القائمة الرئيسية

الصفحات



حكم إبرام عقود الأحوال الشخصية والعقود التجارية عبر الوسائل الإلكترونية

حكم إبرام عقود الأحوال الشخصية والعقود التجارية  عبر الوسائل الإلكترونية

حكم إبرام عقود الأحوال الشخصية والعقود التجارية
عبر الوسائل الإلكترونية




حكم إبرام عقود الأحوال الشخصية والعقود التجارية 
عبر الوسائل الإلكترونية




إعداد
الدكتور/ محمد بن يحيى بن حسن النجيمي

الأستاذ المشارك بكلية الملك فهد الأمنية - قسم الدراسات الشرعية
والمعهد العالي للقضاء / قسم الفقه المقارن
والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة
 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لـه ومن يضلل فلا هادي لـه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد:
فلا شك أن هذا الدين قد أكمله الله ، وجعل لنا شريعة مشتملة على الأصول والقواعد العامة التي تصلح للتطبيق في كل زمان ومكان، وتستوعب كل حادثة وتبين حكم الله فيها.
وبما أن الحياة في تطور دائم ومستمر، فإن ذلك يعني أن مسائلها ستبقى متجددة، وذلك يقتضي بيان حكم الله والكشف عنه في جميعها تلك المستجدات، كي تبقى هذه الشريعة هي الحاكمة لأفعال العباد. وبناءً على ما سبق:
فلقد ارتأيت أن يكون موضوع بحثي هذا هو حكم إبرام عقود الأحوال الشخصية والعقود التجارية عبر الوسائل الإلكترونية، باعتبارها إحدى القضايا الطارئة، والتي يحتاج الناس إلى معرفة حكم الله فيها. وقد جعلت هذا البحث في مقدمة، وتمهيد، وفصلين: 

الفصل الأول: حكم إبرام عقود الأحوال الشخصية بالوسائل الإلكترونية

ويتكون من خمسة مباحث:
المبحث الأول: إبرام عقد الزواج عن طريق الوسائل الإلكترونية.
المبحث الثاني: إجراء الطلاق عن طريق الوسائل الإلكترونية.
المبحث الثالث: الإجراءات على عقد الزواج عن طريق الوسائل الإلكترونية.
المبحث الرابع: بيان موقف قوانين الأحوال الشخصية في بعض البلاد العربية من التعاقد عبر الوسائل الإلكترونية كتابة ومهاتفة.
المبحث الخامس: الإجراءات المترتبة على عقد الزواج بالوسائل الإلكترونية في قوانين الأحوال الشخصية العربية.
الفصل الثاني: حكم إبرام العقود التجارية بالوسائل الإلكترونية.
ويتكون من مباحث:
المبحث الأول: حكم إبرام العقود التجارية كتابة عبر الوسائل الإلكترونية.
المبحث الثاني: حكم إبرام العقود التجارية مهاتفة عبر الوسائل الإلكترونية.
المبحث الثالث: الإجراءات المترتبة على العقود التجارية عبر الوسائل الإلكترونية.
المبحث الرابع: بيان موقف القوانين الوضعية من التعاقد عن طريق الكتابة وما في حكمها من الوسائل الإلكترونية كالفاكس والإنترنت وما أشبه ذلك.
المبحث الخامس: بيان موقف القوانين الوضعية من التعاقد عن طريق الهاتف واللاسلكي والإنترنيت وما يشبهها مهاتفة.
وأخيرًا خاتمة البحث ونتائجه.

 
تمهيـــد

بما أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره فلا بد أن ألقي بصيصًا من الضوء على هذه الوسائل الحديثة للاتصالات وكيفية تطورها لنكون على بيِّنة من أمرها وعلى بصيرة في تكييفها الشرعي.
حينما تقدمت المجتمعات الإنسانية أضحت بحاجة ماسة إلى وسائل الاتصال فيما بينها سواء أكانت للارتباط السياسي، أو للجانب الاجتماعي والاقتصادي، ولذلك بحث الإنسان عن أسرع وسيلة ممكنة فاكتشف المرايا العاكسة، والدخان، والحمام الزاجل وغير ذلك...
وفي عصرنا الحديث تقدمت وسائل الاتصال بشكل كبير، فكانت الطفرة الكبرى باكتشاف اللاسلكي الذي كسر حاجز المسافة والزمن، ثم تطورت وسائل الاتصال باطراد الزمن، والاختراعات لتصل إلى أعلى مستوياتها من خلال استخدام الأقمار الصناعية، فكانت القفزة الكبيرة في عام 1957م عندما تم إرسال القمر الصناعي إلى الفضاء الخارجي للدوران حول الأرض؛ لإرسال المعلومات المدنية والعسكرية، ثم أدت المنافسة في هذا المجال بين الدول إلى أن تواجد في الفضاء آلاف الأقمار الصناعية لتجوب الفضاء ليل نهار( ).

تعريف الاتصالات السلكية واللاسلكية:

حسبما جاء في تعريف الاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية أنها: « عملية تساعد المرسل على إرسال المعلومات بأي وسيلة من وسائل النظم الكهرومغناطيسية من تليفون أو تلكس أو بث تليفزين أو نحو ذلك... »( ).
وهذه الوسائل منها ما يسير عبر كوابل أرضية أو بحرية أو محطات لاسلكية كبيرة تعتمد على أجهزة إرسال واستقبال، ومجموعات هوائية لكل منهما، أو تستخدم الأقمار الصناعية وسيلة وسيطة لتحقيق اتصالها، فمثلاً التلكس يتم الاتصال به من خلال جهازين مرتبطين بوحدة تحكم دولي ينقل كل واحد منهما إلى الآخر المعلومات المكتوبة دون وجود وسيط بينهما، حيث إنه يمكن للمشترك الاتصال بجميع أنحاء العالم وهو جالس في مكتبه من خلال جهاز التلكس، المرتبط بوحدة تحكم خاصة به، ودون حاجة إلى الانتقال إلى مكان آخر، ودون وجود احتمال تسرب المعلومات، فضلاً عن قدرته على اختصار الوقت وتحقيق قدرة أعلى في السرعة.
ولكل مشترك في هذا الجهاز رقم خاص يميزه عن بقية المشتركين... ولهذا الجهاز مفاتيح شبيهة بالآلة الكاتبة، ولكل مفتاح من مفاتيحه رقم يرمز إلى حرف متعارف عليه دوليًا، وحينما تجتمع فيه الأرقام أي الحروف المقصودة يقوم الجهاز بتحويلها إلى إشارات كهربائية ليتلقى جهاز التلكس المرسل إليه( ).
وهناك الإرسال عن طريق البريد المصور (الفاكس)، فإنه من خلال جهازين مرتبطين بالخطوط الهاتفية، حيث يضع المرسل الورقة المكتوبة في الجهاز، ويضرب الأرقام الخاصة بالجهاز الثاني، حينئذٍ إذا لم يكن ذلك الجهاز مشغولاً أو فيه خلل فإنه يقوم بفتح الخط ليقوم بطبع صورة الورقة المرسلة على ورقة خاصة موجودة فيه، لتظهر الورقة للمرسل إليه كما هو دون تغيير أو تبديل( ).
وأخيرًا دخل الحاسوب الآلي (الكمبيوتر) هذا المضمار فأصبح كثير من الإجراءات التعاقدية تتم من خلاله، فعن طريقه يتم حجز الأماكن للسفر والسياحة ونحوهما، ومن خلاله يتم الاتصال بين الشركات الفرعية والشركة الأم لتنظيم الرحلات والاتفاقات وعن طريقه يتم قطع التذاكر، وفي الآونة الأخيرة دخل الكمبيوتر الأسواق المالية من أوسع أبوابها، فأصبح يقوم بتنظيمها وتنظيم العقود فيها، وإجراء بعض العقود والتحويلات، كما أنه يمكن ربط الكمبيوتر بجهاز كمبيوتر آخر عن طريق الهاتف، أو عن طريق مجموعة اتصال خاصة تدعى الإنترنت (Internet) ثم القيام ببرمجة خاصة تمكين من مخاطبة الجهاز الآخر أوتوماتيكيًّا أو عمليًّا، وبالتالي كتابة رسالة تعاقدية فيه وتخزينها مع توجيهه إلى إرسال نسخة منها إلى الجهاز الثاني المرتبط بالمتعاقد الآخر أو بالبورصة( ).
والجدير بالذكر أنه يمكن من خلال الإنترنت إجراء مكالمات هاتفية فالإنترنت يمكن تصنيفه مع أجهزة الاتصال الحديثة الناقلة للحروف، ويمكن أيضًا تصنيفه مع الأجهزة الناقلة للأصوات، ومن أبرزها الهاتف الذي يتم الاتصال من خلاله عن طريق الخطوط (الكابلات الكهربائية) عبر الأرض أو البحر أو عن طريق الأقمار الاصطناعية.
إضافة إلى ما سبق فإنه يمكن الاتصال وإبرام العقود عن طريق جهاز اللاسلكي الذي يتم من خلاله نقل الكلام الصريح أو الكلام المفهوم عن طريق الشفرات.
وكما يمكن أيضًا إجراء ما سبق عن طريق المذياع والتلفاز والتسجيل و(الفيديو) الناقل للصوت والصورة معًا.
ومن خلال هذا العرض يتبين لنا أن إنشاء العقود وإبرامها عبر الاتصالات الحديثة يمكن أن يتم من خلال نقلها للصورة فقط كالهاتف واللاسلكي والمذياع والتلفاز... إلخ، أو من خلال نقل الحروف المكتوبة كالتلكس والفاكس والحاسب الآلي.

 الفصل الأولحكم إبرام عقود الأحوال الشخصية عبر الوسائل الإلكترونية


ويحتوي على مباحث:
المبحث الأول : إبرام عقد الزواج عن طريق الوسائل الإلكترونية.
المبحث الثاني : إجراء الطلاق عن طريق الوسائل الإلكترونية.
المبحث الثالث : الإجراءات المترتبة على عقد الزواج عن طريق الوسائل الإلكترونية.
المبحث الرابع : بيان موقف قوانين الأحوال الشخصية من بعض البلاد العربية من التعاقد عبر الوسائل الإلكترونية كتابة ومهاتفة.
المبحث الخامس : الإجراءات المرتبة على عقد الزواج بالوسائل الإلكترونية في قوانين الأحوال الشخصية العربية.
 
الفصل الأول
حكم إبرام عقود الأحوال الشخصية عبر الوسائل الإلكترونية

تمهيــد:
طور العلماء في هذا العصر وسائل الاتصال تطويرًا هائلاً، وقد مكن هذا التطور البشر من التخاطب فيما بينهم على الرغم من بعد الشقة وبعد الديار، كما مكنتهم من إرسال المعلومات والأخبار والحصول عليها بسرعة فائقة.
وكان للأحوال الشخصية نصيب من وسائل الاتصالات الحديثة فأصبح من الممكن إبرام عقود الزواج وإيقاع الطلاق عن طريق وسائل الاتصالات الحديثة،وقد كان معروفًا في القديم إجراء العقود عن طريق الكتابة والمراسلة إلى الطرف الآخر، وعلى ذلك فإن إجراء العقود بالكتابة ليس جديدًا، وإنما الجديد هو السرعة المذهلة التي يتم فيها نقل ما في الكتاب أو صورته؛ فالذي كان ينقل في ساعة أو ساعات أو أسابيع أو شهور يتم نقله في ثوان كما نشاهده بالفاكس.
إن إجراء العقود بين الغائبين عن طريق المخاطبة بالهاتف أو عن طريق الوسائل الإلكترونية الأخرى هو نمط جديد في الاتصال وإن كان بعض العلماء المعاصرين قد قاسه على صورة العقد الذي كان ينقل ألفاظه وسيط بين المتعاقدين.
 
المبحث الأول
إبرام عقد الزواج عن طريق الوسائل الإلكترونية

بَيَّنْتُ فيما سبق أن عقود الزواج يمكن أن تبرم عن طريق الوسائل الإلكترونية بطريقين: الكتابة، والمشافهة، وسأتناول كل واحد من الطريقين بالبيان والتحليل مبينًا الحكم الشرعي في ذلك:
أولاً: العقد عن طريق الكتابة:
هذا الطريق كان معروفًا قديمًا، وتكلم الفقهاء في حكمه بين مجيز ومانع، ولم تبتدع وسائل الاتصال الحديثة هذا النمط من العقود، والجديد فيها هو سرعة النقل، وقد اختلف الفقهاء قديمًا في إجراء عقود الزواج عن طريق الكتابة على قولين:
القول الأول: 
المنع من إجراء عقود الزواج عن طريق الكتابة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من مالكية( )، وشافعية( )، وحنابلة( )، وإذا وجدت أقوال في هذه المذاهب تجيز إبرام عقود الزواج عن طريق الكتابة فهي ضعيفة ومردودة عند المحققين منهم إلا في حال الضرورة، وقصروا حالة الضرورة على الأخرس الذي لا قدرة لـه على النطق ويحسن الكتابة.
ويمكن أن يستدل لهؤلاء بما يلي:
1- اشتراطهم الإشهاد على عقد النكاح حين انعقاده، والإشهاد شرط صحة عند الشافعية( )، والحنابلة( )، والحنفية( )، ولكن الحنفية الذين أجازوا إجراء العقد بطريق الكتابة -كما سيأتي- قالوا: إنه يمكن تحقيق هذا الشرط باستدعاء العاقد الذي وصله كتاب الإيجاب بدعوة الشهود وإطلاعهم على الكتاب أو إخبارهم بمضمونه وأنه موافق على ذلك الزواج وبذلك يتم الإشهاد( ). أما المالكية فالإشهاد شرط عندهم أيضًا إلا أنه يجوز تأخيره إلى ما قبل الدخول ويشترطون الإعلام والظهور( ).
2- أن النكاح لـه خصوصية؛ حيث إنه يحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره حفظًا للفروج وهذا مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية.

