القائمة الرئيسية

الصفحات



العقوبات الشرعية على الجرائم والجنايات

العقوبات الشرعية على الجرائم والجنايات

العقوبات الشرعية على الجرائم والجنايات      




العقوبات الشرعية على الجرائم والجنايات      
القســــــــــم العــام 
دراســة مقارنـــة 
بالقانون 



إعــداد 
د / فهد بن حمود العصيمي 





                                  بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة 
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: 
لاشك أن موضوع تنظيم العقوبات على الجرائم  يستحق العناية الكبرى وخاصة في وقتنا الحاضر الذي انصرفت فيه أكثر البلاد الإسلامية عن تحكيم كتاب الله وسنة  رسوله صلى الله عليه وسلم   التي تحقق الأمن والاطمئنان لكل من حكّمها ، وان هؤلاء الذين طــبقوا القـوانين الوضـعـية بدل الأحكام الشرعية يدّعون أن الشريعة فيها قسوة ووحشية تجاه هـؤلاء الـمجـرمين كالـقاتل والســارق والزاني وشارب الخمر لأنهم مرضى ويحـتاجـون إلى عـلاج دون  ما حكمت به الشـريعة عليهم . وهذا ما حـرص عـليـه أعـداء الإسلام حـتى  يوقــعـوا المسلمين في مشاكل لا نهاية لـها كـما هـو مشـاهـد الآن فـي بعض بلاد المسلمين والتي تحـكّم القوانين الوضعية .
ولكن نعوذ بالله من رين الذنوب وحجبها للقلوب وآلا فكيف يتركون كتاب الله الذي أنزل من فوق سبع سماوات ومن رب عالم بأحوالهم  وتصرفاتهم فلا يصف الدواء إلا من عرف الداء 
قال تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) (1) .قال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) (2) .وقال صلى الله عليه وسلم ( تركتكم على  البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها  بعدي إلا هالك ) (3) .ومــن أهــمــية هــذا البحـث أنـه يتضـمـن الـقـواعـد والنظريات العامة  كـالـقــواعــد الـتـي تـتـصــل بـبـيــان أنـواع الـجـــرائـم وأنواع العـقـوبات  والـقـواعــد 
التي تؤدي إلي صلاح  أحوال الناس في دينهم ودنياهم وآجرتهم وان اتبعوها توفر لهم الأمن والطمأنينة  والسلام .                    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
 
    الباحث /د/فهد بن حمود العصيمي 
(1) الأنعام : آية 38 .    (2) المائدة : آية 3 .
(3) رواه ابن ماجه و أحمد رقم 43 وفي مسند أحمد ج4ص126.

                                 ــ 3  ــ

تعريف الشريعة الإسلامية 

قال في القاموس :
الشريعة ما شرع الله تعالى لعباده  و الظاهر المستقيم من المذاهب كالشرعة بالكسر منها والعتبة ومورد الشاربة كالمشرعة وتضم راؤها (1) .
وفي تهذيب الصحاح :
  الشريعة مشرعة الماء وهو مورد الشاربة والشريعة ما شرع الله لعباده من الدين 
والشارع الطريق الأعظم ويقال شرعك هذا أي حسبك والناس في هذا الأمر سواء يحرك ويسكن والشرعة بالكسر الشريعة . (2) 
وفي لسان العرب :
والشـريعة والشـراع والمشـرعة المـواضع التي ينـحدر منها  الـماء  ، قـال الليث وبهـا سمي ما شرع الله للعـباد شـريعـة مـن الصـوم والصلاة والحج والنكاح وغيره . (3) 
أما عن نشأة الشريعة 
فإنها لم تكن قواعد قليلة ثم كثرت ولا مبادئ متفرقة ثم جمعت ولم تولد الشريعة طفلة ثم تطورت وسايرت الزمن وإنما ولدت متكاملة ونزلت من عند الله جامعة مانعة أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم في فترة قصيرة لاتجاوز المدة اللازمة لنزولها ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) (4) .
ولم تأت الشريعة لجماعة دون جماعة أو قوم دون قوم بل جاءت رسالتها عامة آلي الثقلين الجن والإنس فيه شريعة كل دولة وكل أسرة وكل قبيلة فيه الشريعة التي اسـتـطاع علمـاء القانـون أن يتخيلـوهـا ولم يسـتطيعوا أن يـوجـدوهـا فهي تنظيـم
----------------------------
(1) ينظر القاموس المحيط ، الفيروزآبادي ج3 ص44 ط دار العلم للجميع .
(2) ينظر الصحاح ،  الجوهري ج3 ص1236 ط الأولى .
(3) لسان العرب ، ابن منظور - تحت مادة " شرع " .
(4) المائدة : آية 3  .



الأحوال الشخصية والمعاملات بين الدول وبين سائر أفراد الشعب .
وقد صيغت الشريعة بحيث لا يؤثر عليها مرور الزمن ولا يبلى جدتها ولا يقضى تغيير قواعدها  العامة ونظرياتها الأساسية فجاءت نصوصها من العموم والمرونة بحيث تحكم كل حالة جديدة ولم يكن في الإمكان توقعها  ومن ثم كانت نصوصها غير قابلة للتعبير ولا للتبديل كما تتغير القوانين  الوضعية لتساير الزمن وتتطور معه (1) .


ـ 5  ــ 
تعريف القانون ومنشؤه
القانون هو تلك النظريات والقواعد التي تنظمها جماعة من الجماعات وفقا لتفكيرهم وأمزجتهم .
أما عن نشأة القانون : -
( فإنه ينشأ في الجماعة فتزداد قواعده وتكثر نظرياته كلما ازدادت حاجات الجماعات في تفكيرها وعلومها .
ويضع قواعد القانون الأشخاص المسيطرون على الجماعات وهم اللذين يقومون بتهذيب هذه القواعد وتغيرها فالجماعة إذن هي التي تخلق القانون وتصنعه على الوجه الذي يسد حاجاتها وهو تابع لها وتقدمه مرتبط بتقدمها .
وقد بدأ القانون يتكون كما يقول علماء القانون مع تكون الأسرة في العصور الأولى ثم تطور بتكون القبيلة ، ثم تطور الدولة ثم بدأت المرحلة الأخيرة من التطور في أعقاب القرن الثامن عشر على هدي النظريات الفلسفية والاجتماعية فتطور القانون الوضعي من ذلك الوقت حتى أصبح قائما على نظريات ومبادئ لم يكن لها وجود في العصور السابقة ) (1) .

الفــرق بين الشـريعة والقانون 

أساس الفرق بين الشريعة والقانون هو أن الشريعة من عند الله عز شأنه وهو القائل ( لاتبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ) (1) .
وهو عالم الغيب الأقدر على أن يضع للناس نصوصا تبقى صالحة على مر الزمان .
أما القوانين فمن وضع البشر وتوضع بقدر ما يسد حاجاتهم الوقتية وبقدر قصور البشر عن معرفة الغيب تأتي النصوص القانونية قاصرة عن حكم ما لم يتوقعوه ، ولقد جاءت الشريعة من يوم نزولها بأحدث النظريات التي وصل إليها أخيرا القانون الوضعي مع أن القانون أقدم من الشريعة بل جاءت الشريعة من يوم نزولها بأكثر مما وصل إليه القانون الوضعي وحسبنا أن نعرف أن كل ما يتمنى رجال القانون اليوم أن يتحقق من المبادئ موجودة في الشريعة من يوم نزولها . (2) 
والشريعة شاملة كاملة لجميع متطلبات الفرد والجماعة وميزتها العموم لجميع الناس حيث إنها منبثقة من الدين الإسلامي العالمي العظيم وذلك بخلاف القانون الوضعي الإقليمي القومي . واليك التفصيل .


مميزات الشريعة



المميزات الجوهريـة التي تميز الشـريعة عن القانون ونسـتطيع تلخيصها بأربعة مميزات :ـ
1 - الكمال :
تمتاز الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية بالكمال أي بأنها استكملت كل ما تحتاجه الشريعة الكاملة من قواعد ومبادئ ونظريات وأنها غنية بالمبادئ والنظريات التي تكمل سد حاجات الجماعة في الحاضر القريب والمستقبل البعيد .

2 - السمو :
تمتاز الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية بالسمو أي أن قواعدها ومبادئها أسمى دائماً من مستوى الجماعة وأن منها من المبادئ والنظريات ما يحفظ لها هذا المستوى السامي مهما ارتفع مستوى الجماعة .

3 - الدوام :
تمتاز الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية بالدوام أي بالثبات والاستقرار فنصوصها لا تقبل التعديل والتبديل مهما مرت الأعوام وطالت الأزمان وهي مع ذلك تظل حافظة لصلاحيتها في كل زمان ومكان .
هذه هي المميزات الجوهرية للشريعة الإسلامية وهي على تعددها وثباتها ترجع إلي أصل واحد نشأت عنه جميعاً بحيث يعتبر كل منها أثر من آثاره . (1) 

4 - العالمية :
أي إنها للثقلين الجن والإنس . وهذه المميزات مبنية على هذه النظريات العظيمة التي أرست الشريعة دعائمها منذ أربعة عشر قرناً ـ وإليك هذه النظريات مختصرة من كتاب التشريع الجنائي لعبدالقادر عوده تثبت تميّز وتفوّق الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية تفوقاً يثبت أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ولكل مكان .

(1) ينظر التشريع الجنائي / عبدالقادر عودة ج 1 ص 24 .




ــ 8  ــ 
1 - نظرية المساواة بين الناس عامة:
جاءت الشريعة الإسلامية من وقت نزولها بنصوص صريحة تقرر نظرية المساواة وتفرضها فرضاً.( قال تعالى [ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ](1)). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( الناس سواسية كأسنان المشط الواحد لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) (2) .
فهذه هي المساواة بين الناس كافة أي على العالم كله فلا فضل لفرد على فرد ولا لجماعة على جماعة ولا لجنس على جنس ولا للون على لون ولا لسيد على مسود ولا لحاكم على محكوم وهكذا إلا بالتقوى والصلاح والقرب من الله تعالى . وقد نزلت نظرية المساواة على الرسول وهو يعيش في قوم أساس حياتهم وقوامها التفاضل بالمال والجاه والشرف واللون ويتفاخرون بالآباء والأمهات والقبائل والأجناس فلم تكن الحياة الإجتماعية وحاجة الجماعة هي الدافعة لتقرير نظرية المساواة وإنما كان الدافع لتقريرها هو رفع مستوى الجماعة ودفعهم نحو الرقي والتقدم كما كان الدافع لتقريرها من وجه آخر ضرورة تكميل الشريعة بما تقتضيه الشريعة الكاملة الدائمة من مبادئ ونظريات حتى تكون مرنة شاملة متطورة مع تطور العصر واختلافه ، وإذا كانت نظرية المساواة قد عرفت بالشريعة الإسلامية من أربعة عشر قرناً فإن القوانين الوضعية لم تعرفها إلا في أواخر القرن الثامن عشر وإذن قد سبقت الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية في تقرير المساواة باثني عشر قرناً ولم تأت القوانين الوضعية بجديد حين قررت المساواة وإنما سارت في أثر الشريعة واهتدت لهداها . بينما لم تطبق القوانين الوضعية تطبيقاً يلائم جميع الأفراد كما في الشريعة الإسلامية وسيأتي له بيان إن شاء الله .
ـ نظرية مساواة المرأة بالرجل :
لقد رفع الإسلام من شأن المرأة من مدة أربعة عشر قرناً بعدما كانت تقتل بدفنها وهي حية وتورث إذا مات زوجها . ولكن عدالة الإسلام وفضله جعل لها حقوقاً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الحجرات : آية 13 .
(2) ينظر في معنى الحديث مسند أحمد  / باقي مسند الأنصار  / رقم 23391 

-9-
وواجبات تساوي الرجل فلها مثل ما له وعليها مثل ما عليه وهي تلتزم للرجل بما يقابل التزامه لها لقوله تعالى "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" (1) ولكن الشريعة مع تقريرها 
المساواة بينهما فهناك قاعدة عامة ميزت الرجل على المرأة بميزة واحدة فجعلت له على المرأة درجة من قوله تعالى "وللرجال عليهن درجة" (2) وبينها القرآن بقوله ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) (3) فبين أن الدرجة هي الرئاسة والقوام على شئونهما المشتركة ولا شك أن الرجل هو المكلف طبقاً للشريعة بالإنفاق على المرأة وتربية الأولاد والمسئول الأول عن الأسرة أحق بالرئاسة والقوامة على شئون الأسرة المشتركة بسبب تكلفة الذهاب والإياب للرزق والإنفاق عليهم فإذا وجدت الأسرة على هذه الكيفية انطبق قول الرسول ( كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته ) (4) ومع ذلك فليس للرجل عليها أي سلطان في حقوقها الخاصة فهي تستطيع أن تمتلك الحقوق وتتصرف فيها دون أن يكون للرجل ولو كان زوجاً أو أباً أن يشرف عليها أو                             
يتدخل في أعمالها .
 فمساواة المرأة بالرجل من ضرورات تكميل لشريعة وتمييزهاعلىغيرها مع تقدم العصر واختلاف أهله .
وهذا مما يميز الشريعة ويفوقها على القوانين الوضعية التي لم تسمح بالتسوية بينهما إلا في القرن التاسع عشر وان بعضها يمنع النساء إلي اليوم من التصرف في شئونهن الخاصة إلا بإذن أزواجهن .
2 - نظرية الحرية :
  1 - الحرية في التفكير
أعلنت الشريعة الإسلامية الحرية للعقل في أن يفكر ويتأمل في كل شيء فيعرضه على عقله فإن آمن به كان محل إيمان وإن كفر به كان محمل كفران 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة : آية 228 .
(2) البقرة : آية 228 .
(3) النساء : آية 34  .
(4) رواه البخاري / كتاب الجمعة / رقم الحديث 893  ورواه مسلم / في كتاب الإمارة / رقم الحديث 
     3408  .






ــ 10 ــ 
ــــــــــــــــــــــــــ
ولقد قامت الشريعة الإسلامية على أساس العقل في إثبات وجود الله وإقناع الناس بالإسلام وحملهم على اعتناقه ـ قال تعالى ( إن في خلق  السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) (1) .

  2 - الحرية في الاعتقاد
الشريعة هي أول شريعة أباحت حرية الاعتقاد وعملت على صيانة هذه الحرية وحمايتها إلي آخر الحدود فلكل إنسان طبقاً للشريعة الإسلامية (( إذا كان من أهل الذمة إلا يجبر على الدخول في الإسلام ما دام يدفع الجزية وله ممارسة عقيدته بالطريقة التي فصلها فقهاء المسلمين على مر العصور والأزمان )) (2) لقوله تعالى ( لا إكراه في الدين ) (3) وقوله تعالى ( ما على الرسول إلا البلاغ المبين ) (4) فهذه الميزة من كمال الشريعة الإسلامية حتى يحس أهل الأديان الأخرى بسماحتها وإنها لا تكلف نفساً إلا وسعها فيدخلون فيها راضين آمنين غير مكرهين .

  3 - حرية القول

أباحت الشريعة حرية القول وجعلتها حقاً لكل إنسان بل جعلت القول واجباً على الإنسان في كل ما يمس الأخلاق والمصالح .
قال تعالى( ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) (5) . 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الـبــقــرة : آية 164 .
(2) ما بين القوسين من كلام الباحث .
(3) الـبــقــرة : آية 256 .
(4) الـــنــــور : آية 54   .
(5) آل عمران : آية 104 .                                                                                             


ــ 11 ــ 
ــــــــــــــــــــــــــ
ويمثله قوله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكراً فليغيره بيده فإن لم
يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) (1) . 
فلكل إنسان الحرية في أن يدافع بقلمه ولسانه بحرية ما يعتقد بشرط عدم الخروج عن حدود الآداب والأخلاق أو مخالفة النصوص الشرعية.
 ومن هنا يتبين صلاحية الشريعة وتميزها عن القوانين الوضعية لأن القوانين تنقسم إلي قسمين في حرية القول .
قسم يرى حرية القول دون التقيد إلا فيما يمس النظام العام وهؤلاء لا يعطون الأخلاق أي اهتمام .
وقسم يرى تقييد حرية الرأي في كل ما يخالف رأي الحاكمين ونظرتهم للحياة وتطبيق رأي هؤلاء يؤدي إلي الكبت للآراء وإبعادها عن المشاركة في هذا المجال مما يؤدي إلي النزاع والثورات .
3 - نظرية الحرية :
جاءت الشريعة الإسلامية مقررة لمبدأ الشورى في قوله تعالى ( وأمرهم شورى بينهم )  (2) وقوله تعالى "وشاورهم في الأمر ) (3) فهذه النظرية من متطلبات الشريعة الإسلامية ومن مميزاتها ومن كمالها لما يظهر من عموم النصين في جميع الأزمنة والأمكنة يعضد ما قلناه من أنها تتميز بالدوام وأنها لا تقبل التبديل والتغيير .
وكان أول من سن سنة الشورى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل أصحابه صلى الله عليه وسلم بهذه السنة .
عمل الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه السنة لما علم باستعداد قريش لغزوة أحد وأنهم أقبلوا إلي المدينة ونزلوا قريباً من جبل أُحد فجمع صلى الله عليه وسلم أصحابه واستشارهم أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة ، وكان رأيه أن لا يخرجوا من المدينة وأن يتحصنوا بها فإن دخلوهـا قاتلهم المسـلمون على أفواه الأزقة والنسـاء من فوق البيوت ووافقـه 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم في الإيمان ، وفي مسند أحمد ج 3 ص 10 ، 20 ، 92 .
(2) الشورى : آية 38 .

(3) آل عمرتن : آية 159 .
ــ 12 ــ 
على هذا الرأي بعضهم وأشار عليه بعضهم بالخروج وألحّوا عليه ، فكان رسول الله أول من وضع رأي الأكثرية موضع التنفيذ فخرج لملاقاة العدو .
ولقد سبقت الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية في تقرير مبدأ الشورى بأربعة عشر قرناً حيث لم تعترف هذه القوانين بمبدأ الشورى إلا بعد الثورة الفرنسية اللهم فيما عدا القانون الإنجليزي فقد عرف مبدأ الشورى في القرن السابع عشر .
وقانون الولايات المتحدة الذي أقر المبدأ بعد منتصف القرن الثامن عشر ، أما القانون الفرنسي فقد أخذ بمبدأ الشورى في آخر القرن الثامن عشر وعلى أثر ذلك انتشر مبدأ الشورى وأخذت به معظم القوانين في القرن التاسع عشر . فالقوانين الوضعية حيث قررت مبدأ الشورى لم تأت بجديد وإنما انتهت إلي ما بدأت به الشريعة الإسلامية حيث قررت مبدأ الشورى وصدق قول الله العظيم ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) (1) . 

وهناك بعض النظريات التي أقرتها الشريعة الإسلامية من مدة أربعة عشر قرناً كنظرية تقييد الحاكم وإلزامه بحدود لا يتعداها ولا ينقص منها شيئاً خشية أن يظلم رعيته وألزم الشارع الرعية بالسمع والطاعة لولي أمرهم كما قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) (2) حتى يعيش كلا الطرفين من حاكم ومحكوم في رضاء ومحبة وأمن واطمئنان وتسود الحرية ويأمن الناس على أموالهم وأنفسهم . ونرى القوانين تسير في تقرير هذه النظرية على هدي من الشريعة فتجعل الحد بين الحاكم والمحكوم الدستور الوضعي الذي يبين حقوق الأفراد والجماعات والحكام ، فقد سبقت الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية بأربعة عشر قرناً بتلك النظرية مما يدل على صلاحية الشريعة في كل زمان ولكل مكان .
ـــــــــــ




وكنظرية الطلاق :فإن الشريعة الإسلامية أباحت للرجل أن يطلق امرأته وإن لم يكن هناك سبب لتطليقها ، وأباحت للمرأة أن تطلب من القضاء أن يطلقها على الزوج إذا أثبت أنه يضارها ضرراً مادياً أو أدبياً .
وإنما جعل الشارع الطلاق في يد الرجل لأنه صاحب الرياسة والقوامة فيما يتعلق بالشئون الزوجية وعليه تقع أعباء المعيشة .
وهذا في منتهى الدقة والإحكام حيث وجد الطلاق في الشريعة الإسلامية على هذه الكيفية خوفاً من وقوع الشقاق والنزاع وحرصاً من الشريعة على حفظ كرامة كل منهما .
وهذا مما يثبت تفوق الشريعة على القوانين الوضعية حيث أن بعضها تحرم الطلاق كلياً . وأخرى تجعل الطلاق في يد الزوجة مما يسبب المشاكل وكثرة الطلاق لسرعة انفعال المرأة وعدم تحملها الكوارث .
وهذا مما يثبت تفوق الشريعة على القوانين الوضعية حيث أنها غير قابلة للتبديل والتغيير وصدق قول الله العظيم ( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) (1) .

وكنظرية تحريم الخمر :
حرمت الشريعة الإسلامية الخمر تحريماً مطلقاً وجعلت عقوبة تناول الخمر من الحدود المقدرة التي لا يجوز لولي الأمر العفو عنها ولا عن الجريمة التي وضعت لها ولا يجـوز للقاضي أن يخفضـها أو يسـتبدل بهـا غـيرها أو يوقـف تنفيـذها ، قـال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ـ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) (2) . ومما يظهر من نصوص تحريـم الشريعة للخمر إنها عامة مرنـه مما جعلها صالحة لكل زمان
ـ

ويستطيع الأنسان أن يرى أثر الدعوة إلي تحريم الخمر ظاهراً في التشريعات التي ظهرت في       القرن الحالي فالولايات المتحدة أصدرت من عدة سنوات قانوناً يحرم الخمر تحريماًتاماوالهند أصدرت من عامين قانوناً مماثلاً وهاتان الدولتان الوحيدتان اللتان حرمتا الخمر تحريماً باتاً
 أما أكثر الدول فقد استجابت للدعوة استجابة جزئية فحرمت تقديم الخمر أو تناولها في المحلات العامة في أوقات معينة من النهار كما حرمت تقديمها أو بيعها لمن لم يبلغوا سنا
 معينة.
 ويتبين من ذلك أن العالم قد بدأ يأخذ بنظرية الشريعة الإسلامية في تحريم الخمر نظراً للمصلحة العامة فسجل العالم على نفسه بذلك أنه استجاب للحق بعد أن ظل يدعى إليه أربعة عشر قرناً فلا يجيب ، وصدق قول الله العظيم حينما يخاطب نبيه العظيم بقوله ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (1) . (*) 

وهناك بعض النظريات التي أختصرنا الكلام فيها والتي لو تقصيناها لاحتاجت إلي مؤلفات عديدة ولعل ما ذكر فيه الكفاية والتعرف على شريعتنا الغراء بأنها صالحة لكل زمان ومكان فهل آن للسادرين في غيهم الضالين في تفكيرهم أن يرجعوا إلي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليجدوا فيها العلاج الواقي لما يعانونه من المصائب والمشاكل حتى ينعموا بالعز والكرامة والسيادة بمشيئة الله تعالى.


الإختلافات الأساسية بين الشريعة والقانون


تختلف الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية اختلافاً أساسياً من ثلاثة وجوه :ـ

الوجه الأول :
إن الشريعة من عند الله أما القانون فمن وضع البشر وكلا الشريعة والقانون يتمثل فيه بجلاء صفات صانعه ، فالقانون من وضع البشر ، ويتمثل فيه نقص البشر وعجزهم وضعفهم وقلة حيلتهم ومن ثم كان القانون عرضة للتفكير أو ما نسميه التطور كلما تطورت الجماعة إلي درجة لم تكن متوقعة أو وجدت حالات لم تكن منتظـرة ، فالقانون ناقص دائماً ولا يمكن أن يبلـغ حـد الكمال مادام صانعه لا يمكن أن يوصف بالكمال ولا يستطيع أن يحيط بما سـيكون وان اسـتطاع الإلمام بما كان ، أما الشـريعـة فصانعها هو الله وتتمثل فيه قدرة الخالـق وكمالـه وعظمته بما كان وبما هو كائن ومن ثم صاغها العليم الخبير بحيث تحيط بكل شيء في الحال والاستقبال .

الوجه الثاني :
إن القانون عبارة عن قواعد مؤقتة تضعها الجماعة لتنظيم شؤونها وسد حاجاتها فهي قواعد متأخرة عن الجماعة أو هي في مستوى الجماعة اليوم ومختلفة عنه غداً لأن القوانين لا تتغير بسرعة تطور الجماعات وهي قواعد مؤقتة تتفق مع الجماعة المؤقتة وتستوجب التفكير كلما تغير حال الجماعة .

أما الشريعة فقواعدها وضعها الله على مر الدوام لتنظيم شئون الجماعة ، فالشريعة تتفق مع القانون في أن كليهما وضع تنظيم الجماعة ، ولكن الشريعة تختلف عن القانون في أن قواعدها دائمة ولا تقبل التبديل ولا التغيير وهذه الميزة التي تمتاز بها الشريعة تقتضي منطقين :


أولاً :
أن تكون قواعد الشريعة ونصوصها من المرونة والعموم بحيث تتسـع لحاجات الجماعة مهما طالت الأزمان وتطورت الجماعة وتعددت الحاجات وتنوعت .

ثانياً :
أن تكون قواعد الشريعة ونصوصها من السمو والارتفاع بحيث لا يمكن أن تتأخر في وقت أو عصر عن مستوى الجماعة .
فخـذ مثـلاً بعـض الأمثـلة قـال تعـالى ( وشـاورهــم في الأمـر) (1) وقـال تعالـى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) (2) .
وقال صلى الله عليه وسلم  ( لاضرر ولا ضرار في الإسلام ) (3) ، فهذه نصوص من القرآن والسنة بلغت من العموم والمرونة الحد الأقصى وهي تقرر الشورى قاعدة للحكم على الوجه الذي ينتفي معه الضرر والاثم ويحقق التعاون على البر والتقوى وبهذا بلغت الشريعة من السمو ما يعجز البشر عن الوصول لمستواه .

الوجه الثالث :
أن الغرض من الشريعة هو تنظيم الجماعة وتوجيهها والأفراد الصالحين وإيجاد الدولة المثالية والعالم المثالي ومن أجل ذلك جاءت نصوصها أرفع من مستوى العالم كله وقت نزولها ولا تزال كذلك حتى اليوم وجاء فيها من المبادئ والنظريات ما لم يتهيأ هذا العالم لمعرفته أو يصل إليه حتى الآن ومن أجل هذا تولى الله جل شأنه وضع الشريعة وأنزلها نموذجاً من الكمال ليوجه الناس إلي الطاعات والفضائل ويحملهم على التسامي والتكامل حتى يصلوا أو يقتربوا من مستوى الشريعة الكامل أما القانون فالأصل فيه أنه يوضع لتنظيم الجماعة ولا يوضع لتوجيهها ومن ثم كان القانون متأخراً عن الجماعـة وتابعـاً لتطورها ولكن القانون قد تحول في القرن الحالي



تعريف الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعريف الجريمة :

لابد من تحرير معنى الجريمة واضوائها من التعبيرات العربية مثل الإثم والخطيئة والمعصية .
وأن هذه التعبيرات تتلاقى في معانيها الشرعية مع  المعاني اللغوية التي استقر عليها العرف اللغوي فلا يكاد الناس يختلفون في أن معنى الجريمة الفعل الذي يستوجب ملاما ، ولكن يجب أن يتبين معنى ذلك وأصل الاشتقاق اللغوي وارتباطه بالمعنى الشرعي في هذه الكلمات .
أصل كلمة جريمة من جرم بمعنى كسب وقطع ، ويظهر أن هذه الكلمات خصصت من القديم للكسب المكروه غير المستحسن ، ولذلك كانت كلمة جرم ويراد منها الـحمل على فعل حملا آثما ، ومن ذلك قوله تعالى (  ويا قومي لايجرمنكم شقاقي أن يصـيبكم مثل ما أصاب قوم  نوح أوقوم هود أو قوم صالح وما قوم صالح منكم ببعيد ) (1) أي لا يحملنكم حملا آثما شقاقي ومنازعتكم إيايي على أن ينزل بكم عذاب شديد مثل ما نزل بمن سبقوكم ممن شاقوا أنبياءهم  .
ومثل قول الله تعالى ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) (2) . أي لا يحملنكم حملا آثما بغضكم لقوم على أن لا تعدلوا ، ولذلك يصح أن نطلق كلمة الجريمة على ارتكاب كل ما هو مخالف للحق والعدل والطريق المستقيم ، واشتقت من ذلك المعنى إجرام وأجرموا وقد قال تعالى ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا  يضحكون ) (3) ، وقال تعالى ( كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمــون ) (4)  وقـال تعالى ( إن المجـرمين في ضلال وسـعر ) (5) ومن هذا البيان يتبين إن الجريمة في معناها اللغوي تنتهي إلي أنها فعل الأمر الذي لا يستحسن  ويستهجـن ، وأن المجرم هو الذي يقع في أمر  غير مستحسن مصـراً عـليه مستمراً فيه لايحاول تركه بل لا يرضى بتركه وذلك 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هــــود : آية 89 .
(2) المائدة  : آية 8 .
(3) المطففين : آية 29 .
(4) المرسلات  : آية 46 .
(5) القمر : آية 47 .

ــ 19 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 ليتحقق معنى الوصف إذ أن معنى الوصف يقتضي الاستمرار وإذا كانت  كل أوامر الشريعة في ذاتها مستحسنة بمقتضى حكم الشارع وبمقتضى اتفاقها مع العقل السليم ، فعصيان الله يعد جريمة ، وكذلك ارتكــاب ما نهــى الله عـنـه يعـد جـريمـة وذلك لأنـه غـير مسـتحـسـن بمـقـتـضـى حـكـم الشـارع بالنهـي وبمقـتضى حكم العقل ، لأن العقل السليم تتفق قضاياه مع قـضــايا الشــرع الإسلامي ولـذلك روي أن أعــرابياً ســئل لـمـاذا آمـنت بمحمد ، فقــال لأنــي مــا رأيت محمداَ يقـول فـي أمـر افـعـل ،  والعـقل يقول لا تفعل ، وما رأيـت محـمـداً  يقـول فـي أمــر لا تفـعــل  والعـقـل يقــول افـعـل ، وعــلى ذلــك نســـتطـيع أن نـقــــول أن الجـــريمــة فـعـــل ما نـهــى الله عــنـه وعـصــيان مــا أمــــر الله بـــه أو بـعـبارة أعــم عصـيان مــا أمــر الله بــه بحـكــم الشــــرع الشــريف .
وإن تعريف الجريمة على هذا النحو يكون مرادفـاً لتعـريف الفقهاء  لها بأنها ( إتيان فعل محرم معاقب على فعله أو ترك فعل محرم معاقب على تركه وذلك لأن الله تعالى قرر عقاباً لكل من يخالف أوامره أو نواهيه وهو أما أن يكون عقاباً دنيوياً ينـفذه الحـكام وإما أن يكون تكليفاَ دينياَ يكفر به ما ارتكب في جنب تااه و إما أن يكون عقاباَ اخرويا يتولى تنفبذه الحاكم الديان و هو خير الفاصلين جل جلاله و تقدست أسماؤه .
فكل جريمة لها في الشرع جزاء إما عاجلاَ في الدنيا و إما آجلاَ في الآخرة ويتولى الأخير رب العالمين إلا أن يتوب توبةَ نصوحا ويتغمده الله برحمته .
هذا تعريف عام وليس خاصاَ فهو يعم كل معصية وبذللك تكون الجريمة و الأثم والخطيئة بمعنى واحد لأتها جميعها تنتهي إلى أنها عصيان الله تعالى فيما أمر ونهى سواء أ كان ذلك العصيان عقوبته دنيوية أم كانت أخروية.
ولكن الفقهاء الذين ينظرون إلى المعاصي من ناحية سلطان القضاء عليها وما قررة الشارع من عقوبات دنيوية يخصصون اسم الجرائم با لمعاصي التي لها عقوبة ينفذها القضاء ، فيقول الماوردي : في كتابه الأحكام السلطانية عن تعريفها : (إنها محظورات شرعية زجر الله تعالى الأحكام عنها بحد أو تعزيز).   

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ






ــ 20 ــ 
 والحد هو العقوبات المقررة ويدخل في هذا الديات والقصاص التي قررها الشارع في مواضعها المنصوص عليها بالكتاب  أو السنة النبوية وذلك لأن هذه العقوبات محدودة ومقدرة .
والتعزير هو العقوبات التي ترك لولي الأمر تقريرها بحسب ما يرى به دفع الفساد في الأرض ومنع الشر وسمي تعزيراً لأن به تقوية الجماعة وبه حفظها إذ أن عزر معناها قوي ومن ذلك قوله تعالى : ( لأن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيآتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) (1)  وأن تعريف الجريمة على هذا النحو ينتهي إلي ما يقارب تعريف علماء القانون الوضعي لها 
فإنها في قانون العقوبات ( هي الفعل أو الترك الذي نص القانون على عقوبة مقررة له ) فإنه بمقتضى ذلك القانون لا يعتبر الفعل جريمة إلا إذا  ثمة نص على العقاب ولا عقاب من غير نص . والتعريف الشرعي الذي ذكرناه قد يفترق في ظاهره عن تعريف القانون الوضعي في التعزير ، فإنه عقوبة غير منصوص عليها في الكتاب أو السنة بقدر محدود  ولكن عن النظرة الفاحصة نجد التعريفين متلاقيين في الجملة وذلك لأن التعزيرات كلها تنتهي إلي منع الفساد ودفع الضرر وكل ذلك له أصل في الكتاب والسنة من ذلك قوله تعالى : ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) (2) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) (3)، ولأن هذه التعزيرات ترك تقديرها لولي الأمر له أن يسن العقوبات ما يراه رادعاً للناس وبذلك نستطيع أن نقرر أن أكثر ما في قانون العقوبات من عقوبات رادعة مانعة للفساد من قبيل التعزيرات وليس معنى ذلك أن هذا القانون شرعي من كل الوجوه ، فإنه سكت عن جرائم قدر لها القرآن عقاباً شديداً ، وعاقب على جرائم أخرى عقوبات ليست هي المقدرة لها في الكتاب والسنة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة : آية 12 
(2) البقرة : آية 60 
(3) أنظر سلسلة الأحاديث الصحيحة : الألباني / رقم 250 - وغاية المرام 68 .
     ورواه بن ماجه / كتاب الأحكام / رقم 2332 / وموطأ مالك / كتاب الأقضية رقم / 1234 / وفي         مسند أحمد / رقم 2719 /
                           
ــ21ــ
وأن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية ورد بها القرآن و السنة عبارات المعصية و االأثم والخطيئة فلنشر هنا إلي معاني هذه العبارات وعلاقتها بمعنى الجريمة وان كلمة معصية يلاحظ أنها تتلاقى في معناها مع تعريف الجريمة بالمعنى العام .
وذلك لأن كلمة معصية يراد بها كل أمر فيه مخالفة أمر الله ونهيه وكذلك معنى إثم ومعنى خطيئة فإنه يتلاقى أيضا مع معنى الجريمة بالتعريف الأعم لأن هذه فيها جميعاً عصيان لله تعالى ، ومخالفة للشرع وقد قرر الله لها عقاباً أخروياً أو عقاباً دنيوياً ، وإن العقاب الأخروي قد يغفره الله تعالى عند التوبة النصوح فان الله تعالى يقبل التوبة عن عباده ، وعلى ذلك تكون ألفاظ الجريمة والمعصية والخطيئة والإثم ألفاظ متلاقية في معناها ، وإن كان ثمة اختلاف في إشاراتها البيانية .
فالجريمة لوحظ فيها ما يكتسبه  المجرم من كسب خبيث ومن أمر مكروه ومستهجن في العقول ، والإثم لوحظ فيه أنه مبطئ عن الوصول إلي المعاني الإنسانية العـاليـة وذلـك لأن الإثم اسم للأفعال المبطئة ، والخطيئة في معناها أن الشر يستغرق النفس ويستـولي عـليها ، حـتى يصـدر عنها من غير قصد إليه ، ولذلك لا يجيء التعبير بالخطيئة إلا عندما يكون الشر قد استحكم في قلب إنسان في مثل قوله تعالى ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) (1) .
الأساس في اعتبار الفعل جريمة :
إن الأساس في اعتبار الفعل جريمة في نظر الإسلام هو مخالفة أوامر الدين ويلاحظ هنا أمران .
الأول :
أن أوامـر الإسلام كـلية لا جزئية فالقرآن قد نص على عقوبات عدة تبلغ ست جـرائم . البغـي ، وقطع الـطـريق ، والسرقة ، والزنا  ، وقذف المحصنات ، 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة : آية 81 .
(2) الجريمة والعقوبات في الفقه الإسلامي - محمد أبو زهرة : ص 22  - 25  ط  دار الفكر العربي -    
     ( قسم الجريمة )







ــ 22 ــ 
والقصاص  بقسميه  ، وزادت الست عقوبات شرب الخمر والردة وغيرهما ، وبقيت عـقـوبات للجــرائم كـثيرة لـم يتنـاولهـا الكـتاب والســنة بالتفـصـيل وقــد ترك ذلك لولى الأمر يقدر لها عقوبات بما يتناسب مع المجرم وبما يكون به إصلاح العامة وسـيادة الأمن بين الكافة وذلك بالتعزير الذي هو الأصل الثاني من أصول العقاب في الإسلام .
الثاني :
أنه يلاحظ أن هناك أصلاً جامعاً تنتهي إليه العقوبات الإسلامية ومعنى جامعاً يرجع إليه في كل عقوبة تقرر بحكم التعزير ، وذلك لأن التعزير تنفيذ لأمر ديني هو العمل على إصلاح الجماعة ومنع العبث والفساد فلا بد أن يكون ثمة أساس ضابط لما يعتبر جريمة وما لا يعتبر ، وذلك الأساس لابد أن يكون مشتقاً من مصادر الشريعة ومواردها وغاياتها ومراميها واتجاهاتها ومن المقرر أن الشريعة جاءت لرحمة الناس ولإسعاد الناس في معاشهم وهدايتهم إلي الخير في مآلهم كما قال تعالى ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) (1) ، وإنه بالاستقراء ثبت أنه ما من أمر جاء في الشريعة إلا وقد كانت فيه المصلحة الإنسانية لأكبر عدد ولذلك قرر الفقهاء  أن الشريعة جاءت لحماية المصالح المعتبرة التي جدير بأن تسمى مصلحة وليست هوى جامحاً ولا لذة عاجلة ولا شهوة منحرفة .
وإذا كانت المنفعة أقرب المذاهب الخلقية لتكون أساسا للقوانين الوضعية كما قــرر الفيلســوف ( نبـتـان ) وقد جعلها أساسا للقوانين كلها فكذلك المصلحة الحقيقـيـة هي مـن الأساس فـي الشـريعــة الإسلامية فـكـل مـا شـرعـه الإسلام من نظم وأحكام أسـاسـه المصـلحــة ولا مصـلحــة فـي مخالفته ، فنلاحظ أن الشريعة الإسلامية حـافـظـت عــلى الضــرورات الخـمـس ، حـفــظ النفــس بقـتل القـاتـل حـفـظ المال بقطع يــد الســارق  ، حـفظ النســب بعقــوبـة الـزنـا المقــدرة فـي الشـريعة الإسلامية ، حـفـظ الـعـرض بعـقـوبـة الـقـاذف ، وحـفـظ الـدين بقـتــل المـرتــد والبـاغــي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يونس : آية 57 .





ـ23 ــ 
وإن هذه الأمور الخمسة هي التي جاءت من أجلها كل الشرائع وبنيت على المحافظة عليها العقوبات في الإسلام .
وقد قال الغزالي في كتابه المستصفى لأبي حامد الجزء الأول بصفحة مائتين وسبع وثمانون ، ما نصه ( إن جلب المنفعة ودفع الضر مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم لكن نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم ، وعقلهم ونسلهم ومالهم فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأصول مفسدة ودفعها مصلحة ، وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات فهي أقوى المراتب في المصالح ومثاله قضاء الشارع بقتل الكافر المضل وعقوبة المبتدع الداعي إلي بدعته فان هذا يفوت على الخلق دينهم .
وقضاؤه بإيجاب القصاص إذ به حفظ النفوس ، وإيجاب حد الشرب إذ به حفظ العقول التي هي ملاك التكليف ، وإيجاب حد الزنا إذ به حفظ النسب والأنساب ، وإيجاب حد القطع للسارق إذ به يحصل حفظ الأموال التي هي قوامهم وهو مضطرون إليها وتحريم تفويت هذه الأمور الخمسة والزجر عنها يستحيل إلا تشتمل عليه ملة من الملل وشريعة من الشرائع  التي أريد لها إصلاح الخلق ولذا لم تختلف الشرائع في تحريم الكفر والقتل والزنا والسرقة وشرب المسكر ) انتهى كلام الغزالي  (1) .










ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المستصفى : أبو حامد الغزالي ج 1 ص 287 .








