القائمة الرئيسية

الصفحات



الجوانب القانونية لأوضاع أطفال الشوارع في لبنــــان

الجوانب القانونية لأوضاع أطفال الشوارع في لبنــــان

الجوانب القانونية لأوضاع أطفال الشوارع في لبنــــان







دراســــة حـــول

الجوانب القانونية لأوضاع أطفال الشوارع
في لبنــــان



إعــــداد

القاضي الدكتور/غسان رباح



ساهم في اعداد الدراسة السيدة سناء عواضة :
مساعدة اجتماعية في المجلس الاعلى للطفولة
المحتــــويــات العـامة

·        مدخل عام حول الجوانب الإجتماعية لأوضاع أطفال الشوارع
·        المفهــــوم؟
·        مَـنْ هم أطفال الشوارع في لبنان؟
·        حجم المشكلة الإجتماعية وأسبابها؟
·        أهـداف الدراسة
·        فرضيـات البحث وصعوباته

·                                                   القسم الأول: الوضع الراهن لمشكلة أطفال الشوارع في لبنان من ناحية الخلفية الإجتماعية

·        القسم الثاني: الجوانب القانونية والمقترحات المتممة لها
أ   – الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه.
ب – التشريعات والأنظمة المحلية والنصوص المقترحة لتعزيزها.


القســم الأولمدخـل عام حول الخلفية الإجتماعية لأوضاع أطفال الشوارع في لبنان


         لقد عرف لبنان أقسى معاني التشرد المنزلي في أثناء حروبه الصغيرة وعلى مدى خمسة عشر عاماً، عندما اضطرت عائلات بأكملها إلى النزوح من مكان إلى آخر هائمة على وجهها لتُحرم من حق الرجوع إليها.

         لقد لعب التشرد دوراً مأساوياً وأصبح مشكلة كبيرة ليس في لبنان وحسب بل وفي العالم أجمع، إذ هناك ملايين من أطفال الشوارع يعيشون منعزلين يعانون من سوء التغذية منذ ولادتهم يفتقدون العطف والتعليم والمساعدة.
         أطفـال يعيشون من التسوّل، وربما من العنف والسرقة والتعدي على أملاك الغير.

         إن الشارع هو الإرث العام لملايين من البشر، حتى قبل أن تلوثهم سموم المخدرات والجريمة على أنواعها.

         لقد أصبح سكان المدن الآن أصغر سناً وبحلول عام 2009 ستكون أعمار نصف سكان العالم دون الخامسة والعشرين، ومن فئة 5 إلى 19 عاماً سيزيد عدد أطفال المدن في العالم بمقدار 477 مليون عن عددهم الحالي، منهم 220 مليون طفلاً من البلدان النامية، ومنها البلدان العربية، حيث سيكون 35 بالماية من مجموع السكان دون سن الرابعة عشرة، منهم 30 بالماية سيكونون في فقر مدقع، وبالتالي فلا بد أن يزيد عدد أطفال الشوارع المشرّدون والمتسولون ممّن يعيشون كلياً أو جزئياً بمقدار عشرات الملايين(1).



·        المفهـــوم:
         كوسيلة لوصف هؤلاء الأطفال، ربما تفتقر كلمة "الشـارع" إلى الوضوح، ويقول تعريف حديث:
          "طفل الشارع المشرّد أو المتسوّل، هو أي قاصر أصبح الشارع له (بأوسع معاني الكلمة) محل إقامته المعتاد وهو لا يجد الحماية الكافية".

         وعلى عكس اليتامى وذوي الإحتياجات الخاصة، لا يستطيع المرء أن يحدد هوية طفل الشارع بأي معيار علمي دقيق؛ والواقع أن التعبير بالكاد يكون جزءاً من قاموس اللغة الدارجة، وهو يشمل عدداً من أولئك: الأطفال اللقطاء، الأطفال المتسربون من المدارس، الأطفال غير المتكيفين مع البيئة، ويقضي الكثيرون منهم في أوقات مختلفة جزءاً من يومهم في الشارع دون أن يشتركوا بالضرورة في أي خصائص أخرى مشتركة: أطفال بلا أسرة، أطفال التعرّض للمخاطر اليومية، أطفال لا إرتباط لهم، أطفال بحاجة إلى رعاية وحماية، أطفال مخذولون... هذه كلها مسميات تتداخل معاً.
         إن هؤلاء الأطفال الذين يعيشون على هذا النحو، هم أيضاً مرشحون رئيسيون للإستغلال الجنسي، وصناعة الجنس ككل هي جزء لا يتجزأ من مشكلة أطفال الشوارع، وبغاء الأولاد أصبح الآن أمراً عادياً مثل بغاء الفتيات، وقد يبدو الفرق شاسعاً بين هذه المهنة النمطية للشارع وبين بيع الصحف، أما في أعين ممارسيها الصغار، فإنها تكون مجرد وسيلة للبقاء من بين وسائل أخرى، وبالنسبة لأولئك الذين يعيشون في الشارع بلا أُسـر ولا مستقبل ويشعرون باليأس، في البلدان المتقدمة والمتخلفة على حد سواء، يمثل البغاء أو التسوّل فرصة للحصول على دخل فوري.

·        من هم أطفـال الشوارع في لبنان؟
         هم أطفال تتراوح أعمارهم بين الـ 5 و16 عاماً، غالبيتهم من الذكور وتقل أعداد الإناث لسببين:
ـ العادات الإجتماعية التي تضع حواجز كثيرة أمام الفتيات.
ـ الفتيات يعملن عادة بمهنٍ غير ظاهرة.


         ويتحدر هؤلاء من أُسر فقيرة، حيث يرتفع عدد أفرادها ويقل مستوى الدخل، ويمكن تقسيم أولاد الشوارع في لبنان إلى فئات ثلاث:
1 – أولاد ما زالوا محافظين على علاقتهم مع أُسرهم ومرتبطين بها.
2 – أولاد يعملون في الشارع ويقضون فيه معظم أوقاتهم، ولكن على صلة بعائلاتهم، وقد يكونوا من المتسربين مدرسياً.
3 – أولاد ليس لديهم أي صلة بأسرتهم وهذه الحالة الأكثر خطراً (أيتـام، مطرودين، هاربين من عائلاتهم لسبب أو لآخر).

·        حجم المشكلة الإجتماعية في لبنان وأسبابها:

         إن المشكلة في لبنان تبدو حتى الآن غير واضحة، وإن كانت غير مخيفة، إلا على صعيد وجود عدد غير قليل من الأطفال الأجانب من المشردين، وهم يشكّلون همّاً إنسانياً قد تتفاعل تأثيراته ليصبح تعرّض هؤلاء الأطفال أقرب إلى حالة الإنحراف الإجرامي منه إلى البقاء في طي النسيان أو اللامبالاة، وأكثرهم يمارسون أعمال التسوّل وبيع البضائع الخفيفة أو مسح زجاج السيارات أو الأحذية، بإيعاز من بعض الكبار – وقد يكون أهلهم – يستغلونهم في هذه المجالات وربما في غيرها من الإستخدامات الخطرة على صحتهم وسلامتهم وتربيتهم وربما انحرافهم(1).

·        أسباب الوجود في الشارع:
1 – الفقر وتدنّي الوضع المعيشي؛ حيث يجبر الأهل أولادهم على الدخول في سوق العمل التافه لإعالتهم.

2 – الوضع الإجتماعي للأسرة؛ فقد تستجد ظروف عديدة تنعكس سلباً على وضع الأسرة، وبدل أن تؤمّن الحماية والرعاية للطفل، نجدها تقوم بدور حيادي ولا مبالي، ويرجع ذلك إلى التفكك الأسري، بنتيجة الطلاق، وتعدد الزوجات، وفقدان المعيل، وارتفاع عدد الأولاد في الأسرة وقد يكون بينهم عدد من المعوّقين(1).

3 – النظام المدرسي المتّبع حتى الآن يؤدي إلى التسرب عندما يفشل بأن يجعل من المدرسة تجربة ممتعة ومثيرة للأطفال، وهو يكون كذلك عندما لا يستطيع أن يقدم:
ـ أبنية وتجهيزات مدرسية مناسبة.
ـ منهجية دراسية ملائمة لحاجات التلاميذ.
ـ تدريب ومتابعة دائمين للمعلمين المتخصصين.
ـ جو دائم وآمن.

4 – يوجد في لبنان، كغيره من البلدان العربية – تجمعات لبعض المجموعات غير المنتمية لأية جنسية، والمعروفين بالبدو، وقد حصل عدة مرات أن استقروا في ضواحي العاصمة بإقامتهم في بيوت مصنوعة من المعادن الرخيصة وفي أمكنة لا تستوفي كحد أدنى من العناية الصحية، وكان هؤلاء يرسلون بأولادهم (من سن السابعة إلى السابعة عشرة) إلى شوارع العاصمة للتسوّل طوال النهار وفي ظروف طبيعية وخلفيات معيشية صعبة.