القول الثانـي:
يجيز إجراء عقد الزواج بالكتابة، وهذا مذهب الحنفية( )، ويمكن أن يستدل لهم بما يلي:
على الرغم من اشتراط الحنفية الشهود في النكاح كما اشترطته بقية المذاهب، إلا أنهم جعلوا مجلس العقد هو ساعة وصول الخطاب الذي يحمل الإيجاب إلى الطرف الآخر، فإذا وصله ودعا الشهود وأطلعهم على الكتاب أو أخبرهم بمضمونه وأشهدهم على قبول النكاح فقد جعلوا مجلس العقد هو المجلس الذي يصل فيه الخطاب حكما، وعلى ذلك تتم الموالاة بين الإيجاب والقبول عندهم ويتم الإشهاد( ).
وإذا راجعنا حاشية ابن عابدين (3/12) نجد أن الحنفية قد اشترطوا لصحة عقد الزواج بالكتابة الشروط التالية:
أ     - ألا يكون العاقد حاضرًا بل غائبًا.
ب  - أن يشهد العاقد شاهدين على ما في الكتاب عند إرساله.
جـ- أن يصرح المرسل إليه بالقبول لفظاً لا كتابةً فلو كتب رجل إلى امرأة تزوجتك فكتبت إليه قبلت لم ينعقد؛ إذ الكتابة من الطرفين بلا قول لا تكفي ولو في الغيبة.
د  - أن يشهد الغائب حين يأتيه الكتاب شاهدين، ويعرفهم بواقع الحال، ويصرح أمامهم بالقبول، فالمرأة حين يأتيها الخطاب تدعو شاهدين ثم تقرأ عليهما الكتاب وتخبرهم بمضمونه وتصرح بقبولها النكاح، وبذلك يحكم السادة الحنفية أن الشهود سمعوا الإيجاب الذي تضمنه الكتاب، والقبول الذي تلفظت به المرأة.

المناقشة والترجيح:
الراجح من وجهة نظري -والله أعلم- هو مذهب الحنفية الذي يجيز عقد الزواج بالكتابة؛ ذلك أن اعتبارهم مجلس العقد وهو ساعة وصول الخطاب الذي يحمل الإيجاب إلى الطرف الآخر قول سديد؛ لأنها تحقق الموالاة بين الإيجاب والقبول. وفي اعتقادي أن بقية المذاهب تعد وقت تمام العقد حين يصل المكتوب سواء كان عن طريق شخص أو عن طريق الفاكس أو الإنترنت إلى الشخص الذي وجه إليه فيقبله في المجلس فحينئذٍ ينعقد العقد إذا كان بيعًا ويشهد عليه إذا كان نكاحًا، والمتتبع لكتب بقية المذاهب في قضايا البيع ونحوه من العقود يلمس هذا، ولولا ضيق الوقت لنقلت نصوصهم في هذا. ومن أراد التوسع فليرجع إلى المجموع 
(9/168)، وفتح العزيز بهامش المجموع (8/130)، وروضة الطالبين (3/139)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3/3)، والخرشي (5/5)، والإنصاف للمرداوي (4/260)، والروض المربع (4/328).
أما قولهم: إن الإشهاد شرط في عقد النكاح فإن الحنفية يقولون بذلك أيضًا لكنهم جعلوا مجلس العقد هو ساعة وصول الخطاب، فإذا وصله الخطاب ودعا الشهود وأطلعهم على الكتاب أو أخبرهم بمضمونه وأشهدهم على قبول النكاح فقد تم النكاح وأيضًا اشترط الحنفية أربعة شروط لصحة عقد الزواج بالكتابة كما سبق بيانه.
وأما قولهم: إن النكاح خصوصية حيث إنه يتعلق بالفروج ويحتاط فيها ما لا يحتاط في غيرها فالجواب عليه أننا نوافقهم على التحوط في الفروج ولكنني لا أوافقهم على المنع، فالتحوط يلزم  اتخاذ إجراءات تضمن سلامة إجراء العقود ولكنها لا تمنع من ذلك، فيمكن للخاطب أن يرى مخطوبته عبر الكمبيوتر المتصل بشبكة الإنترنت، ويمكن أن يظهر المتعاقدان وسائل الإثبات الخاصة بكل منهما كما يجب أن يكون الشاهدان يعرفان الطرفين، ويمكن أن تجهز قاعات المحاكم بشبكة الإنترنت لإضفاء الصفة الرسمية عليها خاصة وأن عقود الزواج اليوم لا تقبل المحاكم توثيقها إلا إذا جرت عن طريق القاضي أو عن طريق من يأذن لـه القاضي بإجراء العقود( ).
وبهذا يتضح لنا جواز إجراء عقد النكاح -بشروطه وضوابطه السالف ذكرها- عبر الوسائل الإلكترونية كتابة.

ثانيًا: النكاح عن طريق المهاتفة:
بينت من قبل أن عقد الزواج بين غائبين عن طريق الأجهزة السلكية واللاسلكية صورة جديدة لم يكن لها وجود في العصور السابقة، ولكن بعض الباحثين( ) يرى أن لـه نظيرًا وأقرب مثال لهذه الصورة -من وجهة نظرهم- ما ذكره النووي من عقد البيع بين متناديين، بأن يكون العاقدان في مكانين يسمع كل منهما نداء الآخر، شاهده أو لم يشاهده، وفي ذلك يقول: « لو تناديا وهما متباعدان وتبايعًا، صح البيع بلا خلاف »( ).
وبعد هذا التمهيد المختصر ما حكم إجراء عقد الزواج عبرالوسائل الإلكترونية مهاتفة؟ اختلف الفقهاء المعاصرون في هذه المسألة على قولين:
القول الأول:يجيز إجراء عقد الزواج مشافهة عن طريق وسائل الاتصالات الحديثة كالهاتف والإنترنت وممن ذهب هذا المذهب الشيخ/ مصطفى الزرقا ( )، 
و د/ وهبة الزحيلي( )، ود/ إبراهيم الدبو( )، و د/ محمد عقلة( )، والشيخ بدران أبوالعينين بدران( ).
ويمكن أن يستدل لهم بما يلي:
التعاقد عن طريق الوسائل الإلكترونية مهاتفة توفرت فيه شروط عقد الزواج كالتلفظ بالإيجاب والقبول، وسماع كل من العاقدين للآخر ومعرفته به، والموالاة بين الإيجاب والقبول، ووجود الولي، ووجود الشهود الذين يسمعون الإيجاب والقبول فيكون العقد صحيحًا.
القول الثاني:يمنع عقد الزواج بطريق الوسائل الحديثة الناقلة للكلام نطقًا ومنها التعاقد عبر شبكة الإنترنت مهاتفة، وقد ذهب إلى هذا القول اللجنة الدائمة للإفتاء( ) بالمملكة العربية السعودية، وأكثر فقهاء مجمع الفقه الإسلامي( ) بجدة.
ويمكن أن يستدل لهم بما يلي:
1- أن هذا الطريق، أي المهاتفة قد يدخله خداع أحد العاقدين للطريق الآخر، وعقد الزواج يجب أن يحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره حفظًا للفروج وتحقيقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية.
2- علل مجمع الفقه الإسلامي المنع بأن عقد الزواج يشترط الإشهاد فيه.
المناقشة والترجيح:
الراجح من وجهة نظري -والله أعلم- جواز إجراء عقد النكاح بوسائل الاتصالات الحديثة الناقلة للكلام نطقًا ومنها شبكة الإنترنت؛ وذلك لتوفر شروط النكاح من تلفظ بالإيجاب والقبول، وسماع كل من العاقدين للآخر ومعرفته لـه، ووجود الولي والشهود، وكون العاقدين غائبين لا حرج فيه؛ فالعاقدان غائبان بشخصيهما، ولكنهما يعقدان عقد الحاضرين يسمع كل منهما الآخر، كما يسمعهما الشهود حين نطقهما بالإيجاب والقبول. وأما قول اللجنة الدائمة للإفتاء الموقرة والمحترمة أنه قد يحصل خداع أحد الطرفين للآخر، وإن عقد الزواج يحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره. فيرد على ذلك أنه يمكن أن يرى المتعاقدان بعضهما البعض عبر شبكة الإنترنت أو عبر الهاتف الذي يظهر صورة كل من المتحادثين مع وجود المحرم، وبهذا ينتفي الخداع كما أن هناك الشاهدين اللذين يعرفان المتعاقدين، وأما ما علل به مجمع الفقه الإسلامي الموقر بجدة للمنع بعدم وجود الإشهاد فغير مقبول؛ فالشهود يسمعون الخطاب وهم يشهدون على ما سمعوا وهم يعرفون المتعاقدين أيضًا. ويمكن أن يطلب من المتعاقدين معلومات عن إثبات هويتهما بذكر رقم الهوية وتاريخها ومكان صدورها، وبهذا يترجح لدي إجراء عقد الزواج بواسطة الوسائل الإلكترونية مشافهة إذا توفرت الشروط السابقة الذكر. والله أعلم وأعلى.

 المبحث الثانـيإجراء الطلاق عن طريق الوسائل الإلكترونية


أولاً: الطلاق عبر الوسائل الإلكترونية مهاتفة:
إذا طلق الرجل زوجته مشافهة عن طريقة الهاتف أو الكمبيوتر المرتبط بشبكة الإنترنت فإن الطلاق واقع شرعًا؛ لأن الطلاق لا يتوقف على حضور الزوجة ولا رضاها ولا علمها، كما أنه لا يتوقف على الإشهاد، فالطلاق يقع بمجرد تلفظ الزوج به، ولكن يشترط أن تتأكد الزوجة من أن الذي خاطبها هو زوجها وليس هناك تزوير؛ لأنه يبنى على ذلك اعتداد الزوجة واحتسابها لبداية العدة من وقت صدور الطلاق الذي خاطبها به الزوج ويصدق ذلك أيضًا بالنسبة إلى الزوجة المفوضة( ) بالطلاق من قبل زوجها حين العقد، جاز لها طلاق نفسها منه عن هذا الطريق( ).

ثانيًا: الطلاق عبر الوسائل الإلكترونية كتابة:
الكتابة للزوجة بالطلاق عن طريق الحاسب الآلي المرتبط بالوسائل الإلكترونية فيه الخلاف القديـم الذي ذكره الفقهاء بالطلاق بطريق الكتابة؛ فقد ذهب الظاهرية( ) وبعض الفقهاء، إلى أن الطلاق لا يقع بالكتابة، وقد احتجوا بما يلي:
1- أن اسم الطلاق قد ورد في القرآن الكريم على اللفظ لا على الكتابة. قال ابن حزم: « ومن كتب إلى امرأته بالطلاق فليس شيئاً » وقال: قال الله تعالى:  الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ ( )، وقال الله تعالى:  فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ( )، ولا يقع في اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها ورسوله  اسم تطليق على أن يكتب إنما يقع ذلك على اللفظ به فصح أن الكتاب ليس طلاقًا حتى يلفظ به إذا لم يوجب ذلك نص ».
وذهب جهور الفقهاء إلى أن الطلاق يقع بالكتابة المستبينة، وهي التي تبقى بعد كتابتها ويمكن قراءاتها( ). كما يقع باللفظ مع خلاف فيما بينهم في اشتراط النية في الكتابة أو عدم اشتراطها، وفيما إذا كانت بألفاظ صريحة أم كانت بألفاظ كنائية.

الكتابة المستبينة عند الحنفية قسمان:
مستبينة وغير مرسومة فالأولى كمن يكتب إلى زوجته باسمها وعنوانها قائلاً: يا فلانة أنت طالق. وأما غير المرسومة فهي على خلاف ذلك كما لو كتب فلانة طالق أو زوجتي طالق دون أن يوجه الكتابة إليها. والفرق بين القسمين عندهم أن الكتابة المستبينة المرسومة إن كانت بألفاظ صريحة فلا يحتاج إلى نية، فلو ادعى أنه لم ينو طلاقًا لم يصدق. أما إن كانت بلفظ كناية فتحتاج إلى النية.
أما الكتابة غير المرسومة فتُعَدُّ من الكنايات فلا يقع بها طلاق إلا مع النية سواء أكان بألفاظ صريحة أم بألفاظ كنائية فلو ادعى أنه لم ينو صدق في ذلك.
قال ابن عابدين: « وإن كانت مستبينة لكنها غير مرسومة إن نوى الطلاق يقع وإلا لا. وإن كانت مرسومة يقع الطلاق نوى أو لم ينو »( ).
وذهب المالكية( )، والشافعية( )، والحنابلة( )، والزيدية( ) إلى أن الطلاق يصح بالكتابة لكن إذا لم ينو بالكتابة الطلاق فلا يقع به شيء، وبعبارة صريحة عدوا الكتابة بالطلاق كناية ولو كان اللفظ صريحًا في الطلاق.
قال الخرشي: « إن الزوج إذا كتب إلى زوجته أو إلى غيرها أنه طلقها وهو عازم على ذلك فإن الطلاق يقع عليه بمجرد فراغه من الكتابة »( ).
وجاء في مختصر المزني( ): « ولو كتب بطلاقها فلا يكون طلاقًا إلا بأن ينويه».
وقال النووي: « قال أصحابنا كل تصرف يستقل به الشخص كالطلاق والعتاق والإبراء ينعقد مع النية بلا خلاف كما ينعقد بالصريح »( ).
وقال ابن قدامة في المغني: «وإن كتب طلاق امرأته ونوى طلاقها وقع وإن نوى تجويد خطه أو غم أهله لم يقع»( ).
وفي المنتزع المختار: « والكتابة على ضربين لفظ وغير لفظ، فغير اللفظ هو كالكتابة المرتسمة... » وقد جاء عقب ذلك في الحاشية قول الشارح: « سواء كتب صريحًا أو كناية »( ).
وعلى هذا فالكتابة لدى الزيدية تُعَدُّ كناية لا يقع بها الطلاق إلا بالنية.