ــ 24 ــ 
الجريمة والجناية :  
( وكثيرا ما يعبر الفقهاء عن الجريمة بلفظ الجناية ، والجناية لغة اسم لما يجتنيه المرء من شر وما اكتسبه ، تسمية بالمصدر من جنى عليه شراً وهو عام ، إلا أنه خص بما حرم دون غيره .
أما في الاصطلاح الفقهي :  فالجناية اسم لفعل محرم شرعاً سواء وقع الفعل على نفس أو مال أو غير ذلك لكن اكثر الفقهاء تعارفوا على إطلاق لفظ الجناية على الأفعال الواقعة على  نفس  الإنسان أو أطرافه وهي القتل والجرح والضرب والإجهاض .
بينما يطلق بعضهم لفظ الجناية على جرائم الحدود والقصاص .
وإذا غضضنا النظر عما تعارف عليه الفقهاء من إطلاق لفظ الجناية على بعض الجرائم دون البعض الآخر أمكننا أن نقول إن لفظ الجناية في الاصطلاح الفقهي مرادف للفظ الجريمة .
وتختلف معنى الجناية الاصطلاحي في القانون المصري عنه في الشريعة ففي القانون المصري يعتبر الفعل جناية إذا كان معاقبا عليه بالإعدام أو الأشغال الشاقة  المؤبدة أو الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن فإذا كانت عقوبة الفعل حبساً يزيد على أسبوع أو غرامة تزيد على مائة قرشاً فالفعل  جنحة ، فان لم يزد الحبس على أسبوع أو الغرامة عن مائة قرش فالفعل مخالفة طبقاً للمادتين  11 ، 12 من قانون العقوبات المصري .
أمــا فـي الشريعة فكل جريمة هي جناية سواء عوقب عليها بالحبس والغرامة أم بأشد منها وعلى ذلك فالمخالفة القانونية تعتبر جناية في الشريعة ، والجنحة تعتبر جناية ، والجناية في القانون تعتبر جناية في الشريعة أيضا .
أتساس الخلاف بين الشريعة والقانون هو إن الجناية في الشريعة تعني الجريمة أيا كانت درجة الفعل من الجسامة ، أما الجناية في القانون فتعني الجريمة الجسمية دون غيرها ) (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عن كتاب التشريع الجنائي الإسلامي : عبدالقادر عوده ج 1 ص 67 - 68 






ــ 25 ــ 
الجرائم التأديبية أو الأخطاء الإدارية : -
( لم يفرق الفقهاء بين الجريمة الجنائية والجريمة التأديبية أو الأخطاء الإدارية كما يفرق بينها شراح القوانين الوضعية ، والعلة في ذلك ترجع إلي طبيعة العقوبات في الشريعة من ناحية والى تحقيق العدالة من ناحية أخرى فالجرائم في الشريعة إما أن تكون جرائم حدود أو جرائم قصاص أو جرائم تعازير ، والخطأ الإداري إذا لم يكن جريمة من جرائم الحدود أو القصاص فهو جريمة من جرائم التعازير فإذا كون الخطأ الإداري جريمة يعاقب عليها بحد أو قصاص عوقب عليه بهذه العقوبة ومحاكمة الجاني جنائياً ومعاقبته بالعقوبات المقررة لجرائم الحدود والقصاص تمنع من محاكمته تأديباً وتوقيع عقوبات تأديبية عليه لأن هذه العقوبات التأديبية لن تكون إلا عقوبات تعزيزية وهي عقوبات جنائية فكأن الجاني يعاقب  مرتين بعقوبات جنائية على فعل واحد فضلاً عن إن عقوبات الحدود والقصاص هي اشد العقوبات في الشريعة وفيها  الكفاية لتأديب الجاني وزجره ، وإذا كان الجاني موظفا فانه يمكن عزله أو وقفه عن الوظيفة إذا ثبتت عليه الجريمة ، ويصح اعتبار العزل والوقف عقوبة تعزيزية سببها ارتكاب الجريمة ، كما يتضح أن يقال إن العزل والوقف لم يقصد بها العقاب وان سببها زوال صــلاحـيـة الجاني لشغل الوظيفة أو مباشرة أعمالها لأن الوظائف في الأصل لا يتـولاهــا المجـرمــون فإذا تولاهــا مـن ليـس مجـرمــاً ثم أجرم أصبح بإجرامه غير صـالــح  لـتولـي الـوظيـفة حيث زالت صلاحيته بارتكابه الجريمة وإذا لم تكن الجــريمة التــي ارتكـبهــا الموظــف حــدا أو قصـاصا فهـي مـن التعـازير ، لأن كـل مـا عـدا الحـــدود والقصـاص يـدخــل فـي التعــازير ســواء جـاءت بـه نصـوص الشــريعـة أم حـرمتـه الهـيئة الإدارية التشريعية طبقا للسلطات الذي منحته لها نصـوص الشــريعــة ، وإذا كانت الجريمة من التعازير فلا يجوز فيها المحاكمة التـأديـبـيـة ، لأن العـقــوبات التـأديبية كالـتوبيـخ والإنذار والـعــزل  وما أشــــبه ذلك كــل هــذه عـقـوبات تعـزيـزيــة فلو حـوكم الموظــف مثـــلاً تأديبياً ثم عوقب جنائياً لـعـوقـب كل مرة بعقوبة تعزيزية ولكانت النتيجــة أنه حـوكــم مرتين على فعل واحد وهو جريمة تعزيزية وعوقب مرتين . على نفس الفعل بعقوبة تعزيزية أي عقوبة جنائية وهذا ما تأباه نصوص الشريعة .لأن القاعدة العامة فيها أن لا يعاقب الإنسان على فعل واحد مرتين فالمانع إذن من اعتبار الجريمة تأديبية أن الفعل




 ــ 26 ــ 
يعـتـبر جـريـمـة جـنائيـة وإن العقوبة التي يمكن أن توقع في المحاكمة التأديبية هي نفس العقوبة التي يمكن أن توقع في المحاكمة الجنائية أي أن المانع هو اتحاد الفعل واتحاد العقوبة .
والأسباب التي منعت من وجود الجريمة التأديبية في الشريعة الإسلامية تتوفر بصورة عكسية في دائرة القوانين الوضعية ، إذ الأصل في هذه القوانين أن العقوبات الجنائية تخالف العقوبات التأديبية وأن معظم الجرائم التأديبية لا تدخل تحت حكم القوانين الجنائية ومن ثم فقد اقتضى تغاير العقوبتين والفعلين أن يحاكم الجاني على الفعل مرتين إذا كان فعله يعتبر جريمة تأديبية ولا يمنع توقيع العقوبتين من توقيع الأخرى كما لا تحول براءته في إحدى المحاكمتين من السير في المحاكمة الثانية ويعللون ذلك بأن الدعوى التأديبية يقصد منها حماية المهنة أو الوظيفة وأن الدعوى الجنائية يقصد منها حماية المجتمع .
ولا شك أن نظرية الشريعة أكثر تمشياً مع المنطق وانطباقا على القوانين التشريعية الحديثة التي تمنع من محاكمة الشخص مرتين على فعل واحد كما أنها تؤدي إلي اختصار الإجراءات وتقليل المحاكمات ولا تحول في الوقت نفسه من توقيع العقوبة أو العقوبات التي تتلاقى مع شخصية المتهم والجريمة المنسوبة إليه (1) .
 
الجريمة المدنية :
الأصل في الشريعة أن الأموال والنفوس معصومة ، وكل فعل ضار بالإنسان أو بماله مضمون على فاعله إذا لم يكن له حق فيه والضمان إما عقوبة جنائية إذا كان الفعـل ضار معاقباً عليه فهو جريمة ،  أما إذا لم يكن معاقباً عليه فلا يعتبر جريمة ولا يسمى بهذا الاسم وإنما هو فعل ضار ، وإذن فلا مناسبة تجمع بين الجريمة والفعل الضار إلا أن كليهما مضمون على فاعله ، وقد يكون الفعل جريمة يستحق الجاني عليها العقاب ثم يكون الفعل في الوقت نفسه فعلاً ضاراً فيضمنه الجاني للمجني عليه كاستهلاك صيد مملوك في الحرم وشرب خمر الذمي ، فإن الفعل في هاتين الحالتين يعاقب على الصيد والشرب وعليه قيمة الصيد والخمر لصاحبيها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يراجع التشريع الجنائي /  ج 1 ص 74 وما بعدها مختصراً .








ــ 27 ــ 
وتتفق الشريعة مع القوانين الوضعية في هذه الناحية فهي تجعل الإنسان مسئولاً مداناً عن كل فعل ضار بغيره ، سواء كان القانون يعتبره جريمة أم لا يعتبره كذلك فإن كان الفعل جريمة وكان ضاراً في الوقت نفسه بالغير كان الفاعل مستحقاً للعقوبة وكان ضامناً للضرر كما هو حكم الشريعة (1) .

وبعد أن انتهينا من تعريف الجريمة بكل أنواعها ننتقل إلي بيان أركانها راجين من العلي القدير أن يحالفنا التوفيق إنه سميع مجيب .


ـ





ـ 28 ــ
أركان الجريمة : ـ
لابد من توافر ثلاثة أركان للجريمة حتى يستحق فاعلها العقوبة التي حددها الشارع وهي ما يأتي :
أولاً ـ
أن يكون هناك نص يحظر الجريمة ويعاقب عليها ويطلق عليه الركن الشرعي.
ثانياً ـ
إتيان العمل المكون للجريمة سواء كان فعلاً أو امتثالاً ويطلق عليه الركن المادي للجريمة .
ثالثاً ـ
أن يكون الجاني مكلفاً أي مسئولاً عن الجريمة ويطلق عليه الركن الأدبي .
وسنبدأ بالركن الشرعي للجريمة مفصلين هذه الفقرات الملازمة للركن .
1 - الأحكام الجنائية الشرعية .
2 - سريان النصوص الجنائية على الــزمــان .
3 - سريان النصوص الجنائية على الـمـكـــان .
4 - سريان النصوص الجنائية على الأشخاص .



 - الأحكام الجنائية الشرعية : ـ
الكـلام عن الأحكـام الجنائيـة يتناول عدة عناصر وسنبحثها ملتجئين إلي الإيجاز :
ــ العنصر الأول ــ
الأحكام الجنائية الشرعية وأثرها في الجريمة والعقوبة ، فنبدأ بأنواع النصوص الشرعية :
( تنقسم إلي قسمين : تكليفية ، ووضعية ) 
فالحكم التكليفي : هو ما اقتضى طلب عمل من المكلف أو اقتضى نهيه عن إتيانه .
اختلاف الحكم التكليفي عن الحكم الوضعي :
وذلك أن الحكم الوضعي الذي يتضمنه النص إنما اقتضى جعل شيء سبباً أو شرطاً لشيء آخر أو مانعاً منه .
1 -  من الأحـكـام التكـليـفيـة قـولـه تعالى ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشـة وسـاء سبيلاً  ) (1) .
2 -   ومن الأحكام الوضعية قوله تعالى ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جـلــدة )  (2) وقــولــه تعـالى ( والســارق والســارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) (3) ففي الآية الأولى اقتضى الحكم جعل الزنا سبباً لجلد الزاني مائة جلدة ، وفي الآية الثانية اقتضى الحكم جعل السرقة سبباً في قطع اليد .
     وقد يتضمن النص القرآني الحكمين معاً ـ التكليف الوضعي كما في الآية الأخيرة إذ ينهى النص عن السرقة ويطلب الكف عن ارتكابها ويجعل هذه السرقة سبباً في قطع يد السارق والسارقة على ما مر بيانه .
جوهر الحكم التكليفي والحكم الوضعي :
الحكم التكليفي يتصـل بالنص على الجريمـة وأما الحكم الوضعي فيتصل بالنص 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإسراء : آية 32 .
(2) الـنور : آية 2 .
(3) المـائـدة : آية 38 .





ــ 30 ــ 
على العقاب وذلك الذي يفصح عن العقوبة وشروطها وموانعها (1) .
  ومنه يتبين أنه لا جريمة ولا عقوبة بلا نص في القانون الشرعي ، وكذلك في القانون الوضعي ، لابد من نص .
( فخذ مثلاً ، هذه القواعد الشرعية التي تقطع بأن لا جريمة ولا عقاب بلا نص في الشريعة الإسلامية . لا تستند فيما جاءت به إلي العقل والمنطق ولا تستند إلي نصوص الشريعة العامة التي تأمر بالعدل والإحسان وتحرم الظلم والحيف ، وإنما تستند إلي نصوص خاصة صريحة في هذا المعنى منها قوله تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعـث رسـولاً ) (2) وقولـه تعالى "قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سـلف" (3) وقوله تعالى ( لأنذركم به ومن بلغ ) (4) . فمثل هذه النصوص قاطعة في أن لا جريمة إلا بعد بيان ولا عقوبة إلا بعد إنذار ، وأن الله لا يأخذ الناس بعقاب إلا بعد أن يبين لهم وينذرهم على لسان رسله وأنه ما كان ليكلف نفساً إلا وسعها كما قال تعالى ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) (5) فقد وجدت هذه النصوص القطعية الشرعية وليدة للشريعة الإسلامية من مدة ثلاثة عشر قرناً ، جاءت بها نصوص القرآن وبهذا تمتاز الشريعة على القوانين الوضعية التي لم تعرف هذه القاعدة إلا في أعقاب القرن الثامن عشر الميلادي حيث أدخلت في التشريع الفرنسي كنتيجة من نتائج الثورة الـفـرنـسـيـة وقـررت لأول مـرة فـي إعـلان حـقـوق الإنـسـان الصادرة في سنة 1789 م ثم انتقلـت القاعـدة من التشـريع الفرنسـي إلي غيره من التشريعات الوضعية .
فإليك بعض الأمثلة التي تعضد ما قلناه من أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص في حكم الشريعة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر لكتاب ــ شرعية الجرائم والعقوبات ــ لخالد عبدالحميد فراج ــ الطبعة الأولى ــ ص 469 
     ــ 470 .
(2) الإسراء : آية 15 .
(3) الأنـفـال : آية 38 .
(4) الأنـعــام : آية 19 .
(5) الـبـقــرة : آية286.


                                      ــ31ــ
فخذ مثلاً جريمة الزنا ، قال تعالى ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة  ) (1) .
وخـذ مثـلاً جـريمـة السـرقـة ، قـال تـعـالى ( والسـارق والسـارقة فاقطعوا أيديهما ) (2) .
وخذ مثلاً في جرائم القصاص قتل العمد العدوان ، قال تعالى ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) (3) ،  وقـتل شــبه العـمـد قال صلى الله عليه وسلم  ( إلا إن في قتل العمد الخطأ قتيل السوط والعصا والحجر مائة من الإبل ) .
وخذ مثلاً في إتلاف الأطراف قوله تعالى  ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) (4) (*) .
وخذ مثلاً لجرائم التعزير ، (يقول ابن تيميه ــ رحمه الله ــ : المعاصي التي ليس فيها حد مقدر ولا كفارة كالذي يقبل الصبيان ويقبل المرأة الأجنبية أو يباشر بلا جماع أو يأكل ما لا يحل كالدم والخنزير والميتة أو يقذف بغير الزنا أو يسرق من غير حرز أو شيئاً يسيراً أو يخون أمانته كولاة أموال بيت المال أو الأوقاف ، ومال اليتيم ونحو ذلك ، فمثل هؤلاء يعاقبون تعزيزاً وتنكيلاً وتأديباً بقدر ما يراه الوالي على حسب كثرة الذنب وقلته فإذا كان كثيراً زاد في العقوبة بخلاف القليل ، ويحصل التعزير بالهجر ونحوه كما فعل صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الثلاثة الذين تخلفوا عنه في غزوة تبوك ، وأعلى التعزير القتل إن لم يندفع هذا المجرم إلا به وينظر في هذا الوالي حسب الزمان والمكان (5) .
فالكلام على هذه الأقسام الثلاثة ــ الحدود ــ القصاص ــ التعازير ــ سيأتي مفصلاً إن شاء الله في الكلام عن العقوبة وأقسامها ، وإنما ذكرنا بعض هذه الأمثلة لتطبيق قاعدة ( لا جريمة ولا عقوبة بلا نص في الشريعة الإسلامية ) .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النـــور : آية 2 .
(2) المائدة : آية 38 .
(3) الإسراء : آية 33 .
(4) سورة النحل : آية 126 
(*) ينظر كتاب التشريع الجنائي : عبدالقادر عوده ص 117 وما بعدها بتصرف .
(5) أنظر السياسة الشرعية : لابن تيميه ص 96 - 97 بتصرف واختصار .




ــ 32 ــ 
تفوق الشريعة بتلك القاعدة على القوانين الوضعية : ـ
( نقول ما رأي القانونيين الذين يدعون أنهم حصروا الجرائم قبل تدخل القانون بالنصوص بعد أن تأذت البشرية من مثل بيع أكباد ولحوم الموتى لإطعام الناس ، ومثل بيع لحوم الكلاب والقطط ومن ارتكب الفاحشة مع الموتى ، ومن احتكر أقوات الناس لبيعها إذا ارتفعت الأسعار .
وما رأيهم فيمن يأتون الفاحشة ممن تجاوزت الثامنة عشرة برضاها ، والزانية التي زنى زوجها في منزل الزوجية قبلها ، والشروع في الانتحار وهو الشروع في قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ، والشروع في الإجهاض ، والشروع في جرائم الجرح والضرب والإتلاف وخيانة الأمانة ، وما رأيهم في مساومة المرأة على عرضها ) .
كل هذه أمور لا يفلت مقترفوها من العقاب في حكم الشريعة الإسلامية ، ومن ثم لابد أن الشريعة الإسلامية تعمل على إيجاد مجتمع نظيف وضعت فيه الأحكام مؤسـسـة على رعـايـة مصالـح الناس أقامتها بينهم على دعائم من العدالـة والمساواة .
وبذلك وسعت أحكام الشريعة الإسلامية كل حاجات الناس في كل طور من أطوار الحياة ، وجاءت في الوقت نفسه رحيمة بالعباد(1) .
ومن هذا العرض يتبين لنا أن الشريعة الإسلامية قد سبقت القوانين الوضعية بقاعدة ( لا جريمة ولا عقوبة بلا نص ) بقرون عديدة مما يدل على إن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان ، فأين الذين ينعقون بما لا يعلمون ويظنون أنهم مصيبون ويتجرءون على أحكام الله ويتهمونها بالوحشية وعدم مجاراة العصر ، ولكن صدق الله العظيم ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً  ) . (2) .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر للكتاب ــ أنظر شرعية الجرائم والعقوبات : تأليف الدكتور خالد عبدالحميد فراج ص 507 .    
     مختصراً بتصرف .
(2) سورة فاطر : آية 8 




ــ 33 ــ 
ــ العنصر الثاني ــ
ــ مصادر التشريع الجنائي ــ
اتفق معظم جمهور العلماء على إثبات حجية ما يأتي من مصادر الشريعة الغراء .
1 - الكتاب       2 - السنة    3 - الإجماع   4 - القياس
مضطرين إلى الكلام عن كل منها بإيجاز بما يقتضيه المقام وأما المختلف فيه  من مصادر الشريعة مثل الاستحسان ، الاستصحاب ، المصلحة المرسلة ، العرف ، شرع ما قبلنا ومذهب الصحابي ، فلا داعي إلى الكلام عن هذه المصادر المختلف فيها لأن أكثر ما يهمنا هو الكتاب والسنة المصدرين للشريعة بكل أحكامها ، وأما بقية المصادر ففرع عنهما أو تستمد أحكامها منهما .

1 - [ الــكــتـــاب ]
تــعـــريـــفــــــه :
( هو القرآن المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، باللفظ العربي المنقول بالتواتر المبدوء بسور الفاتحة والمختوم بسورة الناس ) (1) .
دلالـة الـقـــرآن :
دلالة القرآن وأساليبه على معانيه قد تكون قطعية كدلالة كل عدد على مدلوله الخاص كما في قوله تعالى ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلده ) (2) .
وقــد تكـون ظـنيـة كـدلالـة القـرء على الحيض أو عـلى الطهر في قوله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) (3) (*) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر كتاب أصول الفقه : لعباس حماده الطبعة الثانية ص 38 .
(2) النور : آية 4 .
(3) البقرة : آية 228 .
(*) ينظر ـ شرعية الجرائم والعقوبات : خالد عبدالحميد فراج ـ ص 456 .









ــ 34 ــ 
حـجـيـة القـرآن :
لا خلاف بين المسـلمين في أن القرآن من عند الله وانه سـبحانه وتعالى تجـب  
  إنما لـه الطاعـة فالقرآن حجة على كل مسـلم ومسـلمة وأحكامه واجبة الاتباع أيا كان نوعها (1) .
الغرض من نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم : ـ
( نزل كتاب الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلي النور وجعلهم يعبدون إلهاً واحداً لا إله إلا هو خالق هذا الكون ومدبره لأجل إسعادهم في الدنيا بأن يتلذذوا بما فيها من طيبات ويسعدون فيها مدة أعمارهم ويعمرونها ، وإسعادهم بالآخرة بعد الممات في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) .
ومن يتقصى أحكام القرآن الكريم يجد الشريعة ترتب على مخالفيها جزاءين ، جزاء دنيوياً وجزاء أخروياً فخذ مثلاً لهذا ، قوله تعالى ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) (2)  فجعل الله للقاتل جزاءين ، جزاء دنيوياً بالقصاص ، أما جزاء الآخرة فهو العذاب الأليم وذلك كما في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) (3) .
وهكذا في كل الجرائم التي نهى  الشارع الحكيم عنها وحذر من اقترافها ، فهذا مما يحمل الناس على طاعة الله في السر والعلن ويجعلهم لا يفلتون من سلطة القانون الشرعي سواء علناً أم سراً ، مما يحثهم على إتقان أعمالهم وما تحت أيديهم ويجعلهم يؤدونه على أحسن ما يرام وبكل دقة وعناية لأنهم يعلمون حال غياب مسئولهم الكبير أن عين الله تراعيهم في كل دقيقة وجليلة .
ومما يجعلهم يكفون عن ارتكاب الجرائم خوفاً من الله سبحانه وتعالى لأنه سيجازيهم على أعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر وبسبب هذا تقل الجرائم كما هو مشاهد فيمن يحكم القرآن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التشريع الجنائي : عبدالقادر عوده ج 1 ص 166 .
(2) الإسراء : آية 32 .
(3) البقرة آية 178 .





ــ 35 ــ 
فنرى من تلك الأسرار أن الشريعة تفوقت على القوانين الوضعية التي لا يطيعها أفرادها إلا بقدر ما يخشون من الوقوع تحت طائلتها ومن استطاع منهم أن يرتكــب جـريـمــة ( مـا ) أو نحـو ذلـك وهــو آمـن مـن سـطـوة القـانــون فليس ثمة مــا يمـنعـه مـن ارتكابها مـن خـلـق أو ديـن ولـذلك تــزداد الجــرائم والمخالفات زيـادة مــطـردة فــي البــلاد التـي يحـكـمـها حـثالة أفـكــار الـمشــرعـين الوضعـية لـقـدرة أفــرادهـا عـلـى التـهـرب مـن سـلطـات القـانــون ، ونـجـد أن مـن يعـتـنـق الـشـريـعـة يـعـلـمـون عـلــم اليـقـين أنهـا مـن عـنـد الله وأنـهـا أصـلـح مـن أي نظام كان .
بينما الذين يطبقون القوانين الوضعية ــ للأسف ــ يقيسون الأنظمة بمقياس المصلحة المادية العاجلة فسينظرون لكل نظام جديد ويتطلعون إلي الأخذ بكل ما يرونه أفضل من نظامهم أو مما يمكنهم من الجاه والسلطان ومن ثم نجدهم لا يعيشون مستقرين آمنين .

وصدق قول الله العظيم ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) (1) (*) .

2 - [ الــســـــــــنــــة ]

تــعــريــفــهــا :
( هي في اللغة عبارة عن الطريقة فسنة أحد ما عهدت منه المحافظة عليه والإكثار منه كان ذلك من الأمور الحميدة أو غيرها .
أما في الشرع فقد أطلق على ما كان من العبادات نافلة منقولة من النبي صلى الله عليه وسلم وقد تطلق على ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأدلة الشـرعيـة مما ليس بمتلو ولا هو معجز ولا داخل في المعجز وهذا النوع هو المقصود هنا ، ويدخل في ذلك أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة : آية 3 .
(*) ينظـر كتـاب التـشـريـع الجـنائـي : عبدالقادر عوده ، ج 1 ص 166  بتصرف واختصار .






ــ 36 ــ 
فالـســنـة الـقـولـيـة : (1) .
ما ورد عن رسول الله من أقوال يقصد بها التشريع وبيان الأحكام ، والسنة بهذا المعنى ترادف الحديث كقوله صلى الله عليه وسلم  ( طلب العلم فريضة على كل مسـلم ) (2) وقـولـه صـلى الله عليه وسـلـم  ( إنما الأعـمـال بالنيـات ولكل امرئ ما نـوى ) (3) .

الـســنـة الـفـعـلـيـة :
ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال مثل صلاته وصومه وحجه فان هذا الفعل أو الأداء بهذه الطريقة يعد سنة يجب إتباعها كالسنة القولية سـواء بسـواء لقـوله صلى الله عليه وسـلم ( صـلوا كما رأيتموني أُصلّي ) (4) وقوله ( خذوا عني مناسككم ) (5) .

الـســنـة التقـريـريـة :
هي أن يصدر عن بعض الصحابة قول أو فعل فيسكت النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكره فسكوته وعدم إنكاره يسمى تقريراً ويعد سنة يحتج بها في جواز الفعل أو صفة القول ( مثل تقريره لمعاذ بن جبل حينما بعثه إلي اليمن ) (6) .

حـــجـــيـــتـــهـــــا :
السـنـة أصـل من أصـول الديـن وحجـة على جميع المسـلمين ومصدراً تشـريعياً

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر كتاب الأحكام للآمدي ج 1 ص 169 الطبعة الأولى .
(2) رواه ابن ماجه في المقدمة .
(3) رواه البخاري : بدء الوحي ، ومسلم في الإمارة .
(4) ارواء الـغـليـل : رقم 262 ، 324 .
(5) رواه النـسـائي : مناسك ، ومسند أحمد ج 3 ص 318 .
(6) ينظر أصول الفقه : لحسين حامد ص 271 ــ 272 .


ــ 37 ــ 
واجب الاتباع بنص كتاب الله العزيز ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شـديـد العقاب ) (1) وقـال تعـالى ( ومن يـطـع الـرسـول فـقـد أطـاع الله ) (2) وقال تعالى ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما  ) (3) (*) .
3 - [ الإجـــــــمــــــاع ]
تـــعـــريـــفـــه :
في اللغة يطلق على معنيين :

الأول : العزم والتصميم على الأمر ومن هذا قوله تعالى ( فأجمعوا أمركم وشركاءكم  ) (4) أي اعزموا عليه .

الثاني : الاتفاق يقال أجمع القوم على كذا إذا اتفقوا عليه ، والفرق بينهما أن الإجماع بالمعنى الأول يتصور من الواحد وبالمعنى الثاني لا يتصور إلا من اثنين فاكثر .

في اصطلاح الأصوليين :
يطلق على اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور بعد وفاته على حكم شرعي (5) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحشر : آية 7 .
(2) النساء : آية 80 .
(3) النساء : آية 65 .
(*) ينظر كتاب خالد عبدالحميد فراج : شرعية العقوبة والجريمة ص 458 .
(4) يونـس : آية 71 .
(5) ينظر أصول الفقه الإسلامي : لزكي الدين شعبان أستاذ الشريعة بكلية الحقوق بالجامعة الليبية ــ الطبعة الثانية سنة 1971 ص 87 ــ 88 .









ــ  38ــ 
أســــاس الإجــــمــــــاع :
أساسه الكتاب والسنة قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) (1)  ويقصد بأولي الأمر الحكام والعلماء ، فلو أجمع العلماء على حكم وجب اتباعه واحترامه والعمل به ذلك أن طاعة الحكام والعلماء الذين يتحرون طاعة الله واجبة بنص القرآن وبقوله صلى الله عليه وسلم  ( إن الله لا يجمع أمتي على ضلاله  ) (2).
4 - [ الـــــقــــــيــــــاس ]
تـــعـــريـــفـــه :
إلحاق ما لا نص فيه بما فيه نص في الحكم الشرعي المنصوص عليه لاشتراكهما في علة هذا الحكم .
ويؤخذ منه أركان القياس وهي :
1 - المقيس عليه : وهو الأمر الذي ورد النص ببيان حكمه ويسمى الأصل .
2 - الــمــقــيـــس : وهو الأمر الذي لم يرد نص بحكمه ويراد معرفة حكمه ويسمى        الفرع . 
3 - الــــحــــكــــم : وهو الحكم الشرعي الذي ورد به النص في الأصل ويراد الحكم        به على الفرع .
4 - الــــعــــــلــــة : وهي الوصف الذي شرع الحكم في الأصل لأجله وتتحقق في        الفرع (3) .
حـــجــــيــــتــــه :
اختلفوا في إجازة القياس في جميع الأحكام الشرعية فيقول بعضهم بجوازه استناداً إلي إن الأحكام الشرعية من جنس واحد ، وحدها واحد ، ومادام أنه قد جاز على بعض الأحكام أن يكون ثابتاً بالقياس فما جاز على بعض المتماثلات جاز على البعض الآخر .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النساء آية 59 .
(2) رواه الترمذي /في الفتن . ورواه الدارمي/ في المقدمة ، وفي مسند أحمد ج 5 ص 145 .
(3) أصول الفقه : عبدالوهاب خلاف ص 42 .








ــ 39ــ 
ويقول جمهور الفقهاء بعدم جواز القياس في الأحكام الشرعية وإن كانت تدخل في حد واحد استناداً إلي أن الأحكام الشرعية متميزة متباينة ولما كان القياس له إظهار أن حكم الله ورسوله الذي ثبت لموافقة النص ثابت للواقعة التي تساويها في علة الحكم فإنه يعتبر في الحقيقة مصدراً تفسيرياً يعين على تحديد الأفعال التي يتسع لها النص . فإذا حرم القرآن الكريم فعلاً معيناً لعلة (ما) فإن القياس يؤدي إلي أن يلحق بهذا الفعل كل الأفعال الأخرى التي تتوافر فيها علة التحريم وعلة نهي الشارع كإلحاق اللواط بالزنا (1) .

القياس في الإجراءات :
ويسلم الفقهاء في القياس في الإجراءات الجنائية بل يسلمون به وبغيره من المصادر الأخرى التي لا يعترفون بها مصادر تشريعية جنائية ، كالعرف ، ومذهب الصحابي مثلاً يرى البعض أن يكون الإقرار في السرقة مرتين قياساً على اشتراط الأقارير الأربعة في الزنا ومن يسلم بهذا يرى أن الحكم الخاص بالزنا فقط فلا يقاس عليه ، ويرى البعض جواز شهادة النساء في الجرائم قياساً على جواز شهادتهن في المسائل المدنية ويجمعون على الحفر للمرجوم وهو مذهب علي ، ويشترط أبوحنيفة وأصحابه وجود رائحة الخمر مع شهادة الشهود في إثبات جريمة الشرب و هو مذهب عبدالله بن مسعود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
(1) أنظر كتاب شرعية الجرائم والعقوبات : خالد عبدالحميد فراج ــ الطبعة الأولى سنة 1386 .
(2) التشريع الجنائي : عبدالقادر عوده ــ ص 185 ج 1 .
















ــ 40 ــ 
ــ العنصر الثالث ــ
ــ تفسير الأحكام الجنائية ــ

سلطة القاضي في تفسير النصوص :
للقاضي وهو يطبق النصوص أن يفسرها إذا وجد غموضاً أو خفاء في دلالتها أو تضارباً بين عباراتها وفي هذه الحالات يلجأ القاضي إلي تفسير هذه النصوص ملتزماً قواعد التفسير التي استنبطها علماء الأصول من استقراء الألفاظ والعبارات ودلالتها وقوتها في الدلالة .
1 - دلالات الألفاظ والعبارات ومفهومها :
من المعلوم  أنه لكل لفظ دلالته ولكل عبارة دلالتها ويترب على ذلك أن النص الشرعي وهو مكون من ألفاظ وعبارات قد تكون له دلالة واحدة وقد يكون له أكثر من دلالة . ويستدل بالنص عادة على أي مفهومات وهذه المفهومات لا تخرج عما يأتي :
أولاً ـ مفهوم العبارة :
فيقصد به الذي يتبادر إلي الذهن من صيغة النص وهو المعني الذي قصده الشارع .
ثانياً ـ مفهوم الإشارة :
هو المعنى الذي لم يوضع النص من أجله غير أنه لازم لعبارة النص وجدير بالذكر أنه إذا تعارض مفهوم النص مع مفهوم العبارة كان المعول عليه هو مفهوم النص .
ثالثاً ـ مفهوم الدلالة :
فهو المعنى الذي يمكن فهمه من روح النص ومنطقه فإذا دلت عبارة النص على حكم في واقعة (ما) لعلة اقتضت هذا الحكم فإن كل واقعة من جنسها تدخل تحت مفهوم النص إذا توافرت علة الحكم على أنه إذا تعارض المفهومان الأولان مع مفهوم الدلالة كانت العبرة بالمفهومين الأولين .
















ــ 41 ــ 
رابعاً ـ مفهوم الاقتضاء :
هو المعنى الذي يقتضيه النص ويستلزمه ، يقول الله عز وجل ( حرمت عليكم الميتة ) (1) وبين من هذه الآية أن مفهوم الاقتضاء إنما هو تحريم الأكل ومن أجل ذلك قدم الفقهاء مفهوم الاقتضاء على غيره .
خامساً ـ مفهوم المخالفة :
يقصـد به المعـنى الذي يخالـف مفهـوم النـص . والواقـع إن النـص إنما يوضـع للحـكـم الذي ينطـق به  ، فهو لا يوضـع لمفهوم المخالف ، ومن ثـم فلا دلالة للنـص إلا على الحكـم الذي يحدده أو يعينـه منطوقـه وهذا هو الراجح 
2 - وضوح الدلالات وغموضها :
تنقسم الألفاظ والعبارات والنصوص من حيث ظهور معناها إلي نوعين :
نوع واضح الدلالة على معناه وليس في دلالته غموض ولا إبهام .
ونوع غامض الدلالة وفيه غموض وخفاء .
والواضح الدلالة ليس على درجة واحدة في وضوحه ودلالته بل بعضه أوضح دلالة من بعض ، كما إن الغامض الدلالة بعضه أخفى دلالة من بعض .
وينقسم واضح الدلالة إلى أربعة أقسام :
أ - الــــظـــــــاهــــــــــــر :
وهو ما دلت صيغته على معناه دلالة واضحة بحيث لا يتوقف فهم معناه على قرينة خارجية ، ولم يكن معناه هو المقصود أصلاً من السياق أي من وضع الصيغة مثل قوله تعالى ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) (2) فهنا يفهم من لفظ أحل إن البيع حلال ويفهم من لفظ حرم إن الربا محرم ، وان كان المقصود من الآية نفي المماثـلـة بين البـيـع والربا وهو المعنى الذي سـيقـت له الآيـة دلـيـل على ذلك قولـه تعالى ( ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ) (3) فأراد الله أن يبين للناس أن البيع غير الربا هذا واللفظ الظاهر يقبل التأويل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة : الآية 3 .
(2) البقـرة : الآية 275 .
(3) البقرة آية 275 .



ــ 42 ــ 
ب - الـــــــــنــــــــــــــص :
هو ما دلت صيغته دلالة واضحة على معناه المقصود أصالة من السياق وهو أيضاً يقبل التأويل شأنه في ذلك شأن اللفظ الظاهر .
ج - الــــمــــفــــســـــــــر :
هو ما دلت صيغته دلالة واضحة على معنى متصل فينفي معه احتمال التأويل مثل قوله تعالى ( فاجلدوهم ثمانين جلدة ) (1) ويعتبر النص مفسراً ولو ورد مجـملاً غـير مفصـل إذا الحق به الشارع ما يفصله ويزيل إجماله كقوله تعالى ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) (2) فهو نص مجمل ولكن رسول الله بينه وفصله بقوله ( لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث زنا بعد إحصان وكفر بعد إيمان وقتل نفس بغير نفس  ) (3) ويجب العمل به كما فصل ولا يحمل أو يؤول أو يصرف عن ظاهره ، والتفسير الذي ينفي احتمال التأويل هو التفسير المستفاد من الصيغة أو المستفاد من بيان تفسيري مصدره الشرع، أما تفسير الفقهاء والمجتهدين فلا يعتبر من التشريع .
د - الــــمــــــحــــــكــــــم :
هو ما دلت صيغته دلالة واضحة على معنى لا يقبل إبطاءً ولا تبديلاً ولا يبقى معها احتمال للتأويل ، ويجب العمل قطعاً ، ولا يحتمل صرفه عن ظاهره .
حــكــم الـتــعــارض :
وإذا تعارض ظاهر ونص رجح النص لأن الشـارع قصد أصالة ، وإذا تعارض 
نص ومفسر رجح المفسر لأنه أوضح دلالة على المراد منه إذ لا يحتمل التأويل وإذا تعارض محكم ومفسر رجح المحكم لأنه أقوى دلالة من المفسر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1) الـنـور : آية 4 .
(2) الأنعام : آية 151 .
(3) رواه النسائي جـ7 صـ92 / ورواه أبو داود / حديث 4502 وفي مسند أحمد  جـ1 صـ61 
     والداري جـ2 صـ171 وفي الترمذي  / حديث 2158 ونصب الراية جـ3 صـ317 .

ــ 43  ــ
أقسام الغامض الدلالة أربعة :
أ - الـــخــــــفــــــــي :
هو ما خفي معناه خفاء يحتاج إلي تأمل وبحث واجتهاد .
ب - المـــشـــــــكــــــل :
هو اللفظ الذي لا يدل بصيغته على المعنى المقصود منه وان أمكن تحديد المقصود بقرينة خارجية والسبيل إلي ذلك هو الاجتهاد .
ج - الـــمـــجـــــمــــل :
ذلك اللفظ الذي لا يدل بصيغته على المعنى المقصود فيه ولا توجد في الوقت نفسه قرينة خارجية تعين تفهم المقصود رغم ازدحام المعاني ولا سبيل للتخلص من اللفظ المجمل أو العبارة المجملة إلا بالاجتهاد .
د - الــمتـــشـــــــابــــه :
هو اللفظ الذي لا تدل صيغته على المراد منه ولا توجد قرائن خارجية تبينه ، واستأثر الشارع بعلمه فلم يفسره وليس في النصوص التشريعية شيء من التشابه فلا يوجد في آيات الأحكام أو أحاديثها لفظ متشابه لا يعلم المراد منه ، وإنما يوجد المتشابه في مواضع أخرى وأمثلته الحروف المتقطعة التي في أوائل السور .
3 - اشتراك الألفاظ وعمومها وخصوصها :
أ - اللفظ المــشــــترك :
هو ما وضع لأكثر من معنى واحد والواقع أن المعاني المقصودة إنما وضعت على سبيل البدل ولا يقصد الشارع إلا أحد هذه المعاني دون غيرها .
ب - اللفظ الــــعـــــــام :
هو اللفـظ الذي وضـع لمعـنى واحـد يعـم أفرادهـا كثيريـن ودلالـة الـعام قـطـعيـة ، وإذا كـان الـلـفـظ عـامـاً ولـم يـقـم الدليـل على تخصصـه تعين محلـه على عمومه. 







.






ــ 44 ــ 
ج - اللفظ الـــخـــــاص :
هو ما وضع للدلالة على فرد واحد أو على أفراد متعددة فإذا تضمن أي نص شرعي لفظاً خاصاً دل هذا اللفظ على معناه الخاص الذي وضع له دلالة قطعية فيقول الله تعالى ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) (1) فلفظ مائة يدل دلالة قطعية على معناه ولا تحتمل هذه المائة نقصاً ولا زيادة ، وقد يكون اللفظ الخاص مطلقاً أو مقيداً ، وقد يكون آمراً وناهياً .
واللفظ الخاص المطلق يحمل على إطلاقه ما لم يقم دليل على تقييده ، واللفظ الخاص المقيد هو الذي يدل على فرد قيد لفظاً بقيد معين بقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) (2) وقيد رسول الله هذه الأخلاق بقوله ( لا يقاد والد بولده ) (3) واللفظ الخاص الآمر يقيد الالتزام بإثبات العمل المكلف به ونجد هذا اللفظ في قولـه تعالى (  والسـارق والسارقة فاقطعـوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله ) (4) فلوحظ اقطعوا لفظ خاص أمر .
أما اللفظ الخاص الناهي ، فإنه يقيد الامتناع والكف ونجد اللفظ في قوله تعالى ( ولا تقربوا الزنا ) (5) .
ومجمل ما تقدم :
أن القاضي الجنائي مقيد بأن يحصر اجتهاده في ضوء القواعد السابقة في تفسير النص وتطبيقه على الواقعة المطروحة عـليه ، فليـس له  تفسـير أي جـريمـة أو عـقـوبة مـن طـريق القـياس أو الـعـرف أو الاستحسان ولـو كــانت الـواقـعـة المعروضـة عـليـه مما ينـفـر مـنهـا الخـلـق الفاضل وليس له أن يخـالف النص الصريح مهما كانـت الظروف والاعتبارات وعليـه أن يراعي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الـنــور : آية 2 .
(2) البـقـرة : آية 178 .
(3) مسند أحمد ج 1 ص 22 .
(4) المائـدة : آية 38 .
(5) الإسراء : آية 32 .