5 – لا يوجد حتى الآن مراكز لاستقبال الأولاد المتسربين دراسياً، ليتم التعويض ببرامج بديلة من برامج التعليم غير النظامي، ولمتابعة الأولاد اجتماعياً ونفسياً لحمايتهم من الوقوع في مهاوي الرذيلة فالإنحراف، كما لا يوجد مراكز دائمة للإستلحاق، وإذا وُجدت فإن إمكانياتها محدودة ومؤقتة.


         هذا، ويعاني هؤلاء الأولاد من مخاطر عديدة كالمرض وسوء التغذية، والإستغلال الاقتصادي والجنسي، وممارسة العنف عليهم جسدياً، إضافة بالطبع إلى الإهمال.

·        أهداف الدراسة:
         تهدف هذه الدراسة، بعد عرضها للخلفيات الإجتماعية والإقتصادية والتربوية التي جعلت منها مشكلة إلى:
ـ  مراجعة قانون الطفل الحالي في لبنان (وهو لا يزال غير موحّد) فيما خص أوضاع هؤلاء الأطفال في الشارع.
ـ  تحليل الإجراءات القانونية المطبّقة على الأطفال ومدى توافقها مع اتفاقية حقوق الطفل (C.R.C) ومعايير الأمم المتحدة التي يجب توافرها في قضاء عـدالة الأحداث وكيفية تطويرها.
ـ  وضع مقترح لإضافة مواد قانونية على قانون الطفل اللبناني، والتي من شأنها أن تؤدي إلى مسودة قانون جديد يأخذ بالإعتبار توفير الحماية القانونية لطفل الشارع بوسائل متعددة يشترك فيها: (الشرطي، والعامل الإجتماعي، والجمعيات الأهلية والأهل، والنيابة العامة والمحكمة المختصة)؛ إضافة إلى الأخصائيين الإجتماعيين المدرّبين للتعامل مع الأطفال المقبوض عليهم والمسحوبين من الشارع تمهيداً لإعادة تأهيلهم وإيجاد الوسائل الكفيلة بإدماجهم ثانية في مجتمع بعيد عن الشوارع.

·        فرضيات البحث وصعوباته:

         لقد تكشّف ما بعد الحرب اللبنانية الحجم الهائل للجهود المطلوبة للتنمية الإجتماعية، وخاصة ما يتعلق منها بالخدمات الرعائية للأطفال، باعتبارهم من أكثر الفئات تضرراً من آثار هذه الحرب، وبرزت أمام الإدارة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني مهمات عاجلة على هذا الصعيد.
         ومما لا شك فيه أن أية خطة وطنية لا يمكنها أن تتنبأ بهذا القدر من المشكلات في غياب أجهزة الرصد والتخطيط، وفي ظل ندرة الدراسات الميدانية والإحصاءات الدقيقة والمعلومات الموثّقة.

         في لبنان وبعد انضمام لبنان إلى إتفاقية حقوق الطفل في تشرين الأول – أكتوبر من العام 1990، ازدادت العناية الموجّهة إلى البرامج الخاصة بالأمهات والأطفال، وخاصة تلك التي تركّز على الأُسر الضعيفة، أو التي تواجه بطالة مزمنة، لمساعدتها في التغلّب على الضائقة الإقتصادية وتأمين متطلبات العيش السويّ، ومن المسلّم به أن انضواء الأطفال في الحياة الأسرية المتوازية والصحيحة، يشكل حائلاً طبيعياً يقيهم من الإنزلاق إلى الشارع والوقوع في متاهاته.

         ميدانياً وكخلفية اجتماعية لهذا البحث تبدو ظاهرة أطفال الشوارع في لبنان، للوهلة الأولى – ورغم طول الزمن – وكأنها واحدة من إفرازات الحرب اللبنانية، وبهذا المعنى يُنظر إليها كأمر واقعي من قِبل معظم فئات المجتمع الأهلي، خاصة وأنها منتشرة في أوساط الأجانب من المشرّدين والوافدين، ولكن الهمّ اللبناني بدأ يظهر على خلفيّة الوضع الإقتصادي الصعب الذي لا يزال يصيب لبنان منذ أكثر من عشر سنوات، وهو مرشّح للتفاعل إذا ما تُرك بدون معالجة.
         فقد تؤدي اللامبالاة حيال هؤلاء المتشردين إلى دفعهم إلى حافة الإنحراف والجنوح، وقد ينتهي بهم الأمر من التسوّل أو ببيع البضائع الخفيفة أو مسح زجاج السيارات، إلى الوقوع بين أيدي المستغلين من الكبار. وقد لا يتورّع هؤلاء من العبث بمصيرهم والزجّ بهم في مهاوي الإنحراف أو الإجرام.

         أمام معاينة هذه الظاهرة تبرز الفرضيات والصعوبات التالية:
1 – هل هناك اعتراف رسمي بمسؤولية الإدارة الحكومية عن حماية أطفال الشارع أو السعي لتخليصهم في حال التشرّد والتسوّل؟!

2 – وهل لدى البنى الرسمية تقييم واضح لوضع هؤلاء الأطفال يمكن أن تستند إليه عند مواجهتها لهذه المشكلة؟
وما هي طبيعة المعالجات القائمة وحدودها؟

3 – إن الإكتفاء بالمعالجة الأمنية الرادعة، التي تتوسل تطبيق القانون باليد الغليظة، له مردود سلبي، فهو يعزز الروح العدوانية لدى المشرّدين الذين يتم توقيفهم، في غياب الإجراءات التي ترفع عنهم الحرمان وتفتح أمامهم سُبل التكيّف والعمل المنتج من أجل حقهم بالبقاء وهو المبدأ الأسمى المكرّس لهم في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.

4 – وماذا عن الأخذ بمعالجة مشكلة هذه العلاقة المطّردة بين حال الأميّة أو تدنّي المستوى العلمي للمشرّد ولأسرته وبين تفاقم وضعه الإجتماعي؟

5 – إن العمل باتجاه تطبيق اتفاقية حقوق الطفل يستدعي اعتماد منهجية متكاملة، غير متوفرة حالياً تقوم على تأمين الوقاية الشاملة التي تطال الطفل في محيطه الأسري وفي بيئته المحلية.

6 – في غياب الإحصاءات والدراسات المطلوبة للإحاطة بحقيقة المشكلة، وفي غياب السياسة الوقائية الشاملة أو المتخصّصة في هذا الإتجاه، تسدل وسائل الإعلام، المسؤولة اجتماعياً، ستارها عن حجم المسألة المطروحة، وتتغاضى عن دورها في نشر الوعي إلى دور خجول، في وقت يعوّل عليها بشكل أساسي في تصحيح النظرة إلى الشارع بوصفه ملجأ للذين افتقدوا الفرص، وليس بكونه مجرد بؤرة للبؤس والعنف وبالتالي الإنحراف.

7 – الملاحظ أن التقارير الدورية المقدمة إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل في جنيف، وآخرها التقرير الوطني الثالث (1998 – 2003) لم يلحظ فقرة واحدة، ولو مختصرة حول أطفال الشوارع في لبنان!! وهذا الأمر يعود إلى المبادىء التوجيهية لإعداد التقارير الوطنية حيث لا يوجد إشارة خاصة بأطفال الشوارع.




         بعد هذه الملامح الموجزة حول الخلفية الإجتماعية لأسباب انتشار الأطفال في الشارع، لا سيما في لبنان لا بد، في هذا القسم الثاني من البحث، من التركيز حول الجوانب القانونية لهذه الظاهرة؛ وذلك في مجالين رئيسيين:
* المجال الأول، يتناول النصوص الوطنيّة والدوليّة التي لا تزال ترعى هؤلاء الأطفال، أي ما جاء في تلك النصوص من خلال التشريعات المحلية، وما استجد من اتفاقيات أو بروتوكولات على صعيد الأمم المتحدة.
* أما المجال الثاني، فهو محاولة سدّ النواقص التي تشوب التشريعات اللبنانية لجهة حماية أطفال الشوارع والعمل على طرح بعض النصوص القانونية التي من شأنها تأمين تلك الحماية.

المجال الأول: النصوص الوطنيّة والدوليّة الراعية لأطفال الشوارع في لبنان:
         تُجمع الإتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية، التي ترعى حقوق الأطفال، وكذلك الخطط المعبّرة عنها، على أن السياسة الوقائية لحماية الأطفال من التسوّل والتشرد والإنحراف (أي جعلهم "مربى" الشارع)، ينبغي أن تطال الطفل في محيطه المباشر وغير المباشر معاً، وهي وحدها الكفيلة بالحدّ من اتساع هذه الظاهرة وتفاقم آثارها.

         ومع ذلك، وفي ظل غياب الإحصاءات الدقيقة، تؤكد ملاحظات العاملين الميدانيين على ازدياد حالات التشرّد بين الأطفال، وعلى الطابع المدني البحت لهذه الظاهرة، في مقابل غيابها الملحوظ في المناطق الريفية.