المناقشة والترجيح:
والراجح من وجهة نظري هو أن الطلاق يقع إذا كانت الكتابة مستبينة ومرسومة وكانت بألفاظ صريحة نوى أو لم ينو؛ لأن اللفظ الصريح لا يحتاج إلى نية فلو ادعى أنه لم ينو طلاقًا لم يصدق. وأما إن كانت مستبينة ومرسومة ولكن كانت بلفظ غير صريح في الطلاق فتحتاج إلى النية. وأما الكتابة غير المرسومة فَتُعَدُّ من الكنايات فلا يقع الطلاق بها إلا مع النية سواء أكانت بألفاظ صريحة أم بألفاظ كنائية، فلو ادعى أنه لم ينو طلاقًا صدق في ذلك.
وأما قول الظاهرية والجعفرية أن الطلاق لا يقع بالكتابة؛ لأن اسم الطلاق ورد في القرآن باللفظ لا بالكتابة فهذا تشدد لا مبرر لـه؛ لأن القصد من اللفظ هو التعبير عن إرادة الزوج في مفارقة زوجته وهذا التعبير قد يكون بالألفاظ كما يكون بالكتابة وخاصة إِن كان الزوج غائبًا.
وأما جعل الجمهور من الفقهاء الكتابة بالطلاق كناية ولو كان اللفظ صريحًا في الطلاق وكانت الكتابة مستبينة ومرسومة فهذا تحكم لا مبرر لـه؛ لأن الكتابة إذا كانت مستبينة ومرسومة وبلفظ صريح في الطلاق فلماذا لا نحكم بوقوع الطلاق؟.
وبهذا يتضح أن الطلاق عبر الوسائل الإلكترونية كتابة يقع إذا كانت الكتابة مستبينة ومرسومة وبلفظ صريح في الطلاق، فإن كانت مستبينة ومرسومة ولكنها بلفظ غير صريح في الطلاق فلابد أن يسأل المطلق عن نيته. وأما إن كانت الكتابة غير مستبينة ولا مرسومة فإن المطلق يسأل عن نيته فإن أراد الطلاق وقع وإلا فلا.
 
المبحث الثالث
الإجراءات المترتبة على عقد الزواج عن طريق الوسائل الإلكترونية

هناك إجراءات تترتب على عقد الزواج بالوسائل الحديثة للاتصال ومنها الإنترنت، سأتناولها في المسألتين التاليتين:
المسألة الأولى: تحديد مكان مجلس عقد النكاح وزمانه:
ذكرنا فيما سبق أن فقهاء الحنفية قد أجازوا عقد النكاح عن طريق الكتابة ولم يلزموا من وجه إليه الخطاب بوجود إعلان قبوله بالنسبة لهذا العقد في مجلس وصول الخطاب كما هو الشأن في العقود الأخرى بل إنهم ونظرًا لتوقف انعقاده وصحته على تحقق الشهادة، قد منحوا القابل حق مغادرة مجلس وصول الخطاب إلى مجلس آخر يتمكن فيه من إحضار من يشهد على قبوله وقراءة الخطاب الموجه إليه بطريق الكتابة وإعلان قبوله أمامهم.
وبذلك يتحقق مجلس عقد النكاح المبرم بين المتعاقدين. وهذه خصوصية يختص بها هذا العقد دون غيره من بقية العقود، يقول ابن عابدين: « وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده في مبسوطه: إن الكتاب والخطاب سواء إلا في فصل واحد وهو أنه لو كان حاضرًا مخاطبها في النكاح فلم تجب في مجلس الخطاب، ثم أجابت في مجلس آخر؛ فإن النكاح لا يصح، وفي الكتاب إذا بلغها وقرأت ولم تزوج نفسها منه في المجلس الذي قرأت الكتاب فيه، ثم زوجت نفسها في مجلس آخر بين يدي الشهود، وقد سمعوا كلامها وما في الكتاب؛ يصح النكاح؛ لأن الغائب إنما صار خاطبًا لها بالكتاب، والكتاب باقٍ لها في المجلس الثاني، فصار بقاء الكتاب في مجلسه -وقد سمع الشهود ما فيه في المجلس الثاني- بمنزلة ما لو تكرر الخطاب الحاضر في مجلس آخر، فأما إذا كان حاضرًا فإنما صار خاطبًا بالكلام، وما وجد من الكلام لا يبقى إلى المجلس الثاني وإنما سمع الشهود في المجلس الثاني أحد شطري العقد »( ).
وقد علق ابن عابدين على قول شيخ الإسلام خواهر زادة السابق بقولـه: « وحاصله أن قولـه: تزوجتك بكذا إذا لم يوجد قبول؛ يكون مجرد خطبة منه لها فإن قبلت في مجلس آخر لا يصح، بخلاف ما لو كتب إليها؛ لأنها لما قرأت الكتاب ثانيًا وفيه قولـه تزوجتك بكذا، وقبلت عند الشهود صح العقد كما لو خاطبها به ثانيًا »( ).
وقد ذكر البهوتي عن أبي طالب من فقهاء الحنابلة مسألة شبيهة بمسألتنا هذه يعتمد عليها في القول بجواز إبرام عقد النكاح في أجهزة الاتصال الناقلة للصوت مباشرة كالهاتف، وفي الأجهزة الناقلة للحروف كالإنترنت حتى لو تأخر القبول عن مجلس وصول الخطاب، وهذه المسألة هي: « قال في رجل يمشي إليه قوم، فقالوا: زوج فلانًا فقال: قد زوجته على ألف، فرجعوا إلى الزوج فأخبروه، فقال: قد قبلت هل يكون هذا؟ قال: نعم. قال الشيخ التقي: ويجوز أن يقال: إن كان العاقد الآخر حاضرًا اعتبر قولـه، وإن كان غائبًا جاز تراخي القبول عن المجلس »( ).
وبناءً على النصوص السابقة فإنه يمكن القول: بأنه يمكن إبرام عقد النكاح بأجهزة الاتصال الناقلة للصوت مباشرة أولاً، كما يمكن إبرامه بالأجهزة الناقلة للحروف على اختلاف أنواعها ومنها الإنترنت وإن مجلس عقد النكاح المراد إبرامه من خلال هذه الأجهزة ليس هو مجلس وصول الخطاب، كما هو الشأن في العقود الأخرى، بل هو المجلس الذي يتمكن فيه من وجه إليه الإيجاب من إحضار شاهدين يسمعان قبوله بعد قراءة الكتاب أمامهم حتى يكون هذا العقد مستوفياً لجميع أركانه، وذلك نظراً لاختصاص هذا العقد بعدم انعقاده أو صحته إلا بعد تحقق الشهادة( ).

المسألة الثانية: خيار المجلس وخيار الرجوع وخيار القبول.
لابد أولاً من التعريف بالمصطلحات السابقة، أما خيار المجلس في البيوع فهو أن يكون لكل واحد من العاقدين الحق في فسخ العقد بعد صدور الإيجاب والقبول ما داما في مجلس العقد وهذا مذهب الشافعية( )، والحنابلة( ) ومن وافقهم وأما خيار الرجوع: فهو أن يكون للموجب الحق في الرجوع عن إيجابه قبل أن يتصل به القبول، خلافاً للمالكية الذين ذهبوا إلى منع رجوع الموجب ما دام المجلس منعقداً، ويمتد هذا الخيار لدى الحنفية والحنابلة ما دام المجلس قائماً إلا إذا أعرض عنه أحد المتعاقدين.
وأما خيار القبول: فهو أن يكون للقابل الحق في الرفض أو القبول ما داما في المجلس، إلا إذا رجع الموجب عن إيجابه قبل قبوله وهو ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة واشترط الشافعية في القبول الفورية( ).
خلافًا للعقود الأخرى وخاصة عقود المعاوضات المالية فإن خيار المجلس عند القائلين به لا يجري في عقود الزواج.
يقول ابن قدامة المقدسي: « ولا يصح قياس البيع على النكاح؛ لأن النكاح لا يقع غالبًا إلا بعد روية ونظر وتمكن فلا يحتاج إلى الخيار بعده، ولأن في ثبوت الخيار مضرة لما يلزم من رد المرأة بعد ابتذالها بالعقد وذهاب حرمتها بالرد، وإلحاقًا بالسلع المعيبة »( ).
أما فيما يتعلق بخياري الرجوع والقبول في حالة المهاتفة وما يلحق بها، فلا يحدث هناك أي إشكال في حالة التعاقد بين الحاضرين، لعدم وجود فاصل زمني، وعلى هذا فللموجب حق الرجوع عن إيجابه والتحلل منه في أي وقت قبل صدور القبول، وللطرف الموجه إليه الإيجاب الخيار في القبول ما دام في مجلس العقد في المدة الزمنية مع وجود الشهود، فإذا صدر منه القبول لزمه العقد.
أما في حالة الكتابة فأرى أيضًا أنه لا يحدث أي إشكال؛ لأن وسائل الاتصالات الحديثة تحقق الموالاة بين الإيجاب والقبول في عقد الزواج.
وجمهور الفقهاء القدامى الذين منعوا عقد الزواج عن طريق الكتابة كان منعهم لعدم وجود الموالاة، ووسائل الاتصالات الحديثة تحقق الموالاة سواء في المشافهة أو الكتابة.
 
المبحث الرابع
بيان موقف قوانين الأحوال الشخصية في بعض البلاد العربية من التعاقد عبر الوسائل الإلكترونية كتابة ومهاتفة

أولاً: التعاقد كتابة:
التعاقد عن طريق الكتابة أخذت به قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية ويغلب التعبير على ألسنة وأقلام القانونيين لقب التعاقد بين الغائبين أو بالرسول.
وإذا استعرضنا نصوص بعض قوانين الأحوال الشخصية العربية نجد أن التعبير بالكتابة عندهم يساوي التعبير بالقول وغيره كالإشارة ونحوها.
فقد نصت المادة (6) ف (2) من مشروع قانون الأحوال الشخصية لدولة الإمارات العربية المتحدة على ما يلي: « ويجوز أَن يكون الإيجاب من الغائب بالكتابة فإن تعذرت فالإشارة المفهومة ».
وفي المادة (7) من القانون المذكورة (ف) (جـ): « اتحاد مجلس العقد بين الحاضرين بالمشافهة حصول القبول فور الإيجاب، وبين الغائبين بحصول القبول في مجلس تلاوة الكتاب أمام الشهود أو إسماعهم مضمونه أو تبليغ الرسول. ولا يعتبر القبول متراخيًا عن الإيجاب إذا لم يفصل بينهما ما يدل على الإعراض ».
وجاء في قانون الأحوال الشخصية الكويتي المادة (9) ف (ب): « ويجوز أَن يكون الإيجاب بين الغائبين بالكتابة أو بواسطة رسول ».
وجاء في المادة العاشرة على أنه يشترط في الإيجاب والقبول شروط منها:
فقرة (جـ) من المادة (10) نصها: « اتحاد مجلس العقد للعاقدين الحاضرين، ويبدأ المجلس بين الغائبين منذ اطلاع المخاطب بالإيجاب على مضمون الكتاب، أو سماعه بلاغ الرسول، ويعتبر المجلس في هذه الحالة مستمرًّا ثلاثة أيام يصح خلالها القبول ما لم يحدد من الإيجاب مهلة أخرى كافية أو يصدر من المرسل إليه ما يفيد الرفض ».
وما ورد في القانون الكويتي مستمدٌ بالنص من مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد للإقليمين المصري والسوري.
وفي مشروع قانون الأحوال الشخصية القطري المادة (14) يشترط لصحة الإيجاب والقبول ما يلي: ف (أ): « صدورهما عن رضاء تام بألفاظ تفيد معنى الزواج لغة أو عرفاً وفي حالة العجز عن النطق فبالكتابة فإن تعذرت فبإشارته المفهومة ».
وقد أخذت القوانين السالفة الذكر بالمذهب الحنفي الذي يجيز عقد الزواج بالكتابة بشروط سبق ذكرها في الجانب الشرعي من هذا البحث وهو ما رجحته أيضًا.
والمستند في الالتجاء إلى تحديد مهلة ثلاثة أيام هو قاعدة الاستصلاح؛ لأن القضية من أصلها اجتهادية متروك فيها تحديد المجلس للنظر الفقهي المبني على التقدير المعقول وفقًا لمقتضيات مصلحة المتعامل. أما تحديد هذه المهلة بثلاثة أيام، فقد استوحته -أي لجنة مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد- من مهلة خيار الشرط المشروع للتروي؛ حيث حددها معظم الفقهاء بثلاثة أيام أخذًا بظاهر الحديث النبوي المروي فيه( ).
وبالتالي فإن هذه القوانين تجيز التعاقد عن طريق الفاكس أو الإنترنت؛ لأن هذا عقد تم بالكتابة بالشروط والضوابط المذكورة في الجانب الشرعي. وكان ينبغي أن تحدّث هذه القوانين ويذكر فيها ذلك صراحة.
أما ما يتعلق بالطلاق كتابة فقد جاء في القانون الكويتي مادة (104) فقرة (ب): ويقع بالكتابة عند العجز عن النطق به( ). 
وجاء في مشروع قانون الأحوال الشخصية القطري المادة (114) ف (أ): « يقع الطلاق باللفظ الصريح أو الكتابة وعند العجز عنهما فبالإشارة المفهومة ».
وجاء في مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد للإقليمين المصري والسوري مادة (74) فقرة (ب): « ويقع من العاجز عن الكلام بالكتابة ».
وجاء في المذكرة الإيضاحية: « فإن كان مريد التطليق عاجزًا عن الكلام تقبل منه الكتابة في التعبير عن إرادته، ولا تقبل من غير العاجز عن الكلام؛ وذلك لأن الكتابة أَدنى دلالة على جزم الإرادة الإنشائية في اللفظ في نظر الفقهاء، وهو الواقع، فإن الكتابة كما يقول الفقهاء قد تكون لتجربة الخط مثلاً( ).
هذا وقد رجحت في المبحث الثاني أن الطلاق يقع بالكتابة إذا كانت مستبينة أو مرسومة وكانت بألفاظ صريحة نوى أو لم ينو؛ لأن اللفظ الصريح لا يحتاج إلى نية فلو ادعى أنه لم ينو طلاقًا لم يصدق، وأما إن كانت مستبينة ومرسومة ولكن كانت بلفظ غير صريح في الطلاق فتحتاج إلى النية، وأما الكتابة غير المرسومة فَتُعَدُّ من الكنايات فلا يقع الطلاق بها إلا مع النية سواء أكانت بألفاظ صريحة أم بألفاظ كنائية، فلو ادعى أنه لم ينو طلاقًا صدق في ذلك.
فكان لزامًا على قوانين الأحوال الشخصية التي أخذت بالكتابة أن تضبطها بالضوابط السالفة الذكر وإلا وقع الخلاف والتنازع خاصة من طرق المحامين.

