باخطمة: ( وتتكون كل بصمة من وحدات كيماوية ذات شقين
، محمولة في المورثات وموزعة بطريقة مميزة تفرق بدقة بارعة كل فرد من الناس عن
الآخر ، وتتكون البصمة منذ فترة الانقسام في البويضة الملقحة وتبقي كما هي حتي بعد
الموت ، ويرث كل فرد أحد شقي البصمة من الأب والأخر من الأم بحيث يكون الشقان بصمة
جديدة ، ينقل الفرد أحد شقيها إلي أبنائه ،
وهكذا ..... ) ([37])
وقال الدكتور عبد الهادي مصباح : ( الحامض النووي عبارة عن بصمة جينية
لا تتكرر من إنسان إلي آخر بنفس التطابق ، وهي تحمل كل ما سوف يكون عليه هذا
الإنسان من صفات وخصائص ، وأمراض وشيخوخة ، وعمر ، منذ التقاء الحيوان المنوي للأب
ببويضة الأم وحدوث الحمل ) ([38])
وعلماء الطب الحديث يرون أنهم يستطيعون إثبات الأبوة ، أو البنوة لشخص
ما أو نفيه عنه من خلال إجراءات الفحص علي جيناته الوراثية حيث قد دلت الأبحاث
الطبية التجريبية علي أن نسبة النجاح في إثبات النسب أو نفيه عن طريق معرفة
البصمات الوراثية يصل في حالة النفي إلي حد القطع أي بنسبة 100 %أما في حالة
الإثبات فإنه فأنه يصل إلي قريب من القطع وذلك بنسبة 99 % تقريباً
وطريقة معرفة ذلك : أن يؤخذ عينة من أجزاء الإنسان بمقدار رأس الدبوس
من البول ، أو الدم ، أو الشعر ، أو المني ، أو العظم أو اللعاب أو خلايا الكلية ،
أو غير ذلك من أجزاء جسم الإنسان وبعد أخذ هذه العينة يتم تحليلها ، وفحص ما تحتوي
عليه من كروموسومات – أي صبغيات – تحمل الصفات الوراثية ، وهي الجينات ، فبعد
معرفة هذه الصفات الوراثية الخاصة بالابن وبوالديه يمكن بعد ذلك أن يثبت بعض هذه
الصفات الوراثية في الابن موروثة له عن أبيه لاتفاقهما في بعض هذه الجينات
الوراثية فيحكم عندئذ بأبوته له ، أو يقطع بنفي أبوته له ، وكذلك الحال بالنسبة
للأم ، وذلك لأن الابن – كما تقدم – يرث عن أبيه نصف مورثاته الجينية ، بينما يرث
عن أمه النصف الآخر ، فإذا أثبتت التجارب الطبية والفحصوات المخبرية وجود التشابه
في الجينات بين الابن وأبويه ، ثبت طبياً بنوته لهما .
وقد تثبت بنوته لأحد والديه بناء علي التشابه الحاصل بينهما في
المورثات الجينية بينما ينفي عن الآخر منهما ، بناء علي انتقاء التشابه بينهما في
شتي المورثات الجينية ([39])
المسألة الثالثة : مجالات العمل بالبصمة الوراثية :
يري المختصون في المجال الطبي وخبراء البصمات أنه يمكن استخدام
البصمات الوراثية في مجالات كثيرة ، ترجع في مجملها إلي مجالين رئيسين هما :
1-
المجال الجنائي : وهو
مجال واسع يدخل ضمنه :
الكشف عن هوية المجرمين في حالة ارتكاب جناية قتل ، أو اعتداء ، وفي
حالات الاختطاف بأنواعها ، وفي حالة انتحال شخصيات الآخرين ونحو هذه المجالات الجنائية .
2-
مجال النسب :
وذلك في حالة الحاجة إلي إثبات البنوة أو الأبوة لشخص ، أو نفيه عنه ، وفي حالة
اتهام المرآة بالحمل من وطء شبة ، أو زنا ([40])
المبحث الثالثالمسألة الأولى
حكم استخدام
البصمة الوراثية في مجال النسب
بعد بيان ماهية البصمة
الوراثية وإيضاح طرق إثبات النسب الشرعي ، وطريق نفيه ، فإن مقتضي النظر الفقهي
لمعرفة حكم استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب ، يفرض علي الباحث الشرعي النظر
في إمكانية اعتبار البصمة الوراثية قرينة يستعان بها علي إثبات النسب أو نفيه فحسب
، أو اعتبار هما طريقاً من طرق إثبات النسب قياساً علي إحدى الطرق الثابتة شرعاً .
غير إني وقبل بيان ذلك أود القول بأن النظريات العلمية الحديثة من
طبية وغيرها مهما بلغت من الدقة والقطع بالصحة في نظر المختصين إلا أ،ها تظل محل
شك ونظر ، لما علم بالاستقراء للواقع أن بعض النظريات العلمية المختلفة من طب
وغيره يظهر مع التقدم العلمي الحاصل بمرور الزمن إبطال بعض ما كان يقطع بصحته علمياً
، أو علي الأقل أصبح مجال شك ، ومحل نظر ، فكم من النظريات الطبية علي وجه الخصوص –
كان الأطباء يجزمون بصحتها وقطعيتها ، ثم أصبحت تلك النظريات مع التقدم العلمي
الطبي المتطور ضرباً من الخيال ([41])
وهذا أمر معلوم وثابت مما يحتم علي الفقهاء والباحثين الشرعيين
التروي في النظر ، وعدم الاندفاع بالأخذ بالنظريات العلمية كأدلة ثابتة توازي
الأدلة الشرعية أو تقاربها ، فضلاً عن إحلال تلك النظريات محل الأدلة الشرعية
الثابتة ([42])
أمارات قد تحمل عليه ، أو قرائن قد تدل علية ، لأن الشارع يحتاط للأنساب ويتشوف
غلي ثبوتها . ويكتفي في إثباتها بأدنى سبب ، فإذا ما ثبت النسب فإنه يشدد في نفيه
، ولا يحكم به إلا بأقوى الأدلة .
قال ابن قدامه : ( فإن النسب يحتاط لإثباته ويثبت بأدنى دليل ، ويلزم
من ذلك التشديد في نفيه . وأنه لا ينتفي إلا بأقوى دليل ([43]) وقال العلامة
بن القيم : ( وحيث اعتبرنا الشبه في لحوق النسب ، فإنما إذا لم يقاومه سبب أقوي
منه ، ولهذا لا يعتبر مع الفراش ، بل يحكم بالولد للفراش وإن كان الشبه لغير صاحبه
، كما حكم النبي صلى الله عليه و سلم في قصة عبد ابن زمعة بالولد المتنازع فيه
لصاحب الفراش ولم يعتبر الشبه المخالف له فاعمل صلى الله عليه و سلم الشبه في حجب
سوده حيث أنتفي المانع من إعماله في هذا الحكم بالنسبة غليها ولم يعلمه في النسب
لوجود الفراش ) ([44])
ومن تشديد الشارع في نفي النسب بعد ثبوته أنه حصر نفيه بطريق واحد فقط وهو اللعان
، واشترط لإقامته شروطاً كثيرة تحد من حصوله ، وتقلل من وقوعه – وقد سبق بيانها –
وبناء علي ذلك فإنه لا يجوز استخدام البصمة الوراثية في نفي نسب ثابت ، كما لا
يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان في نفي النسب بمقتضي نتائجها الدالة علي
انتفاء النسب بين الزوج والمولود علي فراشه ، وذلك لأن اللعان حكم شرعي ثابت
بالكتاب والسنة والإجماع وله صفة تعبدية في إقامته ، فلا يجوز إلغاؤه ، وإحلال
غيره محله ، أو قياس أي وسيلة عليه مهما بلغت من الدقة والصحة في نظر المختصين به
.