         وأدهى ما في الأمر، أن تغدو مظاهر التسوّل عند تقاطعات الطرق أو في الأماكن العامة مشاهدات اعتيادية يومية، فتصبح هي الأخرى من معالم البيئة المحلية، ففي غضون ذلك قد لا تنفع المعالجات المتأخرة، خاصة بعد أن يكون التشرد قد تحوّل لدى فئات من الأطفال إلى نمط معيشي يساعد على الانحراف، ويضخّ أفواجاً من الجانحين.


         وفي ضوء القانون اللبناني، اقتضت حكمة التشريع عند مشترع القانون القديم للأحداث المخالفين للقانون (المادة 26 من المرسوم الاشتراعي رقم 119 تاريخ 16/9/1983)، كما وفي القانون الحالي (المواد 24 حتى 28 منه) (والصادر برقم 422 تاريخ 6/6/2002) أن يستبق إنحراف الحدث بمعالجته لهذا الإنحراف أو الوقاية منه قبل حصوله أو تفاقمه وهو لم يتم الثامنة عشرة من العمر(1).

         وعليه، جاء في المادة 25 من القانون الجديد حالات يعتبر معها الحدث، مهدداً بخطر الإنحراف؛ وهي التالية:
1 – إذا وُجد في بيئة تعرّضه للإستغلال أو تهدد صحته أو سلامته أو أخلاقه أو ظروف تربيته.
2 – إذا تعرّض لإعتداء جنسي أو عنف جنسي يتجاوز حدود ما يبيحه العرف من ضروب التأديب غير المؤذي.
3 – إذا وُجد متسولاً أو مشرداً.

         يُعتبر الحدث متسولاً في إطار هذا القانون إذا اعتاد استجداء الإحسان بأي وسيلة كانت، ويعتبر متشرداً "Homeless" إذا ترك مسكنه ليعيش في الشوارع والمحلات العامة أو لم يكن له مسكن، ووُجد في الحالة الموصوفة آنفاً.
         وسعياً وراء حل للحدث المعرّض للخطر؛ أعطت المادة 26 من القانون الجديد للقاضي، في أي من الأحوال المذكورة أعلاه، أن يتخذ لصالح الحدث تدابير الحماية أو الحرية المراقبة أو الإصلاح عند الإقتضاء، أما تدخّل القاضي فيكون بناء على شكوى الحدث أو أحد والديه أو أوليائه أو أوصيائه، أو الأشخاص المسؤولين عنه أو المندوب الإجتماعي أو النيابة العامة أو بناءً على إخبار، وعلى القاضي التدخّل تلقائياً في الحالات التي تستدعي العجلة. وعلى النيابة العامة أو قاضي الأحداث أن يأمر بإجراء تحقيق إجتماعي وأن يستمع إلى الحدث وذلك قبل اتخاذ أي تدبير بحقه ما لم يكن هناك عجلة في الأمر، فيكون ممكناً اتخاذ التدبير الملائم قبل استكمال الإجراءات السالف ذكرها، كما يمكن الإستعانة بالضابطة العدلية لتقصي المعلومات حول الموضوع.
         وبرأينا، أنه لم يكن من الضروري توريط الضابطة العدلية لتقصّي المعلومات، ما دام المندوب الإجتماعي هو المولّج القيام بالمهمة العائلية والإجتماعية العائدة للحدث باحتكاكه به وبعائلته، الأمر غير المرغوب بإتمامه من الضابطة العدلية والتي تقتصر مهمتها للتدخل في شؤون الأحداث على النواحي الأمنية دون غيرها.
         أما لجهة سرّ المهنة، فإن المشترع حسناً فعل في النص على أن لا يُعتبر إفشاءاً لسر المهنة ولا يقع تحت طائلة المادة 579 من قانون العقوبات اللبناني، أي إخبار يقدم إلى المرجع الصالح ممن هو مطّلع بحكم وضعه أو وظيفته أو فنه على ظروف الحدث المعرّض للخطر في الأحوال التي يكون فيها الحدث مهدداً، وهذا الأمر أكثر ما يعني الأطباء حين إحضار الأحداث من المشردين أو المتسولين في الشوارع إليهم وهم مصابون بحالات التعنيف الجسدي أو الجنسي.
         الملاحظ، إن النص الجديد لم يترك للمحكمة إمكانية إعادة النظر بقرارها في ضوء سلوك الحدث في المأوى الخاص بالمتسول أو المتشرد الذي وُجد فيه، إذ كان من الأفضل إتاحة الفرصة لها بعد فترة معقولة لتسليم الحدث، إذا وُجد له قريب حتى الدرجة الرابعة من أصحاب السيرة الحسنة أو إذا طلب أحد الأشخاص من أصحاب الثروة والسمعة الطيبة تسليمه إليه بضمان مناسب للعناية به وتربيته بناءً على تقرير اجتماعي من الجهة المكلفة بذلك، أو المسؤول عن المأوى، وفي ضوء ذلك تتخذ المحكمة الإجراء المناسب لمصلحة الحدث المتسول أو المتشرّد ولمستقبله الأفضل.

         ولعل في هذا التدبير مخرج مناسب لتعذّر قيام المؤسسات المعنيّة اليوم، خاصة في الظروف الإقتصادية الصعبة بالمهمة المطلوبة، باعتبار أن إنشاء مثل تلك المؤسسات يستدعي رصد مبالغ كبيرة لتأتي بالنتائج المرجوّة منها(1).

         أما المادة 29 من القانون اللبناني، والتي ينهي المشترع بها الباب الثالث حول أحكام الحدث المعرّض للخطر، فقد جاء في نص المادة المذكورة ما يلي:
          "في جميع الحالات السابق ذكرها، وأياً كان التدبير المفروض على الحدث، يبقى والدا هذا الأخير، ومن كان غيرهما ملزماً بالنفقة تجاهه، مسؤولين عن تأديتها، ويكون للقاضي الذي فرض التدبير بعد أن يستمع إلى الشخص المعين، أن يقرر ما يجب عليه تأديته من نفقة لتغطية تكاليف التدابير المقررة، وقراره لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة، وهو ينفذه وفقاً للأصول المرعية في قضايا النفقة بما في ذلك اللجوء إلى الحبس الإكراهي".

         ونرى أنه لا يبدو لهذا النص الجدّية المتوقعة في ضوء الواقعين الإجتماعي والإقتصادي للذين تقع عليهم موجبات دفع النفقة للأحداث في حال اتخاذ تدبير بحقهم من قبل القاضي المختص، ولا نرى أن فرض الأصول المرعية في قضايا النفقة بما في ذلك اللجوء إلى الحبس الإكراهي من شأنه حلّ المشكلة المطروحة، فالفقر في الغالب الأعم هو الذي يرعى أسرة الحدث المنحرف، فمن أين لهم الإنفاق؟ ومن أي منطلق نفرض أن ما يقرره قاضي الأحداث من نفقة لتغطية تكاليف التدابير المقررة، وجعل هذا القرار لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة؟!!

         وفي إطار موضوع الأطفال المعرّضين للخطر لا بد لنا من الرجوع إلى اتفاقية حقوق الطفل التي تهدف إلى تأمين الحماية الفعّالة للطفل، عبر منع أي شكل من أشكال العنف ولو كان يتمثّل بعقاب (المادة 37 من الاتفاقية) حيث تتعهد الحكومات بأن تتخذ إجراءات ضد "كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الإستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وتشير المادة على الخصوص إلى بيئة الأسرة وأوضاع الطفل وهو برعاية الوالدين أو أحدهما أو الوصي القانوني، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته" (المادة 19 من الاتفاقية).


         أما الحالات التي يجوز فيها تدخل الهيئات والأجهزة الحكومية، فقد حدّدتها مبادىء الرياض:
أ   – إذا تعرّض الطفل أو الحدث للإيذاء من الوالدين أو أولياء الأمر.
ب – إذا تعرّض الطفل أو الحدث للإعتداء الجنسي او للإيذاء الجسدي أو العاطفي من الوالدين أو أولياء الأمر.
ج – إذا أهمل الوالدان أو أولياء الأمر الطفل أو الحدث، أو تخلّوا عنه أو استغلوه.
د – إذا تعرّض الطفل أو الحدث لخطر جسدي أو أخلاقي، بسبب سلوك الوالدين أو أولياء الأمر.
هـ - إذا ظهر أي خطر جسدي ونفسي جسيم على سلوك الطفل أو الحدث، ولم يكن في وسع الوالدين أو أولياء الأمر أو الحدث نفسه، ولا خدمات المجتمع المحلي غير المنزلي، مواجهة هذا الخطر بوسائل أخرى غير الإيداع في المؤسسات الرعائية الرسمية.