ثانيًا: التعاقد مهاتفة:
أما التعاقد عبر الوسائل الإلكترونية مهاتفة وما أشبهه من الوسائل الأخرى فلم أجد قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية تعرضت لـه مطلقًا.
وأما الفقهاء المعاصرون فقد ذكرت آراءهم في المبحث الأول( )، فمنهم من أجازه وهم الجمهور ومنهم من منعه وهم قلة ومن أراد التوسع فليرجع إليه.
أما الطلاق مهاتفة بالوسائل الإلكترونية فلم تتعرض لـه قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية أيضًا مطلقًا، ومرة أخرى ندعو المشرعين في البلاد العربية إلى تحديث قوانين الأحوال الشخصية حتى تكون موافقة لروح العصر، وقد أجاز الفقهاء المعاصرون إيقاع الطلاق عبر الوسائل الإلكترونية مهاتفة بشروط وضوابط من أراد الاطلاع عليها فليراجع المبحث الثاني من الفصل الأول( ).
 

المبحث الخامسالإجراءات المترتبة على عقد الزواج  بالوسائل الإلكترونية فيقوانين الأحوال الشخصية العربية


هناك إجراءات تترتب على عقد الزواج بالوسائل الإلكترونية سأتناولها في المسألتين التاليتين:
المسألة الأولى: تحديد مجلس العقد:
لابد في التعاقدات سواء أكانت بين حاضرين أم غائبين أن تكون مشتملة على إيجاب وقبول، في مجلس واحد، فاتحاد المجلس شرط في الانعقاد، والغرض من هذا هو تحديد المدة التي يصح أن تفصل القبول عن الإيجاب حتى يتمكن من عرض عليه الإيجاب من المتعاقدين أن يتدبر أمره فيقبل الإيجاب أو يرفضه( ).
وليس المراد من اتحاد المجلس، كون المتعاقدين في مكان واحد كما كان الحال قديمًا؛ لأنه قد يكون مكان أحدهما غير مكان الآخر، إذا وجد بينهما واسطة اتصال كالتعاقد بالهاتف أو اللاسلكي، وإنما المراد باتحاد المجلس: اتحاد الزمن أو الوقت الذي يكون المتعاقدان مشتغلين فيه بالتعاقد، فمجلس العقد: هو الحال التي يكون فيها المتعاقدان مقبلين على التفاوض في العقد( ).
وعلى هذا يكون مجلس العقد في المكالمة الهاتفية:
هو زمن الاتصال ما دام الكلام في شأن العقد، فإن انتقل المتحدثان إلى حديث آخر أو انتهت المكالمة انتهى المجلس.
ومجلس العقد في العقود الكتابية التي تجرى بالوسائل الإلكترونية كالإنترنت والفاكس  هو مكان وصول الرسالة على أن ترسل بوسائل الاتصالات الفورية. حتى لا يكون هناك زمن فاصل بين الكتابة والقبول( ).

المسألة الثانية: تحديد مكان مجلس العقد وزمانه:
يعد من الأهمية بمكان معرفة الزمان والمكان اللذين تم بهما الزواج، ويمكننا أن نبرز أهمية معرفة الزمان والمكان اللذين تم بهما الزواج من خلال النقاط التالية:
أ- تحديد الوقت الذي ينتج فيه عقد الزواج آثاره الشرعية والقانونية.
ب- تحديد نطاق سريان القوانين الجديدة في مجال الأحوال الشخصية على مثل هذه العقود.
جـ- تحديد الوقت لا يستطيع الموجب بعده أن يعدل عن إيجابه إذا كان الإيجاب غير ملزم على رأي الجمهور.
أما أهمية تحديد المكان فتظهر في ماهية القوانين الدولية والقطرية التي ستحكم هذا العقد خاصة مع اختلاف قوانين الأحوال الشخصية من دولة لأخرى( ).
فلو أن شخصًا يعيش في الإمارات مثلاً ويرغب في الارتباط بزوجة ثانية تعيش في مصر، فإذا قلنا: إِن العقد ينعقد حين القبول من طرف المرأة فحينئذ لابد من تطبيق نظام الأحوال الشخصية في مصر الذي يوجب إبلاغ الزوجة الأولى، وعلى العكس من ذلك إذا كان وقت الانعقاد حين علم الموجب بالقبول فلابد من تطبيق نظام الأحوال الشخصية الإماراتي الذي لا يشترط مثل هذه الشروط، وهذا يمكننا من إدراك العديد من الاختلافات بين القوانين التي تعد جوهرية في بعض الأحيان مما يسبب للمتعاقدين الضيق والحرج.
والحقيقة التي يجب معرفتها أن الشريعة  الإسلامية تنتمي إلى نظرية إعلام القبول( ) في المعاملات المالية.
أما فيما يتعلق بعقود الزواج، والتي يحتاط فيها ما لا يحتاط في غيرها، ودفعًا لتحقق الضرر في مثل هذه المسائل التي تختلف اختلافًا جذريًا عن طبيعة العقود الأخرى.
لهذا كله أرى أن الراجح في الأحوال الشخصية هو الأخذ بنظرية العلم بالقبول والتي بموجبها لابد للموجب أن يعلم بقبول الطرف الآخر، حتى نقلل من المشكلات والنـزاعات التي قد تحدث في عقود الأحوال الشخصية إذا كانت بالوسائل الإلكترونية.
وإذا كان التعاقد عن طريق الهاتف وما أشبهه من الوسائل الإلكترونية، فمن الناحية الزمنية يمكننا الأخذ بنظريتي إعلان القبول والعلم بالقبول معًا، إلا في حال انقطاع الهاتف لسبب ما فلابد من العودة إلى نظرية العلم بالقبول.
أما من ناحية التحديد المكاني لانعقاد العقد فالإشكال في كلتا الحالتين المكاتبة والمشافهة حاصل، وقد اختلفت القوانين في تحديد ذلك. ويمكن إيجاز اتجاهات القوانين في ذلك فيما يلي:
أ- أن تحديد مكان انعقاد العقد يرجع قبل كل شيء إلى مشيئة العاقدين وإلى تقييم وتقدير القاضي، حسب الظروف المختلفة التي تحيط بالعقد والمتعاقدين.
ب  - يتفق تحديد الوقت مع تحديد المكان في بعض الحالات.
جـ- يختلف تحديد الوقت عن تحديد المكان في حالات أخرى.
والذي أخذت به في هذا البحث هو القانون المصري في تحديده لمكان وزمان العقد؛ فقد قرر في المادة (97 مدني) الأخذ بنظرية العلم بالقبول، واعتبرها أرفق بالموجب وأكثر رعاية لمصالحه، إلا أنها في الوقت ذاته أعطت الحرية في أن يرجع هذا التحديد إلى قصد المتعاقدين واتفاقهما فإذا لم يوجد اتفاق يرجع إلى نصوص القانون( ).
أما فيما يتعلق بخيار المجلس وخيار الرجوع وخيار القبول فقد تحدثت عنها في الجانب الشرعي.




الفصل الثانـيحكم إبرام العقود التجارية بالوسائل الإلكترونية



المبحـث الأول: حكم إبرام العقود التجارية كتابة بالوسائل الإلكترونية.
المبحث الـثاني  : حكم إبرام العقود التجارية مهاتفة بالوسائل الإلكترونية.
المبحث الثالـث: الإجراءات المترتبة على العقود التجارية عبر الوسائل
  الإلكترونية.
المبحث الرابـع: بيان موقف القوانين الوضعية من التعاقد عن طريق الكتابة وما في حكمها من الوسائل الإلكترونية كالفاكس والإنترنت وما أشبه ذلك.
المبحث الخامس: بيان موقف القوانين الوضعية من التعاقد عن طريق الهاتف واللاسلكي والإنترنت وما يشبهها مهاتفة.
 

الفصل الثانـيحكم إبرام العقود التجارية بالوسائل الإلكترونية

المبحث الأول
حكم إبرام العقود التجارية كتابة بالوسائل الإلكترونية

التعاقد الذي يتم من خلال الوسائل الإلكترونية كتابة هو تعاقد عن طريقة الكتابة سواء بسواء؛ فعن طريق الوسائل الإلكترونية يتم القيام ببرمجة خاصة تمكن الإنسان من مخاطبة الجهاز الآخر أوتوماتيكيًّا أو علميًّا وبالتالي كتابة رسالة تعاقدية فيه، وتخزينها مع توجيهه بإرسال نسخة منها إلى الجهاز الثاني المرتبط به.
وعليه يمكننا القول: إنه لا يوجد أي فارق في التعاقد من خلال الوسائل الإلكترونية والكتابة العادية؛ فهو أشبه ما يكون بخطاب صادر من شخص كلف شخصًا آخر بكتابته وإرساله إلى من وجه إليه.
وبما أن التعاقد من خلال الوسائل الإلكترونية هو تعاقد عن طريق الكتابة فإنه يجدر بنا أن نبحث الحكم الشرعي في التعاقد عن طريق الكتابة.
حكم التعاقد بطريق الكتابة:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم التعاقد بطريق الكتابة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية( )، والشافعية( )، والحنابلة( )، إلى أن الكتابة كالخطاب؛ فالتعاقد بها جائز سواء أكان العقد بين حاضرين أم بين غائبين، وسواء أكان المتعاقدان قادرين على النطق أم عاجزين عنه، لكنهم استثنوا من ذلك عقد النكاح لخصوصيته واشتراط الشهود فيه كما سبق بيانه، وقد استدل هؤلاء إلى ما ذهبوا إليه بما يلي:
1- إن الكتابة هي وسيلة من وسائل التعبير عن الإرادة كالخطاب.
2- ما ثبت في الأدلة الصحيحة القاطعة من أن رسول الله  قد استعمل الكتابة وسيلة من وسائل نشر الدعوة الإسلامية؛ فلقد خاطب رسول الله  الرؤساء والملوك ودعاهم إلى الدخول في الإسلام عن طريق الكتابة( ). فإذا كانت الكتابة صالحة لنشر الدعوة الإسلامية فكيف لا تكون صالحة لإنشاء العقود؟.

القول الثاني: مذهب بعض الفقهاء، وهو قول للشافعية ( )، إلى أنه لا يصح التعاقد بطريق الكتابة إلا لمن كان عاجزًا عن النطق والكلام فقط.
وقد استدل هؤلاء بما يلي:
1- أن الكتابة ليست وسيلة من وسائل التعبير المعتبرة؛ حيث إِنها تحتمل التزوير وإرادة تحسين الخط فقط، ومع هذا الاحتمال لا تثبت بها العقود التي ترتب عليها آثار كثيرة من حل وحرمة، ومن انتقال الملكية ونحوه.
2- أن وسائل التعبير عن الإرادة جاءت جميعها بالألفاظ، ولم يشتهر في عصر النبي  إنشاء العقود بالكتابة غير أنه يستثنى من ذلك العاجز عن النطق الذي لا يجد حيلة إلى النطق ولا يهتدي إلا إلى الإشارة أو الكتابة( ).
القول الثالث: ذهب فقهاء الحنفية ( ) إلى أن الكتابة تنـزل منـزلة الخطاب بالنسبة للغائبين فقط، ولم يستثنوا من ذلك حتى عقد النكاح كما سبق توضيح ذلك وبيانه.
وقد استدل هؤلاء بما يلي:
استدل الحنفية إلى ما ذهبوا إليه بنفس الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الثاني، لكنهم قالوا: إن الحاجة ماسة بالنسبة للغائبين دون الحاضرين، فيترخص للغائبين دون غيرهم، فلماذا يلجأ إليها الحاضران وهما قادران على النطق الذي هو أقوى.

المناقشة والترجيح:
الراجح من وجهة نظري -والله أعلم- هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء القائلين بجواز إبرام العقود عن طريق الكتابة مطلقًا أي سواء أكان العقد بين غائبين أم حاضرين، وسواء أكان المتعاقدان قادرين على النطق أم عاجزين عنه؛ لأنه يدعمه الدليل ويتفق مع قواعد الشريعة وأصولها القاضية برفع الحرج ومبادئها الخاصة بالعقود الدالة على أن الأساس هو التراضي دون النظر إلى التقيد بأية شكلية؛ بالإضافة إلى أن الشرع علق حل أكل الأموال على التراضي فقال تعالى:  لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ ( )، ومع ذلك لم يفصل في وسائل التعبير عنه كما أننا لا نجد لها تحديدًا دقيقاً في اللغة فيناط حينئذ بالعرف والعرف جار قديمًا وحديثًا على صلاحية الكتابة للتعبير عن الرضا والإرادة، ولذلك فهي صالحة لإنشاء العقود( ).
وأما ما يذكره أصحاب القول الثاني من القول بأن الكتابة ليست وسيلة من الوسائل المعتبرة في التعبير عن الإرادة لاحتمال التزوير وتحسين الخط، فلا يمكن الاعتماد عليها في إثبات العقود إلا للعاجز فقط فيجاب عنه: بأنه لا يمكن التسليم به؛ لأن التعبير عما في النفس كما يمكن أن يتم عن طريق الخطاب فإنه يمكن أن يتم عن طريق الكتابة. خاصة وإن العرف جار قديمًا وحديثًا على اعتماد الكتابة وسيلة من وسائل التعبير عن النفس كالخطاب ودون تمييز بينهما.
وأما احتمال التزوير أو التقليد فيها: فإن ذلك الاحتمال يتلاشى مع دخول القرائن، إضافة إلى أن هذا الكلام يدور حول عملية الإثبات ونحن نتحدث عن الكتابة كونها وسيلة من وسائل التعبير عن الإرادة وليس عن الإثبات. وأما قولـهم بأن الكتابة لم تستعمل وسيلة من وسائل إبرام العقود في عصر النبي  لا نسلم لهم ذلك؛ فالأحاديث الصحيحة شاهدة على أن الرسول قد استعملها في رسائله مع الملوك وغيرهم للتعبير عما يريده منهم من الدخول في الإسلام، ولو سلم ذلك فلا يدل عدم استعمالها في عهده على عدم جواز استعمالها؛ وذلك لأن مبنى هذه الدلالات على العرف، والجمهور على عدم التقيد بالصيغ الواردة في الشرع ما دامت لا تصطدم مع نص شرعي ولا دليل على منع الكتابة, وأما الجواب عما استدل به الحنفية -أصحاب القول الثالث- فيمكن أن يجاب عنه بأن النزاع في الكتابة هل تصلح للدلالة على ما في النفس أم لا؟ فإذا قلنا نعم، فأي تقييد في حقها، وتضييق لنطاقها بما بين الغائبين لا يتفق مع هذا الجواب، ولا مع المبدأ السائد في الشريعة الإسلامية الغراء، القاضي بأن أساس العقود هو الرضا!.. وأما إذا كان الجواب بالنفي فلابد ألا نستثني الغائبين، وأن التعبير عن الرضا ضروري في إنشاء العقد بحيث لا يتم بدونه، كما أنه لا توجد ضرورة بالنسبة للغائبين إذ يمكنهما التوكيل( ).
 