وإن كان بعض الفقهاء المعاصرين قد ذهبوا إلي جواز الأخذ بالبصمة
الوراثية والاكتفاء بها عن اللعان إذا دلت نتائجها عن انتفاء النسب بين الزوج
والمولود علي فراشه ، معللين لذلك بأن الزوج إنما يلجأ إلي اللعان لنفي النسب عند
فقد من يشهد له بما رمي به زوجته ، وحيث أن الفحص من خلال البصمة الوراثية قد يدل
علي صحة قول الزوج ، فإنها تكون بمثابة الشهود التي تدل علي صدق الزوج فيما يدعيه
علي زوجته في حال ثبوت انتفاء النسب بين الزوج والمولود علي فراشه من خلال نتائج
البصمة الوراثية ([45])ومع
تقديري للقائلين بهذا القول من الفقهاء فإن فيه من المصادمة للنصوص الشرعية ،
الجرأة علي إبطالها ، وإلغاء العمل بها ما يحمل علي رد هذا القول وعدم اعتباره ،
وذلك لأن الأحكام الشرعية الثابتة لا يجوز إلغاؤها ، أو إبطال العمل بها إلا بنص
شرعي يدل علي نسخها وهو أمر مستحيل ، ولأنه لو أقرت الزوجة بصدق زوجها فيما رماها
به من الفاحشة فإن النسب يلحق الزوج لقوله صلى الله عليه و سلم ( الولد للفراش
وللعاهر الهجر ) ولا ينتفي عنه إلا باللعان ولأن اللعان يشرع لدرء الحد حاملاً ،
ويعلم الزوج أن الحمل منه ، ولكنه زنت بعد الحمل فيريد أن يدرأ الحد علي نفسه
باللعان فلا يجوز منعه من هذا الحق الثابت له شرعاً ، فكيف يجوز إلغاء حكم شرعي
بناء علي نظريات طبية مظنونة ، والله عز وجل يقول )
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ( ([46])
وقد جاء في مشروع توصية المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة :
( أنه لا يجوز استعمال البصمة الوراثية في نفي النسب استقلالً اكتفاء باللعان ،
ولا استعمالها في نفي نسب من ثبت نسبه بأي دليل شرعي ) ([47])
وقال الشيخ محمد الأشقر ( إنه لن يكون مقبولاً شرعاً استخدام الهندسة
الوراثية ، والبصمة الوراثية لإبطال الأبوة التي ثبتت بطريق شرعي صحيح من الطرق
التي تقدم بيانها ولكن مجال العمل بالبصمة الوراثية سيكون في إثبات أو نفي أبوة لم
تثبت بطريق شرعي صحيح .....) ([48])
هذا ومع أنه لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان ، فإنه يحسن
الاستعانة بها علي اعتبار أنها قرينه قد تحمل الزوج علي العدول عن اللعان فيما إذا
ثبت من خلال نتائج البصمة الوراثية أن المولود علي فراشه هو أبنه قد تخلق من ماءه
، وهذه مصلحة شرعية يدعو إليها الشرع المطهر ويتشوف إليها لما فيها من تأكيد للأصل
الشرعي وهو ( أن الولد للفراش ) ، ولما فيها من درء مفسدة اللعان وضرره ، فإن أصر
الزوج علي طلب اللعان للانتفاء من نسب المولود علي فراشه فذلك حق له لا يجوز منعه
منه بناء علي ما ظهر من نتائج البصمة الوراثية من كون المولود المراد نفيه هو أبنه
.
ولو أن اللعان تم بين الزوجين ، وانتفي الزوج من الولد ، ثم أكذب نفسه
، وعاد واستلحق الولد بنسبه ، فأنه يلحق به سواءً أكان إستلحاقه بسبب ما ظهر له من
نتائج البصمة الوراثية قبل اللعان أو حتي بعده والتي تدل علي أنه ولده ، أو لم يكن
إستلحاقه بعد اللعان بسبب ، لأن الفقهاء أجمعوا علي أن الملاعن إذا أكذب نفسه
وأستلحق الولد بعد نفيه فإنه يقبل منه ويلحقه نسبه ، لتشوف الشارع إلي ذلك ، لكن
يقام عليه حد القذف إن كانت الزوجة محصنة ، ويعذر إن لم تكن محصنة ) ([49])
وأما إذا تبين من خلال نتائج البصمة الوراثية صحة ما يدعيه الزوج من
كون أن المولود علي فراشه ليس أبنه ، فذلك قرينه تقوى جانب الزوج ، وتؤكد حقه في
اللعان .
فالخلاصة أنه لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان علي اعتبار
أن نتائجها عند ذوي الاختصاص بها قطعية أو قريبة من القطعية ، وذلك لأن الحكم
الشرعي لا يجوز إبطاله وترك العمل به إلا بدليل نصي وهو غير ممكن ، غير أن الحاكم
الشرعي يجدر به أن يستفيد من هذه التقنية الحدية المتطورة وإجراء الفحوصات
المخبرية للبصمة الوراثية للاستعانة بها كقرينة من القرائن التي يستعان بها علي
التحقق من صحة دعوى الزوج أو عدمها ، بغرض الحيلولة دون وقوع اللعان قدر المستطاع
لحض الشارع علي درء ذلك ومنعه ، وتشوفه لاتصال الأنساب وبقاء الحياة الزوجية ([50])
المسألة الثانيةحكم استخدام
البصمة الوراثية في إثبات النسب
نظراً لتشوف الشارع إلي ثبوت النسب وإلحاقه بأدنى سبب فإن الأخذ
بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التي يجوز فيها الحكم بثبوت
النسب بناء علي قول القافة ، أمر ظاهر الصحة والجواز وذلك لأنه إذا جاز الحكم
بثبوت النسب بناء علي قول القافة ، لاستنادها علي علامات ظاهرة ، أو خفية مبنية
علي الفراسة والمعرفة والخبرة ([51])في إدراك الشبه
الحاصل بين الآباء والأبناء فإن الأخذ بنتائج الفحص بالبصمة الوراثية ، والحكم
بثبوت النسب بناء علي قول خبراء البصمة الوراثية أقل أحواله أن يكون مساوياً للحكم
بقول القافة إن لم تكن البصمة أولي بالأخذ بها ، والحكم بمقتضي نتائجها من باب
قياس الأولي ، لأن البصمة الوراثية يعتمد فيها علي أدلة خفية محسوسة من خلال
الفحوصات المخبرية ، التي علم بالتجارب العلمية صحة نتائجها الدالة علي وجود الشبه
، والعلاقة النسبية بين أثنين أو نفيه عنهما كما قال أحد الأطباء المختصين ( أن كل
ما يمكن أن تفعله القافة يمكن للبصمة الوراثية أن تقوم به ، وبدقة متناهية ([52]) . وقد نص بعض الفقهاء علي ترجيح قول القائف
المستند في قوله إلي شبه خفي علي قول القائف المستند في قوله إلي شبه ظاهر ،
معللين لذلك : بأن الذي يستند في قوله إلي شبه ظاهر معللين لذلك : بأن الذي يستند
في قوله إلي شبه خفي معه زيادة علم تدل علي حذقه وبصيرته ([53]).
ومما لا شك فيه أن البصمة الوراثية فيها من زيادة العلم والحذق
واكتشاف المورثات الجينية الدالة علي العلاقة النسبية ما لا يوجد مثله في القافة
ومع ذلك فإن ( القياس وأصول الشريعة تشهد للقافة ، لأن القول بها حكم يستند إلي
درك أمور خفية وظاهرة توجب للنفس سكوناً ، فوجب اعتباره كنقد الناقد وتقويم المقوم
) ([54])
، ولأن قول القائف ( حكم بظن غالب ، ورأي راجح ممن هو من أهل الخبرة فجاز
كقول المقومين ) ([55])
فكذلك الحال بالنسبة للبصمة الوراثية لما فيها من زيادة العلم والمعرفة
الحسية بوجود الشبه ، والعلاقة النسبية ما لا يوجد مثله في القافة ، إما يحمل علي
الحكم لمشروعية الأخذ بها في مجال إثبات النسب في الحالات التي يجوز فيها الحكم
بناء علي قول القافة ، قياساً عليها ، ولأن الأصل في الأشياء – غير العبادات –
الإذن والإباحة ، وأخذاً من أدلة الشرع العامة ، وقواعده الكلية في تحقيق المصالح
، ودرء المفاسد لما في الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب من تحقيق
لمصالح ظاهرة ، ودرء المفاسد قصيرة .
قال العلامة بن القيم رحمه الله : ( وأصول الشرع وقواعده والقياس
الصحيح يقتضي اعتبار الشبه في لحوق النسب والشارع متشوف إلي اتصال الأنساب وعدم
انقطاعها ، ولهذا أكتفي في ثبوتها بأدنى الأسباب من شهادة المرآة الواحدة علي
الولادة والدعوى المجردة مع الإمكان ، وظاهر الفراش ، فلا يستبعد أن يكون الشبه
الخالي عن سبب مقاوم له كافياً في ثبوته .... ) ([56]) وقال أيضاً :
( بل الشبه نفسه بينه من أقوي البيانات ، فإنها أسم لما يبين الحق ويظهره وظهور
الحق هاهنا بالشبه أقوي من ظهوره بشهادة من يجوز عليه الوهم والغلط والكذب ، وأقوي
بكثير من فراش يقطع بعدم اجتماع الزوجين فيه ) ([57])
وقال شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله : ( إن الأساس في هذا
كله مراعاة الشبه الذي يراه المختصون ، فإذا كان ولد تنازعت فيه امرأتان أو تنازع
فيه أبوان أو ثلاثة ، أمان أو أكثر فهذا محل البحث ... فيمكن للثقات الذين يعرفون
الشبه سواء بالبصمة أو غيرها أن يشهدوا أن هذا ولد فلانة ، وهذا ولد فلانة عند
الإشتباه ([58])
فالبصمة الوراثية ، والاستدلال بها علي إثبات النسب يمكن أن يقال
بأنها نوع من علم القيافة ، وقد تميزت بالبحث في خفايا وأسرار النمط الو راثي
للحامض النووي بدقة كبيرة ، وعمق ومهارة علمية بالغة ، مما يجعلها تأخذ حكم
القيافة في هذا المجال من باب أولي فيثبت بالبصمة ما يثبت بالقيافة مع وجوب توفر
الشروط والضوابط التي وضعها الفقهاء في القافة عند إرادة الحكم بإثبات النسب عن
طريق البصمة الوراثية ([59])
وجاء في توصية ندوة الوراثة والهندسة الوراثية ما نصه : ( البصمة
الوراثية من الناحية العملية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من ألوالديه البيولوجية
، والتحقق من الشخصية ، ولا سيما في مجال الطب الشرعي ، وهي ترقي إلي مستوي
القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية ، وتمثيل
تطوراً عصرياً عظيماً في مجال القيافة الذي يذهب إليها جمهور الفقهاء في إثبات
النسب المتنازع فيه ، ولذلك تري الندوة أن يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من
باب أولي ) ([60])
وبناء علي ذلك فإنه يمكن الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب
في الحالات التالية :
1-
حالات التنازع علي مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء
، سواء أكان التنازع علي مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها ، أو كان بسبب
اشترك في وطء شبهه ونحوه . ([61])
2-
حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية المواليد
والأطفال ونحوها ، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب .
3-
حالات ضياع الأطفال واختلاطهم ، بسبب الحوادث والكوارث وتعذر معرفة
أهليهم ، ([62])
وكذا عند وجود جثث لم يمكن التعرف علي هويتها بسبب الحروب ، أو غيرها .
مسائل لا يجوز إثبات النسب فيها بالبصمة الوراثية :
نص بعض الفقهاء علي مسائل لا مجال للقيافة في إثبات النسب بها ،
وبالتالي فإنه لا مجال للبصمة الوراثية في إثبات النسب بها ومن هذه المسائل ما
يأتي :
الأولى :
إذا أقر رجل بنسب مجهول النسب ، وتوفرت شروط الإقرار بالنسب فإنه يلتحق به ،
للإجماع علي ثبوت النسب وتوفرت شروط الإقرار بالنسب فإنه يلتحق به ، للإجماع علي
ثبوت النسب بمجرد الإستلحاق مع الإمكان ، فلا يجوز عندئذ عرضة علي القافة لعدم
المنازع فكذا البصمة الوراثية كالقافة في الحكم هنا ([63])
الثانية :
إقرار بعض الإخوة بأخوة النسب لا يكون حجة علي باقي الإخوة ، ولا يثبت به نسب
،وإنما تقتصر آثاره علي المقر في خصوص نصيبه من الميراث ([64]) ولا يعتد
بالبصمة الوراثية هنا ، لأنه لا مجال للقيافة فيها ([65])
الثالثة :
إلحاق مجهول النسب بأحد المدعيين بناء علي قول القافة ، ثم أقام الآخر بينة علي
أنه ولده فإنه يحكم له به ، ويسقط قول القافة ، لأنه بدل علي البينة ، فيسقط
بوجودها ، لأنها الأصل كالتيمم مع الماء ([66]) فهكذا البصمة
الوراثية في الحكم هنا .
حكم استخدام
البصمة الوراثية للتأكد من صحة النسب الثابت
سبقت الإشارات إلى أن النسب إذا ثبت بأحدي الطرق الشرعية ، فإنه لا
يجوز نفيه البتة ، إلا عن طريق اللعان للدلالة الدالة علي ذلك ، فقد دلت قواعد
الشرع أيضاً علي أنه لا يجوز محاولة التأكد من صحة النسب بعد ثبوته شرعاً ، وذلك
لاتفاق الشرائع السماوية علي حفظ الضروريات للحياة الإنسانية ومنها حفظ النسب ،
والعرض ، ولما جاءت به هذه الشريعة المباركة من جلب للمصالح ودرء للمفاسد ، وحيث
أن محاولة التأكد من صحة الأنساب الثابتة فيه قدح في أغراض الناس وأنسابهم يؤدي
إلي مفاسد كثيرة ، ويلحق أنواعاً من الأضرار النفسية والاجتماعية بالأفراد والأسر
والمجتمع ، ويفسد العلاقات الزوجية ويقوض بنيان الأسر ، ويزرع العداء بين الأقارب
والأرحام ، لهذا كله فإنه لا يجوز محاولة التأكد من صحة النسب عن طريق البصمة
الوراثية ولا غيرها من الوسائل كما أنه لو تم إجراء الفحص بالبصمة الوراثية للتأكد
من نسب شخص من الأشخاص وأظهرت النتائج خلاف المحكوم به شرعاً من ثبوت النسب ، فإنه
لا يجوز الإلتفات إلي تلك النتائج ، ولا بناء علي حكم الشرعي عليها ، لأن النسب
إذا ثبت ثبوتاً شرعياً ، فإنه لا يجوز إلغاؤه وإبطاله إلا عن طريق واحد وهو اللعان
كما سبق بيانه – ويدل علي ذلك ما رواه البخاري
ومسلم([67])
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : ( جاء رجل من بني فزارة إلي رسول الله صلى
الله عليه و سلم فقال : ولدت امرأتي غلاماً أسود وهو حينئذ يعرض بنفيه ، فقال
له النبي صلى الله عليه و سلم فهل لك من إبل ؟ قال نعم ، قال : فما ألوانها
، قال حمر ، قال : هل فيها من أورق ؟ قال : إن فيها لورقاً ، قال : فأني أتاها ذلك
؟ قال عسي أن يكون نزعه عرق ، ولم يرخص له صلى الله عليه و سلم في الانتفاء
منه )
فقد دل هذا الحديث علي أنه لا
يجوز نفي النسب بعد ثبوته مهما ظهر من أمارات وعلامات قد تدل عليه . قال العلامة
بن القيم تعليقاً علي هذا الحديث : ( إنما لم يعتبر الشبه ها هنا لوجود الفراش
الذي هو أقوي منه ، كما في حديث ابن أم زمعة ) ([68]) فإذا كان لا
يجوز نفي النسب بعد ثبوته – بغير اللعان – فإنه لا يجوز أيضاً استخدام أي وسيلة قد
تدل علي انتفاء النسب ونفيه عن صاحبه ، لأن للوسائل حكم الغايات ، فما كان وسيلة
لغاية محرمة ، فإن للوسيلة حكم الغاية .
ونظراً لحرمة ذلك فإنه يجب علي الجهات المسئولة في البلاد الإسلامية منع ذلك والحيلولة دون
حصوله ، وإيقاع العقوبات الرادعة علي المخالفين حماية لأنساب الناس وصيانة
لأعراضهم ، ودرءاً للمفاسد والأضرار عنهم .
في استخدام
البصمة الوراثية في المجال الجنائي
حيث أن البصمة الوراثية تدل علي هوية كل إنسان بعينه ، وأنها أفضل
وسيلة علمية لتحقق من الشخصية ، ومعرفة الصفات الوراثية المميزة للشخص عن غيره عن
طريق الأخذ من أي خلية من خلايا جسم الإنسان : من الدم أو اللعاب ، أو المني ، أو
البول ، أو غير ذلك ([69])
والاستدلال من خلال نتيجة البصمة الوراثية علي مرتكبي الجرائم ، ومعرفة الجناة عند
الاشتباه ، سواء كانت جريمة زنا أو قتل أو اعتداء علي ما دون النفس ، أو سرقة أو
حرابة ، أو قضية اختطاف ، أو انتحال لشخصيات الآخرين ، أو غير ذلك من أنواع
الجرائم والجنايات علي النفس ، أو العرض أو المال
، فإنه – كما يري المختصون – يمكن الاستدلال عن طريق البصمة الوراثية علي
مرتكب الجريمة والتعرف علي الجاني الحقيقي من بين المتهمين من خلال أخذ ما يسقط من
جسم الجاني الحقيقي من بين المتهمين من خلال أخذ ما يسقط من جسم الجاني في محل
الجريمة وما حوله ، وإجراء تحاليل البصمة الوراثية علي تلك العينات المأخوذة ،
ومطابقتها علي البصمات الوراثية للمهتمين بعد إجراء الفحوصات المخبرية علي بصماتهم
الوراثية .
فعند تطابق البصمة الوراثية للعينة المأخوذة من محل الجريمة ، مع
نتيجة البصمة الوراثية لأحد المتهمين ، فإنه يكاد يجزم بأنه مرتكب الجريمة دون
غيره من المتهمين ، في حالة كون الجاني واحداً . وقد يتعدد الجناة ويعرف ذلك من
خلال تعدد العينات الموجودة في مسرح الجريمة ، ويتم التعرف عليهم من بين المتهمين
من خلال مطابقة البصمات الوراثية لهم مع بصمات العينات الموجودة في محل الجريمة.
ويري المختصون أن النتيجة في هذه الحالات قطعية أو شبه قطعية ولا سيما
عند تكرار التجارب ، ودقة المعامل المخبرية ، ومهارة خبراء البصمة الوراثية ،
فالنتائج مع توفر هذه الضمانات قد تكون قطعية أو شبه قطعية الدلالة علي أن المتهم
كان موجوداً في محل الجريمة . لكنها ظنية في كونه هو الفاعل حقيقة .
يقول أحد الأطباء : ( لقد ثبت أن استعمال الأسلوب العلمي الحديث
بأعداد كثيرة من الصفات الوراثية كدلالات للبصمة الوراثية يسهل اتخاذ القرار
بالإثبات أو النفي للأبوة والنسب والقرابة بالإضافة إلي مختلف القضايا الجنائية
مثل: التعرف علي وجود القاتل أو السارق ،
أو الزاني من عقب السيجارة ، حيث أن وجود أثر اللعاب أو وجود بقايا من بشرة الجاني
أو شعرة من جسمه أو من مسحات من المني مأخوذة من جسد المرآة تشكل مادة خصبة
لاكتشاف صاحب البصمة الوراثية من هذه الأجزاء . ونسب النجاح في الوصول إلي القرار
الصحيح مطمئنة ، لأنه في حالة الشك يتم زيادة عدد الأحماض الأمينية ، ومن ثم زيادة
عدد الصفات الوراثية ) ([70])
بناء علي ما ذكر عن حقيقة البصمة الوراثية ، فإن استخدامها في الوصول
إلي معرفة الجاني ، والاستدلال بها كقرينة من القرائن المعينة علي اكتشاف المجرمين
، وإيقاع العقوبات المشروعة عليهم في غير الحدود والقصاص ، أمر ظاهر الصحة والجواز
، لدلالة الأدلة الشرعية الكثيرة من الكتاب والسنة علي الأخذ بالقرائن ، والحكم
بموجبها ومشروعية استعمال الوسائل المتنوعة لاستخراج الحق ومعرفته كما سيأتي تفصيل
ذلك .