         وفي حال توقيف الطفل؛ ضمِن القانون رقم 422/2002 السابق الإشارة إليه الضمانات القانونية لجهة حضور المندوب الإجتماعي وإلزامية إبلاغ أهله عن مكان وجوده والإجتماع إليه والإستماع إلى أقواله، إضافة إلى حضور المحامي، والسرّية المطلقة في التعاطي مع ملفات الأحداث المعرّضون للخطر؛ وهي إجراءات تنسجم مع مبادىء الأمم المتحدة التوجيهية لمنع جنوح الأحداث (مبادىء الرياض) والتي اعتمدتها الجمعية العامة للمنظمة الدولية بالقرار 45/112 الصادر في 14/12/1990 وهي متوافقة مع القانون اللبناني.

         هذا الجانب التشريعي في نطاق أطر المعالجة المحلية، يتخذ أهميته باعتباره نافذة على المواثيق والإتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية التي تشكل الحماية القانونية للأطفال، ولا يزال الأمر يتطلب المزيد من الجهود من أجل إدخال روح هذه الإتفاقيات والمواثيق إلى النصوص التشريعية اللبنانية، والعمل على ترجمة ذلك في برامج التنمية الإجتماعية الموجهة إلى الأطفال عن النواحي التطبيقية وبالوسائل المعتمدة في المجتمعات الراقية عن طريق المراجع الرسمية والهيئات الأهلية:


أ – إنطلاقاً من الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه، الذي دعا إلى توجيه العناية والدعم للأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة، أقرّ الموقّعون عليه الإلتزام ببرنامج لحماية حقوق الطفل وتحسين حياته، ومن أبرز أهدافه:
ـ العمل على تخفيف محنة الملايين من الأطفال الذين يعيشون ظروفاً صعبة مثل أطفال الشوارع والأطفال المشرّدين والمعوقين...

ـ وفي نصوص اتفاقية حقوق الطفل (ولبنان ملتزم بها) مجموعة من الحقوق التي ينبغي على الدول الأعضاء في الإتفاقية المذكورة مراعاتها واحترامها وأبرزها:
*  حق الطفل في الحماية من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية او العقلية... (المادة 19 المذكورة آنفاً).
*  للطفل المحروم بصفة مؤقتة أو دائمة من بيئته العائلية، الحق في حماية ومساعدة خاصتين توفرهما الدولة، ويمكن أن تشمل هذه الرعاية، الحضانة أو الكفالة الواردة في الشرع الإسلامي أو التبني أو عند الضرورة، الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال (المادة 20 من الإتفاقية الدوليّة).
*  لكل طفل الحق في الإنتفاع من الضمان الإجتماعي، بما في ذلك التأمين الإجتماعي، كما ينبغي منح الإعانات عند الإقتضاء، مع مراعاة موارد وظروف الطفل والأشخاص المسؤولين عن إعالته (المادة 26 من الإتفاقية الدوليّة).
*  تعترف الدول الأطراف بحق كل طفل في مستوى معيشي ملائم لنموّه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والإجتماعي، وتتقاسم المسؤولية في تأمين ذلك أسرة الطفل ووسائل الدعم التي توفرها الدولة (المادة 27 من الإتفاقية الدوليّة).
*  على الدول الأطراف أن توفّر لكل طفل التعليم الإبتدائي الإلزامي المجاني (المادة 28 من الإتفاقية نفسها).
*  على الدول الأطراف أن تعترف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الإستجمام المناسبة لعمره (المادة 31 من الإتفاقية).
         من جهتها القواعد النموذجية الدنيا لإدارة قضاء الأحداث (قواعد بكين) لعام 1985 (ولبنان ملتزم بها) الفقرة الثالثة منها، عُنيت بتوسيع نطاق القواعد النموذجية، لتوفير حماية أكثر شمولية للأحداث، فنص البند الأول منها على أن "لا يقتصر تطبيق الأحكام المختصة، والواردة في القواعد، على المجرمين الأحداث وحدهم، بل يشمل أيضاً الأحداث الذين يقاضون لسلوكٍ معين، لا يستوجب العقوبة إذا ما ارتكبه شخص بالغ (كالتغيّب عن المدرسة بغير إذن، والعصيان المدرسي والأُسري، والسُكر في الأماكن العامة) وما إلى ذلك".

         فيما أوضحت مبادىء الرياض التوجيهية 1990 (ولبنان ملتزم بها) لكنه مقصّر في تطبيقها، غايتها في الفقرة الأولى منها، إذ اعتبرت "إن منع جنوح الأحداث هو جزء جوهري من منع الجريمة في المجتمع، ومن خلال ممارسة أنشطة مشروعة، مفيدة اجتماعياً، والأخذ بنهج إنساني إزاء المجتمع والنظر إلى الحياة نظرة إنسانية، يمكن للأحداث أن يتجهوا إتجاهات سلوكية بعيدة عن الإجرام".

         وفي الجزء الثالث من هذه المبادىء، ركّزت على وضع خطط وقائية شاملة على المستويات الحكومية كافة، تتضمن تحليلاً عميقاً للمشكلة وتحديداً دقيقاً لمسؤوليات ذوي الأهلية من أجهزة ومؤسسات وموظفين، كما يرتكز على إنشاء آليات للتنسيق؛ وضع سياسات وبرامج واستراتيجيات، وإيجاد وسائل كفيلة بالحد من فرص ارتكاب الجنوح، وخاصة بالنسبة للأولاد المتروكين من المشرّدين والمتسولين في الشوارع، على سبيل المثال؛ إشتراك المجتمع المحلي، التعاون الوثيق بين السلطات المركزية والإقليمية والمحلية على المستوى الوطني، وإشتراك الشباب في سياسات وعمليات منع الجنوح، وتوظيف ذوي التخصص على جميع الأصعدة.
         وجاء في الجزء السادس من المبادىء نفسها دعوة إلى سنّ وإنفاذ تشريعات تمنع إيذاء الأطفال والأحداث وإساءة معاملتهم واستغلالهم واستخدامهم في الأنشطة غير القانونية، كما تدعو إلى عدم إخضاع أي طفل أو حدث، سواء في البيت أو المدرسة أو أي مؤسسة أخرى لتدابير تصحيحية أو عقابية قاسية مماثلة خاصة بالأولاد يضمن حقوقهم ومصالحهم...

ب – التشريعـات والأنظمة المحلّيـة:
         من جهته أدرج قانون العقوبات اللبناني (في الباب العاشر) وتحت عنوان: (الجرائم التي يرتكبها أشخاص خطرون بسبب عادات حياتهم) المواد القانونية الخاصة بأطفال الشوارع (من المتشردين والرحّل والمتسولين).

         وقد حدّدت المادة 617 من قانون العقوبات المذكور أعلاه عقوبة الحبس مع التشغيل لمدة شهر على الأقل، وستة أشهر على الأكثر لأبوي القاصر أو أهله المكلّفون إعالته وتربيته إذا لم يقوموا بأوده رغم اقتدارهم وتركوه متشرداً .
         كما فرضت المادة 618/عقوبات، عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين على كل من دفع قاصراً دون الثامنة عشرة من عمره إلى التسوّل جرّاً لمنفعة شخصية.

         أما فيما يتعلق بتسوّل أو تشرّد الرحل والبدو، فلم يحدد القانون عقوبة بشأنها، بل اقتصرت العقوبة في ما خصّهم على حال التجوّل دون بطاقة هوية محتوية على قياساته الجسدية أو لا يثبت أنه طلبها من السلطة، وذلك بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، أو أن يوضع تحت المراقبة، كما يمكن أن يحكم عليه بالطرد من البلاد. (المادتان 619 و620 عقوبات).

ج – الأجهزة والهيئات الرسمية المتابعة لمشكلة أطفال الشوارع ميدانياً:

         الواقع؛ أن النشاط الرسمي في هذا الإتجاه لا يزال مقتصراً على مكافحة ذيول هذه المشكلة وآثارها الميدانية، دون التعرّض لأصولها الإجتماعية او الإقتصادية وحتى التربوية.

         وإذا كانت سنوات الأحداث الطوال قد حالت دون تطوير البنى والهيئات العاملة في هذا الحقل، فإن نشاط القائم منها قد تقلّص أمام اتساع حجم المشكلات التي أفرزتها الحرب اللبنانية.
         وعلينا أن نعترف بأن التقدم في هذا الإتجاه سيكون بالضرورة تدريجياً، إذ لا يمكن توقّع حدوث تغيير ملموس إلا على المدى الطويل.