المبحث الثانـيحكم إبرام العقود التجارية مهاتفة بالوسائل الإلكترونية


من المعلوم أن جهاز الهاتف يقوم بنقل كلام المتحدث فيه مباشرة وبدقة متناهية؛ حيث إنه يسمع كلا المتحدثين كلام صاحبه بوضوح ولا يختلف الكلام فيه عن الكلام المباشر، سوى وجود فاصل مكاني بينهما وعدم إمكان رؤية أحدهما للآخر -وإن كانت التكنولوجيا الحديثة قد توصلت إلى اختراع جهاز هاتف ينقل الصورة والصوت معًا- وكذا في حالة وجود كاميرا للكمبيوتر عندهما سويًّا، وعليه فإن صحة التعاقد من خلاله تكون بطريق أولى لزوال احتمال التزوير في مثل هذه الحالة.
ومن هنا فإذا انتهى عقد ما من خلال الهاتف (المهاتفة بالوسائل الإلكترونية) وتم فيه الإيجاب والقبول مع بقية الشروط المطلوبة فإنه صحيح لا غبار عليه، غير أن عدم رؤية أحدهما للآخر يجعل احتمال التزوير وتقليد صوت شخص آخر واردًا، ولذلك إذا صار النزاع حول ذلك فالقضاء هو الفيصل، وتسمع دعوى من يدعي ذلك ولكن عليه يقع عبء الإثبات.
أما عدم رؤية أحدهما للآخر فليس لـه علاقة بصحة العقود أو عدمها؛ لأن المطلوب في باب العقود سماع الإيجاب والقبول والتقاؤهما، أو إدراكهما بأي وسيلة كانت( ).
فالعقد بالمهاتفة كالعقد بين شخصين بعيدين لا يرى أحدهما الآخر، ولكنه يسمعه. يقول الإمام النووي: « لو تناديا وهما متباعدان وتبايعًا صح البيع بلا خلاف »( ).
بالإضافة إلى أن وجود الساتر بين العاقدين -بل بناؤه- لا يؤثر حتى في خيار المجلس( ) فكيف يؤثر في إنشاء العقد!..
ومن جانب آخر، إن الأساس في العقود هو صدور ما يدل على الرضا بصورة واضحة مفهومة كما تدل على ذلك نصوص الفقهاء ( )، وذلك متحقق في المهاتفة؛ حيث إِن التعبير يتم من خلال اللفظ الذي هو محل الاتفاق بين الفقهاء، وما الهاتف إلا وسيلة لتوصيل الصوت فحسب، وليس وسيلة جديدة، فالقاعدة الأساسية في العقود تحقيق الرضا للطرفين والتعبير عنه، وإظهاره بأي وسيلة مفهومة كما أن العرف لـه دور أساسي في باب العقود. يقول ابن نجيم الحنفي: « واعلم أن اعتبار العادة والعرف يرجع إليه في الفقه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلاً، فقالوا في باب ما تترك به الحقيقة: تترك الحقيقة بدلالة الاستعمال والعادة »( ).
ويقول الدسوقي: « والحاصل أن المطلوب في انعقاد البيع ما يدل على الرضا عرفًا »( )، وجاء في المجموع: « ولم يثبت في الشرع لفظ لـه -أي للعقد- فوجب الرجوع إلى العرف فكل ما عده الناس بيعًا كان بيعًا »( ).
ويقول ابن قدامة: « إن الله أحل البيع ولم يبين كيفيته فوجب الرجوع فيه إلى العرف »( ).
والخلاصة أن اللفظ -كما يقول الشاطبي-: « إنما هو وسيلة إلى تحقيق المعنى المراد والمعنى هو المقصود... »( ).
ومن هنا فما التليفون إلا آلة معبرة عرفًا لتوصيل تلك الوسيلة -اللفظ- إلى سمع الآخر فيكون مقبولاً شرعًا( ).
ضوابط ينبغي التنبيه عليها إذا كان التعاقد بالهاتف أو اللاسلكي وما أشبه ذلك:
أولاً: إن العقود بالهاتف ونحوه إنما تصح فيما لا يشترط فيه القبض الفوري، أما إذا بيع ربوي بمثله فلا يصح العقد بالهاتف، إلا إذا تم القبض كأن يكون لكل واحد منهما وكيل بالتسليم عند الآخر، أو عن طريق بنك لدى كل واحد منهما فيه رصيد لكليهما، أو نحو ذلك بما يتعلق بموضوع القبض( )، كما دل على اشتراط القبض الفوري الأحاديث الثابتة، وإجماع العلماء من حيث المبدأ. فمن الأحاديث الصحيحة حديث عبادة بن الصامت -- أنه قال، قال رسول الله : « الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل سواء بسواء يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد »( ).
ثانيًا: كذلك الحكم في عقد السلم يشترط فيه القبص الفوري حيث يجب تسليم الثمن (رأس مال السلم) في مجلس العقد خلافًا للمالكية حيث أجازوا تأخيره ثلاثة أيام، ولكنهم اختلفوا فيما لو تأخر تسليمه أكثر من ثلاثة أيام بدون اشتراط التأخير، حيث ذهب بعضهم إلى فساده، وبعضهم إلى صحته. أما إذا كان التأخير عن الثلاثة باشتراط، فقد فسد العقد بالاتفاق( ).


 
المبحث الثالث
الإجراءات المترتبة على العقود التجارية عبر الوسائل الإلكترونية
أولاً:
هناك إجراءات تترتب على العقود التجارية عبر الإنترنت سأتناولها في المسائل التالية:
المسألة الأولى: مجلس العقد في التعاقد عبر الوسائل الإلكترونية كتابة:
عالج الفقه الإسلامي هذه المسألة عند بحثه مجلس العقد بين الغائبين سواء كان هذا عن طريق الكتابة أو الرسول، وإليك بعضًا من نصوصهم من هذه المسألة:
فقد صرح الحنفية بأن الأصل هو اتحاد المجلس بأن يقع الإيجاب والقبول في مجلس واحد، ولكن مجلس التعاقد بين الغائبين هو مجلس وصول الخطاب أو الرسول. قال الكاساني: « وأما الكتابة فهي أن يكتب الرجل إلى الرجل: أما بعد فقد بعت عبدي فلانًا منك بكذا فبلغه الكتاب، فقال اشتريت؛ لأن خطاب الغائب كتابة، فكأنه حضر بنفسه وخاطب بالإيجاب وقبل الآخر في المجلس »( ).
ويقول النووي: « وإن قلنا: يصح -أي البيع بالكتابة- فشرطه أن يقبل إليه بمجرد اطلاعه على الكتابة... وإذا صححنا البيع بالكتابة جاز القبول بالكتب وباللفظ، ذكره إمام الحرمين وغيره... قال الغزالي: إذا صححنا البيع بالكتابة، فكتب إليه فقبل المكتوب إليه ثبت لـه خيار المجلس ما دام في مجلس العقد »( ).
ويظهر من خلال هذه النصوص الفقهية وغيرها أن مجلس العقد بالنسبة للتعاقد عبر الوسائل الإلكترونية هو مجلس وصول الخطاب، فإذا وصل وقرأه وقال قبلت أو كتب الموافقة فقد انعقد العقد.

المسألة الثانية: وقت تمام العقد:
 إن العقد بالكتابة ومنها التعاقد كتابة عبر الوسائل الإلكترونية يتم بمجرد القبول الصادر من الشخص الموجه إليه، ومجلس وصول الخطاب هو مجلس العقد بل إن فقهاء الحنفية عَدُّوا المكتوب نفسه بمثابة حضور الموجب الكاتب نفسه، فعلى ضوء ذلك فإن الحنفية يقولون بنظرية إعلان القبول.
يقول المرغناني الحنفي: « والكتاب كالخطاب، وكذا الإرسال حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتاب وأداء الرسالة »( ).
وقال تاج الشريعة: « وصورة الكتابة أن يكتب إلى رجل... فلما بلغه الكتاب وقرأه وفهم ما فيه قبل في المجلس صح البيع، كذا في العيني... »( ).
وكذلك بقية المذاهب تُعَدُّ وقت تمام العقد حين يصل المكتوب سواء أكان عن طريق شخص أو عن طريق الوسائل الإلكترونية إلى الشخص الذي وجه إليه فيقبله في المجلس، فحينئذ انعقد العقد وإليك بعض النصوص في هذا المضمار.
يقول النووي: « قال الغزالي: إذا صححنا البيع بالكتابة فكتب إليه، فقبل المكتوب إليه ثبت لـه خيار المجلس مادام في مجلس القبول، قال ويتمادى خيار الكاتب إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه، حتى ولو علم أنه رجع عن الإيجاب قبل مفارقة المكتوب إليه مجلسه صح رجوعه ولم ينعقد البيع. والله أعلم »( ).
وأما المالكية( ) فمذهبهم أن الإيجاب ملزم للموجب بشروطه( )، فعليه لا يتمشى مع قواعد مذهبهم أن يشترطوا علم الموجب بقبول القابل حتى يتم العقد، بل إن نصوصهم ظاهرة كل الظهور بأن البيع ونحوه ينعقد بمجرد القبول بعد صدور الإيجاب وعلى هذا نصوص الحنابلة( ).
فعلى ضوء ما تقدم نستطيع أن نقول إن جانبًا كبيرًا من الفقه الإسلامي، ومنه الفقه الحنفي والمالكي، يتبنى نظرية إعلان القبول، وكذلك الفقه الشافعي والحنبلي يتبنيان نظرية الإعلان ولكن مع حق خيار المجلس الذي يثبت في العقود اللازمة للطرفين الواقعة على العين كالبيع ونحوه والتي تُعَدُّ عقودًا تجارية.

المسألة الثالثة: الخيارات المتعلقة بمجلس العقد عبر الوسائل الإلكترونية:
 سبق أن ذكرنا بإيجاز بأن هناك ثلاثة خيارات تترتب على مجلس العقد هي: خيار الرجوع، وخيار القبول، وخيار المجلس. 
وحينئذ يترتب على القبول بمجلس العقد الأحكام التالية:
1- أن يكون للطرف المخاطب بالإيجاب خيار القبول لحين انفضاض المجلس، فهو غير ملزم بالقبول؛ إذ لو ألزمناه بذلك لآل الأمر إلى تجارة من غير تراض وهذا لا يجوز.
2- أن يكون للطرف الموجب خيار الرجوع عن إيجابه إلى أن يصدر القبول أو ينفض المجلس، وهذا هو رأي جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة( ).
وخالف المالكية حيث لم يجيزوا للموجب حق الرجوع( )( ).
3- أن يعطي للمتعاقدين خيار المجلس، وهذا الخيار يعني أن لكل عاقد الحق في فسخ العقد ولو بعد إبرامه ما داما في مجلس واحد، فإذا انفض المجلس بطل الخيار.
وخيار المجلس محل خلاف بين الفقهاء فقد أثبته كثير من فقهاء السلف وبه قال الشافعية والحنابلة( ).
وقد أنكره المالكية والحنفية بحجة أن في العقد إِبطالاً لحق الطرف الآخر، فلا يجوز، وحملوا الحديث على خيار القبول( ).
والراجح من وجهة نظري الرأي الذي يقول بخيار المجلس، وليس هذا المقام مقام بسط الأدلة، ومن أراد التوسع فعليه أن يرجع إلى المصادر الفقهية القديمة والحديثة.

ثانيًا: مجلس العقد في عقود الهاتف وخياراته:
عرفنا فيما سبق أن الخيارات المتعلقة باتحاد المجلس هي خيار الرجوع في الإيجاب وخيار القبول وخيار المجلس:
أولاً: خيار الرجوع في الإيجاب:
سبق القول بأن جمهور الفقهاء يرون أن للموجب الحق في الرجوع عن إيجابه مادام أنه لم يقترن به قبول الطرف الآخر، ولا فرق بين أن يكون العقد بين حاضرين أم بين غائبين، وسبق القول بأن هذا الخيار مسلم به بين جمهور الفقهاء باستثناء فقهاء المالكية.
لكن الكلام بالنسبة للتعاقد من خلال الوسائل الإلكترونية مهاتفة يدور حول مدى امتداد هذا الخيار وبقائه. لقد بحث الفقهاء --رحمهم الله-- هذه المسألة وهي: متى ينقطع خيار الموجب في الرجوع عن إيجابه، فقالوا: بالنسبة لحال إبرام العقد عن طريق الكتابة ويتمادى خيار الكاتب إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه حتى ولو علم أنه رجع عن الإيجاب قبل مفارقة المكتوب إليه: صح رجوعه ولم ينعقد البيع( ).
وعليه يمكننا القول: بأنه يحق للموجب المتعاقد من خلال الهاتف الرجوع عن إيجابه ما دام أن الطرف الآخر الموجه إليه الإيجاب لم يغادر مجلس العقد؛ ذلك لأن الأصل في الإيجاب ألا يكون ملزمًا وللموجب الرجوع عنه إلى أن يلتقي به القبول( ).
ولأن فقهاءنا طالما منحوا هذا الحق في عقد بين غائبين فمنحه هذا الحق في التعاقد من خلال الهاتف يكون من باب أولى؛ لقربه من التعاقد بين حاضرين ومثل هذا الحال في التعاقد بين حاضرين أمر مسلم به لدى الفقهاء القائلين بهذا الخيار( ).