والقول بجواز الأخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي في غير قضايا
الحدود والقصاص هو ما ذهب إليه الفقهاء في المجامع والندوات العلمية الشرعية التي
تم بحث هذه المسألة فيها ، ولم أقف علي خلاف لأحد في حكم هذه المسألة ، حتى في
البحوث المفردة لبعض الفقهاء ، فقد جاء في مشروع ([71]) قرار المجمع
الفقهي برابطة العالم الإسلامي ما نصه ( إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة
العالم الإسلامي في دورته (15) المنعقد في مكة المكرمة التي بدأت يوم السبت
9/7/1419 هـ الموافق 31/10/1998 م وقد نظر في موضوع البصمة الوراثية ومجالات
الاستفادة منها ...... وبعد التدارس والمناقشات قرر المجلس ما يلي :
أولاً :
البصمة الوراثية بمثابة دليل يمكن الاعتماد عليها في المجالات التالية :
1-
في إثبات الجرائم التي لا يترتب عليها حد شرعي ... الخ )
وجاء في توصية الندوة الفقهية حول الوراثة والهندسة الوراثية ما نصه (
البصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الو الدية
البيولوجية ، والتحقق من الشخصية ، ولا سيما في مجال الطب الشرعي ، وهي ترقي إلي
مستوي القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية ([72])
وإنما قيل بمشروعية الأخذ بالبصمة الوراثية كقرينة من القرائن التي
يتدل بها علي المتهم في قضايا الجرائم المختلفة ، ولكن لا يثبت بموجبها حد ولا
قصاص ، لأمرين :
أما الأول : فلأن الحد والقصاص لا يثبت إلا بشهادة أو إقرار ،
دون غيرهما من وسائل الإثبات عند كثير من الفقهاء
وأما الثاني : فلأن الشارع يتشوف إلي درء الحد والقصاص ،
لأنهما لا يُدرءان بأني شبه أو احتمال .
والشبه في البصمة الوراثية ظاهرة ، لأنها إنما تثبت بيقين هوية صاحب
الأثر في محل الجريمة ، أو ما حوله ، لكنها مع ذلك تظل ظنية عند تعدد أصحاب
البصمات علي الشيء الواحد أو وجود صاحب البصمة قدراً في مكان الجريمة قبل أو بعد
وقوعها ، أو غير ذلك من أوجه الظن المحتملة ([73])
مستند الحكم الشرعي للأخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي :
المستند الشرعي لجواز الأخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي إنها
وسيلة لغاية مشروعة ، وللوسائل حكم الغايات ، ولما في الأخذ بها في هذا المجال من
تحقيق لمصالح كثيرة ، ودرء لمفاسد ظاهرة ، ومبني الشريعة كلها علي قاعدة الشرع
الكبري ، وهي ( جلب المصالح ودرء المفاسد ) وأخذاً بما ذهب إليه جمهور الفقهاء من
مشروعية العمل بالقرائن والحكم بمقتضاها ، والحاجة غلي الاستعانة بها علي إظهار
الحق ، وبيانه بأي وسيلة قد تدل عليه ، أو قرينة قد تبينه ، استناداً للأدلة
الشرعية الكثيرة من الكتاب والسنة الدالة علي ذلك وعملاً بما درج عليه الولاة
والقضاة منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم ، ومن بعدهم في عصور الإسلام المختلفة
إلي يومنا هذا من استظهار للحق بالقرائن ، والحكم بموجبها ، كما قال العلامة بن
القيم رحمه الله ( ولم يزل حذاق الحكام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة
والأمارات فإذا ظهرت لم يقدموا عليها شهادة تخالفها ولا إقراراً ، وقد صرح الفقهاء
كلهم بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود فرقهم وسألهم كيف تحملوا الشهادة وأين تحملوها
؟ وذلك واجب عليه متي عدل عنه أثم وجار في الحكم ، وكذلك إذا ارتاب بالدعوى سال
المدعي عن سبب الحق وأين كان ؟ ونظر في
الحال هل يقتضي صحة ذلك ؟ وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله ، والمدعي عليه ، وجب
عليه أن يستكشف الحال ويسأل عن القرائن التي تدل علي صورة الحال ، وقل حاكم أو وال اعتني بذلك وصار له فيه ملكة
إلا وعرف المحق من المبطل ،وأصل الحقوق إلي أهلها ..) ([74])
وقال بن العربي : علي الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت
فما ترجح منها قضي بجانب الترجيح ، وهو قوة التهمة ، ولا خلاف في الحكم بها وقد
جاء العمل بها في مسائل اتفقت عليها الطوائف الأربعة ، وبعضها قال بها المالكية
خاصة ) ([75])قد
كان القضاة قديماً يستعينون بالقافة لمعرفة آثار أقدام المجرمين ثم مع التقدم
العلمي أصبح الأخذ ببصمات الأصابع قرينة من أشهر القرائن في التعرف علي الجناة ،
واكتشاف المجرمين ، وأضحي العمل بها شائعاً في بلاد الإسلام وغيرها ([76]) ولعله يحسن أن
أسواق هنا بعض الأدلة من الكتاب والسنة وغيرها في الدلالة علي مشروعية العمل
بالقرائن ، والحكم بمقتضاها فمن ذلك :
أولاً : من الكتاب :
قول الله عز وجل )
وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين (26) وإن كان
قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين (27) فلما رأي قميصه قد من دبر قال إنه من
كيدكن إن كيدكن عظيم (
([77])فاعتبر موضع قد
القميص دليلاً علي صدق أحدهما ، وقد حكى الله سبحانه وتعالي هذه القصة مقرراً لها ([78])
ثانياً من السنة :
وقد ورد في هذا أحاديث كثيرة منها :
1- عن ابن عمر رضي
الله عنهما : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قاتل أهل خيبر حتى
ألجأهم إلي قصرهم ، فغلب علي الزرع والأرض والنخل فصالحوه علي أن يجلوا منها ولهم
ما حملت ركابهم ، ولرسول الله صلى الله عليه و سلم الصفراء والبيضاء ([79])
وشرط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئاً ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد
فغيبوا مسكاً ([80]) فيه مال
وحلي لحي بن أخطب ، كان أحتمله معه إلي خيبر حين أجليت بنوا النضير ، فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم لعم حيي بن أخطب : ما فعل مسك حيي الذي جاء به من
النضير ؟ قال : أذهبته النفقات والحروب ، قال العهد قريب والمال أكثر من ذلك ،
فدفعه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الزبير ، فمسه بعذاب فقال : قد
رأيت حيياً يطوف في خربة هاهنا فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة ) ([81])
فقد أعتبر النبي صلى الله عليه و سلم قرينة المال ، وقصر المدة دليلاً
علي كذبه في دعواه نفاذ المال فعززه بناء علي هذه القرينة ، فدل علي اعتبار
القرائن في إثبات الحقوق إذا لو لم تكن دليلاً شرعياً لما أمر صلى الله عليه و سلم
بضربه ، لأنه ظلم ، وهو عليه الصلاة والسلام منزه عنه ([82])
2- عن جابر بن عبد
الله رضي الله عنه قال : ( أرادت الخروج إلي خيبر فأتيت رسول الله r فسلمت عليه وقلت له : أني أردت الخروج إلي خيبر
فقال : إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً فإذا أبتغي منك آية فضع يدك علي
ترقوته ) ([83])
فقد بين عليه الصلاة والسلام جواز الاعتماد علي القرينة في الدفع
للطالب ، واعتبرها دليلاً علي صدقه كشهادة الشهود ([84])
ثالثاً :
وردت آثار كثيرة عن بعض الصحابة والتابعين ومن بعدهم من ولاة وقضاه تدل علي أخذهم
بالقرائن وحكمهم بمقتضاها ، وقد ذكر العلامة بن القيم في كتابه ( الطرق الحكيمة )
، وابن فرحون في ( تبصرة الحكام ) آثار كثيرة عن عدد من الصحابة والتابعين : كعمر
، وعلي ، وكعب بن سور ، وإياس ، وغيرهم من مشاهير الولاة والقضاة .