         منذ العام 1995 كانت تتولى متابعة هذه المشكلة جهات تمثل وزارات العدل والداخلية والشؤون الإجتماعية، وقد أناطت الأنظمة بكل منها جملة من المسؤوليات والمهام:
ـ  فعلى صعيد وزارة الداخلية؛ أنيطت بجهاز قوى الشرطة مهمة ملاحقة المتشردين والمتسولين من الأولاد وتوقيفهم، كما صدر قرار قضى بتشكيل لجنة مشتركة تضم إلى الشرطة مندوبين من مصلحة الرعاية الإجتماعية والشؤون الأسريّة في وزارة الشؤون الإجتماعية، ومن مديرية الشباب والرياضة، إضافة إلى ممثلين عن المؤسسات الرعائية والإجتماعية الأهلية، لمتابعة مشكلة المشرّدين من الأطفال والعمل على إيجاد الحلول لها، لكن عمل هذه اللجنة تعطّل لأسباب مجهولة.
وفي العـام 2000 عمدت قيادة الشرطة إلى استحداث مركز لإيواء المتشردين والمتسولين، هو الوحيد في لبنان، مركزه العاصمة بيروت، وذلك في محاولة للحدّ من ظاهرة التسوّل التي انتشرت في شوارع المدن الكبرى وضبطها ميدانياً، غير أن هذا المركز الذي أشرفت عليه فرقة من الشرطة مع بعض المساعدين الإجتماعيين، كان مركزاً مؤقتاً محدود الإمكانيات، وهو غير مؤهل للإيواء بالمعنى المطلوب، وبالتالي اقتصر عمل المركز على إيواء المتسولين والمشرّدين الذين تجمعهم الشرطة من الشوارع من مختلف الأعمار دون الثامنة عشرة، ولساعات محدودة يجري في أثنائها استجواب الموقوفين وتسجيل هوياتهم ثم يُخلى سبيلهم أو يسلّم بعضهم إلى ذويه.

ـ  وعلى صعيد وزارة الشؤون الإجتماعية؛ وهي استُحدثت بموجب القانون رقم 212 عام 1993، تعنى مديرية الخدمات الإجتماعية بمشكلة المتشردين من خلال المهام التي أنيطت بمصلحة الرعاية الإجتماعية ومصلحة الشؤون الأسرية، وتتضمن هذه المهام الإهتمام بشؤون الأسرة، وبالحالات الطارئة التي تستوجب الإسعاف الإجتماعي والإغاثة، ومعالجة النتائج الإجتماعية للضائقة الإقتصادية بعد الأحداث اللبنانية، بالإضافة إلى ذلك تنسيق العمل بين الدولة وبين مؤسسات المجتمع المدني، كذلك، شكّل إنشاء المجلس الأعلى للطفولة، مؤخراً، خطوة متقدمة على صعيد وضع استراتيجية عامة لرعاية الطفولة، والقيام بالتنسيق المطلوب بين الوزارات المعنية للتكامل المطلبي بين القطاعين الرسمي والأهلي، إلا أن هذا المجلس لم يكن له مساهمة مباشرة حتى الآن في العمل وحيداً لأخذ المبادرة تمهيداً لحل مشكلة أطفال الشوارع.

ـ  أما على صعيد وزارة العدل؛ فيعتبر تأسيس جمعية الإتحاد لحماية الأحداث في لبنان، وهي جمعية معتبرة من المنافع العامة بموجب المرسوم رقم 29 تاريخ 17/10/1939، من البنى شبه الرسمية التي أناطت بها القوانين الإعتناء بشؤون الأحداث عامة، والذين هم بحاجة إلى العناية والوقاية بمواجهة وقوعهم في مهاوي الإنحراف، ومن هؤلاء بالطبع الأحداث المعرّضون لخطر الإنحراف كونهم من المتسولين أو المشردين في الشوارع؛ ولكن، ولأسباب مادية وتقنية اقتصر دور هذه الجمعية الفعلي على الإهتمام بنوع خاص من الأحداث ممن ارتكبوا الجرائم العادية وأحيلوا إلى محاكم الأحداث، إضافة إلى القيام بالأبحاث الإجتماعية من أجل فرض التدابير الإصلاحية الملائمة بحق هؤلاء الأحداث، وثمة أمثلة كثيرة من التقارير الأمنية تفيد أن عدداً منهم عاشوا حالات من التشرّد والتسوّل والمبيت في الشارع، قبل أن ينتهي بهم الأمر إلى الإنحراف.

ـ  أما على الصعيد الأهلي؛ فقد انضوى في إطار الهيئة الوطنية ليوم الطفل اللبناني (التي انبثقت في العام 1993 عن جمعية رعاية الطفل اللبناني) مجموعة كبيرة من الجمعيات والإتحادات الأهلية اللبنانية العاملة في حقول الرعاية الخاصة بالطفولة، إلا أن نشاطاتها بقيت مقتصرة على بعض المجالات البعيدة عن العناية بوقاية الأطفال ولا سيما أطفال الشوارع منهم، ولم يكن لهم أية مبادرة لمساعدتهم سواء على مستوى التمثيل القانوني أو إرسال مساعدة اجتماعية مجانية لمرافقة طفل الشارع عند القبض عليه أو تعريف الأطفال بحقوقهم، أو إيجاد بدائل لأمكنة توقيفهم أو حجزهم بعيداً عن الراشدين من المذنبين، ولا تأهيل هؤلاء نفسياً أو مهنياً لإعادة دمجهم في المجتمع بالشكل الذي يضمن لهم مستقبلاً بعيداً عن مخاطر الشارع، إضافة إلى السعي للحصول على أوراق شخصية تثبت هويتهم كما تنص على ذلك مواد الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل.


         والملاحظ أن مختلف النصوص القانونية التي أوردناها في الفقرة – ب – آنفاً لم تكن – حتى اليوم – كافية لتلبية المبادىء التي التزم بها لبنان سواء تلك العائدة لقواعد بكين أم لقواعد الرياض، إذ أن اتجاه المشترع كان نحو استعمال الوسائل القمعية بواسطة الشرطة أو تشديد الأحكام الصادرة بحق أطفال الشوارع بواسطة المحاكم المختصة، الأمر الذي لا يساهم من قريب أو بعيد في إيجاد الحلول المناسبة لمشكلة ظاهرة هؤلاء الأطفال مستقبلاً؛ وهو تقصير طالما نبّهت إليه لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل في جنيف أثناء مناقشتها لتقرير لبنان الوطني الأخير عام 1996، وهو ما سيتكرر حصوله بالنسبة لمناقشة التقرير الوطني الثالث الصادر عام 2003.

         إذ يلاحظ من مراجعة محتوياته، عدم اهتمام الجهات الرسمية أو الأهلية مباشرة أو بطريقة غير مباشرة بمعالجة المسائل الناشئة عن الإنحراف قبل وقوعها، بوضع الإستراتيجيات المطلوبة وقائياً وليس انتظار حصول الإنحراف، فعندها تصبح المعالجة صعبة وأكثر تكلفة اقتصادياً.

         فما هو عليه الوضع اليوم في لبنان، والمقترحات أو التوصيات المطلوبة لتحسينه وتطويره؟! في الجوانب القانونية منه؟

         هذا ما سيشكل موضوع القسم الثاني من هذه الدراسة.



القســم الثانـيالجوانب القانونية والمقترحات المتمّمة لها


         إن أول آلية طرحت من أجل حل مشكلة أطفال الشوارع كانت عن طريق وزارة الشؤون الإجتماعية خلال العام 1999 وخلاصتها:
* تجمع وزارة الداخلية (قوى الأمن الداخلي) أطفال الشوارع حتى عمر الثامنة عشرة.
* تبلّغ قوى الأمن الداخلي، المدعي العام بعدد الأطفال الذين تم تجميعهم.
* يُسمّي المدعي العام المؤسسة الإجتماعية التي على قوى الأمن الداخلي أن يرسلوا الأطفال إليها وهو يختار هذه المؤسسة من لائحة أسماء المؤسسات المؤهّلة لذلك، تزوّده بها وزارة الشؤون الإجتماعية.
* تؤخذ إفادات الأطفال وينظّم محضر معلومات عنهم في المؤسسة الإجتماعية، بحضور المُسـاعِدة الإجتماعية المنتدبة من قِبَل وزارة الشؤون الإجتماعية أو وزارة العدل.
* يتثبّت الأمن العام من جنسية الأطفال الموقوفين بالتنسيق مع المؤسسة الإجتماعية.

* في ضوء دراسة الجنسية وبعد التحقيق الإجتماعي الذي تجريه المساعِدة الإجتماعية، يتقرر أحد الأمور الآتية:
1 – إرجاع الطفل اللبناني إلى أهله مع تعهّد هؤلاء بعدم السماح له أو دفعه مجدداً إلى الشارع تحت طائلة عقوبة تسييب الأطفال المنصوص عنها في المادتين 498 و500 من قانون العقوبات اللبناني العام.

2 – وضع الطفل اللبناني في مؤسسة اجتماعية بموجب قرار رعاية اجتماعية يصدر عن وزارة الشؤون الإجتماعية وبرضى الأهل في حال وجودهم.


3 – وضع الطفل اللبناني في مؤسسة للرعاية المتخصصة بموجب قرار يصدر عن وزارة الشؤون الإجتماعية، وبرضى الأهل أو بعد وقف السلطة الوالدية من قبل المراجع القضائية المختصة.

4 – تحويل الطفل الصادر بحقه حكم سابق إلى محكمة الأحداث.

5 – إعادة الطفل غير اللبناني إلى بلده الأصلي وضمان عدم عودته مجدداً.