ــ 45 ــ 
في كل الأحـوال مبدأين شرعيين : ــ
أولــهــمــا :
قوله صلى الله عليه وسلم ( ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ). (1)
الــثـــانــي :
قوله صلى الله عليه وسلم ( إن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ) (2) رواه الترمذي . (*)
تعريف الشبهة في درء الحـد : ـ
الشبهة هي ما يشبه الثابت وليس بثابت ، أو هي وجود المبيح صورة مع انعدام حكمه أو حقيقته .
من الأمثلة ما يأتي :
شبهة سرقة الأب من ابنه فالأب حين يأخذ خفية من مال ولده عليه تعريف السرقة ويستحق عقوبة القطع ولكن الحد يدرأ عنه لشبهة تملك مال الولد لأبيه لقوله صلى الله عليه وسلم ( أنت ومالك لوالدك  ) (3) ، ومثل لو وطئ زوج زوجته من دبرها فإنه لا يحد لشبهة وهي جواز استمتاعه بجميع جسدها ، فعلى القاضي أن يدرأ مثل هذه الشبهة ويلتجئ إلي التعزير إن رآه مناسباً .
أما تفضيل الخطأ في العفو عن الجريمة : ـ
معناه أنه لا يصح الحكم بالعقوبة إلا بعد التثبت من أن الجاني ارتكب الجريمة وأن النص المحرم منطبق على الجريمة فإذا كان ثمة شك في إن الجاني ارتكب الجريمة أو في انطباق النص المحرم على الفعل المنسوب للجاني وجب العفو عن الجاني أي الحكم ببراءته لأن براءة المجرم في حال الشك خير للجماعة وأدعى إلي تحقيق العدالة من عقاب البريء مع الشك ومبدأ الخطأ في العفـو ينطبق على كل أنواع الجرائم كالحدود والقصاص والديـة والتعازيـر،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه الترمذي / في كتاب الحدود / حديث 1424 
(2) رواه الترمذي / كتاب الحدود / 1424 
(*) ينظر كتاب : شرعية الجرائم والعقوبات : خالد عبدالحميد فراج ــ ط الأولى ص 461 
     وما بعدها .
(3) سنن أبى داود  في البيوع / حديث / 3530 / وابن ماجه / التجارات / حديث 2292 وعند أحمد في مسند المكثرين 6640 .


ـ46ــ 
ويمكن القول بأن مبدأ درء الحدود بالشبهات على أهميته يعتبر تطبيقاً لمبدأ الخطأ في العفو على الأقل في الحالات التي تؤدي فيها درء الحد لتبرئة الجاني.
الـقـانـون والـشــريـعـة :
وتأخذ القوانين الوضعية بطريقة الشريعة الإسلامية بصفة عامة في التفسير ، وإذا كانت القوانين تمثل تغيير سلطة القاضي في تفسير النصوص الجنائية ، إلا أن المحاكم تحت تأثير الضروريات العملية والرغبة في حماية المصالح العامة إلي التوسع في تفسير النصوص الجنائية من ذلك إنها اخترعت نظرية التسليم الضروري في السرقة لحماية الجمهور من ضرب من ضروب السرقة ، لا يدخل تحت نص القانون إذا أخذ بنظرية التفسير الضيق ، وكذلك اعتبرت المحاكم الكهرباء منقولاً لا تعاقب على اختلاسها بعقوبة السـرقـة، كذلك عاقبت على سرقة أكفان الموتى ، والقاعدة التي تتبعها المحاكم يحبذها شراح القوانين هي عين الطريقة التي تأخذ بها الشريعة الإسلامية (1) .
ويتبين من هذا العرض أن القوانين الوضعية لم تأت بجديد يحتاج إلي أعمال وفكر في استنباطه فقد سبقتهم الشريعة بأكثر من أربعة عشر قرناً ، وبينت هذا الأصل بكل وضوح وصدق قول الله العظيم ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) (2) لأنه تعالى علم أن شريعته المنزلة كاملة لا تحتاج إلي من يكملها ولذلك أطلق على المعتدي على أحكام الله بأنه كافر وآية أخرى وصفه بالظلم وأخرى بالفسق ، فهل آن لمن خادعن شريعة الله أن يرجعوا للشـريعـة الإسـلاميـة حتى لا يـنـطبـق عليهـم أحـكـام تـلك الأوصـاف الثـلاثـة ــ كفر ــ وظلم ــ وفسق ؟



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التشريع الجنائي : عبدالقادر عوده ــ ص 209 وما بعدها ــ بتصرف .
(2) المائدة : آية 44 .





ــ 47 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنصـــر الرابــــــع 
تعارض الأحكام أي النصوص 
إذا تعارض نصان في قوة واحدة كآيتين أو آية وسنة متواترة أو سنتين متواترتين أو حديثين مشهورين أو خبرين من أخبار الآحاد ، وعلم تاريخ ورود كل من النصين المتعارضين كان اللاحق منهما ناسخاً للسابق .
وإذا لم يعلم تاريخ ورود النصين المتعارضين  رجح أحدهما على  الآخر بطريق من طرق الترجيح ، والترجيح إما أن يكون من ناحية المتن وإما من ناحية السند في جهة المتن يرجح الأقوى دلالة فيرجح المفهوم بالعبارة على المفهوم بالإشارة وهكذا ، ويرجح المحكم على المفسر ، والمفسر على النص وهكذا ، ويرجح  العام على المخصص ومن جهة السند يرجح الخبر الذي رواته من أهل الفقه والأمانة وغيرهم .
وإذا لم يرجح أحد النصين المتعارضين على الآخر يجمع بين النصين من طرق الجمع والتوفيق وهذا يكون بتخصيص أحد النصين لحاله وتخصيص الآخر بحالة أخرى أو يجعل أحد النصين مبينا الحكم الدنيوي والثاني الحكم الأخروي أو يجعل أحدهما حقيقياً والآخر مجازياً أو بغير ذلك ، وإذا لم يعلم تاريخ ورود النصين المتعارضين ولم يقم دليل على رجحان أحدهما على الآخر ولم يمكن الجمع والتوفيق بينهما عدل عن الاستدلال بهما إلي الاستدلال بما دونهما مرتبة فان كان التعارض بين متواترين عدل عنهما إلي خبر الآحاد ويراعى دائماً في حالة الترجيح والجمع والتوفيق عدم الخروج على مبادئ الشريعة العامة وروح التشريع فتكون الموازنة بين الدلالة قائمة على ضوء مقاصد الشارع والمبادئ  العامة (1) .





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عن التشريع الجنائي : عبدالقادر عوده - ص 218 وما بعدها  جـ1 








ــ48ــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنــصــر الخامـــس 

علاقة الأحكام الشرعية بأحكام القوانين 

حكم اللوائح والقوانين المخالفة للقرآن والسنة :
إذا جاءت القوانين واللوائح متفقة مع نصوص القرآن والسنة أو متمشية مع مبادئ الشريعة العامة وروحها التشريعية وجبت الطاعة لها وحقت العقوبة على مخالفها ، أما إذا جاءت القوانين واللوائح خارجة عن نصوص القرآن والسنة أو  خارجة عن مبادئ الشريعة العامة وروحها التشريعية في قوانين ولوائح باطلة بطلاناً مطلقاً وليس لأحد أن يطيعها بل على كل مسلم أن يحاربها ويقوم في وجهها ويكافح بلسانه وقلمه ويبين للمسلمين تفاهة هذه اللوائح والقوانين المخالفة للشريعة لأن الشريعة لم تجئ عبثاً .
فالله تعالى أرسل رسوله ليطاع ويعمل بما جاء به فمن عمل بما جاء به فعمله صحيح لأنه وافق الشارع ومن خالفه فقد بطل عمله قال تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) (1) .ووقوف المسلم  تجاه هذه القوانين واللوائح وخروجه عليها يعتبر جائزاً لرضى الله  قال تعالى ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قيلاً ما تذكرون ) (2) .  
ومن الأدلة والأمثلة على بطلان النص الواحد في بعض الحالات وصحته في بعـض الحــالات الأخــرى السرقة المادية عقوبتها القطع في الشريعة وعقوبتها الحبــس فـي القــانـون ولـكـن القـطـع لا يجب إلا فـي ســرقـة تـامــة توفرت فيها شــروط الحــد فان لــم تكـن الســرقـة تـامــة أو لـم تتوفر شروط الحد فالعقوبة التعـزيـر ، العـقـوبــة المـقــدرة في قــانون العـقــوبـات هـو عــقــــوبـة تعـزيـريــة ومــن ثــم  يكـون نصــوص قــانــون العـقـوبــات الخـاصــة بالســرقـة باطـلــة فـي كل 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النساء : آية 64.
(2) الأعراف : آية 3 .







ــ49ــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سرقة عادية تعاقب عليها الشريعة بالقطع ، وصحيحة في كل سرقة تعاقب عليها الشريعة بالتعزير . (1) .
فتبين  من هذا أن شريعة الله فوق كل شريعة من شرائع الخلق وقوانين الله فوق كل قانون سواء رضي المفسرون بالقوانين الوضعية أم لم يرضوا وأنهم سيؤاخذون يوم القيامة عن كل شيء صدر منهم ومن هذا الشيء تحكيم شريعة الشيطان وتركهم شريعة الرحمن وصدق الله العظيم حيث يقول : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا  في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ) (2) . وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) (3) .

الكلام على سريان النصوص الجنائية على الزمان 
من المقررات في الفقه الحديث أنه لا رجعة في قانون العقوبات إلا إذا كان في الرجعية مصلحة للمتهم  ، فلا يطبق قانون العقوبات على الماضي في موضوع كان مباحاً قبله ثم حرمه القانون ورتب عليه عقاباً ، وإذا كان القانون السابق  يرتب عقاباً ضعيفاً ويرتب الثاني عقاباً أغلظ فإنه يطبق على المتهم الذي لم يفصل في أمره  القانون السابق ، وإذا كان القانون السابق يعاقب على فعل والقانون اللاحق لا يعاقب عليه فانه لا يعاقب المتهم لأن الفعل صادر مباحاً له بحكم القانون الجديد ولا عقاب عـلـى مـباح ، ولأن المفروض أن إلغاء العقاب قد اقتضته العدالة والمصلحة فلا يـكـون مـن العـدالــة أو المصـلـحـة الاســتمـرار فـي الإجراءات حتى يتم العقاب وكـذلك القـانــون فانه لا يطبق على المتهم إلا اللاحق لأن التخفيف لابد أن يكون لأصـل الـعــدالـة أو المصـلحــة فــلا يطــبق عـلى المـتهـم مـا يـخــالفـهــا بأخذه بالعـقــاب الغـلـيـظ هــذا مــا يـقــرره شــراح الـقانـون الحــديث ويطبـقه القضاء ولذلك 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عن التشريع الجنائي : عبدالقادر عودةج1  ص223 بتصرف  .
(2) النساء : آيه 65 .
(3) أنظر مسند الأمام أحمد ج5 ص 66 







ــ 50 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نظيره في الشريعة الإسلامية يتفق تمام الاتفاق في بعض الأحوال ويتفق في الجملة في غيرها .
أما الأحوال التي يتفق فيها تمام  الاتفاق فيه الأحوال التعزيرية التي يرى ولي الأمر فرضها إصلاحا للناس إذا رأى في إطلاق المباح بالنسبة لها فسادا عاماً لا يصح أن يستمر كالمغالاة في الأسعار فإن العقوبات تتقرر وقت ثبوتها ويجب إعلانها قبل تنفيذ العقوبة بالفعل ومن ذلك طواف النساء مع الرجال  في البيت الحرام ومنه منع إنشاء الآبار في الطريق ومنه إقامة حواجز في الطرقات بمنع المرور فان العقوبات على هذه الأمور وما يشبهها لابد أن يسبقها إنذار مانع فان أقدم أحد بعد الإنذار فقد حقت عليه كلمة العقاب .
وقد ذكر هذا المعنى الفقهاء فقد جاء في كتاب الأحكام السلطانية لأبي يعلى ما نصه ( له أن يمنع الناس من مواقف الريب ومضان التهمة ويقدم الإنذار                                                                                       ولا يعجل بالتأديب قبله ) وعلى الإمام أن يعلن خبر نهيه ليعلمه جميع الناس ويروى في هذا المـقـام أن عـمـر بن الخـطـاب منـع الـرجــال أن يطـوفوا مع النساء فرأى رجلا يطــوف فضـربه بالــدرة فقال الرجال والله أن كنت أحسنت لقد ظلمتني وأن كنت أسأت  فما علمتني فقال عمر أما شهدت عزمتي ألا يطوف الرجال مع النساء ، قال الرجــل مـا شــهـدت لـك عــزمــة فـألـقـى الخـليـفـة الــدرة إليه وقــال لـه اقتـص ) (1) هذا قسم التعزيرات .
أما العـقــوبـات المنـصـوص عـليـهـا في الـكـتاب والسنة فلا جاهل بها بعد ذيــوع الإسلام إن كــان مقيماً بالدار الإسلامية ،  ولكن يعزر من لم يقم بديار الإسلام والـمـسـلم الجـديـد لأنهـمـا لا يعرفان أحـكـام الإسلام لوجود الحجزات الفكرية والمادية .
وفــوق ذلـك مـن يدخـل فـي الإسلام لا يحـاسـب عـلـى ما كـان عـلـيـه من قبل قـال تعـالى ( قـل للذين كـفـروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قـد سلف ) (2) .وقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الإسلام يجب ما قبلـه ) (3) .  ولأنه صلى الله عليه وسـلم 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ عمر بن الخطاب / ابن الجوزي / صـ135 ط / دار إحياء علوم الدين / دمشق .
(2) الأنفال : آية 38 .
(3) في مسند أحمد ج4 ص 199 رقم الحديث 17109 .



ـ51ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يحاسب من قتل عمه حمزة حينما اسلم القاتل ، ولأن القرآن أشار إلي هذه الناحية فقــد حـرم سـبحانه نكـاح زوجـات الآباء ، وأستثنى ما كان منه في الجاهلية قال تعالى ( ولا تنكحوا ما نكح آبائكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا ) (1) .وقد لوحظ  إن وقائع حدثت قبل نزول الآيات بالعقوبات وكانت هذه الوقائع سبب نزولها ومع ذلك طبقت العقوبة على هذه الوقائع التي كانت قبل نزولها وان كانت هي السبب في النزول منها : 
اللعــــان 
فـانه يروى أن رجــلاً جـاء إلي النبـي صـلـى الله عـليـه وسـلم فقال : ( يا رسول الله إن الرجل يجد الرجل مع أهله فان قتله قتلتموه وإن تكلم ضربتموه وإن سكت سكت على غيظ اللهم بين ) . (2)
فنزل قوله تعالى  ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرء عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب  الله عليها إن كان من الصادقين ) (3) .  وقد طبق على هذه الواقعة  التي كانت سبب السؤال فكان التطبيق على الماضي .
فالجواب على هذا الأشكال أن الحكم كان تخفيفاً من الحكم العام ذلك إن الحكم العام كان حد القذف  فمن يرمي امرأته بالزنا يعد قاذفاً كمن يرمي محصنة غيرها فلا فرق بين زوجته وغير زوجته فلما جاء اللعان كان تخفيفاً من حد القذف فيتحالفان وكل منهما يبرئ نفسه فهو يبرئ نفسه من الكذب وهي تبرئ نفسها من تهمة الزنا وإذا تم اللعان على هذا لم يكن من المستحسن أن تستمر الزوجية لأن الثقة بين الرجل أهله قد فقدت فلا معنى لبقائهما بعد فقدها ، وبهذا تطبق القاعدة المقررة أنه يعاقب المتهم بأخف العقوبتين فطبقت قاعدة اللعان بدل القذف . (4) . 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النساء : آية 22 .
(2) رواه مسلم / في كتاب اللعان حديث 1495 .
(3) النور آية 6 وما بعدها .
(4) الجريمة : محمد أبو زهرة ص 321 وما بعدها بتصرف .




ــ52ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهكذا نجد الشريعة لا تعاقب على الماضي مهما كان عظيم الذنب فتبين مما سبق عظم مبادئ الشريعة السمحة من سريان النصوص على الزمان وأن هذه المبادئ هي التي تأخذ بها القوانين الوضعية ، وأنها لم تعرفها حتى قيام الثورة الفرنسية ، ويظهر أن المبدأ الحديث الذي يراه الشراح ويأخذ به المشرعون هو أن المشرع ليس له في الأصل أن يجعل للقانون أثراً رجعياً ، ولكن له استثناء أن يمارس هذا الحق  كلما اقتضته المصلحة العامة وهذه هي نفس  النظرية الإسلامية .
أما عن تطبيق التشريع الأصلح للمتهم على ما سبق من الجرائم فهي قاعدة معترف بها في كل القوانين الوضعية وإن كانت لم تعرفها إلا في القرن الماضي ونستطيع أن نقول إن القوانين الوضعية بدأت تأخذ بنظرية الشريعة الإسلامية في الأثر الرجعي للتشريع الجنائي وأن ما تعتبره اليوم أحدث الآراء والنظريات في القوانين الوضعية ليس إلا تطبيقاً دقيقاً للنظرية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية من أربعة عشر قرناً .
فهل من أذن واعية وعين باصرة تقبل الحق ولا ترى له بديل . (1) .
الكلام في ســريان النصوص على المكان 
الشــريعة الإسلامية عالمية : ــ
قال صلى الله عليه وسلم ( كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة ) (2) . 
فتبين لنا من هذا النص أن شريعة الإسلام  عامة في كل زمان وفي كل مـكـان ســواء فـي عـهـد رســول الله أم فـي عصـر الذرة والفضاء ، وكان يجب تطـبيـق أحـكــام الشــريعـة على العالم كله شرقه وغريه ، شماله وجنوبه ولكن مرجع  هذا إلى اتساع نفوذ المسلمين وقوتهم وسيطرتهم على العالم كما في العصور الأولى ، أما في وقتنا فيا حبذا لو طبقت أحكام الشريعة في بلدان إسلامية فما بالك بغير الإسلامية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التشريع الجنائي : عبدالقادر عودة ص 273 وما بعدها .
(2) رواه البخاري في التميم .حديث 235 وفي كتاب الصلاة ح / 438 .







ــ 53 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجرائم العقوبات منصوص عليها في الكتاب والسنة كالحدود والقصاص عامة لكل البلدان وتطبق على المسلمين وغير المسلمين وإذا ارتكبوا شيئاً منها في ديار المسلمين .
غير أن الفقهاء اختلفوا في بعض الجرائم إذا ارتكبوا  غير المسلم في ديار الإسلام منها شرب الخمر لغير المسلمين .
1  ــ  فذهب الجمهور إلى إقامة الحد على من شرب الخمر من غير المسلمين كاليهودي والنصراني ، والسبب أن لهم مالنا وعليهم ما علينا ولأن الخمر محرمة في دينهم ولآثارها السيئة وضررها البالغ في الحياة العامة والخاصة والإسلام   يريد صيانة المجتمع الذي تظله راية الإسلام ويحتفظ به نظيفاً متماسكاً لا يأتيه الضعف من أي جانب لا من ناحية المسلمين ولا من ناحية غير المسلمين .
2  ــ  ويرى الأحناف  أن لا عقوبة على من يشربها من الكتابيين لأنه وإن كانت غير مال - عند المسلمين - لتحريم الإسلام لها إلا أنها مال له قيمته عند أهل الكتاب ولو  أراقها أحد من المسلمين يضمن قيمتها لصاحبها وإن شربها مباح عندهم وإننا أمرنا بتركهم وما يدينون ، وعلى فرض تحريمها في كتبهم فإننا نتركهم لأنهم لا يدينون بهذا التحريم ومعاملتنا لهم تكون بمقتضى ما يعتقدون لا بمقتضى الحق من حيث هو (1) . والذي أرجحه مذهب الجمهور لما فيه من المصلحة العامة لنا ولهم ولئلا ينجر أبناؤنا إليهم  إذا رأوهم يشربونها فيقلدونهم فيكون أذاها قد تعدى إلينا ومن الشروط اللازمة على أهل الذمة أن نأمن على أنفسنا وأولادنا ونساءنا ومقدساتنا من شرهم فيكون إقامة الحد على شرابها منهم موافق لما أمرنا أن نعاملهم من عدم الاعتداء عليهم إذا لم يعتدوا علينا ، ولأن الخمر أم الخبائث فلا يقصر ضررها على شاربها فقط بل يتعدى إلى غيره . واختلف الفقهاء قي تطبيق بقية الحدود على المستأمنين والذميين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) فقه السنة : السيد سابق  ، ج2 ص 398 - 399 ط دار الكتاب العربي ط7 .






ــ 54 ــ 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  ــ  فيرى جمهور الفقهاء : ــ 
وجــوب تطبيـق الحـدود بأكـملها على هؤلاء ، لأن السبب في عموميات العـقـوبات  عـلى الأشـخـاص مهـما اخـتـلـفـت دولـهـم مـادامــوا يـقـيـمون بين أهل إقـلـيم إسلامي وهو لأجل دفع الفساد ومنع نمو الشر وحفظ الجماعة فكل جريمة تقع هي فســاد فـي الأرض يجـب دفـعـهـا مهما كان مصدرها  ومن أي شخص كان ، ولأن الفقهاء أجمعوا على عموم ولاية الدولة الإسلامية على المسلمين أينما كانوا وحيثما كانوا .
ويرى أبو حنيفة : ــ
التفريق بين  المستأمن والذمي فقرر أن الذمي تسري عليه كل العقوبات الإسلامية ولأن له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ،  أما المستأمن فقد قرر أبو حنيفة أن العقوبات التي ليست حقاً للعبد أو حق العبد فيها غالب تثبت عليه والعقوبات التي تكون حقاً خالصاً لله تعالى كحد الزنا أو التي يكون حق الله فيها غالباً كالسرقة فإن العقوبة لا تكون على المستأمن فيه .
وصحته أن المستأمن عندما دخل الديار الإسلامية تاجراً أو مقيماً فيها إلي أمد محدود ، التزم في دخوله قوانين العدالة والإنصاف والمعاملة الحسنة وعدم الاعتداء على حقوق العباد فكانت كل العقوبات التي تنفرد لحقوق العباد كالقصاص حق العبد فيها واضحاً كالقذف .
أما أن يكون خالصاً لله تعالى فانه لم يلتزمه لأن أساسه الولاية ولا ولاية على المســتأمن لأن إقامته لـمـدة مـعـلومة ، وكأن أبا حنيفة نظر إلي أن الحدود التي تكون من حــقــوق الله عـلـى أنها مـن التـدين وهـو لـم يلـتزم بالأمــان الذي أخذ عليه أن ينفذ أحكام الإسلام فـي العــبـادات  (1) . والـــذي أرجـحـه مـذهــب الجـمـهـور لأن الغـرض  من إقـامة الحــدود هـو دفع الفـســاد وقـــطـع دابــر الجـريمـة أنى كانت ومن أين صدرت ، وإلا  فـكـيـف يدخــل هــؤلاء فـي بــلادنــا ونـراه يـســرق ويـزني ويـفـعل الـجرائم ولا ننـكر منكراَ ولا نغـيـره ومـا سـبب ابتــلاء المسلمين بهذه المحن والمصائب إلا بتطبيق هذه القاعدة في كثير من عالمنا الإسلامي فانتشر الفساد وطم وعم فلا حول ولا قوة إلا بالله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجريمة : كتاب محمد أبو زهرة ص 333 وما بعدها يتصرف .


ــ 55 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكم ارتكاب المسلم أو الذمي أو المستأمن 
جريمة في دار الحرب 

الرأي الأول الجمهور :  ــ
يقولون بوجوب تطبيق العقوبة على المسلم لعموم ولاية الدولة الإسلامية على المسلمين حيثما كانوا فإذا جاء المسلم إلي الديار الإسلامية وأقر بتلك الجـريـمـة أقــيم عـلـيه الحـد ويقـولون بـوجـوب تطبـيقها على الذمي مادام باقيا عـلـى ذمـته راضــياً بالولايـة الإسلاميـة ، لأنه بانتـمائه للـدولـة الإسلامية بعقد الذمة وبرضاه ببقائه بين أفرادها تكون الولاية الإسلامية ثابتة عليه كما هي ثابتــة على الـمسلم على السواء لأن له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، أما المستـأمن فـيقول الجـمهـور بعـدم تطبـيقها عـليـه إذا ارتـكب الجـريمة خارج الديار الإسلامية لأنه لا ولاية للمسلمين عليه في مدة إقامته في ديار الحرب ولا ولاية للدولة الإسلامية عليه .
أما استحقاق العقوبة إذا فعل جريمة في ديار المسلمين لا لأنه دخل ولاية المسلمين بل لأنه التزم الأحكام  في تلك المدة .

الرأي الثاني أبو حنيفة وأصحابه : ــ
لا عقوبة على مسلم أو ذمي يرتكب جريمة توجب حداً ولا قصاص على الجرائم التي تقع في دار الحرب ولو كانت من مسلم أو ذمي وإن كانت الدية تجب ، ويقوم رأيهم على أساسين :
1  ــ   العبرة بثبوت الولاية الإسلامية الفعلية على الجاني عند ارتكابه فلا  عبرة في إثبات العقاب بالولاية الحكمية ، لأن العقاب جزاء فعل يقع على المرتكب فلا بد عند الارتكاب من أن تملك الدولة الإسلامية توقيع ذلك العقاب عند الارتكاب .
2  ــ  أنــه لا يـذهــب دم مـســلم هــدرا فــإذا قــتــل مـسـلم أو ذمـي فـي دار الـحــرب 
مسلماً أو ذمياً فإن القصاص غير ممكن ساعة الارتكاب فلا يثبت ولكن تثبت الدية لكيلا يذهب الدم هدراً .









ــ 56 ــ 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي الثالث أبو يوسف رضي الله عنه : ــ
يوافق رأي الجمهور في أمرين : 
1  ــ   أن المستأمن إذا دخل الإسلام سرت عليه أحكام الإسلام .
2  ــ   أن المعاملات الربوية حرام في دار الحرب  من المسلم كما هي حرام في دار الإسلام .
ويخالف أبو يوسف الجمهور في أن الجرائم ليس لها عقوبات إلا الديات إذا ارتكبت في دار الحرب . (1) 
والذي أرجحه هو رأي الجمهور لما له من الوجهة واللياقة لأن الإسلام ناسخ لجميع الأديان فيجب أن يعلوا  ولا يعلى عليه .

متى يعتبر الإقليم إسلاميا ؟
يرى أبو حنيفة أن الإقليم يكون إسلاميا بثلاثة شروط 
1  ــ   ظهور الأحكام غير الإسلامية بأن يكون القانون المسيطر قانوناً غير إسلامي والأحكام التي تنفذ أحكاما مناقضة للأحكام الإسلامية كأن يكون الإسلام يحرم الربا والقوانين تبيحه ويحرم الزنا والقوانين تبيحه .
2  ــ   أن تكـون متـاخــمـة لـديـار غــيـر المـسـلمـين لـتـكــون ممنوعة على المسلمين بذلك الاتصال الجـغــرافــي ، فـلـو وجــد إقـلـيم غيـر إســلامـي قـد أحاطت به الأقاليم الإســلامـيــة فـإنـه لا يـعـد دار حــرب وكـذلـك إذا كـانـت ثـمـة صحار تتـوســط الأقــاليـم الإســلامـيـة ولا سـلـطـان لأحــد عـلـيهـا لا تــعـد دياراً غير إســلامـية وكــذلك البحــار الـتي تحـيـط بـها مـياه البحــار القــريـبة من الديار الإســلامـيــة فـي ولايــة الإســلام لا فــي ضـمـان الــديــار الحــربـيــة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الجريمة والعقوبة - قسم الجريمة / محمد أبو زهرة ص 336 وما بعدها بتصرف 




ــ 57 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3  ــ   ألا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمنا بالأمان الأول وهو أمان المسلمين ومعنى هذا الشرط ألا تكون إقامة  المسلم أو الذمي الذي له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ثابتة بمقتضى انتمائه لأهل الإسلام وللدولة الإسلامية بل تكون إقامته بعهد من حكومة هذا الإقليم بألا تكون ولايته الإسلامية هي التي تحكم إقامته بولاية أخرى .
فعليه غير الولاية الأصلية الحكمية ، وهذا رأي أبو حنيفة ، وقال أبو يوسف وبعض الفقهاء ومحمد بن الحسن إن العبرة بكون الدار دار إسلام أو دار غير إسلامية هو ظهور أحكام الإسلام فيها ، فإن كانت الأحكام الظاهرة أحكاماً إسلامية فهي دار إسلام وإن كانت غير إسلامية فهي دار غير إسلامية أو دار حرب (1) .
والراجح :  تطبيق رأي أبو حنيفة فتعتبر كل الديار التي أكثرها مسلمون ، من ديار الإسلام ولو أنها لا تطبق أحكام الإسلام وخاصة في وقتنا الحاضر أعاد الله للإسلام هيبته وقوته وعزته ومنعته .

الجنسية في الشريعة :  ــ
تقوم الجنسية في الشريعة الإسلامية على أساس الدار أو بتعبير آخر على أساس الإسلام ومسالمته والتزام أحكامه أو الكفر به ، فأهل دار الإسلام لهم جنسية واحدة سواء كانوا  مسلمين أو ذميين محكومين  بحكومة واحدة أو بحكومات متعددة ، ومهما تميز المصري عن السوري أو العراقي أو المغربي فذلك تمييز محلي أو إقليمي لا يبنى على حكم شرعي ولا يؤدي إلي تمييز في الخارج ، أهل دار الحرب لـهـم جنسية واحدة مهما تعددت بلادهم وحكوماتهم ومهما تميز الإنجليزي عن الفـرنـســي أو الأمريكي فـذلـك تـمـيـيز داخــلـي فـيـمـا بينـهـم ولـكـن أحـكـام الشــريـعــة واحــدة بالنـسـبة لـهــم جــمـيـعاً متفرقين أو مجتمعين على أن الشريعة لا تـمـنـع مـن النـظـر إلي الــدول الأجنبية المـخـتـلـفـة كــل عــلى حده بحسب ظروفها فيـجــوز مـثـلاً أن يـكــون بيـن المســلمين وبـيـن الإنجليز حـرب وأن يـكــون بيـن المـســلمـين وبيـن الـفـرنـســيـيـن عـهـد أو هــدنــه وهـكـذا ، وأســـــاس 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الجريمة والعقوبة : قسم الجريمة - محمد أبو زهرة ص 959 وما بعدها بتصرف 





ــ58ــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجنسية في دار الإسلام اعتناق الإسلام أو التزام أحكامه ، فمن  اعتنق الإسلام فهو مسلم ومن التزم أحكام الإسلام ولم يسلم فهو ذمي وأساس الجنسية في دار الحرب هي إنكار الإسلام وعدم التزام أحكامه .
فتبين لنا من هذا العرض الموجز مدى سريان النصوص الشرعية على المكان وبيان اختلاف العلماء في ذلك وبيان الراجح منها حتى يمكن للنصوص الشرعية أن تطبق على الوجه التي بعثت من أجله لقوله تعالى ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل  منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) (1) . وتلك النظريات قد أخذت بينها القوانين الوضعية في وقتنا الحاضر مثل مبدأ منع الأجانب من دخول أرض الوطن وعدم دخول الأجانب أرض الوطن إلا بإذن على أن يقيموا إقامة مؤقتة ومثل امتلاكهم لجو بلادهم وبحاره وصحاريه ، فالشريعة قد سبقتهم بها فما جاءوا بشيء جديد يستحق العناية والتبجيل (2) .













ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران : آية 85 .
(2) ينظر التشريع الجنائي الإسلامي : عبدالقادر عوده  جـ1- ص 307 بتصرف .














ــ 59 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنصــر الرابــــــع
سريان النصوص الجنائية على الأشخاص
إن القانون الإسلامي الجنائي في تطبيقه لا يفرق بين الناس والطبقات فالكل سواء أمام  القانون  لا فرق بين شريف وضعيف  ولا غني ولا فقير ولا عربي ولا عجمي ولا حاكم  ولا محكوم فالناس يتفاوتون  في  العقل وكل ذي فضل له فضله ولكن في العقاب هم سواء إن كان منهم سبب للعقاب ، ولقد وردت بذلك النصوص الـدينـية المـقــررة لـمـبدأ المساواة  في الأحكام التشريعية قال تعالى ( يا أيها الناس إنا خـلـقـناكــم  مــن ذكـر وأنثـى وجـلـعـناكــم شـعـوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (1) . ولقد قال صلى الله عليه وسلم ( كلكم  لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ) (2) . ولقد أهم قريش شأن المخزومية التي سرقت عقب فتح مكة  والإسلام مازال جديد بين قريش فكلموا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع في شأنها فقال صلى الله عليه وسلم ( أتشفع في حد من حدود الله ثم وقف خطيباً يقرر مبدأ المساواة بين الناس في أحكام الشرع الإسلامي فقال كلمته الخالدة  [ أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف فيهم تركوه وإذا سرق  الضعيف قطعوه وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ] (3) . فهذا قول حازم قاطع بأنه لا تفاوت عن العقوبة إذا تفاوتت الأنساب لأن الجريمة واحدة وهي تضع صاحب النسب الشريف حتى يقتص منه ، فالجريمة صغار ولا اعتبار للرفعة في موضع الصغار ، وإذا كان لها اعتبار فلتكبر الجريمة ويكبر معها العقاب ( ولقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقرر إن القوي ضعيف حتى يؤخذ الحق منه والضعيف قوي حتى يؤخذ الحق له ، وكان يقبل إن يقـتـص مـنـه إذا آذى إنســانـا بـغـيـر حــق وكــان ينـهي الأمراء أن يضربوا  أبشــار الناس ويهــددهــم وهــو صادق في عزيمته ، أنهم إن ضربوا الناس ليأخــذنهم بحكم القصاص وقد نفذ ذلك فعلا عندما علم أن ابن عمرو بن العاص ضرب 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحجرات : آية 13 .
(2)سنن الترمذي في المناقب : ومسند أحمد جـ3 ص 524 .
(3) في البخاري : مغازي ، وفي مسلم في الحدود .




ـ 60 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتى مصرياً لأنه سبقه فأحضره وأعطى السوط للمصري ليقتص من إبن عمرو وكان كلما سكت قال زد ابن الأكرمين وكان يكرر هذه الكلمة لأن ابن عمرو نطق بها عندما كان منه الاعتداء ) (*) (1).  هكذا ما كان يفلت من العقاب أحد  لشرفه  ، ولا يخرج عن حكم  الإسلام أحد لنسبه وأن النبي صلى الله  عليه وسلم كان ينادي  [ يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئاً ] (2) . ولقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( لوددت أني وأياكم في سفينة في لجة البحر تذهب بنا شرقاً وغرباً فلن يعجز الناس أن يولوا رجلاً منهم فإن استقام اتبعوه  وإن ضعف قتلوه فقال طلحة بن عبدالله : وما عليك لو قلت وإن تعوج عزلوه ، قال الموت أنكل  لمن بعده  ) .
وفقهاء الشريعة الإسلامية وإن كانوا يشترطون في الإمام الأعظم شروطاً لا تتوفر في كل شخص الإ أنهم يسوونه بجمهور الناس أمام الشريعة وهذا متفق عليه فيما يختص بالولاة والحكام والسلاطين والملوك الذين يخضعون للخليفة أو يستمدون سلطتهم منه ، إلا أنهم اختلفوا في الإمام الأعظم للمسلمين هل يقام عليه الحد أم لا ؟.
1  ــ   فيرى الحنفية : التفريق فيما إذا اعتدى على حقوق الله فلا يقام عليه الحد أما حقوق العباد كالقصاص والمال فيؤخذ به ، وحجته أن الحد حق لله وهو المكلف بإقامته ومن المعتذر أن يقيم الحد على نفسه بخلاف القصاص ونحوه من المتلفات فان المجني عليه له حق الدعوى عند القاضي ليخاصم رئيس الدولة الأعلى .
2  ــ   ويرى الجمهور : استواء الإمام في كل شيء يقترفه ويقام عليه الحد سواء كانت لله أو العباد ، وحجتهم عموم النصوص ، ولأن الجرائم محرمة  ، ويقيم عليه الحد واحد ممن ينوبون  عنه ممن لهم تنفيذ هذه العقوبة   (3) . والذي أرجحـه هـو تنفيذ العقـوبة عـلى الوالي  لعمـوم الأدلة ولأنـه القـدوة للمسـلمين 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ينظر اخبار عمر  / علي الطنطاوي / ص143 / المكتب الإسلامي 
(1) ينظر الجريمة والعقوبة - قسم الجريمة : محمد أبو زهرة ص 347 .
(2)أنظر صحيح مسلم جـ1 ص 114 وفي صحيح البخاري جـ1 385 .
(3) ينظر التشريع الجنائي الإسلامي : عبدالقادر عودة جـ1 ص 320 .




ــ 61 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا لم يخش بعد إقامة الحد عليه أن يكيد للشريعة ويجور عليها وعلى رعيته ويظلمهم ويضيق عليهم بحجة أنه الإمام الأعظم فإذا خشى منه ذلك فالأولى عدم إقامة الحد عليه تطبيقاً لقاعدة ( ارتكاب أدنى المفسدتين دفعاً لأعلاهما ) .
ومما يجعل الشريعة خالدة متفوقة وجود المساواة بين المسلمين والذميين في تطبيق النصوص الشرعية فيما كانوا متساوين فيه أما ما كانوا مختلفين فيه من الاحكام فلا تسوى بينهم وهذا في منتهى الحرية الدينية كما قال تعالى [ لا إكراه في الدين ] ( ويحضرني في هذه المناسبة قصة رجل أمريكي في مدينة  الظهران - بالمملكة العربية السعودية - حصل بينه وبين رجل سعودي مشكلة فترافعا إلي القضاء فحكم للرجل الأمريكي بموجب البيانات التي تقدم بها إمام القاضي ، فلما رأى عدالة الإسلام وإنصافه ومساواته أعلن إسلامه منذ  ذلك الوقت )  فهذه هي المساواة في الشريعة لا تفرق بين لون ولون ولا فرد على فرد وهذا في منتهى العدالة والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه وهذا هو الذي فوّق الشريعة الإسلامية وجعلها شامخة فوق كل القوانين الوضعية التي لم تعرف المساواة ولا معناها حتى قيام  الثورة الفرنسية فجعلت المساواة أساساً من الأسس الأولية في القانون وأصبحت القاعدة  تسري على نصوص القوانين الوضعية في هذا المضمار فلم يطبق كما أرادوا بل لا تزال آثاره من تفرقة عنصرية وتقاليد قديمة راسخة في أذهانهم مهما حاول المفكرون ابعادها .
والأمثـلــة عـلـى ذلـك كـثـيـرة نـقـتصـر عـلـى واحــد مـنها  وهو تمميز الأغــنـياء عـلـى الفـقـراء فـي كـثـيـر مــن الحالات ففي قانون تطبيق الجنايات المـصـري مــا يـوجـب عـلى القـاضــي أن يحـكـم بالحـبـس فــي كـثـير من الجرائم عـلـى أن يـقــدر للمـحـكـوم عـليـه بكـفـالــة مـالية إذا دفعها أجل تنفيذ الحكم عليه حـتى يفـصـل فــي الاستـئنـاف وإن لــم يـدفــعـهـا حـبـس دون انتـظـار لنتيجة الاستئناف .
وفي هذا مبدأ الخروج على فكرة المساواة إذ يستطيع الغني دائماً أن يدفع الكفالة فلا ينفذ عليه الحكم بينما يعجز الفقير عن دفعها في أغلب الحالات فينفذ عليه الحكم في الحال .
ـــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة البقرة آية 256.



ــ  62 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويجيز قانون تحقيق الجنايات المصري للمتهم المحبوس أن يعترض على حبسه فينظر اعتراضه  أمام القاضي وللأخير أن يفرج عن المتهم بضمان مالي ، وفي تقرير مبدأ الضمان المالي خروج ظاهر على مبدأ المساواة لأن الغني يستطيع دائماً أن يدفع الضمان المالي فيخرج من حبسه ،  أما الفقير فهو في أغلب  الحالات عاجز عن دفع الضمان فيظل رهين محبسه وقد تقضي المحكمة ببراءته مما نسب إليه فتكون النتيجة أنه حبس لا لأنه أجرم بل لأنه عجز عن دفع الكفالة أو بتعبير آخر  لأنه فقير .
وقد يدهش كثير من مفكري الغرب ومشرعيهم حينما يعلمون أن الشريعة الإسلامية قد عرفت وحثت على نظرية المساواة من مدة أربعة عشر قرناً بينما لم تبدأ القوانين الوضعية إلا في آخر القرن الثامن عشر ويستطيع المفكرون المثاليون طلاب المساواة التامة أن يرجعوا إلي الشريعة الإسلامية فيجدون المساواة قائمة فيها ، يحوطها جمال التكوين وجلال التقنين وعدالة التشريع ما يبهر أبصارهم ويحير ألبابهم ولكن دون شك يحقق أحلامهم ويشبع أطماعهم   (1) . وقد تكلمنا في المميزات بين الشريعة والقانون عند المساواة فلا داعي للاطالة هنا .











ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  ينظر التشريع الجنائي : عبدالقادر عودة جـ1 - ص 312  بتصرف .










ــ 63 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـــركــن الثــــانـــي 

الركــن المادي :  ــ
وســيكون الكـلام عــن هـذا الـركـن متعـلـقاَ بالـشـروع بالـجـريـمـة ،  والاشتراك بالجريمة : 
أما  الشروع في الجريمة : فيقول البعض إنه لم يكن لنظرية الشروع بالمعنى الذي يفهم منها الآن وجود في عهد تطبيق الشريعة الإسلامية إذ أنه وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية للقاضي أن يعزر كل من ارتكب معصية ليس لها حد مقدر في الشرع بما يراه زاجراً له ورادعاً لغيره .
ويقـــرر البعـض الآخــر أن الفــقـهـاء لـم يعـبـروا عــن الجــرائـم غيـر التـامـة بتعبير الشروع لأن الأفعال التي لم تتم تدخل في جرائم التعازير كما تكون معصية .
وتعتبر جرائم بذاتها تامة ولو إنها لم تكف لتكوين الجرائم المقصودة أصلاً فـليــس هــنـاك مــا يـدعــوا لتقسيمها بالجرائم المشروع فيها مادام أن ما تم منها يعـتـبـر فــي ذاتــه جــريـمـة تـامـة ، وإذا عبرنا اليوم عن الجرائم غير التامة وقلنا إنـهـا جــرائــم الشــروع فـلـن نـأتــي بـشـيء جـديد وإنما هو إطلاق تسمية جديدة عـلـى بـعـض جــرائـم التعــازير وتمييز لبعض جرائم التعزير عن بعضها الآخر دون أن تكون هناك حاجة ملحة لهذه التسمية أو هذا التمييز ودون ألا يدفعنا  إلي هذا التعبير إلا البيان والإقناع ومقارنة نظرية الشريعة بما يماثلها من القوانين الوضعية .
والحقيقة أن الشريعة كانت سباقة  في العقاب في هذه المسائل وإن لم يخصص فقهاؤها الأقدمون باباً خاصاً لهذه النظرية  ومع كل فقد وجدنا  فروضاً كثيراً بين طيات كتب الفقه الإسلامي تعبر عن الشروع في الجريمة دون أن يسميها الفقهاء بهذا الإسم المستحدث   (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر كتاب ( نظريات الفقه الإسلامي ) لأحمد فتحي بهنسي ص 37 - 38 طبع سنة 1382  



ــ 64 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه هي المراحل لتنفيذ الجريمة في الشريعة :
1  ــ   مرحلة النية والتفكير : 
النية هي قصد الإنسان بقلبه وما يريده بفعله فهي بذلك تختلف عن الإرادة وهي تعمد الفعل المادي أو الترك ، وتختلف عن العزم الذي هو تعمد النتيجة المترتبة على الفعل فهي أخف منه مرتبة كما أنها سابقة عليه فالنية ما لم تظهر إلى الوجود فلا يعاقب عليها انما قد يكون فيها الإثم الديني فقد يكتب للإنسان ماله أو عليه ما لم يفعله لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يبعث الناس على نياتهم ) (1) .  أما النية التي تعقد في النفس على ارتكاب جريمة  من الجرائم سواء كانت هذه الجريمة تستوجب حداً أم قصاصاً أم دية أم تعزيراً فمادامت لم تخرج إلى حيز التنفيذ  فلا عقوبة دنيوية فالقاعدة في  الشريعة أنه لا عـقاب على حديث النفس في الجريمة قبل ارتكابها  لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تجــاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم ) (2) . وقال صلى الله عليه وسلم ( من هم بسيئة فلم يفعلها لم تكتب عليه فإن عملها كتبت سيئة واحدة ) (3) . 
2  ــ   مــرحـلــة التحضيــر :
هي المظهر الخارجي للتفكير والتصميم والعزم على ارتكاب الجريمة والأصل أن الأعمال التحضيرية لا يعاقب عليها في التشريع دنيوياً إلا إذا كانت بذاتها تكون معصية يجب فيها التعزير وقد يكون فيها عقاب الآخرة والعلة في عدم اعتبار  دور التحـضـير جريمة أن الأفعال التي تصدر من الجاني يجب العقاب عليها أن تكون معصية ولا يـكــون الفـعـل معـصيـة إلا إذا كــان اعتـداء عـلـى حــق الله أو حــق للجماعة أو عــلى حــق للأفراد وليس في اعداد وسائل الجريمة في الغالب ما  يعـتـبـر اعـتـداء ظـاهـراً عـلى حـق الجماعـة أو حـقـوق الأفـراد وإذا أمكـن اعتبـار بعض هـذه 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يراجع الترغيب : تخريج الألباني رقم 11 .
(2) رواه البخاري في العتق ومسلم في الايمان .
(3) بما معناه في مسند أحمد جـ2 ص 315 . 
* ينظر كتاب نظريات الفقه الإسلامي : أحمد بهنسي ص 38 .









ــ 65 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأفعال اعتداء فإنه اعتداء قابل للتأويل أو مشكوك فيه والشريعة لا تأخذ الناس في الجرائم بالشك وإنما باليقين .
3  ــ   مرحــلــة التنفيــــذ : ــ
هذه هي المرحلة الأخيرة التي تعتبر فيها أفعال الجاني جريمة ويعتبر الفعل جريمة كان معصية أي اعتداء  على حق الجماعة أو حق الفرد وليس من الضروري أن يكون الفعل بدأ في تنفيذ ركن الجريمة المادي بل يكفي  أن يكون الفعل معصية وأن يكون مقصوداً به تنفيذ الركن المادي  ولو كان لا يزال بين الفعل وبين الركن المادي أكثر من خطوة ويعتبر الجاني مرتكباً لمعصية يعزز عليها .
مثلاً في الزنا إذا دخل منزل المرأة التي يقصد الزنا بها أو اجتمع بها في غرفة واحدة أو قبّلها أو ضمها أو فعل غير ذلك من مقدمات الزنا فهو يعاقب بالتعزير على هذه الأفعال ولو أن بينه وبين الفعل  المادي المكون للجريمة أكثر من خطوة   (1) .
عقوبــة الشـــــروع : ــ
وقديما لاحظ الفقهاء أنه لايمكن أن تستوي الجريمة التامة مع الشروع فيها ، ففي جرائم الحدود لا يعاقب  على الشروع فيها بالحد وأنما بالتعزير ويتدرج هذا التعزير كلما اقتربت من الاكتمال وهي النظرية التي أخذ بها المذهب الوضعي . (2) .
ورد في الأحكام السلطانية - للماوردي : ــ
( إذا جـمــع المــال  في الحرز واسترجع منه  قبل إخراجه ضرب أربعين ســوطــاً وإذا نـقــب الحــرز ودخـــل ولـم يأخذ ضــرب ثـلاثــين ســوطــاً وإذا نـقـب الحرز ولـم يدخـل ضــرب عـشـرين سـوطـــاً وإذا تـعـرض للـنقـب أو الفـتـح للـبـاب ولم يكـملــه  ضـرب عـشـرة أســواط وإذا وجـد مـعـه منـقـب أو كــان مـراصـداً للمال يحقق معه ) (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر كتاب التشـريع الجـنائي الاســلامي : عبدالـقادر عوده -  ص 374  - 348  مختصر 1   
     جـ1.
(2) ينظر كتاب نظريات في الفقه الجنائي الإسلامي : أحمد فتحي بهنسي ص 47 .
(3) الأحكام السلطانية / الماوردي / صـ237  ط / الثاينة / 1386هـ .




ــ 66 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين الشريعة والقانون :
تتفق الشريعة مع القوانين  الوضعية في عدم العقاب  على مرحلتين التفكير والتحضير وفي قصر العقاب على مرحلة التنفيذ ، ولكن شراح القوانين الوضعية يـخـتـلـفون عـلـى الـوقــت الـذي يـعـتـبر فـيـه الجـاني قد بدأ فيه التنفيذ فأصحاب المـذهــب الـمـادي يرون أن بدأ التنفيذ الموكن للشروع هو البدء في تنفيذ الفعل المادي المكون  للجريمة ،  فإذا كانت الجريمة تتكون من فعل واحد كان الشروع هو البدأ في تنفيذ هذا الفعل وإذا كانت تتكون من جملة أفعال كان  البدء في تنفيذها شروعاً في الجريمة ولا يعد بدأ في التنفيذ أي عمل آخر  لايدخل  في الأفعال المكونة  للجريمة .
ويرى أصحاب المذهب الشخصي أنه يكفي لتحقيق  الشروع أن يبدأ الفاعل تنفيذ فعل ( ما ) سابق  مباشرة على تنفيذ الركن المادي للجريمة ومؤد إليه حتماً ويستعين أصحاب هذا المذهب بنية الجاني وشخصيتة لمعرفة  الغرض الذي قصده من فعله ، والمذهب الشخصي  لا يختلف في شيء عن نظرية الشريعة الإسلامية  فكل ما يمكــن العـقـاب عـلـيـه بحـسـب الـمـذهب تعاقب عليه الشريعة ولكن نظرية الشريعة مــع هــذا تتـســع لأكـثـر مـا يـتـسع له المذهب الشخصي ، لأن الشريعة تعاقب على كـــل مــا يـأتـيـه الجــاني إذا تـكـون مــا فـعـلـه  معصية سواء كان ما فعله  الجاني مؤد حتماً إلي الركن المادي للجريمة المقصودة  أو لا يؤدي إليه كدخول منزل بقصد الزنا بأمرأة منه .
أما المذهب الشخصي فيستوجب أن يكون الفعل مؤد حتماً للركن المادي كالنقب وفتح محل السرقة بمفتاح مصطنع    (1) .
وهكذا نرى من هذه المقارنة تفوق الشريعة في هذا المضمار وسبقها للقوانين الوضعية التي لم تعرف هذه المراحل إلا في الوقت الحاضر ، وهذا سبب صلاحها لكل زمان ومكان وصدق قول الله العظيم : [ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ] (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التشريع الإسلامي : عبدالقادر  عودة - ص 349 جـ1 
(2) النساء : آية 82 .






ــ 67 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عدول الجاني عن الفعل  :
إذا شــرع الجــاني  فـي ارتـكـاب الجـريـمـة فـإمــا أن يتـمـهـا وإما أن لا يتمها فــإذا أتـمهـا فـقـد اسـتـحـق عـقـوبـتـهـا وإن لــم يـتـمها فـإمــا أن يكون أكره على عــدم إتمـامـهـا كـمـن يضـبط وهــو  يجـمـع الـمـسـروقــات مـن مـحـل الـسـرقــة ، وإمـا أن يكـون هــو الــذي عــدل مخـتـاراً  عــن إتمامها وفي حالة العدول إما أن يكــون  الـعـدول لســبب ( ما ) غـيـر التـوبـة  كــأن يكـتـفـي الجـانــي بـما فعل أو يرى أنه ينقصه بعض الأداوات أو  يرى أنه يعاود  الكرة في وقت مناسب أو يخشى أن يراه أحد وإما أن يكون سبب العدول هو توبة الجاني  وشعوره بالندم ورجوعه إلي الله .
فإذا كان سبب عدم إتمام الجريمة هو إكراه الجاني على ذلك كأن يضبطه المجني عليه أو يصاب بحادث يمنعه من إتمام الجريمة فإذا كان فلا يؤثر على مسئولية الجاني في شيء مادام أن الفعل الذي أتاه يعتبر معصية  وإذا عدل الجاني عن تمام الجريمة لأي سبب غير التوبة فهو مسئول عن الفعل كلما اعتبر الفعل مععصية أي اعتداء على حق الجماعة أو حق الفرد فمثلاً إذا قصد سرقة  منزل فنقبه أو كسر الباب ثم عدل عن دخوله لأنه رأى الحارس يمر في هذه المنطقة فخشي أن يكشف الحادث أو دخل المنزل ثم خرج دون أن يسرق شيئاً لأنه عجز عن فتح خزانة النقــود  أو ليـأتـي بـزمـيل لـه يعاونه في فتح الخزانة أو يعاونه على حمل المسروقات  فـهـو فـي كـل هـذه الحالات يعاقب بالرغم من عدوله لأنه عدل لسبب غير التوبة ولأن ما وقع منه فعلاً معصية فالنقب معصية ، أما  إذا وصل إلي باب  المنزل بقصد السرقة ثم عدل لأي سبب وعاد فانه لا يعاقب لأن ما فعله لا يعتبر اعتداء على حق الجماعة أو حق الفرد ثم لا يعتبر معصية وإذا لم يعتبر الفعل معصية فلا عقاب .
أمــا الـعـدول للـتـوبــة فـقـد وقع فيه خلاف  بين الفقهاء فيما عدا جريمة الحــرابــة  لـقــولـه تـعـالـى فـي شــأن المـحـاربين  ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقــدروا عــلـيـهـم ) (1) . فـيــرى الـشـافـعــي وأحـمـد أن التــوبـة تسـقط العقوبة فيما 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة : آية 34  .








ــ 68 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يختص بحق الله أي أن تكون ماسة الجماعة كالشرب والزنا ونحوهما وأما تكون ماسة فيما يتعلق بحقوق الافراد وكون التوبة مصحوبة بإصلاح العمل فحجتهم ذكر القرآن حد السارق واتبعه بذكر التوبة في قوله تعالى [ فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ] (1) . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) (2) . وقوله صلى الله عليه وسلم في قصة ماعز : ( هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه )  (3) .  أما مالك وأبو حنيفة وبعض الفقهاء في مذهب الشافعي وأحمد فيرون أن التوبة لا تسقط العقوبة إلا في جريمة الحرابة ، حجتهم عموم الأدلة من غير تفرقة بين تائب وغير تائب لقوله تعالى [ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ] (4) . وقطع الرسول صلى الله عليه وسلم يد السارق مع أنه أتى إليه تائباً ، ورجم ماعزاً والغامدية مع  توبتهما .
أما ابن تميمية وابن القيم يريان أن العقوبة تطهر من المعصية وان التوبة تطهر من المعصية وتسقط العقوبة في الجرائم التي تمس حق الله فمن تاب بعد جريمته سقطت عنه  العقوبة إلا إذا رأى الجاني أن يطهر نفسه بإقامة الحد عليه فيقام  مع توبته  (5) .






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة : آية 39 .
(2) ابن ماجة في الزهد .
(3) يراجع إرواء الغليل تخريج الألباني رقم 2322 .
(4) النور : آية 3 .
(5) التشريع الجنائي الإسلامي : عبدالقادر عوده جـ1- ص 350 وما عبدها بتصرف .







ــ 69 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاشــتراك في الجريمة  :

لا شك أن من ارتكب جريمة واحدة فهو المسئول عنها أمام قانون الشريعة والقانون الوضعي .
ولكن فقهاء الشريعة وقع بينهم خلاف فيما إذا حصل اشتراك مباشر أو بتسبب ، فيفرق أغلب فقهاء الشريعة بين مسئولية الشريك المباشر في حالة التوافق والتمالؤ فـفـي الأولـى يسـأل كــل شــريك عــن نتـيـجـة فـعـلـه فـقـط ، أمــا فـي حـالـة والتمالؤ فيـسـأل كــل مـنهمـا عـن الـقتل ، ومعنى التوافق أن نتيجة ارادة المشتركين في الجــريـمـة الـى ارتكـابـهـا دون أن يـكـون بينـهـما اتـفـاق سابق بل يعمل كل منهما تحــت تأثيـر الـدافـع الشـخصـي والفكرة الطارئة ، ففي هذه الحالة لا يسأل كل منهما إلا عن فعله .
أما التمالؤ فيتحقق بوجود اتفاق سابق بين الشركاء المباشرين للقتل ونحوه فيحصل منهم تعاون في إثناء الجريمة ففي هذه الحالة يعتبر كل منهم مسئول عن القتل لهذا التمالؤ .
أمــا أبــو حــنيـفـة فــلا يفــرق بيـن التـمــالـؤ والتــوافــق فـالــحــكم عنده واحــد أمــا بـقـيـة الائـمــة فـيـفــرقــون بيــن التــوافـق والتـمـالــؤ عـلـى ما سبق عــلـى أن بـعــض الفـقـهــاء فــي مـذهــب الشــافــعـي واحـمـد يأخذون برأي أبي حنيفة .
اختلاف العلماء فيما إذا كان المباشر آلة في يد الآمر : - 
يرى مـالـك والشــافـعي وأحـمـد انه يعـتـبر الآمــر فـاعــلاً مباشراً للجريمة  ولــو أنـه لم يبـاشــر الفـعـل  الـمـادي لأن المـأمور اداة فــي يـد الآمــر يحركه كيف يشــاء أمـا أبو حـنيفة فيرى أنه لا يعتبر الآمر مباشراً إلا إذا كان الآمر مكرهاً للمأمور فإن لم يبلغ درجة الإكراه فهو شريك بالتسبب  فقط وليس مباشراً ولا ياخذ حكم المباشر .








ــ 70 ــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
أثر ظروف المباشر على العقوبة وتأثير عقوبة الشريك بظروف شريكه : 
إذا كـانــت عـقــوبـة الجـريـمـة واجـبة على كل مباشر وان اشترك مع غيره إلا 
إن عقوبة كل مباشر تتأثر بظروفه الخاصة   والأصل في ذلك إن العقوبة المستحقة علـى كــل جـان تتـأثـر بصـفـة الـفـعـل وصـفـة الـفـاعــل  وقصد الفعل فقد يكون الـفـعـل بالنـسـبة لأحــد الجـنـاة اعـتـداء وبالـنسـبة للثــاني دفـعاً لصائل أي دفعاً شـرعـيــاً وبالنـسـبة للثـالث تأديبيـاً وقــد يكـون أحـد الفـاعـلـين مجـنونـاً وأحدهم عـاقــلاً وقـد يكـون أحـدهـم عـامـداً والآخر مخطئاً وكل هذا يؤثر على العقوبة فمن كان في حـالـة دفـاع شـرعـي تأديبي لا عقاب عليه إذا لم يتجاوز حد الدفاع أو التأديب ومـن كـان مجنوناً فـلا عقاب عليه بخلاف العاقل المميز ومن كان مخطئاً ثبتت عقوبة العامد .
اختلاف الفقهاء في تلك المسائل .
يرى بعضهم أنه قد يكون القاتل  الصبي أو المجنون فهذه شبهة يدرء بها الحد عن الشريك العاقل المميز لقوله صلى الله عليه وسلم : (  ادرءو الحدود  عن المسلمين  ما استطعتم ) (1) . ورأى البعض  أن لا شبهة فلا يدرء الحد ويعاقب كل على جريمته المستحقة ، فتبين لنا أن خلافهم ليس على قاعدة  درء  الحدود بالشبهات ونظرية الشريعة في عدم تأثير عقوبة الشريك المباشر بظروف شريكه تتفق تمام الاتفاق مع نظرية القوانين الوضعية فهذا مما يدل على صلاحية الشريعة لكل زمان ولكل مكان . فهل من  مجيب .
الجريمة بالتسبب : ــ
الجريمة بالتسبب هي التي تتوسط إرادة الجاني والنتيجة إرادة أخرى كما أشرنا فيما مضى وقد قسمها ابن قدامة إلي ستة أقسام واختصرها محمد أبو زهرة إلي أربعة اقسام .
أولاً :
الاكراه كما تقدم وسيأتي له ايضاح .
ثانياً :
الشــهــادة التــي تــؤدي إلي تـلف النفس أو العضو ثم تبين أنها شهادة 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه أبو داود : في الصلاة ، والترمزي في الحدود . حديث 1424 .
(2) ينظر التشريع الإسلامي : عبدالقادر عوده جـ1 ص 360 وما بعدها بتصرف .


ــ 71 ــ 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زور فـان الشــاهـد قــد ارتكـب شـهـادة الــزور وقــد أدت هذه الشهادة  إلي قتل النـفـس أو قـطـع الـيـد كالـشـهـادة فـي السـرقــة أو الـى حــد القــذف كالشهادة فيه ولــم تـكـن النـتـيـجـة مـن فـعـلهمـا بـل مــن فـعـل غـيـرهـمـا وهـو الحـاكــم الــذي حـكـم فـالجـريمـة إذن لــم تـكـن مـباشــرة لأنـه تـوسـط بيـن الـفـعـل أو الـقـول والنتيجة إرادة أخرى .
ثالثا :
الحـاكـم إذا حــكـم بالـقتـل أو قـطـع عـضـواً أو حــد ظـلـمـاً وهو يعـلم أنــه ظـلــم فـانـه فـي هــذه الحــالــة لا يبـاشــر الـقـتــل وربـمــا لا يبـاشــر الـقـطـع ولا الـضـرب ولـكـنـه قــد ارتـكــب تـلـك الـجـريـمـة بالـتســبب وإن لــم تـكــن مبـاشــرة .
رابعاً :
القــتل بتوكيل غيره وهو ما يسمى في لغة فقهاء القانون الجنائي القتل بالتحـريض ومـثـل القتل بالتحريض ، التحريض على أي جريمة أخرى غير جريمة القتل .
والمحرض بلا شك وان لم تكن الجريمة بفعله وتوسطت ارادة أخرى مع إرادته يعد مرتكباً بهذا التحريض ومشتركاً فيه ولذلك عليه جزء من تبعاتها إن لم تكن تبعة الـفـعـل فتـبعــة التحـريـض ، فـهـذه أقـســام تـقريـبـيـة لا تتـحــد فـيها كل أنظار الفـقـهــاء فـان الأنـظــار تخـتـلف فـي هــذه الأقـســام  اختلافاً بيناً ، وأشد الفقهاء تطبيقــاً فـي معـنى المـباشـرة وتـوسـعـة فـي مـعنى التسبب  هم الحنفية بل انهم ينفـون تبعـة الجـريمـة مطلقـاً فـي بعـض الأحــوال ، واكثـر  الفقـهـاء توسعة في معنى المباشرة وتطبيقاً في معنى  التسبب هم المالكية والحنابلة ، وقد توسط الشافعية بين الفريقين  (1) .
فتيبن لنا من هذا العرض والتحقيق لهذا الركن أن الشريعة الإسلامية قد ساعدت على حفظ النظام وكبح تيار الإجرام مهما صغر في عين فاعله تحقيقاً لمصلحة الجماعة وحفاظاً على أمنهم وراحتهم وليس أدل على ذلك من 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الجريمة والعقوبة ( قسم الجريمة ) محمد أبو زهرة ص 399 - 400 



ــ 72 ــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
أن القوانين أخذت تحذوا حذو الشريعة بنظرية الاتفاقات الجنائية مما يدل على صلاحية الشريعة سواء في العصور الأولى أم عصور الصواريخ والفضاء .
حقق الله تعالى الأماني وأعاد للشريعة الإسلامية هيبتها في نفوس الحكام المسلمين ليحكموها حتى ينعموا بالراحة النفسية مع شعوبهم وعلاقاتهم الخارجية . انه سمع مجيب .

الركــــن الثـالث 
الركـــن الأدبــــي : 

وهــو مـا يســمى في لـغـة القـانـــون بالمـسـئولـيـة الجـنائيــة وان هـذا الـركـن فيـه نظــر الـى الجـريمـة لا مـن حـيـث نتـائجـهــا المـاديــة ولـكـن  نظـر اليـهـا  مـن حـيث أهـلـية الـمرتكـب لتحـمـل التبـعـات  والتـكـليف الديني  والاجتماعي ، وذلـك لأننــا إن نظــرنـا إلــى الجـريـمـة نظــراً مـاديــاً مــن حيـث أنـها فعل ضار فــي شـيوعـيـة  فـسـاد أو اعـتـداء عـلــى حـقـوق  الغـيـر نـجـد تـلـك الحـقـيقة وآثــارهــا  تثـبت بمـجــرد وقــوع الـفـعـل الـمـادي مـن نـاحـية مقدار ما تحمله  الجــانـي مــن الـنـتائــج ومـقـدار ادراكــه وقـصــده لـهـذه النـتـائـج فـإنه لابد من النـظـر إلـى مـقـدار تحـمـلـه لـهـذه التـبـعـة فـربمـا لا يـكـون قـصـد مـطـلـقـاً الـى هــذه النتـائــج كالـمـكـره اكــراهـاً مـلـجـئاً فـإنــه يـكـون كـالريشة في يد من أكرهه والقـصـد قـصـده  ، إذ هو الذي يرتكب النتائج وهو الذي يتحمل تبعاتها وقد يكون للفاعل قصد ولكنه قصد غير معتبر لعدم الفعل الذي يميز به الضار من النافع بحيث لا يكون قصده مبنياً على إدراك النتائج والغايات وترتيب النتائج على المقدمات وقد يكون عند الفاعل  عقل كامل ولكـنه عـنـد الـفـعـل لـم يكـن في حال صحو لأنه سكران وإما لأنـه كـان نائـمـاً أو مغمى عـلـيـه وفــي هـذه الأحــوال لا يـوجــد الـقـصـد مطـلـقـاً سواء أكـان قصداً  يتـحمل فـيـه الـنـتائـج أم قصداً ليس وراءه فـعـل يعـرف بــه النتـيجة ويقدرها حق قدرها ، وكيـفـما  كـان فـالـفـعـل والإرادة الحـرة هـمـا مـنـاط تحمل التبعة تحولاً كاملاً من حـيـث النتائج والغـايــات ولـذلـك أجـمـع الفـقـهاء على أن العـاقـــل الـكـامــل الـعـقـل الـمـريـد الـمـخـتـار الـذي يـعـلـم الـنـتـائــج ويـرتـضـيها عـلـيـه تـبـعـة كـامـلــة
 ــ 73 ــ 
بتـحـمـل العـقـوبـة ســواء أكـانـت عـقـوبة مـالـيـة أم كـانــت عـقـوبــة بـدنـيـة بالقـصـاص أم إقــامــة الحــد لأن القـصـد كامل والرضى بالنتائج ثابت .
وأن  الشريعة الإسلامية لا يثبت التكليف فيها إلا على من أوتى عقلاً كاملاً بأن كان بالغاً عاقلاً ورفع فيه الإثم عند الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وقال صلى الله عليه وسلم : ( رفع القلم  عن ثلاثة عن الصغير حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق ) (1) . وقد قام التكليف في الإسلام على العقل الكامل لا على مجرد التمييز وبما أن الجريمة هي معصية منهي عنها فانه لا يخاطب بهذا النهي إلا مــن أوتــى عــقــلاً كــامـلاً ولا يـكـون فـي مــوضــع الـموآخــذة الكاملة إلا من فـعــل المنـهـي عـنـه وهــو فــي صـحـو كـامــل وان الإسلام لذلك لم يجعل لهؤلاء خـطــابـاً بالامــر والنـهــي وبـذلك يســقـط التـكـلـيف فــلا يصــح أن يوصف الفعل منـهـم بأنـه مـعـصيـة أو جــريـمـة لأن أســاس العــصــيان الخطاب والتكليف ولا خـطــاب أو تكـلـيف عــلـى هـــؤلاء ، وأساس  الجريمة أن يكون الفاعل له قصد كــامـل يعرف بـه المـقــدمــات والنتـائـج ويقـصــد الــى النتـائــج مــن وراء المـقـدمـات واخـتـلـفـوا في المـلـجـأ الــى الفـعـل بالإكـراه بحيث لا يسعه تركه في جواز تكليفه ذلك الفعل ايجاداً وعدماً والحق أنه خرج بالاكراه إلي حد الاضطرار وصارت نسبة ما يصدر عنه من الفعل إليه كنسبة حركة المرتعش إليه  كان تكليفه ايجـــاداً وعــدماً غـيــر جــائـز إلا عـلـى الـقـول بتكـلـيف ما لايـطاق وإن كان ذلك جــائز عـقـلاً ولـكـنه ممـتنع سـمـاعــاً لقـوله صلى الله عـلـيـه وسـلم : ( إن الله  تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) (2) .  والمراد منه رفـع الـمؤاخذة ، وأما أن ينتهي إلي حد الاضطرار فهو مختار وتكليفه غير جائز عقلاً وشرعاً .
وهـنـا نجــد الشــريـعــة تتـجــه فــي تحـمـيـل التـبـعـة ابتـداء الـى النـاحـيـة الخـلـقــية التـي تتـصــل بضــمـيـر مــن يـرتـكـبهــا  أو فـيـه ما يضر المجتمع أو يلحق 
بأحد آحاده الآذى ، وأساس هذه التبعة هو الحرية والاختيار والادراك الصحيح للنتائج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري في الطلاق ، وأبو داود في الحدود ، وأحمد في مسنده جـ1 ص 116 .
(2) ابن ماجه في الطلاق / حديث / 2043 .
ــ 74 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والقصد إليها قصداً ذلك لأن الأخلاق لا تحكم على فعل بأنه شر إلا إذا توافر عناصر ثلاثة هــي : 
1  ــ   الادراك الصحيح .
2  ــ   حرية الإختيار حرية كاملة .
3  ــ   القصد إلي النتائج التي تضر وتؤذي وان لم تكن في اعتباره هو .
كـذلك فــان تخلـف عنـصـر مـن هـذه العـناصــر لا يـعـد الشـخـص ارتـكب إثـمـاً ولا يـوصـف فـعـلـه بأنــه شــر وإن كــان يوصــف بأنـه ضار فالفرق بين الضــرر والشــر ، أن الضــرر ما يتـرتـب عـلـيه أذى وفــوات يـقـع ســواء أقصد اليـه الفاعــل  ام لـم يقـصـد اليـه ، والشر ما قصد فيه إلي الإثم والخطيئة سواء تـرتب عـليـه مـا قـصـد أم لـم  يتـرتـب عـلـيه قـصـده بل انه قد يعد شراً ولو لم يترتب عليه نفع .
إن مثل هؤلاء بلا شك لا نجد الناحية الاجرامية فيهم ثابتة إذا نظرنا تلك النظرة الخلقية دون سواها ولكن هل ينسى حق المجتمع في حمايته من الأضرار الناجمة عن الأفعال  المؤذية في ذاتها من غير نظر إلي قصد الفاعل وارادته وادراكه فهل يترك اولئك يعيثون في الأرض فساداً من غير أن يحملوا أو ذويهم جريرة لعمل من الاعمال .
إن المجنون إذا قتل فقد انزل بلا ريب ضرراً بالجماعة عامة وبذوي المقتول خاصة ،  ومن حق الجماعة أن تحمي من مثل هذا الضرر وكذلك السكران وكذلك المخـطـىء والنـائـم والغافل فان افعال هؤلاء بلا شك تنزل ضرراً شديداً بالمجتمع أحياناً من قتل أو قـذف فهـل يتـركــون إذا قتلوا أو سرقوا أو قطعوا من غير أي عقاب ينالهم .
تلك مسأله كانت موضع نظر من قديم فقد فكر فيها القانونيون الاقدمون والفلاسفة وترددوا في ترجيح أي الجانبين الجانب الشخصي أم جانب  المجتمع ، وقد قررت بعض الشرائع القديمة مسئولية المجنون والصغير وتنوعت تبعاتهما على درجة مختلفة .
فـمـنهـم مــن قــرر أن يسـأل الـصـغـير والمـجنون عما ارتكبا من أعمال ضارة 
ومنهم من جعل أسرة المجنون والصبي هي المسئولة عما ارتكبا .







ــ 75 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنهم من أشرك المجنون والصغير واسرتهما في غرم مالي نتيجة لما ارتكبه بعض آحادها فاستمر هذا التقلب في تحمل الصغير والمجنون المسئولية حتى جاءت الثورة الفرنسية فحدت مبدأين هما :
أولا :
أن اساس التجريم للأفعال هو أن يكون عند الشخص إرادة حرة مختارة وأن يكون له قصد إلى النتائج التي تكون لفعله حتى يمكن أن تسند هذه الجرائم إليه وأن يعتبر هو السبب لها قد قصد إليها وأرادها .
ثانياً :
أنه لا يؤخذ شخص بجريمة شخص ولا جماعة بجريمة واحد ولا اسرة بجناية فرد من أفرادها  فلا تتحمل الأسرة تبعات من يجرم من آحادها .
وإن المجانين والصغار لا عقاب عليهم فيما يرتكبون دائماً بل ثمة مسئوليات مدنية على من تركهم من أولياء نفوسهم وتكون تلك المغارم المالية  لتقصيرهم في المحافظة عليهم ومنع أذاهم عن الناس فالأولياء لا يعاقبون علىجرائم المجانين وإنما يضمنون ما ترتب من تقصيرهم .
أما الشريعة فكانت وسطاً بين إهمال العقاب بالنسبة للمجانين وأشباههم ممن ذكرنا وبين الذين فرضوا عليهم العقاب كالعقلاء ولو في بعض الجرائم وذلك لأنها لم تعف افعالهم من أي عقاب ولم تعاقبهم كالعقلاء ولم تجعل العقاب على الولي على النفس أو من يكون الصغير أو المجنون في حمايته ويحافظ عليهم وقد جعلت الشريعة جرائم هؤلاء قسمين :
أحــدهما : ــ
ما يكون فيه اعتداء على المال وذلك بكون الضمان فيه من ماله هو إذ الغرم بالغنم وما يكون فيه اعتداء على النفس أو الأعضاء أو يكون بالجروح مما يستوجب القصاص إن أمكن القصاص فإنه يكون عليه الدية ولا يدفعها هو بل تدفعها العاقلة وهم العصبات من ذوي قرابته . وان هــذا فيـه مـعـنى العـقـاب الجـمـاعـي فـي الأسرة ولكن في الحقيقة هو نـوع مـن التعـاون وإن كان لا يخـلـو مـن أن فيه حملاً للأسرة على الاحتياط من أفعال 






ــ 76 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذين لم  يرزقوا حظاً من العقل يجعلهم يحملون التبعات بأنفسهم ولقد قرر الفقهاء أن الدية التي تجب من الخطأ من البالغ العاقل أو نتيجة أفعال قاصري الأهلية وفاقديها يكون على مرتكب الفعل ثم ينتقل الوجوب إلي الأسرة من قبيل التعاون بين آحادها ويذكر الجصاص رضى الله عنه في كتابه ( أحكام القرآن ) الوجوه التي شرعت لأجلها وجوب الدية على العاقلة فيقول ( ولوجوب الدية على العاقلة وجوه سائغة في العقل هي : 
أولاً : ــ
أنه جائز أن يتعبد الله تعالى بإيجاب المال عليهم لهذا الرجل من غير قتل كان منه كما أوجب الصدقات في مال الأغنياء .
ثانياً :  ــ
أن موضوع الدية على العاقلة إنما هو على النصرة والمعونة ألا ترى أنهم يتناصرون على القتال والحماية والذود عن الحريم فلما كانوا متناصرين في القتال والحماية أمروا بالتناصر والتعاون  على تحمل الدية ليتساووا في حملها كما تساووا في حماية بعضهم بعضاً عند القتال .
ثالثا :  ــ
أن في إيجاب الدية على العاقلة زوال الضغينة والعداوة من بعضهم لبعض إذا كانت قبل ذلك ، وهو داع إلي الألفة وصلاح ذات البين ، ألا ترى أن رجلين لو كان بينهما عداوة فتحمل أحدهما عن صاحبه ما قد لحقه لأدى ذلك إلي زوال العداوة والى الألفة وصلاح ذات البين .
رابعاً :  ــ
أنـه إذا تحـمـل عـنه جنـاية حـمـل عنـه القـاتـل إذا جـنـى أيضاً فلم يـذهـب حـمـله للجنـايـة عنـه ضيـاعـاً بـل كــان لـه أثـر مـحـمـود يستحق فعله عليه إذا وقعت منه جناية .
فهذه وجوه كلها مستحسنة في العقول غير مدفوعة وإنما يؤتى الملحد من ضـيق عـقـلـه وقـلة معـرفـته وإعراضه عن النظر والفكر والحمد لله على حسن هدايته ) انتهى كلام الجصاص .
هؤلاء هم الذين تكلم الفقهاء في تحملهم تبعات ما يقع منهم من أ ذى وقد اعفوهم أو بعضهم من الحدود والقصاص و التعزيرات و إن لم يعفوهم من الديات على تفصيل و اختلاف في الإعفاء و في مداه با لنسبة لكل حال من هذه الحوال. 




ــ 77 ــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
أمــا  الآن فالـكـلام عـلى تحـمـل البـالـغ الـعـاقــل الـواعــي لتـبعة أفعاله وتـحـمـلـه لنـتائجـهـا ولـقـد اعتـبـرت الشـريعـة العـقـلاء البـالغـيـن المـريـديـن مسئــولية كـامـلـة عـن أعـمـالهــم وهــي بهـذا قــد اتجــهـت إلـى اعـتبـارهــم مختـاريـن فـي ارتـكــاب الجـريـمة غـير مجــبرين ، وقــد وقع بين علماء المسلمين فـيمـا يتعلق بالجـبر والاختـيار خـلاف أسـاسه إرادة الإنسان المحدودة مع إرادة الله سبحـانه وتعـالى وقــدرته عـلى كــل شـيء وكون كل شيء بإرادة الله ولا يخرج شيء عن إرادة الله .
فـقـد قــرر بعـض عـلـمـاء الكلام أنه مادامت إرادة الله شاملة لكل شيء وعـلمـه محـيـط بكـل شـيء فـإن الإنـسـان لا إرادة لــه فيما يفعل بل هو في هذا الوجــود كالريشة في مهب الرياح وكل شيء بقضاء الله  وقدره وهو المنشىء المكون ، فالانسان وقدرته وإرادته وأعماله خلق الله تعالى ولا ارادة له في شيء وهؤلاء هم الجبرية .
وقــرر آخــرون إن الله خــالـق كــل شــيء وخــلـق فــي الانـسـان قــدرته عـلـى العمل والانشاء فهو ينشىء في الكون ولكن بقوة أودعها سبحانه إياه فالمعـاصــي إنـمـا تـقـع بـارادة العـبـد الـتـي مـكـنه الله منـهـا بالـقـوة التي أودعها الله تعـالى  اياه وذلـك تحـقـيق لمـعـنى الـعـدالـة الالـهـية لأنـه تعـالــى لا يـعـاقب العـبد عـلـى أمــر ليـس مــن فـعـلـه فــلا بــد إن تــسند الـمـعـاصــي الــيـه حـتى يتحـمـل العبـد تـبعـتـهـا  ويعاقــب عـليهــا فـي الـدنيــا بـمـا وضـع الله  عـليـهـا مـن حــدود وقصــاص  وفـي الآخــرة بمــا أعده للآثمين من عقاب اليم وهؤلاء هم المعتزلة .
وبـين هـاتين وجــدت أمـة مقـتـصـدة لـم تـفـرض فـي الانـسـان الارادة
 المطـلـقـة المخـتـارة التـي يكـون بها الإنسان فعالاً لما يريد ومسئولاً عن كل فعل 
يفـعلـه كـمـا لا تـنـفى عـنه كـل ارادة ويـزول عـنه كل اختيار بل قرروا أن 






ـــ78ــ
الأفعال كلها لله تعـالــى والعـبـد لـه فـيهـا الكـسـب الــذي لا يخـتـار بــه ويـريــد  وفـــي  الجـمـلـة  عـنـد  الشــخـص  نـــــوع  مـــن الاخــتـيار  يسـتـطـيـع  بـه  إن  يـكـون  مـســئولا ًعن كـل ما يفـعـل والا تعــطـلـت الشــرائع والغـيـت الأوامــر والنـواهــي وهــذا الـرأى هــو 
الصـحـيح المـوافــق للعـقـل والنقـل وهــو مذهـب أهــل السـنة ، وعـلـى ذلك نقول إن جـمـهـور عـلـماء المسـلمـين يـرون أن الإنسـان لــه اخـتـيـار نسـبي يتـحمـل بـه تبعـات مــا ارتـكـب مـن مــعـاصــي يعـاقــب عـليـهـا في الآخرة ويعاقب على بعضها في الدنيا ، ويرون أن البالغ العاقل لا يعفي من نتائج أعماله التي يعملها وهو في صحو من غير غفله .
( هل تهمل الشريعة سلطان البيئة في الحكم بتجريم شخص فلا يعذر بسبب البيئة ويعفي من العقاب ) : ــ
إن البيئة الفاســدة  لا تبـرر الجـريمــة وليـسـت مـعـذرة لآثم قــط ولكن إذا ثبـت أن البيئـة ألجـاتـه الــى عمـل إثم إلجاء فان الجريمة حينذ تسقط ولا تثبت وقد  ذكر فقهاء المســمـلين ذلك فـي أمـريـن يصـح أن يقـاس عــليـهـمـا مـا يشبههما ولا يتجاوز الاستثناء إلي حكم عام بفرض سلطان مطلق للبيئة  بحيث أنه يكون عذراً لإسقاط العقاب .
الأمــر الأول :
إن الحنابلة قد أفتوا تابعين للإمام  عمر بأنه لا يقام حد للسرقة في المجـاعــة فـإن الإمــام عمـر رضـي الله عــنـه قــد مـنـع حــد إقـامــة السـرقـة في عــام الـرمــادة إذ كـانـت مجـاعــة شــديـدة فـان غـلـمـان حـاطـب ابـن أبي بلتعـة قـد ســرقـوا ناقــة ونحـروهــا وأكـلـوها فـــلـم يقـم عـليهــم عمر الحــد وغرم حاطباً ضـعـف ثـمنهــا وقـال ( أعـلم أن حـاطبـاً يجيـع غلمانه ) فكانت هذه هي السرقة للجـوع الشـديد  وكـانت دعـوى الجـوع مظـنة التصـديق لهـذه المجاعـة التـي عـمـت .
وقـــد زعـم بعـض الـكتـاب فـي الـفـقـه أن عـمـر رضـي الله عـنـه أسـقـط الحـد  برأيــه واجـتـهــاده وقــد أخـطـئوا فـان عـمـر مــا أسـقـط حــداً  قــد ثبـت ولـكنـه لـم يحـكـم بالـحـد لأنه ثبــت أن الفـعـل لـم يـكــن بإختيارهم  فسقطت التبعه لهذا  الاكراه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــعمر بن الخطاب في / محمد أنيس عبادة / ص 112 ط دار الباز"مكة"
                                             
                                                   ـ79ـ

الأمــر الثــاني :
أن فقهاء المسلمين قد قرروا أنه لو كان اثنان في صحراء أو في سفر مطلقاً وقد نفد  من أحدهما زاده أو ماؤه والآخر معه فضل من الزاد أو الماء ولكنه منعه عن صاحبه فإن الآخر له أن يأخذ بالقوة ما يدفع ضرورته ولو قاتل زميله فقتله فلا شيء عليه حتى الدية .
ويصـح أن يضـاف الـى حـــكـم البيئـة بالنـسـبة للـجـرائم أيضاً ما يباح للضــرورة ومـا يبـاح للحـاجــة ومـا ورد عـن مـالـك في شأن من كان يعيش في أرض قد عمها الحرام فإنه قد تقرر في الشريعة أن المحرم لذاته يباح للضروة كأكل  المـيتـة وشـرب الخـمـر وأكــل لـحـم الخـنـزير وارتـكـاب الزنـا إذ اكـره الشخـص بـمـا يعـرض النـفـس للـتـلف ، والحـرام لغـيره يباح للحاجة فرؤية داخل المرأة يباح للطبيب عند الضرورة .
ويلاحـظ هـنـا أن الشـريعـة نظـرت إلي معـنـى  جـلـيـل وهـو التناسب بين الـفـعـل وجــزائه وهــي نـاحـيـة عـادلـة فـإنـه مـن المـقـدرات الـثـابـتة أن نتائج الأفـعـال تشـبه ثـمـرات الشـجـر وغــلات الـزرع فـمـن يزرع يحصد وحصاده من جـنـس مـازرع  فمـن طـبائـع الأشـياء اذن أن يجـزى الـمـسيء بإسـاءتـه والـمـحـسن بإحسـانه ولا تســتوي الحسـنة والسـيئة ومــن يعـمــل ســوء يجـز  بـه ولـقد قال صـلى الله عليه وسلم ( من لا يرحم لا يرحم ) (1) .  فإذا كانت الجريمة قسوة انسـانيـة فالـعـقـوبـة جــزاء ونتـيـجـتها رحمة ولذلك قررت  الشريعة مبدأ تحمل التبـعـات لــمـن يـكـون أهــلاً لـها ولا تعـتـذر عــن آثم ولا تنظر بالرحمة إلا إلي المـجـنـي عـليـه ولـذا قـال سبـحاـنه وتعالى [ من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ] (2) . هــذا هو المبدأ العادل الثابت وهو أن يكون الجزاء من جنس العمل وهو الذي يتفق مع طبائع الأشياء  ومع سنة الوجود ومع كل النصوص في كل الديانات السماوية .
وتبـيـن لـنـا  مــن  هــذا العـرض أن الإسلام يشــدد العـقـوبــة كـلـمـا كــانــت 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري  في الأدب ، وأبو داود في الأدب ، وأحمد في مسنده ص 185 جـ1 
(2) فصلت : آية 46 .




ــ80ــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجــريـمــة ظـاهــرة مــعلـنـة لحـمـايــة المـجـتـمـع وإنـنـا لــو تركـنا  المجــرمـين مــن غــيـر عــقـاب لـمــعــذرة يعـتـــذرون بـهــا مــع أنـهــم عـقــلاء يتـحـمــلون الـتـبــعات لأعـــلـنـت  الجــرائــم ولــم يـكــن مـــن النــفــوس ضـابــط وبــذلـك يـذهــب الـحـيــاء الاجــتـمـاعــي الـذي يجـعــل الشـخــص يـمـتـنـع عــن الأذى اســتحـياء مــن الناس .

والعقاب في الشريعة الإسلامية من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعقاب الجريمة من أستنكارها .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو السبيل لايجاد جماعة فاضلة ولقد وصف القرآن أمة محمد بأنها خير أمة أخرجت للناس  ما استمسكت بالمعروف والنهي عن المنكر ولذلك قال تعالى [ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ] *.
وإذا كانت العقوبة  من هذا القبيل بمقتضى تلك الأوامر الدينية فانها أمر لابد منه لصلاح المجتمع وكون العقوبة من هذا القبيل يشير  إلي معنى اجتماعي رائع وهو إنها للتهذيب وتكوين رأي عام فاضل تختفي فيه الرذيلة ولا تظهر فيه إلا الفضيلة   (1) .

معنى المسئولية الجنائية في القوانين الوضعية وتفوق الشريعة : ــ 
معـنـاهـا فــي القـوانـيـن الـوضـعـيـة هــو نفـس مـعـناهــا في الشريعة الإسلامية  وأسـس المسـئـولـيـة فـي الـقـوانيـن الـوضعـيـة هــي الأسـس الـتـي تـقـوم عـليـهـا المـسـئوليـة فـي الشـريـعـة  ولا يخـالــف الشـريعـة إلا الـقـوانيـن الـتـي تقـيـم  نظــريـة المـسـئـوليـة عـلى فـلسـفـة الـجـبر ، وعــدد هــذه الـقـوانيـن مـحـدودة والقـوانيـن الـوضـعـية عــام  لــم تـكـن كـذلـك قـبل الثروة الفرنسية فقد كان للمـســئوليـة الجــنـائيـة فـي ذلـك الوقت معنى آخر وهو أن يتحمل الفاعل أياً  كان نتيـجـة فـعـله سواء كان إنسان أو غير إنسان  من حيوان ونحوه أو غير مختار مميز 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
           * سورة العمران آية 110.
(1) ينظر لكتاب الجريمة والعقوبة - قسم الجريمة - لمحمد أبو زهره ص 414 وما تصار .

ـ 81 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو غير مميز ، فكان أغلب القوانين الوضعية تسير الآن في نفس الطريق  الذي سلكته الشريعة الإسلامية من مدة ثلاثة عشر قرناً ، وهذا هو الذي جعل الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان  مما بهر المنصفون من علماء الغرب وجعلتهم يعترفون لها بالفعل والجدارة وانها كفيلة بحماية المجتمع من الرذائل وايجاد الفضائل ولكن هل من مجيب .
أسباب إنعدام المسئولية 

( إذا انعـدم ركـن مـن أركـان الجـريمـة الثـلاثـة المتقدمة فلا عقاب ولا مسئولية .
وقد نص الشرع على بعض أسباب تعدم معها المسئولية أو تخفيفها وسيكون الكلام على أسباب الإباحة ، وموانع المسئولية :
أولا  :
أســباب الاباحة  :
قد توجد أسباب ترفع الصفة الجنائية عن الجريمة فيصبح الفعل مباحاً ومنها ما يأتي :
1  ــ   استعمال الحق .
2  ــ   أداء  الواجب .
3  ــ   الدفاع الشرعي .
1  ــ  " استعمال الحق "
وذلك يكون مثل التأديب بالنسبة للزوجة أو الصبي فأما تاديب الزوجة فقد قال تعالى [ واللاتي  تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ] (1) .
متى يجوز أن نضرب الزوجة ؟
الآيــة صـريـحــة فـي أن الـضـرب واحــد وهــو بالنسبة للنساء العاصيات الـلاتـي يخـاف نشــوزهـن فـقـط ويرى البعض  أن شرط التأديب أن تكون المرأة ناشزا فعلا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النساء / آيــة 34 .




ــ 82 ــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
متى يحكم بتعدي الزوج لتأديب زوجته ؟ 
يحكم عليه إذا تعدى هذه القيود :
أولاً  :
أن يكــون استـعـمال حـق التأديب متفق عليه مع  الحكمة المقصودة من تشريعه فهو وسيلة إلى إصلاح حالـها والوسيلة لا تشرع عند ظن عدم ترتب المقصود عليها .
ثانيا  : 
ألا يترتب على التأديب ضرر الزوجة والمقصود الضرر الفاحش وقد قيد الفقهاء الضرب بأن لا يكون شديداً ولا شـائناً غـيـر مـبـرح ويتـجنب المواضع المخوفة كالـوجـه والـفـرج ونحـوهـمـا فـاذا تجـاوز  حقه الشرعي فانه يكون مسئولاً عن فعله مسـئولية جنائية  ومدنية بحسب النتيجة التي حدثت ويعزر تعزيراً شديداً بحسب الحالة .
ولكن إذا ماتت من التأديب فماذا يترتب على الزوج ؟
يرى بعض الفقهاء أنه يضمن التلف ويكون مسئولاً عن القتل ويعتبر قتل خطأ فيه الدية والكفارة (1) .، ومالك (2) .رويت عنه ثلاث روايات .
الاولــى  : قال ابن  القاسم وهو خطأ وذلك رواية عن مالك .
الثانية :   قال عبدالملك هو عمد يقتص به .
الثالثة :
عن ابن وهب أنه شبه عمد ، وقال ابن الباجي انه اختلف في تغليظ ذنبه ولا قصاص بحال والله اعلم .
أما عن تأديب الصغار :
فالأصـل فـي الشــريعـة أن  الأب والجـد والـوصي وللـمــعـلـم أيـاً كـان مـدرباً أو معلم حـرفـة تأديـب الصـبي دون ســن البـلـوغ ، فـلـو ضـرب الأب أو الـوصـي الصبي للتـأديب فـمـات اخـتـلـفـوا ،  يـرى أبـو حـنـيـفـة أنــه يضمن لأن التأديب اسم الفـعل يبـقـى الـمـؤدب حـيــاً بـعــدد فــاذا ســرى تبـيـن أنـه قـتـل ولـيـس بتـأديـب وهـم غـيـر 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مغني المحتاج / جـ4 صـ199 ، حاشية بن عابدين / 3 / 190 .
(2) مواهب الجليل 6/319 .
ــ 83 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مأذون لهم في القتل ، ويرى الصاحبان انه لا يضمن لأن الأب والوصي ماذون لهما في تاديب الصبي وتهذيبه والمتولد من القتل المأذون فيه لا يكون مضموناً  كما لو عزر الامام انسانأً فمات أما لو ضربه المعلم فمات فان كان الضرب بغير أمر الأب أو الولي  أو الوصي فانه يضمن لأنه متعد في الضرب والمتولد منه يكون مضموناً عليه ، أما إن كان الضرب بالاذن لا يضمن للضرورة لأن المعلم إذا علم انه يلزمه الضمان بالسراية وليس في وسعه التحرز عنه يمتنع عن التعليم فكان في تضمينه سد باب التعليم وبالناس حاجة للمعلم أما إذا ضربه المعلم لغير التعليم تعدياً أو تجاوز الأدب المعهود ضمن ما أصابه  (1) .
أما الأم فقد أختلف في شأنها إذا ضربت ولدها للتأديب، فبعضهم  يرى ضمانها وقال البعض لا تضمن وقال آخرون ضامنة لأن الضرب تصرف في النفس وليس لها ولاية بالتصرف بالنفس أصلاً .
وغير التأديب الاصابات في الألعاب الرياضية : - 
من استعراض بعض النصوص في الفقه الإسلامي نجد إن الشريعة تشجع ممـارســة الألـعــاب  الرياضــية فــعــلاوة عـلى أنـهـا تقــوى الجسـم ففيها تدريب على الحروب واسـتعداد لـمـنازلة العـدو ( عـن عائشة رضي الله عنها قالت : " سابقني رسول الله صلى الله عـلـيه وسـلـم فسـبقـته حـتى إذا أرهـقـني اللـحـم سـابقني فسـبقـنـي فقـال هــذه بتـــلك " ) (2) . ( وقــد صــارع ركـانـة  رســول الله صـلـى الله عليه وسلم فصرعه رسول الله  ) (3) . وقال صلى الله عليه وسلم " إلا إن القوة الـرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي " ) (4) . فـمـن هــذه الأحــاديـث نـستـدل عـلـى مـشـروعــيــة الـمســابقـة بيـن الـرجــال أو بين الرجال والنساء الـمحــارم وأن مـثـل ذلـك لا يـتـنـافـى مع الـوقــار والـشـرف والـعـلـم والـفضل كما يـدل عـلـى مـشروعـيـة الـلـعـب بالحـراب لـمـا فـيـه مـن الـتـدريـب عـلـى الشـجـاعــة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حاشية بن عابدين /5/ صـ24،363 
(2) رواه أبو داود في الجهاد ، وفي مسند احمد جـ1  ص 264 .
(3) رواه أبو داود في اللباس ، والترمذي في اللباس .
(4) مسلم في الأمارة ، وابو داود في الجهاد .
ــ 84 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورد في  الذخيرة  للقرافي :
( ومن العمد مالا  قود فيه كالمتصارعين والمترامين على وجه اللعب أو يأخذ برجله على وجه اللعب ففيه دية الخطأ على العاقل أخماساَ ) فإن تعمد هؤلاء  القتل بذلك ففيه القصاص فإذا فعل ذلك أحدهما على وجه اللعب والآخر لم يلاعب ولا رماه فالقصاص ، قال مالك : وفي رواية عبدالملك إن ذلك كالخطأ وإذا كان اللعب من نوع المزاح الثقيل فالمسئولية كاملة .
































ــ 85 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 ــ " القيــام بالواجـــب "

في أعمال الجراحة والطـــب 
يتوافق القانون الوضعي مع القانون الشرعي في هذا المضمار .
ورد في بداية المجتهد . ( وأما الطبيب وما اشبهه إذا أخطأ في فعله وكان من أهل المعرفة فعليه الضرب والسجن والدية في ماله وقيل على العاقلة .
انقاذ الغريق .
قال القاسم  : إن طلبت غريقاً فخشيت الموت فأفلته لا شيء عليك . وان علمته العوم فخفت الموت عليك فأفلته ضمنت ديته ، وعنه لا ضمان كالغريق فان تردى في بئر وطلبك تدلي له حبلاً فرفعته فلما أعجزك خليته فمات ضمنته .
وقال إن أمسكت لرجل حبلاً يتعلق به في البئر وانقطع لا شيء عليك لعدم صنعك أو انفلت من يدك ضمنت .
3 ــ " الدفــاع الشــرعي "
في الفقه الإسلامي . اصطلاح فقهاء الشريعة على تسميته الدفاع الشرعي بدفع  الصائل وأصله القرآن والسنة .
قال تعالى [ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ] (1) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقئت عينه هدرت ) (2) . وقال صلى الله عليه وسلم : (  من شهر سيفه ثم وضعه فدمه هدر ) (3) .
ومن شروط الدفاع الشرعي :
1  ــ   وقوع فعل بغير جريمة على النفس أو المال .
2  ــ   استعمال القوة اللازمة لمنع التعدي وعدم تجاوزها .
3  ــ   إلا يكون من الممكن الركون في الوقت المناسب إلي الاحتماء برجال السلطة العامة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة الاية 194 .
(2) مسند أحمد جـ2 ص 527 ، وفي البخاري في الديات .
(3) يراجع الجامع الصحيح ، تخريج الألباني رقم 6322 .


ــ 86 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الدفاع عن النفس فقد اختلف الفقهاء فيه :ـ
يرى الحنفية والمالكية والشافعية أن الدفاع الشرعي عن النفس واجب .
ويرى بعض الحنابلة ورأي ضعيف للمالكية والشافعية أنه جائز وليس واجباً .
ويرى بعض الحنابلة أنه في حالة الفتنة لا يجب الدفاع الشرعي بل يجوز فقط استناداً لقوله صلى الله عليه وسلم : " اجلس في بيتك فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فغط وجهك " (1) .

أما المال فقد ورد في تبصرة الحكام :ـ
( ويجوز دفع الصائل عن النفس والأهل والمال سواءً كان الصائل مكلفاً أو صبياً أو مجنوناً أو بهيمة ) .
قال ابن عبدالسلام :ـ
( يجوز دفعه عن كل نفس معصومة كانت من المسلمين أو من أهل الذمة ) .
وورد في الشرح الكبير للدردير :ـ
( وإذا قاتل الزاني الغير المحصن فإنه يقتل إلا أن يقول وجدته مع زوجتي ويثبت ذلك بأربعة شهود ويرونه كالمرود في المكحله فإنه لا يقتل بذلك الزاني كان محصناً أو بكراً لعذره بالغيرة التي صيرته كالمجنون ) .
وقال ابن فرحون في تبصرته :
( وعلى قاتله الدية في ماله إن كان بكرا ) .
وقال ابن الحكم :ـ
( انه هدر مطلقا لا  شيء فيه ولو بكرا ، أما قاتل الزاني المحصن فإنه يؤدب ) .
أما استعمال القوة اللازمة لدفع التعدي وعدم تجاوزها فيلزم أن يرد الاعتداء بالقوة اللازمة لذلك فإذا دخل منزل رجل ومعه سلاح فأمره بالخروج فلم يفعل فله أن يضربه بأسهل ما يخرجه به فإن علم أنه يخرج بضرب عصا لم يجز أن يضربه بحديدة لأن الحديد آلة للقتل بخلاف العصا ، وإذا هرب لم يكن له قتله ولا اتباعه كأهـل البغي ، وإن ضربـه ضربـة عطلتـه لم يكن لـه أن يثني عليـه بضربة أخرى لأنه 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر أبو داود / فتن ، وابن ماجة / في الفتن ، وفي مسند أحمد ج 5 ص 193 .




ــ 87ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كفى شره ، وإن ضربه فقطع يمينه فولى مدبرا فضربه فقطع رجله ــ فقطع الرجل مضمون عليه بالقصاص أو الدية لأنه في حال لا يجوز له ضربه وقطع اليد غير مضمون فإن مات من سراية القطع فعليه نصف الدية .
أما الالتجاء إلي رجال السلطة إن أمكن :
فإن أمكن في الوقت المناسب الالتجاء لرجال الحكومة دون ضرر على المعتدي عليه فلا يصح الأخير في حالة اعتداء تبيح له رده بالمثل .
ورد في ابن عابدين :ـ
( وإن علم المسروق منه أنه لو صاح عليه طرح ماله فقتله مع ذلك وجب عليه القصاص لقتله بغير حق كالمغصوب منه إذا قتل الغاصب فانه يجب القود لقدرته على دفعه بالاستعانة بالمسلمين والقاضي ) .

" الإثبات في حالة الدفاع الشرعي "
إن قتل رجل رجلاً وأدعى أنه هجم عليه في منزله فلم يمكنه دفعه إلا بالقتل لا يقبل قوله إلا ببينة وعليه القود سواء كان المقتول يعرف بالسرقة أو الإجرام أو لا يعرف بذلك ، فان شهدت البينة أنهم رأو هذا مقبلاً بسلاح مشهور فضربه هذا . فقد هدر دمه ، وإن شهدت البينة بأنهم رأوه داخلاً داره ولم يذكروا سلاحاً أو ذكروا سلاحاً غير مشهور لم يسقط القود بذلك لأنه قد يدخل لحاجة ومجرد الدخول المشهود به لا يوجب اهدار دمه وصلى الله على محمد (1) .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نقلنا الكلام على أسباب الاباحة بما فيه من التفصيل مختصراً عن كتاب ــ المسئولية الجنائية ــ للمؤلف أحمد فتحي بهنسي ص 131 وما بعدها .








ــ 88ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" موانع المسؤلية "
ما يرفع العقوبة :ـ
ترفع العقوبة عن الفاعل في أربع حالات هي :
1 - الإكراه 2 - السكر 3 - الجنون 4 - صغر السن
وفي كل حالة من هذه الحالات يرتكب الفاعل فعلاً يحرمه الشارع ويعاقب عليه ولكن الشارع يعفيه من العقاب لحالة قائمة فيه لا في فعله . فأساس الإعفاء من العقوبة صفة قائمة في شخص الفاعل بعكس الأمر في أسباب الإباحة فإن الإباحة أساسها وجود صفة في الفعل لا تجعله محرماً وعلى هذا نستطيع أن نميز بين أسباب الإعفاء من العقوبة وبين أسباب الإباحة لإن الإعفاء يرجع لصفة في الفاعل وإن الإباحة ترجع لصفة في الفعل .

" الإكراه "
(الإكراه في اللغة . هو حمل الفاعل على أمر يكرهه . والكره معنى قائم بالمكره ينافي المحبة والرضا .
والإكراه في الشرع .
حمل الغير على فعل والدعاء إليه بالإيعاز والتهديد بشروط معينة ) (1) .
شروط الإكراه :ـ
أولاً ــ
أن يكون المهدد قادراً على إيقاع ما هدد به فانه إذا لم يكن قادراً على ذلك ويعلم من هدده أنه غير قادر فان التهديد لغو لا يلتفت إليه .
ثانياً ــ
أن يقع في نفس المكره أن المهدد سينفذ ما هدد به ويقع منه الفعل تحت تأثير ذلك الخوف فانه إذا لم يكن كذلك لم يتحقق أنه فعل ما فعل غير راضٍ .
ثالثاً ــ
أن يكون الأمر الذي هدد به متلفاً للجسم ومؤذياً له أو متلفاً للمال أو بعضه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الزيلعي ، ج 5 .





ـ89ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابـعــاً ــ
أن يكون الفعل الذي أكره عليه محرماً بأن يكون هو معصية في ذاته وأن يكون ممتنعاً عن فعله قبل الإكراه فإذا هدد شخص آخر بأذى يلحقه في جسمه أو ماله إن لم يقتل فلاناً وقرر ذلك وقد همَّ هذا بقتله من تلقاء نفسه فانه لا معنى للإكراه في ذلك .

أقـــســــام الإكـــراه :
أولاً ــ
الإكراه الملجئ وهو التهديد بما يعرض النفس أو عضواً من الأعضاء للتلف كالتهديد بالقتل والتهديد بقطع عضو من الأعضاء والتهديد بضرب يؤدي إلي شيء من هذا وقد ألحق بعض العلماء بهذا التهديد بإتلاف المال كله ، وهذا النوع يسمى إكراهاً تاماً لأنه يجعل المكره في يد المكره كالآلة في يد الفاعل والسيف في يد الضارب .

ثانياً ــ
الإكراه غير الملجئ الذي يزيل أصل الرضا . وقد فرضوه في التهديد بما ينزل بالمهدد فلا يتلف النفس ولا العضو ولا كل المال كالتهديد بتلف بعض المال ، وكالتهديد بضرب لا يتلف الأعضاء ، وكالتهديد بالحبس والقيد ونحو ذلك . وهذا النوع يسمى ناقصاً .

ثالثاً ــ
هو الذي لا يؤثر في أصل الرضا أي لا يعدمه وهو التهديد بالأذى ينزل بأحد أصوله أو فروعه أو أحد أقاربه بما دون إتلاف النفس أو إتلاف العضو فإن هذا الإتلاف يعد من النوع الأول أو الثاني ، أما التهديد بحبس أحد أبويه أو زوجه فهو من القسم الثالث (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجريمة والعقوبة (قسم الجريمة) محمد أبو زهرة ص 509 وما بعدها .








ــ 90 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهناك نوع من أنواع الإكراه وان لم تنص عليه الشريعة الغراء ولكنها لم تتركه مثل لو هدد شخص بحبس أبيه أو أخيه أو أخته فهنا لا أذى ينال الجسم ولكنه أذى ينال النفس فهو وان كان مادياً بالنسبة لهؤلاء الأقارب إلا أنه أدبي بالنسبة للمكره (1) .

الأكراه على القتل :ـ
إن كان الإكراه تاماً أي ملجئاً فقد اختلف الفقهاء فيه :
1 - يرى أبو حنيفة وأحمد وقول للشافعي : لا قصاص على المكرَه ولكنه يعزر ويجب القصاص على المكرِه لقوله صلى الله عليه وسلم : " عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .
2 - أما أبو يوسف : لا يجب القصاص عليهما ولكن يجب الدية على المكره وحجته في ذلك أن المكرِه ليس بقاتل حقيقة بل هو سبب للقتل وإنما القاتل هو المكرَه حقيقة ثم لما لم يجب القصاص عليه فلا يجب على المكره أولى .
3 - عند زفر وقول آخر للشافعي : يجب القصاص على المكره دون المكره وحجتهم أن القتل وجد من المكره حقيقة حساً ومشاهدة وإنكار المحسوس مكابرة فوجب إعتباره منه دون المكره إذ الأصل إعتبار الحقيقة فلا يجوز العدول عنها إلا بدليل .
4 - وفي قول للشافعي ومالك : يجب القصاص عليهما لأن القتل إسم الفعل يفضي إلي إزهاق الروح عادة وقد وجد في كل واحد منهما إلا أنه حصل من المكره مباشرة ومن المكره تسبباً فيجب القصاص عليهما .

وأما إن كان الإكراه ناقصاً أي غير ملجئ فيجب القصاص على المكره بلا خـلاف لأن الإكـراه النـاقص لا يسـلـب الإخـتـيـار أصـلاً فلا يمنع وجوب القصاص عليه (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الفتاوي الكاملية ص 202 .
(2) يـنـظر المسـئوليـة الجـنـائيـة في الفـقـه الإسـلامي ــ أحـمـد فـتـحي بـهـنـسي ــ ص 203 - 204 .





ــ 91 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكلام على الضرورة :ـ
تـعــريـــفـــهــــا :
هي حالة تجعل الشخص يخالف القانون دفعاً لشر مستطير محدق به وهو في وسعه أن لا يرتكب المخالفة ويدع الضرر يتحقق على نفسه أو نفس غيره وقد وردت في الشريعة . قال تعالى : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه " *.

شــــروط الضرورة :ـ
أولاً ــ
أن تكون الضرورة ملجئة بحيث يجد الفاعل نفسه أو غيره في حالة يخشى منها تلف النفس أو العضو .

ثانياً ــ
أن تكون الضرورة ملجئة لا منظرة فليس للجائع أن يأكل الميتة قبل أن يجوع جوعاً يخشى منه .

ثالثاً ــ
ألا يكون لدفع الضرورة وسيلة إلا ارتكاب الجريمة فإذا أمكن دفع الضرورة بفعل مباح امتنع دفعها بفعل محرم . فالجائع الذي يستطيع شراء الطعام ليس له أن يحتج بحالة الضرورة إذا سرق طعاماً .
رابعاً ــ
أن تدفع الضرورة بالقدر اللازم لدفعها فليس للجائع أن يأخذ من طعام غيره إلا ما يرد جوعه (1) .
حكم المسئولية المدنية في حالة الضرورة :ـ
حكمها هو حكمها في حالة الإكراه والمضطر مسئول مدنياً كلما كان فعله محرماً ولو رفعت عنه العقوبة ، ولا مسئولية عليه كلما كان فعله مباحاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سورة النحل آية 115.
(1) التشريع الجنائي الإسلامي ــ عبدالقادر عوده ــ ص 577 ح 1 .




ــ 92 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأساس الشرعي لحالة الضرورة :ـ
هو نفس الأساس الذي يقوم عليه الإكراه ففي حالة عدم رفع العقاب يبقى الفعل معاقباً عليه لإنعدام الإلجاء وفي حالة الإباحة يباح الفعل لإنتفاء علة التحريم وفي حالة رفع العقاب يرفع العقاب لتحقيق الإلجاء وإنعدام الإختيار .

بين الشريعة والقانون :ـ
ما تقدم هي نظرية الإكراه في الشريعة ومن له المام بالقوانين الوضعية يرى أن نظرية الشريعة جمعت بين نظرتين يقول بهما شراح القوانين الوضعية .
احداهما : النظرية الشخصية .
الـثـانيـة : النظرية الـمـاديــة .
وقد جمعت الشريعة بين أفضل ما في النظرتين القانونيتين وسلمت من عيوبهما .

ذلك أن أصحاب النظرية الشخصية يرون أن أساس الإكراه هو إنعدام حرية المكره في الإختيار .

أما أصحاب النظرية المادية فيرون أنه كان مختاراً وأن فكرة توفر الإختيار وإنعدامه لا تصلح أساساً لتعليل الإكراه . والصحيح عندهم أنه في حالة الإكراه يكون هناك تنازع بين حقين أو مصلحتين وأن هذا التنازع يقتضي تضحية أحدهما مادام أقل قيمة من الآخر أما إذا تساوت قيمة الحقين أو المصلحتين أو زادت قيمة أحدهما فأصحاب النظرية ينقسمون على بعضهم فمنهم من يرى العقاب إذا تساوى ضرر الجريمة مع ضرر الإكراه أو زاد عليه ، ومنهم من لا يرى العقاب في أي حال لأن الجريمة في هذه الحالة لا تهم الجماعة ولأن المجرم لا يعتبر خطراً وهو تعليل غير مقنع ولا يبرر الجريمة على أساس قانوني (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يـنـظـر الـتـــشــــريـع الـجـنـــائـــي ــ عـبـدالـقـادر عـوده ــ ص 581 - 577 - 576 بـتـصـرف .










ــ 93 ــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
" الــســـــــكـــــر "

هو غيبة العقل من تناول خمر أو ما يشبه الخمر .
ويعتبر الإنسان سكراناً إذا فقد عقله فلم يعد يعقل قليلاً ولا كثيراً ولا يميز الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة وهو رأي أبي حنيفة .
ويرى محمد وأبو يوسف أن السكران هو الذي يغلب على كلامه الهذيان وحجتهما قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " (1) . فمن لم يعلـم ما يقول فهو سـكران . ورأيهمـا يتفـق مع رأي باقي الأئمـة .

السكر والمسئولية الجنائية :
الرأي الراجح من كل المذاهب الأربعة أن السكران لا يعاقب على ما ارتكب من الجرائم إذا تناول المادة المسكرة مكرها أو تناول المسكر مختاراً وهو لا يعلم أنه مسكر أو شرب دواء للتداوي فأسكره لأنه ارتكب الجريمة وهو زائل العقل فيكون حكمه حكم المجنون او النائم وما أشبههما ويلحق بالإكراه حالة الضرورة فمن شرب الخمر مثلاً وهو عالم بانها خمر لدفع غصة فسكر منها ثم ارتكب جريمة أثناء سكره فإنه لا يعاقب عليها لأنه مكره على تناولها .
أمـا من تنـاول المسـكر مختـاراً بغير عذر أو يتنـاول دواء لغير حاجة فيسـكر منه : فإنه مسئول عن جريمة يرتكبها أثناء سكره سواء ارتكبها عامداً أو مخطئاً ويعاقب بعقوبتها لأنه أزال عقله بنفسه وبسبب هو في ذاته جريمة فيتحمل العقوبة زجراً له فضلاً عن أن إسقاط العقوبة عنه يفضي إلي من اراد إرتكاب جريمة شرب الخمر وفعل ما أحب فلا يلزمه شيء .

السكر والمسئولية المدنية :
يسأل السكران مدنياً عن فعله ولو أعفي من العقاب لسكره فالمسئولية المدنية لا ترتفع عن السكران بحال . ذلك أن الدماء والأموال معصومة أي محرمة طبقاً 





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النساء : آية 34 .
ــ 94 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للقاعدة العامة في الشريعة . والأعذار الشرعية لا تبيح عصمة المحل أي رفع العقوبة عن السكران بسبب عدم الإدراك ولا يمنع من مسئوليته مدنياً عن تعويض الأضرار التي سببها للغير لأن عدم الإدراك إذا صلح سبباً لرفع العقاب فانه لا يصلح سبباً لإهدار الدماء والأموال .

بين الشريعة والقانون :ـ
تتفق آراء شراح القوانين مع ما يراه الفقهاء في الشريعة وينقسمون أيضاً قسمين . أقلية ترى ما يراه أصحاب الرأي المرجوح في الشريعة من أن السكران لا يعاقب في أي حال على ما يرتكبه من الجرائم لأنه زائل العقل .
وأغلبية ترى ما يراه أصحاب الرأي الراجح في الشريعة من رفع العقاب عن السكران إذا تناول مكرها أو غير عالم بانه مسكر ثم ارتكب الجريمة اثناء سكره ، فإن تناول المسكر مختاراً فانه يعاقب على أية جريمة يرتكبها أثناء سكره (1) .
فهنا القانون يحذو حذو الشريعة في هذا المضمار فأين أولئك الذين يقولون أن الشريعة الإسلامية شريعة العصر الأول حتى يتفهموا الشريعة وآراء الفقهاء عليهم رحمة الله أجمعين .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التشريع الجنائي . ع ــ ع جـ1  ص 582 وما بعدها .
















ــ 95 ــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
" الــجــــنــــون "
الجنون المطبق :
هو الجنون الذي يصاحب الإنسان منذ ولادته أو يكون طارئاً عليه ويكون مستمراً بحيث يزيل العقل والتمييز ويسقط الإدراك كله ويسمى بالجنون الممتد .

الجنون المنقطع :
هو مشابه للجنون المطبق إلا أنه يأت للشخص في فترات متقطعه وبين ذلك فترات يعود إليه عقله ، ففي الفترات التي يكون فيها مجنوناً تنعدم مسئوليته الجنائية ، وفي الفترات التي يعود إليه عقله تعود مسئوليته ويسمى بالجنون غير الممتد .

الــــعــــــتــــــــــه :
المعتوه في الشريعة هو من كان قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير سواء كان ذلك شيئاً من أصل الخلقة أو لمرض طرأ كالأمراض النفسية ونحوها .
المرضى بالأمراض النفسية أو العصبية حكمهم أنهم إن فقدوا الإدراك فهم يعافون من المسئولية فان كان فقدهم للإدراك كاملاً يعفون من المسئولية الكاملة كما في حالات الصرع .
والجنون ينافي القدرة لأنها تحصل بقوة البدن والعقل والجنون يزيل العقل فلا يتصور منه الخطاب والعلم به دون العقل ، والقدرة على الأداء لا تتحقق بدون العلم لأن العلم أخص أوصاف القدرة فتفوت القدرة بفوته ، وبفوت القدرة يفوت الأداء وإذا فات الأداء فات عدم الوجوب إذ لا فائدة في الوجوب بدون الأداء .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : " رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ " (1) . وفي حديث ابن عباس في قصة ماعز قال له صلى الله عليه وسلم " أبك جنون "  (2) .




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اخرجه البخاري  تعليقاَ وسبق تخريجه/ في الطلاق ، وفي مسند أحمد ج 1 ص 116 .
(2) صحيح البخاري / في الطلاق ، وفي أبو داود / في الحدود .
ــ 96 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد جاء في التلويح والتوضيح ما يلي :
( عوارض الأهلية هي الجنون والصغر والعته والنسيان والنوم والإغماء والرق والمرض والحيض والنفاس والموت ) .

حكم الجنون والعته :
تنتفي المسئولية الجنائية كاملة عن المجنون جنوناً مطبقاً إذا ارتكب ما يوجب مسئوليته الجنائية من جرائم الزنا أو القذف أو السرقة أو شرب الخمر . كما تنتفي مسئوليته الجنائية في جنونه المنقطع إذا ارتكبها أثناء الجنون . أما إذا ارتكب الشخص جريمة من الجرائم وهو عاقل ثم جن بعد ذلك قبل توقيع العقوبة فهو كما يلي :
الجنون قبل الحكم :
يرى الحنابلة والشافعية أن الجنون اللاحق للجريمة لا يمنع المحاكمة ولا يوقفها .
ويرى المالكية والحنفية أن الجنون قبل الحكم يمنع المحاكمة ويوقفها حتى يزول الجنون لأن شرط العقوبة التكليف والمجنون غير مكلف وقت المحاكمة .
الجنون بعد الحكم :
يرى الحنابلة والشافعية أن الجنون اللاحق للحكم لا يوقف تنفيذه إذا كانت الجريمة تثبت بالبينة أما إذا كانت الجريمة قد ثبتت بالاقرار فيوقف تنفيذ الحكم بسبب الجنون للمتهم لأن المحكوم عليه في جرائم الحدود له أن يرجع عن اقراره إلي وقت تنفيذ الحكم . والجنون قد يمنع المحكوم عليه من الرجوع عن اقراره .
وعند مالك الجنون لا يوقف تنفيذ الحكم إلا إذا كانت العقوبة القصاص فانها في رأي تسقط وتحل محلها الدية وفي رأي آخر ينفذ عليه القصاص إن طلب ذلك ولي الدم .
وعند أبي حنيفة لا يقام الحد بالجنون العارض لأنه من المقرر عنده أن الشهود إذا خرجوا عن أهلية الشهادة بعد أدائها وقبل التنفيذ لا يقام الحد لأنها شبهة تسـقط الحـد فأولى إذا خـرج من يجـب عليـه الحـد عن أهـليـة التكـليـف فلا ينفـذ عليـه .












ــ 97 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما في القصاص فعند أبي حنيفة ينقلب دية استحساناً . وان كان القياس يوجب القصاص نفسه .

المسئولية المدنية :
راعت الشريعة حالة المجني عليه إذا كان المتهم مجنوناً فأوجبت على المجنون المسئولية المدنية .
عن نافع مولى ابن عمر قال : ( إن مجنوناً على عهد ابن الزبير دخل البيت بخنجر فطعن ابن عمه فقتله فقضى ابن الزبير بان يخلع من ماله ويدفع إلي أهل المقتول ) .
ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة بن الزبير عن ابيه أن عبد الله بن الزبير قال : ( جناية المجنون في ماله ) .

حــكــم الــعــتـــــه :
حكمه حكم الصبي مع العقل وذلك لأن الصبي في أول حاله عديم العقل فألحق به المجنون وفي آخر حاله ناقص العقل فألحق به المعتوه فلا يمنع صحة القول والعقل ، ويصح إسلامه وتوكيله في بيع مال الغير والشراء له وفي طلاق امرأته واعتاق عبده .
ويطالـب بالحقـوق الواجبـة بالإتـلاف لا بالعـقود كثـمن المشـتري وتسليم المبيع ولا تجب عليه العقوبـات ولا العبادات ، وعند البعض تجـب عليه العبادات احتياطاً .
وقال بعض العلماء أنه ليس من الحق أن نطلق القول في المعتوه فنجعله كالصبي المميز في أحكامه في كل حال بل الحق أن يجعل الحكم في تصرفاته من ناحية الصحة والبطلان تبعاً لحالته العقلية ومقدار ادراكه ، فإن كان في هذا كالصبي المميز أخذ وإن كان دونه كان حكمه حكم الصبي غير المميز (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الكلام على المجنون في كتاب . المسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي ـ أحمد بهنسي ص 171 وما بعدها مختصراً .






ــ 98 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونجد أغلب القوانين الوضعية ومنها قانون العقوبات المصري توافق الشريعة في هــذا المبـدأ بالنسـبـة للمجـانيـن ونحوهـم فقـد ورد في قانــون العقوبـات المصـري ( على أنه لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الإختيار في عمله وقت إرتكاب الفعل لجنون أو عاهة في العقل ) .

فنرى من هذا العرض أن الشريعة قد سبقت القوانين الوضعية في هذا المضمار من مدة أربعة عشر قرناً مما جعلها صالحة لكل زمان ولكل مكان .
وبالله التوفيق .






























ــ 99 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" الـــصــــغــــر "

يمر الطفل في الشريعة الإسلامية بأطوار ثلاثة .

الطور الأول :
قبل سن التمييز ويبدأ منذ ولادة الإنسان حتى بلوغه سبع سنوات ويسمى الطفل في هذه الحالة الصبي غير المميز وفي هذه المرحلة يكون الصبي غير المميز كالمجنون فهو معدوم الأهلية فلا حد عليه إذا ارتكب ما يوجب الحد أو التعزيز . إنما يكون مسئولاً مسئولية مدنية في أمواله حتى لا يضار الغير بما يحدثه من افعال ضارة بالغير .

الطور الثاني :
طور التمييز . وهي الفترة بين سبع سنوات وبين ظهور علامات البلوغ تارة بالسن وتارة بالعلامة وتارة بهما . وعلامة الفتاة حيض واحتلام وحبل وأدنى المدة تسع سنين وهو المختار .
وقال بعضهم يعتبر في ذلك نبات الشعر . وقال بعضهم بلوغه بالسن ثماني عشر سنة والجارية سبع عشر سنة . وقال آخرون بلوغهما بالسن خمس عشر سنة. وعد بعضهم في الغلام تسع عشر سنة .
والصبي في هذه الفترة حكمه حكم المعتوه في كل الأحكام .

  الطور الثالث :
سن البلوغ . إذا بلغ الصبي أو الصبية سن البلوغ عاقلين وفقاً للقواعد السابقة فيكونان مسئولين جناية كاملة .

المسئولية المدنية :
الصبي مسئول مدنياً عما يحدثه من أضرار بالغير . وقد قال البعض أن المسئولية المدنية في ماله . وقال البعض : على عاقلته . وفرق البعض فيما إذا كان



 


ــ100 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصبي من العرب فتكون على عاقلته أو من العجم فتكون في ماله لأن العجم لا عاقلة لهم لأنهم لا يتناصرون .
ولو زنا صبي بصبية فأذهب بكارتها . كان عليه المهر بإزالة البكارة وكذلك لو كانت امرأة بالغة مستكرهة غير متزوجة .
أما إذا زنى صبي بامرأة مطاوعة فلا يجب عليه المهر لأنه لو وجب على الصبي كان لوليه أن يرجع به عليها .

شريك الصبي أو المجنون :
لفقهاء المسلمين في شريك الصبي والمجنون رأيان . رأي بأنه غير مسئول إن ارتكبا جرماً معاً .
ورأي بأن الشريك إن كان أهلاً للمسئولية يكون مسئولاً عن فعله ولا مسئولية على الصبي أو المجنون (1) .

بين الشريعة والقانون :
تعتبر الشريعة أول شريعة في العالم ميزت بين الصغار والكبار من حيث المسئولية الجنائية تمييزاً كاملاً وأول شريعة وضعت لمسئولية الصغار قواعد لم تتطور ولم تتغير من يوم أن وضعت ولكنها بالرغم من مضي أربعة عشر قرناً عليها تعتبر أحدث القواعد التي تقوم عليها مسئولية الصغار في عصرنا الحاضر .

ولقد بدأت القوانين الوضعية تأخذ ببعض المبادئ التي وضعتها الشريعة الإسلامية لمسئولية الصغار بعد الثورة الفرنسية ثم أخذت تتطور باستمرار بتأثير تقدم العلوم الطبية والنفسية ولكن القوانين الوضعية بالرغم من تطورها تطوراً عظيماً لم تأت بعد بجديد لم تعرفه الشريعة .
ولا نستطيع أن نتصور مدى فضل الشريعة إلا إذا عرفنا ما كانت عليه حالة الصغار في القوانين الوضعية القديمة التي كانت تعاصر الشريعة عند نزولها وأهمها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المسئولية الجنائية ــ أحمد بهنسي ــ ص 221 وما بعدها .
     طبع سنة 1961 م بدار العلم . بيروت .



ــ101ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هو القانون الروماني أساس القوانين الأوربية الحديثة فهذا القانون كان بحق أرقى القوانين كافة ولكنه لم يميز بين مسئولية الصغار والكبار إلا إلي حد محدود فقد كان يميز بين الطفل في سن السابعة وما بعدها . ويجعل الصغير مسئولاً جنائياً إذا زاد سنه عن سبع سنوات إلا إذا كان قد ارتكب الجريمة بنية الإضرار بالغير ففي هذه الحالة يكون مسئولاً جنائياً عن عمله . وشتان ما بين هذا وبين ما جاءت به الشريعة الإسلامية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد (1) .



















ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التشريع الجنائي ــ عبد القادر عوده ــ ص 599 - 600 .













ـــ102ــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجـريــمة وأ قـسـامهـا

" تعريف الجناية "
قد جرى على أقلام بعض الفقهاء ما يفيد بأن الجناية قد تطلق على كل فعل فيه اعتداء سواء أكان داخلاً في دائرة العقوبات فيما هو حق الله وحق العبد ، فقد جاء في شرح الزيلعي ما نصه : ( الجنايات في اللغة إسم لما يجتنيه المرء من شر اكتسبه ) .
وهو عام إلا أنه خص بما يحرم من الفعل وأصله من جني الثمر وهو اخذ ما فوق الشجر .
وهي في الشرع : إسم لفعل محرم سواء أكان في مال أم كان في نفس .
فهذا التعريف الشرعي يجعل الجناية إسماً لكل جريمة لأنها إسم لكل فعل محرم سواء تعلق بالمال أم بالنفس أم بغيرهما . فتشمل كلمة الجناية جرائم الحدود ، وجرائم القصاص بأنواعها ، وجرائم الديات ، وجرائم التعزيز . وهذا التعريف العام يتجه إليه ابن قدامة في المغني فيقول : ( كل فعل فيه عدوان على نفس أو مال ) .
لكنها في العرف . أي عرف الكتاب في الفقه مخصوصة بما يحصل منه التعدي على الأبدان .
وسموا الجناية على الأموال غصباً ونهباً وسرقة وخيانة وإتلافاً .
وانه حتى على التعريف المخصوص الذي خصه العرف في نظر ابن قدامة الحدود تدخل في معناه وان كان يخرج من جرائم الحدود والسرقة (1) .
أما أقسامها فلها عدة أقسام :
الأول ـ تقسيم مبني على جسامة العقوبة :ـ

أولاً ـ جرائم الحدود .
وهي معينة ومحدودة بسبع جرائم : الزنا ، القذف ، الشرب ، السرقة ، الحرابة ، الردة ، البغي .
ويـسـمـيـهـا الفـقـهـاء الحدود دون إضافـة لفـظ جرائـم اليـهـا ، وعـقـوبـاتـهـا تـسـمـى الـحـدود أيــضـاً ولـكـنـهـا تـمـيـز بالجـريـمـة التـي نـسـبـت الـيـهـا فـيـقـال حـد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجريمة والعقوبة ( قسم الجريمة ) محمد أبو زهرة ص 58 .
ــ 103 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السرقة وحد الشرب ويقصد بذلك عقوبة السرقة وعقوبة الشرب .

ثانياً ـ جرائم القصاص والدية .
وهي الجرائم التي يعاقب عليها بالقصاص أو الدية ولكل من القصاص والدية عقوبة مقدرة حقاً للأفراد ومعنى أنها مقدرة أنها ذات حد واحد فليس لها حد أعلى وحد أدنى تتراوح بينهما . ومعنى أنها حق للأفراد أن للمجني عليه أن يعفو عنها إذا شاء فإذا عفى أسقط العفو للعقوبة المعفو عنها .

وجرائم القصاص والدية خمس : القتل عمد ، القتل شبه العمد ، القتل الخطأ ، الجناية على ما دون النفس عمداً ، الجناية على ما دون النفس خطأ . ومعنى الجناية على ما دون النفس الإعتداء الذي لا يؤدي للموت كالجرح والضرب .

ثالثاً ـ جرائم التعازير .
هي الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبة أو أكثر من عقوبات التعازير ومعنى التعزيز التأديب . وقد جرت الشريعة على عدم تحديد عقوبة كل جريمة تعزيرية واكتفت بتقرير مجموعة من العقوبات لهذه الجرائم تبدأ بأخف العقوبات وتنتهي بأشدها . وتركت للقاضي أن يختار العقوبة أو العقوبات في كل جريمة بما يلائم ظروف الجريمة وظروف المجرم فالعقوبات في جرائم التعزير غير مقدرة .

أهمية هذا التقسيم :
أولاً ــ
من حيث العفو . جرائم الحدود لا يجوز العفو فيها مطلقاً سواء من المجني عليه أو ولي الأمر فإذا عفا أحدهما كان عفوه لغواً لا أثر له على الجريمة ولا على العقوبة .
أما جرائـم القصاص . فالعفو جائز من المجني عليه فإذا عفى ترتب على العـفـو أثـره فللمجنـي عـليـه أن يعـفـو عن القصـاص مقابـل الديـة ولـه أن يعـفو عـن الـديـة أيـضـاً . فإذا عـفى عن أحـدهمـا أعفـي من الجـانـي . وليس لرئـيـس الـدولـة 







ــ 104 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأعـلـى أن يـعـفـو عن العـقـوبــة في جـرائـم القـصـاص بصـفـتـه هـذه لأن العـفـو عن 
هذا النوع من الجرائم مقرر للمجني عليه أو وليه لكن إذا كان المجني عليه قاصراً ولم يكن له أولياء كان لرئيس الدولة الأعلى أو وليه إذ القاعدة الشرعية أن السلطان ولي من لا ولي له وفي هذه الحالة يجوز لرئيس الدولة العفو بصفته ولي المجني عليه لا بأي صفة أخرى وبشرط ألاّ يكون العفو مجاناً .

وفي جرائم التعازير . لولي الأمر أي رئيس الدولة الأعلى حق العفو عن الجريمة وحق العفو عن العقوبة فإذا عفى كان لعفوه أثره بشرط أن لا يمس عفوه حقوق المجني عليه الشخصية ، وليس للمجني عليه أن يعفو في التعازير إلا عما يمس حقوقه الشخصية المحضة ، ولما كانت الجرائم تمس الجماعة فإن عفو المجني عليه من العقوبة أو الجريمة لا يكون نافذاً وان أدى في الواقع إلي تخفيف العقوبة على الجاني لأن للقاضي سلطة واسعة في جرائم التعازير من حيث تقرير الظروف المخففة وتخفيف العقوبة .

ثانياً ــ
من حيث سلطة القاضي :ـ
في جرائم الحدود . إذا ثبتت الجريمة وجب على القاضي أن يحكم بعقوبتها المقررة لا ينقص منها شيئاً ولا يزيد عليها شيئاً ، وليس له أن يستبدل بالعقوبة المقررة بعقوبة أخرى ولا أن يوقف تنفيذ العقوبة ، فسلطة القاضي في جرائم الحدود قاصرة على النطق بالعقوبة المقررة للجريمة .

وفي جرائم القصاص . سلطة القاضي قاصرة على توقيع العقوبة المقررة إذا كانت الجريمة ثابتة قبل الجاني ، فإذا كانت العقوبة القصاص وعفى المجني عليه عن القصاص أو تعذر الحكم به بسبب شرعي وجب على القاضي أن يحكم بالدية ما لم يعف المجني عليه عنها فإذا عفا كان على القاضي أن يحكم بعقوبة تعزيز .







ــ 105ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما جرائم التعازير . فللقاضي فيها سلطة واسعة في إختيار نوع العقوبة ومقـدارهـا فله أن يختار عقوبة شـديدة أو خفيفة بحسب ظروف الجريمة والمجرم وله 
أن ينزل بالعقوبة إلي أدنى درجاتها وله أن يرتفع بها إلي حدها الأقصى وله أن يأمر بتنفيذ العقوبة أو إيقاف تنفيذها .

ثالثاً ــ
من حيث قبول الظروف المخففة :ـ
ليس للظروف المخففة أي أثر على جرائم الحدود والقصاص والدية فالعقوبة المقررة لازمة مهما كانت ظروف الجاني ، أما في جرائم التعازير فللظروف المخففة أثرها على نوع العقوبة ومقدارها فللقاضي أن يختار عقوبة خفيفة وأن ينزل بها إلي أدنى حدودها وله أن يوقف تنفيذها .

رابعاً ــ
من حيث إثبات الجريمة :ـ
تشترط الشريعة إثبات جرائم الحدود والقصاص عدداً معيناً من الشهود إذا لم يكن دليل إلا الشهادة فجريمة الزنا لا تثبت إلاّ بشهادة أربعة شهود يشهدون الجريمة وقت وقوعهـا ، وبقيـة جرائم الحدود والقصاص لا تثبت إلاّ بشهادة شاهدين على الأقل . أما جرائم التعازير فتثبت بشهادة واحد على الأقل .

ولا تعرف القوانين الوضعية هذا التقسيم وإنما تقسم الجرائم إلي :
1 - جنايـات
2 - جـــنـــح
3 - مخالفات














ــ 106 ــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
الثاني ـ تقسيمها بحسب قصد الجاني :ـ

جرائم مقصودة .
هي التي يتعمـد الجانـي فيهـا إتيان الفعل المحرم وهو عالم بأنه محرم وهذا هو المعنى العـام للعمـد في الجـرائم المقصودة أو الجرائم العمدية . وللعمد معنى خاص في القتل وهو تعمد الفعل المحرم وتعمد نتيجته فإن تعمد الجاني الفعل دون نتيجته كان القتل قتلاً شبه عمد وهو ما يسمى بالقوانين الوضعية الضرب المفضي إلي الموت .
جرائم غير مقصودة .
هي التي لا يقصد فيها الجاني إتيان الفعل المحرم ولكن يقع الفعل المحرم نتيجة خطأ منه والخطأ على نوعين :
النوع الأول :ـ
هو ما يقصد فيه الجاني الفعل الذي أدى للجريمة ولا يقصد الجريمة ولكنه مع ذلك يخطئ أما في نفس الفعل كمن يرمي حجراً في مكان فيصيب أحد المارة أو يرمي صيداً فيخطئه ويصيب آدمياً وأما أن يكون الخطأ في ظنه كمن يرمي ما يظنه حيوان فإذا هو آدمي . وإما أن يكون الخطأ في ظنه كمن يرمي جندياً من جنود الأعداء فإذا هو أحد المسلمين ففي هذه الحالات يقصد الجاني الفعل ولا يقصد الجريمة ولكن خطأه في فعله أو ظنه يؤدي إلي وقوع الجريمة .
النوع الثاني :ـ
هو ما لا يقصد فيه الجاني الفعل ولا الجريمة ولكن يقع الفعل نتيجة لإهماله أو عدم إحتياطه كمن ينقلب وهو نائم على آخر فيقتله ، وكمن يحفر بئراً في طريق ولا يتخذ إحتياطاته لمنع سقوط المارة فيه .
أهمية التقسيم :
من أهميته أن عقوبة الجريمة المقصودة أشد من غير المقصودة . وأنه يمتنع العقـاب على الجريمـة المقصـودة إذا لم يتوفـر ركـن العمد أما الجريمـة غير المقصودة 
فيعاقب عليها لمجرد الأهمال أو عدم التثبت ، وتعرف القوانين الوضعية هذا التقسيم وهي تتفق مع الشريعة في موضوعه ونتائجه .




ــ107 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثالث ـ تقسيمها بحسب وقت كشفها :ـ

أولاً ــ جرائم متلبس بها :
هي الجريمة التي تكشف وقت إرتكابها أو عقب ذلك ببرهة يسيرة . وقد عرفها قانون العقوبات المصري بأنه مشاهدة الجاني متلبساً بالجناية . أي رؤيته حال إرتكابها أو عقب إرتكابها ببرهة يسيرة ويعتبر أيضاً أن الجاني شوهد متلبساً بالجناية إذا تبعه من وقعت عليه الجناية عقب وقوعها منذ زمن قريب أو تبعه العامة مع الصياح . أو وجد في ذلك الزمن حاملاً لآلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراقاً أو أشياء أخرى يستدل منها على أنه مرتكب الجناية أو مشارك في فعلها .

ثانياً ــ الجرائم التي لا تلبس فيها :
هي التي لا تكشف وقت إرتكابها أو التي يمضي بين إرتكابها وكشفها زمن غير يسير .

أهمية التقسيم :
من حيث إثباتها . فإن كانت من جرائم الحدود لابد من شهادة الشهود أثناء الواقعة بانهم رأوا الجاني بتلك الصفة ويتفقون .
ومن حيث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلكل من رأى سارقاً أو نحوه أن يستعمل القوة لمنعه وهو يسمى كما تقدم ( حق الدفاع الشرعي ) .














ــ 108 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرابع ـ تقسيمها من حيث الإيجاب والسلب :

أولاً ــ جرائم إيجابية :
بحيث تتكون من إتيان فعل منهي عنه كالسرقة والزنا والقتل .

ثانياً ــ جرائم سلبية :
بحيث تتكون من الإمتناع عن إتيان فعل مأمور به كإمتناع الشاهد عن أداء الشهادة والإمتناع عن إخراج الزكاة وأكثر الجرائم إيجابية وأقلها السلبية .

وقد تقع الجريمة الإيجابية بطريق السلب فمثلاً الأم عندما تمتنع عن إرضاع ولدها قاصدة قتله تعتبر قاتلة له عمداً ولو أنها لم تأت بعمل إيجابي .

ونلاحظ هنا أن الشريعة تخالف القوانين الوضعية في أنها تجعل الجاني مسئولاً عن الترك أو الإمتناع إذا كان العرف يوجب على الشخص أن يعمل ولا يمتنع . ولا شك أن الشريعة منطقية في هذا التوسع لأن الشرائع والقوانين جميعاً بل وإتفاقات الأفراد يفترض أن ما يفرضه العرف يجب إتباعه ولا معنى لأن يقصر في الإتفاقات على واجبات مقررة بمقتضى العرف فإذا سئل الشخص عن واجب يفرضه إتفاق فأولى به أن يسأل عن واجب يفرضه العرف ويعترف به الناس دون حاجة لإتفاق أو إثبات . وتمتاز الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بأنها عرفت هذه النظرية  منذ زمن بعيد  .


















ــ 109 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخامس ـ تقسيمها بحسب كيفية إرتكابها :

جرائم بسيطة :
هي التي تتكون من فعل واحد كالسرقة والشرب ويستوي أن تكون الجريمة مؤقتة أو مستمرة . وجرائم الحدود والقصاص أو الدية كلها جرائم بسيطة .

جرائم الإعتياد :
هي التي تتكون من تكرر وقوع الفعل أي أن الفعل بذاته لا يعتبر جريمة ولكن الإعتياد على إرتكابه هو الجريمة . ويوجد ذلك في جرائم التعازير . والأصل أن التعزيز يكون على فعل المحرمات وترك الواجبات وهذا متفق عليه ، ووجد خلاف على ترك المندوب وفعل المكروه .

أهمية التقسيم :
أولاً ــ من حيث سريان التقادم :
في الجرائم البسيطة تبدأ المدة المسقطة للدعوى من يوم إرتكابها إن كانت مؤقتة ومن يوم إنتهاء الحالة المحرمة إن كانت غير مؤقتة . أما في جرائم العادة فالمدة المسقطة تبدأ من تاريخ وقوع الفعل الأخير المكون للعادة .

ثانياً ــ من حيث الإختصاص :
يكون الإختصاص في الجريمة البسيطة للمحكمة التي وقع في دائرتها الفعل المكون للجريمة إذا كانت الجريمة مؤقتة ، فإن كانت مستمرة أو متجددة فالإختصاص لكل محكمة استمر في دائرتها الفعل أو تجدد ويكون الإختصاص في جريمة العادة للمحكمة التي وقع في دائرتها الفعل الأخير المكون للعادة .

ثالثاً ــ من حيث تطبيق قوة التداخل :
تتفـق الشـريعـة والقانـون بأنـه إذا حوكـم الجاني مرة من المنطق إلا يحاكم مرة ثانيـة إلا إذا وقع منه أكثر من فعل واحد من الأفعال التي تكون العادة لأن العقوبة 





ــ 110 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقررة على الإعتياد على الفعل المحرم لا على الفعل ذاته . وتتفق الشريعة مع القانون في تقسيم الجرائم إلي بسيطة وجرائم عادة وتتفق معها في تعريف جريمة العادة وفي العقاب على الإعتياد .

السادس ـ تقسيمها إلي جرائم مؤقتة وغير مؤقتة :

أولاً ــ الجرائم المؤقتة :
مثل السرقة تتم بأخذ الشيء خفية فهي جريمة مؤقتة وبقاء المسروقات بعد ذلك تحت يد السارق ليس إستمراراً للسرقة وإنما هو إستمرار لنتيجتها .

ثانياً ــ جرائم غير مؤقتة :

وتنقسم إلي قسمين :
جرائم متجددة : هي التي يتوقف فيها إستمرار الجريمة على تدخل إرادة الجاني تدخلاً متكرراً مقصوداً كالإمتناع عن أداء الزكاة أو عن تسليم المحضون لحاضنه وكإحراز سلاح دون رخصة .

جرائم مستمرة : هي التي لا يتـوقـف إسـتمـرار الجـريـمـة فيها على تدخل إرادة الجاني كحفر بئر في الطريق وإقامة بناء في ملك الغير أو خارجاً عن خط التنظيم .
بين الشريعة والقانون :
تتفق الشريعة مع القانون في تقسيم الجرائم إلي مؤقتة وغير مؤقتة وما يترتب على التقسيم ولكن النظرية السائدة في القوانين الوضعية تقتضي بأنه يمكن العقاب على الوقائع السابقة على الواقعة التي صدر الحكم فيها إذا كانت الجريمة مؤقتة لأن الحكم ليس حجة إلا فيما يختص بالواقعة المحكوم فيها وعلة الإختلاف أن
الشريعة تأخذ بنظرية التداخل وهو نظرية لم تعرفها القوانين الوضعية بعد . وان كان بعضهم قد نادوا بها وعرفوها .






ــ 111 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ السابع ـ تقسيمها بحسب طبيعتها الخاصة :

أولاً ــ جرائم ضد الجماعة :
وهي التي شرعت عقوبتها لحفظ صالح الجماعة سواء وقعت الجريمة على فرد أو على جماعة أو على أمن الجماعة ونظامها .

ثانياً ــ جرائم ضد الأفراد :
وهي التي شرعت عقوبتها لحفظ مصالح الأفراد ولو أن ما يمس مصلحة الأفراد في الوقت ذاته ماس بصالح الجماعة .
وتعتبر جرائم الحدود من الجرائم الماسة بصالح الجماعة ولو أنها في الغالب تقع على افراد معينين وتمس مصالحهم مساساً شديداً كالسرقة والقذف . وليس في إعتبارها ماسة بالجماعة إنكار لمساسها بالأفراد وإنما هو تغليب لمصلحة الجماعة على مصلحة الأفراد بحيث لو عفا الفرد لم يكن لعفوه أثر على الجريمة أو العقوبة وكذلك القول بالجرائم التي تمس الأفراد كالقصاص والدية فلو عفا عنها المجني عليه فيعاقب بالتعزيز لحفظ مصلحة الجماعة . يقول أحد الفقهاء ( ما من حق آدمي إلاّ ولله فيه حق ، إذ من حق الله على كل مكلف ترك أذاه لغيره ) .

الثامن ـ تقسيمها إلي جرائم عادية وسياسية :

فرقت الشريعة الإسلامية من يوم وجودها بين الجرائم العادية والجرائم السياسية ولكن الشريعة راعت في هذه التفرقة مصلحة الجماعة وأمنها والمحافظة على نظامها وكيانها فلم تعتبر كل جريمة ارتكبت لغرض سياسي جريمة سياسية وإن كانت قد اعتبرت بعض الجرائم العادية التي ترتكب في ظروف سياسية معينة جرائم سياسية .
ولا تختلف الجريمـة السـياسـيـة عن الجـريمـة العادية في طبيعتها فكلاهما تتفق مع الأخرى في المحل والنوع والوسائل وإنما يختلفان في البواعث التي تبعث 







ــ 112 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليهما فالجريمة السياسية ترتكب لتحقيق أغراض سياسية أو تدفع إليها بواعث سياسية .
أما الجرائم العادية : فالأصـل فـيـهـا أن تـكـون بـواعـثـهـا عـاديـة ولـكـن لـيـس ثـمـة مـا يـمـنـع من أن تدفع إليها بواعث سـياسـية ومعنى هذا أن الجـريـمـة العـاديـة تختلـط أحياناً بالجريمـة السـيـاسـيـة ولهذا كان للتفريـق بين الجريمتيـن أهمية كبرى .

عقوبة البغاة أو المجرمين السياسيين في الشريعة الإسلامية :
عقوبة البغاة تختلف بإختلاف الأحوال فالجرائم التي يرتكبونها قبل الثورة والحرب أو بعدها يعاقبون عليها بعقوبتها العادية لأنها جرائم عادية لم تقع في حالة ثورة أو حرب . أما الجرائم التي ترتكب أثناء الثورة أو الحرب الأهلية فما اقتضته منها حالة الثورة أو الحرب كمقاومة رجال الدولة وقتلهم والإستيلاء على البلاد وحكمها والإستيلاء على الأموال العامة وجبايتها وإتلاف السكك والكباري وإشعال النار في الحصون وغير ذلك مما تقتضيه طبيعة الحرب فهذه الجرائم هي الجرائم السياسية وتكتفي الشريعة بإباحة دماء البغاة وإباحة اموالهم بالقدر الذي يقتضيه ردعهم والتغلب عليهم . فإذا ظهرت الدولة عليهم وألقوا سلاحهم عصمت دماؤهم وأموالهم وكان لولي الأمر أن يعفو عنهم أو أن يعزرهم على خروجهم لا على الجرائم التي ارتكبوها أثناء خروجهم فعقوبة الخروج إذن هي عقوبة التعزير وهو جريمة سـياسـيـة .
أما عقوبة الجرائم التي تقتضيها حالة الحرب أو الثورة فهي القتل إذا وجدت هذه الشروط في الثوار .
منها :
أن يكون هدفهم قتل رئيس الدولة أو الإمتناع عن طاعته وأن يكونوا متأولين في خروجهم .
وأن يكونوا ذا شوكة وقوة ومنعة .
وأن تتحقق الثورة أو الحرب .








ــ 113 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا هو حكم الجرائم التي تقع أثناء الثورة أو الحرب وتقتضيها طبيعة الحرب أو الثورة .
أما الجرائم التي تقع من البغاة ولا تستلزمها طبيعة الثورة أو الحرب فهذه تعتبر جرائم عادية يعاقبون عليها بالعقوبات العادية ولو إنها وقعت أثناء الثورة أو الحرب كشرب الخمر والزنا وقتل أحد الثائرين زميله أو سرقة ماله .
بين الشريعة والقانون :
كانت القوانين الوضعية إلي ما قبل الثورة الفرنسية تعتبر الجريمة السياسية أشد خطراً من الجريمة العادية وكانت تعامل المجرم السياسي معاملة تتنافى مع أبسط قواعد العدالة فتعاقبه بعقوبات قاسية وتصادر ماله وتأخذ أهله بذنبه وتحرمه من الحقوق التي يتمتع بها المجرمون العاديون ثم ابتدأت القوانين بتغيير نظرتها إلي الجريمة السياسية بعد الثورة الفرنسية وبعد أن كثرت الثورات في البلاد الأوربية وأصبحوا ينظرون إلي المجرم نظرة عطف وإشفاق .
والإتجاه الحديث في القوانين الوضعية يعتبر الجرائم الموجهة ضد النظام الإجتماعي كجرائم الشيوعية والفوضوية جرائم عادية كما يعتبر كل الجرائم الماسة بإستقلال الدولة جرائم عادية لأنها تمس الوطن ولا تمس نظام الحكم والحكام وهذا هو الرأي الذي أقره معهد القانون الدولي في سنة 1982 م حيث قرر أنه لا يعد من الجرائم السياسية من حيث تطبيق قواعد تسليم المجرمين الأعمال الجنائية الموجهة ضد النظام الإجتماعي .
وتبين أن أحدث الآراء في القوانين الوضعية تعتبر الجريمة سياسية إذا كانت موجهة ضد الحكام وشكل الحكم الداخلي فقط لا ضد النظام الإجتماعي ولا ضد الدولة وإستقلالها وعلاقتها بغيرها من الدول وبشرط أن تقع في حالة ثورة أو حرب أهلية وأن تكون مما تقتضيه طبيعة الثورة أو الحرب .
وهذا يتفق تماماً مع الحدود التي وضعتها الشريعة للجريمة السياسية من أربعة عشر قرناً .
ولا فرق بين الشريعة والقوانين الوضعية في هذه النقطة إلاّ أن الشريعة قد سبقت بالتفرقة بين الجرائم العادية والسياسية وأن القوانين تسير في أثر الشريعة وتأخذ بمبدئها (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر لهذه التقسيمات للجناية في كتاب التشريع الجنائي الإسلامي ــ عبدالقادر عوده ــ ج 1 ص 78 وما بعدها . مختصراً وبتصرف .




ــ 114 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويتبين لنا من هذه التقسيمات المتقدمة أن الشريعة الإسلامية حرصت أشد الحرص على إيجاد مجتمع نظيف تسوده المحبة والطمأنينة في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة . وصدق الله العظيم " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافاً كثيراً " (1) .
فلو أن هؤلاء المعجبين بآراء الغربيين وقوانينهم بذلوا جهداً ولو يسيراً لتفهم نصوص الشريعة وتحليلها لوجدوا فيها ما يسد جوعتهم ويغذي البابهم ولأوقفوا أنفسهم للدفاع عنها والذب عن مبادئها . ولكن نعوذ بالله من التكبر الذي يجر على صاحبه الوبال في الدنيا والآخرة .
وأخيـراً أرجـوا من اللـه العلـي العظيم أن يوجد من علماء المسلمين من يبرزوا هذه الشريعة الغراء ويبينوا ما فيها من المحاسن للبشرية أجمع لأنهم مسئولون أمام الله تعالى كما قال تعالى : " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس " .(2)
حتى يكتب الله على أيديهم هداية هذا العالم الغارق في ماديته الباحث عن الحقيقة دون أن يجدها إلاّ على أيدي علمائنا ومفكرينا ، جعل الله فيهم بركة وخير إنه سميع مجيب .










ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النساء : آية 82 .
(2) البقرة : آية 142.










ــ115ــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـعــقـوبـة وأقسـامهــا
" تعريف العقوبة "
هي جزاء يضعه المشرع لردع الناس عن إرتكاب النواهي وترك الأوامر .
والعقاب بهذا المعنى يختص بالعذاب . قال تعالى : " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم " (1) .
وقد شرعت العقوبات لمنع الناس عن إرتكاب الجرائم فإن هم ارتكبوها وقعت عليهم فلا يعودون مرة أخرى لإرتكابها ولذلك يقال أن العقوبات موانع قبل الفعل زواجر بعده يمنع من العودة إليه .
الفرق بين العقوبة والعقاب :
يفرق الفقهاء بين العقوبة والعقاب فيقررون أن ما يوقع على الإنسان إن كان في الدنيا يقال له العقوبة أما ما يلحقه في الآخرة فهو العقاب .

هل العقوبات زواجر أم جوابر ؟
قال بعض الفقهاء أن العقوبات جوابر أي أن تنفيذها على الجاني في الدنيا يقيه عذاب الآخرة أي أنها مكفرات للذنب لا زاجرات .
وقال السمرقندي أن المسلم إذا حد أو اقتص منه في الدنيا لا يحد ولا يقتص منه في الآخرة لما روي عنه صلى الله عليه وسلم " من أذنب ذنباً فعوقب به في الدنيا لم يعاقب به في الآخرة " .
وعند التـرمـذي عـن علـي بن أبي طـالـب عن النبـي صلـى الله عليه وسلم قال : " من أصـاب حـداً فعـجـل عقـوبتـه في الدنـيـا فالله أعـدل من أن يثنـي على عبـده في الآخرة ومن أصـاب حـداً فستره الله عليه فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه " (2) .
وفي رواية عن عبادة بن الصامت قال : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مجـلس فقـال تبايعوني على ألا تشـركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1) سورة النحل : آية 126 .
(2) رواه الترمذي في الإيمان . ح / 2626 / وفي المشكاة / ح  / 3629  / والحاكم  جـ1     صـ7 .





ــ 116 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله فأمره إلي الله إن شاء عفاعنه وإن شاء عذبه ) (1) .
وقد اختلف البعض في القصاص من القاتل وهل يكفر عنه اثم القتل أم لا . فمنهم من ذهب إلي أنه يكفره عنه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ( من أصاب من ذلك شيئاً فأقيم عليه الحد فهو كفارة ذنبه ) (2) . فعمم ولم يخص قتلاً من غيره ، ومنهم من ذهب إلي أنه لا يكفره عنه لأن المقتول المظلوم لا منفعة له في القصاص وإنما القصاص منفعة للأحياء لينتهي الناس عن القتل .
وقد سئل ابن عباس عن مَن قتل مؤمناً متعمداً ثم تاب ، فقال ( وأنى له بالتوبة سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول " يجئ المقتول متعلقاً بالقاتل تشخب أوداجه دماً فيقول أي ربي سل هذا فيمَ قتلني ، ثم قرأ قوله تعالى [ ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءوه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ] " (3) ) وقال إنها لم تنسخ .
وقال سعيد بن جبير قلت لابن عباس هل لمن قتل مؤمناً متعمداً توبة قال لا فـقـرأت عليه آية الفرقان ( والذين لا يدعون مع الله الهاً آخر ) إلي قوله ( إلا من تاب )* . قال هذه مكية نسختها آية مدنية وهي قوله تعالى ( ومن قتل مؤمناً متعمداً فجزاءوه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ) .
وقال البعض إن له توبة كغيره من العصاة لقوله تعالى ( إن الله لا يغفر إن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )  (4) .
( ولحديث الإسرائيلي الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً فتاب وتاب الله عليه (5) .وقياساً على توبة الكافر الذي فعل كل شيء . قال تعالى " قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) (6)  .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*سورة الفرقان آية 68-70.
1) رواه البخاري في الأحكام 49 ، وفي مسلم في الحدود .
(2) الترمذي / في الإيمان .
(3) سورة النساء : الآية 93 .
(4) النساء آية 48 
(5) رواه البخاري / 3470 / ومسلم في التوبة 2766 .
(6) الأنفال آية 38 .
ــ 117 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويقولون إن النصوص محمولة على المستحل وان المراد منها التغليظ .
والمعقول أن العقوبات زواجر وجوابر معاً  (1) .
الغرض من العقوبة في الشريعة والقانون :
أما في الشريعة فلها غرضان غرض قريب وغرض بعيد .
فالغرض القريب هو إيلام المجرم لمنعه من العودة إلي إرتكاب الجريمة ومنع الغير من الإقتداء به .
والغرض البعيد هو حماية مصالح الجماعة .
أما في القانون الوضعي . فقد مرت العقوبة بجملة عصور مختلفة وانتهت بتلك الأفكار :
1 - فكرة العدل والتكفير فالمجرم يجب أن يكفر عن خطيئته بجزاء رادع يتناسب مع درجة اختياره وقت الجريمة بصرف النظر عن ظروفه الشخصية .
2 - فكرة مصلحة المجتمع ومقتضاها أن المجتمع يجب أن يحمي كيانه ونظامه بمنع الاجرام كلية . اما بمعالجة المجرمين او استئصالهم طبق لكل حالة بصرف النظر عن جسامة الجريمة .
3 - فكرة توفق بين العدل ومصلحة المجتمع دون إن تطغي فكرة على الأخرى وهذا الأساس هو الذي بنيت عليه التشريعات الحديثة ، فالعقاب في العصر الحديث مفروض فيه أن يؤدي وظيفتين : وظيفة خلقية ووظيفة إجتماعية (2) . 
فتبين لنا أن القوانين الوضعية تسعى إلي ما تسعى إليه الشريعة من الحفاظ على هذين العنصرين ولكن القوانين أخفقت ولم تصب الهدف والشريعة اصابت بحجة إنها من الله .
فهـذا مما جعـلها صالحة قـديماً وحديثاً ولأنها مرنة ونصوصها كاملة قال تعالى ( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ) .
شروط العقوبة :
أولاً ــ
كـون الـعـقـوبـة شـرعـيـة فيما إذا كانت تستند إلي مصدر من مصادر الشريعـة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر كتاب الحدود في الإسلام ، أحمد فتحي بهنسي ص 7 وما بعدها .
(2) ينظر كتاب العقوبة في الفقه الإسلامي ، أحمد فتحي بهنسي ص 17 وما بعدها .
ــ 118 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كالقـرآن أوالسـنة أو الاجماع أو صدر بها قانون من الهيئات المختصـة ويشـترط كونها من أولي الأمر عدم منافاتها لنصوص الشريعة والا كانت باطلة . ويترتب على اشتراط شرعية العقوبة انه لا يجوز للقاضي أن يوقع عقوبة من عنده ولو اعتقد أنها أفضل من العقوبات المنصوص عليها .
ويظن البعض خطأ أن الشريعة تمنح القاضي سلطة تحكمية في العقاب وهو ظن لا يتفق مع الواقع وليس له مصدر إلا الجهل باحكام الشريعة . فالعقوبات في الشريعة تنقسم إلي حدود وقصاص وتعازير .
فأما الحدود والقصاص فهي عقوبات مقدرة ليس للقاضي حيالها من سلطات إلا أن يحكم بتطبيقها كلما كانت الجريمة ثابتة دون أن يستطيع تخفيفها أو تشديدها أو استبدال غيرها بها .

فالسرقة مثلاً عقوبتها القطع وليس للقاضي إذا ثبتت الجريمة على الجاني أن يحكم عليه بغير القطع إلا إذا كان هناك سبب شرعي يمنع من عقوبة القطع كسرقة الأب من ابنه .
وهذا في كل الحدود والقصاص .

أما التعازير . فسلطة القاضي فيها واسعة ولكنها ليست تحكمية فهي واسعة لأن الشريعة تعاقب على جرائم التعازير بمجموعة من العقوبات تبدأ بأتفه العقوبات كالتوبيخ وتنتهي بأشدها كالحبس حتى الموت والقتل .
وتترك الشريعة للقاضي أن يختار من بين هذه العقوبات ما يلائم المجرم وحاله والجريمة وقدرها . كما تترك له أن يقدر كمية العقاب من بين حدي العقوبة الأدنى والأعلى . ولا شك أن اعطاء القاضي هذا السلطان المشروع الواسع يسهل عليه أن يضع الأمور في مواضعها . وأن يعاقب الجاني بالعقوبة التي تحمي الجماعة من الجريمة وتصلح الجاني وتؤدبه . وسلطة القاضي على سعتها ليست تحكمية لأنه لا يسـتطيـع أن يحكـم بعـقـوبة غيـر شـرعـية ولا أن يعاقـب الجـاني بعقـوبة لا تتلاءم مع 
جريمته ولعل اتساع سلطة القاضي هو الذي دعا إلي الظن خطأ بأن سلطة القاضي في 
الشريعة سلطة تحكمية .





ــ 119 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وليس في الشريعة ما يوجب منح القضاة هذا السلطان إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة لأن المصلحة العامة هي التي سوغت منح القضاة هذا السلطان .
ثانياً ــ
أن تكون العقوبة شخصية تصيب الجاني فقط وقد تقدم الكلام به .
ثالثاً ــ
عموم العقوبة بأن يتساوى جميع الناس أمامها . والمساواة التامة في العقوبة لا توجد إلاّ إذا كانت العقوبة حداً أو قصاصاً لأن العقوبة معينة ومقدرة .
أما إن كانت العقوبة التعزير فالمساواة في نوع العقوبة وقدرها غير مطلوبة ولو اشترطت المساواة على هذا الوجه لأصبحت عقوبة التعزير حداً وإنما المطلوب هو المساواة في اثر العقوبة على الجاني . والأثر المرجو للعقوبة هو الزجر والتأديب وبعض الأشخاص يزجرهم التوبيخ وبعضهم لا يزجرهم إلا الضرب والحبس ، وعلى هذا تعتبر المساواة محققة إذا عوقب المشتركون في جريمة واحدة بعقوبات مختلفة تكفي كل منها لردع من وقعت عليه بحسب حاله وظروفه (1) .
أقسام العقوبة :
1 - تقسيمها بحسب الرابطة القائمة بينها :
أولاً ــ عقوبات أصلية :
وهي العقوبات المقررة أصلاً للجريمة كالقصاص للقتل والرجم للزنا والقطع للسرقة .
ثانياً ــ عقوبات بدلية :
كالدية إذا امتنع القصاص لسبب شرعي ، والتعزير إذا درئ الحد والقصاص . والعقوبات البدلية هي عقوبات أصلية قبل أن تكون بدلية وإنما تعتبر بدلاً لما هو أشد منها إذا امتنع تطبيق الأشد فالدية عقوبة أصلية في القتل شبه العمد ولكنها تعتبر عقوبة بدلية بالنسبة للقصاص .
والتعزير عقوبة أصلية في جرائم التعازير ولكن يحكم به بدل القصاص أو الحد إذا امتنع الحد أو القصاص لسبب شرعي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التشريع الجنائي ــ عبدالقادر عوده ج 1 ص 629 .




ــ 120 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثاً ــ عقوبات تبعية :
هي التي تصيب الجاني بناء على الحكم بالعقوبة الأصلية ودون حاجة للحكم بالعقوبة التبعية ومثلها حرمان القاتل من الميراث فالحرمان يترتب على الحكم على القاتل بعقوبة القتل ولا يشترط فيه صدور حكم بالحرمان . ومثلها أيضاً عدم أهلية القاذف للشهادة فعدم الأهلية لا يشترط أن يصدر به حكم وإنما يكفي لإنعدام الأهلية صدور الحكم بعقوبة القذف .
رابعاً ــ عقوبات تكميلية :
هي التي تصيب الجاني بناء على الحكم بالعقوبة الأصلية بشرط أن يحكم بالعقوبة التكميلية . مثل تعليق يد السارق في رقبته بعد قطعها حتى يطلق سراحه ، فإن تعليق يد السارق في رقبته بعد قطعها مترتب على القطع ولكنه لا يجوز إلاّ إذا حكم به .

2 - تقسيمها بحسب سلطة القاضي في تقديرها :
1 - عقوبات ذات حد واحد :
وهـي الـتـي لا يـسـتـطـيـع القـاضـي أن يـنـقـص مـنـهـا أو يـزيـد فـيـهـا ولـو كـانـت تـقـبـل بـطـبـيعتها الزيادة والنقصان كالتوبيـخ والنصح والجـلد المقـرر حداً .
2 - عقوبات ذات حدين :
وهي التي لها حد أدنى وحد اعلى ويترك للقاضي أن يختار من بينها القدر الذي يراه ملائماً كالحبس والجلد في التعازير .

3 - تقسيمها بحسب وجوب الحكم :
1 - عقوبات مقدرة :
وهي العقوبات التي عين الشارع نوعها وحدد مقدارها وأوجب على القاضي أن يوقعها دون أن ينقص منها أو يزيد فيها أو يستبدل بها غيرها ويسمى هذا النوع من العقوبات بالعقوبات اللازمة لأن ولي الأمر ليس له اسقاطها ولا العفو عنها كحد الزنا مثلاً .






ــ 121 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 - عقوبات غير مقدرة :
وهي التي يترك للقاضي اختيار نوعها من بين مجموعة من العقوبات وتقدير حكمها بحسب ما يراه من ظروف الجريمة وحال المجرم وتسمى هذه العقوبات بالعقوبات المخيرة لأن للقاضي أن يختار من بينها وهذا في التعازير .

4 - تقسيمها بحسب محلها :
1 - عقوبات بـدنـيـة : وهي التي تقع على الجسم كالضرب والقتل .
2 - عقوبات نفسـيـة : كالنصح والارشاد ونحوهما .
3 - عقوبات مالية : وهي التي تصيب مال الشخص كالدية والغرامة والمصادرة ونحو ذلك .

5 - تقسيمها بحسب الجرائم وجسامتها :
أولاً ــ عقوبات الحدود .
ثانياً ــ عقوبات القصاص والدية .
ثالثاً ــ عقوبات التعازير .
وتـلـك الأقسـام هي أهـم التـقـسـيـمات للعقوبـة ولذلك تناولناها بشيء من التفصيل (1) .
الــــــحــــــــــــدود :
تــعــــريـــــفــــهـــا : جمع حد وهو لغة المنع ومنه سمي الحداد للبواب . وفي الشريعة هو العقوبة المقدرة حقاص لله تعالى حتى لا يسمى القصاص حداً لأنه حق للعبد ولا التعزير لعدم التقدير والمقصد الأصلي من شرعه الانزجار عما يتضرر به العباد (2) .
وجرائم الحدود سبع :
الزنا . القذف . الشرب . الحرابة . الردة . البغي .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر لهذه التقسيمات للعقوبة ــ التشريع الجنائي ــ عبدالقادر عوده ج 1 ص 632 .
(2) ينظر اللباب في شرح الكتاب ج 3 ، ط الرابعه ، ص 181 .
ــ 122 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نبدأ بعقوبة الزنا في الشريعة والقانون .
تعريفه : هو الوطء الذي يحدث في غير ملك  ويسمى بالوطء المحرم وهناك نوع من الوطء يعتبر محرماً ولكنه لا  يعتبر زنا إذ التحريم في هذه الحالة هو تحريم عارض ينتهي بزوال سببه إذا وطيء الرجل زوجته  الحائض أو النفساء أو الصائمة أو المحرمة فالوطء  في هذه الحالات هو وطء  محرم ولكنه لا يعتبر زنا وإنما معصية يعاقب عليها  بعقوبة تعزيرية   (1) .
عقوبة الزاني في الشريعة ، جلد ، ورجم  وتغريب .
أما الجلد . فقد قال تعالى [ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم  الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤنين  ] (2) .
فالزاني غير المحصن عقوبته الجلد  مائة جلدة وعقوبة المحصن الرجم كما سيأتي . ولم يجعل الشارع عقوبة الزاني غير  المحصن الاستئصال بصفة مطلقة كما فعل بالسارق أو الزاني المحصن وذلك لأنه لم يعلم ما علمه المحصن ولا عمل ما عمله السارق فكان له من العذر ما أوجب له التخفيف فحقن دمه وزجره  بايقاع الألم على جميع بدنه بالتفريق للضربات على جلده لأن الأستمتاع حصل بجسده كله وذلك ردعاً له عن المعاودة للاستمتاع بالحرام كما لم تجعل عقوبة الزاني استئصال فرجه مثل السارق لأن ذلك تعطيلاً للنسل  (3) .
الجـلـد في القوانين الوضعيــة  :
الغت بعض القوانين الوضعية عقوبة الجلد بحجة النفور من الألم البدني وانتقاص الاحترام الواجب نحو  شخص الإنسان ولكنها بدأت تتراجع عن فكرة الغاء عقوبة الجلد لما رأوا  فيها  من المصلحة للعسكريين  والمدنيين على السواء . فمثلاً اقترح في فرنسا تقرير عقوبة الجلد على أعمال التعدي الشديد التي تقع على الاشخاص بحجة أن طبقات العامة أصبحت تلجأ إلي العنف لحسم المنازعات وان الاجرام تغير مظهره فأصبح أعظم من ذي قبل  فلا بد من عقوبة بدنية  وأفضها الجلد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر كتاب حاشية ابن عابدين جـ2 ص 194 .
(2) سورة النور / الآية 2 .
(3) السياسة الجنائية ، أحمد فتحي بهنسي ص233 وما بعدها طبع 1358 هـ 



ــ 123 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفـي انجــلتـرا يعـتبر الجـلــد احـدى العـقـوبـات الأسـاسـية فـي الـقـانــون الجنائي وفــي الـولايـات المتـحـدة يعـاقــب المسـجـونـون بالجـلـد وفـي قانون الجيش والبـوليـس فـي مـصـر وانجلترا  لايزال الجلد عقوبة اساسية وكذلك الحال في  كثير من الدول .
هذه عقوبة الجلد وهذا هو رأي العلماء والدول فيها فمن كان يود إن ينتقد هذه العقوبة فليقل إن العالم كله مخطيء وانه هو وحده المصيب بل ليقل ما شاء فانه لن يستطيع إن يقول إن التجربة اثبتت عدم الحاجة لهذه العقوبة   (1) .
عقوبة التغــريب :
الفقهاء وان اتفقوا على وجوب الجلد فانهم قد اختلفوا في اضافة التغريب إليه بالنسبة لغير المحصن .
1  ــ   أحمد والشافعي :
يجمع الـى الجلد التغريب  مدة عام لما روى عن أبي هريرة في قصة العسيف وفـيـها أن رســول الله صـلى الله عليه وسلم قال : ( وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ) (2) .
وأخرج مسلم عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة جلدة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة  والرجم ) (3) .
وقد أخذ بالتغريب الخلفاء الراشدون ولم ينكره أحد فالشافعية يرون انه لا ترتيب بين الجلد والتغريب فيقدم ما شاء منهما واشترط في التغريب إن يكون إلي مسافة قصر الصلاة لأن المقصود به إلا  يماس أهله ووطنه وما دون مسافة القصر في حكم الحضر فان رأى الحاكم تغريبه إلي اكثر من ذلك فله ذلك . وإذا غربت المرأة فانها لا تغرب إلا بمحرم أو زوج فلو لم يخرج إلا بأجر لزمت وتكون من مالها .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التشريع الجنائي الإسلامي - عبدالقادر عوده - جـ1 ص 638 . وما بعدها 
(2) رواه البخاري / في الحدود / 6828 وفي مسلم / الحدود / 1698 .
(3) رواه البخاري  في الحدود / 1690  / وراه الترمذي / في الحدود / 1434 .





ــ 124 ــ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
2  ــ   مالك والأوزاعي :يجب تغريب البكر الحر الزاني دون المرأة البكر الزانية فانها لاتغرب لأن المرأة عورة .
3  ــ   أبو حنيفــة :لا يضم إلي الجلد التغريب إلا إن برى الحاكم ذلك مصلحة فيغربهما على قدرما يرى   (1) .
والذي يظهر رجحانه هو مذهب مالك لما له من الوجهة والمصلحة لأن المرأة إذا أذهبت إلي بلد ( ما ) للتغريب والزموا  وليها بالذهاب معها  تعطلت أعماله  واصابه الضرر بنفسه وان تركناها تذهب وحدها ربما تفسد في هذا البلد المغربة إليه لأنه لا أحد يعرفها فتستحي منه أما في بلدها فقد يعاودها الحياء عند من تعرفه والله أعلم .
عــقـوبـة الرجــــم  :
اتفق  الفقهاء على أن حد الزاني المحصن رجلا كان أو امرأة هو الرجم أي القتل رمياً بالحجارة حتى الموت .
وذهب الخوارج إلي إن الحد في الزنا مطلقا كان الزاني محصناً أو غير محصن هو الجلد فقط لأن حديث الرجم عندهم خبر آحاد وخبر الاحاد لا يحتج به عندهم . ورأيهم باطل مخالف للاجماع ولما اشتهر في السنة من الرجم (2) .
ودليل الرجم من السنة قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يحل دم امرىء مسلم إلا بأحدى ثلاث كفر بعد ايمان وزناً بعد احصان وقتل نفس بغير نفس ) (3) . وقد أثر عنه صلى الله عليه وسلم رجم  ما عز (4) . والغامدية  (5) .، فالرجم عن رسول الله صلى الله  عليه وسلم سنة قولية وفعلية .
ولما كان الزاني يزني بجميع بدنه والشهوة تحـصـل بجـمـيـع بـدنـه والغالب من فـعلـه برضـى الـمزني بها فـهـو غـيـر خـائف خـوف  الســارق من الطـلب فيعـاقب بما يعم بدنه بالجلد كما تـقـدم وبالـقـتـل بالحـجـارة مـرة أخرى إذا كان محصن   (6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر لكتاب  - فقه السنة - السيد سابق جـ9  ، ص113 وما بعدها .
(2) ينظر كتاب - جرائم الحدود  - محمد راغب ص 123
(3) رواه الترمذي في الديات ، وأبو داود في الحدود .
(4) رواه البخاري / حدود / 6824 
(5) مسلم / حدود / 1695 
(6) ينظر كتاب - السياسية الجنائية - أحمد فتحي بهنسي ، ص214 .
ــ 125 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإذا نظرنا إلي حكمة التشريع فاننا ندرك منها أن تحريم الزنا لحفظ الإنسان حتى تتكون البطون والافخاذ فمن دعائم قوة الأمم ترابط جماعاتها بقرابة النسب وفي ذلك صيانة للأعراض التي تتابعت الأجيال على أعتبارها أعلى درجات الشرف . ولولا الروابط الزوجية لأصبح الناس قطيعاً من الماشية لا يتذوق احد منهم شفقة ابوة أو عطف امومة ولا يشعر أحدهم نحو الآخر بود أو بمرحمة . وفوق هذه الأمور الاجتماعية . فان الزنى يلحق ضرره  بالافراد  ويسبب الإصابة بمرضين خطيرين هما الزهري والسيلان . وقد أثبت الاطباء أن هذين المرضين لا ينتشر وباؤهما إلا بالاتصال الجنسي غير المشروع . ( ولا ننسى مرضى الايدز والهربس هذه الأيام ) .
فلا ضير على الإسلام أن يفرض على الزناة عقوبة رادعة لهذه الجريمة الكبيرة في حق الإنسانية .  وجاء رجم المحصن لما في الزنا بعد الاحصان من اعتداء على حقوق الزوجية المشروعة واختلاط الأنساب فوق اضرار الزنى الأخرى ، بينما كان جلد غير المحصن لمظنة اندفاعه بغلبة شهوته والأمل في توبته  (1) .
عقوبة الزنى في القوانين الوضعية وتفوق الشريعة عليها  :
عقوبته في القوانين الحبس . وهي عقوبة  لا تؤلم الزاني ايلاما يحمله على هجر اللذة التي يتوقعها من وراء الجريمة ولا تثير فيه من العوامل النفسية المضادة ما يصرف العوامل النفسية الداعية إلي الجريمة أو يكبتها . وقد أدت عقوبة الحبس إلي اشاعة الفساد والفاحشة ، واكثر الناس الذين يمتنعون عن الزنا اليوم لا تصرفهم عنه العقوية وإنما يمسكهم عنه الدين أو الاخلاق الفاضلة التي لم يعرفها أهل الارض قاطبة إلا عن طريق الدين .
وعقوبة الزنى في الشريعة لم توضع اعتباطاً وإنما جاءت بعد فهم صحيح لتكـويــن الانـسـان وعـقـليـته وتـقـدير لغـرائزه ومـيـولـه وعـواطفه وحفظت بذلك الفرد والجـمـاعـة فهـي عـقـوبـات عـلـمـيـة  تشـريعـية لأنها وضعت على اساس العلم بالنفـس البشـريـة وهــي عـقـوبـات تشـريعـية لأنهـا شـرعـت لمـحاربة  الجريمة وهذه 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر كتاب - تفسير آيات الاحكام -  فضيلة الاستاذ مناع القطان الطبعة الاولى سنة 1384 هـ . ص59-60 .

ــ 126 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ميزة تمتاز بها العقوبات التي وضعتها الشريعة لجرائم الحدود والقصاص والدية ولا تكاد هذه الميزة توجد في عقوبة من العقوبات التي تطبقها القوانين الوضعية .
ويتفق بعض الناس ومن حكم غير شريعة الله بأن الرجم فيه وحشية وخشونة واتلاف لهذا الشخص المريض . فمثل هؤلاء يتمسكون بالقشور ويتركون اللباب فلو أن واحداً منهم وجد عند أمراته أو أمه أو أخته رجلاً يزني بها لما تردد عن قتله في الحال دون مراجعة سلطة ونحوها .
والرجم كغيره من أنواع القتل  ليس فيه تعذيب لهذا المقتول كما يدعي بعض المغرضين . لأنه ربما مات من أول حصاه تقع عليه بخلاف الشنق ونحوه مما هو معروف بأوربا فانه يبطىء بالمقتول ويزيد في تعذيبه .
ولـكـن صـدق الله العـظـيم [ ولـو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ] (1) .
فهل آن لحكام المسلمين أن يطبقوا هذه الشريعة ويقيموا حدود الله حتى ينعموا بالأمن والراحة ويأمنوا على أنفسهم وعلى أعراضهم وعلى أموالهم وعلى عقائدهم .









ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المؤمنون الآية 71 .
(2) ينظر كتاب التشريع الجنائي الإسلامي - عبدالقادر عودة . جـ1 ص638 - 643 بتصرف .






ــ 127 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2  ــ  عقــوبـة القــذف :
تعريفــه :
هو الرمي بالزنا . وهو محرم باجماع الأمة . والأصــل في تحريمه الكتاب والسنة . أما الكتاب فقوله تعالى [ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا واولئك هم الفاسقون ] سورة النور آية 4 .
وقوله تعالى [ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ] .أما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم ( اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هن ، قال : الشرك بالله والتولي يوم الزحف وأكل مال اليتيم وأكل الربا ومنها ورمي المحصنات الغافلات المؤمنات .. الخ ) (1) .
فهنا شددت العقوبة على القاذف إذا كان ما قاله كذب وبهتان واختلاق وجعلت عقوبته ثمانين جلدة وعدم قبول الشهادة  مع خلاف بين العلماء في قبولها إذا تاب . وذلك لأن الشريعة تريد أن يوجد مجتمع ينعم أهله بالسعادة والمحبة والألفة فمجرد استهتار شخص ( ما ) وقدفه لأخيه المسلم بقصد ايذاء نفس هذا المسلم ، جعلت العقوبة من جنس الفعل حيث توزع الضربات على جميع جسمه حسياً لأجل أن يرتدع عن المعاودة لتلك الجريمة .
بين الشريعة والقانون  : ــ
القاعدة في القانون الجنائي الوضعي لهذه الجريمة أن من قذف انسانا بشيء ملزماً باثبات صحة ما قذف به ويقع تحت طائلة العقاب ولو كان صادقاً ، وقد استثنى المشرع القانوني أربع حالات : ــ
1  ــ   حالة الطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية أو مكلف بخدمة عامة .
2  ــ   وفي حالة دعوى الأمة للانتخاب فان قانون الانتخاب يبيح الاقوال الصادقة عن سلوك المرشح اثناء المعركة الانتخابية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مسلم في الايمان 144، وفي البخاري وصايا.* ينظرالمغني لابن قدامةج 9ص83.
(2) النور آية 22.
(3) مسلم في الإيمان144 ، و في البخاري رقم /2615. 
(4)
(5)
(6)                               
(7)
(8)
(9)                                     ــ 128 ــ
(10)
(11) أعضاء مجلس الأمة لا يؤاخذون على ما يبدون من الأفكار والاراء في المجلس تمكينا لهم من أن يقولوا ما يشاؤن دون حرج أو خوف من المحاكمة والعقاب . ويلاحظ أن الحالتين السابقتين لا ينجوا من العقاب إذا كان كاذباً أما هنا فينجو ولو كان كاذباً .
4  ــ   الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام الحاكم لا عقاب  على السب والقذف في هذه الحالة .
فهنا قد تناقضت قوانينهم فكيف يدعون أولا إلي العقوبة بحجة حماية شخصية الإنسان وبالتالي يستثنون هذه الاستثناءات  الواهية .
فنرى الشريعة سباقه في هذا المضمار من مدة ثلاثة عشر قرناً لأنها تقوم على تحريم الكذب والافتراء وتحث على الصدق في كل  الأحوال فلا عقاب في الشريعة على من يقول الحق ولا يؤاخذ الشخص إذا ما سمى الأشياء بمسمياتها والشريعة تقضي بعموم العقوبة على كل قاذف إن لم يثبت صدقه بما تقدم بالآية . وله أن يثبت الشهود ويطعن في أعمال الموظفين العموميين والنواب والمكلفين بخدمات عامة وليس لهم إن يعترضوا على الطاعنين متى صدقوا . فالشريعة الإسلامية لا تحمي الحياة الخاصة للموظفين العموميين ومن في حكمهم كما يفعل القانون  الجنائي لأن الشريعة لا تحمي النفاق  والرياء والكذب . وليس في الشريعة كما في القانون ما يدعوا إلي تحليل الصدق في وقت الانتخابات وتحريمه في غير ذلك من الأوقات لأن الشريعة توجب الصدق على الدوام . وليس  في الشريعة كما في القانون ما يدعوا إلي تحليل الصدق والكذب معاً لأعضاء مجلس الأمة أو المتقاضين لأن ذلك يجعل الصدق والكذب بمنزلة سواء والشريعة توجب الصدق كل الوجوب .
وعقاب القاذف بالقوانين الوضعية إذا ثبت عليه الحبس أو الغرامة أو بهما وليس كما في الشريعة ثمانون جلدة وهذا مما يسبب كثرة السب والشتم واللامبالاه بأعراض الناس عند من يحكمون القوانين الوضعية . ومما جعل المحكمين للشريعة يتمتعون بالأمن والراحة النفسية وعدم الخوف إلا من الله سبحانه وتعالى . (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر كتاب الجريمة والعقاب - عبدالخالق النواوي - الطبعة الاولى ص46 وما بعدها .





ــ 129 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عقوبة شــرب المســـكـر  :  في الشريعة الإسلامية عقوبته ثمانون  جلدة ، فليس للقاضي الزيادة أو النقص منها .
والأصل في تحريمها قوله تعالى : [ انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ] (1) . وقوله صلى  الله عليه وسلم  ( كل ما أسكر كثيره فقليله حرام ) (2).
إلا أن العلماء اختلفوا في قدر الجلد للسكران .
فدهب الجمهور: إلي أن الحد ثمانون.وعمدتهم تشاور عمر والصحابة لما كثر في زمانه شرب الخمر واشارة علي عليه بأن يجعل الحد ثمانين قياساً على حد القذف . فانه كمـا قيل عنه رضـى الله عنه (إذا شرب سكر وإذا سكر هـذى وإذا هـذى افـترى ) (3) .
وقال الشافعي وأبو ثور وداود :  الحد فيه أربعون جلدة وعمدتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد في ذلك حداً وإنما كان يضرب فيها بين يديه بالنعال ضرباً غير محدود . وإ ن أبا بكر شاور أصحاب رسوال الله صلى الله عليه وسلم كم بلغ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لشارب الخمر فقدروه بأربعين ، وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين فجعل عمر مكان نعل سوطاً  (4) .
والذي ارجحه هو أن يضرب شارب الخمر نحو ثمانين جلدة كاملة دون نقص فالله حين حرمها كان عالماً بمضارها المادية والاجتماعية والصحية فـخـذ مـثـلاً هـذه القـصـة الـتي تبـيـن مـدى ما تنـزل الخـمرة بصـاحبـها الــى الانحـطاط الخـلـقي ونــزع الكـرامــة عـنـه . يـقـال أن شـخـصاُ سـكـر فـخـرج الـى السـوق عـاري الـرأس يرمي بنفسه يميناً وشمالاً فيسقط على الأرض وصار يتقيأ فســال الـقـيء عـلـى وجـهـه وهــو  لا يتحـرك فـمـر كـلـب وهــو على تلك الحالة فـأخــذ الكـلـب يـلـعق ما على وجهه من القيء فلما انتهى الكلب وقد أفاق هذا الشخص من سكره قال بكل وقاحة . شكراً على هذه الخدمة الإنسانية . يقصد الكلب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المائدة : آية 90 .
(2) رواه الترمزي في الاشربة ح 1865 ، والنسائي في الاشربة ح 5590 ، وابن ماجه في 
     الأشربة .ح 3286 .
(3) مالك / الاشربة  / 1588 
(4) ينظر كتاب - بداية المجتهد ونهاية  المتقصد - لآبن رشد ص 477 - 478 ج2 .


ــ 130 ــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
وكثيراً ما نسمع من القصص التي لو تتبعناها لأحتجنا إلي مؤلف كبير .
وكثيرا ما يدعي شارب الخمر أنه ينسى الهموم  حين سكره والمشاكل والمصائب . ولكنها شبهة مردودة مكذوبة لأنها وأن انسته همومه ومشاكله فهي تخلق له مشاكل ومصائب أخرى بمجرد كأس يشربه . ويذهب بعقله فيقدم في هذه الحالة على القتل والسرقة والزنا وغيرها بدون وازع يردعه لأن عقله قد احتجب بهذه الخمرة  اعاذنا  الله منها .
ونرد شبهته ايضا بأنه لا داعي أنك تعصي الله فهناك شيء يذهب الهموم وينسيك اياها وذلك  عبادة الله والنوم فعند نومك تنسى كل شيء ولكن الشيطان سول لهم وأملى لهم ولا ننسى ذكر الله .
فلذلك نقول مناسباً أن تكون عقوبة شرب الخمر ثمانين جلدة  حتى يشعر بالألم الحسي فلا يعود لشربها مرة أخرى .
عقوبتها بالقوانين الوضعية وتفوق الشريعة عليها  :
( لقد حرم الإسلام الخمر وعاقب على شربها من  مدة أربعة عشر قرناً وانفرد بتحريمها والعقاب عليها طيلة هذه المدة حتى جاء العالم في القرن  العشرين يشهدون للأسلام بأنه كان على الحق في موقفه من الخمر وبأن غيره كان يعمه  في الضلال  وقد حمل العالم على هذه الشهادة  .
أن العلـم أثبـت أن الخمر حقيقة أم الخبائث كما قـال عنها صلى الله عليه
وسلم . وأنها مفسدة للعقل والصحة والمال وها هو العالم غير الاسلامي  لا يكاد يخــلــو فــيـه بـلـد الـيـوم مــن جـمـاعـة تــدعـوا الـى تـرك الخـمـر . ولـــهــذه الجــمـاعــات  مـجــلات ورســائل ومــؤتمـرات . ولـقــد كــان أثـــر دعــايـة هـذه الجـمـاعــات قـــويــاً فــي أمـريـكــا وفـي الهــنـد وكـان الــرأي الـعـام  أســرع اسـتجـابـة فـي هـــاتين الـــدولتـيـن فــســنت فــيـهـا الـقـوانــيـن الخـمـر تحـريـمـا تــامـــاً . وفـــي  كــثـــير مـــن البــلاد الاخــرى ســنت قـــوانين تحــرم الخـمـر تحـريـمـاً  جــزئيـاً فــمـنع تناولـهـــا أو تـقـديـمـهـا فـي أوقــات مــعـــينـة ولـكـن الـكـثيـر مـن الـقوانيـن التي حــرمــت الخـمر لـم تنـجــح فـي مــحـاربة الخمر  لأن العـقـوبـات الـتـي فرضتـها لم تـكـن عـقــوبـات رادعــة وإذا كـان 
النـاس جميعــاً قـد آمنـوا بأحيقـة الإسلام فـي تحــريـم الـخـمـر فـقــد بـقـي عـليـهـم 
ــ 131 ــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
أن يؤمـنـوا بالعـقـوبـة التي فـرضـتها الـشــريعـة بدلا من الحبـس ونحـوه ويـوم يؤمـن
بهذا تنجح القوانين التي تسن لتحريم  الخمر وتؤدي مهمتها خير اداء ) (1) .
عقوبة الســـرقــة :
تقطع يد السارق في  الشريعة الإسلامية من مفصل الكف عن الذراع أما الأصل في قطعها فهو الكتاب والسنة والاجماع .
قال تعالى [ والسارق والسارقة فأقطعوا أيديهما .. ] (2) .
أمــا السـنة : فـقـد روت عائشـة رضـي الله عـنها أن رسول صلى  عليه وسلم  ( تـقـطـع في ربع دينار فصاعداً ) (3) . وقال  صلى الله عليه وسلم ( انما هلك من كـان قبـلـكـم بأنـهـم كـانـوا إذا سـرق فـيهـم الشـريف تـركــوه وإذا سـرق فـيهـم الضـعـيـف قطعوه  ) (4) . وأجمع المسلمون على وجوب قطع يد السارق .
والسرقة : هي أخذ المال على وجه الخفية والاستتار ومنه استرق السمع  ومسارقة النظر    (5) . 
فكانت عقوبته هنا أبلغ واردع من عقوبة الجلد فكان اليق العقوبات به ابانة العضو الذي هو وسيلة إلي أذى الناس وأخذ أموالهم وأحتاطت  الشريعة فجعلت  الحد الأدنى لقطع يد السارق ربع دينار .
فالشريعة عاقبت السارق بقطع يده ولم تعاقب المنتهب  أو المختلس أو الخائن بذلك وذلك لأن السارق لا يمكن الاحتراز عنه يأخذ الشيء خفية مستتراً عن مالكه أما المنتهب والمختلس والخائن فانه يأخذ الشيء مجاهرة فيعلم به المجني عله كما قد يعلم به العامة فيمكنهم متابعته وضبطه وتسليمه إلي السلطة ولو لم يشرع القطع لسرق الناس بعضهم بعضا وعظم الضرر وأختل الأمن . (6) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  ينظر كتاب التشريع الجنائي الإسلامي - عبدالقادر عوده جـ1 ص 651.
(2) سورة  المائدة : آية 38 .
(3) مسلم في الحدود ، / 1684 / البخاري / الحدود 6791 .
(4) رواه البخاري في الانبياء 54 ، و مسلم في الحدود .
(5) ينظر المغني - لأبن قدامه ص103 وما بعدها جـ9 .
(6) ينظر كتاب السياسة الجنائية - أحمد فتحي بهنسي ص331 - 332 .
                                    
                                   ــ 132 ــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين الشريعة والقانون وتفوق الشريعة على القوانين  :
لاشك أن الشريعة قد عالجت هذا المريض السارق بعلاج حاسم يضمن له بتوفيق الله إلا يرجع إلي هذه الجريمة طول حياته ويكون اعتماده على الله ثم على نفسه دون النظر إلي ما في ايدى الناس لأن الإسلام يريد من الإنسان أن يكون عاملاً مجداً يسعى للكسب من يده وعرق جبينه ومع ذلك يثيبه الله ويكتب له الأجر كما روي عنه  صلى الله عليه وسلم ( من بات كالاً من طلب الحلال بيده بات مغفوراً له ) (1) .
ولما يحدثه هذا السارق من الافزاع العظيم في قلوب الناس وخاصة أهل المحلة التي سرق منها فلا  يمكن أن يناموا مستريحين  ولا أن يأكل أهلها متلذذين لأن كل واحد منهم يقول سيهجم على بيتي كما هجم على جاري وهكذا فيصبح القلق وعدم الاستقرار النفسي مستقرا  في قلوبهم ويشعرون بجحيم لا يطاق تجاه هذا السارق . من أجل ذلك ناسبت تلك العقوبة بهذا السارق ايما مناسبة لأنه إذا علم أن يده ستقطع في مقابل شيء قليل تافه ربما يحصل عليه فانه سيمتنع عن السرقة ويعتمد على الله ثم على نفسه .
وهذا هو سر تفوق الشريعة على القوانين الوضعية التي جعلت عقوبته الحبس ومع ذلك لا يرتدع عن معاودته للسرقة لأنها والعياذ بالله تصبح عنده عادة ويتصعب الاقلاع عنها إلا بعقوبة شديدة رادعة كعقوبة القطع أما السجن فلن يؤثر عليه ولن يزده إلا عتوا ونفورا . ففي مدة مكثه  في السجن لا شك أنه سيصرف عليه من قبل  الحكومة فلا يهمه إلا انقضاء المدة ثم الانطلاق في الأرض يعبث فساداً ويسرق أموال العباد .
ونسمع من بعض الذين يتكلمون بما  لا يعلمون يردون على ألسنتهم بأن القطع للسارق لا يناسب ما وصلت إليه  الإنسانية من مدنية وحضارة وتقدم ولأن القطع عملية وحشية وفيها خشونة تجاه هذا السارق .
فـكـيف بهـؤلاء  الرحـماء يعطفون على هذا المجرم ويخلقون له هذه المبررات لســرقـته وينسـون الفـقير المـظـلـوم الـذي قــد أفـنـى جـسـده يتحـصل على هذا المال 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يراجع كنز العمال / 9215 
(*) يراجع مشكلة الفقيد / القرضاوي ، تخريج الألباني رقم 30 ، وقد ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ، ولكن معناه صحيح .




ــ 133 ــ 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذي قد سرقه منه فان كانت المدنية تساعد على الظلم وتفتح  للمجرمين أبواباً يستطيعون أن يفعلوا ما يشاءون دون وازع ديني  أو حياء فجميع العقلاء يجمعون على أنها ليست مدنية وإنما همجية يعود أصلها إلي الجاهلية قبل الإسلام ( شريعة الغاب ) .
وهذا مما فوق الشريعة على قوانينهم الوضعية في كل زمان ومكان وجعلها صالحة لكل مجتمع يطبقها فهي شريعة الرحمة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( انما يرحم الله من عباده الرحماء  ) (1) .وشريعة العدالة لأخذها الحق من كل شخص مهما ســمت منزلـتـه ورده الـى صـاحبه  فهي شريعة  الله الكاملة المحققة للأمن والاطمئنان . (2) .
عقوبة الحـرابــة  : 
وتسمى أيضاً قطع الطريق . ومعناها  خروج طائفة مسلحة في دار الإسلام لإحداث الفوضى وسفك الدماء وسلب الأموال وهتك الأعراض واهلاك الحرث والنسل متحدية الدين والاخلاق والنظام والقوانين سواء كان الخارجون مسلمين أو ذميين أو نحوهم أو كان الخارج فرداً ذا قوة ومنعة يستطيع بها قطع الطريق .
والأصل فـي تحـريـمـهـا وعـقـوبتها قوله تعالى [ انما جزاء الذين يحاربون الله ورســوله ويسـعـون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيدهم وأرجلهم من خـلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) (3) . 
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من حمل علينا سلاحاً فليس منا ) رواه البخاري ومسلم . (4) .
فعقوبته لا تخلوا من أحوال خمس :
1  ــ   إذا قتل وأخذ المال فانه يقتل ويصلب وقتله متحتم  لا يدخله عفو وفي الصلب  جملة أقوال للعلماء في تقدمه على القتل أو تأخره .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البخاري / كتاب الجنائز / 1284 وفي مسلم / الجنائز / 923 
(2) ينظر التشريع الجنائي - عبدالقادر عوده - جـ1 ص653 وما بعدها بتصرف .
(3)  سورة المائدة . الآية 33 .
(4) البخاري في الديات (6874 ) ومسلم في المقدمة ، والايمان (98) .
*  يراجع فقه السنة / السيد سابق / جـ9 ط الاولى ص229 وما بعدها .






ــ 134 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2  ــ   إذا قتل ولم يأخذ المال فانه يقتل ولا يصلب وفيه رأي أنه يقتل ويصلب  لأنه محارب والأوجه الرأي الأول حتى تتدرج العقوبات زيادة ونقصان بحسب خطورة  الجريمة . 
3  ــ   إذا أخذ المال ولم يقتل فانه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى .
4  ــ   إذا أخاف السبيل ولم يقتل ولم يأخذ مالا فانه ينفى ويشرد .
5  ــ   إن يتوب قبل المقدرة عليه فلا يخلوا :
أ  ــ   حقوق السلطة العامة في الجريمة قطع الطريق فالحد يسقط عن قاطع الطريق إذا تاب قبل المقدرة عليه بنص الآية [ إلا الذين تابوا من قبل إن تقدروا عليهم ]
ب ــ   حقوق الفرد الخاصة في جريمة قطع الطريق . تجب هذه الحقوق على المتهمين ولا تسقط فيبقى عليهم القصاص في النفس والجراح وغرامة المال والدية إذا سقط القصاص .
وقال الليث بن سعد لا يطالب بهذه الحقوق .
ولكي تطبق العقوبة المنصوص عليها يجب أن تتم الجريمة فإذا أمسك المتهم قبل أخذ شيء من المارة أو قتل أحدهم أي أمسك قبل أن يرتكب الجريمة فلا يطبق عليه حد الحرابة وإنما يعزر على ما يرى الإمام أو القاضي  لارتكابه جرما دون قطع الطريق . (1) .
فتبين لنا مما تقدم أن هذه العقوبات لقاطع الطريق لم توضع اعتباطاً ولا لمجرد شهوة أو نحوها وإنما وضعت على أساس متين من علم النفس لأن الله خالق الخلق وعالم بما يصلحهم فمنهم المجرم الشرير الذي يحتاج إلي عقوبة غليظة كما في عقوبات المحاربين ومنهم الذي يكفيه التأنيب والزجر وقد جعل هذا التعزير .
فلما  يحدثه هؤلاء المحــاربون مـن الارهـاب العـظـيم للمـجتمـع كـله مـن خـوف أو ذعر وعدم السفر بأمن واطمئنان فلا شك أن البلاء سـيـعـم  وسـتـكـبر المـصـيبـة لأن كل شـخـص سـيلزم قـعـر بيـتـه ولن يسافر خوفـاً من هؤلاء القطاع فـمـن هنا تتعـطل المنافع ويضيق العيش على الناس ولكـن الله جـلـت قدرته جعل  هذه 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الحدود في الإسلام . أحمد بهنسي ص97 - 98 .



ــ 135 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العقوبات العظيمة للمحاربين حتى لا يعاودوا مرة ثانية ولينزجر غيرهم  إذا رأوهم على تلك الحالة .
ومثل عقوبة النفي في الشريعة الإسلامية إلا رسال إلي الاصلاحية التي عرفتها القوانين الوضعية تلك التي تقوم على حبس المحكوم عليه في مكان خاص مدة غير محددة بشرط أن لا يحبس أكثر من مدة معينة وهذه العقوبة تطبيق لنظرية العقوبة الغير محدودة وهي من أحدث نظريات العقاب في القوانين الوضعية .
وإذا كانت القوانين الوضعية لم تعرف نظرية العقوبة غير المحدودة إلا في أواخر  القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين فان الشريعة الإسلامية قد عرفت هذه النظرية وطبقتها من مدة أربعة عشر قرناً  وتكون  عقوبة النفي على ذلك من الشاهدين . (1) .

عقوبة الردة والبغي  :
  الردة لها عقوبتان . أصلية وهي القتل . وتبعية وهي المصادرة .
1  ــ   القتــل : تعاقب المرتد بالقتل والأصل في ذلك قوله تعالى [ ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هـم فيها خالدون ] (2) .  وقـولـه صـلـى الله عـلـيـه وسلم ( من بـدل دينه فاقـتلوه ) (3) .
ومـعنى الــردة :   تـرك الـدين الاســلامي والخـروج عليه بعد إعتناقه فلا تكون الردة إلا من مسلم . وتعاقب الشريعة على الردة بالقـتـل لأنهـا تـقـع ضــد الدين الاسـلامي وما عـليـه النـظـام الاجـتمــاعــي للجـمـاعــة ، فالتسـاهــل فـي هـذه الجــريـمـة يـــؤدي إلي زعــزعـة هـذا النـظام مـن ثم عــوقــب عـليـهـا بأشــد العـقـوبات اســتئصـالاً للمـجـرم مـن المجـتـمع وحـمـايـة للـنـظـام الاجـتـماعي من ناحــيـة ومنـعـاً للجـريـمـة وزجراً عنها من ناحية أخرى . ولا شك أن عقوبة القتل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التشرريع الجنائي - عبدالقادر عوده  ص660 - 661 .
(2) سورة البقرة آية 217 .
(3) رواه البخاري في الجهاد ج 3017 . وابو داود في الحدود ، والنسائي . والترمذي / حدود / 1458 .
     


ــ 136 ــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
الجريمة ما يكبت العوامل الدافعة إليها ويمنع من ارتكابها في أغلب  الأحوال .
وأكـثر الـدول اليـوم تحـمـي نظـامـهـا الاجتـمـاعــي بأشد العقوبات تفرضها عـلـى مـن يخـرج عـلـى هــذا النظـام أو يحــاول هـدمـه أو اضعافه وأول العقوبات الـتي تـفـرضـهـا الـقـوانيـن الـوضـعـيـة لحــمـايـة الـنظـام الاجتماعي هي عقوبة الاعــدام أي الـقـتـل فـالقـوانــيـن الـوضـعـية اليوم تعاقب عـلى الاخلال بالنظام الاجـتمـاعــي  بنفـس العقوبة التي وضعهتا الشريعة لحماية النظام الاجتماعي الإسلامي .

2  ــ   المصادرة : عقوبة الردة التبعية هي مصادرة  مال المرتد ويختلف الفقهاء في مدى المصادرة فيرى مالك والشافعي والرأي الارجح  في مذهب أحمد على أن المصادرة تشمل كل مال المرتد .
ويرى أبو حنيفة ويؤيده بعض الفقهاء في مذهب أحمد على أن مال المرتد الذي اكتسبه بعد الردة هو الذي يصادر أما ماله الذي أكتسبه قبل الردة فهو من حق ورثته المسلمين .
وهناك رواية عن أحمد بأن المال المكتسب بعد الردة لا يصادرر إن كان للمرتد من يرثه من أهل دينه الذي أختاره وهو غير مشهور .

عــقــوبة البغـــي  :
يقول صلى الله عليه وسلم ( من خلع يداً من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له  ) (1) .
وجــريمـة البـغـي مـوجـهـة الـى نظـام الحـكـم والقائمين بأمره وقد تشددت فـيهــا الشــريعـة لأن التسـاهــل فيـهـا يـؤدي إلي الفتن والاضطرابات وعدم الاستقرار وهــذا بدوره يـؤدي الـى تـأخـر الجماعـة  وانحلالها ولا شـك أن عـقـوبة الـقـتـل أقـدر
أقـدر العـقـوبـات عـلـى صــرف الناس عـن الجـريمـة ومـهما كانت العوامل الدافعة إلي العقوبات على صرف الناس عن هذه الجريمة التي يدفع إليها الطمع وحب الاستعلاء .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم في الامارة ج 1851 و أحمد في المسند / مسند المكثرين / 5363 
ــ 137 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكل الدول اليوم تعاقب على البغي بالإعدام وهو نفس العقوبة المقررة للجريمة في الشريعة من مدة أربعة عشر قرن . (1) .
ثانياً  :  القصــاص والديــة :
القصــاص : 
المعنى الأصلي لكلمة القصاص هو المساواة والتعادل ، والقصاص مأخوذ من قص الأثر وهو اتباعه فكان القاتل سلك طريقاً من القتل فقص أثره ومشي على  أثر ذلك .
والأصل فيه قوله تعالى [ ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب ] (2) . وقوله تعالى [ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالانف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ] (3) . 
ويجب القصاص فيما تمكن فيه المماثلة بين المحلين في المنافع .
ويكون ذلك في حالتين :
1  ــ   في الجناية عمداً على النفس - أي في القتل عمداً .
2  ــ   في الجناية عمداً على ما دون النفس فمن قلع عين أنسان قلعت عينه بنفس الطريقة ومن قطع اذن انسان قطعت أذنه بنفس الطريقة ما دام من الممكن المماثلة بين الفعلين .
ويشترط الفقهاء لوجوب القصاص أن يكون القاتل عاقلا بالغاً قاصد القتل مختاراً غير مكره وألا يكون المقتول جزء من القاتل أي من فرعه ولا ملكه ولا له فيه شبهة ملك وألا يكون معدوم الدم مطلقاً فلا يقتل المسلم ولا الذمي بالكافر الحربي أو بالمرتد وأن يكون القتل مباشرة لا تسبباً .
واخــتلـفـوا في القصـاص : قــال بعضـهـتم انه وان كان عقوبة مقدرة لكنه يجـب حـقـاً للعـبـيد فـيجـري فـيه العفو والصلح . وقال البعض إن القصاص يسمى حداً 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التشريع الجنائي - عبدالقادر عوده  جـ1 صـ661 وما بعدها .
(2) سورة البقرة الاية 179 .
(3) سورة المائة : الاية 45 .




ــ 138 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويسقط القصاص إذا فات محله بان مات من عليه قصاص أو إذا فات العضو بأي طريقة أو بالعفو أو بالصلح . (1) .
حكمة القصاص بالقتل والدية : 
عمار هذا الكون متوقف على الإنسان فإذا ما قل النسل أو ادركه الفناء خربت الدنيا وتعطلت المنافع فيها ومثل هذا لا يريده الشارع الحكيم . من أجل ذلك جعل العقوبة  لمن يسعى في ايصال الأذى إلي الناس في القتل صرامة شديدة حتى لا يتعد الناس بعضهم على بعض فيعم الفساد وتخرب البلاد . وجعلها على نوعين إما القتل والقصاص أو المال إذا اصطلحوا عليه .
أما حمكة القصاص بالقتل فهي لإقامة ميزان العدل بين الناس ليكون الجزاء من جنس العمل . كما قال تعالى  [ النفس بالنفس ] .
وهذا أمر واقع حتى في الأمم العريقة بالهمجية والأمم التي لها قوانين وضيعة فان من أصول التشريع عندهم أنه من قتل يقتل .
والحكمة عندنا أن القاتل إذا لم يقتل كان باعثاً على إضرام نار الحقد في نفوس أهل المقتول وأولياء الدم لأن دمه حق لهم وأداؤه  هو اراقة دم القاتل فإذا لم يؤدى اليهم انتقموا من القاتل بقتله فإذا ما قتلوه طالب أهله بدمه  فقتلوا من يصادفهم من أهل المقتول الأول ثم يسرى القتل من الأفراد إلي العائلات إلي القبائل إلي العشائر فيعم الكرب ويعظم الخطب واننا نرى في عصرنا هذا أكثر من حوادث القتل يكون سببها الانتقام لمن يقتلون ولم ينل القاتل جزاء ما جنت يداه من الهئية الحاكمة . 
وصدق الله العظيم حينما يقول[ ولكم في القصاص حياة يا أولىالألباب ] (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ينظر كتاب الحدود في الإسلام - احمد بهنسي ص 31 وما بعدها .
(2) ينظر حكمة التشريع الجزء الثاني . على أحمد الجرجاوي ص 309 .











ــ 139 ــ 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين الشريعة والقانون  :
نرى  أن الشريعة الإسلامية  عملية ومنطقية في كيفية القصاص بالنفس وما دونها ، أما القوانين فقد باعدت بين هاتين  الجريمتين  ذلك أن جريمة القتل تعاقب عليها أحياناً بالقتل ولكنها لا تعاقب بالقصاص على الجراح وتكتفي في عقاب الجارح بالغرامة والحبس أو بأحدهما .
ونرى أن الشريعة منطقية أيضاً في منح العفو للمجني عليه أو وليه لأن العقوبة فرضت أصلاً لمحاربة الجريمة ولكنها لا تمنع وقوع الجريمة في أغلب الأحوال . أما العفو فيؤدي إلي منع الجريمة في أغلب الأحوال لأنه لا يكون إلا بعد الصلح والتراضي وصفاء النفوس وأيضاً هي من حق المجني عليه ولا تمس الجماعة بأذى . ونرى القوانين الوضعية تعترف بنفس هذا المبدأ وان كانت لا تطبقه على نفس الجرائم التي ينطبق عليها في الشريعة .
ذلك أن من القوانين الوضعية ما يعترف بحق الزوج وهو المجني عليه في جريمة الزنا أن يعفو عن عقوبة زوجته الزانية . 
فالشريعة لم تأت بجديد حين اعترفت للمجني عليه بحق العفو وإنما جاءت بمبدأ تعترف به اليوم أحدث القوانين .
فجاءت الشريعة موفقه لاختيارها هذا المبدأ في هذه الجريمة دون الزنا التي اعترف بها القانون لأنها تؤدي إلي شيوع الفاحشة وفساد الاخلاق .
وهذا مما فوق الشريعة فوق كل قانون في كل عصر وفي كل زمان .
فهل آن لحكام المسملين أن يطبقوا كتاب الله بحذا فيره حتى ينعموا بالامن والاستقرار  (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  ينظر التشريع الجنائي - عبدالقادر عوده جـ1 ص 665 بتصرف .








ــ 140 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الــديـــــة   :

جعلت الشريعة الدية عقوبة أصلية للقتل والجرح في شبه العمد والخطأ . ومصدرها قوله تعالى : [  وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلي أهله إلا أن يصدقوا ] (1) . وقال رسول صلى الله عليه وسلم ( ألا وان قتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا والحجر مائه من الابل  ) (2) .
فالدية في واقع الأمر تعويض وعقوبة  معاً فهي من ناحية تعويض للمجني أو ورثته فهي مال خالص لهما لا يجوز الحكم بها إذا تنازل المجني عليه عنها . وهي عقوبة لأنها مقررة جزاء جرائم معينة .
والدية في الواقع جزاء يدور بين العقوبة والضمان فهي كالغرامة في الفقه الغربي إذا قضى بها على المتهم وأصبح الحكم حائزاً بقوة الشيء المحكوم به جاز تحصيلها من تركته فيتأثر بها الورثة . كما إذا كان الجاني فقيراً ولا عاقلة له أصلاً أو كانت عاقلته فقيرة لا تستطيع تحمل الدية فان الرأي أن بيت المال يتحملها وقد أنشأت بعض البلاد الاوربية كالمانيا وايطاليا ويوغسلافيا خزانة خاصة تسمى خزانة الغرامات معدة لتعويض المجني عليه في حالة ما إذا كانت أموال الجاني لا تكفي لدفع  التعويضات المدنية . 
والدية في الشرع اسم للمال الذي هو بدل النفس والأرش اسم للواجب فيما دون النفس فالجناية على النفس أو على ما دونها في عصر تمكن فيه المماثلة إذا كان عمداً تستوجب القصاص وإذا كان غير عمد تستوجب الدية . فإذا تعدد العضو الذي تمكن فيه المماثلة وأصيب بعض منه فالدية تجب بنسبة ما أصيب وتسمى أرشاَ فإذا كانت الجناية على عضو لا تمكن فيه المماثلة عمداً كان ذلك أو غير عمد وجبت حكومة العدل ويكون ذلك في أكثر الجراح والشجاج ومختلف أنواع الأذى .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النساء : الاية 92 .
(2) روراه النسائي في القسامة 4794 ، وابن ماجة في الديات ج / 2627 







ــ 141 ــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
أحـــوال وجـــوب الديــة :
1  ــ   إذا سقط  القصاص وجبت الدية ويكون ذلك في جملة أحوال .
الأولى   :  جناية الصبي أو المجنون .
الثانية   :  جناية الأصول على فروعهم إذا سقط القود .
الثالثة   :  إذا عفى ولي الدم ( فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف     وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ) (1) .
وفي جميع أحوال قتل العمد التي تجب فيها الدية دون القصاص تكون تلك الدية مغلظة .
2  ــ   إذا كان القتل شبه عمد لا يوجب القصاص . بل فيه دية مغلظة وذلك لأنه لايكون الغالب فيه الهلاك أي أن الجـانـي لا يتـوفـر لـه القـصد الجـنائي للقتل .
( عن داود عن مجاهد قال : قضى عمر رضي الله عنه في شبه العمد بثلاثين حقه وثلاثين جذعة واربعين خلفه ما بين ثنية إلي بازل عامها ) . (2) .
3  ــ   إذا كان القتل خطأ :
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ( قضى رسول الله أن من قتل خطأ فديته من الإبل مائة ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون  حـقه وعشرون ابن لبون ذكر ) (3) .  
ويلحق الفقهاء بالجناية  الخطأ الجناية التي جرت مجرى الخطأ  كالنائم الذي ينقلب في نومه على آخر فيقتله أو من يسقط على آخر في الطريق فيقتله كما يلحقون الجناية بتسبب وهي التي لا يرتكبها الجاني مباشرة بل تسببا كمن يحفر بئراً فيتردى فيها شخص فيموت .
هل لولي الدم جبر الجاني على الدية :
يرى ابن قاسم أنه ليس له أن يجبر الجاني دفع الدية إذا امتنع وسلم نفسه . ومذهب اشهب إن له جبره على دفع الدية . (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة : الآية 178 .
(2) ابو داود / الديات / 4550 
(3)  رواه ابو داود في الديات 4541 ، والنسائي / القسامة /4801 وابن ماجة/الديات/ 2630 
(4) ينظر العقوبات في الفقه الإسلامي - احمد بهنسي . ص135 وما بعدها الطبعة الثانية .
ــ 142 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحكمة من تشريع  الدية :

الحكمة في المال إذا أخذ بطريق  الصلح لأجل المنفعة المزدوجة بين الطرفين وذلك أن القاتل إذا دفع شيئاً من المال على سبيل الصلح يكون قد حيا حياة جديدة ، وأما أولياء المقتول إذا أخذو المال على سبيل الصلح يكون فيه فائدة لهم لقوام حياتهم وأمر معاشهم من كل وجوه المنافع . هذا ومن وجه آخر يكونون السبب الوحيد  في تمتع القاتل بالحياة الأمر الذي يدل على كرم أخلاقهم وشريف خصالهم وربما صفت النفوس بعد ذلك فتعود المياه إلي مجاريها . (1) .
ويتضح مما سبق أن الدية عقوبة مشتركة بين العمد الذي لا قصاص فيه وبين شبه العمد وبين الخطأ ولكن مقدار الدية ليس واحداً في هذه الحالات الثلاثة فالدية للعمد واحدة وهي الدية المغلظة ودية الخطأ هي الدية المخففة والأصل أن الدية بصفة عامة مائة من الأبل والتغليظ والتخفيف لا دخل له في العدد وإنما يكون في أنواع الأبل وأسنانها . ولا شك أن الدية في مال الجاني إلا في الخطأ على العاقلة .
وتبين من هذا العرض تفوق الشريعة على القوانين الوضعية التي تسير بخطى الشريعة لأنها هي القاطعة لكل المشاكل والمصائب والله أعلم .










ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1) ينظر حكمة التشريع - على أحمد الجرجاوي - جـ2 ص 310 .









ــ 143 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثاً  : عقوبة التعازير  :
التعزير في اللغة مصدر عزر من العزر وهو الرد والمنع ويقال عزر فلان اخاه بمـعنــى نصره لأنه منع عدوه من أن يؤديه ومن ذلك قوله تعالى : [ وتعزروه وتوقروه ] 
ويقال عزرته بمعنى وقرته وأيضاً أدبته وهو من أسماء  الأضداد وهو يكون بمعنى التوقير لأنه إذا امتنع بالتعزير وصرف عن ما هو دنيء فان الوقار يحصل بذلك وقد سميت العقوبة تعزيراً لأن من شأنها أن تدفع الجاني وتردعه عن ارتكاب الجرائم أو العودة  إلي اقترافها .
ويعرفه الفقهاء بأنه عقوبة غير مقدرة تجب حقاً لله أو لآدمي في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة وهو كالحدود في أنه تأديب استصلاح وزجر . (1) .
العقوبات التعزيرية :
هي كثيرة منها التي تصيب البدن وأهمها الإعدام والجلد ومنها العقوبات المقيدة للحرية وأهمها الحبس والنفي ومنها العقوبات المالية وغير ذلك وسنوجزها فيما يلي :
1 ــ   الاعــــدام  :
قد سبق أنه مقرر في الشريعة الإسلامية على وجه القصاص لجريمة القتل العمد وعلى سبيل الحد في الجريمة المحاربة وفي جريمة الزنا وجريمة الردة وقد  اقرته الشريعة عقوبة تعزيرية .
يرى الأحناف جواز الإعدام تعزيراً في الجرائم التي شرع القتل في جنسها إذا تكرر ارتكابها ولم يفد فيها إلا الاعدام ومن تكرر منه جنس الفساد ولم تردعه الحدود المقررة .
ويرى المالكية والحنابلة  إن الإعدام يجوز تعزيراً في بعض الجرائم كجريمة التجسس للعدو على المسملين والداعية إلي البدعة لافساده في الأرض ويمكن القول أن جمهور الفقهاء يجيزون القتل سياسة على سبيل التعزير وان توسع البعض في هذا المجال وضيق الأخرون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التعزير في الشريعة الإسلامية - عبدالعزيز عامر - ط4 ص 52 .








ــ 144 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتبين لنا إن القتل تعزيراً بالشروط التي اتفق عليها الفقهاء لا يمكن أن تكون إلا في جرائم تعزيرية محدودة العدد وقد رأينا أن الشريعة جعلت القتل عقوبة في أربع جرائم من جرائم الحدود وهي الزنا . الحرابة . الردة . البغي . وجعلته عقوبة واحدة من القصاص هي القتل العمد . فإذا قدرنا إن الجرائم التعزيرية التي يمكن العقاب عليها بالقتل تصل إلي خمس جرائم أيضاً كانت الجرائم المعاقب عليها بالقتل في الشريعة الإسلامية لا تزيد عن عشر جرائم عند من يجيزون القتل تعزيراً وكان عددها  لا يزيد على خمس جرائم عند من لا يبيحون القتل تعزيراً . وتلك ميزة أنفردت بها الشريعة من يوم نزولها فهي لا تسرف في عقوبة القتل ولا تفر منها دون مقتضاه . ونستطيع أن نحيط بمدى تفوق الشريعة في هذه الوجهة إذا علمنا إن القوانين الوضعية كانت إلي أواخر القرن الثامن عشر تسرف في عقوبة القتل إلي حد بعيد بحيث كان القانون الإنجليزي  مثلاً يعاقب على مائتي جريمة بالإعدام والقانون الفرنسي يعاقب على مائة جريمة وخمس عشرة جريمة بالإعدام . ولقد حاولت بعض الدول الأوربية في العهد الأخير إن تلغي عقوبة القتل ولكن حركة الإلغاء وقفت تحت تأثير النظرية الايطالية التي ترى في عقوبة القتل وسيلة حسنة لأستئصال من لا يرجى صلاحهم من المجرمين بل إن بعض البلاد التي الغت عقوبة القتل فعلاً كإيطاليا وروسيا والنمسا عادت فقررت القتل عقوبة في قوانينها وعقوبة القتل مقررة في كل الدول الكبرى كانجلترا والمانيا وفرنسا وأمريكا وأهم ما يبرر به شراح القوانين عقوبة القتل هو أنها وسيلة صالحة لمقاومة الاجرام والاستئصال للمجرمين على الجماعة وهذه هي المبررات التي قالها فقهاء الشريعة .
2  ــ   الجـــلــد  : 
أما التعزير بالجلد  فهو مقرر في القرآن . قال تعالى [ واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرونهن في المضاجع وأضربوهن ] (1) .
وفي السنة قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد  من حدود الله ) (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النساء : الاية 34 .
(2) رواه البخاري في الحدود ، ومسلم في الحدود .* ينظر التشريع الجنائي عبدالقادرعوده جـ1 ص689 



ــ 145 ــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
وقد سار الخلفاء الراشدون ومن بعدهم من حكام المسلمين على اعتبار الجلد عقوبة في التعزير وعلى ذلك انعقد الاجماع .
وذلك مثل السرقة إذا كانت نصاباً من غير حرز أو يسرق أقل من نصاب من حرز فإنه لا يقطع عليه ولكنه يعزر بالجلد عقوبة له . (1) .
3  ــ   الحـــبـس  :
قال ابن القيم الجوزية إن المقصود بالحبس الشرعي ليس الحبس في مكان ضيق ولكنه تعويق الشخص ومنعه من التصرف  بنفسه سواء أكان ذلك في بيت أم في مسجد أو في غيرهما وان هذا كان هو الحبس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فلم يكن هناك محبس معد لحبس الخصوم ولكن لما انتشرت الرعية واتسعت رقعة بلاد المسلمين في أيام عمر اشترى دار صفوان ابن امية وجعلها سجناً . قال الزيعلي في شرح الكنز إن الحبس عقوبة مشروعة في الكتاب والسنة والاجماع 
أما في الكتاب فهو قوله تعالى [ أو ينفوا من الأرض ] وقال إن المقصود من النفي هو الحبس .
أما السنة ( فلأن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجل للتهمة ) (2) . وأجمع الصحابة  على أن الحبس يصلح عقوبة في التعزير ووضعه الفقهاء بين العقوبات التعزيرية .
4  ــ   التعزير بأخذ المال :
اختلف الفقهاء  في مشروعية التعزير بأخذ المال فمنهم من يرى مشروعيته ومنهم من يرى منعه .
فأبو حنيفة  لايجيزه ولم يذكره محمد بن الحسن في كتبه ، أما أبو يوسف فقد روى عنه أن التعزير بأخذ المال من الجاني جائز إن رؤي في ذلك مصلحة وهو جائز عند الشافعية مع خلاف التفاصيل . وعند الحنابلة والمالكية جائز في جرائم معينة .
والتعزير بأخذ المال يأخذ صورتين :
الصورة الاولى : التملــيك ومثـلـه قـضـاء الرســول صلى الله عليه وسلم فيـمـن ســرق مــن التـمـر المـعــلـق قـبـل أن يـؤخذ إلي الجرين بجلدات نكال وعزم ما 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التعزير في الشريعة الإسلامية - عبدالعزيز عامر - ص 339 وما بعدها .
(2) رواه الترمذي / في  الديات / 1417 والنسائي / قطع السارق / 4876 . وابو داود / الاقضية / 
     3630 . قال عنه الترمذي إنه حديث حسن .
ــ 146 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخذ مرتين ، وفيمن سرق من الماشية قبل أن تأدي إلي المراح بجلدات وغرم ذلك مرتين  .
الصورة الثانية : الاتلاف مثل اتلاف المنكرات من الأعيان كالأصنام والخمر وأوعيتها واللبن المخلوط بالماء للبيع والمسكوك المزيفة .
5  ــ   التــــوبيــــخ  :
استدل الفقهاء على مشروعيته بالسنة ، وقد عزر رسول الله عليه وسلم بالتوبيخ من ذلك ما رواه أبو ذر رضي الله عنه قال ساببت رجلاً فعيرته بأمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر أعيرته بأمه انك أمروء فيك جاهلية .
6  ــ   عـــقــوبــة التــهديــد  : 
التـهـديــد عـقـوبــة تعـزيـريـة  فـي الشـريـعـة الاسـلامية بشرط ألا يكون تـهـديــداً كـاذبـاً وبشــرط أن يرى القاضي أنه منتج وأنه يكفي لإصلاح  الجاني وتأديبه من التهديد أن ينذره القاضي بأنه إذا عاد فيعاقبه بالجلد أو الحبس أو سيعاقبه بأقصى العقوبة ، ومن التهديد أن يحكم القاضي بالعقوبة ويوقف تنفيذها إلي مدة معينة .
7  ــ   عقوبة الوعظ وما دونها  :
تعتبر عقوبة تعزيرية في الشريعة ويجوز للقاضي أن يكتفي في عقاب الجاني بوعظه إذا رأى أن الـوعـظ يكـفـي لاصلاحـه وردعه وقد نص عليه القرآن قال تعالى [ واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن ]  وفي الشريعة من العقوبات التعزيرية ما هو دون الوعظ فالفقهاء يعتبرون مجرد اعلان الجاني بجريمته  عقوبة تعزيرية وفي احضاره إلي مجلس القضاء عقوبة تعزيرية ومثل هذه العقوبات لا توقع إلا عليى من غلب على الظن أنها تصلحه وتزجره وتؤثر عليه .
8  ــ   عقوبة الهجــر  :
قال تعالى [ فعظوهن واهجروهن  في المضاجع ] وقد عاقب الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجر فأمر بهجر الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك . 
9  ــ   العــــزل  :
هو حرمان الشخص من وظيفته . قال بن تيميه أن التعزير قد يكون بالعزل من ولاية لأن الرسول واصحابه فعلوه .




ــ 147 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10  ــ   التشهير  :
هو الاعلان عن الجريمة المحكوم عليه كشهادة الزور والغش .
وهناك عقوبات تعزيرية ليست معـيـنـة وانـمـا تـرك أمـرهـا لـولي الأمر يختارون منها مـا يـرونه صـالحـاً لمـحـاربـة الجـريمـة  ويتركون ما يخالف أسس الشريعة في العقاب . (1) .

تعدد العقوبات وتعدد الجرائم :

تتعدد العقوبات كلما تعددت الجرائم وتتعدد الجرائم كلما ارتكب شخص جرائم متعددة قبل الحكم عليه نهائياً في واحدة منها وهذا هو المعنى الفني للتعدد ، وتعدد الجرائم إما صوري وإما حقيقي فهو صوري إذا ارتكب الجاني فعلاً وحداً يدخل تحته صور شرعية مختلفة . ويحدث ذلك كلما انطبق على الفعل أكثر من نص واحد كضرب الموظف أثناء تأدية وظيفته فالفعل يمكن أن يكون ضرباً ويمكن أن يكون  مقاومة وتعدياً .
أما التعدد الحقيقي فيوجد كلما تعددت أفعال الجاني بحيث يكون لكل واحد منها جريمة مستقلة .

الفرق بين تعدد العقوبات وبين العود :

ففي تعدد العقوبات يرتكب الجاني جريمته الثانية بعد أن يعاقب على جريمته الولى ويقتضي المنطق بأن لا يعاقب المجرم في حالة تعدد الجرائم على كل جرائمه ولو أن ارتكابه لهذه الجرائم المتعددة يدل على ميوله الاجرامية لأنه عندما عاد لإرتكاب الجرائم لم يكن عوقب على أية جريمة سابقة وأخذ درساً عنها فهو يختلف من هذه الوجهة عن العائد الذي سبق عقابه وأنذر بهذا العقاب أن يسلك سلوكاً مستقيماً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر شرعية الجرائم والعقوبات - خالد فراج - ص 491 وما بعدها الطبعة الاولى .







ــ 148 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ســـقوط العــقــوبة  :

تســقــط العـقــوبة فـي الشـريعـة بأســباب مخـتـلـفـة ولـكـن ليس  فيها ما يعتبر سبباً عاماً مسقطاً لكل عقوبة ، أنما تتفاوت الأسباب في أثرها على العقوبات فبعضها يسقط معظم العقوبات وبعضها مسقط لأقلها وبعضها خاص بعقوبات دون أخرى .

ومما يسقط العقوبة ما يأتي : 
1  ــ   موت الجاني : تسقط إذا كانت العقوبة بدنية أو متعلة بشخص الجاني لأن مــحـل العــقــوبـة هـو الجـانـي ولا يـتصــور تنـفـيـذهــا بعد انعدام محلها . أما إذا كـانـت العـقـوبــة مــاليـة كــالـديـة والـغـرامــة والمـصــادرة فـلا تسـقـط بمـوت الجــاني لأن محل العقوبة مال الجاني لا شخصة ويمكن تنفيذها على ماله بعد موته .
2  ــ   فوات محل القصاص : وذلك مثل ذهاب العضو من الجاني بتلف ونحوه مع بقاءه ففوات العضو هنا سبب مسقط لعقوبة القصاص مثلاً .
ويختلف  الفقهاء هل يعوض المجني عليه بدية أم لا فيرى بعضهم التعويض وبعضهم يمنعه .
3  ــ   توبة الجــاني : وذلك خاص في جريمة الحرابة كما تقدم .
4  ــ   الـصـــلــح  : ولا يسقط إلا في القصاص والدية كما تقدم .
5  ــ   العـــفــو : أما الحدود فلا عفو فيها إذا وصلت القاضي أو إلي ولي الأمر أما إذا لم تصل إلي ولي الامر فيجوز العفو فيها تحرياً للستر وعدم انتشار الجريمة .
وفي جرائم القصاص تجيز الشريعة للمجني عليه أو ولي دمه أن يعفو عن عقوبتي القصاص والدية كما تقدم ، أما ولي الأمر فليس له العفو فيهما مطلقاً .
وفي جرائم التعازير لولي الأمر أن يعفو عفوا كاملاً فيها على مايراه .










ــ 149 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6  ــ   أرث القصاص : إذا  ورث القصاص من ليس له أن يقتص من الجاني كما تسقط العقوبة إذا ورث الجاني نفسه كل القصاص أو بعضه فمثلاً إذا كان في ورثه المقتول ولد للقاتل فلا قصاص لأنه لا يتجزأ .
7  ــ   التــــقــادم : : معناه مضي فترة من الزمن على الحكم بالعقوبة  دون أي تنفيذ فيمتنع بمضي هذه الفترة تنفيذ العقوبة ، وهو مختلف فيه فبعضهم لا يسلمون به ، وبعض الفقهاء يرونه مسقطاً للعقوبة ولا يجعلونه سبباً تاماً مسقطاً لكل عقوبة . (1) .


















ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التشريع الجنائي الإسلامي - عبدالقادر عوده - جـ1 . ص770 زما بعدها بتصرف .










ــ 150 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأصل الذي بنيت عليه الضرورات الخمس في الشريعة :


المقاصد العامة التي تحقق مصالح العباد وتدفع الضرر عنهم تتبعها العلماء في أحكام الشريعة فوجدوا من استقرائهم لها أنها لا تتعدى ثلاثة مقاصد ضرورية  وهي موضوع كلامنا . ومقاصد تحسينه .
أما المقصد الأول : 
فـهـو حـفـظ الأمــور الضـروريــة وهــي الـتـي تـقـع فـي مـحـل الـضـرورة ولا تسـتـقـيـم مــصـالـح الـعـباد فـي الــدنـيــا والآخرة إلا بوجودها وبقائها لأنها إذا فقدت لـم تجــر مـصـالــح الـعـباد عـلـى اسـتقامـة بـل تضـطـرب أحــوالـهـم ويـختل نظام الـفـرد والجـمـاعــة فـي الحـياة الـدنيـويــة وتـشـيع الـفـوضــى بـيـنهم ويـفوت عليهم فـي الآخــرة الـفـوز برضـى الله تـعـالى وهــو النـعـيم الـذي لا يـزول . وهي بالاســتقراء لا تخرج عن خمس أمور ضرورية هي . الدين ، والنفس ، النـسـل ، العقل ، المال . فهذه الضروريات الخمس أمر الشارع الحكيم ٍبالمحافظة عليها لإبقائها واستمرارها .
فلضرورة الدين : أوجب الله الايمان وشرع من التكاليف ما يحقق وجوده كالصلاة والصيام ، وللمحافظة عليه . أوجب الله الجهاد وفرض العقوبة على من يصد الناس عن دينه وأوجب قتل المرتد وقتل مانعي الزكاة غير ذلك مما يحفظ الدين ويبقيه مستقراً في النفوس .
ولضرورة النفس : شــرع الله الــزواج لبـقـاء النوع الانساني وللمحافظة عليها تناول ما يبقى على وجودها ويحفظها من الأطعمة والأشربة والثياب . وأوجب القصاص وغيره على كل من يتعدى عليها .
وللمحافظة على النسل وبقاءه على أكمل وجه شرع الله الزواج وحرم الزنا وأوجب على الزاني والزانية الحد .
ولضـرورة العـقـل حرم الله تناول الخمر وكل مايفسده أو يضعفه من المخدرات وغيرها . وللمحافظة عليه أوجب العقوبة الزاجرة على تناول أي شيء يضر به .




ــ 151 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولضرورة المــال : أوجب الله السعي في طلب الرزق ونوع اسبابه وحث على التبكير في طلبه  وللمحافظة عليه حرم الله السرقة وأوجب الحد عليها وحرم الله الغصب والغش والربا والخيانة وأكل أموال الناس بالباطل وأوجب ضمان المتلفات .
وهذه الضروريات الخمس ليست في درجة واحدة ولهذا  كان الأمر في الشريعة إذا تعارضت  تلك الضروريات يقدم الأهم فيها دائماً وإن ترتب على ذلك أهدار ضروري آخر أقل منه في الاعتبار . ومن ذلك مثلاً الجهاد ، وقد أوجبه الله تعالى لحفظ الدين وان كان في الجهاد إهدار ضروري آخر أقل منه وهو حفظ النفس لأن حفظ الدين أهم  ولذا يقدم في الاعتبار على حفظ النفس . وكذلك حفظ النفس أحق بالاعتبار من حفظ العقل ولذلك أوجب الله شرب الخمر على من أكره على شربها بإتلاف نفس أو أضطر إلي شربها في ظماء شديد لأن حفظ  النفس أهم في إعتبار الشارع من حفظ العقل وان كلٍ منهما ضرورياً ، إلي غير ذلك من بقية الضروريات التي يقدم منها الأهم على غيره . (1) .













ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر كتاب أصول الفقه تأليف عباس حماده . ص517 وما بعدها الطبعة الثانية 1388 هــ










ــ 152 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهمية تطبيق الشريعة الإسلامية لمكافحة الجرائم :

لا شــك أن كل عـاقـل ومنـصـف سـيـقول الحــق ولا يخــشى لومة لائم وسـيجـهــر بـه أمـام الـناس وهــو اعـترافــه للـشـريعـة الاسـلامــيـة بأنها هي الشـريـعـة الـوحـيدة التي تكفل للناس الراحة والهدوء النفسي إذا طبقت كما يريد الله  . ولا شــك أن الشــريـعـة كــان الـهـدف منها هو انتشار الروائح  الزكية فـي الـعـالم لتـقـود الانـسـان إلي انسانية تعلمه أنه فوق الحيوان خطاه على درب مـلــىء بـكـثير مـن اليـقـين وكـثـيـر مـن الـتـوازن لـكـن مـا إن ضعفنا حتى خسر العالم بانحطاطنا الكثير خسر ذاته وانسانيته ووصل إلي سوء مهابط الجريمة وذلك راجع إلي تحكيمهم القوانين الوضعية التي وضعها الإنسان التافه الحقير بجانب عظمة الله عز وجل .
خذ مثلاً نسبة هذه الجرائم في بعض الدول العربية نقلاً عن مجلة المجتمع عددها 116 ص15 . في الولايات المتحدة الامريكية تجاوزت الجريمة أكثر من عشــرة أضــعـافـهـا في السنوات الأخيرة واصبح معدل الجريمة ، جريمة قتل كل دقــيـقـة . وســرقـة مـسـلحــة كل دقيقتين . وجريمة إغتصاب كل عشرين دقيقة . وفــي روســيا تعـتــبر الحــيـاة كـلـها جريمة فالأسرة مفقودة بالمعنى الطبيعي والأســرة والإنســان آلة لا تـحــس بحـركـتـها الذاتية . وفي المانيا تضاعفت جرائم الـقـتل الـناري عـشــرة أضــعـاف ، فـفي سنة 1969 م سجلت احصائيات الاجرام اكـثـر مـن الـفـي جــريمـة قـتـل . وفي سنة 1970 م وصلت إلي الفين وخمسمائة وفي سنة 1971 م وصلت الـى ثـلاثـة آلاف والـزيـادة بــكـثـرة . وفـي بريطانيا ارتفع احصاء الجريمة في الســنوات الأخــيـرة مـن 15759 الـى 41088 فـي سـنة 1970 م وربـمـا وصـلت الآن  الـى خمسين الف ، وجرائم السـطـو ارتـفـعـت فــي عامين لتبلغ نصف مليون جريمة . وفي فرنسا زادت نسبة الجريمة  32% لا سيما عمليات السطو المسلح .
فهؤلاء وان كانوا في حياة مادية راقية إلا أنهم فقدوا عنصراً من أهم عناصر الحياة وهو الاطمئنان النفسي فلذلك تجد احدهم دائما في قلق وخوف ووجل فلربما هجم عليه في بيته وقتل  هو واولاده ونهب ماله .
فلذلك نقول لابد لحياة الإنسان من تحقيق عنصرين  بعد تحقيق الدين المادة . والأمن 


ــ 153 ــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
ولا يتحققا إلا في الشريعة ، وصدق الله العظيم حينما أمتن على قريش بقوله [ أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ] (1) .
وهكذا كل العالم حتى الدول العربية المحكمة للقوانين الوضعية تعيش هذه المأساة .
اقامة الحدود ودورها وتطبيقها في مكافحة الجرائم :
حـضـرنـي بـهـذه المـناسـبة قـصـة سـمـعـتهـا وأنـا فـي مجـلـس ( مـا ) وكــان فـي هــذا المجـلــس شـخـص مـن احــدى الـدول الـعـربـيـة المـجاورة فأخذ يتـكـلـم عــن حـادثـة حــدثـت مــع رجــل مـن أهـل اليمن بمدينة الرياض قال فوقع بيـنـي وبيـنه ســوء تفـاهــم وأحـتـدم النزاع فأضطر اليمني أن قدم شكوى وأخذت  أتـردد عـلى المـحـكـمـة لأجــل إنـهـاء القـضــيـة فـلـما فصل بيننا وخرجنا خارج المـحـكـمـة يقـول فمـسـكـته بجـيـبـه وقـلت له قسماً بالله لو لم تكن بهذه البلاد لقـطـعـتـك ارباً ارباً ، فـلما أنتـهى مـن كـلامــه قـلـت لـه لمـاذا قـلـت للـيـمني هذا الـكـلام ، وهــل أنت مـصـمم عــلى مــا تـقـول ومــا الــذي مـنعـك من تقطيعه هنا ، قــال حـمـلـني انــه أشـغـلـني كثيراً فقطعني عن عملي واقسم مرة ثانية أن مصمم على قتله لولم يكن بالمملكة وقال إني لم أقتله هنا خوفاً من أن أقاد به في قاعة الصفاة .
فأطرقت قليلاً وقلت لنفسي لا راحة لهذا العالم إلا بتحكيم كتاب الله وصدق الله العظيم حينما يقول [ ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب ] (2) .
وخــذ مثـلاً هــذه الحـادثـة نـقــلاً عــن مـجـلــة المـجتمع في عددها 128 ، 30 شــوال 1392 هـ فـي كــلام لـعـباس مـنـاور وهــو يتـكـلم عن الأمن وكيف تـحـقــقـه الشــريعــة الاســـلامـيـة وذكــر قـصة عراقي وهوأنه سرق ما يقرب 27 مــرة بالـكـويت وعوقب عليها بالسجن 45 يوماً وكــان هـذا اللـص قـد عـمـل فـي الســعـودية إلا أنـه لــم يمـارس هــوايتـه فـي السـعودية  وهي الـسـرقـة ولـمـا سـئل  قال كلمة تدل على تـفـوق الشـريعـة وإحـقـاقـهـا للأمــن وحـفـظ الـحـرمات قال ( يا معودين هناك يقطعون اليد ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قريش / آية 4 
(2) البقرة / آية 179 
ــ 154 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فياليت الدول العربية تطبق شريعة الله تعالى حتى يحسوا بالكرامة والمساواة والحرية والأمن حيث أن شريعة الله هي الصالحة في كل بلد ، ولكن للأسف نرى العالم كله قد قيد نفسه بهذه القوانين الوضعية وفيها مالا يتفق مع الحق والانسانية والعدل وكذلك الأمر بالنسبة للعالم العربي والاسلامي الذي حذا حذو الغرب ولم يأخذ القرآن في الحكم والتشريع مع أن مافيه يضمن الخير كله للإنسانية .
فالقانون الوضعي متهافت مهما حاول أصحابه الرفعة من شأنه وتكميله خذ مثلاً هذه القصة نقلاً عن مجلة الرياض موضوع من يوم ليوم في عددها 2149 لأحمد عبدالغفور عطار ص 3 ، يقول : قرأت بجريدة العمل التونسية هذه القضية بالولايات المتحدة وهي أنها قررت احدى محاكم  بونتيال بالولايات المتحدة عدم ادانة الأخوين التوأمين البالغين من العمر 18 سنة لعدم تعرف أحد الشهود على المجرم الحيقي وقد أتهم الأخوان بالاختطاف  والفاحشة وقتل فتاة عمرها 20 سنة وجاء في حيثيات الحكم أن القاضي يعلم أن أحدهما لم يقتلها  ولم يثبت عنده أي الشقيقين فعل الجريمة . فمثلاً لو نظرت إليها المحكمة الإسلامية لما تركت المجرم حراً  طليقاً بل لعاقبته العقاب الذي يستحقه فهنا القاضي الامريكي أهدر دما بريئاً وجعل المجرم طليقاً يتمتع بحريته دون سجن ونحوه .
وكثيراً ما نسمع المشاكل والجرائم الكثيرة في الدول العربية المحكمة للقانون في الصحف والمجلات من جرائم إختطاف وعصابات للقتل والسرقة .
يحدثني بعض من اثق فيهم قال كنت في بيروت بعطلة عيد رمضان 1392 هـ يقول قرأت وأنا هناك في إحدى الصحف اليومية أنه في خلال أيام العيد الثلاثة وقع إحصاء دقيق لجرائم القتل فكانت 39 جريمة قتل .
وصدق الله العظيم [ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ] سورة النساء آية 65 .
فاللهم  الهمنا رشدنا  وسدد خطانا لما فيه مصلحة ديننا ودنيانا وصلى الله على محمد وعلى آله أجمعين . 

الخــاتـمـــة 
لقد أنتهى بحمد الله وشكره ما من الله على به من كتابة هذا البحث ولقد بذلت قصارى جهدي في أن يكون بحثي مختصراً دون إخلال بالمعنى ودون اطالة تمل القارىء . ولا أقول أني وفيت الموضوع حقه فحقه يحتاج إلي مؤلفات عدة ليس هذا الموجز مكانها ولكن مالا يدرك كله لا يترك جله والانسان مهما حاول أن يجعل عمله كاملا فلن يستطيع لأن هذه الصفة لا تتحقق إلا بالخالق جل وعلا .
وأخيراً أرفع شكري وتقديري إلي كل من أسدى إلي معروفاً في هذا البحث ومن دلني على مصدر أو مكتبة .
والله من وراء القصد . وصلى الله على محمد وعلى  آله أجمعين . 


د / فهد بن حمود العصيمي 









المراجـــع 
القواميس :
     القاموس الميحط / الفيروز آبادي / ط دار العلم المجمع الصحاح / الجوهري / ط الاولى 
لسان العرب / ابن منظور .
قسم التفسير : - 
1 - القرآن الكريم .
2 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن .
3 - تفسير آيات الأحكام / مناع القطان / ط أولى / 1384 هـ .
قسم الحديث : - 
* صحيح البخاري .
* صحيح مسلم .
* سند الدارمي .
* سنن الترمذي .
* سنن النسائي .
* موطأ الإمام مالك .
* ابن ماجة  .
* مسند أحمد بن حنبل .
* الجامع الصحيح / تخريج الألباني .
* سلسلة الاحاديث الصحيحة / الألباني .
* نصب الراية / الزيلعي .
* الترغيب والترهيب / تخريج الألباني .
* ارواء القليل / تخريج الألباني .








ــ 157 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفقه الإسلامي : - 
* مغني المحتاج / الشربيني / ط الحلبي .
* المغني / ابن قدامة .
* حاشية ابن عابدين / ط مصر .
* تبيين الحقائق / الزيلعي / بيروت .
* مواهب الجليل / الحطاب / مكتبة النجاح .
* بداية المجتهد ونهاية المقتصد / ابن رشد .
* اللباب شرح الكتاب / ط الرابعة .
كتب الفقه المعاصرة : -
1  -   التشريع الجنائي الإسلامي / عبدالقادر عوده / ط دار الكتاب العربي بيروت.
2  -  الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي / محمد أبو زهرة / ط دار الفكر العربي . 
3  -  شرعية الجرائم والعقوبات / د . خالد عبدالحميد فراج / ط / الاولى 1386 .  
4  -  فقه السنة / السيد سابق / ط دار الكتاب العربي ط 7 .
5  -  نظريات الفقه الإسلامي / أحمد فتحي بهنسي / ط 1382 هـ .
6  -  المسئولية الجنائية / أحمد فتحي بهنسي / ط دار العلم / بيروت 1961 
7  -  الحدود في الإسلام / أحمد بهنسي .
8  -  العقوبة في الفقه الإسلامي / أحمد بهنسي .
9  -  جرائم الحدود / محمد راغب .
10-  الجريمة والعقاب / عبدالخالق / النواوي / ط أولى .
11-  التعزير / في الشريعة الإسلامية / عبدالعزيز عامر / ط / الرابعة .








ــ 158 ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اصــول فقه والسياسة الشرعية : - 
1 -  المستصفي / ابو حامد الغزالي .
2 -  اصول الفقه / عباس حمادة / ط الثانية .
3 -  الأحكام / الآمدي / ط الأولى .
4 -  اصول الفقه / حسين حامد .
5 -  اصول الفقه الإسلامي / زكي الدين شعبان / ط ثانية / 1971 .
6 -  اصول الفقه / عبدالوهاب  خلاف .
7 -  حكمة التشريع / علي أحمد الجرجاوي .

الثقافة والمعارف العامة والتاريخ والسير : - 
1 -  السياسة الشرعية / ابن تيميه .
2 -  الأحكام السلطانية / الماوردي / ط الثانية / 1386 .
3 -  الإسلام بين جهل ابنائه وعجز علمائه / عبدالقادر عودة / ط السادسة .
4 -  مشكلة الفقر / د. يوسف القرضاوي / تخريج الألباني .
5 - تاريخ عمر بن الخطاب / ابن الجوزي / ط دار احياء علوم الدين /      دمشق .
6 -  اخبار  عمر / علي الطنطاوي / ط المكتب الإسلامي .
7 -  عمر بن الخطاب في الإسلام / د. محمد أنيس عبادة / ط دار الباز /        مكة . 
الدوريات والمجلات : - 
1 - مجلة المجتمع / الكويت .
2 - جريدة الرياض / الرياض .


 

تعليقات