رابعاً :
أن الاعتماد علي القرينة في الحكم أمر متقرر في الشرائع السابقة ، يدل علي ذلك ،
ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( بينما
امرأتان معهما أبناهما جاء الذئب ، فذهب بابن أحدهما ، فقالت هذه لصاحبتها : إنما
ذهب بأبنك أنت ، وقالت الأخرى : إنما ذهب بابنك أنت فتحاكمتا إلي داود ن فقضي به
للكبرى فخرجتا علي سليمان بن داود عليه السلام ، فأخبرتاه ، فقال : ائتوني بالسكين
أشقه بينكما فقالت الصغري : لا ، يرحمك الله ، هو ابنها ، فقضي به للصغري ) ([85]) فقد استدل
سليمان عليه السلام بعدم موافقة الصغري
علي شقه علي أنها أمه ، وأن اعترافها بالولد للكبرى راجع إلي شدة شفقتها عليه ،
فآثرت أن يحكم به لغيرها علي أن يصيبه سوء ، فحكم عليه السلام بالولد للصغرى بناء
علي هذه القرينة الظاهرة ، وقدم تلك القرينة علي إقرارها ببنوته للكبرى لعلمه أنه
إقرار غير صحيح فلو لم يكن الحكم بالقرائن مشروعاً لما حكم سليمان بذلك ([86])
. وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه .
فهذه بعض الأدلة الدالة علي جواز العمل بالقرائن وبناء الأحكام عليها
، وأن عدم الأخذ بالقرائن جملة يؤدي إلي إضاعة كثير من الحقوق ،وبالاستقراء يعلم
أن بعض القرائن لا تقل قوة فبالدلالة علي الحق عن الشهادة والإقرار ، إن لم تكن
أقوي منها .
وإذا كان العمل بالقرائن أمراً مشروعاً كما تدل عليه تلك الأدلة ، فإن
التوسع في ذلك والاعتماد علي كل قرينة قد يؤدي إلي مجانبة الحق والبعد عن الصواب ،
فيجب ألا يتعجل في الأخذ بالقرينة إلا بعد إمعان النظر وتقليب الأمر علي مختلف
الوجوه ، إذ قد تبدوا القرائن قاطعة الدلالة لا يتطرق إليها احتمال ، فلا تلبث أن
يتبين ضعفها ويتضح أنها بعيدة عما يراد الاستدلال بها عليه .
على أن الاحتياط في الأخذ بالقرائن ليس معناه أنها لا تعتبر إلا إذا
كانت دلالتها قطعية ، لأن ذلك أمر يصعب تحققه ، فما من دليل إلا ويتطرق إليه
الاحتمال ، وإنما مبنى الأمر علي الظن الغالب .
فإن أقوي الأدلة الشرعية الإقرار والشهادة ، وقد دلت بعضاً من الحوادث
علي أن بعضاً من الإقرارات لا يكون مطابقاً للواقع ، لأنه صادر تحت تأثير الرغبة
أو الرهبة ، أو عدم التصور الكامل للشيء المقر به . وأن بعضاً من الشهود قد يبدوا
صدقهم فيما شهدوا به لاتصافهم بالعدالة الظاهرة ، ثم تسفر الحقيقة عن خلاف ذلك
فليس ما يعتري القرينة من احتمال الضعف بأكثر ولا بأقوى مما يعتري الشهادة أو
الإقرار ، ومن يتتبع المأثور عن قضاة السلف في مختلف العصور لا يساوره شك في أن
الأخذ بالقرائن والعمل بمقتضاها في إثبات كثير من الحقوق أمر تدعو إليه الشريعة ،
ويتفق مع غرض الشارع من إقامة العدل بين الناس وإيصال الحقوق إلي أربابها ([87])وقد أوضح
العلامة ابن القيم القول باعتبار القرائن وبناء الأحكام عليها أتم إيضاح وأسهب في
الاستدلال لذلك بكثير من الآيات والأحاديث والآثار التي تدل علي اعتبار القرائن
دليلاً من الأدلة الشرعية ، ثم قال : ( وبالجملة ، فالبينة اسم لكل ما يبين الحق
ويظهره ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد ان ، إنما أتت مراداً بها الحجة
والدليل والبرهان ، مفردة ومجموعة . وكذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام : (
البينة علي المدعي ) المراد به : أن عليه بيان ما يصحح دعواه ليحكم له ، والشاهدان
من البينة ، ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوي منها ، كدلالة الحال
علي صدق المدعي فأنها أقوي من دلالة أخبار الشاهد ، والبينة ، والدلالة ، والحجة ،
والبرهان ، والآية ، والتبصرة ،والعلامة/، والأمارة متقاربة في المعني ..........
فالشارع لم يلغ القرائن والأمارات ودلائل الأحوال بل من أستقرأ الشرع في مصادره
وموارده وجده شاهداً لها بالاعتبار ، مرتباً عليها الأحكام ) ([88])
والواقع أن العمل بالقرائن أمر لا محيد عنه ، وقل أن تجد عالماً من
العلماء أستطاع أن يتجنب الأخذ بالقرائن كلية ، وحتى الذين صرحوا بعدم قبولها
كدليل صالح لبناء الأحكام عليها عملوا بها في كثير من المواضع ومن يستقري كتب
الفقه الإسلامي يجد مسائل لا حصر لها أعتمد الفقهاء فيها علي قرائن الأحوال . ومن
ذلك ما يأتي : أولاً : الإجماع علي جواز وطء الزوج لزوجته إذا زفت إليه
ليلة الزواج وإن لم يعرف عينها ولم يشهد عنده شاهدان أنها زوجته اعتمادا علي
القرينة الظاهرة .
ثانياً :
قبول الشهادة علي القتل والحكم علي القاتل بالقصاص ، إذا قال الشهود : إن الجني
قتل المجني عليه عمداً عدواناً ، مع أن العمدية صفة قائمة بالنفس لا يعلم بها إلا
الله ، ومع ذلك قبلت الشهادة اعتماداً علي القرائن الظاهرة ، كاستخدام آلة تقتل
غالباً وإتباع الجاني للمجني عليه ، وما أشبه ذلك مما أستوحي منه أن الجاني تعمد
القتل
ثالثاً :
الحكم علي التخنثي بأنه رجل أو امرأة علي الأمارات التي تدل علي ذلك
رابعاً :
اعتبار سكوت البكر موافقة منها علي الزواج ، والسكوت ليس إلا قرينة علي رضاها
خامساً :
قبول أيمان الأولياء في القسامة ، والحكم علي المتهم بالقوض أو الدية علي الخلاف
في ذلك ، مع أن الأولياء لم يشاهدوا القتل ، وإنما اعتمدوا علي اللوث ، وهو ليس
إلا قرينة تدل علي ارتكاب المدعي عليه للقتل .
سادساً :
عدم قبول إقرار المريض مرض الموت لوارثه لاحتمال تهمة محاباة المقر له ، وهي قرينة
ظاهرة . فهذه أمثلة علي بعض المسائل التي حكم الفقهاء فيها بالقرائن المجردة علي
أي دليل آخر ، أو ردتها للدلالة علي ما ذكر من أن جمهور الفقهاء قد ذهبوا إلي
القول بمشروعية الحكم بالقرائن ([89])
ولعله لهذا يتجلى مشروعية الأخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي
ذفي مختلف صوره وأنواعه كقرينة من أقوي القرائن التي يستدل بها علي معرفة الجناة
ومرتكبي الجرائم ، لما ثبت بالتجارب العلمية المتكررة من ذوي الخبرة والاختصاص في
أنحاء العالم من صحة نتائجها وثبوتها . مما يجعل القول بمشروعية الأخذ بها ،
والحكم بمقتضي نتائجها – في غير قضايا الحدود والقصاص عند توفر الشروط والضوابط
السابقة الذكر - ([90])
أمراً في غاية الظهور والوجاهة ومع ذلك فإن استثناء قضايا الحدود والقصاص هو
من باب الاحتياط لهذه القضايا الخطيرة ، وأخذاً بما ذهب إليه جمهور الفقهاء من عدم
إثبات الحدود والقصاص إلا بالشهادة ، أو الإقرار دون غيرهما من وسائل الإثبات .
غير أنه يمكن القول بمشروعية الأخذ بالبصمة الوراثية أيضاً في قضايا
الحدود والقصاص بناء علي ما ذهب إليه بعض الفقهاء من إثبات بعض الحدود والقصاص
بالقرائن والأمارات الدالة علي موجبها وأن لم يثبت ذلك بالشهادة أو الإقرار ، ومن
ذلك ما يأتي :
1-
إثبات حد الزنا علي المرآة الحامل إذا لم تكن ذات زوج ولا سيد . ([91])
فلو قيست البصمة الوراثية علي هذه المسائل التي أثبت بعض العلماء فيها
الحد والقصاص من غير شهود ولا إقرار وإنما أخذاً بالقرينة وحكماً بها ، لم يكن
الأخذ عندئذ بالبصمة الوراثية والحكم بمقتضاها في قضايا الحدود والقصاص بعيداً عن
الحق ولا مجانباً للصواب فيما يظهر قياساً علي تلك المسائل ، لا سيما إذا حف
بالقضية أو الحال من قرائن الأحوال ما يؤكد صحة النتائج قطعاً لدي الحاكم ،
كمعرفته بأمانة ومهرة خبراء البصمة ، ودقة المعامل المخبرية ، وتطورها ، وتكرار
التجارب سيما في أكثر من مختبر ، وعلي أيدي خبراء آخرين يطمئن الحاكم إلي أمانتهم
، وخبرتهم المميزة ، وغير ذلك من القرائن والأحوال التي تحمل الحاكم الشرعي إلي
الاطمئنان إلي صحة النتائج ، وترجح ظهور الحق وبيانه عنده بالبصمة الوراثية ، إذ البينة
ما أثرت عن وجه الحق وبينته بأي وسيلة .
