قرينة براءة الشخص محل المتابعة الجزائية في التشريع الجزائري
مقدمة
تمارس الدولة بواسطة السلطة القضائية حقها في توقيع العقاب على المجرمين وتحقيق الردع العام للحفاظ على الأمن العام داخل المجتمع ، فتتولى سلطة الإتهام متابعة كل شخص اشتبه في إرتكابه لجريمة إذا إنعدمت دواعي الحفظ القانونية والموضوعية ، غير أنه يناط دستوريا بالدولة حماية الحقوق والحريات الأساسية والمضمونة لكل مواطن حتى و إن كان محل متابعة جزائية مادام لم تثبت بعد إدانته بموجب حكم قضائي بات صادر عن سلطة قضائية نظامية مع توفير كل الضمانات القانونية و القضائية الكفيلة بتدعيم وحماية قرينة براءته الأصلية .
ويجد مبدأ البراءة الأصلية أساسه في الشريعة الإسلامية وكذا في المواثيق والإعلانات العالمية فضلا عن تكريسه في دساتير الدول وفي قوانينها الداخلية .
فقد كرّمت الشريعة الإسلامية النفس الإنسانية وأقرت ببراءة المتهم صراحة وذلك ما يستشف من قوله صلى الله عليه وسلم :« إدرؤوا الحدود عن المسلم ما إستطعتم ، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله ، فإن الإمام لئن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ».
وبذلك لا تقبل الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي الجنائي دعوى مجردة من دليل ، كما يأمر الإسلام القاضي بألا يصدر حكمه الا بناءا على بينة قطعية لقوله صلى الله عليه وسلم :« إدرؤوا الحدود بالشبهات ».
لقد كانت الشريعة الإسلامية سباقة الى إقرار مبدأ البراءة الأصلية لتحذوا حذوها فيما بعد الدول الغربية بعد ظهور الأفكار التي تنادي بالحرية الفردية ، فلقد بين« بيكاريا» في كتابه « الجرائم والعقوبات ».لسنة 1864 بأنه :«لا يجوز وصف الشخص بأنه مذنب الا بعد صدور حكم القضاء »، وإعتبر «مونتيسكيو» في كتابه « روح القوانين ».«بأنه عندما لاتضمن براءة المواطنين فلن يكون للحرية وجود ».
ونظرا لأهمية مبدأ البراءة الأصلية فقد تم تكريسه في أغلب الإتفاقيات والإعلانات العالمية الدولية والإقليمية، فنصت عليه العديد من الصكوك الدولية وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 11 منه التي نصت على أنه : « كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت إرتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه ».
وقد تضمن العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية من جهته نصا مماثلا في المادة 14/2 منه التي تنص على مايلي :« من حق كل متهم بإرتكاب جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونا »، وإعتبرت بدورها المادة 40 /1 ب من إتفاقية حقوق الطفل أن قرينة البراءة ضمانة لكل طفل يدعى بأنه إنتهك قانون العقوبات .
أما فيما يتعلق بالإتفاقيات الإقليمية فقد نصت الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان في مادتها 06/2 على أنه :« كل شخص متهم بإرتكاب جريمة يعد بريئا حتى تثبت إدانته قانونا ». وبدورها الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان نصت في المادة 08/2 منها على أنه :« لكل متهم بجريمة خطيرة الحق في أن يعتبر بريئا طالما لم تثبت إدانته وفقا للقانون »، وكذا الإعلان الأمريكي في المادة 26 منه .
كما تم تكريس هذا المبدأ في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب حيث نصت المادة 07ب منه على أن:« الإنسان بريء حتى تثبت إدانته أمام محكمة مختصة » وهو الأمر نفسه الذي أكدته كل من اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب وكذا الميثاق العربي لحقوق الإنسان في المادة 07 منه .
كما تضمنت القوانين الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية النص صراحة على مبدأ قرينة البراءة ويبرز منها بشكل خاص النص الوارد في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعروف ب «النظام الأساسي لروما ».لكونه متعلق بمحكمة جنائية دولية دائمة وأيضا لمضمونه المتميز إذ جاء في نص المادة 66 منه ما يلي« : قرينة البراءة:
الإنسان بريء الى أن تثبت إدانته أمام المحكمة ووفقا للقانون الواجب التطبيق .
يقع على المدعي العام عبء إثبات أن المتهم مذنب .
يجب على المحكمة أن تقتنع بأن المتهم مذنب دون شك معقول قبل إصدار حكمها بإدانته».
إن النص السابق الذكر لم يكتف على غرار ما جاء في المعاهدات والإتفاقيات والمواثيق السابقة بإعلان مبدأ قرينة البراءة وإنما أضاف بعض القواعد الأساسية التي تعتبر من مقتضيات قرينة البراءة وتشكل في مجموعها الحد الأدنى لضمان إحترامها .
إن الإهتمام الدولي بقرينة البراءة إنعكس على القوانين الداخلية للدول التي تبنت المبدأ في دساتيرها قصد الإلزام والإلتزام به بل أن بعض الدول لم تكتف بإعتباره مبدأ دستوريا وإجرائيا وإنما أقرته بموجب قواعد موضوعية مستقلة وقائمة بذاتها ومقترنة بجزاءات حقيقية نتيجة للمساس به . كالتشريع الفرنسي الذي تبنى قانونا كاملا ومستقلا في إطار برنامج إصلاح العدالة بموجب قانون 15 جوان 2000 «المتعلق بدعم حماية قرينة البراءة وحقوق الضحايا »
كما كرس المبدأ في القانون المدني وهذا في نص المادة 09-1 منه وإعتبره من الحقوق اللصيقة بالشخصية والتي يترتب عن إنتهاكها حق للشخص المتضرر في الحصول على التعويضات المناسبة عن الأضرارالمادية والمعنوية التي تعرض لها ، كما خول له مجموعة من الآليات والإجراءات التي تكفل له الدفاع عن قرينة براءته وحمايتها ، وفضلا عن ذلك فقد تم إدراج قاعدة البراءة الأصلية في نص المادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي بإعتبارها مبدأ أساسيا وجوهريا في الخصومة الجزائية .
وفيما يخص المشرع الجزائري فإنه بدوره قد تبنى مبدأ قرينة البراءة وكرسه في جميع الدساتير الجزائرية بما فيها دستور 96 حيث تنص المادة 45 منه على أنه : « كل شخص يعتبر بريئا ، حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته مع كل الضمانات التي يتطلبها القانون .»
وإذا كان المشرع قد كرس هذا المبدأ في أسمى قوانين الجمهورية إلا أنه لم يقنن له نصوص قانونية مستقلة وقائمة بذاتها ، وبالرجوع الى قراءة نص هذه المادة الأخيرة من الدستور نجدها تتعلق بالخصومة الجزائية ومركز الشخص المتابع جزائيا والذي يعتبر بريئا طيلة فترة سير الإجراءات مادام لم يدان بعد من قبل جهة قضائية نظامية – مختصة – وهذا بعد تمكينه من كل الضمانات التي يتطلبها القانون .
وعليه تثور الإشكالية حول الضمانات القانونية التي تكفلها قرينة البراءة للشخص أثناء مختلف مراحل سير المتابعة الجزائية و الإستثناءات الواردة على هذا المبدأ وكذا الآثار المترتبة عن المساس به .
وبعبارة أخرى هل وفق المشرع في تكريس المبدأ الدستوري المتمثل في قرينة البراءة في صلب قانون الإجراءات الجزائية؟.
وقد إرتأينا معالجة موضوع قرينة البراءة على ضوء ما جاء في نص المادة 45 من الدستور تحت عنوان « قرينة براءة الشخص محل المتابعة الجزائية في التشريع الجزائري ».
وبالإعتماد على المنهج التحليلي والمقارن أحيانا . ووفقا للخطة الآتي بيانها :
الفصل الأول: الضمانات المقررة لحماية قرينة البراءة :
المبحث الأول: الضمانات المقررة قبل مرحلة المحاكمة.
المطلب الأول: الضمانات المقررة أثناء مرحلة التحريات الأولية.
المطلب الثاني: الضمانات المقررة أثناء مرحلة التحقيق الإبتدائي .
المبحث الثاني: الضمانات المقررة أثناء مرحلة المحاكمة وبعد صدور الحكم .
المطلب الأول: الضمانات المقررة أثناء مرحلة المحاكمة .
المطلب الثاني: الضمانات المقررة بعد صدور الحكم.
الفصل الثاني: الإستثناءات الواردة على قرينة البراءة والآثار المترتبة على مخالفتها:
المبحث الأول: الإستثناءات الواردة على قرينة البراءة وحدود إعمالها .
المطلب الأول: قلب عبء الإثبات وقرينة الإذناب المقررة في بعض النصوص القانونية.
المطلب الثاني: حدود حماية قرينة البراءة و إنقضائها.
المبحث الثاني: : الآثارالمترتبة عن الإخلال بقرينة البراءة الأصلية .
المطلب الأول: الجزاءات الإجرائية المترتبة عن إنتهاك قرينة البراءة .
المطلب الثاني: حقوق المتضررمن إنتهاك قرينة براءئته.
الخاتمة
الفصل الأول : الضمانات المقررة لحماية قرينة البراءة.
إن مبدأ البراءة الأصلية المفترضة فضلا عن علاقته الوطيدة بالحقوق و الحريات المكرسة دستوريا ودوليا و التي يعتبر القاضي الحامي الأول لها فإنه يمد الأساس المسير لأحكام قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية اللذان يعتمد عليهما كل من أعضاء الضبط القضائي ، قاضي النيابة ، قاضي التحقيق و قاضي الحكم في عملهم بحيث لا يمكنهم التطبيق السليم لأحكام القانون إلا بعد فهم الغاية منه و لماذا قرر المشرع ضمانات معينة و كرسها بشكل واسع بالنسبة لبعض الإجراءات في حين قلص منها أو أغفلها بالنسبة للبعض الآخر.
فعلى اساس قرينة البراءة الأصلية يتحمل قاضي النيابة عبئ اثبات الجريمة و اسنادها للمتهم و على نفس الأساس يسير قاضي التحقيق بحثه لصالح و ضد المتهم كونه بريء إلى أن تثبت إدانته جهة قضائية مختصة في حالة وجود شك لأن قاعدة البراءة الأصلية تؤدي إلى نتيجة تكرسها قاعدة أخرى هي « أن الشك يفسر لصالح المتهم »
و بناء على ما سبق فإنه يثور التساؤل حول مدى الضمانات الناتجة عن قرينة البراءة والمكفولة بموجبها عبر مختلف مراحل المتابعة الجزائية منذ بدء التحريات الأولية إلى غاية صدور حكم نهائي وبات و بصيغة أخرى هل كرس المشرع قرينة البراءة ضمن نصوص قانون الإجراءات الجزائية ، وما هي النقائص التي يمكن إثرائها في هذا المجال ؟
هذا ما سنتناوله بالدراسة من خلال المبحثين التاليين :
المبحث الأول : الضمانات الناتجة عن قرينة البراءة قبل مرحلة المحاكمة.
المبحث الثاني : الضمانات الناتجة عن قرينة البراءة أثناء المحاكمة و بعد صدور الحكم.
المبحث الأول : الضمانات الناتجة عن قرينة البراءة قبل مرحلة المحاكمة.
تمر الخصومة الجزائية بمرحلتين أساسيتين :
المرحلة التحضيرية قبل المحاكمة و تشمل مرحلتي التحريات الأولية و التحقيق.
مرحلة المحاكمة و تشمل إجراءات المحاكمة و إجراءات الطعن في الأحكام.
و ستقتصر دراستنا في هذا المبحث على بيان مدى تكريس المشرع للضمانات الناتجة عن قرينة البراءة و المكفولة بموجبها أثناء المرحلة التحضيرية للمحاكمة من خلال المطلبين التالين :
المطلب الأول : الضمانات المقررة أثناء التحريات الأولية.
المطلب الثاني : الضمانات المقررة أثناء مرحلة التحقيق
المطلب الأول : الضمانات المقررة أثناء مرحلة التحريات الأولية:
التحريات الأولية أو جمع الاستدلالات مصطلح يطلق على الاجراءات الجزائية التي ينقذها أعضاء الضبط القضائي عند ارتكاب جريمة ما تمهيد التحريك الدعوى العمومية لاقتضاء الدولة لحقها في العقاب من مرتكب تلك الجريمة.
تنص المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية على ما يلي :« و يناط بالضبط القضائي مهمة البحث عن الجرائم المقررة في قانون العقوبات و جمع الأدلة عنها و البحث عن مرتكبيها ما دام لم يبدأ فيها بتحقيق قضائي :
من خلال هذا النص يمكننا أن نستخلص العناصر الأساسية للتحريات الأولية المتمثلة فيما يلي:
1- إنها مجموعة من الإجراءات الجزائية.
2- ينفذها أعضاء الضبط القضائي.
3- تبدأ بارتكاب الجريمة و تنتهي بتحريك الدعوى العمومية.
4- مضمونها معاينة الجرائم و جمع الأدلة عنها و البحث عن مرتكبيها .
5- تستهدف التمهيد لتحريك الدعوى العمومية و مباشرتها و السير في التحقيق القضائي.
و عليه فإن التحريات الأولية تعد إجراءات تمهيدية تسبق تحريك الدعوى العمومية و يكون للشخص محل هذه التحريات مركز المشتبه فيه.
ما المقصود بمصطلح المشتبه فيه ؟
إن مصطلح المشتبه فيه لا يحظى بتعريف جامع مانع سواء على مستوى النصوص التشريعية المختلفة أو على مستوى الاجتهاد القضائي و هذا بالنسبة للمكلفين بتنفيذ القانون و تطبيقه من سلطات الضبط القضائي و رجال القضاء فضلا عن الاختلاف في وجهات النظر و الآراء بين الفقهاء.
لذلك سنقتصر على عرض موقف المشرع الجزائري من الاشتباه أو من المشتبه فيه.
-من خلال استعراض مختلف نصوص تقنين الإجراءات الجزائية نلاحظ أن المشرع لم يورد تعريفا للمشبه فيه كما لم يلتزم في كل المواد بهذا المصطلح قد استعمل لفظ المشتبه فيه في المواد 42- ، 45، 58 من تقنين الإجراءات الجزائية و هذه المواد تندرج كلها ضمن النصوص المتضمنة لإجراءات التحريات الأولية التي ينفذها أعضاء الضبط القضائي غير أن المشرع استعمل مصطلح « المتهم » في المادة 46 من قانون الإجراءات الجزائية .
و كذلك في نص المادة 59 فقرة أولى « يصدر وكيل الجمهورية أمرا بحبس المتهم بعد استجوابه ».
و من خلال المواد المشار إليها أعلاه نلاحظ أن المشرع الجزائري استعمل مصطلح المشتبه فيه بالنسبة للشخص موضوع التحريات الأولية الذي يتولى أعضاء الضبط القضائي مباشرتها قبل تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة أما في المادة 46 و المادة 59 في فقرتها الأولى فلقد استعمل مصطلح المتهم و إذا كان استعمالا مستساغا و مبررا بالنسبة للفقرة 01 من المادة 59 بإعتبار أن أمر وكيل الجمهورية يحبس الشخص يأتي بعد سؤاله و هذا ضمنا يعني أن الدعوى العمومية قد حركت ضده فإن استعمال مصطلح المتهم في المادة 46 لا مسوغ له و غير مبرر و لا يتلائم مع المنهج الذي سلكه المشرع و المتمثل في اعتبار الشخص المشتبه فيه ما دام لم يكن محل إجراء تحريك دعوى عمومية و حبذا لو إلتزم المشرع بمصطلح مشتبها فيه لا سيما لأنه استعمل مصطلح "المتهم" بالنسبة لنفس الإجراءات في إطار التحقيق القضائي في المادتين 83و 84 من تقنين الإجراءات الجزائية.
بما أننا عرفنا التحريات الأولية و كذا المشتبه فيه نعرض الآن لأهم الضمانات المقررة للمشتبه فيه أثناء مرحلة التحريات الأولية و التي تجد أساسها في مبدأ البراءة الأصلية، وذلك من خلال الفرعين التاليين :
الفرع الأول : الضمانات المتعلقة بإجراءات البحث و التحري بصفة عامة :
أولا - اعتماد مبدأ الشرعية في الكشف عن الجرائم و مرتكبيها :
تنص المادة 45 من دستور 1996 على ما يلي :« كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته ، مع كل الضمانات التي يتطلبها القانون ».
لقد اكد المشرع احترام مبدأ البراءة الأصلية ذلك من خلال الارتقاء به إلى مبدأ دستوري بل أنه جعل هذه الأخيرة تتضمن ما يكفل تكريسه و إعماله الفكري أثناء المتابعة الجزائية لصالح الشخص المتابع جزائيا إذ اعتبر نص المادة 45 المذكورة أعلاه أن كل شخص بدون تمييز أي كان نوعه يعتبر بريئا مع ما يكفله هذا اللفظ - البراءة – من ضمانات لمن اتصف به حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته بمعنى أنه يظل كذلك طوال فترة التحقيق معه و محاكمته من طرف جهة قضائية مختصة بحكم القانون في اصدار حكم أو قرار بإدانته و بذلك فإن القرينة للبراءة لا يمكن أن تسقط عنه أو تدخص إلا بعد صدور حكم نهائي و بات يكون عنوان الحقيقية إذا ما صدر بعد توفير.جميع الضمانات التي يتطلبها القانون أي أنها تستمد شرعيتها منه – و بذلك يكون مبدأ الشرعية بشقيه الموضوعي والإجرائي نتيجة منطقية عن مبدأ البراءة الأصلية و يعد الحل لمعادلة مفادها أنه ما دام له للدولة بما تملكه من أجهزة ردعية الحق في أن تنزل العقاب على من تثبت إدانته فإن ضرورة إحداث توازن سليم بين فاعلية العدالة الجنائية و احترام حقوق الدفاع المتمثلة في حرية الشخص محل المتابعة الجزائية و كافة حقوقه الشخصية تقتضي تقرير و تكريس مبدأ الشرعية الإجرائية الذي يحكم أجهزة الدولة الإدارية و القضائية و يلزمها باحترام كافة النصوص القانونية حتى تصيغ أعمالها بالشرعية ويعتد بها القانون .
و على صعيد أول فقد كرس الدستور الجزائري لينة 1996 مبدأ الشرعية في عدة نصوص كما يلي :
جاء في مادته 29 أنه « كل المواطنين سواسية أمام القانون » و المادة 46 : « لا إدانة إلا بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم » و المادة 47 :« لا يتابع أحد و لا يوقف أو يحتجز إلا في الحالات المحددة بالقانون و طبقا للأشكال التي نص عليها » كما نصت المادة 140 منه على أن «أساس القضاء مبادئ الشرعية، و المساواة » و أكدت ذلك المادة 142 « تخضع العقوبات الجزائية إلى مبدأي الشرعية و الشخصية».و على ذلك يكون مبدأ الشرعية في حد ذاته أهم ضمانة للمشتبه فيه أو للمتهم ذلك أنه يحدد المجال الذي يتمتع به بالحرية و الاحترام و يضمن له حقوقه التي تصبح محكومة بالقانون وحده بعيدا عن كل أهواء القائمين على متابعته أو تجاوزاتهم مع مراعاة أن تفترض براءة الشخص المتابع في كل إجراء من الاجراءات التي تتخذ قبله و أن يكون ذلك تحت رقابة القضاء باعتباره الحارس الطبيعي للحريات.
و إذا كان الأكيد أن للإنسان حرية شخصية لا يحق لأحد حرمانه منها أو تقييده في استعمالها إلا بالقدر اللازم الذي يضمن لغيره من أعضاء المجتمع التمتع بنفس الحقوق و حيث أنه أحيانا تتضارب مصلحتان إحداهما فردية و الأخرى جماعية فتقيد تبعا لذلك حرية الفرد بالقدر الضروري وللازم للحفاظ على مصلحة المجتمع و الصالح العام .
و من هذا المنعطف تجد الضبطية القضائية أساسا لشرعية تحرياتها و مع ذلك فإنه يجب ألا تتعسف في ممارستها لأن إجراءات التحري قد تطول و بالتالي يزداد تقييدها للحرية الفردية و الأخطر من ذلك أنها قد توجه ضد بريء وحتى و لو كانت ضد مجرم فإن الشخص في نظر القانون لا يعتبر كذلك إلا بعد صدور حكم نهائي بات يدينه الشيء الذي يستدعي وضع إطار قانوني يقيد رجال الضبطية القضائية و يجسد الشرعية الإجرائية.
فما هو إذن هذا الإطار القانوني الذي يحدد صلاحيات الضبطية القضائية في مجال البحث والتحري عن الجرائم و مرتكبيها ؟
- بعد الإطلاع على أحكام قانون الإجراءات الجزائية لا سيما الفصل الأول المتضمن " الضبط القضائي" من الباب الأول المعنون " في البحث و التحري عن الجرائم " من الكتاب الأول تحت عنوان " في مباشرة الدعوى العمومية و إجراء التحقيق ".
نجد أن سلطات الضبط في مجال التحريات الأولية تجد أساسها في نص المادة 12 من ق إ ج في فقرته الثالثة بنصها على ما يلي :« و يناط بالضبط القضائي مهمة البحث و التحري عن الجرائم المقررة في قانون العقوبات و جمع الأدلة عنها و البحث عن مرتكبيها ما دام لم يبدأ فيها بتحقيق قضائي». و المادة 13 بنصها على أنه :« إذا ما افتتح التحقيق فإن على الضبط القضائي تنفيذ تفويضات جهات التحقيق و تلبية طلباتها ».
و تنص المادة 17 فقرة 01 من ق إ ج المعدلة بموجب القانون رقم 01 / 08 المؤرخ في 26 يونيو 2001 على أنه :« يباشر ضباط الشرطة القضائية السلطات الموضحة في المادتين 12 - 13 ويتلقون الشكاوى و البلاغات و يقومون بجمع الاستدلالات و اجراء التحقيقات الابتدائية».
أما الفقرة 64 من نفس المادة تنص على أنه :« و في حالة الجرم المشهود سواء أكانت جناية أم جنحة فإنهم يمارسون السلطات المخولة لهم بمقتضى المادة 42 و ما يليها ».
كما تنص المادة 63 على أنه :« يقوم ضباط الشرطة القضائية بالتحقيقات الابتدائية للجريمة بمجرد علمهم بوقوعها إما بناءا على تعليمات وكيل الجمهورية و إما من تلقاء أنفسهم»
و عليه فإنه إذا كانت الضبطية القضائية تستمد شرعية التحريات و الأعمال التي تقوم بها من القانون بصفة عامة و من النصوص السابق ذكرها بصفة خاصة فإن من واجب أعضاءها وكذا القائمين عليها احترام النطاق القانوني المحدد لهم لأداء مهامهم و الذي إذا حادوا عنه وصفت أعمالهم باللاشرعية و استتبع ذلك تعرضها للبطلان و تعرضهم للمتابعات.
ثانيا :الضمانات المتعلقة بالمعاينات :¬( قرينة البراءة و استعمال الوسائل العلمية في المعاينات وإجراء التفتيش).
إن المعاينات تعتبر جزءا بالغا الأهمية في التحريات كون الأدلة المادية المنبثقة عنها لها تأثير على الاقتناع الشخصي للقاضي تشكل إلى جانب أوراق الدعوى من محاضر و تقارير و أقوال الشهود المادة الأولية التي تستند إليها النيابة لاتخاذ قرارها بتحريك الدعوى أو حفظها إلا أن مدى تأثير هذه المعاينات و كذا حجية الدليل الناتج عنها مرهون بمدى مصداقيتها و مدى إلتزام القائمين بها بمبدأ الشرعية الإجرائية.
و المعاينات التي ينفذها ضابط الشرطة القضائية أثناء مباشرة وظائفه أثناء التحريات الأولية نص عليها قانون الإجراءات الجزائية في المادة 12 منه ذلك أنه من البديهي أن التحري عن الجرائم لا يتأتى إلا بمعاينة آثارها و التحري عن ملابسات ارتكابها والمحافظة على تلك الآثار ورفعها ليمكن استغلالها و في هذا الإطار تنص المادة 42 من قانون الإجراءات الجزائية على أن ضابط الشرطة القضائية يسهر على المحافظة على الآثار التي يخشى أن تختفي و أن يضبط كل ما يمكن أن يؤدي إلى اظهار الحقيقة.
و بناءا على أن المعاينات تعد فحصا دقيقا لماديات الجريمة و مكانها و الأدلة و الدلائل والقرائن والآثار المترتبة عن ارتكابها سواء شمل الفحص جسم الجريمة أو الشخص المشتبه فيه أو مكان اقترافها و اثبات ذلك بالكتابة في محاضر رسمية فإنه يكون من الضروري التساؤل عن الضمانات التي تكفلها قرينة البراءة الأصلية للمشتبه فيه خاصة مع استعمال الشرطة القضائية و العلمية بصفة أخص لأساليب علمية و تقنية لإجراء المعاينات و مدى حجية الدليل المستقى منها، و هذه الضمانات قد مست بجوانب حساسة في شخص المشتبه فيه و في جسمه فضلا عن المساس بكرامته و حقه في أن يعامل كإنسان بريء و نعرض من بين الوسائل المستعملة ما يلي :
استعمال الكلاب البوليسية :
لقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الكلاب و لا سيما ما يعرف منها بالكلاب البوليسية لها حاسة شم قوية جدا تمكنها مع التدريب أن تتبع أو تكشف شخصا انطلاقا من رائحته السبب الذي جعل المصالح المختصة تستخدمها في المعاينات و البحث عن المجرمين الفارين و ذلك بتقديم آثار مادية لهم كالألبسة و الأشياء التي استعملوها و من خلالها يستطيع الكلب تعقب صاحب تلك الأشياء مما يسهل على رجال الشرطة القضائية تقصي آثار المجرمين و البحث عنهم و القبض عليهم، إلا أن استخدام الكلاب البوليسية في التحريات الأولية و المعاينات يجب أن يقيد بضوابط من شأنها أن تحول دون المساس بكرامة الإنسان و أهمها عدم تأسيس حكم الإدانة على استعراف الكلب البوليسي باعتباره لا يرقى إلى مرتبة الدليل اليقيني و لا يعدوا إلا أن يكون مجرد قرينة نعزز الدلائل الأخرى و إذا اقتصر الحكم عليها كدليل أساسي يكون مشوبا بالقصور ومن ثمة يكون قابل للنقض . و كذا بطلان الاعتراف الناتج عن استعمال الكلب البوليسي إزاء المشتبه فيه لأن ذلك يتضمن نوعا من الإكراه يؤثر على إرادته الحرة .
2- رفع البصمات :
لنجاعة هذا الأسلوب يتم عادة أخذ لبصمات كل الذين يتابعون قضائيا و يتم حاليا على مستوى مخبر الشرطة العلمية بالجزائر العاصمة تكوين بنك خاص لتلك البصمات حيث يتم تصنيفها و ترتيبها حتى يسهل استغلالها و ذلك باستعمال الإعلام الآلي لكن السؤال المطروح هو مدى مشروعية رفع البصمات المشتبه فيه،الذي يعد بريئا و له كامل الحرية في رفض الخضوع لأي إجراء يمس بكرامته بغرض مضاهاتها مع البصمة المرفوعة في مسرح الجريمة ؟ و إن كان ذلك مشروعا فهل يجوز رفع تلك البصمات أثناء مرحلة التحريات الأولية؟
إن رفع البصمات يندرج ضمن أعمال الشرطة العلمية باعتبارها من الوسائل التي تساعد على التعرف على هوية الأشخاص و إخضاع الشخص لهذه العملية دون مبرر لا شك يخدش بشكل أو بآخر كرامته و حريته الشخصية و لا سيما عند ارتكاب جريمة ما لأن في ذلك كرامته وحريته الشخصية و لا سيما عند ارتكاب جريمة ما لأن في ذلك دلالة ظاهرة بأن الشخص محل شبهة أو على الأقل يعتبر كذلك في نظر العامة و هذا ما يتنافى و قرينة البراءة الأصلية المقررة لصالحه إلا أن اتخاذ مثل هذا الاجراء يجب أن يتم بالقدر الضروري و اللازم لتحقيق عملية المضاهاة في إطار تغليب المصلحة العامة التي تستدعي ضرورة التعرف على مرتكب الجريمة على المصلحة الخاصة للأفراد.