6 – أما الطفل مكتوم القيد الذي لا يستوثق من جنسيته ومن وجود أهل له، في هذه الحالة تصدر مديرية الأمن العام وثيقة إثبات له.

         لقد تأخّر اعتماد بعض آليات هذه الخطة وبعضها لم يطبّق في الأساس بسبب عدم وجود مؤسسات رعاية وعلى المستوى الإنساني المطلوب.
         وفي العام نفسه عرضت وزارة الشؤون الإجتماعية فكرة مشروع إيواء وتأهيل أطفال الشوارع على المجلس الوطني للخدمة الإجتماعية بغية تعميمها على جميع مؤسساته فتقدّمت الجمعية الإنجيلية اللبنانية بمبادرتها في هذا السبيل، وبنتيجة المفاوضة تم الإتفاق على المبادىء المطلوبة لهذه الجهة.

         أما الفئة المستهدفة من أطفال الشوارع، في المؤسسة المذكورة، فهم:
أ – الأطفال المعرّضين للإنحراف من سن 3 حتى سن 13.
ب – الـذكور والإنـاث.
ج – منحرفين ومنحرفات (وفقاً لقانون الأحداث).
د – المتسولون والمتسولات.
هـ - المتشردون والمتشردات.
و – المنبوذون والمنبوذات (بسبب عاهاتهم الجسدية والعقلية).
ز – يوجد بين هؤلاء الأولاد من يتعاطى المواد المخدّرة ولا سيما السائلة منها بالإضافة إلى التدخين.

         يؤمّن هذا المركز إيواءً مناسباً وتأهيلاً اجتماعياً تربوياً ومهنياً جزئياً (المشاغل المطلوبة حتى الآن غير مؤمّنة).

         أما الوسـائل المتّبعـة فهي:
أ – التعرّف على أوضاع الأطفال وأحوالهم وسلوكهم ومعيشتهم من خلال زيارات ميدانية في الشارع وفي الأحياء السكنية لا سيما المكتظّة منها (جنوب بيروت وشمالها ووسط مدينة طرابلس في الشمال).
ب – تحديد الأولويات من حيث الرعاية الإجتماعية والإحتياطات الخاصة.
ج – وضع خطة عامة للتعاون مع الوزارات المختصة لتأهيل الطفل والأهل.
د – الإتصال والتواصل مع الأهل لتوعيتهم على أهمية احترام حقوق الطفل لتجنيب إقامة أولادهم وتركهم في الشوارع، ومن حيث إعلامهم أن قانون العقوبات العام يعاقب الأهل الذين يدفعون أولادهم إلى التسول والسرقة والتشرد.

         كما تبيّن أن بين هؤلاء من أصيب بعاهات جسدية (الجهاز العصبي أو العضلي، والعظمي)، مما يدفع بالأهل الفقراء إلى استغلال هذه الظواهر الضعيفة وتحوّلها إلى مورد رزق فيجعلون من الطفل المصاب متسولاً متشرداً يقضي كل وقته منشغلاً من شارع إلى آخر تارة لوحده وطوراً بصحبة ذويه، إلى جانب إعاقات حسية (كفقدان البصر أو العقلية – العصبية).
         الجمعية المذكورة عاجزة حتى الآن عن استقبال هكذا حالات لضعف مواردها المالية والبشرية معاً.

         ومن خلال إطلاعنا على كيفية العمل مع هؤلاء الأطفال في المؤسسة، لاحظنا تنفيذ خمسة مشاريع هامة للمساعدة على تأهيل طفل الشارع، وهي:
1 – برنامج الحفاظ على حق الطفل بالحياة.
2 – برنامج الإهتمام بصحته العامة.
3 – برنامج الإنفتاح على الحياة وحمايتها من خلال رحلات وزيارات متنوعة أسبوعية أو نصف شهرية خارج مبنى المؤسسة، ولا سيما للآثارات والمتاحف.
4 – برنامج رفع مستوى الثقافة، كمحوّ الأميّة.
5 – برنامج تنمية الحسّ البيئي.

ـ أهـم الصعوبات:
أولاً: إن آلية العمل التي وُضعت من قبل اللجنة العليا لمشروع تأهيل ورعاية أطفال الشوارع، وضعت المدعي العام في موقع يقرّر فيه الوقت والمدة التي يسلّم الطفل فيها إلى المؤسسة، ومنها يسلّم إلى ذويه أو من ينوب عنهم.
إن المدعي العام بصفته هذه يتعامل مع هؤلاء الأطفال وذويهم من الناحية القانونية الصرف، وبدون استشارة المؤسسة أو المساعدات الإجتماعية فيها؛ ولكنه بدافع تطبيق القانون يسيء بطريقة غير مباشرة إلى عملية تأهيل الأطفال في المؤسسة المعنية ويرجعهم ثانية إلى الشارع؛ والسبب هنا يعود إلى تقصير الجهات المؤهّلة للقضاة في معهد القضاء حول هذه الناحية وعدم الإهتمام بها تبعاً لثقافة تقليدية تعتبر الأمر ليس على المستوى المطلوب بالنسبة للقاضي وتناسي أو إهمال دور هذا الأخير كمُصلح اجتماعي.

ثانياً: معظم الأطفال الذين يسلّمون إلى ذويهم يعودون فوراً إلى الشارع طلباً للتسوّل، ولا تجري ملاحقة بحقهم بحسب المادتين (498 و500) من قانون العقوبات العام ولا يوجد اهتمام من السلطات الأمنية رغم الإبلاغ عن حالات تكرار دخول إلى المؤسسة المعنية.

ثالثاً: عدم التجاوب في مبادرة عرض حالة كل طفل على قاضي الأحداث، حتى يتسنى له الحكم بإيداع أو إيواء الطفل المعرّض للإنحراف في المؤسسة. وعندها يمكث هذا الطفل المدة المحددة في الحكم (والأفضل أن لا تقل عن سنة واحدة)، من دون تدخل الأهل أو المدعي العام.

رابعاً: إن تعاميم قوى الأمن وجوّ عملها ترى أن ملاحقة أطفال الشوارع ليست أولوية لديها، ما يؤدي إلى جعل هؤلاء يجولون ويتسكعون في الشوارع دون خوف من أن قوى الأمن سوف تسوقهم إلى المؤسسة. والمطلوب تخصيص دوريات خاصة من الشرطة معدّة ومثقّفة وبلباس مدني وبدوام كامل للقيام بهذه المهمة بشكل مستقل.


إن أهمية معرفة الطفل بأن وجوده في الشارع سوف يعرّضه للملاحقة يجعله يتحاشى الشارع، وهذه أولى الحلول المحتملة.

خامساً: لقد وفّر القانون اللبناني لطفل الشارع بعض الضمانات (كونه معرّضاً للخطر ومن خلال قانون حقوق الحدث رقم 422 الصادر في 6/6/2002)؛ فضمِن له في مرحلتي التحقيق والتوقيف:
ـ ضرورة حضور المندوب الإجتماعي.
ـ وإبــلاغ الأهل.
كما فرض القانون تدابير الحماية أو الحرية لمراقبته وهي تدابير غير مانعة للحرية.

ـ من الناحية العملية: نجد أن قلّة المندوبين الإجتماعيين المصرّح لهم استناداً إلى القانون متابعة ملفات الأحداث؛ وعدم قدرتهم على تأمين التغطية الجغرافية الكاملة بجميع أقسام الشرطة والمحاكم يحول دون وجود التقرير الإجتماعي الذي يغطي جوانب حياة الطفل وبالتالي اقتراح ما يناسب هذا الأخير بمشاركته هو وبالتشاور معه وإذا أمكن مع ذويه.

         في هذه الحالة يصدر قاضي التحقيق قراره بتحويل أطفال الشوارع إلى المؤسسة (طالباً رعايتها لهم)، إنما من دون أن يحدد الفترة الزمنية التي يجب أن يقضيها الطفل في المؤسسة، أو الإشارة إلى نوعية الخدمات التي يجب أن تتوافر للطفل.
         هذا فضلاً عما قد يتعرّض له أطفال الشوارع أثناء الإحتجاز والتوقيف من إيذاء جسدي أو معنوي من رجال الشرطة غير المدرّبين على معاملتهم؛ وإن وُجدوا، فإن طبيعة المداورة في عمل الوحدات الأمنية وتبدّلها يحول دون بناء قدرات رجال الشرطة للقيام بهذه المهمة وتنتفي عندها الإفادة الكاملة والمستدامة.
         وبالنظر للخصوصية اللبنانية فيما يتعلق بأطفال الشوارع لناحية تعدد الجنسيات واختلافها، وبالتالي التباين في الإجراءات اللاحقة، وكذلك تمايز الأطفال فيما بينهم، فلكل حالة إجراء خاص ويحتاج إلى متابعة لدى الجهات والمراجع المعنية.

ـ مثـلاً:
*  بالنسبة إلى الطفل اللبناني الجنسية؛ يحق للأهل الحصول على موافقة النيابة العامة بتقديم طلب استلام الطفل مقابل تعهّد منهم بعدم عودة الطفل إلى الشارع (هذا إذا كان لديه أهل وأوراق ثبوتية).
*  بالنسبة لطفل من جنسيات عربية؛ يرحّل بواسطة الأمن العام إلى بلاده.

         هذا فضلاً عن جنسيات أخرى (قيد الدرس أو البدو) والملفت أنه لكل محافظة أو منطقة جغرافية لبنانية خصوصية محددة لجهة استقطاب أطفال شوارع من جنسية معينة (مثلاً في محافظة الجنوب – فلسطيني؛ في محافظة بيروت – لبناني؛ وفي محافظة الشمال – سوري).

         وهنا تثار مشكلة الحصول على أوراق ثبوتية لطفل الشارع، ووجوب العمل على إيجاد آلية قانونية غير معقّدة تسهّل له وللذين لا يملكونها من الإستحصال عليها، وذلك عملاً بمواد الإتفاقية الدولية التي تنص على وجوب أن يكون لكل طفل إسم وجنسية.
         وواقع الحال أنه لحصول الطفل اللبناني على الأوراق المطلوبة يحتاج الأمر إلى وقت من سنة إلى ست سنوات، إذ أن الأمر يستدعي تكليف محامٍ ومعرفة مكان وجود الأهل والحصول كمرحلة أولى على وثيقة ولادة، كما إذا تعذّر العمل مع الأهل فمع أقاربهم، والبعض من هؤلاء الأطفال لا يزال يحمل إفادة تعريف من المحكمة به كالإسم والعمر والطائفة ومحل الإقامة، وقد بلغ بعضهم سن الثامنة عشرة؛ ولا يزال يحمل هذه الإفادة.

         أما بالنسبة إلى الأجنبي، فالمشكلة تزداد تعقيداً، وأقرب البلدان سوريا أو الأردن أو العراق، ومثال على ذلك التعامل بالموضوع مع الطفل السوري، حيث أن نظام الهوية لديهم لا يعطي هوية دائمة مباشرة بعد الولادة وإنما أوراق تشبه أوراق الإقامة والمجددة كل فترة زمنية وأخرى، هذا إذا عثر على الأهل في سوريا لإفادة ابنهم من إثبات هويته في المؤسسة.


سادساً: قلّة عدد المؤسسات المتخصصة التي ترعى أطفال الشوارع وضعف القدرة والمهارات التخصصية للموارد البشرية للتعامل مع هذه الفئات؛ إلى جانب النقص في البرامج الخاصة بأطفال الشوارع لناحية الشمولية والخصوصية لكل حالة حسب احتياجاتها.

سابعاً: عدم وجود الرقابة أو العناية اللاحقة "After Care" إذ يلاحظ انعدام وجود مكان يتوجه إليه الطفل عند بلوغه سن الثامنة عشرة وهو لا يزال بحاجة إلى متابعة وتأهيل، والبديل بالطبع عودته من حيث أتى، إلى الشارع.

ثامناً: على مستوى الوقاية، لا يوجد بين عناصر الشرطة من توكّل إليهم مهمة رصد وتلقّي شكاوى الجمعيات الأهلية العاملة في هذا المجال لناحية التبليغ عن بؤر وأماكن تشكّل أدوات لاستغلال الأطفال وانتهاك حقوقهم، وفي بعض الأحيان بشكل علني كونهم يقيمون في الشوارع.

تاسعاً: هناك ضعف واضح لغياب الرقابة وضبط الحدود مع الدول المجاورة، مما يساعد على إدخال الأطفال إلى الأراضي اللبنانية بأشكال غير شرعية ولا سيما أنهم يكونون بدون مرافقة ذويهم وبدون أن يحملوا مستندات رسمية تثبت هوياتهم ومحل إقاماتهم الأصلية؛ الأمر الذي يزيد في صعوبة إشراك أُسر المجتمع المدني والمجتمعات المحليّة في الحلول باعتبارهم جزء من المشكلة.



فصــل خاص

         بالمقابـل، فإننا، ومن منطلق مصلحة الطفل الفضلى التي نصّت عليها الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل والبروتوكولات الملحقة بها، نرى وضع فصل يضاف إلى قانون الطفل اللبناني في حال توحيده؛ أو اعتباره قانون خاص بطفل الشارع أو إلحاقه بالقانون العائد للأحداث المعرّضين لخطر الإنحراف (قانون 422/2002).

المـادة 1: لأغراض هذا القانون، يعني طفل الشارع كل إنسان، بين سن الخامسة والثامنة عشرة وُجد مشرّداً أو متسولاً أصبح الشارع له محل إقامته المعتاد وهو لا يحصل على الحماية الكافية، ويشتمل كذلك على الأطفال اللقطاء؛ الأطفال المتسربون من المدارس؛ الأطفال غير المتكيفين مع البيئة؛ أطفال بلا أسرة ويتعرضون للمخاطر اليومية.

المـادة 2: تقوم مجموعة من شرطة الأحداث بالتعاطي مع طفل الشارع كجزء من مهمة الحماية لهذا الطفل والتعامل معه دون اعتباره منحرفاً أو مرتكباً لجرم معاقب عنه في القانون وبالتنسيق مع الجهات المعنية بأوضاعه الجسدية والمعنوية معاً.

المـادة 3: يكون للنيابة العامة دور المنسّق مع شرطة الأحداث لجهة توجيه طفل الشارع وتقصّي أحواله والإطلاع على أوضاعه ومن ثم توجيهه إلى المؤسسة المعنيّة بالعناية به وحمايته.

المـادة 4: لا تجري أية تحقيقات من قبل الضابطة العدلية إلا بوجود مساعد اجتماعي بدون مقابل، يكون له دور المراقب والراعي لطفل الشارع بالتعاون مع الشرطة والنيابة العامة وأهل الطفل في حال وجودهم، وهو يهتم بالعمل على إيوائه وبالوسائل المتاحة وبالسرعة الممكنة التي تضمن ابتعاده عن مكان وجوده في الشارع.

المـادة 5: يعمل المساعد الإجتماعي على إيجاد بدائل لحرمان طفل الشارع من حريته والحؤول دون حجزه مع الكبار والإسراع في إيجاد المأوى المناسب له بالتنسيق مع النيابة العامة؛ وينضم إلى المساعد المذكور، مساعد قانوني يدافع عن مصالحه ويتابعها بدون مقابل.

المـادة 6: يقوم قاضي الأسرة بالتعرّف على أوضاع الطفل الإجتماعية والإقتصادية والمعيشية عن طريق الملف الذي يعدّه المساعد الإجتماعي وهو يقرّر في ضوئه التدبير الآيل إلى حمايته من مساوىء الشارع، كما بإمكانه منحه الأوراق المثبتة لهويته مثل شهادة الميلاد مثلاً، والوثائق المثبتة لحالته المدنية؛ مع إمكانية المتابعة واستمرار المراجعة بشأنه.

المـادة 7:  في كل الإجراءات التي تستلزم مصاريف إدارية أو قضائية يكون لطفل الشارع الحق في الحصول على المعونة المالية وبالشكل الذي يمكّنه من الدفاع عن نفسه وإيجاد الوسائل التي تؤمّن حمايته وتلك الكفيلة باستعادة إدماجه في المجتمع.

المـادة 8:  يقوم المساعد الإجتماعي بتأمين تعريف طفل الشارع بحقوقه تجاه القائمين على تطبيق القانون في حال القبض عليه وفي المراحل اللاحقة لتلك المرحلة.

المـادة 9:  يكون لطفل الشارع الإمكانية للإعلام عن وضعه للجهات المختصة ولا سيما عند تعرّضه للعنف أو التعدي بجميع أشكاله حماية لنفسه؛ وللجمعيات الأهلية القيام بالدور نفسه، إضافة إلى إمكانية مقاضاة الجهة المعتدية مباشرة أو عن طريق النيابة العامة.

المـادة 10:  في كل الإجراءات والملاحقات المشار إليها في مواد هذا القانون، لا يعتبر طفل الشارع منحرفاً أو مداناً، وإنما تكون الغاية من ذلك، العمل على تأهيله نفسياً ومهنياً تمهيداً لإعادة دمجه في المجتمع.

المـادة 11:  إن إيداع طفل الشارع في المؤسسات المغلقة يعتبر تدبيراً صعباً وأخيراً، وعلى أن يكون محدداً بمدة زمنية قصيرة ومقروناً بإخضاعه لبرامج تدعيمية تلائم احتياجاته، مع الأخذ برأيه؛ وإشراك الأهل في ذلك ومتابعتهم لوضعه في حال وجودهم.

المـادة 12:  تقوم الجهات المختصة في البحث عن بدائل للمؤسسات المغلقة المختلفة، مثل تلك التي تستقبل الأطفال ضمن فترات محددة، وهي تعمل في الوقت نفسه مع الأسرة لتهيئتها لاستعادة طفلها، وإلا استقباله من عائلات بديلة.

المـادة 13:  تصنّف المؤسسات التي تستقبل أطفال الشوارع وفق معايير خاصة وبالتالي من يعمل فيها والخدمات والبرامج الشاملة التي تقدمها إضافة إلى تحديد الشروط البيئية والصحية والتربوية الواجب توافرها داخل المؤسسات المختصة.

المـادة 14:  تفرض عقوبات على المعتدين على أطفال الشوارع ويصار إلى تشديدها في حال التكرار، وبالنسبة إلى أهاليهم توضع شروط صعبة لقبول تعهّدهم مقابل عدم تسييب أطفالهم في الشارع.

المـادة 15:   من أجل مصالح أطفال الشوارع غير اللبنانيين، تعقد اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف بين لبنان والدول المجاورة بغية وضع آلية قانونية وإجرائية تفصيلية من قبل الجهات الرسميّة تحدد كيفية التعاطي مع أطفال الشوارع من جنسيات تلك الدول والمتواجدين في لبنان وبكل ما يمسّ مصالح هؤلاء وسُبُل حمايتهم.




المـادة 16: تعمل الجهات المعنيّة المختصة، كلٌ في المجال الذي يعود إليها على وضع المراسيم والقرارات التطبيقية المساعدة على تنفيذ ما جاء في مندرجات المواد السابقة.

         تجدر الإشارة هنا أن الأفكار الواردة في هذه النصوص المقترحة يمكن إعادة النظر في صياغتها في حال إعادة دراسة مضمونها كما تستحق وضع الأسباب الموجبة لها...


إستنتاجات عامــة

         من كل ما تقدم، يبدو لنا أن مشكلة أطفال الشوارع في لبنان يشوبها عدد من العوائق المختلفة والتحديات المتنوعة، وهي كثيرة، سوف نذكر أهمها:

1 – على مستوى الظاهرة:
عدم وجود تعريف دقيق واضح ومحدّد ضمن قانون لطفل الشارع في لبنان، ويكون معروفاً لدى المراجع الرسمية المسؤولة، والأمر يعود إلى أسباب متعددة، منها:

ـ  الإعتقاد السائد لدى الناس عن أطفال الشوارع في لبنان، باعتبار معظمهم من غير الجنسية اللبنانية وإنما ينتمون إلى جنسيات أخرى، وبالتالي لا ضرورة للإهتمام بوضعهم، والإكتفاء بترحيلهم؛ والحال أن اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل حمّلت الدول الأعضاء فيها المسؤولية عن أي طفل ولأية جنسية انتمى.

ـ  تداخل ظاهرة أطفال الشوارع مع الأطفال العاملين، وبالتالي عدم الفصل بين هاتين الفئتين.

ـ عدم القدرة على تحديد رؤية مستقبلية واستراتيجية عمل موحّدة لتوفير الحماية لأطفال الشوارع بالنظر لتداخل صلاحيات المراجع الرسمية، وتعدد الجهات المعنية بالمشكلة وعدم القدرة على توزيع الأدوار.

2 – على مستوى السياسات الحكومية:
أ – النقص الحاصل في توفير التعليم العام لكل الأطفال، وتعزيز النظم المدرسية ودعمها، حؤولاً دون انقطاع الأطفال عن المدارس وتسكّعهم في الشارع، وكذلك عدم الأخذ بالسياسات التعليمية المتطوّرة واعتماد برامج وتدريب مهني متخصّص للأطفال المهيئين لأن يكونوا من أطفال الشوارع.


ب – إن الجهات المسؤولة عن الموازنة العامة لا تعطي الأولوية لوضع الخطط التي من شأنها – من الناحية المالية – توفير الخدمات والبرامج المطلوبة لحماية أطفال الشوارع.

ج – هناك ضعف ظاهر في أجهزة الرقابة لناحية تطبيق القوانين المرعية الإجراء – على قلّتها – حالياً، إضافة لعدم وجود آليات رصد مستقلة من شأنها التعرّف على الإنتهاكات الحاصلة على الأطفال عامة وأطفال الشوارع بصورة خاصة.

3 – على مستوى الجمعيات الأهلية:
أ  – عدد الجمعيات الأهلية المهتمّة بالموضوع قليل وإن وُجد البعض منها فهو يفتقر إلى التخصصّية.

ب – ضعف الموارد المالية والإمكانات المتاحة لدى مؤسسات المجتمع الأهلي.

ج – ضعف التنسيق بين تلك الجمعيات العاملة والتشبيك في مجال حماية الطفولة، وهو من شأنه توفير التنوع في الخدمات والبرامج للعمل على التصدّي لظاهرة أطفال الشوارع.

د – هناك قصور وعدم وعي وتوعية لدى الإدارات والمجالس المحلّية للعب الدور التنموي المطلوب منها بالسعي لإيجاد مرافق ومراكز عامة تلبي ما لدى أطفال الشوارع من احتياجات ومشاكل وبالتالي توفير المساعدة لهم ولأُسرهم.

هـ - إن وسائل الإعلام بمختلف فروعها غائبة عن بث الوعي والترويج لحق طفل الشارع في الحماية وإشراكه مع أهله في حل مشاكله من خلال الحصول على تلك الحماية كحق مكرّس في الإتفاقيات الدولية والقوانين وليس من منطلق العمل الخيري ومظاهر الشفقة.

         إن من شأن ذلك تغيير النظرة الإجتماعية لأطفال الشوارع وتشجيع المجتمع المدني على تقبّلهم وتقديم الدعم والمساندة لهم.
         إن ما يدعونا لذكر كل ما تقدم، أن الإهتمام الدولي المعاصر، أصبح يظهر؛ على الأقل، من خلال نشاطين هامين:

         النشـاط الأول، يتمثل بالدراسة التي يعدّها الأمين العام للأمم المتحدة والمتعلقة بمسألة العنف ضد الأطفال، ومنهم أطفال الشوارع، من خلال استبيان مفصّل موجّه إلى الحكومات الأعضاء في المنظمة الدوليّة، بناءً على طلب الجمعية العامة في قرارها رقم 57/190(1).

         لقد صار التأكيد على أن هذه الدراسة؛ "ينبغي أن تؤدي إلى وضع استراتيجيات ترمي إلى الوقاية من جميع أشكال العنف ضد الأطفال ومكافحتها، بصورة فعّالة، مع إبراز الخطوات الواجب اتخاذها على المستوى الدولي، وكذلك من قِبَل الدول للقيام بتوفير الوقاية والحماية والتدخّل والعلاج والتأهيل وإعادة الإدماج...".

         الجمعيّة العامة دعت من جهتها إلى إجراء هذه الدراسة لتقديم توصيات تنظر فيها الدول الأعضاء من أجل اتخاذ الإجراءات المناسبة، بما في ذلك فعاليّة التدابير الوقائية والتأهيلية لهؤلاء الأطفال.

         أما النشـاط الثاني، فيظهر في نشاط لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، في جنيف، بتخصيص يوم كامل حول موضوع أطفال الشوارع، وقد حصل ذلك في 16/9/2005، وبحضور أربعة خبراء دوليين بالموضوع، إضافة إلى ممثل عن الإتحاد الأوروبي ومنظمة اليونيسيف، حيث أكد أعضاء اللجنة المذكورة وجود ضعف ظاهر في تعاطي الدول مع هذه الفئة من الأطفال في علاقتها مع العائلات الأصلية أو البديلة أو المؤسسة المعتمدة للقيام بهذه المهمة، إضافة إلى عدم سماع رأي الطفل في الإجراءات الرسمية، سواء الإدارية أو القضائية المتخذة بحقه، وكذلك التأكيد على اللجوء إلى الحوار مع الأهل أو البديل عنهم، كي لا يكون هناك انفصال، وبالتالي يصبح الأولاد عندها سكنى الشوارع، وقد أكد ممثل الإتحاد الأوروبي في هذا النقاش على السعي منذ التسعينات لإبعاد هؤلاء الأولاد عن المؤسسات ولا سيما المعوّقين منهم أو المنتسبين إلى إثنيات مختلفة، والسبب هو غياب الرقابة الفعّالة على تلك المؤسسات، كما صار اقتراح إصدار بروتوكول اختياري توافق عليه الدول الأعضاء لمعاملة الأولاد خارج عائلاتهم الطبيعية، وهؤلاء القاطنين في المؤسسات التي تدّعي العناية بهم، كما تبيّن ازدياد عدد هؤلاء الأطفال ومعاناتهم؛ خاصة بتركهم لأمكنة إقامتهم في بلدانهم وطلب اللجوء إلى الدول المجاورة، مما يعرّضهم لمخاطر عديدة تزيد القلق على مصائرهم.




خاتمــــة

         إن لبنــان، مدعـو، حكومة ومجتمع مدني – وكغيره من البلدان، لزيــادة الإهتمـام بحلّ مشاكل أطفال الشوارع من خلال ما سبق لنا وأبديناه من ملاحظات وتوصيات ومقترحات، لعلّ الإضافة إليها أو الإختصار منها لا ينتهي بجفاف حبر هذه الدراسة.

تعليقات