قال العلامة بن القيم : ( فإذا ظهرت أمارات العدل ، وأسفر وجهه بأي
طريق كان فثم شرع الله ودينه ، والله سبحانه أعلم وأحكم ، وأعدل أن يخص طرق العدل
وأمارته وأعلامه بشيء ، ثم ينفي ما هو أصغر منها وأقوي دلالة وأبين أمارة ، فلا
يجعله منها ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها ، بل قد بين سبحانه بما شرعه من
الطرق أن مقصودة إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط ، فأي طريق استخرج بها
العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة لهم ([96])
وإذا صح قياس البصمة الوراثية علي تلك المسائل ، وأنسحب عليها الخلاف
الحاصل في تلك المسائل ، سوغ للحاكم عندئذ أن يحكم بأي القولين ترح عنده بحسب ما
يحف بالقضية من قرائن قد تدعوه إلي إثبات الحد أو القصاص بها ، أو ضعف القرائن ،
وتطرق الشك إليه في قضية أخري فيحمله ذلك علي الإحتياط والأخذ بما ذهب إليه الجمهور
من عدم إثبات الحد والقصاص بمثل هذه القرائن ، فحكم الحاكم بأي قول من القولين
يرفع الخلاف الحاصل ، كما هو إجماع العلماء ، ولا لوم علي القاضي في الحكم بأحدي
القولين إذا تحري واجتهد في معرفة الحق ، ونظر في جميع القرائن والأحوال ثم حكم به
بعد التأمل والنظر بل هذا هو الواجب والمتعين علي الحاكم .
قال العلامة بن القيم رحمه الله : ( والحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في
الأمارات ، ودلائل الحال ومعرفة شواهده ، وفي القرائن الحالية والمقالية ، كفقهه
في جزئيات وكليات الأحكام ، أضاع حقوقاً كثيرة علي أصحابها ، وحكم بما يعلم الناس
بطلانه ، ولا يشكون فيه اعتمادا منه علي نوع ظاهر لم يلتفت إلي باطنه وقرائن
أحواله ، فهاهنا نوعان من الفقه لا بد للحاكم منهما : فقه في أحكام الحوادث الكلية
، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس يميز به بين الصادق والكاذب ، والحق والمبطل ،
ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطي الواقع حكمه من الواجب ، ولا يجعل الواجب مخالفاً
للواقع ) ([97])
ثم ذكر رحمه الله جملة من الأدلة الدالة علي الأخذ بالقرائن والحكم
بمقتضاها ومن ذلك قوله : ( وقد حكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
والصحابة معه برجم المرآة التي ظهر بها حمل ولا زوج لها ولا سيد . وذهب إليه مالك
وأحمد في أصح روايته اعتماداً علي القرينة الظاهرة . وحكم عمر وابن مسعود رضي الله
عنهما – ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة – بوجوب الحد برائحة الخمر من في الرجل ،
أو قيئه خمراً ، اعتماد علي القرينة الظاهرة .
ولم يزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المال المسوق مع
المتهم ، وهذه القرينة أقوي من البينة والإقرار ، فإنهما خبران يتطرق إليهما الصدق
والكذب ، ووجود المال معه نص صريح لا يتطرق إليه شبهة ، وهل يشك أحد قتيلاً يتشحط
في دمه ، وآخر قائم علي رأسه بالسكين أنه قتله ، ولا سيما إذا عرف بعداوته .
ولهذا جوز جمهور العلماء لولي القتيل أن يحلف خمسين يميناً : أن ذلك
الرجل قتله ، قم قال مالك وأحمد : يقتل به ، وقال الشافعي ، يقضي عليه بديته ،
وكذلك إذا رأينا رجل مكشوف الرأس – وليس ذلك عادته – وآخر هارب قدامه بيده عمامة
وعلي رأسه عمامة ، حكمنا له بالعمامة التي بيد الهارب قطعاً ، ولا نحكم بها لصاحب
اليد التي قد قطعنا وجزمنا بأنها يد ظالمة غاصبة بالقرينة الظاهرة التي هي أقوي
بكثير من البينة والاعتراف ، وهل القضاء النكول إلا رجوع إلي مجرد القرينة الظاهرة
التي علمنا بها ظاهراً أنه لولا صدق المدعي لدف المدعي عليه دعواه باليمين ، فلما
نكل عنها كان نكوله قرينة ظاهرة دالة علي صدق المدعي ، فقدمت علي أصل براءة الذمة
وكثير من القرائن والأمارات أقوي من النكول ، والحس شاهد بذلك ، فكيف يسوغ تعطيل
شهادتها .. ) ([98])
وإنما أكثرت من نقل كلام بن القيم رحمه الله لنفاسته وقوة حجته ، وطهور
استدلالاته .
الخــاتمــــة
الحمد لله و كفى و الصلاة و السلام على النبي المصطفى محمد بن عبد
الله و على آله و صحبه أجمعين ومن ولاه و بعد: فقد توصلت بفضل الله وتوفيقه من
خلال هذا البحث إلى نتائج وأحكام فقهية كثيرة من أهمها ما يأتي :
أولاً : أن
البصمة الوراثية هي البنية الجينية التفصيلية التي تدل عند ذوي الاختصاص علي هوية
كل فرد بعينه ، وهي من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطيء في التحقق من الوالدية
البيولجية والتحقق من الشخصية .
ثانياً :
أن الطرق الشرعية لإثبات النسب خمسة ، واتفق العلماء علي ثلاثة منها وهي : الفراش
، والبينة ، والاستلحاق . أما الطريق الرابع وهي القيافة فبها قال جمهور العلماء
ما عدا الحنفية ، أما الطريق الخامس وهي القرعة فبها قال بعض العلماء من مختلف
المذاهب حسماً للنزاع عند تعدد المدعين للنسب .
ثالثاً :
أن الطريق الشرعي لنفي النسب هو اللعان فقط بشروطه المعتبرة .
رابعاً :
أنه لا يجوز نفي النسب الثابت شرعاً عن طريق البصمة الوراثية ولا غيرها بأي وسيلة
من الوسائل ، ولكن يجوز الاستعانة بالبصمة الوراثية كقرينة من القرائن التي قد
تؤيد الزوج في طلبه اللعان أو قد تدل علي خلاف قوله ، فربما مدعاة لعدوله عن
اللعان .
خامساً :
أن القول بجواز إحلال البصمة الوراثية محل اللعان في نفي النسب قول باطل ومردود ،
لما فيه من المصادمة للنصوص الشرعية الثابتة ، ومخالفة ما أجمعت عليه الأمة .
سادساً :
أن البصمة الوراثية تعتبر طريقاً من طرق إثبات النسب الشرعي قياساً أولوياً علي
القيافة فيؤخذ بها في جميع الحالات التي يجوز الحكم فيها بالقيافة بعد توفر الشروط
والضوابط المعتبرة في خبير البصمة ، وفي معامل الفحص الوراثي .
سابعاً :
أنه لا يجوز استخدام البصمة الوراثية لغرض التأكد من صحة الأنساب الثابتة ، لما قد
يترتب عليه من سوء العشرة الزوجية وسوء العلاقات الاجتماعية ، وغير ذلك من مفاسد
كثيرة
ثامناً :
أنه يجوز الاعتماد علي البصمة الوراثية في المجال الجنائي كقرينة من القرائن التي
يستدل بها علي معرفة الجناة وإيقاع العقوبات المشروعة عليهم ، ولكن في غير قضايا
الحدود والقصاص .
تاسعاً :
يجب علي الدول الإسلامية منع استخدام البصمة الوراثية إلا بطلب من الجهات القضائية
لأغراض مشروعة ، ومنع ما عدا ذلك وإيقاع العقوبات الرادعة علي المخالفين حماية
لأعراض الناس وأنسابهم ، ودرء للمفاسد المترتبة علي ذلك .
وبهذا انتهي ما قصدت جمعه ، وما أردت بيانه من حكم في هذه النازلة
الهامة ، فما كان فيه من حق وصواب فذلك من فضل الله وتوفيقه وما كان سوي ذلك فمني
، وأستغفر الله وأتوب إليه من زلة قلم ، أو نبو فهم ، وحسبي أني لم أدخر وسعاً في
الوصول إلى الحق وبيانه ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على
نبينا محمد وآله وصحبه .
و آخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين
قائمة
المراجع
القرآن
الكريم
إثبات
النسب بالبصمة الوراثية
تأليف : الدكتور /محمد الأشقر . ضمن ثبت أعمال ندوة الوراثة والهندسة
الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية . الكويت : المنظمة
الإسلامية للعلوم الطبية – 1421هـ -2000 م
إثبات
النسب بالبصمة الوراثية .
تأليف : الشيخ / محمد المختار السلامي .
ضمن ثبت كامل أعمال ندوة الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري
والعلاج الجيني رؤية إسلامية– الكويت : المنظمة الإسلامية للعلوم
الطبية – 1421هـ -2000 م
الإحسان
بترتيب ابن حبان
تأليف : الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي . بيروت : دار الفكر
، 1407 هـ - 1987 م الطبعة الأولى
الأحوال
الشخصية .
تأليف : عبد العزيز عامر القاهرة : دار الفكر العربي ، 1396 هـ -1976
الطبعة الثانية .
إرواء
الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل .
تأليف : محمد ناصر الدين الألباني . إشراف : محمد زهير الشاويش .