الاستعانة بالفحوصات المخبرية :
القاعدة أن ندب الخبراء هو من اختصاص قاضي التحقيق و إحاطة المشرع بضمانات لفائدة المتهم حماية لقرينة براءته و استثناء فقد حول الضباط الشرطة القضائية أثناء مرحلة التحريات الأولية حق اللجوء إلى شخص مؤهل لإجراء معاينة آثار تستلزم خبرة فنية و ذلك ما تنص عليه المادة 49 من قانون الإجراءات الجزائية .
و نظرا لمقتضيات البحث و التحري فإن التشريعات المختلفة تسمح بإجراء المعاينات عن طريق فحص دم أو بول المشتبه فيه و غسل معدته و يعتبر الفقه الفرنسي أن هذه الفحوصات من إجراءات التفتيش و فيه نوع من الاعتداء على جسم الإنسان و أن إجراء مثل غسل معدة المتهم والأولى المشتبه فيه يحمل تعسفا و تبعا لذلك فإن ما يتسمد من دلائل نتيجة له و يعتبر باطلا .
ثالثا: الضمانات المتعلقة بسماع المشتبه فيه.
إن معاينة آثار الجريمة و جمع الدلائل المادية في مكان ارتكابها تبقى قاصرة في الكشف عن ملابساتها و معرفة أساليب ارتكابها و الأشخاص الذين اقترفوها ما لم يستكمل ذلك بأقوال و شهادات الأشخاص الذين لديهم معلومات تفيد مجرى التحريات و تفسر القرائن المستخلصة من الآثار المادية، لذلك فإن رجال الضبطية القضائية يقومون بتلقي أقوال كل شخص كان شاهدا على ارتكاب الجريمة أو مشتبها فيه أو لديه معلومات لها علاقة بالجريمة أو بمرتكبيها لكن و حفاظا على قرينة البراءة الأصلية لكل شخص كان موضع اشتباه فلا بد أن توفر ضمانات تحول دون المساس بحقوق المشتبه فيه و أهمها حقه في الصمت و عدم الإدلاء بأي تصريح دون أن يشكل ذلك قرينة على اقترافه الجرم أو يعتد به لاثبات إدانة الشخص المتابع.
إن مناط مسؤولية الشخص سلامة إدراكه و حرية إرادته و بذلك يكون فقط لما يدلي به قيمة في الإجراءات الجزائية التي تراعي دوما التلازم بين ضرورة الحفاظ على مصلحتين: مصلحة المجتمع في تمكين السلطة المختصة من كل الوسائل و الإجراءات التي تساعد في الكشف عن ملابسات الجريمة ومصلحة الفرد بحيث لا تمس تلك الوسائل بحقوقه و حريته و من الوسائل والطرق التي استقرت عليها الأبحاث العلمية لاستجواب الأفراد استعمال عقارات مخدرة تعرف « بعقار الحقيقة » واستعمال جهاز كشف الكذب أو التنويم المغنطايسي و أثير النقاش حول مدى مشروعية استعمال هذه الوسائل و مدى اعتداد الأنظمة القانونية و القضائية بما ينتج عنها في مجال الأدلة الجنائية و الإثبات الجنائي ولو كان برضى من خضع لها للحصول على تصريحاته وحجتهم في ذلك تغايب مصلحة المجتمع إلا أن أغلب الفقه يعارض استخدام مثل تلك الوسائل كونها تؤثر على قدرات التمييز و الإدراك و الأخطر من ذلك فإن تحذير المتهم و من باب أولى المشتبه فيه و تنويمه مغناطيسيا يعد نوعا من الإكراه المادي يؤثر في إرادة الشخص و هذا ما أكده الاجتهاد القضائي في مصر و فرنسا ايطاليا سويسرا و الولايات المتحدة الأمريكية فضلا عن أن استعمال جهاز كشف الكذب يتعارض مع مبدأ الشرعية لكونه يخل بمبدأ حق الشخص في الصمت من جهة و أنه يتضمن نوعا من الإكراه المؤثر على الإرداة الحرة للشخص من جهة أخرى فضلا عن كونه يعتبر من الممارسات المهينة لشخصية الإنسان و كرامته الإنسانية والقول بحق الشخص في التنازل عن سلامة جسمه قول مردود لأن حرية و كرامة الإنسان الفردية هي جزء من حياة المجتمع الإنساني التي لا يجب التنازل عنها.
بل إنه لا قيمة للحقيقة التي يتم الوصول إليها على مذبح الحرية لأن الشرعية التي يقوم عليها نظام الدولة تتطلب حماية الحرية الشخصية في مواجهة السلطة.
كما يحظر استعمال التعذيب بغرض اجبار أي شخص على الاعتراف أو الإدلاء باقوالها وهذا ما تنص عليه المواثيق الدولية و تكرسه الدساتير و منها الدستور الجزائري الذي ينص في المادة 33 منه « تضمن الدولة عدم انتهاك حرمة الإنسان و يحظر أي عنف بدني أو معنوي، وذلك انسجاما مع المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على ما يلي :« لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب و لا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة».
الفرع الثاني : الضمانات المتعلقة بالتوقيف للنظر و مدى مساس الإجراء بقرينة براءة الشخص الموقف للنظر.
التوقيف للنظر اجراء ضبطي يأمر به ضابط الشرطة القضائية لضرورة التحريات الأولية تحت رقابة وكيل الجمهورية باعتباره مديرا للضبطية القضائية يوضع بموجبه المشتبه فيه مع ضمان حقوقه الأساسية تحت تصرف مصالح الأمن في مكان معين و طبقا لشكليات محددة و لمدة زمنية يحددها القانون حسب الحالات».
و يعتبر التوقيف للنظر تدبير يتضمن الإكراه مقرر من طرف ضابط شرطة قضائية لمتطلبات التحريات و يتم بموجبه حرمان شخص من حرية ذهابه و إيابه لمدة محددة و وجيزة، هذا التدبير ممكن في التحقيقات المتعلقة بالجرائم المتلبس بها أو أثناء التحريات الأولية أو في اطار تنفيذ إنابات قضائية .
و بناءا على التعريف الذي أوردناه يمكن أن نستخلص أن التوقيف للنظر اجراء يمس مباشرة حرية الشخص الذي تقوم ضده مجرد شبهات على ارتكابه جريمة ما و هو بذلك قيد على قرينة براءته بل أخطر من ذلك قد يعد انتهاكا لها نظرا للتناقض الصارخ بين المفهومين.
و ليس من المبالغ في شيء اعتبار أن اجراء التوقيف النظر يعد من أهم الإجراءات إن لم نقل أخطرها باعتبار أنه يقيد من حرية المشتبه فيه الذي يعتبر في نظر القانون بريئا استنادا إلى أن قرينة البراءة أصل مقرر لكل فرد ما لم يصدر ضده حكم يدينه صادر عن محكمة نظامية مع توفير كل الضمانات الضرورية لتمكنيه من الدفاع عن براءته.
و يثور الأشكال حول أثر التوقيف للنظر على قرينة البراءة الأصلية للمشتبه فيه و هل أن ممارسة هذا الإجراء وفق الشرعية المكرسة في النصوص الإجرائية المتعلقة به يخفف من أثره السلبي؟ ذلك ما سنحاول الإجابة عنه من خلال التعرض لنصوص الإجراءات الجزائية في الباب الثاني "التحقيقات" الفصل الأول « في الجناية و الجنحة المتلبس بها » في المواد 51 ، 51 مكرر 51 مكرر 01 ، 52 و تحليلها وفقا للنقاط الأتي بيانها :
أولا :الأساس القانوني للتوقيف للنظر.
يستمد التوقيف للنظر مشروعيته و أساسه القانوني من الدستور حيث تنص المادة 47 على ما يلي:
« لا يتابع أحد و لا يوقف أو يحجز إلا في الحالات المحددة بالقانون و طبقا للأشكال التي ينص عليها»
كما تنص المادة 48 على ما يلي :« يخضع التوقيف للنظر في مجال التحريات الجزائية للرقابة القضائية و لا يمكن أن يتجاوز مدة 48 ساعة ، يملك الشخص الذي يوقف للنظر حق الاتصال فورا بأسرته و لا يمكن تمديد مدة التوقيف للنظر إلا استثناء و وفقا للشروط المحددة بالقانون ولدى انقضاء مدة التوقيف للنظر يجب أن يجري فحص طبي على الشخص الموقوف إن طلب ذلك على أن يعلم بهذه الإمكانية»
لقد تضمنت المادة 48 السالفة الذكر تفاصيل حول التوقيف للنظر إذا أشارت إلى اخضاع هذا الإجراء إلى الرقابة القضائية و حددت المدة و بينت الحقوق المقررة للمحتجز على خلاف المعمول به في المواد الدستورية حيث يقتصر المشرع التأسيسي على سرد المبادئ العامة و تترك التفاصيل و الجزيئات إلى التشريع و النصوص التنظيمية ، و هذا يدل على أهمية البالغة التي أولاها المشرع التأسيس لهذا الإجراء نظرا لمساسه بحرية الأفراد و بمركزهم كأبرياء ما لم يصدر حكم إدانة نهائي ضدهم تحت كامل الضمانات و أمام جهة قضائية نظامية و لتجسيد ما نص عليه الدستور بخصوص التوقيف للنظر تناول المشرع في تقنين الإجراءات الجزائية هذا الإجراء بإسهاب في المواد 50،51 ، 51 مكرر 51 مكرر 1 ، 52 ، 53 ، 65 بالنسبة للتحقيقات في الجريمة المتلبس بها و التحقيقات الأولية و في المادة 141 بالنسبة للانابة القضائية.
ثانيا : اجراءات و ضوابط التوقيف للنظر
1- الأشخاص المؤهلون لاتخاذ اجراء التوقيف
نظرا لحساسية إجراء التوقيف للنظر فإن المشرع قد قصره على ضباط الشرطة القضائية اللذين حددتهم المادة 15 من ق إ ج و لا تكون ضابط الشرطة القضائية مؤهلا إلا إذا كان معينا رسميا في وحدة تمارس الشرطة القضائية و يمتد اختصاص عملها إلى إقليم الجهة القضائية التابعة لها.
و في ذلك ضمانة للشخص المقوف عملا بمقولة لنريكوفيري «تقدر قيمة القوانين بقيمة المكلفين بتطبيقها »
«les lois valent ce que valent les hommes cherges de les appliquer »
و يكتسب ضابط الشرطة القضائية هذه الصفة بعد نجاحه في امتحان يجري بمعرفة لجنة وزارية مشتركة بين وزارتي العدل و الدفاع الوطني بعد أداءه اليمين و بالنسبة للدرك الوطني فكل الوحدات التي تمارس أساسا مهام الشرطة الفضائية ويمكنها القيام بإجراء التوقيف للنظر هي الفرقة الإقليمية على مستوى البلدية أو فصيلة الأبحاث على مستوى الولاية.
2- حالات التوقيف للنظر :
حفاظا على الأصل في الانسان و هو البراءة فإنه يجب تقييد كل اجراء من شأنه الاعتداء عليها او التقليل من قيمتها لا سيما توقيف المشتبه فيه للنظر و حتى لا يكون هذا الاجراء وسيلة تخضع لأهواء ضباط الشرطة القضائية أو لأغراضهم الشخصية او الانتقامية فإن المشرع لم يسمح به إلا في حالات محددة على سبيل الحصر و هي كالآتي :
أ*حالة الجناية أو الجنحة المتلبسة :
وذلك بموجب المادة 51 من ق إ ج المعدلة بموجب القانون 01/08 المؤرخ في 26 يونيو 2001 و التي تنص على انه «إذا راى ضابط الشرطة القضائية لمقتضيات التحقيق ، أن يوقف للنظر شخصا او اكثر ممن أشير إليهم من المادة 50 فعليه أن يطلع فورا وكيل الجمهورية و يقدم له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر .
لا يجوز أن نتجاوز مدة التوقيف للنظر ثمان و أربعين ساعة غير أن الأشخاص الذين لا توجد أية دلائل تجعل ارتكابهم أو محاولة ارتكابهم للجريمة مرجحا ، لا يجوز توقيفهم سوى المدة اللازمة لأخذ القوائم.
و إذا قامت ضد شخص دلائل قوية و متماسكة من شأنها التدليل على اتهامه فيتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يقتاده إلى وكيل الجمهورية دون أن يوقفه للنظر أكثر من 48 ساعة»
من خلال نص هذه المادة يتضح أنه في حالة ارتكاب جناية أو جنحة متلبسة فإن ضابط الشرطة القضائية عند تنقله لإجراء المعاينات يمكنه أن يوقف للنظر كل شخص موجود بمكان الجريمة و منعه من الابتعاد ريثما ينتهي من تحرياته كما يمكنه استيقاف أي شخص يرى ضرورة التحقق من هويته و هذا ما تنص عليه المادة 50 من ق إ ج التي تحيل إليها الفقرة 01 من المادة 51 من نفس القانون.
نظرا لما قد يكون لتوقيف هؤلاء الأشخاص من فائدة في التحقيق و هو الإجراء الذي تبرره ضرورة التحريات .
أما السبب الثاني الذي نصت عليه المادة 51 في فقرتها الثالثة فيتمثل في توفر دلائل قوية ومتماسكة فما هو المقصود بهذه العبارة؟
إن الدلائل (Les indices ) هي علامات و وقائع ثابتة و معلومة تسمح باستنتاج وقائع مجهولة و لكن الصلة بين النوعين ليست حتمية أي لا تفيد اليقين و الجزم و مثالها استعراف الكلية البوليسي وحيازة سلاح الجريمة أو وجود جروح على جسم الشخص و تسمى أيضا القرائن التكميلية و الدلائل الكلب يجب أن تكون ( les présomptions complémentaires ) متناسقة ومتماسكة فيما بينها وإلا فقدت قيمتها و يرجع تقدير ذلك لضابط الشرطة القضائية تحت رقابة قاضي الموضوع.
ب*التوقيف للنظر في التحقيق الابتدائي :
لقد خول القانون لضابط الشرطة القضائية حق توقيف شخص للنظر في اطار تحرياته المادية أي تنفيذ لإجراءات التحري في غير حالة التلبس و ذلك بموجب المادة 65 ق إ ج التي تنص مادته على أنه « إذا دعت مقتضيات التحقيق الابتدائي ضباط الشرطة القضائية إلى توقيف للنظر شخصا مدة تزيد عن 48 ساعة فإنه يتعين عليه أن يقدم ذلك الشخص قبل انقضاء هذا الأجل إلى وكيل الجمهورية …»
– التوقيف للنظر في حالة الانابة القضائية : م 141 ق إ ج
ثالثا :الضمانات المحيطة بإجراء التوقيف للنظر :
نظرا لخطورة هذا الإجراء احاطه المشرع بقيود و شكليات على ضابط الشرطة القضائية أن يلتزم بها عندما يقرر توقيف شخص للنظر و ذلك بهدف توفير الحد الأدنى من الضمانات للمحافظة على حقوق و حرية الشخص الموقوف باعتباره بريئا و لا تحوم حوله سوى صفة الاشتباه و ليس حتى الإتهام و يمكن تصنيف هذه القيود أو الضمانات حسب طبيعتها إلى :
- 1- الضمانات المتعلقة بتنفيذ اجراء التوقيف للنظر.
- 2- الضمانات المتعلقة بحقوق الموقوف للنظر.
1-الضمانات المتعلقة بتنفيذ إجراء التوقيف للنظر :
أ-آجال التوقيف للنظر : إن طول هذه المدة أو قصرها يتناسب طردا مع مدى الاحترام و الحماية التي يوليها المشرع لحقوق و حريات الأفراد بل أن تحديد مدة التوقيف للنظر يعد في حد ذاته ضمانة و مظهر من مظاهر الحماية القانونية للأفراد و تجسيد المبدأ الشرعية الإجرائية ، فكيف نظم المشرع الجزائري هذه المسالة؟.
لقد أعاد المشرع صياغة نص المادة 51 من ق إ ج دون تغيير جوهري عدا ما تعلق بمصطلح " الوقف للنظر " و قد أصاب في ذلك حيث أن الحجز يقع على الإنسان و إنما يقع على الأموال.
و قد حدد المشرع مدة التوقيف للنظر في المادة 48 من الدستور ب 48 ساعة و أكد في نفس النص على أن تمديد هذه المدة يعد اجراءا استثنائيا يحدد شروطه القانون.
و الأجال المقررة تفصيلا في ق إ ج مبينة و فقا للجدول الأتي بيانه :
طبيعة الجريمة المدة الأصلية للتوقيف للنظر مدة التمديد النص القانوني
جرائم القانون العام 48 ساعة 48 ساعة أخرى لمدة مماثلة 51 و 65 ق إ ج
الجنايات و الجنح الماسة بأمن الدولة 96 ساعة تضاعف الآجال لمدة مماثلة 51 و 65 ق إ ج
جرائم موصوفة بأفعال ارهابية أو تخريبية 96ساعة 12 يوما 51 ، 65 ق إ ج
-نلاحظ أن المشرع أجاز تمديد مدة التوقيف للنظر إلى 12 يوما و سكت عن تحديد السلطة التي تأذن به و تداركا لذلك تم تعديل نص المادة 51 و 52 بموجب القانون 01، 08 المؤرخ ب 26جويلية 2001 الذي أضاف مادتين 51 مكرر و 51 مكرر 01 على نحو يحقق المزيد من الضمانات للموقوف للنظر و أصبح تمديد التوقيف للنظر في الجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية لا يتم إلا بناء على إذن من وكيل الجمهورية و بينت هذه المواد بشكل أكثر تفصيلا حقوق الموقوف للنظر انسجاما مع المسعى الرامي لتدعيم حقوق الإنسان و حمايتها حتى لا يصبح إجراء القبض و توقيف الأشخاص للنظر يكفي لاتخاذه مجرد الاشتباه دون أن يكون للشخص الذي عومل كمجرم و هدرت قرينة براءته أي حق في الطعن.
و مدة التوقيف للنظر تختلف من تشريع لآخر و تمد مؤشرا على مدى احترام كل دولة لحقوق و حريات المشتبه فيهم .
بدأ احتساب مدة التوقيف للنظر :
إن النص على مدة إجراء التوقيف للنظر لا يكفي لضمان الإلتزام بهذه المدة بل يجب بيان كيفية حساب بدايتها سواء بواسطة التشريع أو التنظيم بحيث يتلقى أعضاء الضبط القضائي أثناء تكوينهم كل التفاصيل التي تجعلهم عارفين بلحظة بداية حساب هذه المدة و إلزامهم باثبات ذلك في المحضر فذلك يشكل احدى الضوابط و الضمانات التي تحول دون اهدار قرينة البراءة المقررة للمشتبه فيه.
و لقد نظم المشرع الفرنسي في المادة 124 من مرسوم 1903 المعدل في المرسوم المؤرخ 22 أوت 1958 و المتضمن تنظيم الخدمة في الدرك الفرنسي إجراء التوقيف للنظر و تعرض لمسألة بداية حساب مدة التوقيف للنظر و نظرا لتشابه التشريع الجزائري مع التشريع الفرنسي فإن الإستئناس بالاجتهاد القضائي و الآليات التنظيمية التطبيقية له فائدة في حل جملة من الإشكالات إذ يتم حساب بدء مدة التوقيف للنظر على النحو التالي :
-في حالة التلبس يبدأ حساب مدة التوقيف للنظر منذ لحظة ضبط الشخص متلبسا بالجريمة ، و إذا تعلق الأمر بشخص منعه ضابط الشرطة القضائية من مبارحة مكان ارتكاب الجريمة أو شخص تبين له ضرورة التحقق من شخصيته فإن بداية الحساب مدة التوقيف للنظر يبدأ من لحظة تبليغه وإذا كان الموقوف شاهدا استدعى أمام ضابط الشرطة القضائية فإن سريان المدة يبدأ منذ لحظة تقديمه أمامه.
و قد يرى ضابط الشرطة القضائية في مجرى تحرياته و أثناء سماع شخص ضرورة توقيفه للنظر فيبدأ حساب المدة بالنسبة لهذا الشخص منذ بداية الشروع في سماع أقواله.
و عليه فإن تحديد آجال إجراء التوقيف للنظر في النصوص التشريعية و التنظيمية لا يكفي لضمان احترامها فالمشرع ألزم رجال الأمن بإثبات كيفية تنفيذ هذا الإجراء كتابة في سجل يفتح في مراكز الشرطة و الدرك يعرف يسجل التوقيف للنظر يؤشر عليه وكيل الجمهورية و يراقبه دوريا طبقا لنص المادة 52/02 ، يثبت فيه ضابط الشرطة القضائية رقم المحضر وإسم ولقب الشخص الموقوف وسبب و مدة حجزه.
2-الضمانات المتعلقة بحقوق الموقوف للنظر :
إن الحقوق التي يضمنها المشرع للمشتبه فيه موضوع التوقيف للنظر هي بالنسبة لضابط الشرطة القضائية إلتزامات نصت عليها المادة 51 ق إ ج و كذلك الدستور لخص و تتلخص فيما يلي :
1-حق الاتصال الفوري للموقوف للنظر بعائلته طبقا للمادتين 48 من الدستور و 51 مكرر من ق إ ج.
2-حق زيارة العائلة له طبقا للمادة 51 مكرر ق إ ج.
3-حق الفحص الطبي عند نهاية مدة الحجز و قبل تقديمه أما م القاضي المختص أو إخلاء سبيله و على ضابط الشرطة القضائية أن يبلغه بحقه في إجراء فحص طبي بناءا على طلبه - الموقوف للنظر- أو طلب عائلته أو محاميه و على ضابط الشرطة القضائية تمكينه من ذلك و هذا ما قررته المادة 51 المكرر 01 التي تثير بعض التساؤلات فيما يتعلق بإزامية اخضاع الموقوف للنظر للفحص الطبي حيث حسب النص المذكور أعلاه فإن اتخاذ هذا الإجراء يكون بناءا على طلبه فهل يفهم من ذلك أن حق الموقوف للنظر في الفحص الطبي يسقط و يمكن غض النظر عنه من قبل ضابط الشرطة القضائية إذا لم يطلبه؟ وإذا كان الأمر كذلك فإن هذا يعد إهدارا للحقوق الموقوف للنظر فما الجدوى من إقرار هذا الحق لذلك كان على المشرع إلا يقيد الإجراء على طلب المعني به بل كان الأجدر تحقيقا لضمانات أكبر جعله مطلقا يلتزم به ضابط الشرطة القضائية سواء طلبه المعني أو لم يطلبه .
التساؤل الثاني التي تثيره المادة 51 مكرر 01 هو امكانية التعيين التلقائي للطبيب من طرف ضابط الشرطة القضائية إلا يمكن أن يفتح هذا التعين التلقائي الباب لاهدار حقوق الموقوف خاصة و أنه بالرغم من عدم تشكيكنا في نزاهة الأطباء إلا أنه يمكن لضابط الشرطة القضائية الحصول على شهادات المجاملة.
و أخيرا نص المادة يثير تساؤلا آخر فيما يتعلق بوقت إجراء الفحص الطبي والذي جاء في النص « عند إنقضاء مواعيد التوقيف للنظر ..» و كان الأجدر أن تنص المادة على إلزامية عرض الموقوف على الطبيب منذ بداية التوقيف و تسجيل كل ما يسفر عنه الفحص فورا في السجل الخاص بالتوقيف للنظر لتعاد العملية بعد انقضاء مواعيد التوقيف و تجرى المقارنة بين حالة الموقوف قبل التوقيف و بعده و ما قد يترتب عن ذلك من آثار قد تكشف عن اعتداءات على السلامة الجسدية للموقوف لتعرضه للعنف أو التعذيب قصد إرغامه على الاعتراف بما اشتبه به الأمر الذي يمد انتهاكا خطيرا لقرينة براءته.
3-واجبات ضابط الشرطة القضائية الأمر بالتوقيف للنظر :
- تبليغ وكيل الجمهورية فور اتخاذه هذا الاجراء ( المادة 51 ق إ ج ).
- تقديم تقرير عن مبررات اتخاذ هذا الإجراء طبقا للمادة 51 ق إ ج
- اخبار الموقوف للنظر بالحقوق المخولة له قانون طبقا للمادة 51 ق إ ج
- تمكين الموقوف للنظر من الاتصال الفوري بعائلته و تمكين هذه الأخيرة من زيارته مع اتخاذ كل التدابير اللازمة لمحافظة على سرية التحريات.
- التقيد بكل الشكليات و الإجراءات المتعلقة بمسك سجل التوقيف للنظر و تدوين كل البيانات التي ينص عليها القانون خاصة الهوية الكاملة و الدقيقة للموقوف للنظر و أسباب توقيفه و أوقات الراحة و الاستجواب و يوقع عليه ضابط الشرطة القضائية الأمر بالتوقيف وكذلك الموقوف للنظر في هذا السجل إلى رفض التوقيع عند الاقتضاء و عليه أن يدون كل البيانات السابقة في المحضر.
- السهر على اخضاع المحتجز للفحص الطبي.
رابعا إشكالات التوقيف للنظر:
تجسيدا الاهتمام البالغ الذي تقتضيه قرينة البراءة بالضمانات المخولة للمشتبه فيهم الموقوفين للنظر و ضرورة انسجام و ملائمة تشريعنا للصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان أدخلت التعديلات السابق توضيحها على قانون الإجراءات الجزائية و هي ترمي في مجملها إلى بيان الحقوق المقررة للموقوف للنظر وتدعيم رقابة القضاء على مدى احترام ضابط الشرطة القضائية لهذه الإجراءات.
لكن يثور التساؤل حول الإشكالات التي يثيرها اجراء التوقيف للنظر و تتمثل هذه الإشكالات فيما يلي :
1-مكان التوقيف : يلاحظ عدم وجود نص قانوني يحدد المواصفات النموذجية كمعرفة الاتهام أين يحجز الشخص الموقوف للنظر ( مساحة الغرفة ، نافذة التهوية ، الباب، مكان الغرفة و سعتها دورة المياه هل تكون داخل الغرفة أو خارجها.)
2-مدة التوقيف للنظر : يطرح الإشكال بالنسبة لعدم وجدود نصوص قانونية تنظم مسألة بدء سريان مدة التوقيف للنظر عما خلق اختلاف في الممارسة بين القائمين بهذا الاجراء
-اتصال الموقوف بعائلته و زيارتها له :
لا يوجد نصوص تنظيمية و قانونية تحدد الوسيلة التي يتم بها هذا الاتصال و إلى أي شخص من الأقارب و من أي وقت بالتحديد و عدد مرات الاتصال و هل يحق للموقوف للنظر الأجنبي الاتصال بسفارته و من يتحمل تكاليف هذه الاتصالات و فيما يتعلق بالزيارة لم يحدد القانون الأقارب المسموح لهم بالزيارة و هل يكون ضابط الشرطة القضائية حاضرا أثناء اللقاء أم لا يقتح المجال واسعا لاختلاف في التطبيقات لغياب أحكام قانونية أو تنظيمية تضبط المسائل المذكورة.
3- كثرة عدد الموقوفين للنظر:
من الاشكالات التي تعترض ضابط الشرطة القضائية في التحقيقات الكبرى اكتظاظ غرفة الأمن – غرفة الحجز للنظر – عندما يكون عدد المشتبه فيهم كبيرا . فهل يمكن توزيعهم على الوحدات الأخرى لتفادي الإكتظاظ و ما قد ينجم عنه من آثار سلبية؟
فمن الناحية العملية يتدخل قادة الضبطية القضائية و يتم توزيع الموقوفين على الوحدات الإقليمية فهل يعد هذا الإجراء صحيح؟ و هل تسجل كل وحدة الموقوفين في سجل التوقيف للنظر الممسوك لديه بالسجل الموضوع على مستوى الوحدة القائمة بالتحقيق؟
هذه المسائل من الضروري ضبطها و بيانها بحيث تراعى حقوق الموقوفين للنظر و فعالية التحريات .
4-الفحص الطبي :
يتعلق الإشكال بمن يتحمل تكاليف الكشف و الدواء و الفحوص الطبية و هل يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يكون حاضرا خلال عملية الفحص لأسباب عدة كأمن الطبيب أو توقي هروب الموقوف !
بيان هذه المسألة يتطلب وضع نصوص تكفل فعالية وحدة التطبيق.