ثانيًا:خيار القبول:
لقد وسع القائلون بهذا النوع من أنواع الخيار -وهم فقهاء الحنفية والحنابلة- دائرة معنى التفرق؛ حيث إنهم اعتبروا مجرد القيام من المجلس أو الانشغال عنه بأكل أو نحوه، بل كل ما يدل عن الإعراض عن الإيجاب تفرقًا يقطع الخيار.
جاء في الفتاوى الهندية: « وأما إذا اشتغل بالأكل فيتبدل المجلس، فلو ناما أو نام أحدهما إن كان مضطجعًا فهي فرقة »( ).
هذا هو الشأن في العقد المبرم بين حاضرين ولكن الأمر بالنسبة للتعاقد بين المتباعدين عبر الهاتف غير واضح؛ لذلك لابد من استعراض بعض ما قاله فقهاؤنا بهذا الشأن.
هناك مسألة شبيهة بالتعاقد عبر الوسائل الإلكترونية مهاتفة، من حيث تجدد مجلس العقد في كل منهما وعدم استقراره، وهذه المسألة هي التعاقد أثناء المشي أو المسير جاء في الفتاوى الهندية: « وإن تعاقدا على بيع وهما يمشيان أو يسيران على دابة واحدة أو دابتين فإن أخرج المخاطب جوابه متصلاً بخطاب صاحبه تم العقد بينهما، وإن فصل عنه -وإن قل- فإنه لا يصح وإن كانا في محل واحد »( ). فهذا النص وغيره من النصوص التي لم نذكرها نشير إلى أن العقد بين الماشيين أو الراكبين هو عقد فوري لا خيار فيه لمن وجه إليه الخطاب بخلاف العقد بين الجالسين. وبما أن المكالمة الهاتفية شبيهة بمسألتنا هذه من حيث إن مجلس العقد في كل منهما غير مستقر بل هو متجدد مستمر، فكما أن مجلس العقد بين الماشيين أو الراكبين يتجدد بتجدد خطواتهما أو خطوات دابتهما فكذلك الأمر بالنسبة إلى المكالمة الهاتفية وتكررها. وعليه فيمكننا القول إنه يجب على القابل في العقد المبرم من خلال الهاتف إعلان قبوله فور صدور الإيجاب ولا يحق لـه تأخيره قياسًا على المتعاقدين الماشيين أو الراكبين؛ ذلك لأن احتمال انقطاع الاتصال بينهما وارد في كل لحظة وعند ذلك يسقط حقه في إعلان قبوله على الإيجاب الموجه إليه، أما إذا انقطع الاتصال بينهما حتى -وإن كان انقطاعه خارجًا عن إرادتهما- وأبدى القابل رغبته في عقد الصفقة أعاد المكالمة ثانية، فإن قبوله في هذه الحالة يكون إيجاباً جديدًا يتوقف نفاذه على قبول الطرف الآخر على رأي الفقهاء القائلين بجوار صدور الإيجاب من أي طرف من أطراف العقد؛ ذلك لأن التعاقد من خلال الهاتف هو عقد متجدد يسقط فيه خيار القبول أساسًا على التعاقد بين الماشيين أو الراكبين( ).

ثالثًا: خيار المجلس:
مجلس العقد في العقود المبرمة من خلال المهاتفة عبر الوسائل الإلكترونية.
بعد أن انتهينا من بيان مدى إمكانية تطبيق الخيارات الثلاثة المتعلقة بمجلس العقد: خيار الرجوع في الإيجاب، وخيار القبول وخيار المجلس كان لزامًا علينا تحديد مجلس العقد بالنسبة للمتعاقدين من خلال المهاتفة.
إن مما لا شك فيه أن هناك فرقًا في التعاقد بين الحاضرين والمتباعدين؛ فالتفرق المكاني بين المتباعدين حاصل وأمر مسلم فيه، لكن الشيء الوحيد الذي يجعله أقرب إلى العقد بين حاضرين هو عدم وجود فاصل زماني بين صدور الإيجاب وقبولـه واقتران القبول بذلك الإيجاب مباشرة، وذلك من خلال جهاز الاتصال من هاتف وغيره، فجهاز الهاتف وما شابهه هو حلقة الوصل بين المتعاقدين، فإذا ما حصل أي انقطاع في هذا الجهاز، فقد انقطع الوصل بينهما، على عكس المتعاقدين الحاضرين في مجلس واحد؛ ذلك لأن المجلس هو -وكما يقول الفقهاء-: « جامع المتفرقات »( ). ولذلك فإنه لا يتحقق بين الحاضرين إلا بتفرق الأبدان أو كان في العقد خيار.
ومن هنا فإنه لا يمكننا قياس التعاقد بالهاتف الناقل للصوت فقط على التعاقد بين حاضرين، أو على التعاقد بين المتباعدين اللذين يرى كل واحد منهما صاحبه، وإلحاقه به من جميع الوجوه.
فإنه -وإن كان قد تم إلحاقه به وإعطاؤه نفس الحكم من حيث ثبوت خيار المجلس للمتعاقدين في العقود التجارية لا يمكننا إعطاؤه نفس الحكم من حيث فترة امتداد هذا الخيار، وجعله باقيًا حتى يتفرق كل المتعاقدين من مكانهما إذا كانا حاضرين، أو حتى يتفرق أحد المتعاقدين عن مكان العقد إذا كانا متباعدين.
ذلك لأن هذا قياس مع الفارق؛ إذ إن المتعاقدين الحاضرين موجودان في مكان واحد ويرى كل منهما صاحبه، ويدرك التصرفات الصادرة عنه، وقد يكون في بعضها ما يفيد فسخ العقد وإنهاء الخيار بينهما، وكذلك الحال بالنسبة للمتباعدين اللذين يرى كل منهما صاحبه، من حيث إن المتحدثين من خلال جهاز الهاتف الناقل للصوت فقط هما في مكانين مختلفين، ولا يرى أي منهما صاحبه، ولا يعرف شيئًا عنه ولا يربط بينهما سوى جهاز الهاتف أو ما شابهه.
وعليه فإن مجلس العقد المبرم من خلال جهاز الهاتف أو ما شابهه من أجهزة الاتصال الأخرى ينعقد من حين صدور الإيجاب أثناء المكالمة الهاتفية، وأنه يستمر ويبقى ما دام الكلام موصولاً بينهما، يحق فيه للموجب الرجوع عن إيجابه مادام أنه لم يقترن به قبول الطرف الآخر، ويبقى مجلس العقد قائمًا مادامت المكالمة بينهما مستمرة، فإذا ما انقطعت المكالمة من قبلهما أو من قبل أحدهما، أو قطعت من قبل غيرهما، وكان العقد تامًّا اقترن فيه القبول بالإيجاب فإن العقد يكون حينئذ تامًّا ولازما لكلا الطرفين، ولا يحق لأي منهما الرجوع فيه.
أما إذا انقطعت المكالمة لأي سبب من الأسباب بعد صدور الإيجاب وقبل قبول الطرف الآخر، فإنه يحق للموجب أيضًا الرجوع عن إيجابه ما دام أنه لم يقترن به قبول الطرف الآخر. أما الطرف الآخر الموجه إليه الإيجاب، فإنه لا يحق لـه الرجوع عن القبول حتى ولو تم ذلك من خلال نفس المكالمة؛ ذلك لأن هذا العقد من العقود المتعددة التي يسقط فيها خيار القبول قياسًا على العقد بين الماشيين أو الراكبين.
أما إذا كان جهاز الهاتف ناقلاً للصورة والصوت معًا كما هو الحال في الاتصال عبر شبكة الإنترنت فإنه يكون مهاتفة بدون صورة وأحيانًا يكون بالصوت والصورة، فإن مجلس التعاقد فيه لا يختلف من حيث انتهاؤه عن مجلس العقد بين المتباعدين اللذين يرى كل منهما صاحبه أثناء التعاقد، ويمتد بينهما ما دام أنه لم يفارق أحدهما مكان العقد.
وعليه فإن مجلس العقد يعتبر منتهيًا بالنسبة لمتعاقدين بهذا النوع من أنواع الأجهزة بمجرد صدور الإيجاب من أحد المتعاقدين، فإن صدر منه ما يدل على انشغاله عن العقد أو إعراضه عنه من أكل أو شرب أو صلاة وما شابه ذلك حتى -ولو كانت المكالمة لا تزال مستمرة- بين المتعاقدين فإنه يعتبر منتهيًا. كما أنه ينتهي أيضاً في حالة مشاهدة أحدهما مغادرة صاحبه مجلس العقد، حتى ولو كانت المكالمة بينهما لا تزال مستمرة، إلا إذا كانت مغادرة ذلك المكان لإحضار أمر يتعلق بإبرام العقد، فإنه يستثنى من ذلك ويتسامح فيه.
وبالتالي فإن حالات انتهاء المجلس بالنسبة لجهاز الهاتف الناقل للصوت والصورة معًا هي:
1- انتهاء المكالمة الهاتفية.
2- مشاهدة أي من المتعاقدين صدور تصرف من صاحبه يدل على انشغاله عن العقد أو إعراضه عنه، حتى ولو كانت المكالمة مستمرة بينهما.
3- مشاهدة أي من المتعاقدين مغادرة صاحبه مجلس العقد حتى ولو كانت المكالمة قائمة ومستمرة بينهما؛ ويستثنى من ذلك كون مغادرته تتعلق بإحضار أمر ضروري يتعلق بإبرام العقد( ).
 
المبحث الرابع
بيان موقف القوانين الوضعية من التعاقد عن طريق الكتابة وما في حكمها من الوسائل الإلكترونية كالفاكس والإنترنت وما أشبه ذلك

التعاقد عن طريق الكتابة أخذت بها القوانين المعاصرة ويغلب التعبير على ألسنة وأقلام القانونيين لقب التعاقد بالمراسلة أو التعاقد بين الغائبين( ).
ويقصدون بالمراسلة ما هو أشمل من إيفاد رسول يبلغ الطرف الآخر بإيجاب الموجب كما هو عند الفقهاء، فعند هؤلاء سيان أن يكون العقد قد تم عن طريق إيفاد رسول يبلغ الرسالة من هذا لذاك أو عن طريق المكاتبة بواسطة البريد أو عن طريق البرق أو التلكس أو ما يشبههما من وسائل الاتصال الأخرى( ).
وإذا استعرضنا نصوص بعض القوانين العربية نجد أَن التعبير بالكتابة عندهم يساوي التعبير بالقول وغيره كالإشارة ونحوها.
فقد نصت المادة (90) من القانون المدني المصري على: « أن التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة وبالإشارة... إلخ »( ).
ونص القانون المدني الكويتي في المادة (34) على أن: « التعبير يكون باللفظ أو بالكتابة ».
ونص القانون المدني المغربي على: « أَن التعبير الصريح عن الإرادة غير خاضع لأي شكل خاص فيمكن أن يكون كتابيًّا أو شفويًّا وحتى بالإشارة المتداولة عرفًا ».
وينص القانون المدني الإماراتي في المادة (132) على أن: « التعبير عن الإرادة يكون باللفظ أو الكتابة... أو بالإشارة المعهودة عرفًا... ».
ويثور عند بحث التعاقد بالمراسلة في القانون ثلاث مسائل، هي:
الأولى: مسألة زمان انعقاد العقد.
الثانية: مسألة مكان انعقاد العقد.
الثالثة: مسألة مدى التزام الموجب بالإبقاء على إيجابه بعد أن يبعث به إلى الموجب لـه.
نصت المادة (97) من القانون المدني المصري على ما يلي: « يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك.
ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان وفي الزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول.
وجاء في الأخذ بمذهب العلم بأنه أقرب المذاهب إلى رعاية مصلحة الموجب؛ ذلك أَن الموجب هو الذي يبتدئ التعاقد، فهو الذي يحدد مضمونه ويعين شروطه، فمن الطبيعي والحال هذه، أن يتولى تحديد زمان التعاقد ومكانه، ومن العدل إذا لم يفعل أن تكون الإرادة المفروضة مطابقة لمصلحته عند عدم الاتفاق على ما يخالف ذلك؛ فمذهب العلم هو الذي يستقيم دون غيره مع المبدأ القاضي بأن التعبير عن الإرادة لا ينتج أثره إلا إذا وصل إلى من وُجِّهَ إليه على نحو يتوفر معه إمكان العلم بمضمونه، ومؤدَّى ذلك أن القبول بوصفه تعبيرًا عن الإرادة لا يصح نهائيًّا إلا في الوقت الذي يستطيع فيه الموجب أن يعلم به ولا يعتبر التعاقد تامًّا إلا في هذا الوقت »( ).
وخرج عن تلك القاعدة من المادة (98) حيث وردت:
« إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف تدل على أَن الموجب لم يكن ينتظر تصريحًا بالقبول  فإن العقد يعتبر قد تم إذا لم يرفض الإيجاب في وقت مناسب.
ويعتبر السكوت عن الرد قبولاً إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل، أو إذا تمحض الإيجاب لمنفعة من وُجِّه إليه ».
وجاء في المادة (142) من القانون المدني الإماراتي:
1- يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك.
2- ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان والزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول ما لم يقم الدليل على عكس ذلك ».
وجاء في القانون المدني الأردني، المادة (101): « إذا كان المتعاقدان لا يضمهما حين العقد مجلس واحد يعتبر التعاقد قد تم في المكان والزمان اللذين صدر فيهما القبول ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك ».
ويلاحظ في القوانين الثلاثة المتقدمة أن القانونين المصري والإماراتي قد تبنَّيا نظرية العلم بالقبول وهو ما أخذت به معظم القوانين الوضعية كالقانون المدني العراقي والإنجليزي.
وأما القانون المدني الأردني فقد تبنَّى نظرية إعلان القبول، وهو بذلك يتفق مع الفقه الإسلامي الذي يأخذ بنظرية إعلان القبول كما سبق بيانه( ).
ولذا يجوز بنا أن نبين خلاف فقهاء القانون الوضعي في وقت تمام العقد، فأقول: لما كانت مسألة وقت تمام العقد بين الغائبين محل خلاف بين فقهاء القانون الوضعي، فكانت لهم في ذلك أربع نظريات:
النظرية الأولى: نظرية إعلان القبول:
وتقضي بأنه إذا قبل من وجه إليه الإيجاب التعبير الصادر من الطرف الآخر تم العقد دون حاجة إلى تأخير ذلك إلى وقت لاحق.
النظرية الثانية: نظرية تصدير القبول.
والقائلون بها يقولون: إنه لابد لتمام العقد من اقتران القبول بإرسال ذلك القبول إلى الموجب، بمعنى أن العقد لا يكون تامًّا حتى يقوم من وجه إليه الخطاب بعد إعلان قبوله بعملية إرسال ذلك إلى الشخص الذي صدر منه الإيجاب.
النظرية الثالثة: نظرية وصول القبول:
يقول أصحاب هذا الاتجاه: إنه لا يكفي لتمام العقد إعلان القبول والقيام بإرساله فقط، بل لابد من وصول ذلك القبول إلى الشخص الموجب حتى يتم العقد.
النظرية الرابعة: نظرية العلم بالقبول:
يقول أصحاب هذه النظرية: إن العقد لا يكفي لتمامه إعلان القبول وإرساله ووصوله للشخص الموجب، بل لابد لتمام العقد بين الغائبين أن يصحب ذلك كله علم الموجب بذلك القبول( ).
ولكل نظرية من هذه النظريات الأربع أنصارها ومؤيدوها، لكن فضيلة الدكتور عبدالرزاق الهيتي رجح نظرية إعلان القبول وبرر ذلك بأربعة أمور:
1- لاختلاف طبيعة التعاقد بين الحاضرين والغائبين، من حيث زمان العقد ومكانه، وعليه فإنه لا يمكن إلحاق التعاقد بين الغائبين بالتعاقد بين الحاضرين وإعطائه نفس الحكم في اشتراط علم الموجب بالقبول بنفس المجلس الذي صدر إيجابه فيه، بل يكفي في ذلك مجرد قبول من وجه إليه الإيجاب وإعلانه عن ذلك في مجلس وصول الخطاب؛ لأن العقد ينعقد باقتران القبول بالإيجاب، ويتحقق ذلك بمجرد إعلان القبول في مجلس وصول الخطاب.
2- صعوبة تحديد وقت تمام العقد إذا قلنا بغير نظرية إعلان القبول؛ ذلك لأنه لا يمكن تحديد اللحظة التي يتم فيها إرسال القبول، أو لحظة وصوله أو العلم به، مما يجعل الأمر غير مستقر ومنضبط، بل قد يؤدي إلى حصول الفوضى التي يجب أن تكون العقود والمعاملات بعيدة عنها.
3- إن الأخذ بنظرية إعلان القبول يؤدي إلى حسم المعاملات والبت فيها بأسرع وقت ممكن حيث يصبح العقد تامًّا وناجزًا بمجرد إعلان القبول.
4- إن القول بنظرية إعلان القبول هو الذي يتفق تمامًا ما أجمع عليه فقهاؤنا كما سبق بيانه( ).
أما بالنسبة للمسألة الثالثة وهي: مدى التزام الموجب بالإبقاء على إيجابه، فقد نصت الماد (93) من القانون المدني المصري على الآتي:
«1- إذا عين ميعاد للقبول التزم الموجب بالبقاء على إيجابه إلى أن ينقضي هذا الميعاد.
2- وقد يستخلص الميعاد من ظروف الحال أو من طبيعة المعاملة »( ).
ويقابل هذه المادة المادة (139) من القانون المدني الإماراتي.
 