الطبعة الأولى
بيروت – دمشق : المكتب الإسلامي .
الاستنساخ
بين العلم والدين .
تأليف : الدكتور / عبد الهادي مصباح . بيروت : الدار المصرية
اللبنانية 1419 هـ - 1999 م الطبعة الثانية
أسهل المدارك شرح إرشاد
السالك في فقه الإمام مالك
تأليف : أبي بكر بن حسن
الكشناوي . بيروت : دار الفكر
الإفصاح عن معني الصحاح . تأليف : يحي بن محمد بن هبيرة .
الرياض : المؤسسة السعيدية .
الإقناع
في فقه الإمام أحمد بن حنبل
تأليف شرف الدين موسي الحجاوي المقدسي تصحيح وتعليق : عبد اللطيف محمد
السبكي . مصر : المكتبة التجارية الكبري
الإنصاف
في معرفة الراجح من الخلاف علي مذهب الإمام أحمد بن حنبل
تأليف : علي بن سليمان المرداوي . صححه وحققه : محمد حامد الفقي .
القاهرة : مطبعة السنة المحمدية ، 1376 هـ / 1957 م الطبعة الأولى.
البحر
الرائق شرح كنز الدقائق .
تأليف : زين الدين بن نجيم الحنفي . بيروت : دار المعرفة للطباعة
والنشر الطبعة الثانية .
بدائع
الصنائع في ترتيب الشرائع .
تأليف :علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني بيروت :دار الكتاب
العربي ، 1402هـ /1982 م الطبعة الثانية .
بداية
المجتهد ونهاية المقتصد .
تأليف :أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد. راجعه وصححه : عبد
الحليم محمد عبد الحليم ، وعبد الرحمن حسن محمود . القاهرة : مطبعة حسان .
البصمة
الجينية وأثرها وأثرها في إثبات النسب
تأليف الدكتور : حسن الشاذلي .
ضمن ثبت كامل أعمال ندوة الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشرى
والعلاج الجيني – رؤية إسلامية . الكويت : المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية – 1421
هـ -2000 م
البصمة
الوراثية ومدي حجيتها في إثبات البنوة .
تأليف : الدكتور / سفيان
العسولي ضمن ثبت كامل أعمال ندوة الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري
والعلاج الجيني – رؤية إسلامية . الكويت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية – 1421
هـ - 2000 م .
البصمة
الوراثية وتأثيرها علي النسب إثباتاً أو نفياً .
تأليف : الدكتور / نجم عبد الله عبد الواحد بحث مقدم للمجمع الفقهي
برابطة العالم الإسلامي في دورته (15) عام 1419 هـ .
بعض
النظرات الفقهية في البصمة الوراثية وتأثيرها علي النسب .
تأليف : الدكتور / محمد عابد باخصمة . بحث مقدم للمجمع الفقهي برابطة
العالم الإسلامي في دورته (15) عام 1419 هـ .
تبصرة
الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام .
تأليف : إبراهيم بن الإمام شمس الدين بن فرحون . مصر : المطبعة
العامرة الشرفية عام 1301 هـ - الطبعة الأولي – تصوير بيروت ، دار الكتب .
التعريفات
.
تأليف : علي بن محمد بن علي الجرجاني . تونس : الدار التونسية للنشر
عام 1971 م
ثبوت
النسب .
تأليف ياسين بن ناصر الخطيب . جدة : دار البيان العربي ، 1407 هـ -
1987 م – الطبعة الأولى .
حاشية
البقري علي شرح الرحبية .
تأليف : محمد بن عمر البقري الشافعي . دمشق : دار القلم ، 1406 هـ -
1986 م ، الطبعة الثالثة .
دور
البصمة الوراثية في اختبارات الأبوة .
تأليف : الدكتورة / صديقة العوضي والدكتور رزق النجار . ضمن ثبت كامل
أعمال ندوة الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني – رؤية
إسلامية الكويت : المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية – 1421هـ - 2000 م
رحمة
الأمة في اختلاف الأئمة .
تأليف : محمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي . عني بطبعه :
عبد الله إبراهيم الأنصاري . قطر : مطابع قطر الوطنية ، 1401 هـ /1981 م
رد
المحتار علي الدر المختار ( حاشية ابن عابدين )
تأليف : أمين الشهير بأبن عابدين مصر : مكتبة ومطبعة مصطفي البابي
الحلبي 1386 هـ - 1966 م الطبعة الثانية .
روضة
الطالبين .
تأليف : يحيى بن شرف النووي تحقيق : عادل عبد الموجود ،وعلي معوض
بيروت : دار الكتب العلمية 1412هـ -1992 م الطبعة الأولى .
روضة
القضاة وطريق النجاة
تأليف : أبي القاسم علي بن محمد بن أحمد الرحبي السمناني . تحقيق :
صلاح الدين الناهي . بيروت : مؤسسة الرسالة ، عمان : دار الفرقان .
زاد
المعاد في هدي خير العباد .
تأليف : محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية . تحقيق : شعيب الأرناؤوط ،
وعبد القادر الأرناؤوط . بيروت : مؤسسة الرسالة ، 1405هـ - 1985 م – الطبعة
السابعة
سنن
أبي داود .
تأليف : سليمان بن الأشعث السجستاني . مراجعة : محمد محيى الدين عبد
الحميد . مكة : دار الباز للنشر والتوزيع .
سنن النسائي ( بشرح السيوطي وحاشية السندي )
. تأليف : أحمد بن
شعيب النسائي بيروت : المكتبة العلمية .
السنن
الكبرى .
تأليف : أحمد بن الحسين البيهقي . حيدر أباد الدكن – الهند : مطبعة
مجلس دائرة المعارف العثمانية الطبعة الأولي .
شرح
الخرشي علي مختصر خليل .
تأليف : أبي عبد الله محمد الخرشي بيروت : دار صادر .
شرح
الزرقاني علي مختصر خليل .
تأليف عبد الباقي الزرقاني . بيروت دار الفكر ، 1398 هـ ، 1978 م .
شرح
معاني الآثار .
تأليف : أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي
بيروت : دار الكتب
شرح منتهي الإرادات .
العلمية
، 1399هـ - 1979- الطبعة الأولى تأليف : منصور بن يونس البهوتي .
بيروت : دار الفكر
صحيح
البخاري ( مع حاشية السندي )
تأليف : محمد بن إسماعيل البخاري . مصر : مطبعة دار إحياء الكتب
العربية .
صحيح
مسلم .
تأليف : مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري . بيروت : دار المعرفة
للطباعة والنشر .
الطرق
الحكيمة في السياسة الشرعية .
تأليف : شمس الدين محمد بن قيم الجوزية مصر : مطبعة الآداب والمؤيد ،
1317 هـ ، - الطبعة الأولى .
فتح
الباري بشرح صحيح البخاري
تأليف : أحمد بن علي بن حجر العسقلاني . تصحيح وتحقيق : عبد العزيز بن
عبد الله بن باز . القاهرة : المطبعة السلفية ومكتبتها .
الفقه
الإسلامي وأدلته .
تأليف : وهبة الزحيلي . دمشق : دار الفكر ، 1404 هـ - 1984 م – الطبعة
الأولى.
القاموس المحيط .
تأليف : مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي . مصر : المكتبة
التجارية الكبري لصاحبها مصطفي محمد .
الكافي
في فقه أهل المدينة
تأليف : يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي . تحقيق : محمد محمد
أحيد ولد ماديك الموريتاني الرياض : مكتبة الرياض الحديثة ، 1398 هـ - 1978 م .
الكافي
في فقه الأمام أحمد بن حنبل
تأليف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي . بيروت : المكتب الإسلامي
، 1399هـ - 1979 م . – الطبعة الثانية
كشاف القناع عن متن الإقناع .
تأليف : منصور بن يونس البهوتي . القاهرة : مطبعة أنصار السنة
المحمدية ، 1366هـ / 1947 م .
لسان
العرب .
تأليف : جمال الدين محمد بن عبد الله بن مكرم ابن منظور . بيروت : دار
صادر.
المبدع
في شرح المقنع .
تأليف : إبراهيم بن محمد بن عبد الله مفلح . بيروت : المكتب الإسلامي
المبسوط
.
تأليف : شمس الدين أبي بكر محمد بن أحمد السرخسي . بيروت : دار
المعرفة للطباعة والنشر – الطبعة الثانية .
محاضرات
عن البصمات .
تأليف : محمد أحمد البار ، وأحمد إبراهيم الشبانة . الرياض : مطابع
الأمن العام .
المحلى
.
تأليف : أبي محمد علي بن أحمد بن حزم بيروت : دار الفكر .
المدونة
الكبرى .
تأليف : الإمام مالك بن أنس رواية سحنون بن سعيد التنوخي عن عبد
الرحمن بن قاسم
مصر : مطبعة السعادة ، 1323 هـ - تصوير : بيروت – دار صادر
المستدرك علي الصحيحين .
تأليف : أبي عبد الله الحاكم النيسابوري . حلب : مكتبة المطبوعات
الإسلامية .
المصباح
المنير .
تأليف : أحمد بن محمد بن علي الفيومي . بيروت المكتبة العليمة .
معالم
السنن ( مع مختصر سنن أبي داود ) .