5- الأشخاص محل الأوامر القضائية :
- في الممارسة الميدانية يجد ضابط الشرطة القضائية نفسه أحيانا مضطرا لوضع شخص محل أمر قضائي في غرفة الأمن لدواعي أمنية أو لاستكمال التحقيق أو انجاز الملف. أمام هذه الوضعية التي تفتقر للشرعية بسبب عدم وجود نص تشريعي أو تنظيمي يبرر وجود هذا الشخص بغرفة الأمن ، كيف يمكن وصف هذا الإجراء ؟ و ما يترتب عنه ؟ و هل هناك حل لمثل هذا الإشكال؟
6-التغذية :
إن الآلية المتوفرة حاليا بالنسبة لضمان تغذية الموقوفين للنظر أثبتت الممارسة الميدانية قصورها و عدم تلبيتها للحاجة الضرورية، إذا لا يتوفر في كل الحالات وجود مطعم يمكن أن يقدم وجبة و يحرر فاتورة و ينتظر تسديدها. لذلك من الضروري التفكير في أسلوب بديل عملي يسهل عمل الوحدات في هذا المجال.
7-فيما يتعلق بحجز الأحداث :
لقد خص المشرع الجزائري الأحداث بنظام قانوني خاص خلال مراحل الدعوى الجزائية غير أنه سكت عن هذه الفئة في مرحلة التحريات الأولية ( الشرطة القضائية) حيث لا نجد أحكاما تتعلق بإجراءات خاصة بالقاصر ، و الإشكال المطروح بالنسبة لضابط الشرطة القضائية يتعلق أساس بكيفية التعامل القاصر في مجال إجراء التوقيف للنظر و استجوابه (بحضور وليه أم بدونه).
8-التفتيش الجسدي للعنصر النسوي بمناسبة التوقيف للنظر :
تنص التشريعات الأجنبية على أن التفتيش الجسدي للمرأة لا يتم إلا من طرف إمرأة و لا نجد مثل هذا الحكم في التشريع الجزائري.
و يلاحظ في المجال التطبيقي أن مواجهة هذا الإشكال لا تتم بطريقة موحدة و إنما تخضع لاجتهدات و تقدير المحققين.
9-الفصل بين القصر و البالغين وبين الذكور و الإناث :
أثناء ممارسة الميدانية تعترض أحيانا ضباط الشرطة القضائية اشكالات تتعلق بالفصل بين الراشدين و القصر و بين الذكور و الإناث الموقوفين للنظر ، مما يتطلب وضع نصوص تطبيقية تنظيمية تساعد المحقق على مواجهة هذه الأوضاع.
10-زيارة المحامي للموقوف للنظر :
من الأوضاع التي تواجه ضابط الشرطة القضائية ميدانيا طلب المحامين الاتصال بأشخاص موقوفين للنظر. فهل يسمح لهم أم لا؟
إن المشرع الجزائري لم ينص صراحة على السماح للمحامي بالاتصال بموكله أثناء مرحلة الشرطة القضائية مع أنه سمح للموقوف بطلب الفحص الطبي بواسطة محاميه طبقا للمادة 51 من تقنين الإجراءات الجزائية و لا يتصور تحقيق ذلك دون اتصال مباشر أو غير مباشر بينهما مما يستلزم وضع نصوص تضبط هذه الوضعية.
المقترحات والتوصيات :
1-لحل الإشكالات المطروحة و ضبط الاجراءات التطبيقية المتعلقة بالتوقيف للنظر يقترح إعداد مدونة على شكل نص تنظيمي ( تعليمة عامة ) تتضمن تعليمات النيابة و أساليب تطبيق القانون من طرف أعضاء الشرطة القضائية استنادا إلى :
• الممارسات اليومية و طرق العمل الناجعة ال المعتمد من طرف وكلاء الجمهورية و ضباط الشرطة القضائية.
• الفقه القانوني
• الاجتهاد القضائي
• تجارب الدول الأخرى ( لا سيما مصر و فرنسا )
تحرر التعليمة و تصاغ في مواد تتناول اجراءات الشرطة القضائية على أن يسند إعدادها وتحيينها إلى لجنة على مستوى وزارة العدل و يمثل فيها الدرك و الشرطة و الاستعلامات و الأمن.
1-يقترح تمديد مدة التوقيف للنظر بالنسبة للتحقيقات المتعلقة بالجريمة المنظمة ( خصوصا جرائم المخدرات و التهريب و تزوير الوثائق و تزييف العملة و سرقة السيارات و تهريب الآثار).
2-اتصال الموقف بعائلته يكون فورا و إذا رأى ضابط الشرطة القضائية أن ذلك يمكن أن يضر بالسير الحسن للتحقيق فيجب أن يبلغ وكيل الجمهورية الذي يمكنه أن يؤجل هذا الاتصال ونفس الشيئ بالنسبة للزيارة، الاتصال بالعائلة يمكن تحديدها و قصرها على الأصول و الفروع والحواشي أو على الأصهار عند عدم وجود الآخرين و ممثل السفارة القنصلية بالنسبة للأجانب.
4-الفحص الطبي : المبدأ أن الكشف على الموقوف للنظر يتم دون حضور المحقق، غير أن تقدير ذلك يرجع لضابط الشرطة القضائية بالنظر إلى خطورة الموقوف و سوابقه و طبيعة التهمة الموجهة إليه، و مهما يكن فإن تبليغ وكيل الجمهورية و تسجيل ذلك في المحضر من الضروريات التي على ضابط الشرطة القضائية أن يقوم بها.
5-في حالة العدد الكبير للموقوفين يجوز توزيعهم على وحدات مختلفة على أن يحرر محضر أو مستندا يضاف إلى ملف القضية و يبلغ وكيل الجمهورية عن ذلك كما يسجل الموقوف في السجل التابع للوحدة المحجوز فيها إمعانا و زيادة في الضمانات.
6-ضرورة ضبط كيفية حساب بداية سريان مدة التوقيف للنظر، و أساليب دفع تكاليف التغذية و الفحص و استعمال وسيلة الاتصال و بيان مواصفات و مقاييس غرفة الامن بما في ذلك التهوية و مكان قضاء الحاجة.
7- تقنين مبدأ التفتيش المرأة على أن يتم إلا بمعرفة إمرأة ، و تحديد كيفية تطبيق هذا المبدأ.
8-الفصل بين النساء و الرجال في التوقيف للنظر و بين الأحداث و الراشدين و من الضروري أن يكون هناك نص يتناول أساليب التعامل مع الأحداث و النساء و طريقة توقيفهم للنظر على أن يبلغ قاضي الأحداث بالإضافة إلى وكيل الجمهورية.
و بناء على ما سبق تجدر الإشارة إلى أن تقرير لجنة إصلاح العدالة قد تعرض بدوره للإشكالات والنقائص المسجلة في مجال التوقيف للنظر تحت عنوان« المحافظة على قرينة البراءة لما لإجراء التوقيف للنظر من أثر في تقييد حرية الموقوف و المساس بأصل براءته و من أهم ما جاء في التقرير المذكور أعلاه النقاط التالية :
- إن قرينة البراءة التي هي مبدأ دستوري و المقررة للمشتبه فيه يدب أن تكون محترمة طيلة مرحلة التحريات الأولية.
- إن قرار حجز الشخص للنظر يجب أن يكون مسببا و خاضعا للرقابة ++ لوكيل الجمهورية.
- تدعيم استكمال نصوص قانون الإجراءات الجزائية المتعلقة بالحجز للنظر بنصوص تطبيقية تبين تفاصيل و شروط تنفيذ هذا الأمر.
- تحديد قائمة رسمية تتضمن الأماكن و المحلات التي يودع بها الشخص المحجوز للنظر.
- تعريف و ضبط السلطات المخولة لكل من وكيل الجمهورية و ضابط الشرطة القضائية بخصوص الحجز للنظر .
- توزيع المذكرات والمناشير لتذكير ضابط الشرطة القضائية بالالتزام الذي يقرره القانون على عاتقهم و المتعلق بتبليغ المحجوز للنظر بحقه من الاتصال بعائلته.
- توزيع المذكرات الو المناشير لتذكير ضابط الشرطة القضائية بالتزام الذي يقرره القانون على عاتقهم و المتمثل في تبليغ المحجوز للنظر بحقه في اجراء الفحص الطبي.
- اتخاذ الإجراءات المادية اللازمة لتمكين المحجوز ++ من إعلام عائلته و الاتصال بها.
- النص على جزاءات ( عقوبات ) تأديبية من ضابط الشرطة القضائية الذين+++ بالحقوق المخولة له قانونا للمحجوز للنظر.
- توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتغطية المصاريف المتعلقة بالمحجوزين للنظر في مصاريف الغذاء – مصاريف مستلزمات النظافة.
- تطبيق أحكام المادة 51 من ق إ ج المتعلقة بحق المحجوز للنظر في الفحص الطبي إذا طلب ذلك منه بنفسه أو بواسطة محاميه أو أحد أفراد عائلته.
- اتخاذ كل التدابير للتطبيق الفعلي لأحكام الدستور و قانون الإجراءات الجزائية المتعلقة بتعين طبيب للفحص الشخصي للمحجوز للنظر إذا طلب ذلك لنفسه أو محاميه أو أحد أفراد عائلته و إجراء هذا الفحص يكون إما أثناء فترة الحجز أو عند تقديمه أمام النيابة تحت طائلة تعرض المسؤول عن الإخلال بهذا الإجراء لجزاءات تأديبية أو جنائية.
- الطبيب المعين يكون من بين أطباء محلفين يختاره المحجوز للنظر أو أحد أفراد عائلته.
- النص على جزاءات في حالة تطبيق أحكام القانون الإجراءات الجزائية.
- الشهادات الطبية يجب أن تلحق بعنصر التحريات الأولية تحت طائلة بطلان تلك التحريات.
- إذا كان الشخص المحجوز للنظر يعاني من مرض خطير أو مرض مزمن يمكنه أن يطلب طبيبه +++ أثناء فترة الحجز .
- العمل على ضمان الانسجام بين الحكام قانون الإجراءات الجزائية المتعلقة بالحجز لنظر في تحريات طبقا لإجراءات التحقيق الأولي أو إجراءات الجريمة المتلبسة.
- اعتماد مبدأ القبول هو محامي للمحجوز لنظر بعد مرور فترة 24 ساعة من فترة حجزه باستثناء +++ المشتبه في +++ الجرائم المنظمة أو تناول المخدرات أو جريمة الارهاب والتخريب في هذه الجرائم لا يمكن الاستعانة بمحامين إلا بعد تمديد الحجز بقرار من وكيل الجمهورية.
- تحديد نطاق تدخل المحامي بحيث لا يعرقل تدخله السير الحسن لمجريات التحقيق و البحث عن الأدلة.
- الاهتمام بكل تفاصيل مجريات اجراء الحجز للنظر مع تمكين المحامي من تسجيل الخرقات الملاحظة و على سجل خاص يفتح لهذا الغرض.
خلاصة : ++ هي مقترحات لجنة اصلاح العدالة فيما يتعلق بإجراء التدقيق للنظر و التي تهدف ++++.
المطلب الثاني : الضمانات المقررة أثناء مرحلة التحقيق الابتدائي.
تعد مرحلة التحقيق الابتدائي همزة وصل بين مرحلة التحريات الأولية و مرحلة التحقيق النهائي و بالرغم من أن المشرع خص مرحلة التحريات أولية بقواعد قانونية تشكل في جزء كبير منها ضمانات لتدعيم حماية قرينة البراءة لا سيما تلك المتعلقة بالتوقيف للنظر باعتباره قيدا على الحرية كما سبق بيانه فإنه في مرحلة التحقيق الابتدائي ذهب أبعد من ذلك بأن أحاط الشخص محل المتابعة الجزائية باعتباره أصبح متهما بعد أن كان مجرد مشتبه فيه بقدر أوفر من الضمانات منها ما يتعلق بدعم الدفاع عن قرينة براءته و منها ما يقلص أو يخفف من آثار بعض الإجراءات الماسة بحرية المتهم لا سيما اجرامي الحبس المؤقت و الرقابة القضائية اللذان قد يشكلان انتهاكا صارخا لقرينة البراءة الاصلية للمتهم إذا ما استعملا بغير ضوابط قانونية
و عليه سنتناول من خلال الضمانات المشار إليها أعلاه على النحو الأتي بيانه :
الفرع الأول : الضمانات المتعلقة بدعم الدفاع المتهم عن قرينة براءته الأصلية
الفرع الثاني : مكانة قرينة البراءة بين الحبس المؤقت و الرقابة القضائية
الفرع الأول :الضمانات المتعلقة بدعم دفاع المتهم عن قرينة براءته الأصلية .
حرصت المواثيق الدولية . و حذا حذونها المشرع الجزائري على إبلاغ المتهم فورا وبالتفصيل و في لغة مفهومة لدبه ++ و سبب التهمة الموجهة إليه و بحقه في سماع أقواله إائه ابتداءا من اللحظة التي يوجه فيها الإتهام إلى شخص معين يصبح من حقه أن يقدم تفسيرات بالنسبة للاتهامات الموجهة إليه و من هنا كانت حاجة المتهم إلى الاستجواب ، الذي لم تعد الغاية منه مقصورة على جمع الأدلة بل أصبح وسيلة الدفاع رئيسية للمتهم تتيح له فرصة التدخل لمناقشة الإدعاءات المقامة ضده و الإدلاء بتبريراته و أوجه دفاعه عن قرينة براءته – و لو أن هذه الأخيرة أصل مسلم لا يحتاج إلى سعي المتهم لإثباته و أنها يكون على جهة الإتهام اثبات عكسه.
و من جهة أخرى فإن قرينة البراءة الأصلية للمتهم قد تتزعزع عند ممارسة قاضي التحقيق لسلطته في اصدار الأوامر ++ قد يمس بصفة مباشرة بها – قرينة البراءة – ودعما لحق المتهم في الدفاع عن قرينة برائته خول له المشرع لحق المتهم من الدفاع عن قرينة برائته خول له المشرع بنص المادة 172 ق إ ج الحق في رفع استئناف بنفسه أو بنص المادة 172 ق إ ج الحق في رفع استئناف بنفسه أو بواسطة وكيله أمام غرفة الاتهام بالمجلس القضائي عن الأوامر المنصوص عليها من المواد 74،123 مكرر ، 125،125-1 ، 125مكرر، 125مكرر1 ،125 مكرر2 و 127 و 143 و 154 من هذا القانون و كذلك عن الأوامر التي يصدرها القاضي التحقيق من اختصاصه في نظر لدعوى إما من تلقاء نفسه أو بناء على رفع أحد الخصوم بعدم الاختصاص.
و تبعا لما سبق ذكره تناوله في النقاط التالية الضمانات المكفولة للمتهم لدعم الدفاع عن قرينته براءته أمام القاضي التحقيق و نركز فقط على إجراء الاستجواب باعتباره وسيلة المتهم الرئيسية لإبداء أوجه دفاعه عن براءته و الضمانات التي أحاطها المشرع بهذا الإجراء و في نقطة ثانية نعرض الضمانات المحيطة بالأوامر العشرية الصادرة +++ و في نقطة ثالثة نتطرق إلى فرصة الاتهام كجهة رقابة على مدى احترام قاضي التحقيق للضمانات المقررة لصالح المتهم و لحماية قرينة براءته .
أولا : الضمانات المكفولة للمتهم للدفاع عن قرينة براءته أمام قاضي التحقيق
1-الحماية القانونية لإجراء الاستجواب :
يتم استجواب المتهم على مرحلتين :
-عند حضور المتهم لأول مرة أمام قاضي التحقيق حيث يتم التعرف على هوية و إحاطته بالواقع المنسوبة إليه دون مناقشتها مع إبلاغه.
-إنشاء سير التحقيق يقوم قاضي التحقيق باستجواب المتهم في الموضوع عن طريق توجيه له أسئلة و تلقي الأجوبة عنها حول وقائع الدعوى و مواجهته بالأدلة حتى يتسنى له مناقشتها.
و بعد استجواب المتهم اجراء جوهريا لا بد منه بحيث لا يمكن لقاضي التحقيق إغلاق التحقيق دون القيام به و لو مرة واحدة ما لم يصدر أمرا بانتقاء وجه الدعوى أو كان المتهم في حالة فرار .
و فيما يلي أهم الضمانات المقررة كنظام حماية فانونية لاجراء الاستجواب أوردتها المادة 1000 ق إ ج.
1-الضمانات المقررة للمتهم في الاستجواب على الحضور الأول.
أ- إحاطة المتهم علما بالوقائع المنسوبة إليه :
بغية أن يكون لحق الدفاع فعالية و أثر ايجابي خلال مرحلة التحقيق الابتدائي لا بد أن يحاط المتهم علما بالوقائع المنسوبة إليه و الأدلة المقدمة ضده مع إحاطته أيضا بالنصوص القانونية المحددة لنوع الجزاء المقرر لتلك الوقاع كما يتعين إخطاره بكافة الأوامر القضائية المتعلقة بالتحقيق حتى يتمكن الدفاع من الطعن فيها إذا رأى أن فيها مساس ببرائته الأصلية .
و بناء على ذلك فإن الحق في الإحاطة بالتهمة يشمل أمرين :
أولهما : إخطار المتهم بالوقائع المنسوبة إليه.
ثانيهما : إخطار المتهم بالأوامر القضائية المتعلقة بالتحقيق.
و يعد إعلام المتهم بالأوامر القضائية المتعلقة بالتحقيق و يعد إعلام المتهم بالوقائع المنسوبة إليه إجراء أساسيا حيث يجسد اتهام الشخص محل متابعة و من ثم فهو من الإجراءات التي يترتب البطلان على عدم الإلتزام بها.
و تجدر الإشارة إلى أن يجوز لقاضي التحقيق أن يعلم المتهم بالوصف القانوني للوقائع المنسوبة إليه حسب ورودها
في الطلب الافتتاحي لإجراء التحقيق حتى و إن كان المشرع لا يلزمه بذلك.
ب – تنبيه المتهم إلى حقه في عدم الإدلاء بأي تصريح : حق الصمت :
بعد إعلام المتهم بالوقائع المنسوبة إليه يتعين على قاضي التحقيق تنبيه المتهم إلى حقه في عدم الإدلاء بأي تصريح يعد هذا الإجراء اجراءا جوهريا يترتب على عدم مراعاته بطلان الاستجواب،ينوه قاضي التحقيق عن ذلك التنبيه في المحضر الذي يحرره بهذه المناسبة، فإذا إلتزم المتهم الصمت و لم يدل بأي تصريح انتقل قاضي التحقيق إلى الإجراء الذي يليه إما إذا أراد المتهم أن يدلي بأقواله فالقاضي التحقيق أن يتلقاها فورا غير أن هذه الأقوال لا يتعد استجوبا حقيقيا حيث يكون قاضي التحقيق في مركز المستمع فلا يمكنه طرح الأسئلة على المتهم و لا مناقشة تصريحاته و لا التشكيك في أقواله و عليه فإن المتهم الحق في أن يصمت و يرفض الإجابة عن الأسئلة الموجهة إليه و في هذا الإطار لا مناص من الذكر بأنه قد ورد النص على هذا
الحق في توصيات عديدة .
و طالما كان صمت المتهم و امتناعه عن الإجابة استعمال لحق مقرر بمقتضى القانون مستمد من حريته من إبداء أقواله فلا يجوز للهيآت القضائية أن نستخلص من صمت المتهم قرينة ضده و عليه فإن من حق المتهم أثناء الاستجواب إلتزام الصمت إن شاء عملا بمبدأ جوهري هام تتقيد به اجراءات الدعوى الجنائية ألا وهو أن المتهم بريء إلى أن تثبت ادانته من طرف جهة قضائية مختصة يحكم بحكم قضائي بات.
و ما نخلص إليه بخصوص حق الصمت هي أنها إذا كان قاضي التحقيق حر في بناء اقتناعه ++ القضية المطروحة أمامه للتحقيق فيها خاصة أمام ضمت المتهم و عدم الإجابة على الأسئلة المطروحة عليه غير أنه من غير الجائز أن يفسر ذلك الصمت بأنه اعتراف ضمني – ومن شروط صحة الاعتراف كذليل اثبات جنائي أن يكون صريحا – من المتهم بالوقائع المنسوبة إليه هذا من جهة إلا أنه من أخرى ينبغي على المتهم التجاوب مع قاضي التحقيق بهدف الوصول إلى الحقيقة و إزالة الشك الذي قد يتولد في ذهن القاضي.
ج- تنبيه المتهم إلى حقه في الاستعانة بمحام :
أوجبت المادة 100 ق إ ج على قاضي التحقيق بعد أن يحيد المتهم بالوقائع و التهمة المنسوبة إليه و ينبهه بحقه في عدم الإدلاء باي أقوال و أن ينبه المتهم بحقه في الاستعانة بمحامي وللمتهم بعد ذلك أن يستعمل هذا الحق أو يتنازل عنه و في هذه الحالة تكون أمام احتمالين:
1-إما أن يتنازل المتهم صراحة عن حقه في الاستعانة بمحامي ، و في هذه الحالة يجوز لقاضي التحقيق بعد أن يثبت تنازل المتهم في المحضر الشروع في استجواب المتهم في الموضوع ومواجهته بأدلة الاتهام و لا يكون للمتهم حق الإطلاع على أوراق الإجراءات كما ليس من حقه أن يبلغ بالأوامر القضائية و يكف للمتهم العدول أو تنازله من أي مرحلة وصل إليها التحقيق .
2- إما أن يطلب المتهم الاستعانة بمحام سواء اختار لنفسه محام ففي هذه الحالة يتوقف قاضي التحقيق بمجرد سماع المتهم عند الحضور الأول و لا يجوز له استجواب المتهم في الموضوع إلا في حضور محاميه أو بعد استدعائه قانونا.
و علاوة على ذلك ، إذا كان المتهم محامي و جب على قاضي التحقيق مراعاة الأحكام الواردة بالمادة 105 من ق إ ج و التي تقتضي استدعاؤه لحضور الاستجواب ++++ بكتاب موحى عليه بأربع و عشريين ساعة على الأقل ما لم يتنازل المتهم صراحة على ذلك او كان اللجوء لإجرائي الاستجواب أو المواجهة تقتضيها حالة استعجال ناجمة عن وجود شاهد في خطر الصون أو عن وجود و امارات و معالم على وشك الاختفاء كما تنص على ذلك المادة 101 من ق إ ج و تجدر الإشارة إلى أنه يجب أن تراعى في تحرير محضر الاستجواب أو المواجهة الأحكام المنصوص عليها في المواد 91،92،94،95 من ق إ ج المتعلقة بالإستعانة بكاتب ضبط و بمترجم عند الاقتضاء و بالتوقيع على كل صفحه من صفحات المحاضر وبالمصادقة على كل شطب أو تحشر وارد فيها.
يعتبر قاض التحقيق قد استكمل أداء التزامه القانوني اتجاه المتهم بتنبيهه لحقه الاستعانة بمحام عند الحضور الأول و لا يبق للمتهم حينئذ إلا الاستجابة لذلك أو التنازل عن هذا الحق واستجابة المتهم لهذا التنبيه يتخذ فرضيتين.
إما أن يقوم المتهم باختيار محاميه بنفسه.
إما أن يطلب المتهم تعيين محام له و في هذا ضمانة للمتهم بتجسيد أساس في دور المحامي في هذه المرحلة التحقيق الابتدائي و مدى مساعدته +++ في الدفاع عن قرينة براءته.
2-الضمانات المقررة للمتهم عند الاستجواب الجوهري :
و يقصد استجواب المتهم في الموضوع عن طريق توجيه أسئلة و تلقي الأجوبة عنها ومواجهته بادلة الاتهام ليقوم بمناقشتها و هو إجراء جوهري يحمل به وجوبا و لو مرة واحدة أثناء التحقيق غير أنه يجوز الاستغناء عنه في حالات محصورة و هي:
- إذا أدلى المتهم عند الحضور الأول بتصريحات من تلقاء نفسه و كانت كافية لإظهار الحقيقة.
- إذا كان المتهم في حالة فرار.
- إذا أصدر قاضي التحقيق أمرا بانتقاء وجه الدعوى.
و نظر لخطورة هذا الإجراء لما قد يترتب عنه من آثار على حقوق المتهم أحاطه المشرع بضمانات تكفل دعم دفاعه عن قرينة براءته و تتمثل هذه الضمانات فيما يلي:
أ-حق المتهم الموقوف من الاتصال بمحاميه :
و يتم ذلك بحرية و بمجرد حبسه اثر سماعه عند الحضور الأول و طيلة مدة التحقيق و لا يسري على المحامي أحكام المنع من الاتصال لمدة 10 أيام المنصوص عليها بالمادة 102 ق إ ج
ب-حق المتهم الموقوف في مراسلة محاميه :
بحيث لا يجوز حجز رسائل المتهم و محاميه أو الإطلاع عليها.
ج- حق المتهم في استجوابه في حضور محاميه أو بعد دعوته قانونا
د-حق الدفاع في الإطلاع على ملف الإجراءات و الحصول على نسخ منه:
و ذلك حتى يتمكن المحامي من القيام بواجبه على أكمل وجه و يصبح حضوره في الاستجواب مجديا و مفيدا يجب أن يكون ملما بجميع وقائع القضية المنسوبة للمتهم و الأدلة والقوانين القائمة ضده و كل ما تم من اجراءات أو وجد من مستندات و ذلك حتى يستطيع أن يتابع التحقيق و يبدي ملاحظته و يقدم دفاعه و الوسيلة الأساسية التي تمكنه من استيفاء هذه المتطلبات هي اطلاعه على ملف التحقيق و حصوله على نسخة من قبل بدء الاستجواب موكله و بهذا نصت المادة 105 من ق إ ج حيث توجد وضع ملف الإجراءات كاملا تحت طلب محامي المتهم قبل كل استجواب ب 24 ساعة على الأقل و في حالة تعدد المحامين يكفي وضع الملف تحت يد أحدهم و منذ صدور القانون رقم 90/24المؤرخ في 18 غشت 1990 المعدل والمتمم ل ق إ ج أصبحت المادة 68 مكرر الجديدة تلزم قضاة التحقيق بتحرير نسخة ثانية لاعن الإجراءات توضع خصيصا تحت تصرف محامي الأطراف عندما يكونوا مؤسسين و اجازت نفس المادة استخراج صور عن ملف الإجراءات .
يتضح مما سبق بيانه أن المشرع قد أحاط إجراء الاستجواب المنوط بقاضي التحقيق بمجموعة معتبر من الضمانات تهدف في مجملها إلى دعم حقوق الدفاع عن قرينة البراءة التي يتمتع بها الشخص المتابع جزائيا و تندرج كل هذه الضمانات تحت التزام قانوني ملقى على قاض التحقيق و هو التحقيق للكشف عن الحقيقة بالتحري عن أدلة الاتهام و أدلة النفي كما نصت على ذلك المادة 68 من ق إ ج بموجب قانون 01/08 المؤرخ في 26 يونيو 2001 و التي أخذت بمقترحات لجنة اصلاح العدالة الرامية إلى ضرورة إدراج قاعدة في قانون الإجراءات الجزائية تلزم التحقيق و البحث عن أدلة الثبات و أدلة التفي و ما هذه الضمانات +++ قرينة البراءة.
ثانيا : الضمانات المكفولة لاحترام قرينة البراءة أثناء اصدار الأوامر القصرية:
حدد المشرع قاضي التحقيق سلطة اتخاذ قرارات قسرية لضبط و احضار المتهمين و اداعهم بالمؤسسات العقابية و يعد اصدار الأوامر القسرية من أخطر المهام المنوطة بقاضي التحقيق لما تشكله من انتهاكات للحرية الفردية و تتمثل هذه المهام فيما يلي :
- الأمر بإحضار المتهم.
- الأمر +++
- أمر ايداع المتهم الحبس
و سنقتصر على دراسة الضمانات المتعلقة بأمري الاحضار و القبض ++++ الذي سيتم التعرض له في عناصر مستقلة و أكثر تفصيلا لاحقا.
و نظرا لما يجمع بين أمري الإحضار و القبض من خصائص أرتآينا تبيان العناصر المشتركة بينهما ثم نتطرق للضمانات المحيطة لكل أمر على حدى.
الخصائص المشتركة لأمري الإحضار و القبض :
يتفق الأمران من حيث التبليغ و التنفيذ اللذين يتمان من قبل ضابط من ضباط الشرطة القضائية أو أحد أعوانها أي عون من أعوان القوة العمومية و يعرض الأمر على المتهم و تسلم له نسخة منه طبقا لما جاء في نص المادة 110/ 02 من ق إج
و إذا كان المتهم محبوسا من قبل لسبب آخر يجوز تبليغه الأمر عن طريق ++ مدير المؤسسة الذي يسلمه نسخة معه.