المبحث الخامس
بيان موقف القوانين الوضعية من التعاقد عن طريق الهاتف واللاسلكي والإنترنت وما يشبهها مهاتفة

لم يختلف فقهاء القانون في تحديدهم لطبيعة هذا العقد عما ذهب إليه فقهاء الشريعة( )؛ فقد قالوا: إن هذا العقد هو عقد بين حاضرين من حيث الزمان وبين غائبين من حيث المكان( ).
فلقد جاء في المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري مادة رقم (140) ما يلي: « يعتبر التعاقد بالتليفون أو بأي طريقة مماثلة كأنه تم بين حاضرين فيما يتعلق بالزمان وبين غائبين فيما يتعلق بالمكان ».
وجاء في القانون المدني الإماراتي مادة (143) ما يلي: « يعتبر التعاقد بالهاتف أو بأية طريقة مماثلة بالنسبة للمكان كأنه تم بين متعاقدين لا يضمهما مجلس واحد حين العقد أما فيما يتعلق بالزمان، فيعتبر  كأنه تم بين حاضرين في المجلس ».
وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الإماراتي ما يلي: « ولا يثير  التعاقد بالهاتف أو بأية وسيلة مماثلة صعوبة إلا فيما يتعلق بتعيين مكان انعقاد العقد؛ فشأنه من هذه الناحية شأن التعاقد بين الغائبين الذين تفرقهم شقة المكان، ولذلك تسري عليه أحكام المادة السابقة الخاصة بتعيين مكان التعاقد بين الغائبين ويعتبر التعاقد بالهاتف قد تم في المكان الذي وصل فيه القبول ما لم يقم الدليل على عكس ذلك.
أما فيما يتعلق بزمان انعقاد العقد فالتعاقد بالهاتف لا يفترق عن التعاقد بين الحاضرين فيعتبر التعاقد بالهاتف تامًّا، في الوقت الذي يعلن فيه من وجه إليه الإيجاب قبوله.
ويترتب على إعطاء التعاقد بالهاتف حكم التعاقد بين الحاضرين فيما يتعلق بزمان انعقاد العقد، أن الإيجاب إذا وجه دون تحديد ميعاد لقبوله ولم يصدر القبول في المجلس سقط الإيجاب ».
ويقابل هذه المادة والتي قبلها المواد (101) من القانون المدني الأردني و (98) من القانون المدني العراقي.
وقد علل الشراح كون التعاقد بهذا الجهاز -أي الهاتف وما شاكله من الوسائل الإلكترونية- هو تعاقد بين حاضرين من حيث الزمان، فقالوا لأن انتقال الصوت بالتليفون يجعل الطرفين من حيث الزمان في مجلس واحد، إذ بمجرد صدور القبول يتم العلم به( ).
وأما بالنسبة لمكان هذا العقد فقالوا: لا شك أنه مختلف، حيث إن مكان كل واحد من العاقدين مختلف، ولذلك يعتبر التعاقد بالتليفون بمثابة التعاقد بين غائبين، فيأخذ حكمه، وعليه يكون مكان التعاقد بواسطة التليفون، أو بأية وسيلة مماثلة كاللاسلكي مثلاً هو المكان الذي يعلمه فيه الموجب، إذ في هذا المكان يحصل العلم بالقبول ما لم يتفق على خلاف ذلك( ).
وبذلك أخذت جميع القوانين العربية باستثناء القانون المدني الأردني كما سبق بيانه( ).
وقد ظهر بجلاء أن القوانين المدنية في أغلب البلدان العربية تتفق تمامًا مع ما ذهب إليه النظر الفقهي الإسلامي من أن العقد من خلال الهاتف والوسائل الإلكترونية الأخرى المشابهة هو عقد فوري يقتضي إعلان القبول فور صدور الإيجاب فإن تأخر ذلك القبول ولو قليلاً؛ جاز للموجب الرجوع عن إيجابه، حتى ولو كانت المكالمة الهاتفية لا تزال مستمرة بينهما.
 
خاتمة البحث ونتائجه

1- تطورت وسائل الاتصالات تطورًا كبيرًا وكان آخرهما الإنترنت الذي يمكن من خلاله إجراء مكالمات هاتفية بالصورة فقط أو بالصورة والصوت معًا، وفي هذه الحالة يصنف مع الأجهزة الناقلة للأصوات والتي من أبرزها الهاتف ويمكن من خلاله أيضًا كتابة رسالة تعاقدية وتخزينها مع توجيهه إلى إرسال نسخة منها إلى الجهاز الثاني المرتبط بالمتعاقد الآخر أو بالبورصة. وفي هذه الحالة يمكن تصنيفه مع الأجهزة الحديثة الناقلة للحروف ومن أبرزها الفاكس.
2- ذكرت أثناء حديثي عن إبرام عقد الزواج عن طريق الوسائل الإلكترونية كتابة أن هذا الطريق كان معروفًا قديمًا ولم تبتدع وسائل الاتصالات هذا النمط من العقود الجديدة فيها إنما هو سرعة النقل. وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولـين:
القول الأول: المنع من إجراء عقود الزواج عن طريق الكتابة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة.
القول الثاني: يجيز إجراء عقد الزواج بالكتابة، وهذا مذهب الحنفية. وقد رجحته ذلك أنهم اعتبروا مجلس العقد ساعة وصول الخطاب الذي يحمل الإيجاب إلى الطرف الآخر، فإذا وصل الخطاب ودعا الشهود وأطلعهم على الكتاب وأخبرهم بمضمونه وأشهدهم على قبول النكاح فقد تم الزواج، وأنه يمكن للخاطب أن يرى مخطوبته عبر الكمبيوتر المتصل بشبكة الإنترنت، ويمكن أن يظهر المتعاقدان وسائل الإثبات الخاصة لكل منهما كما يجب أن يكون الشاهدان يعرفان الطرفين.
3- كما أنه يمكن عقد النكاح عن طريق المهاتفة عبر الوسائل الإلكترونية  وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يجيز إجراء عقد الزواج مشافهة عن طريق وسائل الاتصالات الحديثة كالهاتف والإنترنت ومن أبرز من ذهب هذا المذهب الشيخ مصطفى الزرقا، ود. وهبة الزحيلي و د. إبراهيم الدبر، ود. محمد عقلة، وغيرهم.
القول الثاني: يمنع عقد الزواج بطريق الوسائل الإلكترونية الناقلة للكلام نطقًا ومنها التعاقد عبر شبكة الإنترنت وقد رجحت جواز إجراء عقد الزواج بوسائل الاتصالات الحديثة الناقلة للكلام نطقًا ومنها شبكة الإنترنت، وذلك لتوفر شروط النكاح من تلفظ بالإيجاب والقبول وسماع كل من المتعاقدين للآخر ومعرفته لـه ووجود الولي والشهود، وكون العاقدين غائبين لا حرج فيه، فالعاقدان غائبان بأشخاصهما ولكنهما يعقدان عقد الحاضرين ويسمع كلاّ منهما الآخر كما يسمعهما الشهود حين نطقهما بالإيجاب والقبول.
4- أما فيما يتعلق بإجراء الطلاق عن طريق الوسائل الإلكترونية مهاتفة فإن الطلاق واقع شرعًا؛ لأن الطلاق لا يتوقف على حضور الزوجة ولا رضاها ولا علمها كما أنه لا يتوقف على الإشهاد، فالطلاق يقع بمجرد التلفظ به، ولكن يشترط أن تتأكد الزوجة من أن الذي خاطبها هو زوجها وليس هناك تزوير؛ لأنه ينبني على ذلك اعتداد الزوجة واحتسابها لبداية العدة من وقت صدور الطلاق الذي خاطبها به الزوج.
5- أما الطلاق عبر الوسائل الإلكترونية كتابة فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوال:
القول الأول: يمنع إجراء الطلاق بالكتابة، وهو مذهب الظاهرية.
القول الثاني: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الطلاق يقع بالكتابة لكنه إذا لم ينو بالكتابة الطلاق فلا يقع به شيء؛ أي أنهم عَدُّوا الطلاق به لكتابه كناية ولو كان صريحًا في الطلاق. وذهب الحنفية إلى أن الطلاق بالكتابة يقع إذا كانت الكتابة مستبينة ومرسومة وكانت بألفاظ صريحة فإن الطلاق يقع، وإن ادعى أنه لم ينوه، أما إذا كانت الكتابة مستبينة وغير مرسومة فتعد من الكنايات فلا يقع بها الطلاق إلا مع النية سواء أكانت بألفاظ صريحة أم بألفاظ كنائية، والراجح من وجهة نظري هو مذهب الحنفية لدقته وشموله.
6- أما ما يتعلق بالإجراءات المترتبة على عقد الزواج عبر الوسائل الإلكترونية فإن مجلس العقد على الراجح هو المجلس الذي يتمكن فيه من وجه إليه الإيجاب من إحضار شاهدين يسمعان قبوله بعد قراءة الكتاب أمامهم حتى يكون هذا العقد مستوفيًا لجميع أركانه.
أما ما يتعلق بخيار المجلس وخيار الرجوع وخيار القبول فإن خيار المجلس عند القائلين به لا يجرى في عقود الزواج؛ لأن النكاح لا يقع غالبًا إلا بعد روية ونظر وتمكن فلا يحتاج إلى الخيار بعده.
أما خيار الرجوع والقبول في حالة المهاتفة وما يلحق بها فليس هناك أي إشكال في حالة التعاقد بين الحاضرين؛ لعدم وجود فاصل زمني، وعلى هذا فللموجب حق الرجوع عن إيجابه والتحلل منه في أي وقت قبل صدور القبول، وللطرف الموجه إليه الإيجاب الخيار في القبول ما دام في مجلس العقد في المدة الزمنية مع وجود الشهود فإذا صدر منه القبول لزمه العقد.
أما في حالة الكتابة فأرى أيضًا أنه لا يحدث أي إشكال لأن وسائل الاتصالات الحديثة تحقق الموالاة بين الإيجاب والقبول في عقد الزواج.
7- أما فيما يتعلق بموقف قوانين الأحوال الشخصية في بعض البلاد العربية من التعاقد عبر  الوسائل الإلكترونية كتابة ومهاتفة فإن التعاقد عن طريق الكتابة أخذت به معظم قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية، وقد جاء ذلك في المادة (6) ف (2) من مشروع قانون الأحوال الشخصية لدولة الإمارات العربية المتحدة وفي المادة (7) من القانون المذكور في (جـ) أيضًا.
وأيضًا في قانون الأحوال الكويتي المادة (9) ف (ب) والمادة (10) ف (جـ).
وفي قانون الأحوال القطري مادة (14) ف (أ).
أما الطلاق كتابة فقد أخذت به أيضًا معظم قوانين الأحوال الشخصية العربية فقد جاء في القانون الكويتي مادة (104) فقرة (ب) وجاء في مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد للإقليمين المصري والسوري مادة (174) فقرة (ب)، وجاء أيضًا مشروع قانون الأحوال الشخصية القطري مادة (114) فقرة (أ).
أما التعاقد مهاتفة عبر الوسائل الإلكترونية فلم أجد قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية تعرضت لـه مطلقًا وكذلك الطلاق مهاتفة. وفيما يتعلق بالإجراءات المترتبة على عقد الزواج بالوسائل الإلكترونية في قوانين الأحوال الشخصية العربية فقد تعرضت لـه في مسألتين، الأولى: تحديد مجلس العقد، وبينت أن اتحاد مجلس العقد شرط في الانعقاد حتى يتمكن من عرض عليه الإيجاب من المتعاقدين أن يتدبر أمره فيقبل الإيجاب أو يرفضه، وأن المراد باتحاد المجلس هو اتحاد الزمن أو الوقت الذي يكون المتعاقدان مشتغلين فيه بالتعاقد، وعلى هذا يكون مجلس العقد في المكالمة الهاتفية هو زمن الاتصال، فإن انتقل المتحدث إلى حديث آخر انتهت المكالمة.
ومجلس العقد في العقود الكتابية بالوسائل الإلكترونية هو مكان وصول الرسالة.
الثانية: تحديد مكان مجلس العقد وزمانه.
يعد من الأهمية معرفة الزمان والمكان اللذين تم فيهما الزواج لمعرفة الوقت المحدد لتترتب الآثار الشرعية والقانونية على العقد؛ لأن هناك اختلافات بين قوانين الأحوال الشخصية العربية تعد جوهرية في كثير من الأحيان. وبينت أن المصلحة في عقود الزواج تقتضي الأخذ بنظرية العلم بالقبول. والتي بموجبها لابد للموجب أن يعلم بقبول الطرف الآخر.
8- أما إبرام العقود التجارية عبر كتابة الوسائل الإلكترونية فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أن الكتابة كالخطاب؛ فالتعاقد بها جائز سواء أكان العقد بين حاضرين أم بين غائبين وسواء كان المتعاقدان قادرين على النطق أم عاجزين عنه، لكنهم استثنوا من ذلك عقد النكاح.
القول الثاني: مذهب بعض الفقهاء، وقول للشافعية، إلى أنه لا يصح التعاقد بطريق الكتابة إلا لمن كان عاجزًا عن النطق والكلام فقط.
القول الثالث: ذهب فقهاء الحنفية إلى أن الكتابة تنزل منزل الخطاب بالنسبة للغائبين فقط ولم يستثنوا من ذلك حتى عقد النكاح.
والراجح من وجهة نظري هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء القائلين بجواز إبرام العقود عن طريق الكتابة مطلقًا؛ لأنه يدعمه الدليل ويتفق مع قواعد الشريعة الإسلامية وأصولها القاضية برفع الحرج ومبادئها الخاصة بالعقود الدالة على أن الأساس هو التراضي.
9- أما حكم إبرام العقود التجارية مهاتفة فإنه إذا تم فيه الإيجاب والقبول مع بقية الشروط المطلوبة فإنه صحيح لا غيار عليه. أما عدم رؤية أحدهما للآخر فليس لـه علاقة بصحة العقود وعدمها؛ لأن المطلوب في باب العقود سماع الإيجاب والقبول أو التقاؤهما أو إدراكهما بأي وسيلة كانت.
10- أما ما يتعلق بالإجراءات المترتبة على العقود التجارية عبر الوسائل الإلكترونية فهي كالتالي:
أ- مجلس العقد: هو اتحاد المجلس بأن يقع الإيجاب والقبول في مجلس واحد ولكن مجلس التعاقد بين الغائبين هو مجلس وصول الخطاب أو الرسول، ولكن اتحاد المجلس لا يشمل أكثر العقود غير التجارية فهو لا يشمل الوصية من الإيصاء والوكالة والكفالة عند الجمهور.
ب- وقت تمام العقد: إن العقد بالكتابة ومنها التعاقد عبر الوسائل الإلكترونية يتم بمجرد القبول الصادر من الشخص الموجه إليه ومجلس وصول الخطاب هو مجلس العقد.
جـ- أما الخيارات المتعلقة بمجلس العقد عبر الوسائل الإلكترونية فبالنسبة لخيار المجلس فإنه يعطي للمتعاقدين خيار المجلس وهذا يعني أن لكل عاقد الحق في فسخ العقد ولو بعد إبرامه ما داما في مجلس العقد،فإذا انفض المجلس بطل الخيار، وهذا رأي الشافعية، والحنابلة، وهو الراجح من وجهة نظري. أما خيار الرجوع فإنه يكون للطرف الموجب الرجوع عن إيجابه إلى أن يصدر القبول أو ينفض المجلس، وهذا رأي جمهور الفقهاء، وكذا خيار القبول يكون للطرف المخاطب بالإيجاب خيار القبول لحين انفضاض المجلس فهو غير ملزم بالقبول.
د- مجلس العقد في التعاقد مهاتفة في العقود التجارية.
إن مجلس العقد المبرم من خلال جهاز الهاتف أو ما شابهه من أجهزة الاتصال الأخرى ينعقد من حين صدور الإيجاب أثناء المكالمة الهاتفية وأنه يستمر ويبقى ما دام الكلام موصولاً بينهما، ويحق فيه للموجب الرجوع عن إيجابه ما دام أنه لم يقترن به قبول الطرف الآخر، ويبقى مجلس العقد قائمًا ما دامت المكالمة بينهما مستمرة، فإذا ما انقطعت المكالمة من قبلهما أو من قبل أحدهما أو قطعت من قبل غيرهما، وكان العقد تامًا اقترن فيه القبول بالإيجاب فإن العقد يكون حينئذ تامًا ولازمًا لكلا الطرفين.
أما إذا انقطعت المكالمة لأي سبب من الأسباب بعد صدور الإيجاب وقبل قبول الطرف الآخر فإنه يحق للموجب أيضًا الرجوع عن إيجابه ما دام أنه لم يقترن به قبول الطرف الآخر، أما الطرف الآخر الموجه إليه الإيجاب فإنه لا يحق لـه الرجوع عن قبوله حتى ولو تم ذلك من خلال نفس المكالمة، ذلك لأن هذا العقد من العقود المتعددة التي يسقط فيها اختيار القبول قياسًا على العقد بين الماشيين أو الراكبين.
أما إذا كان جهاز الهاتف ناقلاً للصورة والصوت معًا كما هو الحال في شبكة الإنترنت فإنه يمكن تلخيص حالات انتهاء المجلس بالنسبة لهذا الجهاز فيما يلي:
1- انتهاء المكالمة الهاتفية.
2- مشاهدة أي من المتعاقدين صدور تصرف من صاحبه يدل على انشغاله عن العقد أو إعراضه عنه، حتى ولو كانت المكالمة مستمرة بينهما.
3- مشاهدة أي من المتعاقدين مغادرة صاحبه مجلس العقد حتى ولو كانت المكالمة قائمة ومستمرة بينهما، ويستثنى من ذلك كون مغادرته تتعلق بإحضار أمر ضروري يتعلق بإبرام العقد.
11- التعاقد عن طريق الكتابة في العقود التجارية أخذت بها القوانين المعاصرة مثل القانون المدني المصري، والقانون المدني الكويتي، والقانون المدني المغربي.
12- وفيما يتعلق بمسألة زمان انعقاد العقد ومكانه فقد عَدَّت معظم القوانين المدنية التعاقد بين الغائبين قد تم في المكان والزمان اللذين يعلمه فيهما الموجب بالقبول ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك.
ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان والزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول، وهذا يعني أنها أخذت بمذهب العلم بالقبول. أما القانون المدني الأردني فقد أخذ بنظرية إعلان القبول التي تتفق تمامًا مع الشريعة الإسلامية مخالفًا معظم القوانين المدنية العربية والأجنبية التي تأخذ بنظرية العلم بالقبول.
أما فيما يتعلق بموقف القوانين الوضعية من التعاقد عن طريق الهاتف والوسائل الإلكترونية فلم يختلف شراح القانون في تحديدهم لطبيعة هذا العقد عما ذهب إليه فقهاء الشريعة فقد قالوا: إن هذا العقد هو عقد بين حاضرين من حيث الزمان وبين غائبين من حيث المكان.
فهــرس المراجــع

1- القرآن الكريم.
2- الأحوال الشخصية في التشريع الإسلامي، الدكتور أحمد الغندور، ط4، الكويت، مكتبة الفلاح، 1422هـ-2001م.
3- الأشباه والنظائر، ابن نجيم، القاهرة، مؤسسة الحلبي، 1387هـ-1968م.
4- الأقمار الصناعية وسفن الفضاء، سعد شعبان، بيروت، دار الفكر، 1973م.
5- الإنصاف للمرداوي، صححه وحققه: محمد حامد الفقي - بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1376هـ-1957م.
6- الاتصالات السلكية واللاسلكية في الوطن العربي، بحث مقدم من مليسر حمدون سليمان، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1982م.
7- البحر الزخار، لابن المرتضى، بيروت، مؤسسة الرسالة، د. ت.
8- بدائع الصنائع للكاساني، القاهرة، الطبعة الجمالية، 1910م، ط2، بيروت، دار الكتاب العربي، 1402هـ-1982م.
9- بداية المجتهد، مصطفى البابي الحلبي، طبعة رابعة، 1395هـ.
10- التلكس وكمبيوتر الاتصالات، وضع إداورد جورج،تنفيذ فاروق العامري، بيروت، دار الراتب الجامعي، 1987م.
11- ثقافة الكمبيوتر الوعي والتطبيق والترجمة، غازي ج بيتر. قبرص، سلسلة الأبحاث اللغوية، 1987م.
12- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ط3، القاهرة، دار الكتب المصرية، د. ت.
13- حاشية ابن عابدين، ط2، القاهرة، المطبعة الأميرية، د.ت، ط2، القاهرة، مطبعة البابي الحلبي، 1368هـ-1949م، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د. ت.
14- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، د. ت، القاهرة، مكتبة زهران، د. ت.
15- حكم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة، محمد عقلة إبراهيم،  دار الضياء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1406هـ-1986م.
16- حكم التعاقد عبر أجهزة الاتصال الحديثة في الشريعة الإسلامية، عبدالرزاق الهيتي، عمان، دار البيارق، 1421هـ-2000م.
17- الخرشي على مختصر خليل، القاهرة، 1317هـ، بيروت، دار صادر، د.ت.
18- روضة الطالبين، للنووي، ط3، بيروت، المكتب الإسلامي، 1412هـ-1991م.
19- الروضة الندية شرح الدرر البهية، للسيد صديق حسن خان، القاهرة، المطبعة الأميرية، د. ت.
20- الزواج والطلاق في الإسلام، بدران أبوالعنين، الإسكندرية، مؤسسة شباب جامعة الإسكندرية، د. ت.
21- الشرح الصغير، للدردير، تحقيق كمال وصفي، 1410هـ-1989م دار المعارف - القاهرة.
22- ضوابط العقود، محمود البعلي، القاهرة، مكتبة وهبة، د. ت.
23- الفتاوى الهندية، القاهرة، المطبعة العامرة، د. ت، القاهرة، المطبعة الأميرية، د.ت.
24- الفتاوى، جمع وترتيب محمد عبدالعزيز المسند، لمجموعة علماء بالإضافة لفتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية، د.ت.
25- فتح القدير، القاهرة، المطبعة الأميرية، 1316هـ.
26- كشاف القناع، للبهوتي، الرياض، مكتبة النصر الحديثة، د. ت.
27- كيف تعمل الشبكات، فرانك درفلرولس فريد، ترجمة مركز التعريب والترجمة، بيروت، الدار العربية للعلوم، 1994م.
28- مبدأ الرضا في العقود، علي محيي الدين القرة داغي، بيروت، دار البشائر، 1985م.
29- مجمع الفقه الإسلامي قرارات وتوصيات المجمع، تنسيق وتعليق عبدالستار أبوغدة، ط2، دمشق، دار القلم، 1388هـ-1988م.
30- المجموع للنووي، القاهرة، مطبعة العاصمة، د. ت، القاهرة، دار الطباعة المنيرية، د.ت، المدينة المنورة، المكتبة السلفية، د.ت.
31- المحلى لابن حزم، القاهرة، 1352هـ.
32- مختصر المزني مطبوع على هامش الأم، القاهرة، المطبعة الأميرية، 1321هـ.
33- المدخل الفقهي العام للزرقا، ط2، دمشق، مطابع أ.ب الأديب، 1967م.
34- مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، أسامة عمر الأشقر، عمان، دار النفائس، 1420هـ-2000م.
35- مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد للإقليمين المصري والسوري، دمشق، دار القلم، 1416هـ-1996م.
36- مصادر الالتزام في القانون المصري واللبناني، رمضان أبوالسعود، د.م، المكتبة الجامعية، 1986م.
37- مصادر الحق في الفقه الإسلامي، للسنهوري، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ت.
38- مغني المحتاج، القاهرة، مطبعة البابي الحلبي، د.ت.
39- المغني لابن قدامة، تحقيق: عبدالله التركي والحلو، القاهرة، مطبعة هجر، 1410هـ-1989م.
40- المنتزع المختار، للشيخ عبدالله مفتاح، القاهرة، 1332هـ.
41- منتهى الإرادات، عالم الكتب.
42- المهذب للشيرازي، القاهرة، مطبعة البابي الحلبي، د.ت.
43- الموافقات للشاطبي، القاهرة، المكتبة التجارية الكبرى، 1975م.
44- مواهب الجليل للحطاب، بيروت، دار الفكر، 1398هـ-1978م.
45- الموجز في القانون المدني العراقي، عبدالمجيد الحكيم، ط3، بغداد، شركة الطبع والنشر الأهلية، 1389هـ-1969م.
46- النيل وشفاء العليل، مطبوع على هامش الشرح ضياء الدين الثميني، ط2، بيروت، دار الفتح، 1972م.
47- الهداية مع فتح القدير، مطبعة مصطفى محمد - القاهرة.
48- الوسيط للسنهوري، القاهرة، دار النشر للجامعات المصرية، 1960م.

مجــلات:
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، الجزء الثاني، جدة، 1410هـ-1990م.


تعليقات