تأليف : أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي تحقيق : محمد حامد الفقي . القاهرة : مطبعة
السنة المحمدية .
المعجم
الوسيط .
تأليف : إبراهيم أنيس ،وزملائه
قطر : مطابع قطر الوطنية ، 1985 م ، نشر : غدارة إحياء التراث
الإسلامي بدولة
معونة أولي النهي شرح المنتهى .
تأليف : محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي . تحقيق : د. عبد الملك بن دهيش
. بيروت : دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع ، 1419 هـ - ذ998 م – الطبعة الثانية .
معين
الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام .
تأليف : علاء الدين أبي الحسين علي بن خليل الطرابلسي الحنفي . مصر :
مطبعة مصطفي البابي الحلبي ، 1393 هـ - 1973 م – الطبعة الثانية .
المغني
.
تأليف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي . الرياض : مكتبة الرياض
الحديثة .
مغني
المحتاج إلي معرفة معاني ألفاظ المنهاج .
تأليف : محمد الشربيني الخطيب . بيروت :دار إحياء التراث العربي .
المفردات في في غريب القرآن .
تأليف :أبي القاسم الحسن بن محمد الأصفهاني . تحقيق وضبط :محمد سيد
كيلاني ، بيروت :دار المعرفة .
المقنع
والشرح الكبيروالإنصاف .
تأليف : موفق الدين بن قدامة ، وعبد الرحمن بن قدامة ، وعلي بن سليمان
المرداوي . تحقيق : د. عبد الله التركي ، د. عبد الفتاح الحلو . القاهرة : دار هجر
للطباعة والنشر والتوزيع ، 1414 هـ - 1993 م الطبعة الأولى
المقنع
في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل .
تأليف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي . القاهرة : المطبعة
السلفية ومكتبتها .
ملخص
أعمال الحلقة النقاشية حول حجية البصمة الوراثية .
الكويت : المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ، 2000 م .
مناقشات جلسة المجمع الفقهي عن البصمة الوراثية وتأثيرها علي النسب
إثباتاً ونفياً في دورته (15) المنعقدة في شهر رجب 1419 هـ
المنتقى شرح الموطأ .
تأليف : أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي . بيروت : دار الفكر
العربي .
المهذب
في فقه الإمام الشافعي .
تأليف : إبراهيم بن علي الشيرازي بيروت : دار المعرفة للطباعة والنشر
. مصور عن الطبعة الثانية 1379هـ /1959 م
موجز
أعمال الندوة الفقهية الحادية عشر .
( الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني – رؤية
إسلامية ) . الكويت : المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ، 2000 م
موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي . تأليف : سعدي أبو حبيب .
بيروت : دار العربية للطباعة والنشر .
الموسوعة العربية العالمية .
الرياض : مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولي .
الموسوعة الفقهية .
الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية . الكويت : طباعة ذات
السلاسل ، الطبعة الثانية .
النظرية
العامة لإثبات موجبات الحدود .
تأليف : د. عبد الله الركبان بيروت : مؤسسة الرسالة ، 1401 هـ - 1981
م ، الطبعة الأولى .
النهاية
في غريب الحديث .
تأليف : مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري . تحقيق :
طاهر الزواوي ، ومحمود الطناحي .
نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج .
تأليف : محمد بن أبي عباس الرملي الناشر : المكتبة الإسلامية لصاحبها
الحاج رياض الشيخ .
الهداية
شرح بداية المبتدي .
تأليف : برهان الدين بن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني . مصر
: مكتبة ومطبعة مصطفي البابي الحلبي .
[15]
-إنظر الهداية شرح
البداية ( 1/117 ) الخراشي علي خليل ، ( 7/200) المهذب ( 2/334) المقنع مع الشرح
الكبير والإنصاف (30/15 ) المحلي (9/359 ) ثبوت النسب ص 192 .
[17]
- التعريفات للجرجاني
ص 91. وعرفه في مغني المحتاج 4/488 بقوله
: ( من يلحق النسب بغيره عند الاشتباه بما خصه الله تعالي به من علم ذلك )
[23]
-الطرق الحكمية ص 195
، وقد بين العلامة بن القيم ضعف ما ذهب إليه الحنفية من عدم الحكم بالقافة وأجاب
عن أدلتهم بما يشفي ويكفي . أنظر الطرق الحكمية ص 208 .
[32]
- رواه الطحاوي في
شرح معاني الآثار 4/162 ، البيهقي في السنن الكبرى 10/263 ، وقال : هذا إسناد صحيح
موصول
[36]
- ويدل علي ذلك قول
اله تعالي (( أنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج )) والأمثال هي الاختلاط وأنظر
الآية في صورة الإنسان ، رقم ( 2 )
[37]
-مناقشات جلسة المجمع
الفقهي برابطة العالم الإسلامي عن البصمة الوراثية في دورته ( 15 ) ، ص ،25 .
[40]
- انظر : البصمة
الوراثية وتأثيرها علي النسب إثباتاً
ونفياً ، ص ، 13 ، إثبات النسب بالبصمة الوراثية
، ضمن ثبت أعمال الوراثة والهندسة الوراثية ( 1/454 ) ملخص أعمال الحلقة
النقاشية حول حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب ، ص 19، الموسوعة العربية
العالمية ( 3/2- 334 )
[41]
- أنظر البصمة
الوراثية وتأثيرها علي النسب إثباتاً ونفياً ، للدكتور نجم عبد الواحد ص 6 ،
مناقشات جلسة المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي عن البصمة الوراثية في دورته (
15 ) ، ص 6 .
[42]
- أنظر مناقشات جلسة
المجمع في دورته ( 15 ) ص 7 ، موجز أعمال الندوة الفقهية الحادية عشر حول الوراثة
والهندسة الوراثية ، ص 85 .
[50]
- وقد ذكر لي فضيلة
الشيخ عبد العزيز القاسم وهو أحد القضاة في محكمة الرياض الكبرى أنه تقدم إليه شخص
بطلب اللعان من زوجته بالانتفاء من بنت ولدت علي فراشه ، فأحال القاضي الزوجين مع
البنت إلي الجهة المختصة لإجراء اختبارات الفحص الو راثي ، فجاءت نتائج الفحص
بإثبات أبوة هذا الزوج للبنت إثباتاً قطعياً ، فكان ذلك مدعاة لعدول الزوج عن
اللعان وزوال ما كان في نفسه من شكوك في زوجته ، كما زال أيضاً بهذا الفحص الحرج
الذي أصاب الزوجة وأهلها جراء سوء ظن الزوج ، فتحقق بهذا الفحص مصلحة عظمي يتشوف
إليها الشارع ويدعو إليها .
[51]
- فليست بحدث ولا
تخمين كما يقول منكر والقيافة ، بل هي غريزة في الطبع ، تنمي بالعلم والخيرة
والتجربة .
وانظر الرد علي من قال بأنها حدث وتخمين في
زاد الميعاد 5/421
[58]
- مناقشات جلسة
المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بشأن البصمة الوراثية في دورته ( 15 ) ص
13 .
[59]
- انظر البصمة الجينية
وأثرها في إثبات النسب للدكتور حسن الشاذلي ضمن ثبت أعمال ندوة الوراثة والهندسة
الوراثية 1/494
[61]
- حيث ذكر فقهاء
الشافعية والحنابلة صوراً كثيرة لكلا النوعين . أنظر في هذا : روضة الطالبين 4/506
، مغني المحتاج 4/489 -490 والمغني 5/771
والإنصاف 6/456
[62]
- انظر مناقشات
المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في دورته ( 15 ) ، ص 21 ملخص أعمال الحلقة
النقاشية حول البصمة الوراثية في الكويت ص 47 ، البصمة الجينية وآثارها في إثبات
النسب للدكتور حسن الشاذلي ضمن ثبت أعمال ندوة الوراثة والهندسة الوراثية
1/498 .
[63]
- انظر ملخص الحلقة
النقاشية حول حجية البصمة الوراثية ، ص 47 ، البصمة الوراثية وأثرها في إثبات
النسب ضمن ثبت أعمال ندوة الوراثة والهندسة الوراثية 1/497 .
[71]
- إنما قلت : مشروع
قرار ، لأنه لم يصدر بسبب خلاف الأعضاء حول حكم استعمال البصمة في مجال إثبات
النسب ، لذا رؤي تأجيله إلي الجلسة القادمة
[89]
- انظر هذه المسائل
ومسائل أخري كثيرة مماثلة تركتها اختصارا في الطرق الحكمية ص 19 وتبصرة الحكام
2/95 ، ومعين الحكام ص 66 والنظرية العام لإثبات موجبات الحدود 2/218
[91]
- وهو مذهب المالكية
، والحنابلة في رواية عن الإمام أحمد . أنظر : تبصرة الحكام 2/94 ، الرطق الحكمية
، ص 7
[92]
- وهو مذهب المالكية
، والشافعية ، والظاهرية ، وقول للحنابلة أختاره شيخ الإسلام ابن تيميه وغيره .
أنظر : بداية المجتهد 2/90 والمذهب 2/128 والمحلي 10/145 والإنصاف 9/249 .
[93]
- وهو مذهب المالكية
والحنابلة في رواية عن الإمام أحمد . أنظر بداية المجتهد 2/333 ، تبصرة الحكام
2/95 ، والإنصاف 10/233 .
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم