القائمة الرئيسية

الصفحات



حقوق القـاضي في الفقه الإسلامي

حقوق القـاضي  في الفقه الإسلامي

حقوق القـاضي
في الفقه الإسلامي 




حقوق القـاضي 
في الفقه الإسلامي 




د. أحمد نور الله 
                                      بحث محكم منشور في مجلة الدراسات الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم 
المقـدمة 
    الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ، ليقوم الناس بالقسط والعدل ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه الذين قاموا بالحق من بعده فأرسوا قواعد العدل والدين ، وبعد . 
    فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة ، وضرورة ملحة لكل أمة تنشد العدل والإنصاف بين أفرادها . 
    وإن القاضي خليفة الله في الأرض ، في إحقاق الحق ، وإبطال الباطل ، وإيصال الحقوق إلى أصحابها . قال تعالى :  يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ... (1) .
    وإذا كان شأن القاضي كذلك ، كان العدل واجباً عليه ، ولا ينبغي أن تأخذه العواطف ( الهوى ) فتصده عن العدل في الحكم ، فيقع في الجور والظلم . 
    ومن هنا لزم أن تتقرر له حقوق ، ويقابلها واجبات ، فيكون على بينة من أمره ضماناً للعدل في الحكم بين الناس ، فيعيش كل الناس في راحة وأمان ، وقديماً قيل : لو أنصف الناس لا استراح القاضي ، ولو أنصف القاضي لا استراح الناس . 
    ومن هنا تبدو أهمية البحث في هذا الموضوع الذي يلامس حياة الناس ويعالج جانباً مهماً من واقعهم ، بأسلوب علمي واضح يستند إلى الأدلة والواقع ، مع بيان الراجح من آراء الفقهاء عند الاختلاف ، بإنصاف . 
           والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل . 
ـــــــــــــــــــ
(1) سورة ص آية 26 . 
ـ1ـ 
التمهيـد
فيه مطلبان


المطلب الأول : في حاجة الناس إلى القضاء ، ونشأته في الإسلام . 
المطلب الثاني : في تعريف القضاء ، وشروط القاضي . 

المطلب الأول : في حاجة الناس إلى القضاء ، ونشأته في الإسلام .

    إن مما لا شك فيه أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بنفسه منفرداً عن الآخرين ، بل لا بد له من جماعة يتبادل معها شؤون الحياة ، فهو مدني بطبعه وفطرته التي خلقه الله عليها (1) ، قال تعالى :  يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ... (2)  .
    ومن هنا نشأ المجتمع ، وتداخلت مصالح أفراده ، وظهر حب الأنانية والانتقام من الغير ، والاعتداء على نفسه أو ماله ، فكان لا بد من كبح جماح هذا الإنسان ، فظهرت العادات والتقاليد ، وكانت الحكم بين الناس ، حيث كانت تقوم مقام القانون والشريعة في فض المنازعات . 
    وقد عرف القضاء وسيلة ناجعة للحكم ، لإظهار الحقوق ، وردها إلى أربابها ، وفض المنازعات ، ضماناً لسلامة المجتمعات من الظلم والطغيان . 
    فهو سلاح بيد الضعيف يدفع به صولة القوي وعدوانه ، وهو كذلك شمعة بيد القوي يستضيء بها في طريقه حتى لا يتجاوز حدوده ، فيظلم الآخرين ويأكل حقوقهم.
    ولا يمكن لأمة مهما تحضرت أن تستغني عن القضاء ، وإلا كانت الحياة فوضى ، لأنه الوسيلة الوحيدة التي تحفظ المجتمع من الظلم والتخبط ، بل القضاء العادل علامة رقي الأمة وحضارتها . 
    ومن هنا أوجب الشرع الحنيف وجود هذه المؤسسة في المجتمع المسلم ، بل وأوجب وجوباً عينياً على الفقيه أن يتولى منصب القضاء إذا تعين عليه ، بحيث كان الوحيد لصلاح هذا المنصب . 
ـــــــــــــــــــ
(1) مقدمة ابن خلدون ص46 . 
(2) سورة الحجرات آية 13 . 
ـ5ـ


    فالقضاء إذاً مقام علي ، ومنصب نبوي ، به الدماء تعصم وتسفح ، والأبضاع تُحَرّم وتنكح ، والأموال يَثبتُ ملكها ويُسلَب ، والمعاملات يُعلَم ما يجوز منها وما يحرم ، وما يكره منها ، وما يندب(1) ، إذ الخصومةُ من لوازم الطبيعة البشرية ، فلو لم يكن هناك وازعٌ للقوي عن الضعيف لا اختل النظام وعمت الفوضى . 
قال تعالى :  ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين  (2) .
    فلا غرابة إذا كان القضاء مما قدسته الشريعة الإسلامية ، وأحاطته بهالة معينة ، تحفظ له هيبته واستقلاله ، وأن تعد القضاة العدول يوم القيامة من السابقين إلى ظل عرش الرحمن ، وأن يكونوا على منابر من نور جزاء جلوسهم للفصل بالقسط والعدل . فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله  : (( إن المقسطين عند الله على منابر من نور ، عن يمين الرحمن عز وجل _وكلتا يديه يمين_ الذين يعدلون في حكمهم ، وأهليهم ، وما وَلُوا ))(3) . 
    والمقسطون : جمع مقسط اسم فاعل من أقسط ، أي عدل ، لا من قسط فإنه بمعنى جار وظلم ، قال تعالى :  وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً  (4) . 
    وهكذا كان للقضاء شأن كبير في الإسلام ، وعناية خاصة من قبل الخلفاء ، وقد ألزمتهم الشريعة باختيار الكفء ، فكانوا يختارون له الخِيَرَةَ من أهل العلم والفقـه  
ـــــــــــــــــــ
(1) انظر : تبصرة الحكام لابن فرحون 1/3 ، مقدمة ابن خلدون ص203 . 
(2) سورة البقرة آية 251 . 
(3) رواه مسلم في المغازي ( باب : فضيلة الإمام العادل برقم 4698 ) والنسائي 8/221 برقم /5379/.
(4) سورة الجن آية 15 . 
ـ6ـ


والتقوى(1) ، فإن أبوا أجبروهم على ذلك ، والوقائع في ذلك كثيرة ومستفيضة . 
إذ بهم يتحقق العدل ، وتصان الحقوق ، ويعيش الناس بأمان على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم . 




ـــــــــــــــــــ
(1) انظر : معالم القربة لابن الأخوة ص300 ، السلطة القضائية في الإسلام للدكتور شوكت محمد عليان ص136 ، نظام القضاء في الإسلام لمجموعة من الباحثين ، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود ص41.
ـ7ـ

المطلب الثاني : في تعريف القضاء ، وشروط القاضي .

أولاً : تعريف القضاء . 
       أ_ القضاء في اللغة : 
      يأتي القضاء في اللغة لمعاني كثيرة(1) . 
فيأتي بمعنى الصنع والخلق بإحكام ، قال تعالى :  فقضاهنّ سبع سموات في يومين (2)  أي : خلقهن بإحكام . ويأتي بمعنى الأمر ، قال تعالى :  وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ... (3)أي :أمر ويأتي بمعنى الفعل ، قال تعالى :  فاقض ما أنت قاض (4)أي : افعل ما أنت فاعل ، ويأتي بمعنى الأداء ،قال تعالى :  فإذا قضيتم مناسككم (5)أي : أديتم ، ويأتي بمعنى الحكم ، قال تعالى :  والله يقضي بالحق (6) أي : يحكم بالحق ، وتقول : قضى له وعليه ، إذا حكم له أو عليه . وأصل القضاء : قضاي ، لأنه من قضيت ولكن لما وقعت الياء متطرفة بعد ألف زائدة قلبت همزة ، ودليل ذلك جمعه على أقضية ، لأن الجمع يرد الأشياء إلى أصولها ، ولذا تقول : قضيت بكذا . 
    والواقع أن هذه المعاني كلها ترجع إلى معنى واحد : هو إمضاء الحكم وأداؤه على وجه العدل والإنصاف بإحكام . 
ب_ القضاء في الاصطلاح : 
عرف الحنفية القضاء بأنه : فصل الخصومات وقطع المنازعات على وجه خاص(7) .
ـــــــــــــــــــ
(1) القاموس المحيط ، وأساس البلاغة للزمخشري ، والمصباح المنير . مادة ( قضى ) . 
(2) سورة فصلت آية 12 . 
(3) سورة الإسراء آية 23 . 
(4) سورة طه آية 72 . 
(5) سورة البقرة آية 200 . 
(6) سورة غافر آية 20 . 
(7) الفتاوى الهندية 3/306 ، الدر المختار بحاشية رد المحتار 5/352 . 
ـ8ـ

وعرفه المالكية بأنه : الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام(1) .
وعرفه الشافعية بأنه : إلزام من له الإلزام بحكم الشرع(2) .
وعرفه الحنابلة بأنه : تبيين الحكم الشرعي ، والإلزام به وفصل الخصومات(3) .
    والحق أن هذه التعاريف كلها تكاد تكون واحدة ، وإن اختلفت ألفاظها ، إذ كلها تشتمل على عنصرين رئيسين ، هما : 
ـ الإخبار عن الحكم الشرعي . 
ـ الإلزام به . 
    وبهذا يفترق المفتي عن القاضي في أمرين : 
أ_ أن المفتي مخبر عن الحكم الشرعي ، ومرشد إليه ، ليتبعه السائل ، ولا يلزمه بالحكم ، بخلاف القاضي ، فإنه مخبر ملزِم . 
ب_ أن المستفتي يكون شخصاً واحداً ، أما القاضي فإن المترافع إليه يكون متعدداً حتماً ، طلباً للفصل في المنازعة . 
ثانيـاً شروط القـاضي :
    إن ثمة شروطاً لا بد من وجودها في المرشح لمنصب القضاء ، إلا أن هذه الشروط ليست محل اتفاق بين الفقهاء ، فوجب أن نعرض إليها ، وإلى الخلاف فيها، بإجمال يؤدي الغرض من هذا التمهيد ،إذ ليس هذا محل تفصيلها ، والإطالة في بحثها.
1_ الإسلام : 
فقد أجمع الفقهاء على أنه يشترط لصحة تولية القاضي ، وصحة قضائه الإسلام ، إذا 
ـــــــــــــــــــ
(1) تبصرة الحكام لابن مرحون 1/9 ، حاشية العدوي 2/310 . 
(2) حاشية الرملي الكبير على أسنى المطالب 4/277 ، حاشية البجيرمي على الخطيب 4/317 . 
(3) شرح منتهى الإرادات 6/462 . 
ـ9ـ
كان الخصوم أو بعضهم مسلمين(1) ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى :  ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً  (2) .
    وجه الاستدلال : أن كلمة ( سبيلا ) تدل على العموم ، لأنها نكرة في سياق النفي ، والسبيل هو القيام على شؤون الغير ، سواء كان ولاية على مال أو نفس ، والقضاء ولاية فلا يجوز توليته للكافر على المسلم . 
    وذهب الحنفية إلى جواز تقليد الذمي _ وهو غير المسلم _ القضاء على أهل الذمة وعللوا ذلك بأن أهلية القضاء كأهلية الشهادة ، والذمي من أهلها على الذميين فيجوز إذن أن يتولى القضاء عليهم(3) .
    والراجح قول الجمهور : أنه لا يجوز مطلقاً أن يتولى سلطة القضاء في دار الإسلام إلا المسلم ، سواء كان سيقضي بين المسلمين أو بين الذميين ، لأن القضاء شطر الإسلام ، إذ الإسلام عقيدة وشريعة ، ولا يصلح لتطبيق الشريعة إلا من يؤمن بها ، ومن ناحية ثانية فإن دار الإسلام تقوم على أساس مبدأ وحدة القانون ، ووحدة جهة القضاء(4) .   
2_ البلوغ ، والعقل ، والحرية : 
    فلا يصح تولية الصبي ، ولا المجنون ، ولا العبد القضاء باتفاق الفقهاء(5) ، ولو وليه واحد من هؤلاء ، وقضى لم يصح قضاؤه ، لأن وظيفة القضاء تحتاج إلى عقل   
ـــــــــــــــــــ
(1) بدائع الصنائع 7/3 ، بداية المجتهد 4/305 ، المهذب 2/290 ، المغني 14/12 . 
(2) سورة النساء آية 141 . 
(3) فتح القدير لابن الهمام 5/407 ، الفتاوى الهندية 3/397 . 
(4) نظام القضاء في الإسلام للدكتور عبد الكريم زيدان ص24 . 
(5) تبصرة الحكام 1/21 ، نيل الأوطار 8/265 ، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 4/584 . 
ـ10ـ

مدرك ناضج يضع الأمور في محلها ، ليحق الحق ويبطل الباطل ، وهذا ينافي حال الصغير والمجنون ، ولأن القضاء ولاية وهؤلاء الثلاثة ( الصغير والمجنون والرقيق ) ليس لهم ولاية على أنفسهم ، فكيف يكون لهم ولاية على غيرهم . 
    ويؤيد هذا ما جاء في الحديث عن النبي  أنه قال : (( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق )) (1) . 
     وجه الاستدلال : أن الصبي _ ومثله المجنون _ غير مؤاخذ على أفعاله ، فلا يتعلق بقوله على نفسه حكم _ كطلاق أو هبة مثلاً _ فبالأولى أن لا يتعلق بقوله على غيره حكم(2) .
    وقد نصت المادة السابعة والثلاثون من نظام القضاء في المملكة العربية السعودية على أن لا يقل عمر من يرشح للقضاء عن اثنتين وعشرين سنة (3). 
3_ الذكورة : وللفقهاء في صحة تولية المرأة القضاء ثلاثة آراء : 
أ_ مذهب جمهور الفقهاء ، أنه لا يصح توليتها ، ولا ينفذ قضاؤها لو تولته(4) ، وحجتهم في ذلك : 
ـ قوله  : (( لن يفلح قوم ولَّوْا أمرهم امرأة ))(5) .
    وجهه: أن الفلاح ضدُّه الفسادُ ،فاقتضى ذلك أنها إذا وليت أمر قوم فسد حالهم ، فلا يصح توليتها لتبقى حالهم مستقيمة . 
ـ أن القاضي محتاج إلى مخالطة الرجال من الفقهاء والشهود والخصوم ، والمرأة ممنوعة من مخالطة الرجال، لما يخاف عليها من الفتنة بسبب هذه المخالطة التي لا ضرورة إليها . 
ـــــــــــــــــــ
(1) رواه أبو داود /4403/ والترمذي /1423/ والنسائي 6/156 ، وابن ماجه /2042/ . وهو حديث حسن بتعدد طرقه ( فيض القدير 4/36) . 
(2) الحاوي الكبير للماوردي 16/154 . 
(3) نظام القضاء في المملكة العربية السعودية ( المادة 37 فقرة هـ ) . 
(4) بداية المجتهد 4/305، البيان شرح المهذب للعمراني 13/20 ، المغني 14/12. 
(5) رواه البخاري في المغازي ( باب : كتاب النبي إلى كسرى برقم 4163) وأحمد 5/38 ، والترمذي /2263/ ، والنسائي في القضاء 8/227 .  
ـ11ـ

ب ـ مذهب الحنفية : أنه يجوز أن تقضي المرأة في غير الحدود والقصاص ، لأنه لا شهادة لها في هذه الجنايات ، وأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة(1) .
    والذي ظهر لي من نصوصهم أنهم لا يجيزون تعيينها قاضية ، ولكن الحاكم لو عيّنها وجاوز حكم الشرع نفذ قضاؤها في غير الحدود والقصاص ، فالقول بإطلاق تجويزهم غير سديد .    
ج_ مذهب الظاهرية ، وابن جرير الطبري : أنه يجوز للمرأة أن تتولى القضاء مطلقاً، اعتباراً للقضاء بالإفتاء ، والإفتاء لا يشترط فيه الذكورة(2) . 
    والراجح ما ذهب إليه الجمهور ، لما ذكروا من الأدلة ، ولأنه لم يعرف أن النبي  والخلفاء من بعده عبر التاريخ أنهم ولّوا المرأة ولاية عامة أو قضاء ، وهو ما نصت عليه المادة السابعة والثلاثون من نظام القضاء في المملكة(3) .
    كذلك اشترط الجمهور _ خلافاً للحنفية _ أن يكون المرشح لمنصب القضاء عدلاً في نفسه ، لأن خبر الفاسق لا يقبل ، فأولى أن لا يقبل قضاؤه . 
    وثمة شروط أخرى ذكرها الفقهاء ، واختلفوا فيها ، لم أذكرها خشية الإطالة في تمهيد يتطلب الإيجاز  .






ـــــــــــــــــــ
(1) البدائع للكاساني 7/3 ، فتح القدير 5/391 .
(2) المحلى لابن حزم الظاهري 9/429 ، بداية المجتهد 4/305 .  
(3) نظام القضاء في المملكة العربية السعودية ( المادة : 37 فقرة ج ) . 
ـ12ـ





المبحـث الأول حقـوق القـاضي وفيه خمسة مطالب 


       المطلب الأول : في مرتب ( رزق ) القاضي . 
       المطلب الثاني : في اتخاذ الأعوان ( الكاتب ، والحاجب و ... ) . 
       المطلب الثالث : في استقلالية القاضي . 
       المطلب الرابع : في حصانة القاضي . 
       المطلب الخامس : في مسؤولية القاضي .




المطلب الأول : في مرتب ( رزق ) القاضي
    لقد حرص الإسلام على نزاهة القضاء ، لأنه السبيل الوحيد إلى العدل بين الناس وإيصال الحقوق إلى أصحابها ، ولذا منع الفقهاء القاضي من مزاولة أي فعل من شأنه أن يؤثّر سلباً على العدل في القضاء ، فلا يعمل القاضي في التجارة ، ولا يقبل الهدية ولا يحضر الدعوات الخاصة ، خشية أن تميل نفسه إلى محاباة من يسهل له هذه الأشياء ، والإنسان عبد الإحسان . 
    وبناء على ذلك ، أليس من حق القاضي أن يؤمّن له مرتب ( رزق ) يحفظ له هيبته ، وعفته وكرامته ؟ 
   اختلاف الفقهاء في مرتب ( رزق ) القاضي . 
اختلف الفقهاء في حكم أخذ القاضي مرتباً على توليه منصب القضاء تبعاً لحالته المادية ، على النحو التالي : 
الحـالة الأولى : أن يكون فقيراً ، فيجوز له أن يأخذ كفايته باتفاق الفقهاء(1) ، بل الأولى أن يعطى أكثر من كفايته إلى حد التوسعة عليه،ليتفرغ بكليته إلى أداء عمله ، ولا يطمع في أموال الناس ، واستدلوا على ذلك بما يلي : 
أ_ أن النبي  فرض رزقاً لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن ، ليجبره ، بعدما باع له ماله وقسمه بين غرمائه(2) . 
ـــــــــــــــــــ
(1) بدائع الصنائع 7/13_14 ، الذخيرة للقرافي 10/78 ، المهذب لأبي إسحق الشيرازي 2/290 ، الكافي لابن قدامه 4/432 ، فتح الباري 13/161 . 
(2) أخرجه بتمامه أبو نعيم في الحلية 1/231 ، وأخرجه الحاكم مختصراً في المستدرك 3/273 وقال : هذا حديث صحيح .

ـ13ـ
ب_ أن سيدنا عمر  لما أرسل شريحاً قاضياً على الكوفة فرض له مائة درهم كل شهر مع مؤنة من الحنطة(1) .
ج_ أن سيدنا عمر   بعث عمار بن ياسر إلى الكوفة والياً ، وعبد الله بن مسعود قاضياً ، وعثمان بن حُنَيْف ماسحاً ، وفرض لهم كل يوم شاة : نصفها لعمار ، ونصفها لابن مسعود وعثمان(2) .
    فهذه النصوص كلها واضحة في جواز أخذ القاضي أجراً إذا كان محتاجاً ، فيأخذ ما يكفيه . 
الحالة الثانية : أن يكون غنياً بما عنده من مال ، فقد اختلف الفقهاء في جواز أخذه للمرتب ( الرزق ) سواء كان من بيت المال إن كان موجوداً ومنتظماً ، أو من وقف وقف على القضاة ، على قولين : 
ـ القول الأول : أنه لا يجوز للقاضي أخذ المرتب ( الرزق ) على القضاء عند عدم حاجته ، وإلى هذا ذهب المالكية وبعض الحنفية وهو وجه عند الحنابلة(3) ، واستدل هؤلاء بما يلي : 
أ_ أن جواز أخذ الأجر مرتبط بالحاجة ، والحاجة هنا مندفعة بالغنى ، فيحرم على القاضي الغني أخذ الأجر على القضاء . 
ب_ أن القضاء قربة لله وطاعة ، فلم يجز أخذ الأجرة عليه كالصلاة،وغيرها من الطاعات .    
ـ القول الثاني : أنه يجوز له أخذ الرزق ( المرتب ) مطلقاً ، سواء كان القاضي غنياً 
ـــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم بأخصر من هذا في الأحكام ( باب : رزق الحكام ... ) فهو صحيح بناءً على ما قال ابن حجر في مقدمة الفتح ص21: ما يذكره البخاري معلقاً بصيغة الجزم محمول على أنه صح عنده .
(2) رواه البيهقي في السنن 10/87 ، وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/255 . 
(3) تبصرة الحكام لابن مرحون 1/27، بدائع الصنائع 7/14 ، الكافي لابن قدامه 4/433 ، السلطة القضائية ص164 . 
ـ14ـ
بماله وأملاكه أم لا ، وإلى هذا ذهب الشافعية والحنابلة وأكثر الحنفية(1) ، واستدلوا على ذلك بما يأتي : 
أ_ أن عبد الله السعدي قدم على عمر في خلافته ، فقال له عمر : ألم أُحَدّثْ أنك تلي من أعمال الناس أعمالاً ، فإذا أعطيت العُمالة(2) كرهتها ؟ فقلت : بلى . فقال عمر : ما تريد إلى ذلك ؟ فقلت : إن لي أفراساً وأعبداً ، وأنا بخير ، وأريد أن تكون عُمالتي صدقة على المسلمين . قال عمر : لا تفعل ، فإني كنت أردت الذي أردت ، فكان رسول الله  يعطيني العطاء ، فأقول : أعطهِ أفقر إليه مني ،حتى أعطاني مرة مالاً ، فقلت : أعطه أفقر إليه مني ، فقال النبي  : ((خذه ، فتموّلْه ، وتصدق به ، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشْرِف ولا سائلٍ فخذه ، وإلا فلا تتبعه نفسك ))(3). 
    قال الطبري : في حديث ابن عمر الدليل الواضح على أن من شُغِل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرزق على عمله ذلك كالولاة ، والقضاة ، وجباة الفيء ، وعُمّال الصدقة ، وشبههم ، لإعطاء رسول الله  عمر العُمالة على عمله(4) .
ب_ القياس على الإمامة بجامع الولاية في كل ، فكما أن الإمام يأخذ الرزق الذي يكفيه وعياله من بيت المال بالإجماع ، وقد فعل ذلك الخلفاء الراشدون المهديون ومن بعدهم ذلك ، فكذلك القاضي يجوز له أخذ رزقه ( مرتبه ) من بيت المال(5) .
ج_ أن أخذ الرزق أمر يحتمه العقل وطبيعة العمل ، فالقاضي ممنوع من مزاولـة    
ـــــــــــــــــــ
(1) البدائع 7/14 ، البيان للعمراني 13/14 ، المغني 12/9. 
(2) العُمالة : بضم العين أجرة العمل ( النهاية في غريب الحديث 3/300 ) . 
(3) رواه البخاري في الأحكام ( باب : رزق الحكام برقم 6744 ) . 
(4) انظر : فتح الباري لابن حجر 13/164 . 
(5) السلطة القضائية ص164 . 
ـ15ـ

الأعمال التي تعيق القضاء أو تؤثر في غايته _ وهي العدل والإنصاف _ ولا بد أن يقابل هذا المنع بما يعوض عنه وذلك هو المرتب المذكور . 
وقد نصت المادة الثامنة والخمسون من نظام القضاء في المملكة العربية السعودية على أنه ( لا يجوز الجمع بين وظيفة القضاء ومزاولة التجارة أو أية وظيفة أو عمل لا يتفق مع استقلال القضاء وكرامته ) (1) . 
القول الراجـح : 
والقول الراجح الذي تميل إليه النفس ، ويصدقه العقل والواقع هو القول الثاني ، الذي عليه جمهور الفقهاء،وهو جواز أخذ الأجر مطلقاً ، لحاجة أو لغير حاجة وفق سلم محدد _وهو نص ما جاء في المادة الرابعة والخمسين من نظام القضاء السعودي(2)_ للأمور التالية : 
أ_ صحة الأدلة التي استند إليها الجمهور ،كحديث البخاري ، وفعل الخلفاء ، والقياس . 
ب_ أن القضاء وظيفة حياتية ، وضرورة فطرية ، لا بد من وجودها ، لإرساء العدل بين الناس ، فلو لم يوجد من يقوم بها تطوعاً _ كما هو الواقع الآن ، بل وحتى من قبل _ لم يجز تعطيل هذه الوظيفة ، ووجب دفع الأجر لمن يقوم بها ، كإمامة الصلاة والأذان وغيرهما من شعائر الإسلام . 
ج_ أن في إعطاء القاضي مرتباً ( رزقاً ) _ ولو مع عدم حاجته _ يكفيه ويوسع عليه إعفافاً له عن الرشوة ، والتسلط على أموال المحجور عليهم . 
    قال ابن قدامه المقدسي _ رحمه الله _ : والصحيح جواز أخذ الرزق بكل حال(3).
    وبناء على القول الراجح بجواز أخذ الأجر ، ينبغي أن يختلف مقدار الراتب من عصر إلى عصر ، ومن قطر إلى قطر ، ومن شخص إلى شخص آخر بحسب مرتبته في القضاء ، وهذا ما حدث فعلاً في أطـوار الدولة الإسلامية من أول نشأتها إلى يومنا هذا .
ـــــــــــــــــــ
(1) نظام القضاء في المملكة العربية السعودية ( المادة : 54 ) .
(2) نظام القضاء في المملكة العربية السعودية ( المادة : 58 ) .  
(3) المغني لابن قدامه 14/10 ، وينظر أيضاً : نظام القضاء للدكتور عبد الكريم زيدان ص56 ، القضاء في الإسلام للدكتور محمد عبد القادر أبو فارس ص74 . 
ـ16ـ
    ويمكن أن يجاب عن القول الأول بأن العطاء للقاضي ليس مرتبطاً بحاجته حقيقة، وإنما أبيح له الأخذ تقوية له على استصلاح نفسه ، وإغناء له عن تناول ما في أيدي الناس ، فلا تمتد يده إلى أخذ الرشوة ليحيف في حكمه .
    كما أن القضاء وإن كان كان قربة لله تعالى فلا بد من وجوده في الأمة لئلا تتعطل مهمة الفصل بين الناس ، فتضيع حقوق وتهدر دماء ، شأنه في ذلك شأن الإمامة العامة ، وسائر الطاعات كالتدريس والخطابة وتعليم القرآن ، ولو اشتغل في تحصيل رزقه لتعطلت هذه الأمور ، فجاز له الأخذ خشية أن تتعطل هذه المهمات في الأمة . 
    ولأن القضاء عمل ، وكل عمل يقوم به الإنسان يستحق عليه أجراً دون نظر إلى حالته المادية ، وهو ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب مع عبد الله السعدي في القصة المذكورة . 
    ومع هذا فإن أدلة المانعين عقلية محضة ، والأدلة النقلية الثابتة هي الحَكَم دائماً وعليها يكون العول . 