و في حالة الاستعجال يجوز إيذاع الملف الأمر بكل الوسائل على أن توضع بالأمر جميع البيانات الجوهرية الواردة في أصل الأمر و بالأخص هوية المتهم و نوع التهمة و إسم و صفة القاضي مصدر الأمر و يوجه الأمر في أقرب وقت إلى العون المكلف بتنفيذه تطبيقا لنص المادة 111/02 ق إ ج .
و إذا رفض المتهم الامتثال للأمر أو حاول الهرب تعين احضاره جبرا عن طريق القوة 116ق إ ج و لحامل الأمر في هذه الحالة استخدام القوة العمومية للمكان الأقرب إليه و لهذه الأخيرة أن تمتثل لها تضمنه الأمر من طلبات.
و من جهة أخرى سواء ضبط المتهم في دائرة اختصاص القاضي الآمر أو خارجه لا يجوز أن يبقى المتهم في مؤسسة عقابية بدون استجواب أكثر من 48 ساعة و إلا أعتبر المحبوس تعسفيا المادة 113و 121 ق إ ج و المادة 291 ق ع.
إلا أنه بالرغم من مواطن الاشتراك السابقة الذكر إلا أن الأمرين يختلفان ++++ على النحو +++ فيما يلي:
الضمانات المحيطة بأمر الإحضار:
يعرف أمر الإحضار طبقا لما جاء بنص المادة 110 / 01 ف إ ج بأنه الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى القوة العمومية لاقتياد المتهم و مثوله أمامه فورا ، و لقد كفل المشرع حرية وحقوق المتهم الذي يضبط بناءا على أمر احضار بضمانات تشكل قيودا و اجراءات يلتزم بها قاض التحقيق مصدر الأمر تتمثل فيما يلي:
1-عدم استعمال القوة و العنف لاحضار المتهم كمبدأ وذلك ما تستخلصه من المواد القانونية التي لم تجد القوة العمومية إلا في حالة رفض المتهم الامتثال لأمر الإحضار أو محاولة الهرب اقراره إلا أنه مستمد للحضور تطبيقا لما نصت عليه المادة 116 ق إ ج.
2-اقتياد المتهم على الفور أمام القاضي مصدر الأمر دون أي ++++ تطبقا لما جاء +++ المادة 110/01 ق إ ج.
3-حق المتهم في رفض الانتقال في حالة ضبطه خارج دائرة اختصاص قاضي التحقيق مصدر أمر الاحضار شريطة ابدائه حججا قوية +++ التهمة المنسوبة إليه أمام وكيل الجمهورية عند استجوابه و تلقي أقواله يعد +++ في حقه في عدم الإدلاء بأي تصريح.
4-إلزام المحقق باستجواب المتهم بمساعدة محاميه طبقا لنص المادة 112 ق إ ج
5- تقديم نسخة من أمر الإحضار للمتهم و ذلك لتمكينه من الإطلاع على التهمة المنسوبة إليه لمنحه فرصة لتهيئة دفاعه و الاستعانة بمحامي.
الضمانات المحيطة بأمر القبض :
إن الأمر بالقبض يعد من أخطر الأوامر القسرية التي يصدرها قاضي التحقيق لمساسه بحق دستوري هو حرية التنقل و هو من الحقوق العامة التي تضمنتها مواثيق الأمم المتحدة و من بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ‘ذ نصت المادة 09 منه +++:« منع القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا و هو ما أكده الدستور الجزائري »، و نظرا لما قد يشكل الأمر القبض من خلق الشبهات التي تحيط بقرينة براءة المتهم فقد حاول الشرع أحاطته بمجموعة من الشروط تشكل في مضمونها ضمانات تتمثل فيما يلي:
أولا : الأشخاص الذين لهم حق اصدار أمر بالقبض:
لقد وضحت لنا المادة 190/1 من ق إ ج أن أمر القبض يصدر عن قاضي التحقيق وذلك بقولها :"يجوز لقاضي التحقيق حسبما تقتضي الحالة أن يصدر أمرا … بإلقاء القبض عليه …" كما أكدته المادة 119/2 منه بنصها :" … فيجوز لقاضي التحقيق بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية أن يصدر ضده أمر بالقبض…" و كذا المادة 121 في فقرتها الثانية، كما بينت المادة 358 إذا كان الأمر متعلقا بجنحة من جنح القانون العام و كانت العقوبة المقضي بها لا تقل عن الحبس سنة أن تامر بقرار خاص مسبب بإيداع المتهم في السجن أو القبض عليه …"
و يستفاد من نصوص هذه المواد أن الأشخاص الذي يحق لهم اصدار أمر بالقبض هم : قاضي التحقيق أو من يقوم مقامه في جهة التحقيق كغرفة الاتهام منى رأت لزم ذلك، و كذا قاضي الحكم طبقا للشروط المنصوص عليها في المادة 358 سالفة الذكر.
ثانيا : أن يكون الفعل الإجرامي المنسوب إلى المتهم جناية أو من الجنح المعاقب عليها بعقوبة الحبس:
و هذا ما أكدته الفقرة الثانية من المادة 119 من ق إ ج بقولها : " … فيجوز لقاضي التحقيق بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية أن يصدر ضده أمر بالقبض إذا الفعل الإجرامي معاقبا عليه بعقوبة جنحة الحبس أو بعقوبة أشد جسامة …" و من ثم فلا يجوز اصدار الأمر بالقبض في الجنح المعاقب عليها بالغرامة و كذا في المخالفات عموما. و هذا المنع يعد في حد ذاته ضمانة للمتهم ، حيث لو حبس في جريمة كانت عقوبتها غرامة أو مخالفة يعد حبسه تعسفيا وجب اطلاق سراحه فورا .
ثالثا :أن يكون المتهم هاربا أو مقيما خارج الجمهورية :
طبقا للمادة 119/2 من ق إ ج : و في هذه الحالة نميز بين :
أ)-ما إذا ضبط على المتهم لمؤقتضى أمر بالقبض في دائرة اختصاص قاضي التحقيق مصدرا لأمر ، فإن لهذا الأخير – أي قاضي التحقيق – احترام الإجراءات التالية:
يجب أن يقتاد المتهم بدون تأخير إلى مؤسسة إعادة التربية المبينة في أمر القبض طبقا للمادة 120 من ق إ ج.
يتعين على قاضي التحقيق أن يستجوب المتهم خلال ثمان و أربعين ساعة من حبسه، فإن لم يستجوب ومضت هذه المهلة دون استجوابه، يقدم المتهم إلى وكيل الجمهورية الذي يطلب من قاضي التحقيق أو من أي قاضي آخر من قضاة المحكمة القيام باستجوابه في الحال و إلا أخلي سبيله ، طبقا لأحكام المبينة في المادتين 112،113 م ق إ ج ، بل و يعتبر كل متهم ضبط بمقتضى أمر بالقبض و بقي في مؤسسة عقابية أكثر من 48 ساعة دون أن يستجوب، محبوسا حبسا تعسفيا يسأل عنه جزائيا كل قاضي أو موظف أمر به طبقا لأحكام المادتين سالفة الذكر .
ب)أما إذا ضبط على المتهم بمقتضى أمر بالقبض خارج دائرة اختصاص قاضي التحقيق مصدر الأمر، فيقتاد المتهم في الحال إلى وكيل الجمهورية لمكان القبض الذي يقوم باستجوابه عن هويته ويتلقى أقواله بعد تنبيهه بأنه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح، و ينوه عن ذلك التنبيه في المحضر طبقا لأحكام الفقرة الثانية من المادة 121 من ق إ ج ، ثم يقوم وكيل الجمهورية بغير تمهل باخطار القاضي الذي أصدر الأمر بالقبض، و يطلب من المصالح المعينة نقل المتهم إلى قاضي التحقيق مصدر الأمر .
رابعا : لكي يضمن قاضي التحقيق تنفيذ الأمر بالقبض تنفيذا صحيحا، يجب عليه استطلاع رأي وكيل الجمهورية طبقا لأحكام المادة 119 الفقرة الثانية ، حيث نصت على أنه:"… فيجوز لقاضي التحقيق بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية أن يصدر ضده أمرا بالقبض… و في اعتقادي أن المشرع أتى بهذا القيد قصد المحافظة على الحريات التي كرستها الدساتير الجزائرية الأربعة .
خامسا : لقد حرص المشرع الجزائري على تحديد أجل الاستجواب حيث أوجب قاضي التحقيق في حالة الحصول القبض على المتهم داخل اختصاصه،أن يستجوب المتهم في ظرف ثمان و أربعين ساعة، و إذا تعذر ذلك طبقت أحكام المادتين 112 و 113 من ق إ ج، و هذا يعد ضمانة للمتهم حتى لا يحبس و ينسى أمره أو يماطل في استجوابه.
سادسا : يتميز منزل المتهم بحماية قانونية و حصانة دستورية ، حيث لا يجوز لضابط أو لعون المكلف بتنفيذ الأمر بالقبض أن يدخل مسكنه قبل الساعة الخامسة صباحا و لا بعد الثامنة مساء، تطبيقا لحكم المادة 122/1 من ق إ ج التي تنص :" لا يجوز للمكلف بتنفيذ أمر القبض أن يدخل مسكن أي موا طن قبل الساعة الخامسة صباحا و لا بعد الساعة الثامنة مساءا …"
سابعا : من حيث تبليغ أمر القبض على المتهم ، يحصل بتبليغ الأمر بالقبض و تنفيذه طبقا لأحكام المواد 110 و 111 و 116 من ق إ ج المتعلقة بالأمر بالإحضار، و المادة 119 الفقرتين الثانية والثالثة.
و بتاء على ذلك يتم تنفيذه معرفة أحد الضباط أو أعوان الشرطة القضائية أو أحد أعوان القوة العمومية بعد عرضه على المتهم و تسليمه نسخة منه، و يجوز في حالة الاستعجال إذاعة الأمر بجميع الوسائل .
و عليه فإنه يجب على قاضي التحقيق الذي يصدر أمر بالقبض ضد أي شخص +++ بارتكاب جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة الحبس أن يبلغ هذا الأمر إلى +++ قبل تنفيذه .
كما أوجب القانون أن يشتمل الأمر بالقبض على عناصر الأمر بالقبض شكلية يمكن تلخيصها فيما يلي :
- بيان اسم القاضي مصدر الأمر.
- ذكر هوية المتهم و نوع التهمة.
- الإشارة إلى النصوص القانونية المطابقة على الجريمة المنسوبة للمتهم .
- ذكر تاريخ صدور الأمر و +++ بتوقيع و ختم قاضي التحقيق +++ .
كما لا يجوز القبض على المتهم ++ توفر دلائل قوية تبرر القبض +++ إذا بطل القبض لعدم مشروعية +++ فاي شكله +++ بالنتيجة كل دليل مترتب مباشرة عنه.
و خلاصة القول هو أنه إذا قبض على شخص في غير الأحوال +++ قانونا فإن ذلك يتعد جريمة يعاقب عليها في المادة 107 من ق ع حيث نصت على أنه يعاقب ++++ من 05 إلى 10 سنوات أن ++++أو ما +++ الشخصية للفرد … ».
ثالثا :دور غرفة الاتهام كجهة رقابة على مدى احترام قاضي التحقيق للضمانات المقررة لصالح المتهم في حماية قرينة براءته :
تمارس غرفة الاتهام رقابة فعلية على أعمال القاضي التحقيق كمحقق و هذه الرقابة نوعان:
رقابة ملازمة لإجراءات التحقيق :
من خلال سلطات غرفة الاتهام في مواجهة اجراءات التحقيق يتدارك ما أغفله قاضي التحقيق من إجراءات من شأنها اتخاذها تدعيم قرينة البراءة و اعادة تكييف الواقع تكييف صحيحا و سلطة اتهام الأشخاص الذي لم يحاولوا إليها إحالة المتهمين أمام جهات الحكم المختصة عند الانتهاء من فحص الملف و لها بناءا على ما سبق +++ سلطة اجراءات تحقيق تكميلية وسلطة توسيع الإتمام +++ أشخاص آخرين .
رقابة على صحة الاجراءات التحقيق :
تكون الإجراءات التحقيق التي يقوم بها قاضي التحقيق مشوبة بالبطلان نتيجة لعدم صحتها المترتبة على عدم مرعاة نصوص القانون سواء أكان البطلان مقرر بنص صريح أو كان بطلان جوهريا و قد حدد الشرع حالات البطلان النصي في المادة 157 /01 من ق إ ج و هي :
- عدم مراعاة الأحكام المقررة في المادة 100 المتعلقة باستجواب المتهمين.
- عدم مراعاة الأحكام المقررة في المادة 105 المتعلقة +++ المدعي المدني
- و ما يمكن ملاحظته هو أن نص المادة 157/ 01 حصر الأسباب البطلان بالنسبة للقيم في الحالات التي لا تراعى في المادة 105 في حين ذكرت مخالفة أحاكم المادة 105 ضمن أسباب البطلان بالنسبة للمدعي المدني.
و كان المشرع بذلك يسهر على ضمان حقوق المدعي المدني دون +++ و هذا الأمر مخالف لسياق القانون و +++ ثم نرى أن ما ورد في نص المادة 157/01 لا يعبر على إرادة الشرع و أيضا صدر عنه سموا و من ثم تطرح بإلحاح ضرورة إعادة صياغة الفقرة ++++المادة 157 ق إ ج بما يضمن حماية حقوق الدفاع و ذلك بالتنصيص على عدم مرعاة أحكام المادتين100 و105 دون تخصيص فتصبح صياغة ما على النحو الآتي:
« تراعى الأحكام المقررة في المادتين 100 و 105 من هذا القانون و ألا ترتب على مخالفتها بطلان الإجراء نفسه و ما يتلوه من إجراءات».
و فيما يتعلق بحالات البطلان النصي الخاصة بالمتهم فإنه بالرجوع إلى المواد 100 و 105 ، 157/01 يمكن حصرها في محلات شكليات متعلقة بسماع المتهم عند الحضور الأول و هي:
- احاطة المتهم علما صراحة عند سماعه لأول مرة بكل واقعة من الوقائع المنسوبة إليه.
- تنبيه المتهم عند سماعه لأول مرة بأنه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح .
- تنبيه المتهم عند سماعه لأول مرة بحقه في اختيار محام
و عليه فإذا أخذنا بحرفية نص المادة 157/1 في صياغتها الحالية فإنه يمكننا القول أنقاض التحقيق غير ملزم تحت طائلة البطلان باستجواب المتهم في الموضوع بحضور محاميه أو بعد دعوته قانونا و لا باستدعاء بمثاب ++ عليه يرسل إليه قبل كل استجواب بيومين على الأكثر و لا يوضع ملف الإجراءات تحت طلب محامي المتهم أربع و عشرين ساعة على الأقل قبل كل استجواب.
غير أن ما ورد في نص المادة 159 ق إ ج يخالف هذا الاستنتاج و يدعم الاعتقاد بأن عدم ورود المتهم عند الكلام على البطلان المترتب عن مخالفة أحكام المادة 105 هو نتاج إغفال ليس إلا .
أما فيما يتعلق بـحالات البطلان الجوهري فإن المادة 159 ق إ ج أشارت لها دون تحديدها و اكتفت ببيان شرطين يجب توافرهما لقيام البطلان الجوهري و هما:
أ- أن تحصل مخالفة للأحكام الجزهرية المقررة في باب جهات التحقيق من المادة 66 إلى 211 ق إ ج.
ب- أن يترتب على مخالفة الأحكام المذكورة إخلال بحقوق الدفاع أولي خصم في الدعوى.
هذا فيما يخص رقابة غرفة الاتهام على أعمال قاضي التحقيق القضائية فإنها تمارس نتيجة الطعن بالاستئناف أما +++ في الأوامر القضائية التي يصدرها قاضي التحقيق كمحقق.
أما فيما يتعلق برقابة غرفة الاتمام على أعمال قاض التحقيق القضائية فإنها تمارس نتيجة الطعن بالاستئناف أما +++ في الأوامر القضائية التي يصدرها قاضي التحقيق و في هذه الحالة تمارس غرفة الإتهام على قاضي التحقيق رقابتها كهيئة تحقيق من الدرجة الثانية.
فقد منح الشرع للمتهم مكنة قانونية متمثلة في الطعن بالاستئناف لأوامر حددها القانون باعتبار أن المتهم لا يزال بريئا و ذلك في مقابل السلطات الواسعة التي يتمتع بها قاضي التحقيق لا سيما في مجال اصدار الأوامر القسرية .
و حتى يتسنى للمتهم استئناف تلك الأوامر فقد نصت المادة 168/2++على أن يبلغ المتهم بالأوامر التي لا يجوز له استئنافها و هي أوامر التصرف في التحقيق بعد انتهاءه أما الفقرة الثالثة من المادة 168 فقد نصت على تبليغه الأوامر التي يحوز له استئنافها و تتمثل هذه الأخيرة حسب المادة 172/01 ق ج في خمسة أصناف الموالية:
1- الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق حال فصله في النزاعات بشأن قبول الادعاء المدين م 74 ق ج .
2- الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق بشأن الحبس المؤقت و هي ثلاثة أنواع:أوامر وضع المتهم في الحبس المؤقت م 123 مكرر ، أوامر تمديد الحبس المؤقت م 125 و 125-1ق ج،أوامر رفض طلب الإفراج م 127 ق ج.
3- الاوامر التي يصدرها قاضي التحقيق بشأن الرقابة القضائية المواد 125 مكرر1 و 125 مكرر2.
4- الأوامر ذات الصلة بالخبرة : الأمر برفض طلب اجراء خبرة م 143 /02 ، الأمر باجراء خبرة تكميلية و الأمر برفض حالة اجراء خبرة مضادة م 154 / 02 ق إ ج.
5- الأوامر التي بمقتضاها يفضل قاضي التحقيق هي اختصاصه بنظر الدعوى إما من تلقاء نفسه أو بناء على دفع أحد الخصوم بعدم الاختصاص.
و ما يلاحظ عن هذه القائمة هو غياب بعض الأوامر مثل الأوامر التي يثبت في طلب استرداد الأشياء المعجوزة و أمر الإحالة إلى المحكمة و الأمر بايصال المستندات إلى النائب العام ، و بالتالي لا يعود للمتهم و لا لمحاميه ****.
و يرفع استئناف المتهم أو محاميه بعريضة تودع لدى كتابة ضبط التحقيق م 172/02 و إذا كان محبوسا يجوز له أن يسلم عريضة الاستئناف إلى كاتب ضبط مؤسسة إعادة التربية و يتولى مدير مؤسسة بدوره تسليمها لكاتبة ضبط التحقيق في ظرف 24 ساعة و يرفع الاستئناف في ظرف 03 أيام من تاريخ تبليغ الأمر إلى المتهم طبق للمادة 168 ق إ ج ( م 172 / 02 ق إ ج ).
و فضلا عن رقابة غرفة الاتهام لأعمال قاضي التحقيق من حيث السلامة و صعبة الاجراءات و كذا مراقبتها لأعماله القضائية بواسطة طريق الطعن بالاستئناف في الأوامر الصادرة عنه فإنما تمارس رقابة ثالثة على الأمر بإرسال المستندات إلى النائب العام .
إن دخول غرفة الاتهام في الجنايات يكون إلزاميا قبل إحالة الدعوى أمام محكمة الجنايات يكون إلزاميا قبل إحالة الدعوى أمام محكمة الجنايات إذ تخطر وجوب بكل تحقيق ينتهي إلى وجود أدلة كافية ضد شخص لارتكاب جناية و لمعرفة الاتهام وحدها أدلة كافية ضد شخص لارتكابه جناية و لمعرفة الاتهام وحدها التصرف في مثل هذا التحقيق و يتم إحضارها عن طريق أمر قاضي التحقيق بارسال مستندات الدعوى إلى النائب العام طبقا لنفس المادة 166/01 ق إ ج **** لغرفة الاتهام وحدها الفصل في مصير الدعوى و يمكن تفسير حكم المشرع في هذا المجال بخطورة الجريمة التي ستفصل فيها محكمة لا تقبل لحكامها الاستئناف و من ثم فمن الضروري أن تدرسها جهة التحقيق بدرجتها قبل مثول المتهم أما المحكمة و حتى نتأكد من سلامة التكييف و الوصف القانوني الذي قرره قاضي التحقيق لها سلطة إعادة فحص السلف بكامله فإذا تبين لها أنه يحتوي على العناصر عندئذ مداول قوة الأدلة و القرائن الموجودة ضد المتهم .
أما إذا تبين لها عدم اكتمال التحقيق فها أن تأمر بتحقيق تكميلي .
و بعد ذلك تصدر غرفة الاتهام إجراء القرارات الأتية :
1- إذا رمت أن الوقائع لا تكون جناية ، جنحة او مخالفة أو أنه لا تتوفر أدلة كافية ضد المتهم أو أن مرتكبي الجريمة ظل مجهولا فإنما تصدر قرار بالأوجه للمتابعة طبق لنص المادة 195.
و ترتب عن هذا القرار نفس النتائج التي يترتب عن الأمر بانتقاد وجه الدعوى فإذا كان المتهم محبوسا مؤقتا أفرج عن ما لم يكن محبوسا ليس آخر و هذا ما يتماشى مع المبدأ " البراءة الأصلية "
2- إذا رأت أن الوقائع تشكل جنحة او مخالفة تصدر قرار باحالة القضية إلى المحكمة طبقا للمادة 196/1.
و يترتب عن الإحالة إلى قسم المخالفات إخلاء سبيل المتهم في الحال إذا كان محبوسا من أجل الوقائع التي أحيل من أجلها و رفع الرقابة القضائية عليه إذا كان موضوعا تحتها باعتبار أن الحبس المؤقت و الرقابة القضائية غير جائزين بين مواد المخالفات .
و تكون الإحالة إلى قسم الجنح بالنسبة للبالغين و إلى قسم الأحداث بالنسبة للقصر إذا كانت الوقائع تشكل جنحة ، و في هذه الحالة الأخيرة إذا كان المتهم رهن الحبس المؤقت فهي في الحبس إلى غاية مثوله امام المحكمة التي ينتمي عليها أن تبث في الأمر م 196-1- غير انه يفرج عن التهم الموقوفين الحال في حالة توافر شروط تطبيق أحكام المادة 124 ق إ ج التي سبق ذكرها أو إذا كانت الجريمة التي أحيل من اجلها من الجنح التي لا يعاقب القانون بالحبس م 196/02.
و إذا كان المتهم قد وضع تحت الرقابة القضائية يبقى كذلك غلى أن ترقى ما الجهة القضائية المعنية م 125 مكرر 03.
3- إذا رأت غرفة الاتهام أن الوقائع تشكل جناية تصدر قرارا باحالة المتهم إلى محكمة الجنايات .
و يجوز لغرفة التهام أيضا أن تميل إلى محكمة الجنايات الجرائم ( الجنح المخالفات ) المرتبطة بتلك الجناية م 197.
و نظرا لخصوصية القضايا الجنائية و خطورتها *** المادة 198 ق إ ج على أن يتضمن قرار الإحالة بيان الوقائع ووصفها القانوني و ذلك تحت طائلة البطلان .
و يترتب على قرار إلى محكمة الجنايات أثران بالغ الأهمية و هما :
1- يحول قرار الإحالة الشخص المتهم امام قاضي التحقيق L’inculpé إلى متهم أمام محكمة الجنايات accusé و تصدر هذه غرفة الاتهام أمر القبض الجسدي المادة 198 ق إ ج و هو نوع من الأوامر القسرية التي بموجبها يحبس المتهم و يوقف عند الاقتضاء .
و من خصائص هذا الأمر أنه ينفذ في الحال إذا كان المتهم محبوسا و يوقف تنفيذه إذا كان المتهم في الافراج إو إذا لم يكن فحبس مؤقت أثناء سير التحقيق إلى غاية الجلسة حيث **** على المتهم أن يقدم نفسه للحبس في موعد لايتجاوز اليوم السابق للجلسة م 198-2 و 137-1 إ ق ج
غير أنه في حالة ما إذا كلف المتهم تكليفا صحيحا بالطريق ****** كتاب ضبط محكمة الجنايات و لم يمثل ** عذر مشروع في اليوم المحدد له أمام رئيس محكمة الجنايات لاستجاوبه قبل فتح الدورة الجنائية و ينفذ ضده أمر القبض الجسدي م 137/2 ق إ ج .
و يخطي قرار الاحالة ما لم يطعن فيه بالنقض عيوب التحقيق القضائي التحضيري.
و بالاضافة إلى صلاحيات ملقبة التحقيق التي أوكلها القانون لغرفة الاتهام بوجه عام خص المشرع رئيس غرفة الاتهام بصلاحيات مميزة **** الرقابة و الاشراف على ** اجراءات التحقيق في كل مكتب التحقيق كشوفا تبين على وجه الخصوص عدد القضايا الموجودة على مستوى التحقيق مع الذكر بالنسبة لكل قضية تاريخ آخر إجراء تم انجازه و تخصيص كشف منفرد للمحبوسية مؤقتا م 203 ق إ ج .
و في هذا الإطار يجوز لغرفة الاتهام أن يطلب من قاضي التحقيق على الايضاحات اللازمة كما يجوز له إذا ما بدا له أن الحبس المؤقت غير قانوني أن يرفع الأمر إليه غرفة الاتهام كي تفص في استمرار حبس المتهم .
الفرع الثاني : مكانة قرينة البراءة الأصلية بين الحبس المؤقت و الرقابة القضائية :
أولا : مدى توافق قرينة البراءة الأصلية مع الحبس المؤقت :
لقد نص المشرع الجزائري على اجراء الحبس المؤقت في نص المادة 123 من ق إ ج إلا أنه لم يقدم له تعريفا واكتفى بوصفه بالاجراء الاستثنائي نظرا لخطورته كونه يقيد الحرية الشخصية للمتهم ، و يضعها رهن الحبس بالرغم من أن المتهم يعتبر بريئا ما دام لم يصدر ضده حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي فيه بإدانته مما أثار التساؤل حول مدى التوافق بين قرينة البراءة التي تتعارض مع كل تقيد أو سلب للحرية و الحبس المؤقت و الذي يشكل بذاته الصورة الفعلية لسلبها .
و إذا كان أغلب فقهاء القانون الجنائي يقولون بوجود تعارض بين الحبس المؤقت و قرينة البراءة فإنه لم يتصد لوجهة النظر هذه سوى القلة منهم لتأسيس شرعية الحبس المؤقت و تحديد نطاق قرينة البراءة .
قرينة البراءة :
و قد اتجه جانب من الفقه في محاولة تبرير الآثار الضارة للحبس المؤقت و التوفيق بينه و بين قرينة البراءة إلى التشكيل في المبدأ ذاته بتبني فكرة مفادها أنه لا تعارض بين الحبس المؤقت و قرينة البراءة لسبب بسيط و هو أن هذه القرينة ليست إلا وسيلة إثبات و إذا كان المتهم المحبوس مؤقتا لا يعامل كمحكوم عليه فليس ممن ذلك انه حسب مع التصور بأنه بريء و لكن مرد ذلك إلى أنه لم يصدر حكم بادانته ** و تخلف السند القانوني الذي يسمح بمعاملته كمحكم عليه .
إن هذا الرأي لم يلق تأيدا ذلك أنه أغفل أن قرينة البراء تحكم في ذات الوقت مسألة الحرية الفردية و الإثبات الجنائي فلا يجب إعفاء المتهم من عبء اثبات برائته فحسب و لكن تجب حمايته ما دام لم يثبت ارتكابه لجريمة معاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية و هذا ما يشكل جوهر مبدأ البراءة الاصلية للمتهم .
بناءا على ما سبق ذكره فإن مهمة المشرع في الموازنة بين نظام الحبس المؤقت و مبدأ البراءة الأصلية للمتهم التي تستدعي الحفاظ على حقوقه و حرياته صعبة إلى حد ما و أن من لسنا بصدد تسليط الضوء على نظام الحبس المؤقت أو بدائله لأنه موضوع يتطلب دراسة قائمة بذاتها و مستقلة عن موضوع بحثنا إلا أننا نقتصر على بيان و تقصي من خلال نصوص ق إ ج مدى احترام أحكام الحبس المؤقت لقرينة البراءة و الضمانات المكفولة للمتهم في ظل نظام ينص مباشرة على سلب حريته و ذلك ما سنتطرق له في النقاط الآتي بيانها :
1-الضمانات التي يتمتع بها المتهم قبل اتخاذ اجراء الحبس المؤقت :
تنص المادة 47 من الدستور الجزائري على أنه " لا يتابع أحد و لا يوقف و لا يحتجز إلا في الحالات المحددة بالقانون و طبقا للأشكال التي تنص عليها " .
و ما نستنتجه من النص المذكور أعلاه هو أن المشرع الدستوري يهدف إلى توفير الضمانات الكافية للمتهمين و عدم المساس بحريتهم إلا بالقدر الضروري و اللازم للتحقيق و لذلك علق المشرع اللجوء إلى اجراء الحبس المؤقت على احترام و مراعاة جملة من الضمانات ندرسها في النقاط الموالية :
أ-لا يجوز حبس المتهم ما لم تكن الوقائع المتابع بها وصف الجناية أو الجنحة المعاقب عليها بالحبس:
اعتمد المشرع بمعيار جسامة المقربة التي يحوز منها وضع المتهم رهن الحبس المؤقت و هذا ما يشكل أول ضمانة بحيث لا يجوز بأي حال من الأحوال اخضاع المتهم لهذا الاجراء إلا إذا كانت الأفعال الاجرامية المنسوبة إليه تندرج تحت وصف الجناية أو الجنحة المعاقب عنها بالحبس طبقا مما نص عليه المادة 118/01 ق إ ج أي بمفهوم المخالفة لا يجوز اجراء الحبس المؤقت في الجنح المعاقب عليها بالغرامة أو في المخالفات .
لكن ما يمكن ملاحظته في هذا السياق هو أن المشرع بنص المادة 123 يقرر أنه لا يأمر بالحبس المؤقت إلا إذا كانت الأفعال جد خطيرة و بطبعة الحال لقاضي التحقيق السلطة التقديرية الواسعة في اتخاذ من الاجراء أو عدم اتخاذه طبقا لمبدأ الملائمة المعمول به في التشريع الجزائي مراعيا في ذلك مدى توافر أحد الأسباب و المبررات المذكورة بنص المادة 123 من ق إ ج .
و عليه و ما دام أن المعيار هو أن تكون الأفعال جد خطيرة – و لا يكفي أن تكون خطيرة فقط – و لا نتصور أن تكون كذلك إلا في الجنايات و ليس في الجنح إذن هناك نوع من التناقض من حيث سميار جسامة الأعمال بين نصي المادتين 118و123 ق إ ج .
ب-ضرورة قيام دلائل كافية تفيد نسبة الجريمة إلى المتهم :
بالاضافة إلى توافر أحد مبررات الحبس المؤقت الواردة بنص المادة 123ق إ ج فانه من الضرورة توافر القرائن و الأسباب القوية ليتسنى لقاضي التحقيق اتخاذ اجراء الحبس المؤقت و هذه الدلائل و القرائن ، يجب أن تكون قوية لتدل على وقوع الجريمة و نسبتها للمتهم فيكون الاعتقاد الغالب هو إدانته و ليس براءته مما يجعل هذه القرائن تحيط بقرينة البراءة التي يتمتع بها المتهم بضلال من الشك .
و هذا لا يعني ضرورة أن ترقى القرائن و الدلائل إلى مرتبة الدليل الجنائي الذي تبنى عليه إدانته المتهم .
ج-عدم جواز إصدار الأمر بالحبس المؤقت قبل الاستجواب :
طبق لنص المادة 118/01 من ق إ ج فإنه لا يمكن اتخاذ هذا الأمر إلا بعد استجواب المتهم ماعدا استثناءا في حالة التلبس بالجريمة أين يمكن لوكيل الجمهورية إصدار أمر بحبس المتهم مؤقتا ما لم يكن قاضي التحقيق قد أخطر بالحادث ، و هذا ما نصت عليه المادة 598 في فقرتها الأولى .
**** من اشتراط الاستجواب هو تمكين المتهم من الدفاع عن قرينة برائته و تنفيذ الأدلة القائمة ضده كما يسمح للقاضي التحقيق باستقصاء الحقيقة مباشرة من المتهم قبل تقييد حريته حتى لا يفتح الباب لانتماك الحريات لأتفه الأسباب .
و لا يكون أمر الحبس المؤقت صحيحا إلا إذا كان الاستجواب صحيحا و لا يكون هذا الأخير كذلك إلا إذا تم وفقا للشروط و الاجراءات التي ينص عليها القانون ال سيما المواد 100 ، 101 من ق إ ج و معنى ذلك أنه إذا كان محضر الاستجواب باطلا لعدم مراعاة شروطه ترتب على ذلك تباعا بطلان الأمر القضائي بالحبس المؤقت تطبيقا للقاعدة القائلة : " ما يبنى على باطل فهو باطل ".
د-تسبيب الأمر بالحبس المؤقت :
التسبيب هو بمثابة ضمانة تمنع من تعسف قاضي التحقيق في اتخاذ هذا الأمر و هذا ما أكده الفقه و أخذت به مختلف التشريعات الاجرائية الجزائية – و مفاد ذلك انه يتوجب على قاضي التحقيق ذكر الأسباب الموضوعية و القانونية التي بنى و أسس عليها الأمر حيث من خلال هذا التسبيب تتمكن غرفة الاتهام من بسط رقابتها القضائية على أوامر قاضي التحقيق عامة و أوامره بالحبس المؤقت خاصة لتجنب اصدار مثل هذه الأوامر الخطيرة لأغراض أخرى غير تلك التي يتطلبها التحقيق و ينص عليها القانون .
و أهم ما جاء به قانون 26/06/2001 من تعديلات هو ما تضمنه نص المادة 118 في فقرته الأخيرة و المادة 123 مكرر الجديدة حيث نصت المادتان على أن يتم الوضع في الحبس المؤقت بناءا على أمر الوضع في الحبس المؤقت مسبب .
و يستخلص من ناققران النصين أن امر السيد قاضي التحقيق بحبس المتهم مؤقتا يصدر في شكل أمر مسبب بالوضع في الحبس المؤقت يكون متبوعا بمذكرة إيداع .
على أن يكون أمر الوضع في الحبس المؤقت مؤسسا على الأسباب المنصوص عليها في المادة 123 سالفة الذكر .
و إلى غاية صدور قانون 26/06/2001 كان قرار الوضع في الحبس المؤقت ياخذ شكل مجرد أمر إيداع غير مسبب و كان اجراء الحبس الاحتياطي مجرد من أي طابع قضائي و أن السهولة التي كانت تحيط بتقرير الحبس الاحتياطي و بساطة هذا الاجراء في التشريع الجزائري من الأسباب المشجعة إلى اللجوء إليه كما أن هذه السهولة تتعارض مع المبدأ القانوني المقرر في المادة 123-01 ق إ ج القائل بأن الحبس الاحتياطي إجراء استثنائي فلو كان كذلك لأثقله المشرع بقيود تنفر **** التحقيق من اللجوء إليه بدل تيسيره لهم كما فعل .
كما يمتد التزام قاضي التحقيق بالتسبب أمر أين تمديد الحبس المؤقت طبقا للمادتين 125- و 125-01 من ق إ ج .
و-تحديد مدة الحبس المؤقت :
إن الطبيعة الاستثنائية و المؤقتة لاجراء الحبس المؤقت تقتضي أن تحدد مدته لأن الأصل هو الحرية و الاستثناء هو الحبس المنافي لقرينة البراءة .
و قد كانت أقصى مدة الحبس المؤقت الذي يمكن أن يامر بها قاضي التحقيق في قانون الاجراءات الجزائية قبل تعديله بموجب قانون 26 جويلية 2003 بالنسبة للجنح تقدر بـ 08 أشهر إذا كانت العقوبة المقررة قانونا تزيد عن ثلاث سنوات .
أما بالنسبة للجنايات فكانت مدة الحبس الاحتياطي . التي يمكن أن يامر بها قاضي التحقيق تقدر بـ 12 شهرا على أنه يجوز تمديده من طرف غرفة الاتهام مرة واحدة مدتها 04 أشهر أي مجموع 16 شهرا كأقصى حد ممكن .
هذا و يمكننا تلخيص نظام الحبس المؤقت بعد التعديل الأخير وفقا للجدول الآتي :
*بدأ سريان مدة الحبس المؤقت :
يثور التساؤل حول تاريخ بدء حساب مدة الحبس المؤقت هل من يوم القبض على المتهم ؟ أو من يوم إيداعه الحبس ؟ أو من يوم مثوله أمام قاضي التحقيق؟
فإذا ضبط المتهم تطبيقا لأمر بالقبض يبدأ حساب مدة الحبس المؤقت من تاريخ *** الأمر بالقبض التحي من تاريخ حبس في مؤسسة عقابية تنفيذ لأمر بالقبض **********
جدول رقم 01:
طبيعة الجريمة قاضي التحقيق غرفة الاتهام
(جنحة) يعرف المشرع الجريمة بجنحة ، إذا كانت العقوبة الأصلية المقررة قانونا هي :
1-الحبس لمدة لا تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات .
2-الغرامة التي تتجاوز 2000 د ج.
هذا و يحدد المشرع مدة الحبس المؤقت على أساس العقوبة المقررة قانونا للأفعال المتابع عليها. أصلا وفقا للمادة 124من ق إ ج
لا تتجاوز مدة الحبس المؤقت عشرين يوما ، شريطة أن يكون المتهم مستوطن في الجزائر الحد الأقصى للعقوبة للجريمة المتابع على أساسها تقل عن سنتين أو تساويها.
استثنائيا وفقا للمادة125 من ق إ ج
المادة 125/01: المادة 125/02:
أربعة أشهر مبدئيا يمكن تمديد المدة
إذا كانت العقوبة الاصلية لمرة
المنصوص عليها واحدة لأربعة
قانونا بالنسبة أشهر ثابتة إذا
لأفعال المتابع عليها كانت العقوبة
تساوي أكثر من المنصوص عليها
سنتين و تقل أو قانونا بالنسبة
تساوي ثلاث لأفعال المتابع
سنوات عليها تفوق
ثلاث سنوات لا يمكنها تمديد مدة الحبس المؤقت في مواد الجنح
خلاصة إن أقصي مدة للحبس المؤقت في مادة الجنح هي ثمانية أشهر ، لا يجوز تجاوزها و لا تمديدها
جدول رقم 02 :
الجنايات يعرف المشرع الجريمة بجناية إذا كانت العقوبة الأصلية المقررة قانونا هي :
1-الاعدام.
2-السجن المؤبد
3-السجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس سنوات و عشرين سنة هذا و يحدد المشرع مدة الحبس المؤقت على أساس نوع الجناية وفقا لما هو مبين في الأعمدة المادة 1-125 : مدتها محددة بأربعة أشهر لمدة واحدة ، استثناء يجوز تمديدها لمرتين متتاليتين كل واحدة منها تقدر بأربعة أشهر و هي تلك الجنايات المعاقب عليها بمدة سجن تقدر بين 05 سنوات إلى عشرين سنة
و عليه قد تصل المدة القصوى للحبس المؤقت مع تمديدها من طرف غرفة الاتهام إلى ستة عشر شهرا
المادة 02 / 1-125 : إذا تعلق الأمر بجناية معاقب عليها بالسجن المؤقت لمدة 20 سنة أو مؤبد أو بالاعدام ، يكون أصلا هو لمدة أربعة أشهر يجوز تمديدها لنفس المدة ثلاث مرات متتالية
وعليه قد تصل المدة القصوى للحبس المؤقت مع تمديدها من طرف غرفة الاتهام إلى عشرين شهرا
المادة 125 مكرر 01 / : عندما يتعلق الأمر بجناية موصوفة بعمل ارهابي أو تخريبي، تحدد المدة الأصلية بأربعة أشهر ، يجوز تمديدها لنفس المدة خمس مرات متتالية
و عليه قد تصل المدة القصوى للحبس المؤقت مع تمديدها من طرف غرفة الاتمام إلى ثمانية وعشرين شهرا
المادة 125 مكرر 02/ : عندما يتعلق الأمر بجناية عبارة الحدود ، تكون المدة الاصلية بأربعة أشهر يجوز تمديدها لنفس المدة احدى عشرة مرة
و عليه قد تصل المدة القصوى للحبس المؤقت مع تمديدها من طرف غرفة الاتمام إلى اثنين و خمسين شهرا في أجل شهر قلب انتهاء مدة الحبس المؤقت ؟ أي في الشهر الحادي عشر ، يجوز بطلب من قاضي التحقيق لغرفة الاتهام أن تمدد المدة القصوى البالغة اثني عشرة شهرا (12) مرة واحدة لا تتجاوز أربعة أشهر .
في أجل شهر قبل انتهاء مدة الحبس المؤقت ( أي في نهاية الشهر 15 ) ، يجوز بطلب من قاضي التحقيق يقدمه لغرفة الاتهام أن تمدد المدة القصوى البالغة ستة عشر شهرا (16) مرة واحد فقط على تتجاوز أربعة أشهر
في أجل شهر قبل انتهاء مدة الحبس المؤقت ( أي في نهاية الشهر 23) ، يجوز بطلب من قاضي التحقيق يقدمه لغرفة الاتهام أن تمدد المدة القصوى البالغة أربعة و عشرين شهرا (24 ) مرة واحدة لا تتجاوز أربعة أشهر
في أجل شهر قبل انتهاء مدة الحبس المؤقت ( أي في نهاية الشهر 47 ) ، بطلب من قاضي التحقيق يقدمه لغرفة الاتهام أن تمدد المدة القصوى البالغة ثمان و أربعين شهرا مرة واحدة لا تتجاوز لا تتجاوز أربعة أشهر .
ي-أن تكون التزامات الرقابة القضائية غير كافية في الحالات الأربعة المنصوص عليها في المادة 123 ق إ ج :
و أن تقدير مدى توافر هذه الشروط يرجع للسلطة التقديرية الكاملة لقاضي التحقيق .
الضمانات التي يتمتع بها المتهم أثناء تنفيذ الأمر بالحبس المؤقت :
أ-وجوب إعلام المتهم بأمر الحبس المؤقت :
نصت المادة 123 مكرر في فقرتها الثانية على أن قاضي التحقيق يبلغ أمر وضع في الحبس المؤقت شفاهة إلى المتهم و ينبهه بأن له 03 أيام من تاريخ هذا التبليغ ليمارس حقه في استئنافه على أن ينوه عن هذا التبليغ من المحضر .
ب-حق المتهم في الاتصال بمحاميه و بذويه:
إن المتهم أثناء تواجده بالحبس المؤقت يكون بأمس الحاجة لاتصال بعائلته و كذا محاميه حتى يحضر معه أرضية دفاعه ، إلا أن المشرع لم ينص صراحة على هذه الضمانة و جعلها حقا للمشتبه فيه – فيما يتعلق بالاتصال بأهله و زيارتهم له دون المحامي – أننا توقيعة للنظر و أنه من باب أولى أن تكون هذه الضمانة من حق المتهم المتواجد في الحبس المؤقت خاصة و أنه لا مجال للمقارنة بين طول المدد الزمنية في كل من الحبس المؤقت و التوقيف للنظر .
لكن فيما يخص محامي المتهم فقد نص كالمشرع الجزائري على حق الاتصال به في المواد 51 و 52 من قانون تنظيم السجون و إعادة التربية .
ج-معاملة المتهم المحبوس مؤقتا معاملة خاصة :
إن المتهم يتمتع بقرينة البراءة الأصلية التي لا تسقط عنه إلا بعد صدور حكم قضائي بين حائز لقوة الشيء المقضي فيه بالادانة و هذا الحبس ما هو إلا اجراء استثنائي يجب أن يعامل فيه المتهم معاملة غير التي يعامل بها المحكوم عليهم الذين يقضون فترة عقوبتهم و ذلك من عدة جوانب أهماها :
*المكان :
يجب أن يوضع المحبوس مؤقتا في أماكن خاصة بمعزل عن المحكوم عليهم الذين قد يؤثروا عليه و يجعلونه في طمس الحقيقة .
*طريقة المعاملة :
يجب أن يلقي المحبوس مؤقتا معاملة تحفظ كراسته و انسانيته فلا توجه له عبارات سب أو قذف تجرح شعوره و تمس شرفه و اعتباره و هو غير ملزم بارتداء بدلة المساجين .
*الجانب الصحي :
ذهب المشرع لم ينص على حق المحبوس مقضى في اجراء فحص طبي رغم خطورة الاجراء الخاضع اليه من حيث انه بالمقابل نص في المادة 51 مكرر ½ على حق المشتبه فيه الموقوف للنظر في اجراء فحص طبي كما سبق بيانه آنفا.
الجانب الثقافي :
يحق للمته الحصول على الكتب و المحلات و اجراءات على نفقته الخاصة ما لم يمس ذلك بنظام المؤسسة العقابية .
و تمد القواعد السابقة من قبيل القواعد الدولية المتعلقة بمعاملة المحبوسين مؤقتا فضلا عن ذلك فإنه يحوز لرئيس غرفة الاتمام أن يتفقد حالة المحبوس مؤقتا في المؤسسات العقابية و هذا ما نصت عليه المادة 204 من قانون الاجراءات الجزائية .
3-الضمانات التي يتمتع بها المتهم بعد انتهاء مدة الحبس المؤقت :
و جملة هذه الضمانات يمكن تقسيمها إلى ضمانات قبل المحاكمة و أخرى بعدها وفقا لما يلي :
أ-الضمانات التي يتمتع بها المتهم قبل المحاكمة :
إذا انتهت مدة الحبس المؤقت و لم يتم تمديدها طبقا لما ينص عليه القانون أو تم تمديدها و انتهت مدة التمديد فإنه يفرج على المتهم تلقائيا بقوة القانون و إلا اعتبر ذلك حبسا تعسفيا فلا يجوز الاستمرار في مدة هذا الحبس إلا إذا كان ذلك لازما لاجراءاه الدعوى الجزائية و متطلبات التحقيق مع الأخذ بعين الاعتبار طلبية و خطورة الاتهام إن كان يستدعي التمديد لم لا .
فكل تمديد غير مبرر لمدة هذا الحبس يعتبر اعتداء على الحرية الفردية و هذا ما يستوجب إن تكون هناك سلطة أو هيئة قضائية أخرى تراقب أسر هذا التمديد حتى لا يتعسف قضاة التحقيق في ذلك ، و هذه الهيئة تتمثل في غرفة الاتهام .
إذن الضمانات المكفولة للمحبوس مؤقتا في هذه المرحلة و هما :
- الافراج في حالة انتهاء مدة الحبس المؤقت .
- الرقابة القضائية من طرف غرفة الاتهام على مدى شرعية تمديد فترة الحبس المؤقت.
و هذا ما أخذ به المشرع الجزائري في التعديل الأخير لقانون الاجراءات الجزائية مع تفصيل لمدة الحبس المؤقت و الجهات القضائية المختصة بتحديدها .
لكن الجدير بالذكر هو أن مسألة انتهاء الحبس المؤقت تثير اشكاليات منها يتعلق مباشرة بقرينة البراءة الأصلية للمتهم و ذلك على النحو الأتي بيانه :
إن الأصل أن تنتهي مدة الحبس المؤقت بانتهاء التحقيق إلا أن المشرع الجزائري أورد استثنائيين و هما :
*الافراج عن المتهم قبل انتهاء التحقيق :
- إما يطلب من وكيل الجمهورية أو بامر تلقائي من قاضي التحقيق بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية طبقا لنص المادة 126 ق إ ج .
- إما بطلب من المتهم او محاميه و ذلك في أي مرحلة وصل إليها التحقيق وفقا لشروط.
*استمرار الحبس المؤقت إلى ما بعد الانتهاء من التحقيق :
-بالنسبة للمتهم بجنحة :
طبقا لأحكام المواد 164 – 165 – 166 فإن المتهم المحبوس مؤقتا يبقى في الحبس مع مراعاة أحكام المادة 124 ق إ ج إلى غاية مثوله أمام جهة الحكم على ألا تتجاوز مدة الحبس المؤقت شهرا من تاريخ صدور الأمر باحالة المتهم على المحكمة .
-بالنسبة للمتهم بجناية :
يستمر أثر الحبس إلى غاية صدور قرار غرفة الاتهام .
و نفصل ذلك كما يلي :
و بالنسبة سواء الجنح :
فإن المادة 165/02 نصت على امكانية استمرار الحبس المؤقت في مواد الجنح شهرا إضافيا بعد انتهاء مدة 04 أشهر أو الثمانية أشهر القانونية إلى أن المشرع لم يرتب على عدم احترام أ\جل الشهر المذكور أعلاه أي أثر مما يجعل التساؤل حول مصير المحبوس مؤقتا بعد انقضاء الأجل الممنوح بحكم المادة 125 /02 هل يفرج عنه تلقائيا بقوة القانون .
-بالنسبة لمواد الجنايات :
تنص المادة 166/02 من ق إ ج على أن أمر الضبط أو القبض الصادر ضد المتهم يحتفظ بقوته التنفيذية **** قرار من غرفة الاتهام و يقصد به امر الايداع حسب ما ورد بالنص الفرنسي.
و هنا يثور التساؤل هل أنه سيخرج عن المتهم المحبوس مؤقتا عند بلوغ أجل الحد الأقصى لمدة الحبس المؤقت المحررة قانونا أم أنه يبقى محبوسا و أن تجاوز الحبس مدته القانونية القصوى إلى غاية أن تصدر غرفة الاتمام قرارها سواء كان بالاحالة إلى محكمة الجنايات أو باجراء تحقيق تكميلي ؟
إن الاجابة عن هذا الاشكال تختلف في ظل ق إ ج قبل تعديله **** بموجب ق 26/06/2001 على النحو الأتي بيانه:
قبل التعديل :
أثارت المسألة نقاشا حادا بلغ ذروته بمناسبة التحقيق في قضايا " كوسيدار " و " سيدار" و " بنك التنمية المحلية " و انقسم النقاش إلى موقفين :
- الرأي الأول يتمسك بالتطبيق الصارم لنص المادة 125 مكرر التي كانت تحدد مدة 16 شهرا كحد أقصى للحبس المؤقت في المواد الجبائية و بناءا عليه يجب الإفراج عن المتهم عند حلول هذه المدة .
- الرأي الثاني تمسك بتطبيق نص المادة 166/02 ق إ ج التي تنص على بقاء المتهم في الحبس المؤقت عند إصدار الأمر بإرسال المستندات إلى النائب العام في الحبس لحين صدور قرار عن غرفة الاتهام قد تطول مدة صدوره و يتجاوز الحبس الحد الأقصى المحدد له قانونا بعدة أشهر .
و نلاحظ أن التمسك بهذا الرأي يفرغ نص المادة 125 مكرر من فحواه فما الفائدة من تحديد المشرع لأجال قصوى للحبس عملا بكونه إجراء استثنائي و في نفس الوقت القول ببقاء المتهم محبوسا حتى و أن تجاوزت مدة حبسه الأجال القصوى إلى حين فصل غرفة الاتهام في الملف يبدوا المساس بحرية المتهم واضحا .
بعد التعديل :
بموجب قانون 26/06/2001 أجابت المادة 197 مكرر الجديدة المستحدثة على هذا التساؤل بنصها على أنه :
" عندما تخطر غرفة الاتهام و فقا للاجراءات المنصوص عليها في المادة 166 و يكون المتهم محبوسا ، تصدر غرفة الاتهام قرارها في الموضوع في أجل :
- شهرين كحد أقصى عندما يتعلق الأمر بجنايات معاقب عليها بالحبس المؤقت .
- أربعة أشهر كحد أقصى عندما يتعلق الأمر بجنايات معاقب عليها بالسجن المؤقت لمدة 20 سنة أو بالسجن المؤبد او بالاعدام.
- ثمانية أشهر كحد أدنى عندما يتعلق الأمر بجنايات موصوفة بأفعال ارهابية أو تخريبية أو بجناية عابرة للحدود الوطنية .
و إذا لم يتم الفصل في الآجال المحددة أعلاه ، وجب الإفراج عن المتهم تلقائيا "
و بناءا على ذلك فإنه لا يجوز بأي حال و لأي ذؤيعة كانت بقاء المتهم في الحبس المؤقت إذا اقضت الآجال المحددة بنص المادة 197 مكرر فلا يبق المتهم في الحبس المؤقت أكثر من ثمانية عشر شهرا ( 16 + 02 ) في جنايات القانون العام المعاقب عليها بالسجن المؤقت من 05 إلى 10 سنوات .
- 24 شهرا (20+04) في جنايات القانون العام المعاقب عليها بعقوبة أشد .
- 44 شهرا (36+08) في الجنايات الموصوفة بأعمال ارهابية أو تخريبية .
- 68 شهرا (60+08) في الجنايات العابرة للحدود .
و قد أثنى الأستاذ الدكتور بوسقيعة أحسن في كتابه التحقيق القضائي على المشرع الوضوح في معالجة ملضلة الحبس المؤقت أثناء الفترة الممتدة ما بين صدور الأمر بارسال مستندات القضية إلى النائب العام و مثول المتهم أمام المحكمة و هي المسألة التي يحسبه كان يكتنفها الغموض و يطلبها التناقص في ظل أحكام المادتين 125 مكرر و 166 قبل صدور قانون 26/06/2002 و ما جاء به من حلول في نص المادة 197 مكرر الجديدة .
الضمانات التي يتمتع بها المتهم بعد المحاكمة :
نفرق بين الحالتين:
في حالة الإدانة : يستفيد المتهم من خصم مدة الحبس المؤقت من مدة العقوبة :
فإذا صدر حكم قضائي بإدانة المتهم تخصم من مقدار هذه العقوبة و هذا تطبيقا لنص المادة 12 من قانون تنظيم السجون و إعادة التربية .
لكن لماذا لا تخصم مدة التوقيف للنظر أو مدة 48 ساعة التي يقضيها المتهم تنفيذ الأمر احضار في المؤسسة العقارية ؟
في حالة البراءة : مبدأ تعويض المتهم المضرور عن الحبس المؤقت
لقد عالج المشرع هذه المسألة في نص المادة 137 مكرر إلى 137 مكرر 14 من ق إ ج و هي مبدئيا تعد من أهم الضمانات المقررة لصالح المتهم المحكوم ببراءته و الناتجة عن انتهاك قرينة برائته الأصلية عن طريق و منحه في الحبس المؤقت ضمنا سنحط ممينة و نكتفي بهذا القدر فيما يخص هذا النقطة لأنه سيتم تفصيلها في الفصل الثاني من هذا البحث :
ثانيا : مدى توافق قونية البراءة الأصلية مع الرقابة القضائية
الرقابة القضائية إجراء جديد أدخله المشرع الجزائري في ق إ ج بموجب القانون رقم 76/05 المؤرخ في 04/03/1986 المعدل و المتهم لـ ق إ ج كبديل للحبس المؤقت ووسيلة للحد من اللجوء إليه و تهدف الرقابة أساسا إلى ترك أكبر قسط ممكن من الحرية للمتهم بما يتلائم وضرورة الوصول إلى الحقيقة و الحفاظ على النظام العام ** ** لا يحمي المتهم في نظام الرقابة القضائية و إنما يخضع لقيود في حركته و في حياته الاجتماعية .
و بذلك و بالرغم من كون الرقابة القضائية بديل عن الحبس المؤقت إلا إنما تتضمن مساسا بقرينة براءة المتهم عندما يقرض عليها بموجبها التزامات تعد من حريته في التنقل و هي حق مكفول دستوريا ، كالالتزام بتسليم وثائق السفر والالتزام لعدم مغادرة الحدود الاقليمية *** و الالتزام بعدم الذهاب إلى أماكن محددة كما تمس بعض الالتزامات الرقابة القضائية بحريته كشخص بريء في ممارسة نشاطه المهني بالزامه بتسليم الرخص و البطاقات المهنية و الامتناع عن ممارسة بعض الأنشطة المهنية .
لذلك و نظرا لادراك المشرع لمساس هذا الاجراء بحرية المتهم الذي يتمتع بقرينة براءته من عدة أوجه و جوانب فقد قرر للمتهم من طلب رفع الرقابة القضائية من قاضي التحقيق مصدر الأمر بالرقابة و عن استئناف أمر قاضي التحقيق برفض رفع الرقابة القضائية طبقا للمادة 172 /ق إ ج المعدلة ** 26/06/2001
و يثور التساؤل حول ما إذا كانت الرقابة القضائية بنص قائمة بعد انتهاء التحقيق بصدور أمر إحالة محكمة الجنح أو ارسال مستندات القضية إلى النائب العام إلى غاية مثول المتهم أما الجهة القضائية المعنية سواء كانت محكمة الجنايات أو جنح أم أنها تنتهي بغلق التحقيق؟
إن المادة 125 مكرر 03 قد أجابت في فقرتها الأولى على هذا التساؤل بترجيح الحل الأول أي يقاد الرقابة القضائية قائمة إلى غاية مثول القيم أمام جهة الحكم و تستمر إلى أن ترفعها تلك الجهة ، و عليه فإن لم ترضعها تلك الجهة أي في حالة عدم فصل المحكمة في مصير الرقابة القضائية يبقى هذا الاجراء قائما .
و يثور نفس التساؤل بصفة أكثر أهمية في حالة صدور حكم يقضي ببراءة المتهم الموجود تحت الرقابة القضائية أو باعفائه من العقوبة أو الحكم عليه بالحبس مع وقف التنفيذ أو بالغرامة مع رفع الرقابة القضائية فهل ترفع الرقابة القضائية فور صدور الحكم في حالة استئناف إلى غاية فصل المجلس فيما يلي و إلى غاية فصل المحكمة العليا في حالة الطعن بالنقص ؟
إن المشرع لم يجب عن هذا السؤال في حين أجاب عنه فيما يخص الحبس الاحتياطي في نص المادة 365 ق إ ج التي نصت على إخلاء سبيل المحبوس احتياطيا فور صدور الحكم ببرائته أو باعفائه من العقوبة أو بالحبس مع وقف التنفيذ أو بالغرامة و ذلك رغم الاستئناف ما لم يكن محبوسا لسبب آخر .
و أيضا المادة 425 التي نصت على الأثر الموقف للاستئناف أثناء مهلة و أثناء دعوى الاستئناف و استثنت من هذه القاعدة الحالة المنصوص عليها في المادة 365 ق إ ج و هي الحالة المشار إليها أعلاه دون أن تشير أو تستثني حالة المتهم محل الرقابة القضائية .
لذلك تقول أنه من غير المعقول أن يبقى المتهم المحكوم ببرائته و الذي دعمت قرينة برائته بهذا الحكم أن يبقى مقيدا في استعمال حريته ببقائه تحت نظام نظام الرقابة القضائية لمدة طويلة قد تمتد إلى سنوات إذا ما استخدمت النيابة طريقتي الطعن بالاستئناف أو بالنقص في الوقت الذي يخلق فيه سبيل المحبوس احتياطيا فور صدور حكم ببرائته رغم استئناف النيابة العامة .
لذلك يرى الأستاذ بوسقيعة في مرجعه السابق الذكر ص 133 " أن المشرع أدخل نظام الرقابة القضائية في التشريع الجزائري إثر تعديل ق إ ج بموجب القانون رقم 86/05 المؤرخ في 04/03/1986 و هذا مبإضافة 04 مواد و هي : المواد 125 مكرر و 125 مكرر 01 و مكرر 2 و مكرر 03 تضمنت أحكام الرقابة القضائية غير أنه لم ينتبه إلى تعديل أحكام المادتين 365 و 425 ق إ ج بالنص على الرقابة القضائية إلى جانب الحبس المؤقت ، و أن تعديل 26/06/2001 كانت عزمة سانحة لتدارك هذا الإغفال غير أن المشرع فوتها عليه و لم يحسن استغلالها "
إلا أننا نأمل أن يتضمن مشروع لتعديل ق إ ج **** حاليا أحكام تكرس خلالها سبق طرحه لأن بقاء الأشكال على ما هو عليه الأن فيه مساس كبير على الحريات و بقرينة البراءة فكيف يعقل أن يحكم ببراءة المتهم و في نفس الوقت يبقى القانون على خضوعه لالتزامات الرقابة فتتحول من اسناد إلى أصل يتنافى و حرية الانسان البريء ، بصورة خاصة .
المبحث الثاني : الضمانات الناتجة عن قرينة البراءة أثناء المحاكمة و بعد اقضاءها :
تعتبر المحاكمة المرحلة النهائية للدعوى الجزائية و هي تستهدف البحث عن الأدلة التي توافرت من أجل الكشف عن الحقيقة ، و الحقيقة التي يسعى القاضي الجزائي إلى ادراكها هي الحقيقة الواقعية و الغاية التي تستهدفها الدعوى الجنائية هي التجريم القائم على الحق و الشرعية الذي يحترم مصلحة المتهم و مصلحة المجتمع انطلاقا من هذه الاعتبارات منح القاضي الجنائي دورا ايجابيا و نشطا في السعي نحو الحقيقة و إذا كان هذا الدور قد تم توضيحه من خلال عرض المهمة المنوطة بجهات الضبط القضائي وجهة الاتهام وجهة التحقيق فإن هذا الدور يبدوا أكثر وضوحا و بروزا في مرحلة قضاء الحكم حيث أن القاضي الجنائي هو الذي يدير و يسير الدعوى الجنائية ، حيث أنه لا يملك فحسب الامكانيات القانونية للبحث عن الحقيقة بل أنه ملزم قانونا بالبحث عنها و إقامة الدليل عليها و تكملة النقص الذي ينتاب الأدلة التي نوقشت أمامه في معرض المرافعات ليس فقط في صالح الاتمام و إنما أيضا في صالح المتهم لأن قرينة البراءة الأصلية التي يتمتع بها هذا الأخير تقتضي أن يتخذ القاضي دورا محايدا و أن يكون سعيه في صالح الحقيقة وحدها .
و تعد مرحلة المحاكمة هي أهم مراحل الدعوى العمومية و بالتبعية تعد أيضا من أهم مراحل جمع الدليل و الفصل في النزاع لذلك فهي تتطلب ضمانات كبيرة خاصة فيما يتعلق باثبات الجريمة و اسنادها للمتهم أو نفيها عنه بصور الحكم للقاضي ، و تمتد هذه الضمانات إلى ما بعد صدوره إذ أن المشرع حرص على حماية حقوق المتهم و دعم وسائل دفاعه عن قرينة برائته حتى أمام صدور حكم بالادانة إذ خول القانون المتهم ضمانة أساسية تتمثل في حق الطعن بالطرق المحددة قانونا في الأحكام الصادرة ضده .
إذ تشكل طرق الطعن بنوعيها المادية و الغير مادية وسائل قانونية يستعملها المتهم الذي أصبح محكوم عليه مدان لاستمرار مسار دفاعه عن قرينة برائته.
المطلب الأول : الضمانات المقررة أثناء مرحلة المحاكمة :
تمثل المحاكمة *** بين الادانة أي هي قرينة البراءة أو البراءة أي تدعيم و تثبيت تلك القرينة و تحويلها من براءة مقترنة إلى براءة مصرح بها ، لذلك خصصها المشرع بضمانات منها ما يتعلق بأسس المحاكمة العادلة و سنتعرض لها في الفرع الأول و منها ما يشكل آثارا مباشرة لأعمال قرينة البراءة الاصلية و نخص بالبحث توزيع عيني الاثبات فإذا كان الأصل في الانسان البراءة فعلى من يدعي خلاف هذا الاصل أن يثبته و المدعي في الدعوى الجنائية هو النيابة العامة و هذا ما سنتطرق له في الفرع الثاني .
الفرع الأول : أسس المحاكمة العادلة :
حتى تكون المحاكمة العادلة و يكون الدليل المستمد منها مشروعا يستند إليه القاضي للفصل في النزاع المعروض عليه لابد على المحكمة أن تتبع جملة من مبادئ التي تتعلق بالتحقيق النهائي ، و إن كان هذا التحقيق النهائي يختلف بحسب المحكمة الناظرة في الدعوى جنايات ، جنح ، مخالفات أو أحداث .
هذا و تتميز مرحلة المحاكمة بخصائص أساسية تستهدف إلى جانب التحقيق العدالة الجزائية إتاحة كافة السبل لضمان حق المتهم في الدفاع عن قرينة البراءته و من أهم هذه المبادئ العلانية ، الشفاهية ، المواجهة ، تدوين الاجراءات ، السرعة في الفصل .
أولا : مبدأ علانية الجلسة :
يعد مبدأ العلانية المحاكمة أثناء التحقيق النهائي – يقابله المبدأ سرية التحقيق الابتدائي – أهم ضمانة للمتهم حيث يسمح له بالاطلاع عن كثب على كل صغيرة و كبيرة حول اجراءات جلسة المحاكمة .
و لأهمية هذا المبدأ نصت المادة 285/01 من ق إ ج على أن " المرافعات علنية ما لم يكن في علانيتها خطر على النظام أو الآداب و في هذه الحالة تصدر المحكمة حكمها القاضي بعد الجلسة السرية في الجلسة العلنية ".
القاعدة هي العلانية و الاسناد هو السرية في حالة المساس بالنظام العام .
و تشكل علانية المرافعات ضمانة للمتهم و للقاضي في الوقت نفسه فالأول يضمن أن الحقيقة لن تغفل من قبل جهة قضائية عمياء أو منحازة و الثاني يرى عمله يتحول إلى سلطة معنوية ، لذلك فإن قانون الاجراءات الجزائية جعل من العلنية اجراء جوهري يترتب عن تخلفه البطلان .
و هو نفس الأمر الذي قرره القانون الفرنسي في المواد 306-400 –512 – 535 من ق إ ج و أكدته كل من الاتفاقية الأوروبية لحماية الحريات الأساسية في المادة 6/1 منها و العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية في المادة 14/1 منه ، و العلانية تتحقق بحضور الجمهور للمرافعات من جهة و بامكانية نشر ما جاء في محضر المرافعات.
ثانيا : مبدأ شفاهية المرافعة :
يقصد بالمرافعات جميع اجراءات التحقيق النهائي و المحكمة لا يسوغ أن تبني حكمها إلا على أدلة المقدمة لها في معرض المرافعات و التي حصلت فيها المناقشة حضوريا أمامها المادة 212 من ق إ ج و يتضمن مبدأ شفاهية المحاكمة وجوب أن تجرى جميع اجراءاتها بصوت مسموع سواء تعلق الأمر باستجواب المتهم او المتهمين 224 منق إ ج أو بسماع أقوال الشهود 225 ق إ ج أو الخبراء أو مرافعة الطرف المدني أو مرافعة النيابة و طلباتها أو مرافعات دفاع المتهم و القاضي الناظر للنزاع لا يكتفي بما توصل إليه التحقيق الابتدائي بل يتعين عليه طرح الأدلة للمناقشة الشفاهية في الجلسة فيطلع عليها مباشرة و دون وسيط و الأحكام يجب أن تصدر عن القاضي كما هو الأمر بالنسبة لمحكمة الجنايات الذين حضروا جميع جلسات الدعوى و إلا كانت باطلة طبقا للمادة 341 من ق إ ج .
و علة مبدأ الشفاهية تكمن في أنه السبيل لتطبيق مبدأ المواجهة بين الخصوم و علنية المحاكمة فهو يتبع المناقشات بين أطراف الدعوى و ما يتعلق بها من أقوال و بحث للأدلة المتوافرة سواء ما كان منها في مصلحة التهم أو ضدها عملا بمبدأ البراءة الأصلية كما أن هذا المبدأ يحقق مراقبة تقرير المحكمة للأدلة التي توصل إليها التحقيق الابتدائي.
و يطبق مبدأ الشفاهية بصورة شاملة أمام كل محاكم القسم الجزائي جنايات جنح مخالفات و جزاء الاخلال به البطلان.
إن مبدأ شفاهية المرافعات مرتبط بمبدا الاقتناع الشخصي الذي يحكم نشاط القاضي الجزائي حيث أن هذا الأخير لا يمكنه تكوين قناعته إلا طبقا للأدلة المقدمة أمامه في معرض المرافعات .
ثالثا : مبدأ المواجهة :
إن التحقيق المجرى بجلسة المحاكمة يعد الفرصة الأخيرة للمتهم للدفاع عن برائته و لبذلك يعد حضور المتهم مقتضى لا بد منه و ضمانة لا غنى عنها .
و عليه فإن آلية محاكمة المتهم بمحضره يقصد بها اتخاذ اجراءات المحاكمة شكل المناقشة المنظمة بين أطراف الدعوى و ذلك من خلال إدارة الرئيس للاجراءات و يتاح لكل خصم في الدعوى الجنائية تقديم اوجه دفاعه وطلباته و تنفيذ أدلة خصمه إذ يجب أن يعلم المتهم بكل الوقائع و التهم المنسوبة إليه حتى يتمكن من الاجابة عنها بفعالية و حتى يتمكن القاضي بدوره من تكوين عقيدته على وجه قانوني سليم.
فضلا على ما تتيحه اجراءات المحاكمة في مواجهة المتهم من تطبيق سليم لمبدأ الاقتناع القضائي و استعمالا *** لسلطة القاضي التقريرية ، ذلك أنه إذا تيقنت المحكمة من إدانة المتهم اقتناعا بالأدلة التي طرحت عليها بالجلسة من إدانة المتهم اقتناعا بالأدلة التي طرحت عليها بالجلسة بحضوره ذلك أنه يعرض ظروفه الشخصية و حالته الاجتماعية و ملابسات جريمته فيستفيد من الظروف المخففة و هو الأمر المستبعد حين يحاكم في غيبته.
رابعا : تقيد المحكمة الجزائية بالوقائع و بالأشخاص :
و يقصد تقيد المحكمة بالوقائع تقيدها بوقائع الاتهام المحال من أجلها المتهم سواء تلك الواقعة الواردة بأمر الاحالة الصادر عن قاضي التحقيق أو *** التكليف بالحضور أمام المحكمة *** و القصد من هذا الاجراء هو تبليغ المتهم مسبقا بموضوع المتابعة حتى يتسنى له تحضير دفاعه و بناءا على ذلك فلا بد أن يكون الحكم الصادر في موضوع الدعوى مرتبط و متعلقا بالتهمة المتابع بها المتهم ** و لا يجوز للمحكمة أن تضيف تهمة أخرى غير تلك المتابع بها المتهم و إقامة الدعوى عنها أو إضافة وقائع أخرى غير موجودة بالسلف و يقصد بقاعدة تقيد المحكمة بالأشخاص المحاليين إليها و المقامة عليهم الدعوى و بذلك لا يجوز للمحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية وضع شخص أو أشخاص آخرين في مركز الاتهام و ليس للمحكمة سوى أن تلقت انتباه النيابة بصفتها جهة المتابعة إذا تبين من مناقشة الوقائع أن هناك أشخاص آخرين ساهموا في ارتكاب الجريمة و لم يشملهم الاتهام .
إن اتهام شخص باقتراف جريمة هو مخالفة لأمل البراءة الثابت و فيه و يعتبر استثناءا لا ينبغي التوسع فيه و ينتج عن ذلك أنه يقع على سلطة الاتهام إقامة الدليل على ما تدعيه و أنه على القاضي ألا يصرح بالادانة إلا عن يقين لذلك فليس من حقه أن يجري تعديلا من شانه الخروج عن هذا الأصل بان يحاكمه على واقعة لم يتضمنها أمر الاحالة أو ورقة التكليف بالحضور .
و تقيد المحكمة بحدود الدعوى من المنطق أن يؤسس على قاعدة البراءة الأصلية في الشخص المتابع لأن ذلك يتفق مع اتخاذها أساسا لحق المتهم في المحاكمة العادلة و من ذلك فإنه من غير **** الفرع عن أصله و هو أصل وثيق بأسس المحاكمة و هو لا يستهدف حماية مصلحة المتهم وحده في ** إلا عما اقترفه و إنما يستجيب كذلك للرغبة في التحقيق العدالة باعتبارها هدفا أساسيا في دولة القانون .
و يجب التأكد على أن تقيد المحكمة بحدود الدعوى لا يقصد به تعقيد سلطة هذه الأخيرة في إعادة تكييف الواقع و تغيير وصفها باعطائها الوصف القانوني الصحيح طبقا لما جاء في نص المادة 359 ق إ ج مع إلزام المحكمة أو القاضي الذي *** ضرورة في تعديل الوصف القانوني أن ينبه المتهم لذلك و يمنحه أجلا لتحضير دفاعه **** اخلالا بحق الدفاع يترتب عنه بطلان الاجراءات .
خامسا : مبدأ سرعة الفصل و الاجراءات:
إن طول المدة المبالغ فيها للمحاكمات الجزائية لا تجد نفسها فقط في بطء اجراءات التحقيقات التحضيرية و نظرا لكثافة الجدول فإن الجهات القضائية الجزائية تشهد تأخيرا كبيرا في الفصل في الملفات ، و هو ما يخالف المادة 06/1 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان التي تفرض قاعدة " الأجل المعقول " Délai raisonnable و التي تبقى مجهولة بلا شك بسبب التحقيقات التحضيرية بالرغم من أن سرعة الفصل La célébérité تفرض أيضا في اجراءات المحاكمة
إن بعض النصوص الاجرائية *** بصفة ضمنية إلى هذه القاعدة ، لكن لا يترتب عن مخالفتها البطلان .
الفرع الثاني : قرينة البراءة و توزيع على الاثبات :
إذا كان الأصل في الإسناد البراءة فعلى من يدعي عكس هذا الأصل أن يثبته و ليس للمتهم إثبات براءته بل تتحمل النيابة باختيارها في الدعوة *** ** إثبات الجريمة بأركانها
و تقتضي قاعدة البراءة أنه في حالة عدم تمكن النيابة من تقديم الدليل القاطع على إدانة المتهم فلا يجوز الحكم عليه بالادانة بل يجب ، أن يكون الحكم بالبراءة ذلك أن الأصل في الانسان البراءة إلى أن تثبت الادانة وعليه فلا يطلب من المتهم إقامة الدليل على برائته.
غير أن مبدأ البراءة الأصلية للمتهم لا يؤخذ على إطلاقه إذ يقابله مبدأ آخر مفاده أن الإنسان مسؤول عن أفعاله و أن نفي هذا الأصل يقع على عاتق من يدعي به و لذلك إذا دافع المتهم بموانع المسؤولية *** *** الاباحة الفعلية عين اثباتها .
و بناءا على ما سبق تقديمه يثور التساؤل من يتحمل عبء الاثبات *** النيابة العامة بصفتها سلطة اتمام تتولى الدفاع عن الحق العام أم المجني عليه باعتباره المضرور من الجريمة أم الجاني الذي يتحمل عبء إثبات براءته … قي ظل التعارض القائم بين قاعدة البراءة و قاعدة الاتهام .
للاجابة عن هذا التساؤل و الذي يتمثل جوهره في تحديد النتيجة المباشرة عن أعمال قاعدة البراءة الأصلية من حيث توزيع عبء الاثبات تنتهي تناول النقاط الموالية :
أولا : عدم التزام المتهم باثبات براءته :
تتطلب قاعدة افتراض البراءة في حق المتهم عدم مطالبته بتقديم أي دليل على برائته فله أن يتخذ موقفا سلبيا تجاه الدعوى المقامة هذه و بالمقابل على سلطة الاتهام تقديم الدليل على ثبوت التهمة المنسوبة إليه و يقع على النيابة أيضا عبء تقديم الأدلة التي تكشف عن الحقيقة الوارد بالمادة 69 من ق إ ج لان عبء اثبات التهمة يقع عن النيابة العامة كجهة اتمام و هذا ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا حيث قرر بأن على النيابة أن تقدم الأدلة التي تثبت اجرام المتهم لأعلى هذا الأخير أن يثبت برائته .
وقررت أيضا :" الأصل أن المتهم بدئ حتى تثبت ادانته نهائيا و أن عبء الاثبات يقع على النيابة العامة التي تحرك الدعوى العمومية و مباشرتها "
و في قرار أخر :" عبء اثبات التهمة يقع على النيابة "
***على ما سبق يتضح أن دور النيابة العامة كسلطة اتهام ليس مقصورا على اثبات التهمة فحسب بل هو أوسع من ذلك باعتبارها حامية المجتمع و مدافع عن الحق العام فمن واجبها اثبات الحقيقة واسناد البرائم لمرتكبيها الحقبقين و ليس مهتما الصاق التهمة بالأشخاص بمجرد الاشتباه بهم .
بل أن قاعدة البراءة المفترضة المقررة لصالح المتهم تفرض على المحكمة – قاضي الحكم الجزائي- أن يكون لها دور إيجابي و فعال في البحث عن الحقيقة طبقا للمادة 286/02 ق إ ج دون أن تكلف المتهم عبء اثبات برائته لان هذه الأخيرة أمر مفترض و لا محل لاثباتها امام المحكمة و كل ما هو جدير بالبحث هو التحقق مما إذا كانت هناك أدلة كافية تمكنها أن ***** هذه القرينة أم لا.
و يستفيد المتهم تطبيقا لقرينة البراءة الأصلية في جميع مراحل الدعوى الجنائية لا سيما مرحلة المحاكمة من معاملة إنسان شريف ( يحضر الجلسة طليقا من أي إغلال) و عدم إلتزام المتهم باثبات براءته لا يعني دوما أن يقف موقفا سلبيا فقد تقدم أدلة تفيد ثبوت التهمة في حقه و عليه أن يقدم ما يخص هذه الأدلة حتى لا تطعن على مجرى المحاكمة أدلة الاتهام فترجع كفتها إذا ما بلغت القدر الذي يخلق لاقتناع الشخصي للمحكمة .
و إذا كان على قاضي التحقيق من كل ما يأتي به المتهم في دفاعه الجوهري تفنيدا للأدلة المقامة ضده و إلا كان مخلا بحق الدفاع فلا يجوز له الاستناد إلى مجرد سكوت المتهم في الدفاع عن نفسه أو الامتناع عن الإجابة على ما يوجه إليه من أسئلة إلى إدانته لأنه غير ملزم أساسا بذلك و إلا ما كان لمبدأ البراءة الأصلية جدوى و لا معنى .
و بناءا على ما سبق فإنه يجوز للمحكمة أن تطرح اعتراف المتهم متى تبين لها عدم صدقه ذلك أن تطرح اعتراف المتهم متى تبين لها عدم صدقه ذلك أن الاعتراف في السائل الجنائية شأن كشأن جميع عناصر الإثبات يترك لحرية تقدير القاضي .
و إن أقدم المتهم دفعا يكون من شانه اعفاؤه قانونا من المسؤولية أو العقاب *** باقتضاء الدعوى العمومية بالتقادم أو بالغاء القانون الذي كان يجرم الفعل المسند إليه أو بعدم اختصاص المحكمة فإنه لا يطالب باثبات ما ذلك أن مثل هذه الدفوع أشبه باثبات وجود القانون نفسه و هذا ليس من اختصاص المتهم بل هم من اختصاص أصيل لقضاة النيابة و الحكم .
ثانيا : تحمل النيابة عبء الاثبات :
إن النتيجة المباشرة لأعمال قرينة البراءة هي تحمل النيابة العامة على اثبات جميع العناصر المكونة للجريمة على النحو المبين بالنموذج القانوني للواقعة –بأركانه الثلاثة – كما يقع عليها عبء كاثبات عدم توافر أي سبب من أسباب انقضاء الدعوى العمومية و السؤال الذي يطرح هو كيف تثبت النيابة أركان الجريمة ؟
كنتيجة لأعمال قرينة البراءة.
نتناول الاجابة باختصار في النقاط الأتية :
1-عبء إثبات الركن الشرعي :
إن الركن الشرعي للجريمة يحكمه مبدأ الشرعية إذ لا يمكن متابعة *** و إدانته عن أفعال ما و تسليط عقوبة عليه في غياب *** التجريم و العقاب و هذا ما استمر عليه قضاة المحكمة العليا حيث قررت من المقرر قانون أن الأحكام و القرارات الصادرة بعقوبة يجب أن تضمن ذكر النصوص القانونية المطبقة و غلا وقعت تحت طائلة البطلان إذ بدون ذلك لا يتسنى للمحكمة العليا ممارسة رقابتها القانونية على هذه الأحكام و من تم فغن القضاء بما يخالف هذا المبدا يعد خرقا للقانون"
إلا انه لا يجب إثبات هذا الركن باعتباره متعلق أساسا بالقانون و أن هذا الأخير لا يحتاج إلى إثبات ***** و أن القاضي منوط بتداين نص القانون و من ثمة يقع عليه عبء البحث عن القاعدة القانونية الواجبة التدابيق على النزاع *** و هذا هو التكييف القانوني الذي يمارسه قاضي الموضوع الذي يمكنه أيضا أن يستبعد التكييف المقترح من النيابة إذ أن التكييف الأول الذي يحيطه وكيل الجمهورية للفعل هو تكييف مؤقت يمكن تعديله أو تغييره لأن الركن الشرعي مثل مسالة قانونية تخضع لسلطة القضاة و تقدير ** تحت رقابة المحكمة العليا.
و النيابة غير ملزمة باثبات القانون لأن هذا الأخير منشور بالجريدة الرسمية و أن علم القضاة به أمر لابد منه إذن لماذا تطرح مسألة اثباته ؟ لأنه أحيانا تم المتابعة على أساس نصوص قانونية ملغاة و في مثل هذه الحالات يصبح القانون ذاته محل إثبات إذن السؤال الذي يطرح هو على من يقع بل إثبات الركن الشرعي في مثل هذه الحالات ؟
تطبيقا لقاعدة أن المتهم بريء ، حتى تثبت إدانته فإن النيابة كسلطة اتمام و المجني عليه باعتباره متضررا من الجريمة هما اللذان يتحملا عبء الاثبات الركن الشرعي وذلك ما يفعله ممثل النيابة حيث يقرر حفظ شكوى بعد أن يتحقق و يتثبت من كونها لا تندرج تحت أي وصف قانوني ** و يبرز دور النيابة في اثبات الركن الشرعي من خلال سلطتها في المتابعة إذ يقع عليها عبء اثبات النص القانوني الذي استندت عليه في المتابعة طيلة اجراءات و مراحل الدعوى الجنائية و لها أن تتدخل كلها ***اشكال ** بمسألة اثبات الركن الشرعي للجريمة .
2-إثبات الركن المادي :
إن عبء الاثبات في *** الجنائية أكثر ثقلا من من المدنية لانه لا يكفي مجرد إثبات ارتكاب فعل ضار بل يجب اثبات كل العناصر التي تتلخص في التعريف القانوني للجريمة المرتكبة .
و تتمثل النيابة أن الأفعال المادية المكونة للجريمة و القائمة مرتكبة من طرف المتهم أي الجاني كما على المجني عليه المضرور أن يثبت وجود الضرر الذي خلفه الفعل المجرم و المرتكب في حقه و السؤال الذي يطرح هو هل تلتزم النيابة باثبات السلوك الاجرامي حتى لو كان سلبيا أي عن طريق الامتناع؟
إن السلوك الاجرامي ليس دائما ايجابيا و إنما عدم المشرع بعض الأفعال التي تتحقق عن طريق الامتناع كالامتناع عن دفع النفقة الجريمة المنصوص عليها بالمادة 331 من قانون العقوبات و الامتناع عن مساعدة شخص في حالة خطر الفعل المنصوص عليه بالمادة 182 ** ذهب جانب من الفقه ** إعفاء النيابة من إثبات الوقائع السلبية بسبب صعوبة هذه المهمة و بالتالي حولوا عبء الاثبات إلى عاتق المتهم و على هذا الأخير اثبات وجود وقائع ايجابية تنفي الوقائع السلبية و أحسن مثال على ذلك هو اثبات جريمة التشرد المنصوص عليها في المادة 196 من قانون العقوبات ففي هذه الحالة يجب على المتهم أن يثبت أن له سكنا مستقرا ذلك أن واقعة عدم وجود مسكن مستقر عسيرة الاثبات من طرف النيابة ، غير أن هذا الرأي منتقد من غالبية *** لانه مناف لقرينة البراءة و من ثم تتحمل النيابة العامة اثبات الواقعة الايجابية المضادة كإثبات نوم المتهم الدائم في الطريق المنصوص مع التعطل عن العمل
إذا كان الاثبات يتعلق بجريمة تامة فعلى النيابة العامة اثبات جميع أركانها أما إذا تعلق الأمر باثبات مشروع في جريمة فإنه يقع ىعلى النيابة عبء اثبات البدء في التنفيذ الذي يميز المشروع عن الأعمال التحضيرية و قبلها التفكير في ارتكاب الجريمة مع مراعاة أن المشرع في جرائم محددة و نظرا لخطورتها اعتبر مجرد *** أو عقد العزم على ارتكابها ***مشروعا فيعاقب عليه وواجب الاثبات و مثال ذلك جناية تكوين جمعية أشرار الفعل المنصوص عليه بالمادة 176 ق ع .
و بناءا على ما سبق ذكره فقد قررت المحكمة العليا العناصر الواجب توافرها لقيام المشروع و التي يقع على النيابة عبء اثباتها و ذلك حين قررت ما يلي :" تنص المادة 301 من قانون العقوبات على محاولة لارتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا ليس فيما تؤدي مباشرة لدى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذ لم توقف أو ** أثرها نتيجة لظروف مستقلة عن ارادة مرتكبها حتى و لو لم يكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله فاعلا يستفاد من تصريح النص انه يشترط لتحقق المحاولة في جناية ما توافر العناصر التالية :
العنصر الأول :
الشروع أو البدء في تنفيذ الجناية .
العنصر الثاني :
وقف التنفيذ أو خيبة أثره بغير إرادة الفاعل .
العنصر الثالث :
القصد الجاني أي اتجاه إرادة الفاعل إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بعناصرها القانونية "
في حالة الاشتراك :
يقع على عاتق النيابة عبء اثبات الواقعة الرئيسية المكونة للجريمة تطبيق للمادة 41 من قانون العقوبات و القصد الجنائي هو أحد أفعال الاشتراك المنصوص عليها في المادة 42 من قانون العقوبات و كذا فيمن يأخذ حكم الشريك المنصوص عليه بالمادة 43 من قانون أو الفاعل المعنوي المنصوص عليه بالمادة 45 من قانون العقوبات.
هذا و لا يكفي اثبات الأفعال المادية الايجابية أو السلبية بل أنه ينبغي على سلطة الاتمام أن تسند الأفعال الاجرامية إلى الشخص المرتكب الجريمة و قد قضي في هذا الخصوص :" على النيابة العامة أن تقدم الأدلة التي تثبت اجراء *** لا على هذا الأخير أن يثبت برائته " .
ثالثا: إثبات الركن المعنوي.
لا يكفي لإدانة المتهم إثبات الفعل أو الامتناع من جانبه و إنما يجب بالإضافة إلى ذلك إثبات أن هذا الفعل أو الامتناع تم بمحض إرادته و بالعلم بارتكاب الفعل الإجرامي مع إرادة النتيجة المحققة عنه و هو ما يعرف بالقصد العام و تتحمل النيابة العامة عبء إثبات القصد العام ،رغم صعوبة الأمر بالنسبة لإثبات هذا الركن كونه عنصر داخلي يضمره الجاني في نفسه و لا يمكن إثباته إلا بمظاهر خارجية و في جرائم عديدة يتطلب المشرع لقيام الركن المعنوي إلى جانب القصد العام قصدا خاصا مثال ذلك إزماق الروح في جريمة القتل و نية الترسد في جريمة السرقة.
و يقع على النيابة في الجرائم ذات نتيجة عبء إثبات قصد الجاني إلى تحقيق نتيجة إجرامية محددة قانونيا .
كما إن الركن المعنوي لا يقوم على القصد بحسب و إنما يمكن أن يقوم على الخطأ.
و لا يجب افتراض قضاة الموضوع قيام الركن المعنوي بل عليهم استخلاص النية الإجرامية من وقائع القضية و إقامة الدليل عليها ،و يقع على عاتق النيابة العامة عبء إثبات القصد الجنائي في حالة الشروع و إثبات نية الاشتراك التي تمل القصد الجنائي من النية بالنسبة للشريك إذ عليها أن تثبت أن الشريك مع علمه بالواقعة قصد ارتكاب الجريمة ، و بيان نوعية المساعدة التي قدمها الشريك و بهذا الاثبات يمكن فصل الأدوار و تحديد من هو الفاعل الأصلي و من هو الشريك.
أما الباعث أو الدافع على الجريمة فهو مستقل عن القصد الجنائي ،و هو لا يؤثر على قيام الجريمة و لا تلتزم سلطة الإتهام باثباته إلا أن نبل الباعث قد يكون ظرفا مخففا للعقاب ،كما قد يكون ظرفا مشددا مثال ذلك جريمة اختطاف قاصر من أجل الحصول على فدية ، إذ يجب على سلطة الاتهام في هذه الحالة إثبات الباعث الذي أدى بالمتهم إلى ارتكاب جريمته و هو الحصول على المال.
و في حالة الجرائم غير العمدية يقع على النيابة العامة عبء إثبات خطأ المتهم بجميع صوره ، مع إثبات علاقة السببية بين الخطأ و النتيجة أو الضرر.
إذ قضت المحكمة العليا في عدة مناسبات ،باجتهادات توجب على النيابة العامة إن تثبت قيام كافة عناصر الجريمة و غياب كل العناصر التي تؤدي إلى انتفاءها فتتحمل النيابة عبء إثبات الجريمة إثباتا كاملا و يقصد بذلك إثبات قيام عناصر الجريمة و مسؤولية مرتكبيها و غياب كل عنصر من شأنه استبعاد صفة الجريمة عن الوقائع أو استحالة المتابعة لانقضاء الدعوة بالتقادم مثلا.
ثانيا: إثبات الأركان المفترضة.
تدخل المشرع لتوزيع عبء الإثبات و وضع بعض القرائن القانونية و القضائية مقررة لصالح سلطة الاتهام إذ تخفف من ثقل عبء إثبات الملقى على عاتقها و تقرر قرينة إذناب ضد المتهم و نظرا لأهمية هذا العنصر ارتأينا أن نشير إليه فقط حينا ثم نتناوله بالتفصيل لاحقا إذ تم إدراجه في الفصل الثاني تحت عنوان الاستثناءات الواردة على قرينة البراءة و هي تقرير المشرع لقرائن قانونية أو قضائية تفيد إذنابة و تقلب عبء الاثبات نرجيء تحليلها إلى حينها.
ثالثا: عبء إثبات الدفوع.
تتميز النيابة العامة كسلطة اتهام بمركز ممتاز في الخصومة الجنائية مقابل ذلك يتمتع المتهم بدوره بمركز متميز كفتله له قرينة البراءة الأصلية التي ينتج عنها مبدأ آخر يدعم مركز المتهم بتمتعه بالبراءة و هو أن الشك يفسر لصالح المتهم فهو بذلك غير ملزم باثبات براءته إلا أنه عمليا من مصلحة المتهم تقديم الأدلة المثبتة لبراءته و المفندة لادعاءات النيابة العامة و أدلتها التي تفيد الاتهام و الإدانة و يمارس المتهم حقه ذلك عن طريق نظام الدفاع المكفول له دستوريا و قانونيا و عليه فإذا دفع المتهم بتوافر سبب من أسباب الإباحة كالدفاع الشرعي أو بمانع من موانع المسؤولية كالجنون أو سبب من أسباب إنقضاء الدعوى العمومية كالتقادم و السؤال الذي يثور بهذا الصدد هو في حالة إبداء المتهم لدفوع فمن يتحمل عبء إثباتها ،هل يتحمله المتهم باعتبارها مدعيا بالدفع أم النيابة العامة كسلطة إتهام استنادا إلى قرينة البراءة التي تميز مادة الاثبات الجنائي؟
إن الإجابة عن هذا التساؤل ما تزال محل اختلاف في المجال القانوني و الفقهي و القضائي بسبب القاعدتين المتعارضتين:
- قاعدة البراءة الأصلية من جهة .
- القاعدة المدنية إذ أن المتهم يعتبر كمدعي عليه في الدعوى الجنائية و هو مدعي بالدفع.
إلا أن التطبيقات القضائية و كذا القراءات الفقهية للنصوص القانونية بينت بوضوح من يتحمل عبء الإثبات بالنسبة لمجموعة من الدفوع أهمها:
1- إذا تمسك المتهم بدفع مدني أو بمسألة أولية فإنه يقع عليه عبء إثباته طبقا لقواعد القانون المدني مثلا حتى يتمكن المتهم من نفي جريمة الزنى عليه إذا تمسك بدفع متعلق بعدم قيام علاقة الزوجية إثباته.
2- مسألة الظروف المخففة: يطبق عليها نفس الحل السابق حيث أن الظروف المخففة تؤثر في تفريد العقوبة و من مصلحة المتهم إثارتها و إثباتها حتى يبلغ حدا كافيا لاستمالة إقتناع القاضي و إفادته بها.
و قد اختلف كل من الفقه و القانون و القضاء في مسألة إثبات الدفوع لذلك سنتعرض لرأي كل منهم باختصار لمدى ارتباط المسألة بقرينة البراءة و ذلك في النقاط التالية:
* موقف الفقه:اختلف الفقه و انقسم إلى ثلاث فرق هي كالآتي:
- الاتجاه الأول: يقول أصحابه بتطبيق قواعد الإثبات المدني الواردة بنص المادة 223 ق.م التي تنص على أن على الدائن إثبات الالتزام و على المدين إثبات التخلص منه و الدائن في الدعوى العمومية هو النيابة العامة و المدين هو المتهم ،إذن هذا الأخير هو الذي يتحمل عبء إثبات الدفوع التي يتمسك بها فيتحول مركزه من مدعى عليه إلى مدعي بالدفع إذا أراد أن يستفيد منه أن يقيم الدليل عليه و حجة هذا الرأي أن الأصل في الإنسان هو أنه مسؤول و ما دام أنه ينكر مسؤوليته عن طريق إثارة الدفوع فهو من يتحمل إثبات عكس هذا الأصل .
-الاتجاه الثاني: يتمسك أصحاب هذا الرأي بوجوب تطبيق قاعدة البراءة الأصلية و من ثم تبادر النيابة العامة باعتبارها سلطة اتهام إلى إثبات قيام الجريمة و غياب عناصر نفيها و لا يلتزم المتهم بإثبات براءته فضلا عن أن القاضي الجنائي يجب أن يكون دوره فعالا في البحث عن الحقيقة ،و بالتالي البحث عن الأدلة سواء افتراض الإدانة و أن يؤدي دوره بوضوح و أن يحجب تطبيق القاعدة المدنية التي يصير بموجبها المدعي عليه مدعيا بالدفع لأن الأمر ليس سواء في الخصومة المدنية و الخصومة الجنائية إذ في الأولى فإن المدعي بالدفع يدرك الأساس الذي يقوم عليه ادعاء خصمه أما في الثانية فإن المتهم لا يعرف ما هو الاتهام الذي سوف يقوم ضده.
-الاتجاه الثالث: و هو رأي وسط يجمع بين القاعدة المدنية على الدائن إثبات الالتزام و على المدين إثبات التخلص منه "قاعدة البراءة الأصلية" ذلك أنه إذا كان مبدأ البراءة الأصلية يتحكم و يسير فيوزع مسألة عبء الاثبات الجنائي فإنه يتعين أن تظم إليه القاعدة العامة المعمول بها في مجال الاثبات المدني لأنها تشكل الوسيلة الوحيدة لاشراك المتهم في إظهار الحقيقة التي له مصلحة في الكشف عنها خاصة إذا استطاع إقامة دليل براءته أو استفادته من مانع من موانع المسؤولية أو غذرا معين أو سبب من أسباب الإباحة و عليه يخفف عبء الإثبات على النيابة و يشاركها المتهم في الإثبات و حسب هذا الرأي يكفي أن يتمسك المتهم بالدفع دون أن يلزم بإثبات صحته ،و يتحول إلى النيابة العامة .
خلاصــة:
حسب رأي الأستاذ مروان محمد و يؤيده فيه الدكتور مروك نصر الدين فإنه: « ينبغي إجراء تفرقة أسياسة في إطار هذا الإثبات بين أسباب انتفاء صفة الجريمة و الأفعال المبررة من جهة و موانع العقاب أو الأعذار من جهة أخرى...فيما يتعلق بالركن الشرعي للجريمة و الأفعال المبررة فإنه من الخطأ اعتبارها دفوعا أو عناصر استثنائية لأنها تمثل في حقيقة الأمر شروطا مسبقة و عناصر سلبية فلا تقام متابعة مثلا في حالة وجود سبب من أسباب انتفاء وجه الدعوى العمومية أو أي سبب آخر من شأنه تعطيل الركن الشرعي فينبغي أن تتولى النيابة و بطريقة تلقائية التحقيق من وجوده أو عدمه،أما بالنسبة للمسائل الأخرى المتمثلة في موانع العقاب أو الأعذار فإنه يتعلق الأمر فعلا بما يسمى بالدفوع ...و قد عمل القضاء الجنائي بصفة عامة على إلقاء عبء إثبات كل ما من شأنه تحسين وضعية المتهم أو كل ما يكون في صالحه على هذا الأخير ...».
• موقف القانون: لم ينفذ المشرع الجزائري موقفا صريحا بالنسبة لمسألة عبء إثبات الدفوع شأنه في ذلك شأن المشرعين المصرين و الفرنسين هذه هي القاعدة لكنه استثناءا و في بعض النصوص المعدودة نص صراحة على من يتحمل عبء إثبات الدفوع ومن هذه النصوص ما يلي:
المادة 582 الفقرة02 من ق.ج تحمل صراحة المتهم عبء إثبات أنه حكم عليه نهائيا بالخارج.
المادة 107من قانون العقوبات المتعلقة بارتكاب الموظف لأفعال تمس بالحريات الفردية أجازت للمتهم أن يستفيد من الأعذار أو يعفى من العقاب إذا أثبت أنه تصرف بناءا على أمر من رؤسائه الإدارين.
المادة 411 من قانون العقوبات المتعلقة بالنهب و إتلاف المواد الغذائية تخفض العقوبة التي كانت من 10إلى 20 سنة سجنا إلى من 05إلى 10 سنوات سجنا لكل شخص يثبت أنه استدرج إلى المساهمة في أعمال العنف بالتحريض و بالترغيب.
• القضـاء الجزائـري:
• بالنسبة للأفعال المبررة: إن المحكمة العليا عند تفسيرها لنص المادة 40من ق.ع اعتبرت أن هذا النص قد أقر قرينة الدفاع الشرعي و من شأن هذه القرنية إعفاء المتهم من إثبات شروط الدفاع ،و من ثم فهو لا يتحمل عبء إثبات الفعل المبرر بل يقع على القضاء عبء فحص هذا الدفع و الفصل فيه و في الحالة العكسية أي عدم تصدي القاضي للدفع المتعلق بسبب الإباحة يكون حكمه مشوبا بالقصور في التسبيب و منتهكا لحقوق الدفاع و قد قضي في هذا الخصوص « متى كان من المقرر قانونا أن القرار الذي لم يتصد للدفع بتوافر حالة الدفاع الشرعي عن النفس لا بالرفض و لا بالقبول يكون مشوبا بالقصور في التسبيب و منتهكا لحقوق الدفاع و لما كان الثابت أن المتهم الطاعن تمسك في حالة الدفاع الشرعي عن النفس أمام قاضي محكمة الدرجة الأولى وكذلك أمام قضاة المجلس القضائي غير أنهم لم يستجيبوا لدفعه لا يرفضه و لا بقبوله و قضوا عليه بالإدانة دون تصديهم لوسائل دفاعه المثارة أمامهم فإنهم بإغفالهم هذا انتهكوا حق الدفاع و حسن سير العدالة » .
• بالنسبة لموانع المسؤولية:مسائل الإثبات و من الجنون ،الإكراه و صغر السن.
- بالنسبة للجنون:نصت عليه المادة 47 من ق.ع و استقر قضاء المحكمة العليا على أن إثبات الجنون يقع على عاتق المتهم حيث قررت أنه لا يجوز للطاعن أن يتمسك بهذا الدفع –حالة الجنون- للمرة الأولى أمام المحكمة العليا متى ثبت من التحقيقات التي أجرت في الدعوى ومن محضر المرافعات أن المتهم لم يكن مصابا بأي مرض عقلاني و أن الدفاع لم يثر هذه المسألة أمام قضاة الموضوع حتى يقولوا كلمتهم فيها.
- بالنسبة للإكراه:نصت عليه المادة 48من ق.ع ليس للمحكمة العليا موقفا واضحا بشأن إثبات الدفع المتعلق بالإكراه في حين أن محكمة النقض الفرنسية . ألقت عبء إثبات الإكراه على المتهم في حين أقرت محكمة النقض المصرية بأن للمتهم التمسك بهذا الدفع بالإكراه و على المحكمة التحقق من صحته.
المادة 306/02 من ق.ج تنص على أن كل ظرف مشدد و عند الاقتضاء كل عذر وقع التمسك به يكون محلا لسؤال متميز إذن نخلص إلى أن هذه الحالات جد محدودة و يبدوا فراغ التشريع في مسألة عبء إثبات الدفوع واضحا فكيف يتعامل القضاء مع المسألة.
• موقف القضــاء:
• القضاء المقــارن:
• القضاء الفرنـسي: استقر القضاء الفرنسي مبدائيا على أنه :« يناط بسلطة الاتهام إثبات كل العناصر المكونة للجريمة و انعدام كل العناصر التي من شأنها استبعاد هذه الجريمة » و بذلك فقد كرست محكمة النقض الفرنسية قرينة البراءة و ما يترتب عنه من تحميل النيابة عبء الإثبات كاملا إلا أنها خففت من موقفها بحيث قررت أن تثبت النيابة كسلطة اتهام الركن الشرعي للجريمة و أنه لم ينقض بالتقادم أو العفو أما فيما يتعلق أسباب الإباحة فإنه يمكن اعتبارها تفسير للمادة 339 من قانون العقوبات الفرنسي قرينة على الدفاع الشرعي لصالح المتهم .
في هذه القرينة يتحمل المتهم عبء إقامة الدليل على وجود مانع المسؤولية أما فيما يخص موانع العقاب فإن القضاء الفرنسي ألقى عبء على عاتق المتهم على أساس وجود قرينة على سلامة العقل و حرية الإرادة.
• القضاء المصـري: استقر القضاء المصري على أنه يكفي للمتهم أن يتمسك بالدفع الذي يجابه به التهمة و لا يلزم بإثبات صحته و على النيابة و المحكمة التحقق من صحة هذا الدفع .إذا كان جوهريا بحيث لو ثبت وضع يرتب عليه القانون آثر قانونيا لصالح المتهم سواء تعلق هذا الأثر بنفي وقوع الجريمة و بامتناع المسؤولية أو العقاب أو بانقضاء الدعوى الجنائية أكثر من ذلك حتى إذا لم يتمسك المتهم بالدفوع أمام المحكمة فعلى هذه الأخيرة التحقق من مدى صحة الدفوع قبل القضاء بالإدانة.
و تجدر الملاحظة إلى أن محكمة النقض الفرنسية تعرضت لعدة انتقادات فيما يخص موقفها السابق ذلك أنها لم تأخذ بقاعدة البراءة الأصلية بالنسبة للإكراه وطبقت القاعدة الموجودة في القانون المدني و المتعلقة بالقوة القاهرة في حين أن الإكراه في المسائل الجنائية متعلق بذاتية الشخص المرافع عليه أما القوة القاهرة فهي مسألة موضوعية ناتجة عن حدث غير منتظر و لا متوقع.
* بالنسبة لعبء إثبات الاعتذار: نصت عليها المادة52 من ق.ع على سبيل الحصر يترتب عليها مع قيام الجريمة و المسؤولية:
- إما عدم عقاب المتهم إذا كانت أعذار مخففة.
- أما تخفيف العقبة إذا كانت أعذار مخففة.
و لا مجال للتعرض لها و إنما نخص مسألة عبء إثباتها إذ يقع على عاتق المتهم بإدانته « يجب اقتراح العذر القانوني أثناء ليوجب على ال إلقاء سؤال بشأنه و بعبارة أخرى يجب تقديم طلبات بمد من طرف المتهم فعند ذلك و به فقط يستحيل على المحكمة رفض وضع السؤال إلا إذا كان باللاشرعية».
و الدفع حق من حقوق المتهم يدفع به من شاء و على القضاء إلى قبول من الدفع بعد التأكد و إلا وقع الحكم باطلا و مما استقر عليه قرار المحكمة العليا في هذا الخصوص ما يلي : إن الرفع بحالة الإستفزاز يجب أن يثار في وقته أمام الجهة المتخصصة بدراسة الموضوع و لا يمكن أن يدفع بهذه الحالة لأول مرة أمام المحكمة العليا.
و جاء في قرار آخر : لا يجوز للمتهم أن يطالب أما المحكمة العليا بالاستفادة من عذر الاستفزاز الذي يرجع تقديره إلى السلطة المطلقة لقضاة الموضوع.
نستخلص من عرض لأهم النقاط المتعلقة بتوزيع عبء إثبات الجريمة بأركانها و كذا عبء إثبات الدفوع إلى وجوب إعادة النظر في قانون الاجراءات الجبائية من أجل إقامة نظام إثبات جنائي مستقل بذاته ومرتكز على قواعد قانونية واضحة و صريحة تكفل توزيع عبء الإثبات بصورة عادلة على أطرف الدعوى الجزائية الذي هو في طور الإعداد على مستوى اللجنة المعتمدة بتعديل قانون الإجراءات الجزائية .
و لا يمكن البحث في عبء الإثبات و علاقته بقرنية البراءة دون إلى مبدأين هما من الأهمية بمكان و يعتبران نتيجتان منطقيتين عن مبدأ افتراض البراءة الأصلية و تقدم بذلك "قاعدة الشك يفسر لصالح المتهم" و "قاعدة الإقتناع الشخصي للقاضي الجزائي"و هو ما سنتطرق إليه في الآتي بيانهما:
* قاعدة الشك يفسر لصالح المتهم:
إن قاعدة الشك يفسر لصالح المتهم تعد من النتائج المباشرة لقرنية البراءة ،لأن القاضي عندما لا يتمكن من الاقتناع بثبوت التهمة أو بثبوت يكون ملزما بإصدار حكم براءة المتهم لأنه يرى إلى أن تثبت الإدانة بحكم قضائي أو أن هذا الحكم لا يبنى على الظن و الاحتمال فكلما وجد شك حول الشبهات و تحويلها إلى أدلة قاطعة بالإدانة فسر لصالح المتهم و استفاد هذا الأخير من تكريس قاعدة براءته الأصلية .
فعجز النيابة عن تقديم أدلة الإدانة و مجرد إحداثها لشكوك يفقد نسبة التهمة للمتهم لا تكفي لإدانته بل يعد ذلك العجز دليلا إيجابيا على براءة المتهم.
و الإدانة في الأحكام الجزائية تبنى على الجزم و اليقين لا على الظن و التخمين فإذا رجحت المحكمة أدلة الإدانة دون أن تجزم بارتكاب القسم للجريمة و دون أن يتحقق لديها اقتناع بذلك يكون حكمها خاطئا و واجبا للنقض ،فقاعدة الشك يفسر لصالح المتهم تمثل إحدى النتائج لقرنية البراءة ،و الوجه السلبي "اليقين القضائي"لسلامة اقتناع القاضي بالإدانة و "قاعدة الشك لصالح المتهم "ضمانة للمتهم مقابل "قاعدة حرية القاضي الجبائي في الاقتناع".
« إذا لم تتوصل الجهة القضائية من خلال الأدلة الحتمية لديها إلى اليقين إي يقين باسناد التهمة إلى المتهم المسائل أمامها فإنه يتعين عليها القضاء بالبراءة» .
هذا ما أكدته المحكمة العليا في عدة قرارات صادرة عنها و هو ما يمثل موقفها تجاه قاعدة الشك تفسر لصالح المتهم أمام غياب موقف صريح لتشريع الإجراءات حول هذه المسألة .
و الشك الذي نقصده هو الذي يثار في مرحلة المحاكمة لأن المتابعة الجزائية تقوم أساسا على الاشتباه و الشك ،و طيلة مراحل الدعوى الجزائية قد يتحول هذا الشك إلى يقين تبين عليه الإدانة و إما يبقى مجرد الشك لا يكفي لإدانته بل يجب معه التصريح بالبراءة.
و تبرز أهمية قاعدة الشك في مرحلة المحاكمة لأن وقائع للقضية تكون قد اتضحت –نسبيا- و وسائل إثبات ما تكاملت و لم يبق إلا إذن بفصل القاضي فيها بالأدلة أو بالإرادة حسب ما يميله عليه اقتناعه الشخصي المبين على تقدير الأدلة المطروحة و درجة الدفاع المناقشة في معرض .
أما في مرحلة التحقيق فإن قاعدة الشك لا تتوتر إلا أنه إذا اتضحت الحقيقة بصورة جلية في هذه المرحلة و انتهت جهة التحقيق إلى عدم قيام الأدلة على إسناد التهمة للمتهم أصدرت أمر بانتهاء الدعوى القضائية للمادة 163من ق.ع.
يشترط إن لم يلم قاضي التحقيق بوقائع الدعوى و بقلة أدلتها ــــــــ بتوفر الشك ومن ثم لمتابعة القيام وجهة التحقيق بين أمر إثبات لإحالة على وجود إحتمالات قوية للإدانة في محل إحالة المتهم على جهات الحكم طبقا للمادة 169ق.ج.
و السؤال الذي يثور هو مدى التزام القاضي بتطبيق قاعدة الشك يفسر لصالح المتهم؟.
اختلف الفقه حول هذه المسألة و لا مجال لرفض آرائه في هذا المقام و ما يمكن قوله هو أن مبدأ تفسير الشك لصالح المتهم هو قاعدة قانونية إلزامية للقاضي يتعين عليه إعمالها كلما ثار لديه شك في الأدلة فإذا خالفها و اعتبر الواجهة محل شك ثابت و قض بالإدانة كان حكمه باطلا و يجوز أن يستند الطعن من الحكم إلى هذا السبب.وهذا ما استقر عليه الفقه و القضاء و التشريع .
تسائل أيضا عن نطاق تطبيق قاعدة الشك هل في المواقع و مسائل القانون؟.
نطاق قاعدة الشك بالنسبة لمسائل الواقـع:
متى نطبق قاعدة الشك ينقسم إلى اتجاهين:
الرأي الأول : يرى أنصاره أن قاعدة الشك لا تطبق ما يمتد إلى ماديات الواقعة الإجرامية و ذلك كان يتساوى أدلة الإتهام و أدلة البراءة و يصحب الترجيح بينهما.
الرأي الثاني : يرى أنصار هذا الرأي أن قاعدة الشك تطبق في كل اتجاهات التي توجد فيها شك في إدانة المتهم سواء كان هذا الشك موضوعيا يتعلق بماديات الجريمة + +يتعلق بتقرير القاضي للأدلة المطروحة عليه.
وهذا هو الراجع لأن تفسير الشك لصالح المتهم على الشك الموضوعي فقط فيه تطبيق لحرية القاضي في الإقتناع.
نطاق قاعدة الشك بالنسبة لمسائل القانون: ليست للشك في مسائل القانون التي + و على ذلك فإن القضاة لا يستطيعون الحكم بالبراءة لمجرد التفسير الصحيح للنص القانوني الغامض.
موقف قضاة المحكمة العليا من قاعدة الشك:
قضت المحكمة العليا بما يلي : « الأصل في الإنسان البراءة حتى تثبت إدانته و قد تبنى دستور 1996 هذا المبدأ في المادة45 إذ نص أن كل شخص يعتبر بريئا حتى إثبات جهة نظامية إدانته مع كل الضمانات أين يتطلب القانون ترتيبا على ذلك فإن الأحكام و القرارات لا تبنى على الشك و الافتراضات و إنما على اليقين و الجزم.» .
و قضت أيضا أن :" القرارات القاضية بالبراءة مثلها مثل القرارات الصادرة بالإدانة يجب أن تحلل تحليلا كافيا حتى تتمكن المحكمة العليا من مراقبة صحة تطبيق القانون فالقرار الذي + بالحكم بالبراءة يقول أنه يوجد في الدعوة شك لصالح المتهم يعتبر ناقص السبب و يستوجب النقض".
و قضت أيضا :"لما كان أعضاء محكمة الجنايات غير ملزمين + الوسائل التي توصلوا بما إلى اقتناعهم طبقا لمقتضيات المادة307 إرادات فإنه لا يجوز للنيابة العامة أن تطحن بالنقض + القاضي بالبراءة على أساس أن الوقائع ثابتة ضد المتهم و أن المحكمة خالفت القانون بتبرئته لصالح الشك طالما أن الأسئلة متعلقة بالأدلة قد طرحت على اعضائها بصفة صحيحة و إنهم اجابوا عليها بالنفي بأغلبية الأصوات + لاقتناعهم الشخصي".
و فيما يتعلق بطرح خاص بالشك قضت للمحكمة العليا في هذه المسألة بما يلي :"إن الشك لصالح المتهم لا يكون محل سؤال مستقل و إنما هو مندرج ضمنيا في السؤال الرئيسي بحيث إذا شك أحد أعضاء محكمة الجنايات في أدلة المتهم فما عليه إلا أن يجيب بالنفي عن السؤال المطروح عليه طبقا لاقتناعه الشخصي و وفقا لأحكام المادة307 من ق.إ.ج.
* قاعدة الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي:
نص قانون الإجراءات الجزائية في المادة 212 منه على أن :"القاضي يصدر حكمه تبعا لاقتناعه الخاص"
يرجع الأخذ بقاعدة الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي لعدة مبررات أهمها :
1- صعوبة الإثبات في المواد الجنائية لتطور أساليب ارتكاب الجريمة.
2- طبيعة المصالح التي يحميها القانون الجزائي إذ هو يحمي كيان المجمع و محاولة إحداث التوازن بين مصلحة المجتمع و مصلحة الأفراد .
3- إبراز دور القاضي الجنائي من خلال مناقشة الأدلة المطروحة عليه في القضية.
و ل + + + +أن للقاضي يحكم في الدعوة حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته و له سلطة واسعة في تقصي الحقيقة و هو ما أعدته المحكمة العليا بقضائها ،إن الخبرة في مواد الجنايات هي باقتناع المحكمة التي لها الحرية من جمع ظروف الدعوى و شروط الوصول إلى الحقيقة من :
1- أن تكون عقيدة القاضي مستمدة من أدلة مأخوذة من إجراءات مشروعة.
2- صلاحية الدليل في تكوين عناصر إثبات (يكون مستمد من الواقع و مطابق للمنطق ).
3- تساعد الأدلة في المواد الجبائية بإبطال دليل واحد يقتض إعادة النظر في مدى كفاية + لدعم الإدانة و التصريح بالبراءة بناءا على قاعدة الشك يفسر لصالح المتهم.
الأصل أن القاضي لا يكون ملزما بسبب اقتناعه و بيان العناصر التي كونت هذا الاقتناع و غير خاضع لرقابة المحكمة العليا و إنما يخضع لرقابة المحكمة العليا و إنما يخضع لرقابة ضميره،إن السيادة هنا ناتجة عن مبدأ الحرية القاضي الجزائي التي يعتبر أساسا للإثبات المعنوي فالقاض يكتفي بإعلانه بصدق الدليل أو عدم صدفة دون أن يكون ملزما ببيان إقتناعه إلا أن القاضي ملزم أحكامه و ذلك ما يعد ضمانة أساسية الجبائية .
نطاق تطبيق قاعدة الاقتناء الشخصي:
- تطبق القاعدة أمام جميع جهات القضاء الجزائي دون تميز بين القضاة و المحلفين بالنسبة لمحكمة الجنايات ،فتطبق أحكام المادة 307ق.ج بالنسبة للجنايات و أحكام المادة 212 ق.ج بالنسبة للجنح و المخالفات
- و يطبق مبدأ الاقتناع الشخصي في جميع مراحل الدعوى أي أمام قاضي النيابة و قاضي التحقيق و قاضي الحكم فهم يقدرون مدى كفاية أدلة الاتهام أم لا دون الخضوع لقواعد معينة و لا لرقابة المحكمة العليا و لكنهم يخضعون لرقابة ضمائرهم و اقتناعهم الشخصي فقط .و ذلك لوحدة الهدف بين المرحلتين و هو البحث عن الحقيقة.
- المواد 86 ،69،286 من ق.ج المقصود هو ضمان تأكيد أساس العدالة في الأحكام و ذلك بوضع المباديء التي يجب أن تشد القضاة عند تقرير عناصر الإثبات و التحري الفائق و هي الظروف القائمة قبل المحاكمة و أثنائها.
و يمكن حصر القيود التي ترد على مبدأ الاقتناع الشخصي فيما يلي :
1- طرح الأدلة بالجلسة (عدم الحكم للمتهم ).
2- بناء العقيدة على الجزم و اليقين لا بالظن و الترجيح
3- إثبات الأدلة و مضمون كل واحد من ما .
4-التناقض.
المطلب الثاني: الضمانات المقررة لحماية قرنية البراءة بعد صدور الحكم.
يمارس الشخص المتابع جزائيا حقه في الدفاع عن قرنية براءته منذ الوهلة الأولى لانطلاق التحريات الأولية إلى غاية صدور الحكم القضائي الذي إما يكرسها بأن يصرح براءة المتهم من الأفعال المنسوبة إليه و إما أن يقض الحكم بالإدانة فيهدر قرينة البراءة ،لكن هل الإهدار نهائي أم أن للمتهم الحق في مواصلة الإجراءات و الاستمرار في مسعاه المتمثل في الاستفادة من حكم قضائي نهائي بات بالبراءة ؟.
و بصفة أخرى ما هي الضمانات المكفولة للمتهم الذي يتحول إلى محكوم عليه بعد صدور حكم قضائي بالأدلة ضده ؟.
لقد قرر الشرع للمحكوم عليه رخصة تتمثل في الطعن في الأحكام باعتبارها وسيلة قانونية خولها القانون لأطراف الدعوى العمومية ينصب على حكم أو قرار صادر في غير صالحهم و يهدف به إلى الحصول على حكم في صالحهم على عكس الحكم موضوع الطعن.
إذ أن الحكم الجزائي قد ينطوي على إدانة غير مؤسسة نظرا لانتقاء ركن من أركان الجريمة المحددة في النموذج القانوني و أن الجريمة ارتكبت من طرف شخص غير ذلك الذي جرت محاكمته أو أن المحكمة أخطأت في تكييف الوقائع و إعطائها الوصف القانوني الصحيح ،و بذلك يمكن أن يحكم القاضي في الفروق السابقة بالإدانة في حين كان عليه الحكم بالبراءة مهما منحه الحق في الطعن وفق طرق الطعن المحددة في ق.ج فهي تنظم على عادية و غير عادية نتناولها في الفرعين الآتي بيانهما:
الفرع الأول :طرق الطعن العدية و الضمانات القانونية المكفولة بموجبها
هو هي الطعون التي تنص على أحكام ابتدائية غير نهائية تتمثل في طريقة الطعن بالمعارضة و الطعن بالاستئناف.
أولا: المعارضـة.
المعارضة طريق عادي من طرق الطعن يتمكن المحكوم عليه غيابيا بمقتضاها من إعادة نظر الدعوى من جديد أمام نفس المحكمة التي أصدرت الحكم ،وذلك أن الأصل يقتضي أن تجري المحاكمة وجاهيا بحضور المتهم حتى يتمكن وصفها بالعدالة إذ يتسنى خلالها لهذا الأخير الاستفادة من الضمانات المقررة أثناءها و السابق لها لذلك حرص القانون على ضرورة إعلام المتهم بالتهمة المنسوبة إليه و بميعاد جلسة المحاكمة فإذا لم يكلف المتهم أصلا بالحضور أو كلف بورقة باطلة أو كلف بورقة صحيحة و لكن وجهت إلى غير شخصه و لم يثبت عليه بها فإنه لا يكون قد استوفى حقه بضرورة العلم بالتهمة الموجهة إليه على النحو الذي يتطلبه القانون ،فإن تخلف عن حضور المحاكمة كان غيابه مبررا و يعد الحكم الصادر ضده حكما غيابيا و هذه الغيبة المبررة تولد حقه في المعارضة دعواه مجددا على القاضي الذي أهدر الحكم عليه في غيابه.
و المعارضة تجوز في الأحكام الغيابية التي تصدرها المحكمة غي غياب المتهم الذي لم يتسلم ورقة الاستدعاء ،شخصيا و لم يتمكن من حضور جلسات التحقيق النهائي و المرافعات كما الأحكام الحضورية الاعتبارية لكن بشروط جد و هي المتهم عذر قبول قانون عن غيابه يوم الجلسة المحددة دعواه و يثبت المتهم للمحكمة للأسباب التي منحته و حاولت دون استطاعته تقديم هذا العذر في الوقت المناسب سواء قبل الجلسة أو أثنائها ،و ثالثا أن يكون الحكم الحضوري الاعتباري غير جائز الاستئناف.
كما تقتصر المعارضة على الأحكام الفاصلة في مواد الجنح و المخالفات مهما كانت للجهة القضائية المصدرة لها أما أحكام النيابة الصادرة في مادة الجنايات تخضع لأحكام المادة 326 ق.ج إذ تسقط الأحكام بمجرد تقديم المحكوم المختلف غيابيا و تسليم نفسه للسحب أو بمجرد إلقاء القبض عليه قبل انقضاء العقوبة لمقتضى عملية و ما بالتقادم إذ أن الحكم و الإجراءات منذ الأمر بتقديم نفسه بقوة القانون و تتخذ الإجراءات الاعتيادية .
و عن المعارضة جملة من الحقوق أهمها ما يلي:
وقف تنفيذ الحكم المعارض فيه: لأنه حكم غير نهائي و القاعدة أن الأحكام الجزائية لا يجوز تنفيذها إلا إذا صارت نهائية ما لم يرد بالقانون خالف و وفق تنفيذ الحكم المعارض فيه نتيجة لازمة لقابليته للمعارض لهذا فإنه يكون غير قابل للتنفيذ خلال الميعاد القرر قانونا للمعارضة فيه و لا في أثناء الدعوى إذا عرض فيه مع الإشارة إلا أن هذا الأثر يمتد إلى ما تم القضاء فيه في الدعوى المدنية و يبرر هذا الحكم بأن الأحكام +++ الأحكام دلالة على صحة ما قضت به لنا فإن العدالة توجب التريث في تنفيذها ريثما وجه الحق فيها بصيرورتها نهائية .
2-إعادة الدعوى على المحكمة من جديد
طبقا لنص المادة 412 /4-5 من ق إ ج إذ أن المقصود من المعارضة هو طالب إعادة نظر الدعوى من جديد .بالنسبة للمعارض أمام نفس الجهة المصدرة للحكم .
و الغية من إقرار طريق لطعن بالمعارضة بموجب ق.ح هو عدم إدانة المتهم بغير تفحص دفاعه التي لم يتسنى له تقديمها مادام أنه لم يحضر المرافعات الواجهية أثناء جلسة المحاكمة فإذا اقتنع القاضي بالأدلة المفروضة إليه من طرف المعارض تراجع عن حكمه الأول و قضى براءته و إن لم يجدي الدفاع المعارض في أدلة الاتهام و لميتمكن من تحفيز عقيدة المحكمة فإنها قد تقضي بنفس الحكم إلا أن ما يجب التأكيد عليه هو أنه لا يجب على القاضي اعتبار المعارضة مجرد صمت شكلي و لا يجب أن يتمسك القاضي بمراسخ في ذهنه من خلفيات المحاكمة النيابية فيمنحه ذلك من تفحص الأدلة و الدفوع المعتمدة من المعارض و يبقى الحكم الصادر نتيجة المعارضة مجرد إفراغ الحكم النيابي.
3-عدم جواز الأضرار بالمعارض بسبب معارضته: عملا بالبند القضائي القائل أن تظلم الضرر لا ينبغي أن ينقلب وابلا عليه .إذ لا يجوز أن يضار المعارض جراء الحكم الصادر ضده و ليس للمحكمة التي تنظر الدعوى من جديد لاختيار بين قبول المعارضة شكلا أو تحسين مركز المحكوم عليه إما بإعطاء من الأدلة و التصريح ببراءته و إفادته بظروف التخفيف و إما تبقى على قضاءه الأول و من جديد إذ لم تقتنع بدفاع المحكوم عليه و ليس لها بأي حال من الأحوال لأن تحكم عليه بأكثر مما اشتمل عليه الحكم المعارض فيه ،كالحكم بعقوبة لها أن العقوبة المطبقة عليه أقل مما يستحق و كل ما سبق ذكره ناتج عن كون الطريق بالطعن بالمعارضة ضمانة منحها القانون للمحكوم عليه لمواصلة دفاعه عن براءته التي لم يتمكن من إحرازها سابقا لصدور الحكم غيابيا في حقه ،فهو إجراء مقرر لمصلحة و لا يجوز أن يضار منه اسوة نيابية أنواع الطعون لا سيما و أن المعارض لها تقدم إلى القضاء طالبا في المحاكمة واجاهية فإنه قد أبدى إجراءه للسلطة القضائية طالبا تبرئته مما نسب إليه أو تخفيف العقوبة المسلطة عليه لذلك إن لو لم يتعرض في الحكم و اكتسب هذا الأخير الحكم القاضي فإنه يفسر مصادر من خطأ أو تخفيف و بذلك عقوبة دون زيادة لذلك فالمنطق برفض شديد العقوبة بحقه حتى لا يكون السوء حالا من غيره.
ثانيا: الطعن بالاستئناف تكريسا لحق التقاضي على درجتين:
- فرصة ثانية لدفاع المحكوم عليه عن قرينة براءته-
يعتبر الاستئناف الطريق عادي في الأحكام الصادرة عن محكمة درجة أولى –جنح أو مخالفات- و الهدف هو الدعوى من جديد أمام المجلس القضائي قصد إلغاء هذه الأحكام أو تعديلها لصالح المتهم المحكوم عليه .
و ما يمكن المشرع عليه بهذا الشأن هو عدم تمديد الطعن بالاستئناف و إجازته بالنسبة لأحكام محكمة الجنايات على أساس أن هذه الأخيرة تخضع لرقابة النقض إذ أن في ذلك إجحافا في حق المتهم بحرمانه من إحدى درجتي التقاضي بشأن حكم جنائي أكثر ثقلا و خطورة من حيث العقوبات المحكوم عليه بموجبه و من غير المنطقي فهو حق الاستئناف على أحكام و عقوبات أقل خطورة –جنح المخالفات- فهو تمييز و تفرقة غير مبررة.
إن ازدواجية درجة التقاضي على درجة التقاضي تعتبر ضمانة فعالة بالنسبة لحماية حق المتقاضي من جهة فهي مقررة أيضا لمصلحة العدالة من جهة أخرى و يمكن اعتباره ضمانة كبرى لحق المتهم في محاكمة عادلة فضلا عما يجسده من حياد للهيئة القضائية وهو أحد عوامل الأمن القانوني لما يحققه من لأحكام محام الدرجة الأولى مما يكون قد لحق بها لاحظ في تطبيق القانون سوء التقدير.
فمثلا على أن نظام التقاضي على درجتين يحمل قضاة محاكم الدرجة الأولى يثيرون في إصدار أحكامهم حرصا من الوقوع في الخطأ و يجعلهم يحسون دائما أنهم تحت رقابة المجلس القضائي من حيث تطبيقهم السليم للقانون و تقويم في أحكامهم من تطبيق خاطيء للأحكام القانونية و هو ضمانة للمتهم المحكوم عليه الذي تتاح له فرصة ثانية أمام قضاة أعلى درجة للدفاع عن براءته .
و من آثار الاستئناف و التي تعتبر بحق ضمانات مكفولة للمحكوم عليه التي يطمع محاكمة و حكم آخر عدلا هي كالآتي :
وقف تنفيذ الحكم المستأنف: و يكون ذلك نتيجة لازمة لمبدأ عدم جواز تنفيذ الأحكام الجزائية ما لم تكن نهائية و عليه فلا يجوز تنفيذ الحكم الابتدائي بناء المقرر قانونا للاستئناف كما لا يجوز ذلك و لو حصل استئنافه السيادة لو كان غير مقبول هذا السبب ريثما تثبت المحكمة فيه ، و ذلك طبقا للمادة 425 ق.ج التي تنص على أنه يوقف تنفيذ الحكم أثناء الاستئناف و أثناء دعوى الاستئناف مع مراعاة أحكام المواد 337 ،321،365،419،427 و القاعدة العامة + استئناف الحكم يوقف تنفيذه لما ينتج عن ذلك من أضرار إصلاحها غالبا لكن هناك استثناءات هي مقررة لمصلحة المتهم المحكوم ببراءته و اعتبارا لحقوق الشخص البريء في التمتع بكامل حريته أوجبت المادة 425 أن يفرج على المتهم المحكوم ببراءته على الحال و فورا و يفرج كذلك على المتهم المحبوس مؤقتا الذي في الحبس المدة المحكوم بها عليه.
أما المتهم المحكوم بحسبه فيبق في المؤسسة العقابية رغم استئنافه للحكم الصادر منذ و إذا لم يكن المتهم محبوسا أثناء المحاكمة و كان تحت الإفراج و لم تأمر المحكمة بإيداعه فإنه يبقى حرا إذا رفع استئنافا ضد الحكم الصادر ضده بالحبس النافذ و ذلك التيار مهل الاستئناف و دعوى الاستئناف.
الأثر الناقل للاستئناف و إعادة الدعوى على جهة الاستئناف: الأثر الناقل للاستئناف مفاده أن يحاد القضية من جديد أمام المجلس القضائي و في حدود الاستئناف المرفوع إليه غير أن المجلس أثناء نظره الدعوى المطروحة عليه ملتزم بأن يتصف بعقود تحديد الإطار الذي ينظر فيه الاستئناف تتمثل في:
1- تقيد وجهة الاستئناف بالواقع التي طرحت و نوقشت أمام المحكمة.
2- تقيد جهة الاستئناف بموضوع التقرير بالاستئناف.
3- تقييد جهة الاستئناف بصفة الخصم المستأنف.
و ينتج عن السابقة مايلي:
- إنه لا يجوز لجهة الاستئناف لم تكن قد طرحت على محكمة الدرجة الأولى و لا يجوز لها تحفيز صفة خصم كان موجودا أساسا مراعاة لمصلحة المحكوم عليه في ضرورة نظر ما استند إليه عن درجتين ذلك أن عدم جواز نظر واقعة جديدة لم تطرح من قبل المحكمة قاعدة عامة واجبة الاتباع لا يجوز التنازل عنها من قبل المتهم لتلحقها بالنظام العام.
- لا يجوز لجهة الاستئناف واقعة تدخل تلك بسبيا لأنه بذلك يعد تعديا على حدود الدعوى بالرغم من السلطة الممنوحة للقاضي فحص الأدلة بما فيها تلك التي لم يسبق بها ++ المحكمة .
- لا تجوز الإساءة إلى مركز المتهم إذا كان الاستئناف مرفوعا من غير النيابة و عليه من كان الاستئناف مرفوعات المتهم منفرد لا يجوز للمجلس أن العقوبة المحكوم بها عليه و أن يزيد في قيمة التعويضات إلا أن استئناف الطرق الحكم مع التهم المدينة للمحكوم بها عليه أو أن يلقي إيقاف التنفيذ كما لا يجوز له أن يقطف بعدم الاختصاص استنادا إلى أن الواقعة في حقيقتها جناية غير أن المحكمة فيما محكمة الدرجة الأولى على أساس تكييف جزئي.
و خلاصة ما سبق هو عدم جواز تضرر المحكوم عليه من استئنافه الأول هذا الأخير ضمانة و مفتاح باب فرصة ثابتة لطلب عدالة القضاء و الدفاع ببراءته.
و أن المجلس القضائي يمكنه أن يصدر قراره في موضوع الاستئناف بالطريقة التالية:
* يفحص المجلس الاستئناف شكلا و قبل التطرق إلى الموضوع و على ضوء ذلك يمكنه أن:
- يصدر قراره يرفض شكلا إذا لم يتم رفعه في المدة المحددة للاستئناف أو لم تحترم فيه القواعد الإجرائية للاستئناف.
- يصدر قرار الحكم المطعون فيه إذ أن الاستئناف رغم كونه مقبولا شكلا فإنه غير مؤسس طبقا لما ورد في المادة 423/02.
- يجوز للمجلس أن يقضي بتأييد الحكم أو باتخاذه كليا أو جزئيا لصالح المتهم أو لغيره طبقا للمادة 433/01ق.ج
فمن بين الضمانات المهمة المكفولة للمتهم بموجب طريق الطعن بالاستئناف حق المتهم المحكوم ببراءته من الاستفادة من حكم يقضي بتعويضه: إذن رأى المجلس القضائي أنه ليس ثمة من جناية و لا جنحة و لا مخالفة أو أن الواقعة ليست ثابتة أو لا يمكن المتهم فإنه يقضي ببراءته من آثار المتابعة بغير عقوبة و لا مصاريف.
و في هذه الحالة إذا طلب المتهم ببراءته التعويض ال المنصوص عليه في المادة 366 يرفع طلبه مباشرة أمام المجلس –المادة 433ق.ج-،و إذا كان المدعي هو الذي حرك الدعوى العمومية فإن المجلس يقضي ببراءة المتهم مع الحكم له بالتعويض ضد المدعي عليه إساءة حقيقة الإدعاء مدنيا طبقا للمادة 366ق.ج.
الفرع الثالث: طرق الطعن الغير عادية و الضمانات المكفولة بموجبها.
لقد أورد الشرع الجزائري طرق الطعن غير العادية من و الرابع منق.ج و خصصت الباب الأول منه للطعن و بالنقض و الباب الثاني لا لتماس إعادة النظر .فيما هي الضمانات المكفولة للمتهم دفاعا عن قرينة براءته على طرق الطعن غير المادية.
أولا: الطعن بالنقض ضمانة لمراقبة صحة تطبيق القانون.
إن الطعن بالنقض هو طريق غير عادي من طرق الطعن في الأحكام النهائية الصادرة من المحاكم العادية و المجالس القضائية و يقتضي عرضها على المحكمة العليا لمراجعتها من ناحية صحة الإجراءات و قانونية النتائج التي انتهت إليها تلك الأحكام ،إذ أن المحكمة العليا لا تفصل في موضوع الخصومة لأنها جهة لها سلطة مراقبة صحة تطبيق القانون و تفسيره و مراقبة صحة إجراءات المحاكمة وحسن تطبيق القانون على الوقائع لفإن الطعن النقض يختلف لاعن طرق الأخرى في أنه يهدف من النقض القائم به يكمن في موضوع الدعوى .و لذلك فإن الدعوى لا تعرض أن المحكمة العليا إلا في حدود الأسباب القانوني المنصوص عليها شرعا و التي يستند عليها الطاعن في إنهاء الحكم.
و عليه فإن حماية حق المتهم في محاكمة عادلة وكذا روة تدعيمه بوسائل إدجرائية للاستمرار في الدفاع عن بر\اءته تتجلى من خلال منحه حق الطعن بالنقض في الأحكام لفرض رقابة على التطبيق السليم للقانون و ذلك من عدة جوانب أهمها تلك المذكورة بنص المادة 500ق.أج كأوجه للطعن و هي كالآتي:
المادة 500:" لا يجوز أن يبنى الطعن بالنقض إلا عى أحد الأوجه الأتية
1- عدم الاختصاص.
2-تجاوز السلطة.
3-مخالفة قواعد جوهرية في الإجراءات
4-إنعدام أو قصور الأسباب
5-اغفال الفصل في أوجه اطلب أو في أحد طلبات النيابة العامة .
6-تناقض القرارات الصادرة عن جهة قضائية مختلفة في آخر دجرجة أو التنافض فيما قضى به الحكم نفسه أو القرار.
7- مخالفة القانون او الخطأ في تطبيقه.
8-إنعدام الأساس القانوني .
و يجوز للمحكة العليا ان تثير من تلقاء نفسها الأوجه السابقة الذكر"
و حدد آثار الطعن بالنقض في المادة 499.ق.أ.ج و هي :
1- وقف تنفيذ الحكم خلال ميعاد الطعن النقض بالنسبو للمتهم غي المحبوس و المحكوم عله بالإعدام و لا يستفيد من أحكام المادة 499 ق.أ.ج المتهم لمسجون بالرغم من قيالمه بالطعن بالنقض في الحكم القاضي بإدانته .
2- عدم وقف تنفيذ الحكم فيما قضى به من الحقوق المدنية .
3- الإفراج الفوري عن المتهم المحكوم ببراءته و المتهمالمحكوم عليه بعقوبة مع وقف التنفيذ أو بغرامة و المتهم الذي قضى مدة حبس مؤقت تساوي مدة العقوبة المحكوم بها عليه إذ يفرج عن هؤلاء بقوة القانون بالرغم ن وجود طعن بالنقض ضد الأحكام الصادرة في حقهممن النيابة العمة أو من الطرف المدني و إذا بقو محبوسين فيعد ذلك حبسا تعسفيا معاقب عله قانونا.
و في نفس السياق السابق فقد خول المشرع بنص المادة 530ق .أ.ج للنائب العم إمكانية طلب إلغاء ما يقع في أي حكم أو قرار صادر عن جهة قضائية في المواد الجزائية يكون فيه تجاوز لسلطتها يسمى هذا الطعن لصالح القانون و فيه ضمانة كبيرة للمحكوم عليه خاصةى فيما يتعلق بما ورد في الفقرة الخيرة م المادة المذكورة اعلاه على النحو الأتي :"...إذا صدر الحكم بالبطلان استفاد منه المحكوم عليه...".و نخلص إلى القول أن الطعن بالنقض مصلحة واضحة للمتهم من ناحيتين فهو يحقق له نظر الدعوىبع
د نقض الحكم و احالته على نفس الجهة مشكلة بتشكيلة أخرى غير تلك التي أدانته سابقا و ذلك تأكيد لمبدأ حياد القاضي كما أنالطعن بالنقض يكفل عدم تسويء مركز المتهم المحكوم عليه إذ لا يجوز للمحكو لعليا أنتشدد العقوبة أو تلغي ميزة اجتمشل عليها الحكم المطعون فيه منجانبه كي لا يضار لطعنه .
وقد أضفى المشرع حماية أكبر على البراءة الكمصرح بها و ذلك من خلال ما نص به في المادة 499/01ق.إ.ج كما يلي :"لا يجوز الطعن بهذا الطريق فيما يأتي:
1- في الأحكام الصادرة بالبراءة إلا من جانب النيابة العامة ..."
ثانيا: إلتماس إعادة النظر
يعرف التماس إعادة النظر بانه طريق طعن غير عادي ،و جعله المشرع وسيلة لإثبات براءة المحكوم عليه و قد قصره القانون على الأحكام التي حازت قوة الشيء المقض في ه و كانت تقضي بالإدانة في جناية او جنحة.
ذو التما سغعادة النظر طربق غير عادي يقوم اثلا عل الخطأ في الوقائع لا في تطبيق القانون كا هو الحال في الطعن بالنقض و قد فقصره المشرع على حالات محدودةى بنص المادة 531 ق.أ.ج و عليه فقد قصد المشر ع نإعادة النظر ففت الكمحال لاصلباح الخطأ القضائي الذ اشتمل عليه حكم بات عن فعل يعتبر جناية أوجنحة في حالات معينة ، ذلك أنه ليس من العدل بقاء الحكم قائما على الرغم من ثبوت عدم صوابه و ابقاء المحكوم عليه مسجونا رغم التيقن من براءته و من جة أخرى فقد أفسح المشرع مجالا واسعا في غثبانت براءته و ذلك بعدم تقييد طلب إعادة النظر لأجال محددة و ذلك راجع إلى أن معظم حالاته مرهونة علة ظهور واقعة جديدة أو اكتشاف حكم لم يكن معلوما وقت صدور الحكم القاضي بالإدانة و إعلاءا لمبدأ البراءة الأصلية و كذا لاعتبارات العدالة فأنه يكتفي أن تكون الواقعة الجديدة مناط هذا الطلب مجهولة من طرف المحكمة مصدرة الحكم حين الفصل في الإدانة و لو كان المحكوم عليه على علم بها لأنه من غير الجائز أن يكون المتهم ضحية لقصوره في الدفاع عن نفسه و أنه لا أهمية لخطأ المحكوم عليه في بحث مدلول جدة الواقعة و إنما الخطأ باصدار الحكم بالادانة اللذي يستوجب إزالته بغض النظر عن سوء مسلك المتهم و خاصة أن طلب التماس إعادة النظر ينطوي على محاكمة الحكم الصادر لا علاقة له في عدم الدفاع عن نسه.
و يكفي أيضا دعما لحق المحكومعليه في الدفاع عن براءته أن يكون من شأن الواقعة الجديدة أو المستند الجديد التشكيك فب اسناد الفعل الجرمي إلى المتهم و لا يجب أن يقطع يقينيا لبرلءته كممبر ر لاعادة النظر في الحكم المطعون فيه ذلك أن القضاء بالبراة واجب عند الشك في الإدانة و من ثم يكفي تبريرا لطلب إعادة النظر في حكم الإدانة احتمال البراءة لأنها قرينة و أصل مفترض.
شكرا جزيلا
للاستفادة من موقعنا ابحثوا على الموضوع الذين تريدون، بمربع البحث. نسعى دائما لتطوير موقعنا، شكرا لكم