ـ17ـ

المطلب الثاني : في اتخاذ الأعوان 
    من الحقوق التي يلزم تأمينها للقاضي ، للمحافظة على هيبة القضاء ، وحسن سير العمل على الوجه الأكمل ، ما يأتي : 
1_ اتخـاذ الكاتب : 
    اتخاذ الكاتب حق للقاضي ، يستعين به في عمله ، لكتابة محاضر الجلسات ، وتنظيم الدعاوي ، ووضعها في أماكن مخصصة يمكن الرجوع إليها وقت الحاجة ، ويكون مرتبه ( رزقه ) في بيت المال ، كالقاضي ، لأنه من المصالح العامة . 
حكم اتخاذ الكاتب : 
    للفقهاء في حكم اتخاذ القاضي كاتباً يعينه في عمله قولان : 
القول الأول : وجوب اتخاذ الكاتب ، وبه قال المالكية _ في المعتمد عندهم _ ليكتب الوقائع ، ويحفظها في أماكنها(1) . 
القول الثاني : استحباب اتخاذ الكاتب ، وهو قول جمهور الفقهاء ( الحنفية والشافعية والحنابلة ) فللقاضي أن يتولى عمل الكاتب بنفسه إذا كان ذلك لا يشغله عن عمله القضائي ، فإن كان العمل كثيراً استحب للقاضي أن يتخذ كاتباً بعينه(2) ، وأجرة الكاتب من بيت المال ، لأنه من المصالح العامة . 
والقول الثاني _ قول الجمهور _هو الراجح وهو الأقرب إلى الواقع العملي للقضاة ، فإن كثيراً من المحاكم الصغيرة في الأرياف قد لا تحتاج إلى الكاتب ، حيث يقوم القاضي بالمهمة كاملة . 
وعلى أي حال ، فاتخاذ الكاتب مشروع ، وهو حق للقاضي ، يستعين به في أعمال 
ـــــــــــــــــــ
(1) الشرح الكبير بحاشية الدسوقي 6/17 ، تبصرة الحكام 1/29 . 
(2) البدائع 7/12 ، مغني المحتاج 8/251،المغني 14/52 ، نظام القضاء في الإسلام لمجموعة من الباحثين ص62 . 
ـ18ـ
القضاء ، وقد اتخذ النبي  كتاباً كثيرين للوحي ، يزيدون على الأربعين ، منهم الخلفاء الأربعة،وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وغيرهم ، وسار الخلفاء كلهم على هذا المنهج عند تعيين القضاة . 
شروط الكاتب : 
    اشترط الفقهاء في كاتب القاضي نوعين من الشروط :
النوع الأول : شروط صحة وجواز . 
الشرط الأول : الإسلام . 
    فلا يصح أن يكون كاتب القاضي كافراً _ كاليهودي ، والنصراني ، والمشرك _ باتفاق الفقهاء(1) . واستدلوا على ذلك بما يأتي : 
أ_ قوله تعالى:يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ...(2).
وجه الاستدلال : أن القضاء حكم بالشرع ، والمشركون _ ذميون وغير ذميين _ غيرُ مؤتمنين على شرعنا ، لأنهم لا يألون جهداً في إفساده علينا ، فلا يجوز اتخاذ كتبة وأمناء منهم في القضاء ونحوه مما فيه استطالة وولاية على المسلمين(3) . 
ب_ أن عمر  نهى أبا موسى الأشعري عن اتخاذ كاتب نصراني ، كان أبو موسى قد اتخذه كاتباً عنده ، وقال له : (( لا تدنهم إذ أقصاهم الله ، ولا تأمنهم إذ خانهم الله _ أي : خونهم الله _ ولا تعزّهم بعد إذ أذلّهم الله )) (4) . 
ـــــــــــــــــــ
(1) المبسوط للسرخسي 16/93 ، الذخيرة للقرافي 10/55 ، مغني المحتاج 4/519 ، المغني 14/53 . 
(2) سورة آل عمران آية 118 . والبطانة : خاصة الرجل الذين يستبطنون أمره ويثق بهم . والخبال : الفساد . أي :لا يقصرون في إفساد أموركم . ينظر : المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص62و148 .
(3) انظر : أحكام القرآن للجصاص 2/47 ، أحكام القرآن للهراسي مجلد 1/304 .
(4) رواه البيهقي 10/127 . 
ـ19ـ

ج_ أن الكاتب قد ينوب عن القاضي في كثير من أعماله ، والقاضي يشترط إسلامه باتفاق ، فكذا نائبه . 
الشرط الثاني : العدالة . 
    ويشترط كذلك في كاتب القاضي العدالة ، لأن الكاتب يكون موضع الأمانة على كل ما يجري في مجلس الحكم،فلا بد أن يكون متصفاً بالعدالة،لتؤمن خيانته(1). 
    وإنما يتحقق وصف العدالة في الشخص:إذا كان مؤدياً للفرائض،متجنباً للكبائر ، غير مصر على الصغائر ، بعيداً عما يخل بالمروءة ، مأموناً وقت الرضا والغضب . 
الشرط الثالث : الأهلية الكاملة . 
    وكذا يشترط في الكاتب أن يكون ذا أهلية كاملة ، بأن يكون : بالغاً ، عاقلاً ، مقبول الشهادة ، لأن الصغير والمجنون لا يقبل قولهما عن نفسيهما ، فعن غيرهما أولى ولأن القاضي قد يحتاج إلى شهادة الكاتب،فيشترط أن يكون مقبول الشهادة أيضاً .
النوع الثاني : شروط كمال واستحباب . 
    واستحب الفقهاء _فيمن يعين كاتباً للقاضي_أن يكون فقيهاً،فطناً ، ورعاً لا يستمال بهدية أو رشوة،حسن الخط ، عارفاً بكتابة المحاضر والسجلات وترتيبها (2). 
2_ اتخاذ الحاجب : 
الحاجب في اللغة : البواب ، ويجمع على حَجَبَة وحُجّاب ، وصنعته الحجابة(3) . 
ـــــــــــــــــــ
(1) الاختيار 2/85 ، تبصرة الحكام 1/29 ، مغني المحتاج 4/519 ، المغني 14/52 ، القضاء في الإسلام للدكتور محمد أبو فارس ص63 . 
(2) المراجع السابقة في الحاشية (1) .
(3) القاموس المحيط ، وأساس البلاغة . مادة : ( حجب ) . 
ـ20ـ
    والحاجب هو : الذي يأذن للخصوم بالدخول ، ويقدمهم بين يدي القاضي بحسب أسبقيتهم في الحضور ، وقد يسمى بالعريف . 
    وجمهور الفقهاء على جواز اتخاذه للقاضي ، ومنهم الحنفية والمالكية(1) ، لأن النبي  كان يحتجب في بعض أوقاته ، وقد ثبت في الصحيح أن أبا موسى الأشعري كان بواباً للنبي  ، وكذا الخلفاء الراشدون اتخذوا حجاباً ، فقد كان حاجب أبو بكر مولاه شديدا ، وحاجب عمر مولاه يرفأ ، وحاجب عثمان مولاه حمدان ، وحاجب علي مولاه قنبر(2) .
وقال الشافعية والحنابلة : يكره اتخاذ الحاجب إلا لحاجة كزحام وشبهه(3) ، واستدلوا على ذلك بقوله  : (( من ولاه الله عز وجل شيئاً من المسلمين ، فاحتجب دون حاجتهم ، وخَلّتهم ، وفقرهم ، احتجب الله دون حاجته ، وخَلّته ، وفقره )) (4) . ولأن الحاجب ربما قدم المتأخر ، أو أخر المتقدم لغرض له . 
    والقول الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور من الجواز ، لقوة أدلتهم ، ولأن عدم اتخاذ الحاجب ( البواب ) في مجلس الحكم يسبب الفوضى ،وتكاثر الخصوم في مجلس القضاء ، وفي هذا تشويش على القاضي ، وامتهان لمجلس القضاء ، وبخاصة في زماننا الذي كثرت فيه الخصومات ، وضعف الوازع الديني عند الناس ، وضعفت هيبة القضاء . 
ويمكن الإجابة عن أدلة المانعين بحملها على غير الحاجة والمصلحة إلى اتخاذ الحاجب ، 
ـــــــــــــــــــ
(1) الفتاوى الهندية 3/320 ، الذخيرة 10/74 . 
(2) انظر : فتح الباري 13/142 ، نيل الأوطار 8/270 . 
(3) البيان للعمراني 13/40 ، كفاية الأخيار 2/259 ، كشاف القناع 6/396 . 
(4) رواه أبو داود في الخراج /2948/، واللفظ له ، والترمذي في الأحكام /133/ ، والبيهقي في السنن 10/101 ورجال إسناده ثقات . 
ـ21ـ

وهو ما رجحه الشوكاني _ رحمه الله _ وهو ممن امتهن القضاء في عصره وخبره . 
    ولكن ينبغي لمن اتخذ حاجباً أن يتخذه أميناً ، ثقة ، حسن الأخلاق ، عارفاً بأقدار الناس ، لينزلهم منازلهم بالحكمة دون المساس بحق الأسبقية . 
3_ اتخاذ المترجم : 
    ومن الأمور التي ينبغي للقاضي أن يحرص على اتخاذها _ وهي حقه _ اتخاذ المترجم ، إذا كان القاضي لا يعرف لغة المتخاصمي ، وهو ما نصت عليه المادة السابعة والتسعون من نظام القضاء في المملكة(1) .
    وقد اتفق الفقهاء على أنه يشترط في المترجم أن يكون مسلماً ، ثقة ، عدلاً ، لأنه مخبر ، وخبره محتمل للصدق والكذب ، فلا بد أن يكون مأموناً من الكذب وتزوير كلام المدعي والمدعى عليه(2) .
    وقد اشترط بعض الفقهاء _ كالشافعية والحنابلة _ تعدد المترجمين في كل دعوى كتعدد الشهود ؛ فلا بد في كل دعوى من مترجمين ، ولو في دعوى زنا . 
وقال الباقون من الأئمة : يكفي في أي دعوى مترجم واحد ثقة عدل ، وهو ما أخذت به مجلة الأحكام العدلية في المادتين : ( 71و1825 ) . 
    وهذا الخلاف مبني على أن المترجم ، هل هو شاهد فيشترط فيه نصاب الشهادة كما يقول الشافعية ، أم هو مخبر فيكفي فيه الواحد العدل كما قال الآخرون . 
    والذي أراه راجحاً _ احتياطاً _ هو القول الأول _ وهو تعدد المترجمين بحسب الحاجة _ لضعف الذمم ، وفساد الناس ، كاتخاذ القضاة المزكين للشهود بسبب فساد الناس ، ولم يكن ذلك معهوداً في الصدر الأول . 
ـــــــــــــــــــ
(1) نظام القضاء في المملكة العربية السعودية ( المادة : 97 ) . 
(2) المبسوط للسرخسي 16/89 ، بدائع الصنائع 7/12،قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي ص324 ، نهاية المحتاج للرملي 8/252 ، المغني 14/84 ، أعلام الموقعين 2/294 ، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 1/72 و 4/656 . 
ـ22ـ
4_ اتخاذ المزكين : 
    وهؤلاء رجال عدول يختارهم القاضي دون علم الناس _ صوناً لحالهم _ لتزكية الشهود بعد السؤال عنهم . ويشترط في المزكي : أن يكون مبرزاً في العدالة ، معروفاً لدى القاضي بالعدالة ،فطناً ، مخالطاً للناس،لأن معاشرة الناس هي التي تكشف حالهم . 
5_ محضرو الخصوم : 
    لما كان مجلس القضاء بحاجة إلى الهيبة والوقار ، يحصل فيه صاحب الحق على حقه ، ويؤدب فيه من يتجاوز حدود الأدب ، كان القاضي بحاجة _ وذلك حقه _ إلى من يفعل ذلك ضمن حدود العدل والشرع ، وينظم حضور الخصوم ، ويرغمهم على الاستكانة والخضوع للأحكام ، وهم بمثابة رجلِ شرطة يحضرون بين يدي القاضي ، ومهمتهم _ كما ذكرنا _ حفظ هيبة القضاء . 
    وهو أمر محدث في القضاء ، لم يكن معهوداً في العصر النبوي وما تلاه ، ولم يكن القضاة بحاجة إليهم،لأن الناس كانوا ينظرون إلى القضاة والأمراء بعين التبجيل والتعظيم ، ويخافونهم ، وينقادون للحق بدون ذلك ؛ فقد روي أن سيدنا عمر  كان يقضي في المسجد _ أي : بأي خصومة تعرض _ فإذا فرغ استلقى على قفاه ، وتوسد الحصى ، ولا ينقص ذلك من هيبته ، فقد كان مهيباً ، لا يجرؤ أحد على مخالفته فيما قضى(1) . 
والخلاصة : أن اتخاذ القاضي للأعوان ، من كاتب وحاجب ومترجم وغيرهم حق من حقوقه ، لضمان سير المحاكمات والفصل بين الخصوم وسرعة الإنجاز . وهو مانصت عليه المادة السابعة والتسعون من نظام القضاء في المملكة ، إذ تقول : ( يعتبر من أعوان القضاء كتّاب الضبط والمحضرون والمترجمون والخبراء ومأمورو بيت المال)(2).
ـــــــــــــــــــ
(1) البدائع 7/12 ، القضاء في الإسلام للدكتور محمد أبو فارس ص67 ، نظام القضاء في الإسلام لمجموعة من الباحثين ص65 . 
(2) نظام القضاء في المملكة العربية السعودية  ( المادة : 97 ) . 
ـ23ـ

المطلب الثالث : في استقلالية القاضي 
    القضاء إخبار عن حكم الشرع على وجه الإلزام _ كما سبق بيانه _ والقاضي هو الذي يقوم بهذا الإخبار ، والإسلام يهدف من تشريعاته العدل بين الناس ، ونشر الأمن في المجتمع ، فلا يصح لأي شخص كائناً من كان ، مهما علت مرتبته ، أن يعيق تثبيت قواعد العدل والأمن ، بالتدخل في شؤون القضاء . 
    والمقصود باستقلال القضاء : أن لا يقع القضاة تحت تأثير سلطة أو شخص من شأنه أن ينحرف عن هدفه الأسمى، وهو إقامة العدل بين الناس ، وإيصال الحقوق إلى أصحابها . 
وهو ما نصت عليه المادة الأولى من نظام القضاء في المملكة ، إذ تقول : ( القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية ، وليس لأحد التدخل في القضاء ) (1) .
    ولكي يحقق القضاء هذا الهدف الأسمى لا بد من ركيزتين ينبني عليهما ، وهما : الحياد ، وحرية الاجتهاد . 
أولاً : الحيـاد . 
    والمقصود بالحياد : أن يكون القاضي بعيداً عن التحيز والمحاباة ، لفريق دون فريق أو لشخص دون شخص ، وإنما عليه أن يحكم بالحق بعيداً عن المؤثرات الخارجية ، وغايته رضوان الله تعالى فقط بإحقاق الحق . 
    ولقد جاء الإسلام بإرساء ركيزة الحياد في الحكم ، وأوجب على القاضي أن يحكم بالعدل غير متأثر بهواه من حب أو كره أو قرابة . 
قال تعالى :  إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل  (2)  . وقال أيضاً :  ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى(3) . 
ـــــــــــــــــــ
(1) نظام القضاء في المملكة العربية السعودية ( المادة الأولى ) . 
(2) سورة النساء آية 58 . 
(3) سورة المائدة آية 8 . 
ـ24ـ
وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا : من يكلم رسول الله  ، ومن يجترئ عليه إلا أسامةُ ، حِبُّ رسول الله  فكلم رسول الله  ، فقال : (( أتشفع في حد من حدود الله . ثم قام فخطب،قال: يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ، وايمُ الله ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها )) (1)  . 
    وحرصاً على ضمان حياد القاضي في الحكم فقد منع الإسلام القاضي أن يحكم في قضية ، هو طرف فيها ، أو أحد فروعه أو أصوله ، أو شريكه ، أو زوجته ، حتى لا يقع تحت هوى نفسه(2) ، وإن النفس لأمارة بالسوء . 
    كما أن الإسلام لا يسمح لأي إنسان ، مهما علت مرتبته _ ولو كان رئيس الدولة _ أن يتدخل في شؤون القاضي حين يحكم بالعدل ، ويقيمه بين الناس ، بل إن القاضي إذا أحس بأية نية في التدخل في شؤونه رفض هذا التدخل بشدة ، وقضى بحكم الشرع ، ووجب على الناس الالتزام بحكمه ، حتى الخليفة . وتاريخ القضاء الإسلامي مليء بالوقائع التي حكم فيها القضاة على الخلفاء أو غيرهم من رجال الدولة لخصومهم،وأذعن فيها الخلفاء وأعوانهم _طوعاً أو كره _ لحكم القاضي(3) ، لأن الكل محكومون لأمر الشرع ، وما القاضي إلا مبلغاً لهذا الحكم الثابت بالنص أو الاجتهاد ، فهذا سيدنا عمر  يلقى رجلاً ، فيقول له : ما صنعت بخصومتك ؟ قال : قضى علي وزيد بكذا ، قال عمر : لو كنت أردُّك إلى نص في كتاب الله أو في سنة رسوله لفعلت 
ـــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري في الحدود ( باب : كراهية الشفاعة في الحد برقم 6406 ) . 
(2) الاختيار 2/88 ، الشرح الصغير بحاشية بلغة السالك 4/90 ، المهذب 2/292 ، شرح منتهى الإرادات 6/494 ، تبصرة الحكام 1/72 ، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 4/614 . 
(3) انظر كثيراً من هذه الوقائع : السلطة القضائية في الإسلام ص414 وما بعدها ، القضاء في الإسلام ص198 وما بعدها .  
ـ25ـ
ولكن أردك إلى اجتهاد ، والرأي مشترك ، ولم ينقض ما حكم به زيد وعلي(1)  . 
    وفي عهد بني أمية استمر القضاة مستقلين _عن الولاة_ على الطريقة التي سنها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب  ، وكذا في العهود اللاحقة بين مدّ وجزر ، وفي كثير من الأحيان كان ذلك يتبع لشخصية القاضي وورعه ، وعدم خوفه في الله لومة لائم .
    وبالالتزام بالنصوص الشرعية ، والتطبيق العملي العادل على كل الناس دون تمييز يمكن أن يتقرر مبدأ استقلالية القضاء ، وعدم التدخل في شؤونه ،حتى من أعلى سلطة في الدولة .
ثـانياً : حرية الرأي والاجتهاد . 
    لا بد أن يكون القاضي مؤهلاً علمياً وخلقياً لتولي منصب القضاء ، ولهذا اشترط الفقهاء فيه : الإسلام ، والبلوغ ، والعقل ، والذكورة ، والعدالة ، والاجتهاد ، وسلامة الحواس . كما استحبوا فيه : الفقه والنباهة ، وكرم الخلق . 
    وبناء على هذه الصفات النبيلة المعتبرة في القاضي ، لا يكون القاضي مكبلاً بقيود تجعله أسيراً لظواهر النصوص ، بل يجب عليه أن يُعمل فكره وعقله وعلمه ، ويغوص في أعماق النصوص بكل نزاهة وبراءة ، ثم يحكم بما يؤديه إليه اجتهاده بعيداً عن الهوى والمؤثرات الخارجية ، لأنه بذلك يكون متعبداً لله عز وجل في الوصول إلى الحق والحكم به ، كما نطق بذلك الحديث النبوي الشريف : (( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب ، فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ، ثم أخطأ ، فله أجر )) (2) . أي : على اجتهاده ، فرأيه بكل حال معتبر ، واجتهاده محترم . 
    وقد كان النبي  يحث أصحابه على النظر والاجتهاد في أية قضية لا نص صريحاً في حكمها ، ويقررهم على ذلك . 
ـــــــــــــــــــ 
(1) نظام القضاء في الإسلام لجماعة من الباحثين ص44و154 . 
(2) رواه البخاري في الاعتصام ( باب : أجر الحاكم إذا اجتهج برقم 6919 ) ومسلم في الأقضية(باب: بيان أجر الحاكم إذا اجتهد برقم 4462 ) . 
ـ26ـ
فعن معاذ بن جبل  ، أن النبي  لما بعثه إلى اليمن ، قال له : (( كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله ، قال : فإن لم تجد في سنة رسول الله ؟ قال :أجتهد رأيي ولا آلو، قال : فضرب رسول الله  على صدره ، وقال : الحمد لله الذي وفق رسـولَ
رسول الله لما يرضي رسول الله ))(1)  .
    والخلاصة : أن استقلال القضاء عن أي سلطة ، تنفيذية أو تشريعية ، أمر في غاية الأهمية لإرساء قواعد العدل بين الناس ، ونشر الأمن في المجتمع ، وإن أي خلل في استقلال القضاء سبب لشيوع الظلم ، وضياع الحقوق ، وانتشار الفوضى ، فلا رادع من قانون ، ولا زاجر من ضمير ، وبالتالي تكون الغلبة ، ويكون الحق دائما للقوي على الضعيف . 
    ولا بد من وجود مؤيدات دستورية وجزائية تحمي القضاء ، وتحافظ على استقلاليته من تدخل أصحاب الشأن والنفوذ في الدولة ، ذلك ما يعرف بحصانة القاضي ، وسيأتي الحديث عنه في المطلب الرابع إن شاء الله تعالى .  
    وينبغي أن يعلم أن استقلال القضاء ، لا يعني أن يترك القاضي وشأنه ، دون مراقبة أو حسيب ، فإن من واجب الخليفة أو رئيس الدولة ( أي : أو نائبه كوزير العدل)أن يتابع تصرفات القضاة وسيرتهم في الناس ، فإن وجد فيهم الظالم الجائر عزله من غير تردد . 
وهو ما أشارت إليه المادة الحادية والسبعون من نظام القضاء في المملكة . 
قال ابن فرحون : ينبغي للإمام أن يتفقد أحوال القضاة ، فإنهم قَوام أمره ، ورأس سلطانه . وكذا قاضي الجماعة _ أي : قاضي القضاة _ ينبغي أن يتفقد قضاته ونُوّابه ، فيتصفح في أقضيتهم ، ويراعي أمورهم وسيرتهم في الناس(2)  . 
ـــــــــــــــــــ
(1) رواه أحمد 5/236 ، وأبو داود في الأقضية /3592/ والترمذي في الأحكام /1372/ . وصححه جماعة من المحققين ، منهم ابن القيم في أعلام الموقعين 1/202 . 
(2) تبصرة الحكام 1/68 ، وينظر أيضاً : نظام القضاء للدكتور عبد الكريم زيدان ص65 . 
ـ27ـ
المطلب الرابـع : حصانة القاضي
إذا كانت الشريعة الإسلامية قد قررت في مبادئها استقلالية القضاء عن الهيمنة عليه من أي جهة أو فرد ، فالسؤال الذي يطرح نفسه ، هل حصنت القاضي ؟ وهيأت له من الأسباب ما يحميه ، ويحفظ عليه استقلاليته ؟ ذلك ما نبحثه في النقاط التالية : 
النقطة الأولى : حصانته من حيث التعيين . 
    أجمع الفقهاء على أن تعيين القضاة أمر منوط بالإمام ( أي : رئيس الدولة ) وفرض متعين عليه (1)، لأن الإمام مستخلف على الأمة ، والقضاء داخل في عموم ولايته ، فإن النبي  بعث عليا ًقاضياً إلى اليمن ، وبعث معاذ بن جبل إلى اليمن أيضاً لنفس الغاية ، وبعث عمر شريحاً على قضاء الكوفة ، وكعب بن سُور على قضاء البصرة(2) . ويجوز للإمام أن يوكل أمر تعيين القضاة إلى نائب عنه ، كوزير العدل الآن . 
    ومن هذا الذي ذكر الفقهاء ندرك أن الشريعة الإسلامية أخذت بطريقة تعيين القضاة ، لأن الحاكم الأمين أدرى بمواطن المصلحة من عامة الناس ، فلا يعين القاضي بطريقة الانتخاب من قبل العامة ، وإنما الذي يعينه الحاكم الأمين ، وفي ذلك ضرب لطوق متين من الحصانة حول القضاة ، بحيث لا يكون لأحد تأثير على أحكامهم المستمدة من الشريعة ، إما بالنص وإما بالاجتهاد الحر والحيادي . 
وعلى الحاكم أن يختار الأصلح في الناس لهذه المهمة الخطيرة ، فإن القضاء العادل سبب دوام الملك واستقامة أحوال الناس ، ويكون ذلك بالسؤال والبحث عنه إن لم يكن يعرفه ، أو بأخذ المتفوقين الآن في هذا المجال بعد التأكد من استقامتهم ونزاهتهم .
ـــــــــــــــــــ
(1) البدائع 2/7 ، تبصرة الحكام 1/19 ، البيان 13/22 ، القليوبي وعميرة على شرح المنهاج 4/296، المغني 14/10 ، الغياثي ص98 ، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد الثلاثون ص136 .
(2) رواه البيهقي في السنن 10/87 .
ـ28ـ
قال ابن قدامه _رحمه الله_ : إذا أراد الإمام تولية قاض ، فإن كان له خبرة بالناس ، ويعرف من يصلح للقضاء ، ولاه ، وإن لم يعرف ذلك ، سأل أهل المعرفة بالناس ، واسترشدهم على من يصلح ، وإن ذكر له رجل لا يعرفه ، أحضره وسأله وإن عرف عدالته ، وإلا بحث عن عدالته ، فإذا عرفها ولاّه(1) .

النقطة الثانية : حصانته من العزل التعسفي . 
    لا خلاف بين العلماء في أن لولي الأمر أن يعزل القاضي _ دون النظر إلى حصانته _ إذا ظهر منه خلل يستوجب ذلك كفسقه أو مرضه مرضاً يمنعه من القضاء أو اختل فيه شرط من الشروط الواجبة فيه(2) . لكنهم اختلفوا في حكم عزل الحاكم للقاضي دون موجب على قولين : 
القول الأول : أنه لا يجوز لولي الأمر أن يعزل القاضي من عمله إذا لم يظهر منه ما يستوجب عزله _ كحكمه بالجور _ أو أنه غير صالح للقضاء بعد مرور فترة زمنية عليه _ كسنة مثلاً _ وهو ما نصت عليه المادة الثانية من نظام القضاء في المملكة(3)،   حيث لم يكن في عزله مصلحة،فإن كان ثمة مصلحة جاز ، وإلى هذا ذهب المالكية ، والشافعية ،والحنابلة في إحدى الروايتين عن أحمد (4)، واستدلوا على ذلك بما يأتي : 
أ_ أن ولاية القضاء عقد بين الإمام _ كنائب عن المسلمين _ وبين المولّى للقضاء ، والعقد يجب الوفاء به ، لقوله تعالى :  يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود  (5) .
وجه ذلك : أنه أمر ، والأمر للوجوب ، ومخالفة الأمر لا تجوز . 
ب_ أن عزل القاضي بدون سبب أو مصلحة تقتضي العزل ضرب من العبث بالمصالح ، لأن الإمام إنما عقده لمصلحة المسلمين ، فلم يملك عزله مع سداد حاله واستقامة أفعاله ، كما لو عقد النكاح على موليته ، لم يكن له فسخه . 
ـــــــــــــــــــ
(1) المغني 14/11 . 
(2) سبق ذكر هذه الشروط في التمهيد ص8 . 
(3) نظام القضاء في المملكة العربية السعودية ( المادة : 2 ) . 
(4) منح الجليل 8/286 ، القليوبي وعميرة على شرح المنهاج 4/299 ، الفروع لابن مفلح 6/386 ، القواعد والضوابط الفقهية لنظام القضاء للدكتور ابراهيم الحريري ص29 . 
(5) سورة المائدة آية 1 . 
ـ29ـ
القول الثاني : أنه يجوز لولي الأمر أن يعزل القاضي مطلقاً وإن لم يصدر منه ما يقتضي العزل أو لم يكن في عزله مصلحة ، وإلى هذا ذهب الحنفية وأحمد في الرواية الثانية عنه(1) . واستدلوا على ذلك بما يأتي : 
أ_ فعل الصحابة ، فإن عمر  كان إذا قدم عليه الوفود سألهم عن أميرهم : أيعود المرضى ؟ أيجيب العبد ؟ كيف صنيعه ؟ من يقوم على بابه ؟ فإن قالوا الخصلة منها : لا ، عزله(2) .
وعثمان بن عفان  لما ولِيَ الخلافة أقرّ أبا موسى على البصرة ثلاث سنوات ثم عزله في الرابعة(3) . 
ب_ القياس ، فإن القضاء كالإمارة ، بجامع أن كلاً منهما ولاية ، فكما أنه يجوز للإمام عزل أمرائه على البلدان ، فكذا يجوز عدل قضاته . 
الراجح من القولين : 
    والراجح ما ذهب إليه أصحاب القول الأول ، من أنه ليس للإمام عزل القاضي ما دام باقياً على صلاحيته ، ولم يصدر منه ما يقتضي عزله لأمرين : 
1_ أن الإمام إنما ولي أمور المسلمين لتحقيق مصلحتهم ، وجلب الطمأنينة والراحة لهم ، ولا شك أن عزل القاضي دون مبرر لا يحقق لهم المصلحة . 
2_ أن عزل القاضي دون مبرر يذهب بهيبة القضاء من نفوس العامة ، مع أن الشرع الحكيم سن أموراً كثيرة للحفاظ على هيبة القضاء ، بحيث لا يخشاه المحِقّ ، ويفرق منه المبطل .
والحق أنه ينبغي أن تنزع مهمة عزل القضاة من أيدي الحكام ونوابهم _ بسبب تسلطهم وضعف الوازع الديني_ وأن يوكل الأمر إلى هيئة قضائية عليا ، هي التي تبت في اختيار القضاة وتعيينهم ، وكذا في عزلهم ، ضمن أصول ومعايير عدلية تلتزم بها حفاظاً على استقلالية القضاء . ولا أعتقد أن هذا يخالف ما ذهب إليه جمهور الفقهاء ، لأن الحاكم 
ـــــــــــــــــــ
(1) البدائع 7/16 ، المغني 14/88 . 
(2) رواه البيهقي 10/108 . 
(3) سير أعلام النبلاء للذهبي 2/390 ، الإصابة لابن حجر 2/352 . 
ـ30ـ
ومن يلوذ به كانوا خاضعين لحكم الشرع وليس لهم أي حصانة تمنعهم من الجلوس أمام القاضي مع فرد من أفراد الرعية ، والأمثلة من واقعهم على ذلك كثيرة مدونة .   
    ويمكن أن يجاب عما ذهب إليه الحنفية ، والحنابلة في رواية ، بأن ذلك كان لمصلحة راجحة ، لا تهمة للقاضي المعزول ، كما هو واضح من فعل عمر  . 
النقطة الثالثة : أدب الخصوم في مجلسه . 
مجلس القضاء ليس منتدى للحديث عن كل ما يشتهى ، وإنما هو مجلس جد وسكينة ونظر في القضايا المطروحة ، وفض المنازعات والخصومات ، بالإخبار الملزم عن شرع الله ، فلا يجوز لأحد من الخصمين أن يتطاول على خصمه برفع الصوت والكلام القبيح ، تعظيماً لهيبة القضاء ، ومن أساء إلى خصمه بسباب ، أو إلى الشهود أو إلى القاضي أو أحد معاونيه كان من حق القاضي أن يعاقبه بعقوبة تعزيرية تتناسب مع طبيعة المخالفة وإساءة الأدب ، لا نتهاكه حصانة المجلس .
قال ابن عبد السلام : الحق فيه ( أي : في مجلس القاضي ) لله تعالى ، فلا يحل للقاضي تركه ، لأن السباب _وشبهه_ انتهاك لحرمة مجلس القاضي والحكم(1) .
    وقد بلغت حرمة القضاء وهيبته في نفوس السلف مبلغاً لم ترقَ إليه أمة على وجه الأرض  حتى كان الخلفاء يجلسون مع خصومهم بين يدي القاضي ، تعظيماً لشأن القضاء ، لأنه حكم الله على جميع الخلق ، ولأن القضاة كانوا معظمين في نفوس الخاصة والعامة.    
    ولا ينبغي للخصمين أن يتكلما إلا بعد أن يسألهما القاضي ، فيتكلم من أذن له بالكلام  وعلى خصمه أن يستمع ، فإذا انتهى من كلامه ، أذن القاضي للآخر أن يتكلم ، أو هو يستأذن في الكلام والرد على خصمه ، ولا يحكم القاضي حتى يسمع من الخصمين _ من غير ملل ولا ضجر_ فقد قال النبي  لعلي حين أرسله قاضياً إلى اليمن :(( إذا تقاضا إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع من الآخر ،فسوف تدري كيف تقضي ))(2) .
ـــــــــــــــــــ
(1) تبصرة الحكام 1/39 ، وانظر أيضاً :نظام القضاء في الشريعة الإسلامية لعبد الكريم زيدان ص105 . (2) رواه أبو داود في الأقضية /3582/ ، والترمذي في الأحكام /1331/ وقال : حديث حسن . 
ـ31ـ

المطلب الخامس : مسؤولية القاضي
    إذا كانت الشريعة الإسلامية قد قررت للقاضي حصانة تحميه وتحمي ما يصدر عنه من أقضية ، بموجب العمل الموكول إليه ، فهل هذه الحصانة مطلقة ، أم أنها مقيدة في حدود العدل ، والصواب في الحكم ، فإذا جار في حكمه ، أو جانب الصواب ، كان مسؤولاً عن ذلك ، ولم تنفعه الحصانة في حمايته وحماية ما يصدر عنه من أقضية ؟ 
ذلك ما نبحثه في النقاط الآتية : 
النقطة الأولى : نقض الحكم وإبطاله . 
    لما كان الغرض من القضاء الحكم بالقسط ، وإيصال الحقوق إلى أصحابها ، كان من الطبيعي أن يشرع نقض الحكم الجائر المخالف ، إذا ثبت ذلك بطريقة من طرق الإثبات المشروعة ، كالشهادة والإقرار ، ولا تعدو المخالفة أن تكون على حالين : 
الحالة الأولى : مخالفة الحكم للنص .
    النص إما أن يكون من القرآن ،أو السنة،ومثلهما الإجماع لأنه دائماً يستند إلى نص . 
أ_ مخالفة نص القرآن : كما لو حكم القاضي _ في غير الوصية في السفر _ بشهادة كافرين مخالفاً في ذلك قوله تعالى :  وأشهدوا ذوي عدل منكم  (1) أي : من المسلمين العدول . 
ب_ مخالفة النص من السنة المشهورة : كما لو حكم بتحليل المطلقة ثلاثاً بمجرد عقد المحلل من غير دخول ، مخالفاً في ذلك حديث العسيلة المشهور ، وهو قوله  لزوجة رفاعة : (( تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا ، حتى يذوق عسيلتك ، وتذوقي عسيلته )) (2) . والعسيلة : تصغير العسل ، كناية عن لذة الجماع . 
ـــــــــــــــــــ
(1) سورة الطلاق آية 2 . 
(2) رواه البخاري في الطلاق ( باب : إذا طلقها ثلاثاً ثم تزوجت بعد العدة زوجاً غيره فلم يمسها برقم 5011 ) ومسلم في النكاح ( باب : لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح زوجاً برقم 3512 ) . 
ـ32ـ
ج_ مخالفة الإجماع : كأن يحكم القاضي بالميراث كله للأخ مع وجود الجد فهذا مخالف للإجماع ، لأن الأمة كلها مجمعة على قولين في الجد : أن يكون المال كله له  أو يقاسم الأخ ، وأما حرمان الجد بالكلية فلم يقل به أحد من الأمة(1) . وكذا لو حكم القاضي بصحة نكاح المتعة ، فإن الصحابة كلهم مجمعون على فساده(2) . فلو حكم القاضي بأية مسألة من هذه المسائل ، خالف فيها النصّ من القرآن أو السنة أو خالف الإجماع وجب نقض حكمه ، سواء من قبل نفسه هو أو من هيئة خاصة بالنقض ، وهذا متفق عليه بين الفقهاء(3)،لأن حكمه كان اجتهاداً في مورد النص، وقد حكم العلماء بأنه لا اجتهاد في مورد النص ، فحصانة ما يحكم به القاضي إذاً مقيدة بما لا يخالف القرآن أو السنة أو الإجماع . 
وهو ما نصت عليه المادة الأولى من نظام القضاء في المملكة ، إذ تقول : ( القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية ...) (4) .
الحالة الثانية : مخالفة الحكم للاجتهاد . 
    إذا قضى القاضي بحكم في مسألة استند فيها إلى الاجتهاد والنظر ، ثم تغير بعد ذلك اجتهاده _ أو تبين خطأ الحكم في المسألة نفسها لقاض آخر جاء بعده _ فلا ينقض الحكم السابق ، وإنما يقضى بالاجتهاد الجديد في المسائل التي تستجد ، وذلك لما يأتي : 
1_ ما روي عن عمر  أنه قضى في المسألة المشتركة ( وهي : مات عن زوج وأم وإخوة لأم وإخوة لأب وأم ) أن لا شيء للإخوة الأشقاء بعد أن نفدت الفروض بالمال ، ولما حدثت المسألة ثانية ، وراجعه الإخوة الأشقاء وقالوا : هب أن أبانا 
ـــــــــــــــــــ
(1) تبصرة الحكام 1/62،الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام للقرافي ص136 ، السلطة القضائية ص445 . 
(2) الإشراف لابن المنذر 1/61، شرح مسلم للنووي 9/180 ، فتح الباري 9/78. 
(3) رد المحتار 5/400_401 ، الشرح الكبير بحاشية الدسوقي 6/40 ، روضة الطالبين 11/15 ، شرح منتهى الإرادات 6/506 ، درر الحكام 4/687 ، القضاء في الإسلام ص114 . 
(4) نظام القضاء في المملكة العربية السعودية ( المادة : 1 ) . 
ـ33ـ
حجر في يم ، تغير اجتهاد عمر وقضى بالتشريك بين جميع الإخوة بالسوية ، فراجعه الإخوة الأشقاء في المسألة الأولى على ما قضى به ، فقال : (( تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي )) (1) . ولم يخالف أحد من الصحابة . 
2_ أن الاجتهاد الثاني ليس بأولى من الاجتهاد الأول ، لأن مبنى كل منهما البحث والنظر ، وقد وضع الفقهاء في ذلك القاعدة المشهورة : الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد(2) . فلو عرضت المسألة مرة ثانية قضى القاضي باجتهاده الجديد .
3_ أن القول بجواز النقض يؤدي إلى التسلسل ، وعدم استقرار الأحكام ، حيث إن الناقض ينقض أيضاً بثالث ... وهكذا ، وفي ذلك مشقة شديدة ، وفوضى تعتري الأحكام . 
النقطة الثانية : مدى مسؤولية القاضي . 
    إذا حكم القاضي في مسألة ، جانب فيها الحق والصواب ، فإما أن يكون ذلك عن عمد ، أو سهو وغفلة . 
أ_ القضاء بالجور عمداً : إذا قضى بالجور عمداً ، وأقرّ به ، فحكمه باطل ، ويعزر، ويعزل عن القضاء ، لأنه خالف الغاية التي أسس القضاء لأجلها ، وهي تحقيق العدل والإنصاف بين الناس . وقضية هذا الجور : إما أن تكون في مال أو نفس . 
ـ فإن كان قد حكم في مال ظلماً عمداً ، وأقر بذلك ، فعليه الغرامة_في ماله هو_ والعقوبة ، ويعزل ، وهو ما نصت عليه المادة الثانية من نظام القضاء في المملكة العربية السعودية(3) ، ولا تقبل له بعد ذلك شهادة ، كشاهد الزور . 
ـ وإن كان قد حكم ظلماً عمداً في حد أو قصاص ، وأقر بذلك ،لم ينفذ قضاؤه ، فلو نفذه فعليه القود(4) لتعديه في إنزال العقوبة ، والمتعدي ضامن .      
ـــــــــــــــــــ
(1) رواه البيهقي 10/120 ، وابن أبي شيبة في المصنف برقم /31088/ ورجال إسناده كلهم ثقات. 
(2) الأشباه والنظائر للسيوطي ص101 ، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص129  .
(3) نظام القضاء في المملكة العربية السعودية ( المادة : 2 ) .  
(4) الفتاوى الهندية 3/342 ، الذخيرة 10/143 ، البيان للعمراني 13/65 ، مغني المحتاج 4/608 ، القضاء في الإسلام للدكتور محمد أبو فارس ص112 . 
ـ34ـ
ب_ القضاء بالجور خطأ أو غفلة : قد يحكم القاضي بالظلم خطأ أو غفلة _ كما لو تبين أن الشهود محدودون في قذف _ نظراً لكثرة ما يرد عليه من قضايا وخصومات ، فإنه في هذه الحال يجب عليه أن يرجع إلى الحق والصواب ويقضي به، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل . وبناء على هذا الرجوع يوقف الحكم السابق عن التنفيذ ، فإن نفذ فله حالان : 
الحالة الأولى : أن يكون في مال ، فإن كان لا يزال المال قائماً في يد المحكوم له ، رده إلى صاحبه لأنه عين ماله ،لقوله : ((على اليد ما أخذت حتى تؤديه ))(1)، وقوله : (( فمن قضيت له بشـيء فلا يأخذ منه شيئاً ، فإنما أقطع له قطعة من النـار ))(2)وإن نفذ الحكم وتعذر رد المال ضمنه القاضي في بيت مال المسلمين ، لأنه يعمل لمصلحتهم ، فضمان ما يخطئ به في عموم أموالهم(3) . 
الحالة الثانية : أن يكون حكمه في حد _ كرجم _ أو قصاص ، فالدية مضمونة في بيت المال _ كالسابق _ لأنه يعمل لمصلحة المسلمين ، كما قدمنا ، أو على عاقلة القاضي ، على خلاف بين الفقهاء في ذلك(4) .
    ومن خلال هذه الأحكام ندرك أن للقاضي حصانة تحميه من المسؤولية إلا إذا ظهر أنه تعمد الإساءة والجور في حكمه ، وثبت ذلك بطريق من طرق الإثبات المشروعة ، كالشهادة والإقرار  ، لأن القضاء إنما وجد في الأصل لإنصاف الناس وإحقاق الحق . 
ـــــــــــــــــــ
(1) رواه أبو داود في البيوع /3561/ والترمذي في البيوع /1266/ ،وابن ماجه في الصدقات /2400/ وأشار السيوطي في الجامع الصغير إلى صحته . 
(2) رواه البخاري في الشهادات ( باب : من أقام البينة بعد اليمين برقم 2534) ومسلم في الأقضية ( باب : الحكم بالظاهر برقم 4450 ) وغيرهما . 
(3) رد المحتار 5/418 ، تبصرة الحكام 1/66 . 
(4) بدائع الصنائع 7/16 ، منح الجليل 8/349 ، مغني المحتاج 4/608 ، المغني 14/258 ، القضاء في الإسلام لمحمد أبو فارس ص214 . 
ـ35ـ 

المبحـث الثـاني 
التزامات القاضي
وفيه أربعة مطالب

المطلب الأول : في التسوية بين الخصوم 
المطلب الثاني : في القضاء حال الاعتدال 
المطلب الثالث : في سماع دعوى الخصوم ، والتثبت من عدالة الشهود
المطلب الرابع : إصدار الحكم ، وتنفيذه .





المبحث الثاني : التزامات القاضي 
    


ما تقدم الحديث عنه هو حقوق القاضي تلتزم الدولة بتقديمها له ، ويقابل هذه الحقوق التزامات وواجبات ينبغي على القاضي أن يراعيها،ضماناً للعدل بين الناس ، وإيصال الحقوق إلى أصحابها ، وقد يعبر عنها الفقهاء : بأدب القاضي ، فهي إذاً ضوابط وقواعد يجب على القاضي أن يلتزم بها في حال الفصل في الخصومات .


ـ36ـ
المطلب الأول : في التسوية بين الخصوم .
    إذا حضر الخصوم إلى مجلس القضاء ، لزم القاضي أن يسوي بينهم ، كي لا ييأس الضعيف من عدله ، ولا يطمع القوي في حيفه . 
    فعليه أن يسوي بينهم في المجلس،فلا يجلس أحدهما، ويبقى الآخر واقفاً ، وإنما يقفان أو يجلسان بين يديه ، فإن النبي  ((قضى أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم))(1) . 
    وعليه أن يسوي بينهم في السلام ، والكلام ، واللَّحْظ والإشارة . وهذه التسوية بين الخصمين واجبة على القاضي ، لازمة له ، باتفاق الفقهاء ، لا فرق في ذلك بين الحاكم والمحكوم ، ولا بين الشريف والوضيع ، ولا بين الغني والفقير ، إذا كانوا جميعاً مسلمين . وإنما اختلف الفقهاء في وجوب التسوية إذا كان أحد الخصمين مسلماً والآخر كافراً ، على قولين : 
القول الأول : أنه تجب التسوية بين الخصوم مطلقاً ، سواء كان الخصوم كلهم من ملة واحدة ، أم بعضهم مسلمين والبعض الآخر كافرين ، وبهذا قال الحنفية والمالكية وهو قول عند الشافعية(2) . واستدلوا على ذلك بما يأتي : 
أ_ ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي  قال : (( من ابتلي بالقضاء بين الناس فليعدل بينهم في لَحْظه وإشارته ومقْعَده ، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر )) (3).
ـــــــــــــــــــ
(1) رواه أبو داود في الأقضية /3588/ والبيهقي 10/135 . قال الشوكاني في نيل الأوطار 8/275 : في إسناده مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وهو ضعيف . 
(2) المبسوط للسرخسي 16/61 ، رد المحتار 5/275 ، الشرح الصغير بحاشية الصاوي 4/81 ، تبصرة الحكام 1/37 ، روضة الطالبين 11/161 . 
(3) رواه الدار قطني في الأقضية 4/205 ، والبيهقي في الأقضية 10/135 وقال : هذا إسناد ضعيف . والاعتماد في هذا على ما في كتاب عمر لأبي موسى (( آس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك ... إلخ )).
ـ37ـ
    وجه الاستدلال : أن كلمة الناس تشمل المسلم وغير المسلم ، فتكون التسوية بين الخصوم واجبة على القاضي مطلقاً  دون النظر إلى معتقدهم ، لعموم الحديث .
ب_ ما ورد في كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما ، وفيه يقول : ( وآسِ بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف من عدلك ) (1) .
    وجه الاستدلال : أن سيدنا عمر  أرشد قاضيه أبا موسى إلى المساواة بين الناس عند الخصومة إليه ، وهو يعلم أن في الناس المسلمَ والكافرَ ، فيكون الكلام عاماً في وجوب التسوية بين الخصوم . 
ج_ أن التسوية بين الخصمين : إذا كان أحدهما غير مسلم ، تُظهِر عدل الإسلام ومزاياه الفاضلة ، في الحكم بين الناس بالقسط دون حيف إلى جانب على جانب . 
القول الثاني : أنه لا تجب التسوية _ أي : في المجلس وما أشبهه _ بين الخصمين إذا كان أحدهما كافراً ، وبهذا قال الشافعية _ في المعتمد عندهم _ والحنابلة(2) ، واستدلوا على ذلك بما يأتي : 
أ_ أن علياً  وجد درعاً له عند يهودي التقطها ، فقال : درعي سقطت عن جمل لي أورق ، فقال اليهودي : درعي وفي يدي ، ثم قال اليهودي : بيني وبينك قاضي المسلمين ، فأتوا شريحاً ، فلما رأى علياً قد أقبل تحرف عن موضعه ، وجلس علي 
ـــــــــــــــــــ
(1)كتاب عمر إلى أبي موسى ، رواه الدار قطني في الأقضية 4/206 ، وذكره ابن القيم في أعلام الموقعين 1/85-86 وقال : هذا كتاب تلقاه العلماء بالقبول ، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة ؛ والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله ، والتفقه فيه . 
(2) روضة الطالبين 11/161 ، البجيرمي على شرح المنهج 4/356 ، المغني 14/64 ، شرح منتهى الإرادات 6/487 . 
ـ38ـ

فيه ، ثم قال علي : لو كان خصمي من المسلمين لساويته في المجلس ، لكني سمعت رسول الله  يقول : (( لا تساووهم في المجلس )) (1) .
    وجه الاستدلال : أن قول النبي  : (( لا تساووهم في المجلس )) عام في القضاء وغيره ، ولذلك لم يجلس علي  بجانب خصمه ، وذكر العلة في ذلك ، فدل ذلك على عدم وجوب التسوية . 
والراجح _ والله أعلم _ ما ذهب إليه أصحاب القول من أن التسوية واجبة من كل الوجوه ، لما ذكروه من الأدلة النقلية والعقلية .ويمكن أن يجاب عما استدل به الآخرون ، بأن الحديث لم يصح ، فهو عند البيهقي فيه ضعيفان ، هما : عمرو بن شمر وجابر الجعفي  ، وعزاه ابن حجر في التلخيص الحبير إلى الحاكم وقال : إنه منكر(2) . 




ـــــــــــــــــــ
(1) رواه البيهقي في السنن 10/136 . 
(2) انظر : التلخيص الحبير لابن حجر 4/193 ، نيل الأوطار للشوكاني 8/275 . 
ـ39ـ
المطلب الثاني : في القضاء حال الاعتدال 
    إن مما يلزم القاضي أن لا يجلس للحكم وهو في حال مضطربة بسبب مرض أو غضب ، أو جوع أو عطش شديدين ، أو غير ذلك ، لأن هذه الأحوال وأمثالها مما يشوش الفكر ويؤثر على دقة النظر والفكر في القضية ، وذلك يؤثر على سلامة الحكم . 
    والأصل في تفرغ القاضي أثناء قضائه عن كل ما يشغله ويؤثر سلباً على سلامة الحكم ما رواه أبو بكرة  أنه قال : سمعت رسول الله  يقول : (( لا يقضينّ حَكَم بين اثنين وهو غضبان )) (1) .
    وقد عد الفقهاء كل ما يَشْغَل فكر القاضي عن التأمل والتدبر والنظر مثل الغضب في حكم النهي ، ابتغاء الوصول إلى العدل والقسط في الحكم . 
قال النووي : ويلتحق بالغضب كل حال يخرج الحاكم فيها عن سداد النظر ، واستقامة الحال : كالشبع المفرِط ، والجوع المقلِق ، والهم والفرح البالغ ، ومدافعة الحدث ، وتقلب القلب بأمر ، ونحو ذلك(2) .
قضاء القاضي في حال الغضب _ أي : ونحوه _ ونفاذه : 
    لا خلاف بين أهل العلم أنه لا ينبغي للقاضي أن يقضي في حال تشوش واضطراب لسبب من الأسباب المتقدمة ، ولكنهم اختلفوا في حكم قضائه وهو كذلك على ثلاثة أقوال : 
القول الأول : أن قضاءه وهو كذلك مكروه _ ما لم تكن المسألة واضحة أو مذكورة بالنص فيجوز _ والقضاء نافذ إن وافق الحق والصواب ، وبهذا قال الحنفية ـــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري في الأحكام ( باب : هل يقضي القاضي وهو غضبان برقم 6739 ) ومسلم في الأقضية ( باب : كراهة قضاء القاضي وهو غضبان برقم 4465 ) . 
(2) شرح مسلم للنووي 12/14 ، وينظر أيضاً : فتح الباري 13/147 . 
ـ40ـ
والشافعية ، وبعض المالكية ، وبعض الحنابلة (1) .
واستدلوا على ذلك بما يأتي : 
1_ أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند النبي  في شراج الحَرّة ، التي يسقون بها النخل ، فقال الأنصاري : سرّح الماء يمر ، فأبى عليه ، فاختصما عند النبي  ، فقال رسول الله  للزبير : (( اسق يا زبير ، ثم أرسل الماء إلى جارك )) فغضب الأنصاري ،فقال:أن كان ابنَ عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله  ، ثم قال : (( اسق يا زبير ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر )) (2) . 
    وجه الاستدلال : أن النبي  قد قضى في المسألة وهو في حال غضب من مقولة الأنصاري . ولكن الجمهور قالوا : بالكراهة في حق القاضي ، لأنه غير النبي  فإنه لا يقول إلا حقاً في كل أحواله(3) .
2_ أن القاضي إذا غضب تغير عقله ، ولم يمكنه أن يستوفي رأيه وفكره في القضية . 
القول الثاني : أن قضاءه حرام ، وحكمه نافذ إن وافق الحـق ، وبه قال أكثر المالكية ، وأكثر الحنابلة(4) ، واستدلوا على التحريم بالنهي الوارد في الحديث ، لأن أصل النهي للتحريم .   
ـــــــــــــــــــ
(1) المبسوط 16/67 ، البدائع 7/9 ، منح الجليل 8/301 ، تبصرة الحكام 1/32 ، الحاوي للماوردي 16/33 ، نهاية المحتاج 8/254 ، المغني 14/27 . 
(2) رواه البخاري في المساقاة ( باب : سكر الأنهار برقم 2231 ) ومسلم في الفضائل ( باب : وجوب اتباعه  برقم 6065 ) . والشراج : مسيل الماء من المرتفع إلى السهل ، والتسريح : الإرسال والتسييب ، والجدر : الحواجر الترابية التي تحبس الماء حول الشجر ، والمعنى حتى تبلغ تمام الري . ينظر في المعاني : النهاية لابن الأثير . 
(3) فتح الباري 13/147 . شرح مسلم للنووي 12/15 . 
(4) الدسوقي على الكبير 6/21 ، المغني 14/25 ، الإنصاف 11/197_198 . 
ـ41ـ
القول الثالث : أن القضاء حرام ، وحكمه لا ينفذ ، لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه ، وبه قال بعض الحنابلة (1) .
القول الراجح : 
والذي أراه راجحاً _ والله أعلم _ أن الغضب ليس على درجة واحدة ، فلو كان الغضب بسيطاً لا يؤثر على سلامة الحكم جاز الحكم مع الكراهة ونفذ ، والأولى ترك الحكم حتى يعود القاضي إلى درجة الاعتدال ، وإن كان قد أخرجه عن أصل الفكر والتمعن والاجتهاد في المسألة حرم ولا ينفذ القضاء _ إلا إذا وافق الحق _ ، وقد صرح بنحو من هذا التفصيل الدسوقي المالكي في حاشيته على الشرح الكبير . 


ـــــــــــــــــــ
(1) المراجع السابقة .  
ـ42ـ
المطلب الثالث : في سماع الدعوى ، والتثبت من عدالة الشهود
أولاً : سماع الدعـوى .
    إذا حضر الخصوم إلى المحكمة ، وجلسوا بين يدي القاضي ، فعليه أن يسمع المدعى والمدعى عليه ، ولا يتعجل في الحكم للمدعي قبل أن يسمع من المدعى عليه.
    والأصل في هذا اللزوم ، أن النبي  قال لعلي بن أبي طالب  : (( إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقضِ للأول حتى تسمع من الآخر،فسوف تدري كيف تقضي))(1)  قال علي : فما زلت قاضياً بعدُ . 
قال الصنعاني : هذا الحديث دليل على أنه يجب على الحاكم أن يسمع دعوى المدعي أولاً ، ثم يسمع جواب المجيب ، ولا يجوز له أن يبني الحكم على سماع دعوى المدعي قبل جواب المجيب ، فإن حكم قبل سماع الإجابة عمداً بطل قضاؤه ، وكان قدحاً في عدالته ، وإن كان خطأ لم يكن قادحاً ، وأعاد الحكم على وجه الصحة(2) .
    فالواجب على القاضي إذاً أن يسمع دعوى أطراف الخصوم أولاً ، ثم شهادة الشهود ، ثم يجيب بالحكم بعد سماع وتفهم كلام الخصوم والشهود ، وإن كانوا لا يعرفون العربية سمع ترجمة كلامهم من المترجم العدل ، وهو ما نصت عليه المادة السادسة والثلاثون من نظام القضاء في المملكة (3)، ولا يجوز أن يحكم لأحد الخصمين دون أن يسمع كلام الآخر وبينته ، لأن القضاء إنما يكون بعد السماع من الخصمين . 
    فلو حكم لأحد الخصمين قبل أن يسمع كلام الآخر وبينته لم يصح قضاؤه ، وكان ذلك قدحاً في عدالته ، إن كان عامداً ، ونقض الحكم ، وإن كان خطأ لم يقدح ذلك في عدالته ، ووجب إعادة الحكم على وجه الصحة . 
ـــــــــــــــــــ
(1) رواه أبو داود في الأقضية /3582/ والترمذي في الأحكام /1331/ وقال : حديث حسن . 
(2) سبل السلام للإمام الصنعاني 4/232 . وينظر أيضاً : نيل الأوطار 8/276 ، نظام القضاء د/ عبد الكريم زيدان ص115 .
(3) نظام القضاء في المملكة العربية السعودية ( المادة : 36 ) .  
ـ43ـ

ثانياً : التثبت من عدالة الشهود . 
    إن مما يلزم القاضي ، أن يتثبت من عدالة الشهود قبل إصدار الحكم ، ضماناً لتحقيق العدالة ، وليصون القاضي حكمه من البطلان بسبب شهادة الزور ، نظراً لفساد الذمم ، وضعف الوازع الديني عن الناس . 
    وللفقهاء في إلزام القاضي بالتأكد من عدالة الشهود _ إذا جهل حالهم _ بالسؤال عنهم ، وتزكيتهم من عدول موثوقين ، عارفين بأحوال الناس ، مع اتفاقهم على اشتراط عدالة الشهود ، للفقهاء في ذلك قولان : 
القول الأول : أن القاضي يحكم بشهادة الشهود إذا عرف أنها مسلمان ، ولا يلزمه البحث والسؤال عن عدالتهم إلا إذا طعن الخصم بهم . وإلى هذا القول ذهب أبو حنيفة ، وهو رواية عن أحمد(1) ، واستدلوا على ذلك بما يأتي : 
أ_ قوله  : (( المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدوداً في فرية ))(2) .
    وجه الاستدلال : أن المسلم عدل في الشهادة ، فلا يحتاج إلى السـؤال عن عدالته ، مالم يطعن فيها . 
ب_ روي أن أعرابياً جاء إلى النبي  ، فقال : إني رأيت الهلال ، فقال له النبي : (( أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ أتشهد أني رسول الله ؟ )) قال : نعم . قال : (( يا بلال : أذن في الناس أن يصوموا غداً )) (3) .
ـــــــــــــــــــ
(1) فتح القدير 6/457 ، المغني 14/43 . 
(2) رواه ابن أبي شيبة في المصنف 4/330 برقم /20650/ ، عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . 
(3) رواه أبو داود في الصوم /2340/ ، والنسائي في الصوم 4/106 ، والترمذي في الصوم /691/ وقال : روي مرسلاً ، وقال النسائي : إنه أولى بالصواب . قلت : لكن يتقوى بحديث ابن عمر عندما شهد أمام النبي  برؤية الهلال ، فصام وأمر الناس بالصيام . 
ـ44ـ
    وجه الاستدلال : أن النبي  اكتفى باعتبار شهادته مثبتة لواجب الصيام 
بالتأكد أنه مسلم فقط ، دون السؤال عن عدالته . 
ج_ أن العدالة أمر خفي ، سببها الخوف من عقاب الله تعالى ، والطمع في ثوابه، فاكتفي بما يدل عليها في الظاهر ، وهو الإسلام . 
القول الثاني : أن الحاكم إذا شهد عنده شاهدان ، إن عرفهما عدلين حكم بشهادتهما ، وإن عرفهما فاسقين لم يقبل قولهما ، وإن لم يعرفهما وجب عليه أن يسأل عنهما ، لأن معرفة العدالة شرط في قبول الشهادة في جميع الحقوق ، وإلى هذا القول ذهب المالكية والشافعية والحنابلة وصاحبا أبي حنيفة والظاهرية(1) ، واستدلوا على ذلك بما يأتي : 
أ_ أن رجلاً شهد عند عمر بن الخطاب بشهادة ، فقال له : لست أعرفك _ ولا يضرك أن لا أعرفك _ ائتِ بمن يعرفك ، فقال رجل من القوم : أنا أعرفه ، قال : بأي شيء تعرفه ؟ قال : بالعدالة والفضل ، فقال : فهو جارك الأدنى الذي تعرفه ، ليلَه ونهاره ، ومدخله ومخرجه ؟ قال : لا ، قال : فمعاملك بالدينار والدرهم الذين بهما يستدل على الورع ؟ قال : لا ، قال : فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا ،قال : لست تعرفه ، ثم قال للرجل: ائت بمن يعرفك(2)  .
    وجه الاستدلال : أن سيدنا عمر  لم يكتف بظاهر عدالة الشاهد لكونه مسلماً ، وإنما بحث بحثاً جاداً عن تزكيته ، وعن سبب التزكية .
ب_ أن العدالة شرط لقبول الشهادة ، فيجب العلم بها ، كما يجب العلم بالإسلام  
ـــــــــــــــــــ
(1) فتح القدير 6/458 ، البدائع 7/10 المقدمات الممهدات لابن رشد 2/13 ، البيان شرح المهذب للعمراني 13/44 ، المغني 14/43 ، كشاف القناع 6/403 ، المحلى لابن حزم 9/429 . 
(2) رواه البيهقي في السنن 10/125_126. 
ـ45ـ
      والراجح _ والله أعلم _ ما ذهب إليه الجمهور من وجوب السؤال عمن جهل حالهما ، وعدم الاكتفاء بكونهما مسلمين ، لفساد الضمائر ، وإيثار العصبيات والمصالح على قول الحق والصدق . 
    ويمكن أن يجاب عما استدل به الأولون بالآتي : 
أ_ أن الأعرابي المسلم كان من أصحاب رسول الله  ، وقد ثبتت عدالتهم جميعاً بالإجماع(1) ، بثناء الله تعالى عليهم ، بقوله :  وكذلك جعلناكم أمة وسطاً  أي : عدولاً . وإخبار النبي  أن خير القرون قرنه ، وخير قرنه صحابته . 
ب_ أن يحمل قول النبي  : (( المسلمون ...إلخ )) على الظاهر العدالة ولا يمنع ذلك وجوب البحث عن حقيقة العدالة ، كما صنع عمر بالذي شهد عنده ، حيث قال له : ائت بمن يعرفك . 
    وبناء على وجوب البحث عن حال الشهود إذا لم يكونوا عدولاً في الظاهر ، الأفضل أن يكون البحث سراً ، وأن يأمر القاضي كل باحث ( مزكّ ) على حدة ، دون أن يعرفه الآخر ، منعاً للاتفاق على جرح أو تعديل ، ودرءاً لما قد يحدث من فتنة وعواقب غير محمودة . 








ـــــــــــــــــــ
(1) تدريب الراوي للحافظ السيوطي 2/214 ، الغاية شرح الهداية للحافظ السخاوي 1/381_382.
ـ46ـ
المطلب الرابع : في إصدار الحكم ، وتنفيذه . 
أولاً : إصدار الحكم . 
    إذا ثبتت دعوى المدعي ، بإحدى طرق الإثبات _ كالشهادة العادلة _ عند القاضي ، لزمه أن يسأل المدعى عليه ، هل من طعن له على هذا الإثبات . فإن طعن فيها ، طالبه بتقديم البينة والبرهان على صحة طعنه ، فربما تتعارض البينتان ، فتتساقطان إذا كانتا في درجة واحدة من العدالة والصحة ، وإن أقر المدعى عليه بمقتضى دعوى المدعي ،أو عجز عن البينة ، لزم القاضي أن يعجل بإصدار الحكم(1)  ، بعد دراسة القضية دراسة دقيقة مستفيضة،وخاصة إذا كانت تحتاج إلى اجتهاد وبحث ، لأن الغرض من نصب القاضي فصل الخصومات وحسم المنازعات ، وكلما كان الفصل سريعاً أو في وقت قصير ، كان ذلك أحسن ، لئلا يتأخر وصول الحق إلى صاحبه ، ولكن السرعة في إصدار الحكم والتعجيل به لا يعني السرعة في سماع الحجج والبينات على وجه يمنع استيعاب القاضي لها ، أو يمنع التدقيق في الدعوى ، مما يؤثر في سلامة ما يُكَوِّنه القاضي من رأي حولها ، وإنما يعني استحبابُ التعجيل في إصدار الحكم عدم التأخر به_بعد استيفاء البينات وسماعها ودراستها وتدقيقها_من غير مبرر . 
    ويمكن أن يستدل على وجوب إصدار الحكم من قِبَل القاضي بعد أن استكمل كل ما يثبت دعوى المدعي ، بقوله  : (( لَيُّ الواجد يُحِلّ عِرضه ، وعقوبتَه))(2). وهو وإن كان في المدين القادر على السداد لغناه يتناول بعمومه كل قادر على إحقاق الحق وإيصاله إلى مستحقه .
    وإن كان إصدار الحكم في بلد عربي فينبغي أن يكون صك الحكم باللغة العربية ، وهو ما نصت عليه المادة السادسة والثلاثون من نظام القضاء في المملكة(3) . 
ـــــــــــــــــــ
(1) الأحكام السلطانية للماوردي ص89، البجيرمي على شرح المنهج 4/254 ، نظام القضاء ص218.
(2) رواه أبو داود في الأقضية /3628/ ،والنسائي 7/316 ، وابن ماجه /2427/ وإسناده حسن كما في الفتح 5/76 . 
(3) نظام القضاء في المملكة العربية السعودية ( المادة : 36 ) . 
ـ47ـ
ثانياً : تنفيذ الحكـم . 
    إن الدعوى _ أيّ دعوى _ تمر بمراحل ثلاث ، هي(1) :
أ_ طريق إثباتها عند القاضي ، بالبينة أو إقرار المدعى عليه ، أو اليمين . 
ب_ الحكم الصادر من القاضي بناء على ما يصح عنده من صدق المدعي وثبوت دعواه بالبينة أو إقرار المدعى عليه . 
ج_ تنفيذ الحكم ، بأخذ الحق المحكوم به من المدعى عليه وإعطائه إلى المدعي صاحب الحق ، أو إيقاعه على من يجوز إيقاعه عليه كالطلاق يوقعه القاضي للمرأة على زوجها العاجز عن نفقتها ، أو المسيء لِعشرتها .
    فالتنفيذ إذاً ، هو : الأثر المترتب على الحكم الصادر عند القاضي ، وقد ينفذه بنفسه _ وقد ينفذه بغيره _ بقوة القضاء المستمدة من تعيين الإمام له . 
   ولقد كان النبي  طيلة حياته هو القاضي بين الناس فيما يختلفون فيه ، ولم يكن هناك من يعصي أمراً قضى به عليه الصلاة والسلام ، لأن طاعته من طاعة الله جل جلاله ، قال تعالى :  من يطع الرسول فقد أطاع الله ... (2) ،بل لا يكتمل إيمان العبد حتى يرضى بقضائه في باطن نفسه ، ويسلم بذلك في ظاهره أيضاً ،قال تعالى :  فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً  (3) . وقال تعالى أيضاً  وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (4) .   
ـــــــــــــــــــ
(1) تبصرة الحكام 1/100 ، السلطة القضائية ص433 . 
(2) سورة النساء آية 80  .
(3) سورة النساء آية 65 . 
(4) سورة الأحزاب آية 36 .  
ـ48ـ
    وقد بلغت هيبة القضاء في نفوس المتخاصمين عند السلف لدرجة أن سيدنا عمر بن الخطاب  ، لما ولي القضاء ظل سنتين لا يأتيه متخاصمان(1)  ، لما اشتهر عنه من الشدة والحزم والغيرة على الحق ، والقسوة على الظالم أيّاً كان مركزه الاجتماعي في القوم، والانتصاف للمظلوم مهما انحط قدره في الجماعة . 
    وكان الأمر كذلك بالنسبة للأحكام التي يصدرها الولاة في الأقاليم الإسلامية ، ذلك لأن أخذ الحق وإعطاء الحق كان جزءاً من عقيدة الناس ، ولأن السلطة القضائية كانت في يد الحاكم ، أو من ينيبه الحاكم ، وبذلك كانت الأحكام تتمتع بالقوة والسلطان في الظاهر ، والاعتقاد بخبث الحرام في الباطن وإرادة التخلص منه ، مما يجعل هذه الأحكام نافذة على جميع الأفراد بمجرد صدورها ، وتخضع لها رقاب العباد ، خشية السلطان ، إن لم يكن هناك خشية من الله تعالى . 
    فلو رفض المقضي عليه الإذعان لحكم القاضي _ دون أي تظلم _ كان عند القاضي من الوسائل التي تمكنه من إيصال الحق ، فله أن يسجن المدين الغني حتى يؤدي ما عليه ، للحـديث الذي سبق ذكره قريباً (( لي الواجـد يحل عرضه وعقوبته )) . وله أن يوقع الطلاق عن الزوج الظالم المتعنت الضار ، وله أن يحجز على أملاك المدين ويبيعها ليوفي الدائنين ... وهكذا ، خوله الشارع الحكيم الكثير من الوسائل التي تمكنه من إقامة العدل ، وإنصاف المظلومين . 





ـــــــــــــــــــ
(1) التراتيب الإدارية للشيخ عبد الحي الكتاني 1/259 ، السلطة القضائية ص433 . 
ـ49ـ


فهرس المصادر والمراجع
- القرآن الكريم 
 [1] أحكام القرآن ، أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص ( دار الكتب العلمية ، بيروت ) . 
[2] أحكام القرآن ، أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي ( دار المعرفة بيروت ، بدون تاريخ ) . 
[3] أحكام القرآن ، عماد الدين بن محمد الطبري المعروف بإلْكِيا الهراسي ( دار الكتب العلمية _ بيروت _ 1422هـ_2001م ) .
[4] المفردات في غريب القرآن ، الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني ( دار المعرفة ، بيروت ، ط1 ، 1418هـ_1998م ) . 
 [1] تدريب الراوي ، الحافظ جلال الدين السيوطي ( دار الكتب الحديثة ، القاهرة ، ط2  1285هـ_1966م) .
[2] التلخيص الحبير ، أحمد بن حجر العسقلاني ، تصحيح وتنسيق عبد الله هاشم اليماني بالمدينة المنورة ( 1384هـ_1964م ) .  
[3] سبل السلام شرح بلوغ المرام ، محمد بن اسماعيل الصنعاني (دار الكتاب العربي، ط6  1412هـ _1991م ) .    
[4] سنن ابن ماجه ، محمد بن يزيد القـزويني  ( المكتبة الإسلامية ، استانبول بدون تاريخ ) .
[5] سنن أبي داود ، سليمان بن الأشعث السجستـاني  ( دار الحديث ، القاهرة 1408 هـ ) .  
[6] سنن البيهقي ، أحمد بن الحسين بن علي البيهقي  ( دائرة المعارف العثمانية ، حيدر آباد الدكن ، الهند ، ط1 ، 1352هـ ) . 
ـ56ـ
[7] سنن الترمذي ، محمد بن عيسى  الترمذي ، تعليق عزت عبيد الدعاس ( مطبعة الأندلس حمص ، ط1،1386هـ _ 1966م ) . 
[8] سنن الدار قطني ، علي بن عمر الدارقطني ، تعليق محمد شمس الحق آبادي ( دار المحاسن ، القاهرة ، 1386هـ _ 1966م ) . 
[9] سنن النسائي ، أحمد بن شعيب النسائي ، عناية عبد الفتاح أبو غدة ( دار البشائر الإسلامية ، بيروت ، ط1 ، 1406هـ _ 1986م ) . 
[10] صحيح البخاري ، محمد بن اسماعيل البخاري ، عناية د/ البغا ( دار ابن كثير ،   دمشق ، ط4 ، 1410هـ _ 1990م ) .
[11] صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج القشيري ، تحقيق خليل شيحا ( دار المعرفة ، بيروت ، ط3 ، 1417هـ _ 1966م ) . 
[12] الغاية شرح الهداية ، الحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوي ، تحقيق محمد سيدي الأمين ( دار القلم ، دمشق ، ط1 ، 1413هـ_1993م) . 
[13] فتح الباري ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( دار الريان للتراث ، القاهرة ،ط2  1409هـ_1988م ) . 
[14] فيض القدير ، عبد الرؤوف المناوي ( دار المعرفة ، بيروت ط2 ، 1391هـ _ 1972م ) .
[15] المصنف في الأحاديث والآثار ، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ( دار الكتب العلمية بيروت ، ط1416هـ _1995م ) .  
[16] نيل الأوطار ، محمد بن علي الشوكاني ( دار الجيل ، بيروت ) .  
رابعـاً : مصـادر الفقـه .
1_ الفقه الحنفي :
[1] الاختيار لتعليل المختار ، عبد الله الموصلي ( مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، ط2 القاهرة ، 1370هـ _ 1951م ) . 
[2] بدائع الصنائع ، علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني  ( دار الكتاب ، بيروت ، ط2 ، 1402هـ _ 1982م ) .
ـ57ـ

[3] الدر المختار ، محمد بن علي الحصكـفي  ( مكتبة مصطفى البابي الحلبي ، مصر،ط2  1386هـ _ 1966م ) . 
[4] رد المحتار على الدر المختار ، محمد أمين بن عابدين  ( مكتبة مصطفى البابي الحلبي  مصر ، ط2 ، 1386هـ _ 1966م ) . 
[5] فتح القدير ومعه شروح الهداية ، الكمال ابن الهمام محمد بن عبد الواحد ( دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، بدون تاريخ ) .
[6] الفتاوى الهندية ، حسن بن منصور الفرغاني  ( دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط4 ، بدون تاريخ ) . 
[7] المبسوط ، شمس الدين السرخسي ( دار المعرفة ، بيروت ، 1414هـ _ 1993م ) .
2_ الفقه المالكي :
[1] بـداية المجتهـد ، محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي ، تحقيق عبد المجيد طعمه 
( دار المعرفة بيروت ط1 ، 1418هـ _ 1997م ) . 
[2] بلغة السالك على الشرح الصغير ، الشيخ أحمد الصاوي ( دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1415هـ_1995م ) . 
[3] تبصرة الحكـام ، ابراهيم بن محمد بن فرحـون  ( دار الكتب العلمية ، بيروت 1422هـ_2001م ) . 
[4] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، محمد بن عرفه الدسـوقي  ( دار الكتب العلمية ، بيروت ط1 ، 1417هـ _ 1996م ) . 
[5] حاشية العدوي على شرح الرسالة ، علي الصعيدي العدوي ( دار الفكر ، بيروت ) .
[6] الذخيره ، أحمد بن ادريس القرافي ، تحقيق د/ محمد حجي ( دار الغرب الإسلامي بيروت ، ط1 ، 1994م ) . 
[7]قوانين الأحكام الشرعية،محمد بن أحمد بن جزي الكلبي (دار العلم للملايين،بيروت ، 1979م). 
[8] المقدمات الممهدات ، ابن رشد ( دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1423هـ_2002م ) . 
[9] منح الجليل ، محمد عليش ( دار الفكر ، بيروت ، ط1 ، 1404هـ_1984م ) . 
ـ58ـ
3_ الفقه الشافعي :
[1] الأحكام السلطانية ، أبو الحسن علي بن محمد الماوردي ( القاهرة ط1 عام 1327هـ _ 1909م ) .
[2] أسنى المطالب _ وبهامشه حاشية أحمد الرملي _ ، أبو يحيى زكريا الأنصاري ( دار الكتاب الإسلامي ، القاهرة ، بدون تاريخ ) . 
[3] الأشباه والنظائر في فروع الشافعية ، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي  ( مكتبه مصطفى البابي حلبي ، الطبعة الأخيرة ، 1378هـ_ 1959م ) .
[4] الأم ، محمد بن إدريس الشافعي ( دار الفكر ، بيروت ط1 ، 1400هـ _ 1980 م ) .
[5] البيان شرح المهذب ، أبو الحسين يحيى العمراني اليمني ( دار المنهاج ، جده ، ط1، 1421هـ _2000م )  
[6] تحفة الحبيب على شرح الخطيب ، سليمان البجيرمي ( مكتبة مصطفى البابي الحلبي ، القاهرة ، الطبعة الأخيرة ، 1370هـ _1951.
[7] حاشية القليوبي وعميرة على شرح المنهاج ( م عيسى البابي الحلبي ، القاهرة ) . 
[8] الحاوي ، أبو الحسن علي بن محمد الماوردي( دار الكتب العلمية ، بيروت 1419هـ _ 1999م ) .  
[9] روضة الطالبين وعمدة المفتيين ، يحيى بن شرف النووي  ( المكتب الإسلامي ، بيروت ودمشق ط2 ، 1405هـ _ 1985م ) . 
[10] كفاية الأخيار،أبو بكر محمد الحسيني الحصني الدمشقي(م عيسى البابي الحلبي،القاهرة ).  
[11] مغني المحتاج ، محمد بن محمد الشربيني ، بعناية محمد خليل عيتاني ( دار المعرفة ، بيروت ، ط1 ، 1418هـ _ 1997م ) .
[12] المهذب ، أبو إسحاق الشيرازي ( مطبعة عيسى البابي الحلبي ، القاهرة ) .  
[13] نهاية المحتاج ، محمد بن أحمد الرملي  ( مكتبة مصطفى البابي الحلبي ، القاهرة ، الطبعة الأخيرة ،1386هـ _ 1997م ) . 
4_ الفقه الحنبلي :
[1] أعلام الموقعين ، ابن قيم الجوزية ( دار الجيل ، بيروت ، 1973م ) . 
[2] الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ، علي بن سليمان المرداوي ، تحقيق محمد حسن الشافعي ( دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1418هـ _ 1997م ) . 
ـ59ـ

[3] دقائق أولي النهى (شرح منتهى الإرادات ) ، منصور البهوتي، تحقيق د/ عبد الله التركي(مؤسسة الرسالة ، بيروت ط1 ، 1421هـ _ 2000م ) .  
[4] الفروع ، محمد بن مفلح المقدسي ، تحقيق حازم القاضي ( دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1418هـ _ 1997م ) . 
[5] كشاف القناع ، منصور البهوتي ، تحقيق محمد حسن الشافعي ( دار الكتب العلمية ، بيروت ط1،1418هـ_1997م ) .
[6] الكافي ، عبدالله بن محمد بن قدامه المقـدسي  ( المكتب الإسلامي ، بيروت ، بدون تاريخ ) . 
 [7] المغني ، عبد الله بن محمد بن أحمد بن قدامه المقدسي ، تحقيق : د/ عبد الله التركي و د/ عبد الفتاح الحلو . ( دار هجر ، القاهرة ، ط2 ، 1410هـ_1989م ) .    
خامساً : مصادر الفقه الظاهري .
[1] المحلى،علي بن أحمد الأندلسي ابن حزم (دار الآفاق الجديدة ،بيروت ،بدن تاريخ) .
سادساً : كتب فقهية معاصرة .
[1] الفقه الإسلامي وأدلته ، د/ وهبة الزحيلي ( دار الفكر ، دمشق ، ط3 ، 1409هـ 1989م ). 
[2] المدخل الفقهي العام ، الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء ( دار الفكر ، دمشق ، ط9 ، 1967م ) .  
[3] الموسوعة الفقهية الكويتية ( وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الكويت ) . 
[4] مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ( الرياض ، العدد الثلاثون ) . 
سابعاً : كتب في الولاية والقضاء . 
[1] التراتيب الإدارية ، الشيخ عبد الحي الكتاني ( دار الكتاب العربي ، بيروت ) . 
[2] الغياثي ، إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني ( دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1417هـ_1997م) . 

ـ60ـ
[ 3] درر الحكام شرح مجلة الأحكـام ، علي حيدر ( دار الجيل ، بيروت ، ط1 ، 1411هـ_1991م ) .
[4] السلطة القضائية في الإسلام ، د/ شوكت محمد عليان ( دار الرشيد ، الرياض ، ط1  1402هـ_1982م ) .  
[5] القواعد والضوابط الفقهية لنظام القضاء في الإسلام ، د/ ابراهيم الحريري ( دار عمار عمان ، بيروت ، ط1 ، 1420هـ_1999م ) . 
[6] القضاء في الإسلام ، د/ محمد عبد القادر أبو فارس ( دار الفرقان ، عمان ، ط3 ، 1404هـ_1984م ) . 
[7] معالم القربة في أحكام الحسبة ، محمد بن محمد القرشي المعروف بابن الإخوة ( الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ط1976م ) . 
[8] نظام القضاء في الإسلام ، د/ عبد الكريم زيدان ( مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط3 ، 1423هـ_2002م ) . 
[9] نظام القضاء في الإسلام ، مجموعة من الباحثين( ط جامعة الإمام محمد بن سعود ، الرياض) . 
[10] نظام القضاء في المملكة العربية السعودية الصادر بتاريخ 14/7/1395هـ والمنشور في مجلة العدل ( العدد : 22 ) . 
ثامناً : مصادر اللغة .

[2] القاموس المحيط ، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي  ( دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط1 ، 1417هـ _ 1997م ) .
[3] لسـان العرب ، محمد بن مكرم بن منظـور  ( دار صادر ، بيروت ، ط1 ، 1410هـ_1990م ) 
[4] المصباح المنير ، أحمد بن محمد بن علي الفيـومي  ( دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1، 1414هـ _ 1994م ) .
تاسعاً : كتب في التاريخ والتراجم . 
[1] الإصابة في تمييز الصحابة ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني( دار الكتاب العربي ، بيروت) .  
ـ61ـ
[2] حلية الأولياء ، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ( دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط5 ، 1407هـ_1987م ) . 
[3] سير أعلام النبلاء ، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( مؤسسة الرسالة ، بيروت ،ط4  1406هـ_1986م ) . 
[4] مقدمة ابن خلدون ، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون ( المكتبة العصرية ، بيروت ، ط2 ، 1416هـ_1996م ) . 


تعليقات