القائمة الرئيسية

الصفحات



العضوية في المنظمات الدولية

العضوية في المنظمات الدولية

العضوية في المنظمات الدولية







العضوية في المنظمات الدولية





بقلم
د/ محمد مصطفى يونس
مدرس القانون الدولي العام
بجامعة الأزهر

 

نبذة عن كاتب البحث
الاسم: الدكتور/ محمد مصطفى يونس
تاريخ الميلاد: 29/ 3/ 1954م
محل الميلاد: بمم - تلا - منوفية.
المؤهلات العلمية:
- ليسانس الحقوق - جامعة القاهرة عام 1976م
- دبلوم العلوم الجنائية - جامعة القاهرة عام 1978م
- دبلوم القانون العام - جامعة القاهرة 1979م.
- دكتوراه في الحقوق «القانون الدولي العام» - جامعة القاهرة عام 1985م، وقد حازت الرسالة على تقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف.
الوظيفة:
مدرس القانون الدولي بجامعة الأزهر.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
تعتمد كل المنظمات الدولية على مساهمة الدول فيها عن طريق الانضمام إلى عضويتها. وقد تكون العضوية كاملة حيث يتاح للدولة المشتركة الانضمام لكل أنشطة المنظمة وممارسة حقوقها الكاملة، وأحيانًا تكون العضوية ناقصة حيث تقتصر فيها الدولة العضو على الاشتراك في بعض نشاط المنظمة فحسب، أو تقتصر على المشاركة في حضور الاجتماعات دون أن يكون لمندوبي الدولة صوتًا معدودًا.
ويمكن قبول ممثلين من غير الأعضاء وضمهم لاجتماعات المنظمة، ويسهم هؤلاء في عمل تلك المنظمة بوصفهم مستشارين أو مراقبين.
وتبدء سريان العضوية في المنظمة بالاشتراك في إنشاء المنظمة، أو بالانضمام في تاريخ لاحق، مع مراعاة شروط قبول العضوية. ويترتب على التمتع بعضوية المنظمة أن يكون لكل دولة عضو حقوقا، وأن تتحمل بالتزامات إزاء المنظمة، ثم إن للدول الأعضاء معًا حقوقا وعليهم التزامات سواء إزاء المنظمة أم إزاء بعضهم بعضًا.
وتنتهي العضوية بالانسحاب من المنظمة، أو بالاستبعاد منها، وقد تنتهي العضوية بانقضاء الشخصية الاعتبارية للدولة، أو بانقضاء المنظمة ذاتها.
وتقتضي منا دقة البحث إلقاء الضوء على صور العضوية في المنظمة الدولية، ثم تبيان نطاق العضوية في المنظمة الدولية. ولذلك رأينا أن يسير منهج البحث على الترتيب التالي:
الفصل الأول: صور العضوية في المنظمة الدولية.
المبحث الأول: العضوية الكاملة.
المبحث الثاني: العضوية الناقصة.
الفصل الثاني: نطاق العضوية في المنظمة الدولية.
المبحث الأول: اكتساب العضوية في المنظمة الدولية.
المبحث الثاني: فقد العضوية من المنظمة الدولية.
 


الفصل الأولصور العضوية في المنظمة الدولية

تمهيد:
قلنا إن العضوية في المنظمة الدولية، إما أن تكون عضوية كاملة أو ناقصة، وبين كل مجموعة من هؤلاء نجد فروقًا كبيرة في الصلاحية والنفوذ فبعض الأعضاء -من ذوي العضوية الكاملة - قد يساهمون بنصيب وافر في نفقات المنظمة، وبدرجة تفوق مساهمات الدول الأخرى، وبعض الدول قد تتمتع بمزايا تفوق الدول الأخرى كالدول ذات العضوية الدائمة بمجلس الأمن، وبعض الخبراء قد لا يتعدى دورهم عن كونهم مراقبين، وفريق آخر قد يكون له نفوذ حاسم في المناقشات عندما تكون لهم خبرة عميقة بمسألة معينة.
ومن الأهمية بمكان استعراض صور العضوية الكاملة والناقصة، ونرى أن نخصص لكل منها مبحثا على حدة.
 
المبحث الأول
العضوية الكاملة
تمهيد:
نعني -بصفة أساسية- بالعضوية في المنظمات الدولية: عضوية الدول والتي يمثلها أفراد، ولكن بالإضافة إلى ذلك هناك مجموعة من المنظمات الدولية تتشكل كلية أو بصفة جزئية من أجزاء من الدول، وقد تشارك بعض المنظمات الدولية في عمل المنظمات الدولية الأخرى.
وتقتضي منا دقة البحث استعراض عضوية الدول في المنظمات الدولية ثم عضوية المنظمات الدولية في المنظمات الدولية الأخرى، وذلك في مطلبين متتاليين:
المطلب الأول
عضوية الدولة في المنظمات الدولية
تشترط معظم المنظمات الدولية أن تكون العضوية فيها للدولة بصفتها الفردية، غير أن هناك بعض المنظمات الدولية تسمح بالعضوية لمجموعات الدول بحيث يكون لكل مجموعة عضوية واحدة، وأيضًا هناك مجموعة أخرى من المنظمات الدولية تتشكل بصفة كلية أو جزئية من أجزاء من الدول.
أولاً: عضوية الدول بصفتها الفردية:
تشترط معظم المنظمات الدولية أن تكون العضوية فيها للدول بصفتها الفردية (مثل المادة 3، 4 من ميثاق الأمم المتحدة، المادة 4 من ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية). وقد تتوافر للدولة كل مقوماتها، ومع ذلك تثير العديد من المشاكل حول انضمامها لعضوية المنظمات الدولية، نظرًا لأنها متناهية في الصغر( ).
والحقيقة أن تلك المسألة تلقى اهتماما متزايدا على المستوى الدولي، فبسبب طبيعة هذه الدول المتناهية في الصغر، هناك من يرى عدم مناسبة تمثيلها في المنظمات الدولية. وقد وجه السكرتير العام للأمم المتحدة العناية إلى هذه المشكلة في العديد من المناسبات( ).
وكان هناك اقتراحات في الأمم المتحدة -ومن قبل في عصبة الأمم- بأن تكتفي هذه الدول بالانتساب أو أن يكون لها وضع خاص( ).
ولكن لم تتخذ أية ترتيبات خاصة في هذا الشأن، وبعض هذه الدول المتناهية في الصغر تنضم بالفعل إلى بعض المنظمات الدولية: كانضمام إمارة «موناكو» لعضوية اتحاد البريد العالمي ووكالة الطاقة النووية، في حين لم تستطع أن تلتحق بمنظمات دولية أخرى كالأمم المتحدة.
والدول الأعضاء في أية منظمات دولية هي التي تحدد لوائح القبول والتنظيم الداخلي لكل منظمة.
وقد يلزم أحيانًا ضرورة إقرار قبول العضوية من برلمان الدولة مثل الجماعة الاقتصادية الأوربية، وأحيانًا يكون من الصعب اشتراط مثل هذا المطلب، نظرًا لأنه ليس هناك -دائمًا- متسعا من الوقت لمثل هذا التشاور( ).
وكلما زادت الدول المنضمة لعضوية المنظمة الدولية، زاد نفوذ مثل هذه المنظمة، وتشترك برلمانات الدول في النشاط التشريعي للمنظمات الدولية، وكذلك للمحاكم الوطنية دور في الرقابة القضائية على تصرفات تلك المنظمات في نطاق الاختصاص الوطني.
وإذا تم الإطاحة بحكومة دولة، فإن عضويتها لا تزول من المنظمة الدولية تلقائيًا، بل تطرح المسألة لتقرر المنظمة ما إذا كانت تقبل مندوبي الحكومة الجديدة.
ثانيًا: عضوية الدول بصفتها الجماعية:
تسمح بعض المنظمات الدولية بالعضوية لمجموعة من الدول تشكل عضوية واحدة (فمثلاً قررت المنظمة الدولية للبن أنه يجوز ضم مندوبين أو أكثر من غير مصدري البن لعضوية المنظمة). والعضوية هذه جماعية، بمعنى أن المجموعة المنضمة تمثل عضوية واحدة كقاعدة عامة، باستثناء بعض الحالات: كاختيار رئيس المنظمة، أو تنفيذ بعض الالتزامات حيث تحتسب الأصوات في تلك الحالات بصورة فردية.
ومن شروط تكوين المجموعة أن يكون أعضاؤها ممن لهم اهتمام بتنفيذ السياسة العامة المشتركة للبن( ).
وفي الممارسات العملية، فالجماعة التي لها صفة العضوية هي ذاتها منظمة دولية (مثل المنظمة الإفريقية للبن وتضم أيضًا مالاجاش). وهكذا تصبح تلك المنظمة عضوا ويجوز أن يكون قبول عضوية جماعة على النحو السابق وسطًا بين العضوية الفردية، وقبول منظمة دولية أخرى بصفة عضو.
والجماعات التي تشكل عضوية واحدة لها فائدتها بالنسبة للدول الصغيرة التي ترمي إلى الاشتراك في المنظمات الفنية، ولكنها غير قادرة على إيفاد وفود إلى كل المنظمات القائمة التي يزداد عددها باستمرار، أو التي لا تستطيع أن تفي -كل منها على حدة- بمتطلبات وشروط النظام الأساسي.
وعموما فإن العضوية التي تضم جماعة ما ربما هي حمل لمشكلة تواجه الدول المتناهية في الصغر (وقد عرف اتحاد البريد العالمي هذا النوع من العضوية، وكذلك الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية، والذي كان يضم العديد من الأقاليم غير المستقلة حتى عام 1975).
ثالثًا: عضوية الدول بصفتها الجزئية:
بالإضافة إلى المنظمات التي تضم الدول، هناك مجموعة من المنظمات الدولية تتشكل كلية أو بصفة جزئية من الدول. وهذه الأجزاء ربما تكون قطاعات جغرافية، أو أجزاء من الحكومة.
(أ) القطاعات الجغرافية للدول:
قد تسمح بعض المنظمات الدولية - لظروف معينة - لبعض الوحدات التي لا تتمتع بوصف الدولة بالانضمام لها، فعلى سبيل المثال: سمحت الأمم المتحدة لروسيا البيضاء وأوكرانيا بالانضمام بصفة عضو مستقل لكل منهما إلى جانب الاتحاد السوفييتي، واعترفت المنظمة بهاتين الجمهوريتين السوفييتين باعتبار أن لهما صفة الدولة؛ نظرًا لأن ميثاق المنظمة يقصر العضوية على الدول «مادة 3، 4»، وذلك خضوعا لرغبة الاتحاد السوفييتي في أن تكون له قوة تصويت أكبر في الأمم المتحدة.
وهناك منظمات دولية أخرى تميز وتفرق بين العضوية وبين صفة الدولة، وتسمح بالعضوية للأقاليم غير المتمتعة بالاستقلال، بالرغم من أن تلك الأقاليم -وفقا للقانون الدولي- هي جزء من الدولة التي تمثلها في علاقاتها الدولية( ).
فمثلاً: من بين أعضاء اتحاد البريد العالمي هناك أربعة أقاليم غير مستقلة فيما وراء البحار تابعة لفرنسا، وهولندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وكذلك تقبل منظمة الأرصاد الجوية العالمية في عضويتها أية أقاليم غير مستقلة أو مجموعة من الأقاليم تقدم خدمات للأرصاد وإن كان ليس لها الحق في التصويت عند طرح مسائل سياسية( ).
كذلك يجوز للأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي وتمارس علاقات تجارية خارجية الالتحاق بالاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارية (الجات)( ).
وفي بعض المنظمات التابعة للكومنولث البريطاني تتيح المملكة المتحدة العضوية لبعض مستعمراتها جنبًا إلى جنب مع الدول المستقلة المكونة لمجموعة دول الكومنولث «كمكتب الاتصال العلمي، ومكتب الزراعة لدول الكومنولث».
ولكن من المفيد الإشارة إلى أنه لا ينضم -كقاعدة عامة- للمعاهدات المنشئة للمنظمات إلا الدول ذات السيادة، وتمثل الدولة الأم كافة أقاليمها.
ويسمح أحيانًا بقبول عضوية أقاليم غير مستقلة إذا كان في ذلك مصلحة لتأدية أغراض عامة، وعندئذ تكون النظرة إلى مدى ما تحققه عضوية مثل هذه الأقاليم من فائدة، بغض النظر عن استقلالها.
(وقد أشرنا إلى اتحاد البريد العالمي، حيث ينحصر الاهتمام في مسائل البريد وليس في المشاكل السياسية العامة).
ومع ذلك فقد ثارت في السنوات الأخيرة صعوبات جمة بسبب انشغال بعض المنظمات الدولية ذات الطابع الفني أو التخصصي بمسائل سياسية، فمثلاً: كانت مسألة طرد البرتغال وجنوب إفريقيا من المشاكل السياسية التي واجهت كثيرًا من المنظمات الدولية حتى الفنية منها.
ويبدو أنه لا يسمح في مثل هذه الحالة للأقاليم غير المستقلة بأن تشارك في التصويت، ولهذا السبب فإن الاتحاد الدولي للاتصالات ابتداء من يناير سنة 1975 قصر العضوية على الدول بعد ما كان يضم ستة مجموعات غير مستقلة فيما وراء البحار تابعة لفرنسا، والبرتغال، وأسبانيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وروديسيا الجنوبية( ).
والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية تقصر حقوق تلك الأقاليم غير المستقلة ذات العضوية على مناقشة مسائل الأرصاد، ولا يسمح لها بالتصويت في المسائل التي تتعلق بتعديل النظام الأساسي للمنظمة، أو بالمسائل التي تتعلق بالعضوية، أو بعلاقات المنظمة بالدول، أو بانتخاب الرئيس أو نوابه أو انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية. «مادة 11».
وهكذا يتاح للأقاليم غير المستقلة أن تمارس حقوقها في المجالات التي لها سيطرة عليها، ولكن لا يسمح لها بالمشاركة في المجالات البعيدة عن سلطتها، ومن ثم فإن عضويتها ليست كاملة، ولذلك ينبغي إدراجها في العضوية الناقصة.
ومن الملاحظ: تناقص عدد الأقاليم غير المستقلة التي تتمتع بعضوية المنظمات الدولية لاضطراد حصولها على الاستقلال وصيرورتها دولا مستقلة.
(ب) أقسام من الحكومات: 
بالإضافة إلى حالات قبول قطاعات جغرافية للدول بوصفهم أعضاء منفصلين في المنظمات الدولية، هناك حالات تمثل فيها أقسام من الحكومات على أساس أنهم أعضاء في المنظمة الدولية. (فمثلاً العضوية في بنك التسويات الدولي في «باذل» ليس للحكومات أو الدول بل للبنوك المركزية في تلك الدول، وكذلك العضوية في الاتحاد الإفريقي للبريد تقتصر على هيئات البريد).
والمنظمتان الدوليتان -سالفتي الذكر- تم تأسيسهما بناء على معاهدات دولية، ومن ثم يمكن اعتبارهما من المنظمات الحكومية، أي: التي تشكل فيما بين الحكومات.
وإذا لاحظنا النصوص التي تحد من العضوية وتقصرها على خدمات وطنية محددة، فإن مثل هذه المنظمات تغدو مكونة من الأجهزة الوظيفية للدول وشأنها شأن عضوية الأقاليم غير المستقلة.
والفروع المعنية في الحكومات في الممارسة العملية تتصرف داخل المنظمة وتقرر السياسة التي تتبع، وبالتالي تصبح تلك الأجهزة لها عضوية كاملة. 
أما المسئولية عن التصرفات التي تجريها تلك الأجهزة فتظل منوطة بالدولة التي تتبعها، وهكذا إذا نظرنا للمسألة من زاوية المسئولية يمكن اعتبار العضوية للدولة.

 المطلب الثانيعضوية المنظمات الدولية

في المنظمات الدولية الأخرى
يثور التساؤل حول إمكانية تمتع المنظمة الدولية بالعضوية في المنظمات الدولية الأخرى.
والحقيقة: أن المنظمات الدولية تشارك -في الغالب- في عمل المنظمات الدولية الأخرى، وأحيانًا يقتصر دورها على المشاركة بالرأي كما هو الحال في دور الوكالات المتخصصة التي تعمل في إطار الأمم المتحدة، وقد يتغير الموقف عندما يقوم اتحاد وثيقة بين مجموعة من الدول: (كالجماعة الاقتصادية الأوروبية، ومجموعة الدول المنضمة لاتفاقية الجات) ( ).
وينص النظام الأساسي للمنظمة الدولية للتعاون الاقتصادي والتنمية على اشتراك الجماعات الأوربية في أعمال تلك المنظمة.
ولما كان المجلس الأوربي ليس له حق التصويت، لذلك لا يتمتع بالعضوية الكاملة، ولكن للمجلس العضوية الكاملة في بعض المنظمات الدولية، وذلك بناء على اتفاقيات معينة.
وتعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية عضوا كاملاً في المركز الإقليمي للإشعاع في شرق البحر المتوسط (وهو مركز تمثل فيه الدول العربية)، ولممثلي الوكالة نفس حقوق الدول الأعضاء بما في ذلك حق التصويت، ويجوز انتخاب الرئيس من بين ممثلي الوكالة الدولية( ).
 
المبحث الثاني
العضوية الناقصة
تمهيد:
إذا كانت الأعضاء ذات العضوية الكاملة تتمتع بكافة حقوق العضوية التي يقررها ميثاق المنظمة، فإنه في حالات العضوية الناقصة لا تتمتع الأعضاء بكافة تلك الحقوق، وإنما تكون الحقوق محدودة، قد تقتصر على حضور الاجتماعات دون الحق في التصويت، أو تولي وظائف في الأجهزة الرئيسية التابعة للمنظمة الدولية، وتسمى العضوية في تلك الحال: العضوية بالانتساب، وقد تقتصر العضوية على العضوية في بعض أجهزة المنظمة الدولية وتسمى: العضوية الجزئية، ويجوز قبول ممثلين من غير الأعضاء وضمهم لاجتماعات المنظمة، ويسهم هؤلاء في عمل تلك المنظمة بصفة مستشارين أو مراقبين.
ومن الأهمية بمكان استعراض العضوية بالانتساب، والعضوية الجزئية، والمراقبون، بوصفها صورا للعضوية الناقصة، ونرى أن نخصص لكل منها مطلبا على حدة.
المطلب الأول
العضوية بالانتساب
يتاح في بعض المنظمات الدولية عضوية من نوع خاص ذات حقوق محدودة، بحيث يستطيع العضو المساهمة في أنشطة المنظمة دون التمتع بكامل حقوق العضوية، على سبيل المثال: (المادة 8 من النظام الأساسي لمنظمة الصحة العالمية، والمادة 2/ 3- 5 من نظام منظمة الفاو، المادة 2/ 3 من نظام منظمة اليونسكو... إلخ).
ونستطيع أن نتلمس الخصائص التالية لتلك الصورة من صورة العضوية الناقصة:
أولاً: إن هذه العضوية مقصود بها في كثير من الحالات: الأقاليم التي تتمتع بالحكم الذاتي، وبغية تمكينها من المساهمة في أنشطة المنظمة وبدون منحها حقوق الدول المستقلة، وبعد أن تحصل تلك الأقاليم على استقلالها بالكامل تستمر في عضويتها بصفتها منتسبة حتى يرخص لها بالعضوية الكاملة( )، وقد تضاءلت أهمية العضوية بالانتساب نظرًا لتضاؤل عدد الأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي مؤخرا، وتمنح أيضًا لحركات التحرير والحكومات في المنفى( )، والحكومات حديثة العهد بالاستقلال حيث يتسنى لوفود تلك الدول الحصول على الخبرة الضرورية التي فاقتهم حتى حصلت بلادهم على الاستقلال.
ثانيًا: تعني العضوية بالانتساب -بصفة أساسية-: العضوية بدون الحق في التصويت، أو في تولي وظائف في الأجهزة الرئيسية التابعة للمنظمة الدولية.
وتحدد النظم الأساسية للمنظمات الدولية التي تأخذ بنظام تلك العضوية حقوق الأعضاء والتزاماتهم.
ويراعى دائمًا الأعباء المالية التي تتحملها الدول المنتسبة، بحيث تتناسب مع الدور المحدود لها، على سبيل المثال: في منظمة الصحة العالمية، للأعضاء الحق في الاشتراك في أنشطة المنظمة بدون الحق في التصويت أثناء المداولات التي تجرى في المؤتمر العام أو التي تجرى في اللجان الرئيسية، ولها الحق في الاشتراك في نشاط اللجان الأخرى بما في ذلك حق التصويت وتولي الوظائف بما في ذلك اللجان الفرعية للمنظمة باستثناء اللجنة العامة، ولجنة النظر في قبول العضوية، ولجنة الترشيح، ولها الحق في اقتراح إدراج مسائل في جدول أعمال المؤتمر العام للمنظمة، والاشتراك في مناقشة الاقتراحات، والحق في الحصول على الأوراق والتقارير والمحاضر، وتلقي الدعوة لحضور اللجان الخاصة والمؤتمر العام، وتصل أعباء الاشتراك إلى ثلاثة أخماس الحد الأدنى لأعباء اشتراك الدول ذات العضوية الكاملة( ).
ثالثًا: تتسم العضوية بالانتساب بامتداد نطاقها في المنظمات العالمية والوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وكذلك المنظمات الإقليمية، فعلى سبيل المثال: تسمح المنظمة العالمية للسياحة بالعضوية بالانتساب للدول، على أن تمثل بعضو واحد دون حق التصويت، وثلاثة من خمسة مجالس إقليمية اقتصادية تابعة للأمم المتحدة هي:
آسيا، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا تأخذ بنظام العضوية بالانتساب( ). والأراضي غير المستقلة في تلك المناطق يجوز لها الانتساب لتلك المجالس( ) وتسمح بعض المنظمات الإقليمية بنظام الانتساب وبنفس نظام قبول هذا النوع من العضوية في أسرة المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وأحيانًا يكون الانتساب بمسمى مختلف مثل: «نظام العضوية الجزئية» وهذه التسمية متبعة في المجلس الأوربي، ومجلس المساعدات الاقتصادية المتبادلة، والعضوية المنتسبة تتعاون وتساهم بنفس القدر في المنظمات الدولية، ولكن في مجال أضيق، وخصوصًا في بعض أنظمة الاتفاقيات مثل: (الجماعة الاقتصادية الأوربية، ومنطقة التجارة الحرة الأوربية).
وكانت الولايات المتحدة، وكندا عضوين منتسبين في منظمة التعاون الاقتصادي الأوربي وفي اتحاد المدفوعات الأوربي، ثم أصبحتا توفدان مراقبين لحضور الاجتماعات، وتتلقيا وثائق الاجتماعات( ).
 
المطلب الثاني
العضوية الجزئية
تعتبر العضوية الجزئية صورة من صور العضوية الناقصة، حيث لا تتمتع الدولة العضو بكافة حقوق العضوية في جميع أجهزة المنظمة الدولية، ويمكن تلمس سمات معينة لتلك العضوية تتمثل في:
أولاً: تسمح بعض المنظمات الدولية لغير الأعضاء بعضوية بعض أجهزتها، ويصدق ذلك بصفة خاصة على حالة الأمم المتحدة، فالهيئة الدولية لها أنشطة في مختلف المجالات، ولأسباب سياسية لا يتسنى حضور كل الدول في المنظمة، ومع ذلك فإن غياب بعض الدول في بعض المجالات يجعل مثل هذا الغياب ملموسًا بدرجة كبيرة، في حين تكون الاعتراضات لأسباب سياسية ليست بنفس القوة.
فعلى سبيل المثال: في عامي 1954، 1955 لم تكن بعض الدول الأوربية ممثلة في الأمم المتحدة، ومع ذلك كانت تتمتع بعضوية الجماعة الاقتصادية الأوربية، وانضمت سويسرا إلى عضوية الجماعة المذكورة في يوليو سنة 1971 ( )، وتنضم سويسرا وسان مارينو لعضوية محكمة العدل الدولية، والمحكمة من الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة، وقد تم انتخاب سويسرا في مارس سنة 1974 عضوا في المجلس التنفيذي لصندوق طوارئ الأطفال التابع للأمم المتحدة( )، وكل الدول الأعضاء في أي وكالة متخصصة، أو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية -ومن بينها سويسرا، وكوريا الشمالية، والجنوبية -يجوز لها الاشتراك في مؤتمر التجارة والتنمية برعاية الأمم المتحدة «الأنكتاد» سواء المؤتمر ذاته أو الأجهزة المتفرعة منه، وكذلك الاشتراك في منظمة التنمية الصناعية «اليونيدو» وكلها من الأجهزة المتفرعة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وانضمت منظمة التحرير الفلسطينية لعضوية المجلس الاقتصادي لغرب آسيا في يوليو سنة 1977 وهي ليست عضوا في الأمم المتحدة( ).
وتنضم النرويج لعضوية وكالة الطاقة الدولية بصفة جزئية، وكانت هذه الوكالة في الأصل قد أنشئت لتضم الدول المستوردة للبترول، ولما كانت النرويج على وشك أن تتحول إلى دولة مصدرة للبترول؛ لذلك فضلت ألا تكون عضويتها في تلك الوكالة كاملة.
ثم فيما بعد، ورغبة منها في ألا تكون خارج تشكيل سياسة الطاقة في أوربا، سعت إلى أن تكون عضويتها كاملة، وبناء على تحفظات معينة تستند إلى نصوص في النظام الأساسي لوكالة الطاقة الدولية (وذلك بموجب اتفاقية 18 نوفمبر سنة 1974 بين الوكالة والنرويج)( ).
ثانيًا: تثير العضوية الجزئية العديد من المشاكل الإدارية من ذلك، أنه ما لم يصدر قرار من الجمعية العمومية يقرر مقدار مساهمتها في نفقات المنظمة الدولية، فإنها قد تطالب بحصة مساوية لحصة العضوية الكاملة، ولا تمثل الدولة ذات العضوية الجزئية في الأمم المتحدة في لجنة الميزانية (اللجنة الخامسة والمتفرعة من الجمعية العامة).
ويجري اختيار أعضاء المجالس التنفيذية «لليونيدو» وصندوق التنمية بمعرفة الجمعية العامة، ولا تدخل العضوية الجزئية في الاختيار، ومع ذلك فإن الدول ذات العضوية الجزئية تساهم في انتخاب القضاة في محكمة العدل الدولية، وفي تعديل النظام الأساسي للمحكمة( ) (مادة 69 من لائحة المحكمة).
ونشاط السكرتارية العامة للمنظمات الدولية، وتعيين الموظفين العاملين بها من اختصاص وبإشراف الأمين العام المسئول أمام المؤتمر العام أو الجمعية العمومية، وليس للدول ذات العضوية الجزئية رأي في ذلك.
وصلاحيات العضوية الجزئية أقل بطبيعة الحال من صلاحيات العضوية الكاملة، وتقل أيضًا سلطة المنظمة الدولية على الدول ذات العضوية الجزئية( ). ورغم المشاكل الإدارية فإن العضوية الجزئية هي تمهيد للعضوية الكاملة.
وهناك شكل للعضوية الجزئية نجده في النظام الأساسي للمجلس الأوربي (المادة الخامسة من النظام)، بمسمى العضوية بالانتساب، وهي تتيح الفرصة للاشتراك في عضوية الجمعية الاستشارية، بدون الاشتراك في اللجنة الوزارية، وقد اشتركت ألمانيا الاتحادية والسار بهذه الصفة لسنوات عديدة، ثم حصلت ألمانيا على العضوية الكاملة في عام 1952، ولم تعد السار أقاليم منفصلة اعتبارا من عام 1975، ولم يعد في المجلس الأوربي عضوية جزئية.
المطلب الثالث
المراقبون
تمنح معظم المنظمات الدولية صفة الاستشارة أو المراقبة لغير الأعضاء؛ للإسهام في عمل تلك المنظمات. وإذا كان الأشخاص الذين يتم اختيارهم بصفة مستشارين أكثر نشاطا من المراقبين - حيث يؤدي المراقب دورًا سلبيًا ويتمثل في: أن يحيط دولته أو المنظمة التي ينتمي إليها بالمعلومات وبمجريات الأمور دون الاشتراك في الاجتماعات التي يحضرها، بعكس المستشارين حيث يكون له دورا أكثر نشاطا في توصيل آرائهم أو آراء دولتهم أو منظمتهم، ويشاركون بالفعل في عمل المنظمة الدولية وفي تحقيق أهدافها - فإنه يدخل كلاهما في عداد فريق واحد يطلق عليه «المراقبون»، لذلك تستخدم كلمة «مراقب» لتضم كلا من المراقبين والمستشارين.
ويمكن تلمس سمات معينة لتلك الطائفة تتلخص فيما يأتي:
أولاً: يعتمد مركز المراقبين على نظام المنظمة الدولية وحجز الهيئة التي يقبلون بها، ففي الأجهزة محدودة الحجم يتاح للمراقبين أحيانًا الاشتراك في كافة المناقشات، ولكن في الأجهزة الكبيرة ربما لا يسمح لهم بذلك، ويمكن القول عمومًا بأن المنظمات محدودة الحجم والتي لها طابع التخصص الفني يزداد فيها نفوذ المراقبين، خصوصًا إذا كانوا من الخبراء في مجال تخصص المنظمة، وأحيانًا يكون للمراقب موقف قوي يتعلق بوضعه الفعلي( )، ويتسم المراقبون بأن دورهم محدود، وأنه ليس لهم الحق في التصويت، ولكن إذا كان للمراقب صلاحيات محدودة في دورات الانعقاد الرسمية، فإنه يجوز أن يكون له دور أكثر أهمية في الاجتماعات غير الرسمية، ويعلق المراقب أهمية كبيرة على الاتصال بالوفود، وتبادل الأفكار والآراء، وتقديم الاقتراحات. وإن كان نفوذه يقترب من نفوذ الأعضاء في الأجهزة التي لا تعقد مؤتمرات عامة (كالمجلس الاقتصادي، والاجتماعي للأمم المتحدة)، وغالبًا ما ينص على صلاحيات المراقبين في الاتفاق مع المنظمة الدولية التي تسمح بقبولهم، وأحيانًا ليس هناك اتفاقات من هذا القبيل، خصوصًا بالنسبة للمراقبين من غير الدول الأعضاء، الذين يسمح لهم بالحضور مؤقتا في اللجان وبدون تحديد واضح لصلاحياتهم، وفي تلك الحالة يجوز السماح للمراقب بالتعبير عن آرائه، بشرط الحصول على موافقة إجماعية من أعضاء المجلس.
ثانيًا: المنظمات التي يخول لها إرسال مراقبين، ينبغي أن ترسل خطابات باختيار ممثليها، ومثل هذه الخطابات تعتبر شبيهة بإجراءات تقديم أوراق اعتماد الوفود، ولكن ليست في حاجة إلى تصديق من لجنة الموافقة على أوراق الاعتماد، ويحتل المراقبون أماكنهم في قاعة الاجتماعات، بانفصال عن أعضاء الوفود ويتسلمون أوراق اجتماعات الدورة على قدم المساواة مع أعضاء الوفود( ). وتعد ترتيبات لتبادل المراقبين بمقتضى اتفاقات بين المنظمات الدولية، وكثير من المنظمات الدولية توجه الدعوة لمراقبين من الدول غير الأعضاء أو من ممثلي منظمات دولية خاصة وعلى أساس فردي، وكل منظمة تحدد موقف المراقبين: (على سبيل المثال: تسمح منظمة «الفاو» بحضور مراقبين باستثناء اجتماعات المجلس (م 6/ 2) ويقبل مقر الأمم المتحدة في نيويورك مراقبين من الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة، شريطة أن تكون من الدول المعترف بها، وكذلك تقبل مراقبين من بعض حركات التحرير الوطنية).
ثالثًا: قد يمثل المراقبون الدول غير الأعضاء، أو المنظمات الدولية، أو حركات التحرير الوطنية، وقد يمثل الأفراد بصفتهم الشخصية.
(أ) الدول غير الأعضاء: تسمح المنظمات الدولية عادة لمندوبي الدول غير الأعضاء -بصفة مراقبين- بحضور الاجتماعات التي تعقدها، حيث تناقش مسائل تهم تلك الدول. وهذا الشكل من الاشتراك بمراقب يمكن الدولة من غير الدول الأعضاء من متابعة أعمال المنظمة (فعلى سبيل المثال: توفد سويسرا مراقبين إلى العديد من أجهزة الأمم المتحدة، وتوفد يوغوسلافيا، وفنلندا مراقبين إلى دورات انعقاد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) وهؤلاء المراقبون يجرون اتصالات مهمة مع المنظمة، ومثل هذا الاتصال مفيد لكل من الدول المعنية والمنظمة الدولية، هذا إذا شاءت الأخيرة أن تنعكس سياستها على الدولة الممثلة بمراقب.
وتحصل الدولة الممثلة بمراقب على وثائق الاجتماعات، عندما توافق المنظمة على قبول المراقب الذي توفده. ووضع المراقب الوافد من دولة غير الدول الأعضاء يماثل وضع المراقب الذي يحضر اجتماعات في أجهزة أخرى غير ممثلة فيها دولته، وللدول الأعضاء الحق في إيفاد مراقبين إلى الأجهزة التابعة للمنظمة التي لهم هذا الحق، بل يعتمد حضور المراقب على طبيعة نظام كل منظمة دولية، أو نظام الأجهزة التابعة لها. وبالنسبة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ليس لتلك الدول الحق في حضور المجالس التي ليست لها عضوية فيها.
(ب) المنظمات الدولية: كثيرًا ما تعقد اتفاقات بين المنظمات الدولية العامة لتتمكن من الاشتراك في عمل بعضها البعض، وأهم اتفاق من هذا القبيل هو المعقود بين الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة (مادة 70 من ميثاق الأمم المتحدة). وفيما عدا الوكالات المتخصصة، فإن المنظمات الدولية العامة (مثل: منظمة الدول الأمريكية، ومنظمة الوحدة الإفريقية، ومجلس المعونة الاقتصادية المتبادلة، والجماعة الاقتصادية الأوربية)، يرخص لها بأن توفد مراقبين لأجهزة الأمم المتحدة، وكثير من الاتفاقات بين الوكالات المتخصصة تهيئ الفرصة للتمثيل المتبادل في اجتماعات الأجهزة التابعة لها، وخصوصًا عند مناقشة بنود تخص المنظمات الأخرى. وتنص هذه الاتفاقات على تبادل المعلومات والوثائق، وكثيرًا ما تعد الترتيبات لتشكيل لجان مشتركة لدراسة المسائل ذات الأهمية المشتركة( )، وهناك ترتيبات مماثلة بين الوكالات المتخصصة والمنظمات الدولية الأخرى.
وكثير من المنظمات الإقليمية عقدت اتفاقات على أساس التشاور المتبادل مع المنظمات الدولية العامة الأخرى( ).
وكثير من المنظمات الدولية العامة تسمح للمنظمات الدولية الخاصة بأن تشترك في أعمالها للاستفادة بما تضمه تلك المنظمات الخاصة من متخصصين مهنيين يتميزون بمعارف واسعة في مجالات تخصصهم، ولدينا مثال واضح لذلك في تعاون الأمم المتحدة مع المنظمات الدولية الخاصة: فالمجلس الاقتصادي والاجتماعي لديه ترتيبات للتشاور مع المنظمات الدولية الخاصة المهتمة بمثل نشاط المجلس، وبشرط أن تتوافر فيها شروط معينة منها: أن يكون للمنظمة مقر، وله موظف تنفيذي مسئول، وأن يكون نظامها ديمقراطيا، وأن يكون لها سلطة مخاطبة أعضائها( ).
ويجوز ضم عدة منظمات من هذا النوع معًا، ومن التي لها مجالات نشاط متشابهة، وهذا الشكل من التشاور مع المنظمات الدولية الخاصة يختلف عن حق المشاركة بدون تصويت، والممنوح لمراقبي الدول غير الأعضاء، أو لممثلي حركات التحرير الوطنية، أو لممثلي الوكالات المتخصصة، والغرض من هذا الترتيب، إقامة علاقات من التشاور مع الهيئات المهتمة بنشاط المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
ويقسم المجلس الاقتصادي والاجتماعي المنظمات الدولية الخاصة إلى ثلاث مجموعات( ):
المجموعة الأولى (المجموعة أ): وهي المهتمة بمعظم أنشطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والتي تثبت أنها قادرة على المساعدة في تحقيق أغراض الأمم المتحدة، وأن يكون لها نشاط مؤثر في حياة الشعوب، في المناطق التي تمثلها تلك المنظمات الدولية الخاصة (كغرفة التجارة الدولية والاتحاد البرلماني الدولي)..
المجموعة الثانية (المجموعة ب): وتضم المنظمات الدولية الخاصة التي تحصر اهتمامها في نشاط معين، أو في مجالات محدودة مما لها علاقة بنشاط المجلس الاقتصادي والاجتماعي (كالاتحاد الدولي للمحامين، والانتربول، والاتحاد الدولي لأندية الروتاري).
المجموعة الثالثة (المجموعة جـ): وهي مجموعة منتسبة من المنظمات الدولية الخاصة وهي غير وثيقة الصلة بالعمل الاقتصادي، والاجتماعي، ومع ذلك لها أهميتها بالنسبة لتحقيق أهداف الأمم المتحدة بصفة عامة (كمكتب الكشافة الدولي، والاتحاد العالمي للجامعات).
ويتشاور المجلس الاقتصادي والاجتماعي مع كافة هذه المنظمات من خلال لجنة خاصة تابعة للمجلس هي: «لجنة المنظمات غير الحكومية».
ويأخذ المراقبون عن المنظمات من المجموعتين أ، ب أماكن جلوسهم في الاجتماعات العامة للمجلس ولجانه على اختلاف مستوياتها (بموجب المادة 81 من اللوائح الإجرائية التي أصدرها المجلس عام 1975)، أما الهيئات من المجموعة المنتسبة (المجموعة جـ) فلها أن ترسل بممثليها في الاجتماعات التي لها علاقة بنشاطها، ويجوز دعوة ممثلي كافة المنظمات للجمعية العامة للمجلس وتتسلم جدول الأعمال المؤقت للمجلس ولجانه، ويجوز للمنظمات من الفئتين أ، ب أن تتقدم ببيانات مكتوبة ومحدودة ترفع للمجلس، وأحيانًا يسمح لها بأن تتقدم بمذكرات للأجهزة الأخرى في الأمم المتحدة( ).
أما المنظمات من الفئة الثالثة فلا يرخص لها بذلك إلا بناء على طلب السكرتير العام.
وفي حالات خاصة يجوز السماح للمراقبين الذين يمثلون المنظمات الدولية الخاصة من المجموعة أ، ب التحدث أمام المجلس الاقتصادي والاجتماعي مباشرة( ).
ويجوز لمجموعات المنظمات الثلاثة التقدم بمشورتها للأمانة العامة للأمم المتحدة.
(جـ) حركات التحرير الوطنية: شهدت فترة السبعينات - من هذا القرن - زيادة الاهتمام بمراكز حركات التحرير الوطني، وأصبح لهذه الحركات مراقبون في كثير من المنظمات الدولية: 
ففي فبراير سنة 1969 أوصى المجلس الاقتصادي الإفريقي التابع للأمم المتحدة إيفاد ممثلين - بصفة أعضاء منتسبين- تختارهم منظمة الوحدة الإفريقية لتمثيل أنجولا، وموزمبيق، وغينيا بيساو، وناميبيا( )، وهذا الاتجاه عززته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك باستثناء ناميبيا، التي أصبحت تتولى شئونه لجنة من الأمم المتحدة، ومنذ سنة 1971، أصبح ممثلو حركات التحرير يمثلون بلادهم في المجلس الاقتصادي الإفريقي( )، وكان مندوب منظمة شعب جنوب غرب إفريقيا (سوابو) يمثل شعب بلاده في مجلس ناميبا -التابع للأمم المتحدة- بصفة مراقب منذ عام 1972.
ومنذ عام 1972 اشترك العديد من ممثلي حركات التحرير في مناقشات اللجنة الرابعة المتفرعة من الجمعية العامة للأمم المتحدة (لجنة شئون المستعمرات)، وفي أغسطس 1974 دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الوكالات المتخصصة لوضع الترتيبات المناسبة لتمكين ممثلي حركات التحرير المعترف بها من منظمة الوحدة الإفريقية، من الاشتراك بصفة مراقبين في كل الإجراءات التي تتعلق ببلادهم، وفي نفس العام دعيت منظمة التحرير الفلسطينية ليلقي ممثلها خطابًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد خطاب السيد ياسر عرفات، قررت الجمعية العامة دعوة ممثلي حركات التحرير المعترف بها من منظمة الوحدة الإفريقية بصفة مراقبين، للاشتراك في اجتماعات اللجان الأساسية التابعة للجمعية العامة وفي أجهزتها المعاونة، وأيضًا الاشتراك في المؤتمرات والندوات والاجتماعات الأخرى التي تعقد بإشراف الأمم المتحدة، والتي تهتم بشئون بلادهم، وقبلت الجمعية العامة أن تتحمل الأمم المتحدة نفقات هذا التمثيل( )، ومنذ ذلك الحين أصبح ممثلو حركات التحرير الوطنية مقبولين بوصفهم مراقبين في المنظمات الدولية، واشترك هؤلاء المراقبون بالفعل في كثير من المؤتمرات التي كانت تعقد برعاية الأمم المتحدة( )، كما أصبح لهؤلاء المراقبين وجود في معظم الوكالات المتخصصة( ).
وتوجيه الدعوة لحركات التحرير الوطنية لإرسال مراقبين عن أراضي معينة لا يعني بالضرورة أن المنظمة الدولية تعترف بحركات التحرير باعتبارها الممثلة الرسمية للأراضي، أو بدرجة أقل باعتبارها حكومات مشروعة لها، وربما يكون لحركات التحرير هذه سلطات متعددة تدعي كل منها أنها تمثل نفس الأراضي، ولا بد من الوفاء بالمعايير المقبولة بالنسبة لحركات التحرير الوطنية، لقبولها حكومة شرعية للأراضي.
وعلى كل حال، فإن صلاحيات هؤلاء تكون –عادة – أوفر من مراقبي المنظمات الدولية.
( د ) الأفراد بصفتهم الشخصية:
وللأفراد بصفتهم الشخصية دور مهم، فهم يتولون المناصب الرسمية داخل المنظمة، أو يشكلون أفراد الوفود الرسمية، أو قد يعينون مستشارين فيها، أو قد يعينون في مناصب السكرتارية، وفيما عدا هذه المناصب الرسمية، يعمل الأفراد ممثلين للدول غير الأعضاء، أو ممثلين لمنظمات دولية أخرى.
وعلى هذا الأساس، نجد كثيرا من الأفراد المتخصصين والممثلين لشركات خاصة، لهم دور مهم في الاتحاد الدولي للاتصالات، وكثير من الوكالات الخاصة التي تعمل في مجال الاتصالات تنضم بصفة أعضاء استشاريين في اللجان الاستشارية للاتحاد الدولي (مادة 11/ 2 من النظام الأساسي للاتحاد)، وهؤلاء يتمتعون بمزايا العضوية، باستثناء عدم اشتراكهم في التصويت، ولكن لما كانت المسائل التي تطرح للتصويت محدودة في عددها، كان هذا القيد غير ذي بال.
وكثير من ممثلي الوكالات الخاصة صعدوا إلى منصب الرئيس في العديد من المنظمات الدولية. وفي وكالة الطاقة الذرية، هناك برنامج كامل للتشاور مع شركات البترول الدولية، بل إن بعض هذه الشركات لابد من الاستئناس برأيها في بعض الأمور( ).
وتسمح بعض المنظمات الدولية للأفراد بتقديم بيانات مكتوبة، ويسمح لهم أيضًا أن يتقدموا بالتماسات، وأحيانًا تتاح الفرصة للمتظلمين لعرض وجهة نظرهم شفهيا، وأحيانًا يصرح للأفراد بالتقدم باقتراحات للمنظمة الدولية. 
 






الفصل الثانينطاق العضوية في المنظمة الدولية

تمهيد: 
يبدأ سريان العضوية في المنظمة الدولية بالاشتراك في إنشاء المنظمة، أو بالالتحاق بالعضوية في تاريخ لاحق. وقد تتطلب بعض المنظمات الدولية شروطًا خاصة لقبول العضوية بها وبدأ سريانها. ويثير بدء سريان العضوية العديد من المشاكل لا سيما بصدد نشأة الدول الجديدة.
وتنتهي العضوية بالمنظمة إما بانسحاب الدولة العضو منها، أو باستبعاد تلك الدولة من عضوية المنظمة، أو بانقضاء الشخصية الاعتبارية للدولة، أو بانقضاء المنظمة ذاتها.
وتقتضي منا دقة البحث إلقاء الضوء على اكتساب العضوية في المنظمة الدولية، ثم فقد العضوية من المنظمة الدولية، ونرى أن نخصص لكل منها مبحثا على حدة.
 
المبحث الأول
اكتساب العضوية في المنظمات الدولية 
تمهيد:
تصبح الدولة (أو الأراضي غير المستقلة إذا أجازت المنظمة ذلك) عضوا في المنظمة الدولية في حالة اشتراكها في إنشائها، أو إذا ما التحقت بالعضوية في تاريخ لاحق.
ويترتب على اكتساب العضوية مجموعة من الحقوق والالتزامات الفردية والجماعية.
ورغبة في الإيضاح نرى استعراض حالات اكتساب العضوية ثم الحقوق والالتزامات المترتبة على العضوية، وذلك في مطلبين متتاليين:
المطلب الأول
حالات اكتساب العضوية
تكتسب الدول العضوية في المنظمة الدولية باشتراكها في إنشاء المنظمة، وتسمى العضوية في تلك الحالة: «بالعضوية الأصلية» وقد تكتسبها في تاريخ لاحق، وتسمى العضوية: «بالانضمام»، وذلك مع شروط قبول العضوية. 
أولاً: اكتساب العضوية الأصلية:
قلنا إن الدولة تكتسب العضوية الأصلية في حالة الاشتراك في إنشاء المنظمة. وهناك قوانين أساسية بالمنظمة ذاتها تميز بين أنواع العضوية المختلفة (كالمادة الثانية من النظام الأساسي لمنظمة الأغذية والزراعة، والمادة الثانية من النظام الأساسي لمنظمة الطيران المدني، والمادة الثانية من نظام صندوق النقد الدولي، والمادة الرابعة من نظام اللجنة الاستشارية القانونية الأسيوية الإفريقية).
وعلى كل حال فإن الحقوق والالتزامات للأعضاء المؤسسين لا تختلف عادة عن حقوق والتزامات الأعضاء الذين يلتحقون بالعضوية في تاريخ لاحق على إنشاء المنظمة الدولية، ولكن قد تعطي مواثيق بعض المنظمات الدولية ميزات معينة للأعضاء المؤسسين للمنظمة (فمثلاً تتطلب العضوية اللاحقة في منظمة الدول المصدرة للبترول «الأوبك»، موافقة ثلاثة أرباع الأعضاء بما في ذلك ثلاثة أرباع أصوات الأعضاء المؤسسين) (مادة 7/ ج، د)( ).
وأحيانًا تعتبر المنظمة الدولية منشأة بمجرد موافقة عداد معين من الدول المؤسسة لها، وفي هذه الحالة يثور التساؤل إذا كانت طلبات الانضمام تجرى -فيما بعد- في أي وقت أو يتعين الانتظار؟
ومن الملاحظ أن بعض المنظمات الدولية تتيح القبول في أي وقت ما دامت قد توافرت شروط العضوية (كالمادة 210 من ميثاق الأمم المتحدة، والمادة 2/1 من النظام الأساسي لمنظمة الأغذية والزراعة) بينما تحدد مواثيق بعض المنظمات الدولية الأخرى مهلة للانضمام (كالمادة الخامسة من نظام منظمة الصحة العالمية، والمادة الثانية من نظام صندوق النقد الدولي) حيث تفضل القاعدة التي تقتضي بالانتظار؛ لأن المنظمة الدولية لا تظل دائمًا على نفس الحال إذ قد تشترك دولة في التأسيس ثم تلتزم موقف الانتظار والترقب خلال فترة التشكيل، ولذلك تكون مثل هذه الدولة لها وضع الدولة المستجدة وتطبق في شأنها نفس الإجراء الذي يتبع مع غيرها من الأعضاء الجدد.
ثانيًا: اكتساب العضوية بالانضمام:
قلنا إنه قد تكتسب الدولة العضوية في تاريخ لاحق على إنشاء المنظمة، وتسمى العضوية: بالانضمام.
وقد يكون انضمام الأعضاء الجدد بناء على تعديل في النظام الأساسي للمنظمة، وقد ترد شروط الانضمام في هذا النظام.
(أ) الانضمام بناء على تعديل في النظام الأساسي للمنظمة:
إن انضمام دول بوصفها أعضاء جدد في المنظمة على خلاف ما هو منصوص عليه في النظام الأساسي للمنظمة، يعني: تعديل نظام المنظمة وهيكلها؛ لأن التوسع في انضمام المزيد من الدول معناه زيادة مماثلة في التزامات الأعضاء المؤسسين، وتزداد أيضًا حقوق الأعضاء الأصليين إزاء الأعضاء الجدد، وتزداد نفقات المنظمة، وتزداد أيضًا الاشتراكات المحصلة، ويصبح التوصل إلى قرارات بالإجماع أكثر صعوبة.
ولذلك فإن انضمام أعضاء جدد هو تغيير هيكلي في المنظمة، ويشكل تعديلا لنظامها الأساسي.
وإذا كان في نصوص النظام الأساسي القائم مما يسمح بانضمام أعضاء جدد، فقد تظل الحاجة قائمة إلى تعديل النظام للتوافق مع التشكيل الجديد بعد انضمام الدول الجديدة (في حالة مثل المجلس الأوربي، يقتضي الأمر تعديل المادة 26 الخاصة بتشكيل المجلس الاستشاري؛ لأن لكل دولة عضو في المجلس عددًا محددًا من المقاعد).
وقد يتضمن النظام الأساسي للمنظمة الدولية أن يكون انضمام الأعضاء الجدد بناء على قرار بالإجماع (كالمادة 41 من النظام الأساسي لمنظمة الطيران المدني) وقد يتطلب قرار الانضمام نصاب معين للأغلبية (مثلاً: لابد من موافقة الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن على انضمام أعضاء جدد في الأمم المتحدة).
والعلاقة بين تعديل النظام الأساسي وقبول أعضاء جدد يتفق تمامًا وظروف المنظمات الدولية التي لا يسمح نظامها الأساسي بقبول دول جديدة (نظام مجموعة دول البنلوكس).
(ب) الانضمام بناء على الشروط الواردة في النظام الأساسي للمنظمة الدولية:
1- أحيانًا تتيح النظم الأساسية للمنظمات الدولية العضوية لكافة الدول، ومثل هذا النص قد يتسبب عنه مشاكل للسلطة المنوط بها إدراج الأعضاء الجدد، وذلك عندما تبدي الدول الأعضاء رغبتها في الانضمام إلى الاتفاقية.
والحلول المقترحة لمواجهة مثل هذه المشاكل هي ذاتها التي تتبع حيال الانضمام إلى الاتفاقيات الخاصة بالمنظمات الدولية، والتي تقدم من الدول الراغبة في الانضمام، ومن هذا القبيل حرية انضمام دول الجامعة العربية للسوق العربية المشتركة( ).
2- هناك العديد من النظم الأساسية للمنظمات الدولية تتيح العضوية لمجموعة محدودة من الدول (كالمنظمات الإقليمية)، حيث تتاح عضويتها لدول المنطقة المعنية، والدول المدعوة لتأسيس المنطقة يجوز لها أن تنضم خلال مهلة معينة، وأحيانًا بدون تحديد مهلة. وكثير من وكالات الأمم المتحدة العضوية فيها مكفولة لدول دون قيود( ).
3- وأحيانًا تفرض شروط وضوابط خاصة للانضمام للعضوية، وعندئذ لا بد من التحقق من الوفاء بالشروط المطلوبة (على سبيل المثال: يتطلب ميثاق منظمة الأمم المتحدة في الدولة طالبة الانضمام أن تكون دولة محبة للسلام، وراغبة وقادرة على تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها بالميثاق، أيضًا يشترط المجلس الأوربي بالإضافة إلى كون الدولة طالبة الانضمام من الدول الأوربية، أن تقبل مبادئ القانون وأن تحافظ على مبادئ حقوق الإنسان «مادة 4 من النظام الأساس للمجلس». إلخ.
ولكن يثور التساؤل عن مدى أحقية الدول في الانضمام إذا توافرت لديها الشروط الخاصة بالعضوية، وكانت هناك عوامل أخرى تؤثر في عضويتها؟ والرأي الراجح: أنه إذا انتهت الدول الأعضاء -تبعًا لرأي كل منها- توافر شروط الانضمام لدى الدول الراغبة في الانضمام، فإنه يلزم التصويت لصالح الانضمام، حتى ولو كانت لديها من الأسباب الأخرى ما يجعلها تفضل الرفض( ).
4- وبعض النظم الأساسية للمنظمات الدولية لا تنص على حرية ضم الدول للمنظمة، كما لا تفرض شروطًا خاصة، بل تترك المسألة لقرار يصدر من مجلس المنظمة (كالمادة 28 من ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية، والمادة السادسة من النظام الأساس لمنظمة الصحة العالمية) وبالتالي يكون للدول الأعضاء حرية التقدير عند التصويت مع مراعاة أن الدول الأعضاء لا يدلون بأصواتهم باعتبارهم ممثلين لدول مستقلة فحسب، بل باعتبارهم عناصر في المنظمة، وبالتالي لا يكون معيار قبول العضوية شخصيا خالصًا بل لا بد من توافر عناصر موضوعية، لذلك يمكن أن يكون هذا المعيار «مدى أهمية العضوية المستجدة للمنظمة».
وفي المنظمات السياسية لا بد من تقدير العوامل السياسية، ولكن في المنظمات الفنية ينبغي أن تراعى الخدمة التي يمكن للدولة طالبة الانضمام أن تؤديها.
5- وتتطلب بعض الأنظمة السياسية للمنظمات الدولية أن تتوافر شروط الالتحاق في الدولة المستجدة، ولكن بدون تحديد هذه الشروط وتضع مجالس تلك المنظمات الشروط المطلوبة في كل حالة، والنتيجة: أنه يجوز أن تفرض شروط مختلفة لدول مختلفة. ويحدث هذا بصفة خاصة في المنظمات الدولية التي تتعرض لمؤثرات السياسات الداخلية للدول بدرجة كبيرة. ومن ثم يتعذر أن يتقرر من البداية متطلبات الالتحاق (كالمادة 2/ 2 من النظام الأساسي لصندوق النقد الدولي، المادة 237 من النظام الأساسي للجماعة الاقتصادية الأوربية)( ).
وقد تستطيع المنظمات الدولية أن تفرض شروطًا صعبة بحيث يصبح الالتحاق بها بالنسبة للأعضاء الجدد مستحيلا بصفة عملية.
ثالثًا: شروط قبول العضوية وبدء سريانها:
1- إن عملية القبول في عضوية المنظمة الدولية ليست تصرفًا فرديًا وإنما تصرف ثنائي متبادل، حيث تتقدم الدولة الراغبة في الانضمام بطلب عضويتها عن طريق من يمثلها قانونا ثم يصدر قرار من المنظمة بقبولها.
وتحدد الدساتير القومية كيفية التعبير عن إرادة الدولة الراغبة في الانضمام للمنظمات الدولية ولا تتدخل المنظمة الدولية في تلك الإجراءات، بل تحرص على أن تصدر الموافقة بصورة سليمة، وبما يفصح عن قبول الدولة الراغبة في الانضمام للقانون الأساسي للمنظمة الدولية.
وبموجب القانون الدولي يجوز أن يكون إعلان إرادة الدولة في الانضمام بمعرفة رئيس الدولة أو الشخص المخول له الإعلان عن تلك الإرادة كأن يكون رئيس الحكومة، أو وزير الخارجية، أو الممثل الدبلوماسي المعتمد لدى المنظمة الدولية( )، وهكذا نجد الصلة قوية بين التصرف القومي والدولي، وأية مخالفة للإجراءات قد تحول دون قبول العضوية، ووجود معارضة قوية داخل البلاد قد يكون له تأثير على إجراءات القبول في المنظمة الدولية.
وتنص بعض القوانين الأساسية للمنظمات الدولية على أن يكون قبول الدولة المستجدة في المنظمة وفقا للإجراءات الدستورية الوطنية (كالمادة 110 من ميثاق الأمم المتحدة، والمادة 4 من الأساسي لمنظمة الصحة العالمية والمادة 21 من نظام منظمة الطيران المدني).
ولكن هل يجوز النزاع حول صحة العضوية إذا أجرى ممثل الدولة الطالبة التصديق على دستور المنظمة قبل إتمام الإجراءات الدستورية الوطنية؟
والإجابة على هذا التساؤل لا تخرج عن القاعدة العامة لقانون المعاهدات، فحسبما جاء في المدة 46 من اتفاقية فيينا لسنة 1969 أنه «لا يجوز لدولة ما أن تثير أن موافقتها التي تلزمها بمعاهدة مما قد صدرت بالمخالفة لنص في قانونها الداخلي، وبشأن الاختصاص في عقد معاهدات وبقصد إهدار الموافقة ما لم يقم الدليل على المخالفة تتعلق بقاعدة أساسية في القانون الداخلي».
وإذا ما اضطلعت الدولة بدورها في العضوية لفترة زمنية معقولة، فلا يجوز لها أن تتخلى عن التزاماتها إزاء النظام الأساسي للمنظمة على أساس أن قبول انتمائها لم يجر وفقا لنصوص قانونها الداخلي، أما إذا لم تكن الدولة قد مارست دورها في العضوية بعد، فإنها تستطيع أن تتفادى التزاماتها إزاء المنظمة إذا وضح لباقي الأعضاء فيها أن عضويتها قد جاءت بالمخالفة لدستورها الوطني، ويمكن القول بأن كل دولة حرة في الانضمام إما عن طريق قبول دستور المنظمة أو عن طريق التصديق على اتفاقية التأسيس أو بأي إجراء آخر، وهذه قاعدة مرعية ومعترف بها في القانون الدولي.
2- وهناك شرطان لا مناص من الوفاء بهما قبل سريان العضوية:
أولهما: أن تكون المنظمة قد أبدت موافقتها على العضوية.
وثانيهما: أن تصدق الدولة العضو على النظام الأساسي للمنظمة، والمنظمة الدولية هي التي تقرر بعد استيفاء الشرطين إذا كانت العضوية قد غدت سارية المفعول أم لا؟ ومعظم المنظمات الدولية لديها نصوص واضحة وكافية في هذا الشأن (كالمادة 110 من ميثاق الأمم المتحدة).
ولم يكن لدى بعض المنظمات لوائح واضحة في هذا الخصوص كمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، واتحاد البريد العالمي حيث اعتبرت كل منهما أن الدول الموقعة على اتفاقية المنظمة واشتركت في نشاطها أعضاء من تاريخ إنشاء المنظمة، ولكن أصبح لتلك المنظمات دساتير بنصوص جديدة تمامًا، وكان لا بد للدول الأعضاء أن تصدق على النصوص الجديدة من تاريخ العمل بها، وكان التصديق يعتبر في حد ذاته أساسا كافيا للحقوق والالتزامات بما في ذلك الالتزام بالمساهمة في النفقات، وبعض الدول تقرر أن عضويتها في المنظمات تبدأ من تاريخ التصديق بصرف النظر عن أن المنظمة اعتبرتهم أعضاء في تاريخ سابق من ذلك( ).
رابعًا: نشأة الدول الجديدة:
تثير نشأة الدول الجديدة الكثير من المشاكل القانونية حول عضوية تلك الدول في المنظمات الدولية، وقد تنشأ الدول الجديدة نتيجة لوحدة أو اندماج بين دولتين أو أكثر، وقد تنشأ نتيجة لانقسام الدولة إلى دولتين أو أكثر.
(أ) في حالة الوحدة أو الاندماج:
يثار التساؤل هل يترتب على وحدة دولتين أن تصبح الوحدة السياسية الجديدة تلقائية وريثة للدولتين العضوتين في المنظمات الدولية؟ أو يظل كل شق من الدولة مستمرًا في العضوية.
والحقيقة أن لدينا -على سبيل المثال- الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير سنة 1985، حيث ترتب على تلك الوحدة نشأة دولة جديدة هي الجمهورية العربية المتحدة واندماج تنجانيقا وزنزبار في جمهورية تنزانيا المتحدة في أبريل سنة 1964، وقد حلت الجمهورية العربية المتحدة محل مصر وسوريا في عضوية المنظمات الدولية التي كانت كل منها عضوا بها.
ولم تكن هناك حاجة إلى إجراءات جديدة للقبول في عضوية المنظمات القائمة، حتى بالنسبة للأجزاء المكونة للاتحاد الجديد والتي لم يسبق لها أن كانت عضوا في المنظمة. على سبيل المثال حلت تلك الدولة الجديدة محل مصر كعضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومؤسسة التمويل الدولية، بصرف النظر عن كون سوريا لم تكن عضوا في تلك المنظمتين الدوليتين( ) وحلت أيضًا محل مصر وسوريا في عدد من وكالات الأمم المتحدة حينما كانت إحداهما عضوا بتلك الوكالة( ). وحلت جمهورية تنزانيا محل كل من تنجانيقا وزنزبار في عضوية بعض وكالات الأمم المتحدة( )، وأثيرت مسائل في منظمة العمل الدولية حول التزامات الدول المنشأة حديثًا ومدى ارتباطها بمواثيق العمل الدولية. وقد تضمن -على سبيل المثال- دستور الجمهورية العربية المتحدة الالتزام بتلك المواثيق (مادة 69)( ).
نخلص أن الوحدة السياسية الجديدة تصبح بصفة تلقائية وريثة للدول المندمجة في عضوية المنظمات الدولية.
(ب) في حالة الانقسام أو الانسلاخ:
عندما تنقسم الدولة إلى جزأين يعتبر الجزء الأساسي هو المعترف به -عادة- كخلف ووريث للدولة قبل انقسامها (على سبيل المثال في سبتمبر سنة 1961 أصبحت مصر -وكانت لا تزال تحمل اسم الجمهورية العربية المتحدة- هي الوارثة لدولة الوحدة بعد انفصال سوريا، وفي أول أغسطس سنة 1969 استمرت بقاء ماليزيا بعد أن استقلت عنها سنغافورة وغدت دولة مستقلة). ويجري الحكم على الجزء المنسلخ من الدولة الأم فيما إذا كان يشكل دولة جديدة، أو مجرد إحياء لدولة كانت قائمة بالفعل.
وتعتبر المستعمرات السابقة والتي نالت استقلالها دولا جديدة، ويتخذ حيالها إجراءات القبول بوصفهم أعضاء جددا في المنظمات الدولية حتى ولو كانت الدولة الأم تطبق قواعد المنظمة في المستعمرة قبل أن تنال استقلالها. ويستثنى من ذلك المستعمرات المتمتعة بعضوية المنظمات التي تسمح مواثيقها بعضوية الأقاليم غير المستقلة حيث تستمر عضوية تلك المستعمرات بعد استقلالها ويصبح لها وضع قانوني مختلف. 
وكقاعدة عامة كانت المنظمات الدولية تقبل عضوية الأقاليم غير المستقلة بوصفهم أعضاء منتسبين، وكانت تمنح امتيازات العضوية بالانتساب لمثل تلك الأقاليم بعد أن تحصل على الاستقلال وحتى تنال عضويتها الكاملة( )، وفيما عدا المستعمرات التي تنال استقلالها هناك الدول الجديدة التي بزغت عن دول قائمة بالفعل، وهذه الدولة الجديدة لا بد من قبولها وفقا للإجراءات المتبعة في المنظمات الدولية ما لم تكن متمتعة بالعضوية في تاريخ لاحق، (فعلى سبيل المثال استردت سوريا وضعها السابق قبل الوحدة في المنظمات الدولية لذلك استمرت عضويتها في المنظمات الدولية التي كانت لها عضوية سابقة فيها قبل اندماجها مع مصر( )، ولكنها لم تكتسب عضوية في المنظمات التي كانت مصر وحدها عضوا فيها قبل الوحدة (مثل منظمة الطيران المدني، وهيئة التمويل الدولية).
والحجة الرئيسية المؤيدة لرأي قبول الدول المستقلة سابقًا في عضوية المنظمات الدولية وبدون حاجة إلى إجراءات قبول جديدة، أن هذه الدول ما أن تستعيد شخصيتها القانونية المستقلة فإنها تضطلع من جديد بكل التزاماتها السابقة في المعاهدات، وبمقتضى القانون الدولي فإنها تتمتع بالحقوق وتضطلع بالتبعات بصورة آلية وبأسلوب أيسر من إجراءات القبول من جديد بصفة رسمية، ولكن هذه الحجة تفقد أساسها إذا طالت فترة الاندماج بين الدول، حيث تفقد الدولة هويتها القومية وتغدو غير قادرة على استئناف عضويتها في المنظمات الدولية( ).

 المطلب الثانيالحقوق والالتزامات المترتبة على العضوية

إن أعضاء المنظمات الدولية هم العناصر المكونة للمنظمة، ويؤدون واجباتهم في إطار المنظمة، ولكل دولة عضو حقوق وعليها التزامات إزاء المنظمة الدولية، وهذا يعطيها طابع أنها عنصر من عناصر المنظمة، ثم إن الأعضاء معًا لهم حقوق وعليهم التزامات سواء إزاء المنظمة أم إزاء بعضهم بعضًا.
أولاً: الحقوق والالتزامات الفردية:
لكل دولة عضو في منظمة دولية حقوق والتزامات معينة -كل على حدة- وباعتبارها من العناصر المكونة للمنظمة، وهذه نتيجة منطقية لقبول عضوية الدولة، ومن حقوق العضوية المساواة في الحقوق بين الأعضاء، فلا يجوز مثلاً حرمان دولة عضو من حضور كل دورات انعقاد المنظمة، أو حرمانها من الوثائق والمطبوعات التي ترسل لكافة الأعضاء باستثناء الجزاءات -كما سوف نرى فيما بعد- ويفترض في الدول الأعضاء أن تتصرف تصرفًا رشيدا وسليما، وهذا الواجب يبدو أن من المبادئ العامة في القانون الدولي، وبالتالي فهو أمر أساسي في قانون إنشاء المنظمات الدولية، وهذا الواجب يعني في الواقع التعاون المتبادل( ) وبالتالي فإن التخلف بصفة مستمرة عن كل الاجتماعات يعد انتهاكا لواجب أساسي من واجبات العضوية، وكذلك الجنوح إلى وضع العراقيل والمعوقات بصورة منتظمة -وبصرف النظر عن طبيعة الموضوع المطروح، وإزاء كل القرارات التي يشترط فيها الإجماع - يرقى إلى مرتبة مخالفة واجبات العضوية وكذلك من واجبات العضوية سداد نصيب الدولة في نفقات المنظمة الدولية، وكذلك على كل دولة عضو في المنظمة أن تمنح الامتيازات والحصانات للمنظمة وموظفيها وهذه الالتزامات هي جزء أصيل من العضوية، وهذا يثير التساؤل فيما إذا كان يجوز للمنظمة أن تتنازل أو تستغني عن مثل هذه الالتزامات الفردية للدول الأعضاء. 
والحقيقة أنه لو قامت كل دولة عضو بتصرف من جانبها يخالف التزاماتها فإن ذلك يعني أنها تخالف النظام الأساسي للمنظمة حتى ولو كان باقي أعضاء المنظمة أو حتى المنظمة ذاتها بوسعها التغاضي عن هذا الانتهاك.
ولا يجوز -فنيا- التغاضي عن الانتهاكات وبالتالي يصعب قبول التنازل عن الالتزامات، وفي حالة تكرار التغاضي عن الانتهاكات يصل الأمر إلى ما يقرب التنازل عند الالتزام وعند الإخلال بقاعدة من قواعد المنظمة، وتتغاضى المنظمة الدولية عن ذلك، فهذا يترتب عليه أن تتوقع حدوث انتهاكات مماثلة ويكون مآلها أيضًا التغاضي عنها. وبعد فترة من صرف النظر عن الانتهاكات المباحة يجوز أن ينظر إلى مثل هذه التصرفات باعتبارها شيئًا مشروعًا، وأن المنظمة سوف تتغاضى عن تصرفات مماثلة لباقي الأعضاء، ما لم تر ألا تعامل الدول الأعضاء معاملة واحدة ومتساوية وفي الحقيقة فإن كثرة الانتهاكات قد تؤدي ضمنا إلى إعادة النظر في النظام الأساسي للمنظمة الدولية.
وفيما عدا الالتزامات التي يتقاسمها الأعضاء، هناك التزامات أخرى مفروضة على أعضاء معينيين بذواتهم فحسب( ). وهذا النوع من الالتزامات إما أن ينبع من موقف خاص بالدولة العضو أو من أسلوب قبولها في عضوية المنظمة الدولية (على سبيل المثال نجد أن الدول الأعضاء المستجدة في مواثيق الدول الأوربية تقبل الالتزام بالاشتراك في معاهدات معينة «المادة 4/ 2 من النظام الأساسي لقانون الانضمام للجماعات الأوربية لسنة 1972» ) ويجوز التساؤل هل تعتبر الدولة العضو التي لا تتصرف باعتبارها عضو لها صفة العضوية؟ الراجح أن تظل عضوية الدولة في المنظمة الدولية قائمة وتسمى بالعضوية «الخاملة» وهي تحتل مركزًا وسطًا بين العضوية النشطة وانتقاء العضوية. ويلاحظ ذلك بصفة خاصة في المنظمات العالمية حيث تفضل أن تكون للدولة العضوية العاملة بدلاً من عدم انتسابها للعضوية على الإطلاق. ومن ثم تظل الدولة ذات العضوية «الخاملة» تحتفظ بصلتها بالمنظمة الدولية وهذا يسهل عليها في المستقبل أن تستعيد عضويتها الكاملة.
ثانيًا: الحقوق والالتزامات الجماعية: 
ينبغي أن يكون لكافة الدول الأعضاء من الوجهة العملية كل الصلاحيات في أية منظمة دولية. بمعنى أن يكون باستطاعة الدول الأعضاء أن تعدل من النظام الأساسي للمنظمة أو حتى تتفق على حلها بصرف النظر عن نصوص قانون إنشائها.
وهذه الصلاحيات مكفولة لكل الأعضاء معًا الممثلين لحكوماتهم، والحكومات والوفود ملتزمة بداهة بنصوص النظام الأساسي للمنظمة، والخروج على مثل هذه النصوص لا يتسنى إلا بإجماع كافة الدول الأعضاء ووفقا لمقتضيات النظام الأساسي الذي تلتزم به أية دولة.
والاستثناءات النظرية الواردة على الصلاحيات المخولة للدول الأعضاء معًا تقتصر على المنظمات الاندماجية أو فوق الحكومية؛ لأن مثل هذه المنظمات ينبغي أن تكون لها سلطات مستقلة وقادرة على ممارسة هذه السلطات إزاء كل الدول الأعضاء، على سبيل المثال ما نلاحظه في قوانين إنشاء الجماعات الأوربية المشتركة، فإذا اتجهت النية إلى تعديل قوانين تلك الجماعات فلا بد من اشتراك الدول ووكالات الجماعات وهيئاتها في التعديل وإن كان دور تلك الوكالات محدود، لذلك تختلف هذه الجماعات عن نظام الولايات الفيدرالية أو الاتحادية حيث تتمتع رابطة الاتحاد بسلطات حقيقية تستطيع أن تمارسها ضد الدول الأعضاء معًا).
وأحيانًا ينص في النظام الأساسي للمنظمة الدولية على أن كافة السلطات منوطة بالدول الأعضاء، (على سبيل المثال - بمقتضى المادة 17/ ب من النظام الأساسي لصندوق النقد الدولي، والمادة 8/ ب من النظام الأساسي للبنك الدولي للإنشاء والتعمير، لا مناص من تصديق كافة الأعضاء على تعديل النظام الأساسي لأيهما، وفي الجماعات الأوربية يشترط اتفاق الدول الأعضاء في الجماعات مع العناصر القضائية في المحكمة الأوربية للتوصل إلى اتفاق جماعي «مادة 216 من نظام الجماعة الاقتصادية الأوربية» ).
ويسوغ القول بأن كان الأعضاء معًا لهم كافة سلطات المنظمة الدولية وبشكل لا تستطيعه أية هيئة أو وكالة من وكالات المنظمة.
والالتزامات الجماعية المشتركة -شأنها شأن الالتزامات الفردية للدول الأعضاء - يجوز التنازل عنها، وفي هذه الحالة نكون بصدد وقف العمل بهذه الالتزامات.
ويجوز افتراض أن للمنظمة الدولية أن توقف التزامات أعضائها ولما كان الإيقاف على هذا النحو يعرقل الإجراءات العادية للمنظمة فإنه من المنطقي والمعقول ضرورة حصول أي قرار بالترخيص بمثل هذا الإيقاف على الموافقة الإجماعية، ولكن قد يكون من الصعب الحصول على قرار بالإجماع، إذ يجوز أن يتقاعس وفد دولة معينة عن الحضور وبذلك تصل القرارات في أجهزة المنظمة الدولية إلى طريق مسدود، وفي نفس الوقت لا يتعرض مثل هذا الوفد لأي ضغط نظرًا لغيابه عن الاجتماع، ولنتلافى مثل هذا الاحتمال فكثير من المنظمات تكتفي بأغلبية معينة لصدور القرارات.
(على سبيل المثال تشترط المادة «17 / 2» من ميثاق الأمم المتحدة أغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المشتركين في المسائل الهامة ومنها قبول أعضاء جدد ووقف الأعضاء عن مباشرة حقوق العضوية وفصل الأعضاء وتعديل الميثاق، ونفس الأغلبية تتطلبها منظمة الأرصاد الجوية «مادة 3» واتحاد البريد العالمي «مادة 11»، واتحاد الاتصالات الدولي «مادة 1/ 3»، والمجلس الأوربي «مادة 20/ جـ»، لقبول أعضاء جدد. كذلك تتطلب منظمة الأرصاد الجوية أغلبية ثلثي الأعضاء للدخول في علاقات بينها وبين المنظمات الدولية الأخرى «مادة 25، 26». وتتطلب «المادة 30» من النظام الأساسي لاتحاد البريد العالمي نفس الأغلبية لتعديل النظام الأساسي).
وفي حالات أخرى تكفي الأغلبية البسيطة ويكون لها حجيتها (على سبيل المثال «المادة 18/ 3» من ميثاق الأمم المتحدة حيث تكتفي بأغلبية الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت في المسائل غير الهامة، كذلك يتطلب النظام الأساسي لصندوق النقد الدولي «مواد 3/ 1، 16/ 1، 17 أ» والنظام الأساسي للبنك الدولي للإنشاء والتعمير «مواد 2/ 2، 4/ 4، 5/ 4، 6/ 3، 8/ أ» أغلبية الأعضاء لإقرار بعض القرارات والمادة 28 من منظمة الوحدة الإفريقية تشترط موافقة أغلبية الأعضاء لقبول أعضاء جدد).
وبعض المنظمات الدولية تأخذ بنظام الأصوات المرجحة بمعنى أن غالبية الأصوات لا تمثل بالضرورة غالبية الأعضاء، وقد تضمن النظامان الأساسيان للبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وصندوق النقد الدولي نصوصا للتصويت المرجح، أي حسب الأصوات المخولة لكل دولة تبعًا لنسبة مساهمتها وبصرف النظر عن التمثيل في الجلسات، وذلك لإصدار قرارات في مسائل معينة.
(في صندوق النقد الدولي على سبيل المثال الأغلبية المطلوبة لإقرار شروط نظام صرف العملات متغيرة القيمة تصل إلى 85% من إجمالي الأصوات «مادة 4/ 3 من النظام الأساسي» وهناك نص مماثل في نظام البنك الدولي للإنشاء والتعمير بالنسبة لقرارات إصدار أسهم بسعر يفوق سعرها الأصلي «مواد 2/ 4، 6/ 5 من النظام الأساسي» ).
 
المبحث الثاني
فقد العضوية من المنظمة الدولية
تمهيد:
تنتهي عضوية الدولة من المنظمة الدولية بانسحابها من المنظمة أو باستبعادها من المنظمة، أو بانقضاء الشخصية الاعتبارية للدولة أو بانقضاء المنظمة الدولية ذاتها. وتثير تلك الحالات الكثير من المشاكل القانونية حول أساس مشروعيتها ونطاقها.
وتقتضي منا دقة البحث استعراض تلك الحالات بشيء من التفصيل لذلك نرى أن نخصص لكل منها مطلبا على حدة.
المطلب الأول
الانسحاب من المنظمة الدولية
يجوز أن تنتهي عضوية الدولة بانسحابها من المنظمة الدولية ولا شك أن الانسحاب من المنظمة يضعف بنية المنظمة بصفه خاصة المنظمات الاندماجية أو فوق الحكومية، إذ قد يترتب على انسحاب دولة عضو الإطاحة بالمنظمة كلها. وقد لا يتضمن النظام الأساسي أي نص يتعلق بالانسحاب، ويثير ذلك الكثير من المشاكل حول مشروعية الانسحاب في تلك الحالات.
أولاً: الانسحاب في حالة وجود نص في النظام الأساسي للمنظمة الدولية( ).
تنص معظم النظم الأساسية للمنظمات الدولية صراحة على أنه يجوز للدولة العضو أن تنهي عضويتها بالانسحاب من المنظمة بتصرف منفرد من جانبها، والنصوص التي تحكم الانسحاب من المنظمات الدولية تتطلب الإخطار المسبق.
وبعد فترة معينة من الإخطار يصبح الانسحاب ساري المفعول، والمدى الزمني للإخطار عادة ما يكون سنة (المادة 29 من نظام منظمة الصحة العالمية، المادة 19 من نظام منظمة الصحة العالمية، المادة 19 من نظام منظمة الأغذية والزراعة).
وقد يصل إلى سنتين (المادة 1/ 5 من نظام منظمة العمل الدولية) وقد تطول إلى خمسة سنوات (كما هو الحال في الاتحاد العالمي للاتصالات)، ولكن المعتاد أن تكون هذه الفترة سنة وهي فترة كافية لتدبير الموازنة السنوية للمنظمة.
وهذه المدة هي التي تتطلبها اتفاقية فيينا بشأن قانون المعاهدات (مادة: 56) حيث يؤخذ على طول المدة خشية أن تعمل الدولة المنسجمة على عدم التعاون مع المنظمة بعد إعلان نيتها في الانسحاب.
وخلال هذا المدى الزمني يجوز للدول التي أعربت عن نيتها في الانسحاب أن ترجع عن قرارها، وهذه الفترة تمكن المنظمة الدولية من أن ترتب أمورها في مناخ انسحاب الدولة العضو، حيث تعيد النظر في ميزانيتها أو تلغي بعض المشاريع أو تعدلها أو تضع ترتيبات انسحاب بعض الموظفين تبعًا لانسحاب الدولة التي يتبعونها، وتعمل على إحلال آخرين معهم.
وقد يكون أعضاء المنظمة في حاجة لإعادة النظر في علاقاتهم بالدولة المنسحبة، بسبب تخليها عن بعض التزاماتها، وفي نظام الأسواق الدولية المشتركة ربما يؤدي انسحاب دولة إلى إعادة النظر في النظام بأسره، ولهذا السبب ينص على الإخطار المسبق بالرغبة في الانسحاب. وليتسنى إعادة في العلاقات الاقتصادية.
وقد يحدث الانسحاب أثره على الفور دون انتظار مدى زمني معين (كما هو الحال في صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير) وقد رؤي ضرورة ذلك لضمان الاستقلال الاقتصادي للدول المشتركة( ).
وبعض النظم الأساسية للمنظمات الدولية تحظر الانسحاب خلال فترة زمنية معينة بعد الانضمام للعضوية، والغرض من ذلك منع انسحاب الدول الأعضاء قبل أن تستطيع المنظمة الدولية تسير أمورها بكفاءة.
وبالنسبة للإجراءات يكفي ورود إخطار كتابي للأمانة العامة للمنظمة، أو للدولة المودع لديها المعاهدة أو القائمة على تنفيذها، وبعض المنظمات الدولية تعتبر عدم سداد الالتزامات المالية المتفق عليها انسحابا منها (كالمادة الثانية -الفقرة الثانية- من النظام الأساسي للمركز الرئيسي الدولي للنقل بالسكة الحديد).
ثانيًا: الانسحاب في حالة عدم وجود نص في النظام الأساسي للمنظمة الدولية:
قد لا يتضمن النظام الأساسي للمنظمة الدولية نصًا يجيز الانسحاب من المنظمة الدولية. وهنا يثار التساؤل حول جواز الانسحاب في تلك الحالة.
لقد كان في تقدير الدول التي انسحبت من المنظمات الدولية وبدون نص مناسب في النظام الأساسي لتلك المنظمات، أن مثل هذا الانسحاب جائز، أما ردود فعل المنظمات إزاء ذلك، أثار الشك في سلامة هذا التقدير.
وعموما، نستطيع أن نقارن بين وجهتي نظر في هذا الخصوص، مفاد الأولى: أن الانسحاب بقرار من جانب واحد من المنظمات الدولية هو أمر مسموح به في كل وقت. ومفاد الثانية: أن الانسحاب بدون نص في النظام الأساسي يسمح بذلك يعد أمرًا غير مشروع. ولكل وجهة نظر حججها وأسانيدها( ).
(1) الآراء التي تجيز الانسحاب بقرار من جانب واحد:
يستند الاتجاه القاتل بمشروعية الانسحاب بقرار منفرد إلى الحجج التالية: 
1- مبدأ السيادة والمساواة بين الدول: فالدولة ذات السيادة هي التي تستطيع أن تقرر مدى رغبتها في المساهمة في المنظمة الدولية، وطالما أن سيادة الدولة من المبادئ الأساسية في القانون الدولي، فإنه يجب عدم وضع أية قيود على إرادة الدولة في تقدير مسألة انسحابها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن العضوية في المنظمات الدولية ليست إجبارية، فمعظم المنظمات الدولية تعرض التعاون بين حكومات معينة فحسب، ويتاح للحكومات غير المعنية أن تظل بمنأى عن التعاون، وما دامت الحكومات من حقها أن تظل مبتعدة عن المنظمة الدولية، لذلك فإن مبدأ المساواة يتيح للحكومات التي انضمت في البداية أن تنسحب وتوقف تعاونها مع غيرها من الحكومات في المستقبل( ).
غير أنه يؤخذ على هذا الرأي مغالاته في مبدأ السيادة والمساواة بين الدول، حيث إن قبول إنشاء المنظمات الدولية المستقلة يقلل من فعالية نظرية سيادة الدولة، إذ يترتب على إنشاء تلك المنظمات انتقال بعض صلاحيات الحكومات الوطنية إلى المنظمة الدولية التي تنتمي إليها.
وانضمام الدولة إلى المنظمة الدولية يعني أنها تضحي باختيارها بجزء من حريتها في التصرف، وعدم شرعية الانسحاب لا يؤثر على المساواة ما دامت الدولة من حقها أن تنضم أو تمتنع في البداية، أما إذا قررت بإرادتها الانضمام فيجب أن تلتزم بالنظام الأساسي للمنظمة، وبالتالي لا يتصور لها الانسحاب إذا لم يتضمن النظام الأساسي نصًا خاصًا بذلك.
2- اللزوم والاقتضاء واللياقة: ليس هناك معنى لحظر الانسحاب إذا لم تكن هناك وسيلة لإلزام الدول الأعضاء بمثل هذا الحظر، ولا يمكن إجبار الدولة العضو على المشاركة في أية اجتماعات، والحقيقة أن للدولة العضو السلطة الكاملة في إنهاء نشاطها في المنظمة.
وإذا كانت المنظمة الدولية لا تعترف بالانسحاب من جانب واحد، فإن هناك موقفا غير مرغوب فيه ينشأ عندما توقف الدولة المنسحبة كل نشاط لها مع المنظمة، في حين تظل هذه الأخيرة توالي موافاة تلك الدولة بما يخصها من أوراق الاجتماعات وتوالي تقديم الخدمات الأخرى لها.
ولكن إذا كانت هذه الحجة قوية في صالح من يرون ضرورة إيجاد نص للانسحاب في النظام الأساسي لأية منظمة دولية، فإن عدم وجود نص في النظام الأساسي يجعل من الصعب إيجاد مسوغ قانوني يحبذ الانسحاب بقرار من جانب واحد( ).
3- المبادئ العامة للقانون: إذا نظرنا إلى الموضوع من وجهة القانون الوطني نجد أنه يعترف عمومًا بإنهاء العضوية في المنظمات الدولية بقرار منفرد.
وفي الدول الاتحادية -وحيث يكون شكل الوحدة بين الولايات أوثق من علاقة الدولة بالمنظمات الدولية أيًا كانت صورها وأشكالها- يكون أحيانًا من حق الولايات الاتحادية أن تنفصل عن اتحاد الدولة (المادة 17 من دساتير جمهوريات الاتحاد السوفيتي، والمادة الأولى من دستور يوغوسلافيا).
ومن هذه المبادئ يمكن استقراء قاعدة للقانون تعترف بحق الانفصال أو الانسحاب من عضوية المنظمات الدولية، ولكن هذه الحجة ليست قوية بالدرجة الكافية، نظرًا لاختلاف طبيعة العلاقات بين الولايات الفيدرالية عنها في العلاقة بين الدولة والمنظمة الدولية.
وحق الانسحاب من النظام الفيدرالي لأية ولاية اتحادية قلما ينص عليه في معظم دساتير الدول التي تأخذ بنظام الحكم الاتحادي، وحتى إذا وجد النص فلا يمكن تحقيقه بصورة عملية وكذلك فإن الأساس الذي يستند إلى المبادئ العامة للقانون يبدو غير كاف.
4- عدم الوفاء بالأغراض الأساسية للمنظمة الدولية: يحدث أحيانًا ألا تتحقق الأغراض المتوخاة من المنظمة الدولية، وفي هذه الحالة يجوز للدولة التي خاب ظنها أن تدعي حق الانسحاب، خصوصًا إذا قررت المنظمة -رغمًا عن رغبة الدولة العضو- أن تمارس وظائف خلاف المتفق عليه من الأصل، أو تتخلى عن أداء مهام منصوص عليها في ميثاق المنظمة.
ونرى أن هذه الحجة قوية، لذلك فإن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات تجيز في ظروف معينة الحق في الانسحاب بقرار منفرد، منها أن يكون هناك اختلاف أساسي في الظروف (مادة 62) والتغيير الأساسي في أغراض المنظمة الدولية هو من أشكال التغيير في الظروف( )، ولكن وجود أسباب في حالات خاصة تجيز أو تبرر الانسحاب من جانب واحد لا يمكن أن يشكل أساسا لقاعدة عامة تجيز مثل الانسحاب، لذلك فإن عدم الوفاء بالأغراض الأساسية للمنظمة الدولية هو استثناء على القاعدة العامة؛ لعدم مشروعية الانسحاب بقرار منفرد في حالة عدم وجود نص خاص بالانسحاب في النظام الأساسي للمنظمة الدولية.
(ب) الأراء التي لا تجيز الانسحاب بقرار من جانب واحد:
يستند الاتجاه الذي لا يجيز الانسحاب بقرار منفرد إلى حجتين أساسيتين:
1- القواعد المعترف بها بصفة عامة في قانون المعاهدات: فالأنظمة الأساسية للمنظمات الدولية تتضمنها مواثيق دولية أو معاهدات، وما دام ليس هناك أسس سليمة على خلاف تلك القواعد العامة، فإن قانون المعاهدات هو الذي يحكم سلامة تلك النظم الأساسية للمنظمات الدولية وصحة سريانها (المادة الخامسة من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات).
ولا يجوز للدول أن تتخلى عن التزاماتها بمقتضى المعاهدات عن طريق قرار منفرد، ما لم يكن من المؤكد أن أطراف المعاهدات قد قصدوا الترخيص بالانسحاب، أو أن يكون من طبيعة المعاهدة ما ينبئ ضمنا عن جواز التخلي عن المعاهدة أو الانسحاب منها (مادة 56 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات).
ويؤكد هذا الاتجاه أنه ليس هناك أساس كاف لقبول قاعدة أخرى، خلاف القواعد المنصوص عليها في النظام الأساسي للمنظمة الدولية ذاتها. وإذا وجد النص كان مفضلا على محاولة إيجاد سبب ضمني يجيز حق الانسحاب واستنادا لطبيعة النظام الأساسي.
2- الممارسات العملية: إن مواقف غالبية الدول الأعضاء في المنظمات الدولية تنبئ عن قوة معارضة الانسحاب بقرار من جانب واحد، ويتضح ذلك من خلال الممارسات التالية:
1- ففي عامي 1949، 1950 أخطرت دول أوربا الشرقية (الاتحاد السوفييتي، أوكرانيا وروسيا البيضاء، بلغاريا، رومانيا، ألبانيا، تشيكوسلوفاكيا، المجر، بولندا) الأمانة العامة لمنظمة الصحة العالمية بانسحابها، وفي 6 مايو سنة 1950 انسحبت الصين وحددت موعدا لانسحابها في اليوم التالي أي 7 مايو سنة 1950، ونظرا لعدم وجود نص بالانسحاب في النظام الأساسي للمنظمة العالمية، أعلنت تلك الدول أن انسحابها سار من التاريخ التالي لإعلانها، ولكن بعد تطبيق اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات أصبح الانسحاب على هذا النحو غير ميسور لمخالفته لنص المادة 56 / 2 والتي تقضي بوجوب الإخطار المسبق قبل سنة على الأقل -كذلك أنهت كل من تشيكوسلوفاكيا، والمجر، وبولندا عضويتهم في «اليونسكو» اعتبارا من آخر عام 1952.
ولم تعترف أي من منظمة الصحة العالمية أو منظمة اليونسكو بهذه الانسحابات؛ لأنها من وجهة نظر المنظمتين إن الانسحاب مستحيل، طالما أن النظام الأساسي لكليهما لا يتضمن نصًا في هذا الصدد، وأن عضوية تلك الدول مستمرة وقد أدى ذلك إلى صعوبات جمة؛ لأن المنظمات لا تملك أية وسيلة تدفع بها الدول المنسحبة إلى التعاون بالرغم من عدم اعترافها بهذا الانسحاب، فضلاً عن أن المساهمات المستحقة على تلك الدول تزداد وتتراكم، وربما من الصعب إيجاد مخرج في مثل هذه الحالة. وقد انتهت منظمة اليونسكو في 8 ديسمبر سنة 1954 إلى إيجاد نص في نظامها الأساسي لتجعل الانسحاب ممكنا، وأضافت فقرة سادسة للمادة الثانية تنظم عملية الانسحاب( )، ولم تذهب منظمة الصحة العالمية إلى حد تعديل نظامها الأساسي للسماح بالانسحاب، واعترفت بالحاجة إلى اتخاذ إجراء مع الدول التي أنهت تعاونها مع تلك المنظمة. وقد عادت بعض الدول المنسحبة وأعلنت رغبتها في استئناف مساهمتها النشيطة مع المنظمة، ففي عام 1952 عادت الصين الوطنية ومنحتها المنظمة التسهيلات المالية التي طلبتها لسداد مساهمات المتأخرة( )، وكذلك في عام 1955 أعرب الاتحاد السوفييتي في المجلس الاقتصادي، والاجتماعي عن نيته في استئناف تعاونه مع منظمة الصحة العالمية، ودرست المنظمة رغبة الحكومة السوفيتية ووافقت على تقديم تسهيلات في سداد مساهماتها المتأخرة( ).
ووضعت المنظمة بعد ذلك في دورة انعقادها التاسعة في مايو سنة 1956 شروط استئناف الدول المنسحبة نشاطها في المنظمة، وكان القرار الصادر في هذا الخصوص يقضي بأن تدفع مثل تلك الدول 5% من مساهماتها عن سنوات عدم الاشتراك في أنشطة المنظمة، وعلى أساس هذا القرار عادت معظم بلدان أوربا الشرقية لاستئناف عضويتها في المنظمة( ).
2- وفي 20 يناير سنة 1965 أخطرت أندونيسيا الأمم المتحدة بانسحابها من المنظمة، وكان السبب في ذلك على ما يبدو هو اختيار ماليزيا لعضوية مجلس الأمن، وقد أعربت المملكة المتحدة أن ذلك غير كاف لتبرير انسحابها( )، وطلبت الحكومة الإيطالية اتخاذ إجراء رسمي للانسحاب؛ لأن تصريح سان فرانسيسكو جاء خلوا من أي تعريف للظروف التي تبرز الانسحاب، كما لم يتضمن أي إجراء لتحديد مثل هذه الظروف في المستقبل( ).
وبعد ذلك عدلت أندونيسيا عن انسحابها في 19 سبتمبر سنة 1966 بناء على رسالة من سفيرها في واشنطن موجهة لسكرتير عام الأمم المتحدة على أن يكون استئنافها التعاون اعتبارا من دورة الانعقاد الحادية والعشرين للجمعية العامة.
وقد وافقت الجمعية العامة على ذلك وكيفت غياب أندونيسيا عن المنظمة بأنها كف عن التعاون وليس انسحابا، وأنها يجب أن تضطلع بالتزاماتها في ميزانية المنظمة من تاريخ استئنافها التعاون، على أن يتم تسوية المستحقات المتأخرة.
وهذا يعكس وجود تفهم عام لاستمرار عضوية أندونيسيا حتى خلال فترة عدم اشتراكها في نشاط المنظمة العالمية.
وقد وافقت أندونيسيا على سداد 10% من المبالغ التي كانت مقدرة لميزانية قوة الطوارئ الدولية عن فترة عدم مساهمتها في نشاط الأمم المتحدة( ).
وهكذا فإن الممارسات الدولية تؤيد عدم جواز الانسحاب بقرار منفرد من جانب الدولة العضو في المنظمة الدولية.
(جـ) رأينا الخاص:
نرى أنه لا يجوز للدولة الانسحاب من المنظمة الدولية بقرار منفرد من جانبها ما لم ينص على ذلك صراحة النظام الأساسي المنظمة، أو بإعلان تفسيري يكشف عن نية الأطراف في تقرير حق الانسحاب من المنظمة( )، باستثناء التغيير الأساسي في الظروف ويشترط لأعمال تغير الظروف توافر الشروط الآتية:
- أن يكون التغيير متصلاً بأساس جوهري قام عليه رضاء الأطراف.
- أن يكون من شأن هذا التغيير التعديل الجوهري لطبيعة الالتزامات التي يتحملها الأطراف في المعاهدة.
- يجب ألا يكون التغيير متوقعا من الأطراف ومنصوصا عليه في المعاهدة.
- ألا يكون التغيير بسبب خرق المعاهدة بواسطة الطرف المستند إلى التغيير أو أي التزام دولي آخر.
وهكذا يجوز للدولة العضو في المنظمة الدولية الانسحاب من المنظمة إذا حدث تغيير أساسي في الظروف، سواء أكان الانسحاب كليًا أم جزئيا( ).
 
المطلب الثاني
الاستبعاد من المنظمة الدولية
تنتهي عضوية الدولة باستبعادها من المنظمة الدولية سواء اتخذ صفة الجزاء أم صفة الإجراء الوقائي لمصلحة المنظمة ذاتها، والعديد من النظم الأساسية للمنظمات الدولية تميز بين الاستبعاد والإيقاف، فالاستبعاد: عمل حاسم وتصرف يتم بمقتضاه إنهاء العضوية، في حين أن الإيقاف أمر مؤقت، بمعنى أن العضوية تتوقف حتى يحدث تعديل معين أو حتى تتحقق شروط خاصة. والفرق بين الاستبعاد والإيقاف من الوجهة العملية قليل المغزى؛ لأن علاقات الدولة العضو والموقوفة بالمنظمة الدولية تكون في هذه الحالة مقطوعة، وتصبح في موقف الدولة المستبعدة، وإنهاء الإيقاف ليس أيسر عادة من إجراءات إعادة العضوية بعد الطرد والاستبعاد.
أولاً: صور الاستبعاد من المنظمة:
قد يتخذ الاستبعاد من المنظمة صورة الجزاء، وقد تتخذه المنظمة بوصفه إجراء وقائيا لحماية المنظمة ذاتها.
الاستبعاد الجزائي:
يعني الاستبعاد الجزائي: أن الدولة العضو في المنظمة الدولية التي تخرق التزاماتها الدولية يجري استبعادها من المنظمة، حيث تشعر الدولة المستبعدة بأنها منبوذة وسوف تخسر حقوقها المترتبة على العضوية، وفي مقابل ذلك تتخلى عن التزاماتها تجاه المنظمة الدولية.
وسلامة إجراء الاستبعاد الجزائي مسألة محل نظر، فقد يؤدي مثل هذا الإجراء إلى إلحاق الضرر بالمنظمة ذاتها، بقدر مساو للضرر الذي يلحق الدولة العضو.
ففي المنظمات الدولية ذات الصيغة العالمية يكون للاستبعاد آثاره العالمية على الدولة المستبعدة، وهذا التصرف ينجم عنه مناخ معاد بين الدولة العضو والمنظمة بدرجة يتعذر استعادة التعاون معها، وتغدو الدولة المستبعدة -وقد انقطعت كل صلة لها بالمنظمة العالمية- غير راغبة في الانصياع لقرارات المنظمة؛ ولذلك من الأفضل أن تتعرض الدولة للضغوط على ممثليها في المؤتمرات الدولية، وهذا أفضل من عدم وجود هؤلاء المندوبين على الإطلاق.
وقد دارت مناقشات كهذه بمناسبة ما أثير في اللجنة السياسية الخاصة بشأن التمييز العنصري، وإبان اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1965، حيث لم يحضر وفد جنوب إفريقيا الاجتماع، وكان ذلك موضع أسف اللجنة فأرسلت خطابًا إلى وفد جنوب إفريقيا لحضور الاجتماعات( ) ولممارسة الضغط على دولة موجه إليها الاتهام ينبغي حضور وفدها وبدون هذا الحضور يكون اللوم مجرد ضربات في الهواء.
لذلك فإن جزاء الاستبعاد يجب أن يكون في مصلحة المنظمة الدولية، فإن كان فيه مساس بتلك المصلحة، يجب الاحتياط في اتخاذ مثل هذا الإجراء.
(ب) الاستبعاد الوقائي لحماية المنظمة الدولية:
وفيما عدا استخدام الاستبعاد الجزائي يجوز الالتجاء إلى هذا الإجراء وقاية لمصلحة المنظمة ذاتها، وهذا الإجراء يصبح ضروريًا إزاء الدولة العضو التي تعمد إلى عرقلة أعمال المنظمة وإعاقة نشاطها، والتي لا تفي بشروط العضوية، مثال ذلك: الدولة التي لا تشترك في أنشطة المنظمة، ومع ذلك تستفيد من خدماتها، أو التي تعوق تنفيذ القرارات التي تصدر بإجماع آراء وفود الدول الأعضاء.
وبسبب الموقف السلبي الذي تقفه الدولة الموجه إليها الاتهام بعرقلة أعمال المنظمة، عندئذ يكون الاستبعاد هو الضمان المناسب، كي تواصل المنظمة أداء مهامها بشكل لائق.
واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات تنص على أن خروج إحدى الدول الأطراف في معاهدة دولية على مقتضى التزاماتها يخول للأطراف الأخرى في المعاهدة -بالإجماع فيما بينها- أن توقف سريان المعاهدة أو تنهيها بالنسبة للدول المخالفة (مادة 60/ 2 من الاتفاقية) ومن قبيل الخروج المادي على مقتضى الالتزامات، انتهاك نص أساسي يشكل أحد الأغراض التي تتوخاها المعاهدة (مادة 60 / 3 من الاتفاقية).
وعدم الاشتراك في نشاط المنظمة - والتي تتطلب مساهمة جهود كل الدول الأعضاء - يعتبر من قبيل الإخلال بالالتزامات، ويخول هذا الموقف للمنظمة الدولية فصم العلاقات مع الدولة المخالفة( ).
وكثير من المنظمات الدولية تواجه مواقف متعارضة تؤثر في التعاون بين مجموعات محددة من الدول (مثل مجموعة الدول الاشتراكية أو الدول الإفريقية، أو دول المجموعة الأمريكية).
وحتى إذا راعينا الظروف الجغرافية لتلك الدول، فإن هذه الظروف وحدها ليست السبب في المواجهة، والأحرى أن نلاحظ المذاهب السياسية وما يتبعها من مواقف تؤثر في كل المنظمات الإقليمية.
ويحدث أن تغير دولة موقفها من الجماعة الدولية التي تنتمي إليها إذا ما طرأ تعديل على نظامها السياسي.
وفي هذه الحالة ربما يكون من مصلحة المنظمة الإقليمية أن تستبعد الدول المنشقة.
والاعتراضات الموجهة لأسلوب الاستبعاد الجزائي تسري أيضًا على الاستبعاد الوقائي، وعمليا فإن الاستبعاد يعتبر سلطة لكل منظمة دولية بغرض الدفاع عن مصالح المنظمة في المواقف التي تعوق تأديتها لواجباتها، وعلى هذا الأساس ينبغي اعتبار إجراءات الاستبعاد شيئًا محتملاً عندما يكون مثل هذا الإجراء حيويا لحماية المنظمة الدولية.
ثانيًا: نطاق مشروعية الاستبعاد من المنظمة:
تشير بعض الأنظمة الأساسية للمنظمات الدولية صراحة: إلى الاستبعاد من المنظمة الدولية، غير أن كثيرًا من الأنظمة الأساسية لا تشير إلى ذلك وهنا يثار التساؤل حول شرعية الاستبعاد من المنظمة الدولية في حالة عدم وجود نص بذلك في النظام الأساسي للمنظمة الدولية.
1- الاستبعاد في حالة وجود نص في النظام الأساسي للمنظمة الدولية( ):
تشير بعض الأنظمة الأساسية للمنظمات الدولية إلى إجراء الاستبعاد أو الفصل من المنظمة الدولية (المادة 6 من ميثاق الأمم المتحدة، والمادة 26 / 2 من النظام الأساسي لصندوق النقد الدولي، والمادة 6، 2 من النظام الأساسي للبنك الدولي للإنشاء والتعمير، والمادة 18 من ميثاق جامعة الدول العربية، والمادة 8 من النظام الأساسي للمجلس الأوربي).
ومما لا شك فيه أن استبعاد دولة من المنظمة من المسائل الجوهرية، لذلك فإن إجراءات التصويت على الاستبعاد تماثل الإجراءات المتطلبة لاستصدار القرارات الهامة الأخرى.
وبعض المنظمات الدولية تصدر القرارات فيها بالإجماع (مثل: جامعة الدول العربية - الجامعة الاقتصادية الأوربية) وفي تلك الحالة لا يسمح للدولة المقصودة بالاستبعاد أن تشترك في التصويت، وفي بعض المنظمات الدولية الأخرى (مثل: صندوق النقد الدولي، أو البنك الدولي للإنشاء والتعمير)، ينبغي أن يحصل القرار الصادر في هذا الشأن على غالبية أصوات المحافظين، بما يمثل في الوقت ذاته غالبية إجمالي حقوق التصويت لكافة الدول الأعضاء، ولما كان قرار الاستبعاد ينطوي في معانيه على بعض العناصر السياسية، كان من الصواب أن يتطلب النظام الأساسي أغلبية خاصة.
وإذا عمدت دولة عضو إلى تجميد نشاط المنظمة عن طريق التزامها موقفا سلبيًا عند التصويت، فلا مناص من أن تعمد المنظمة إلى استبعاد مثل تلك الدول، حيث يقدر أن إعاقة نشاط المنظمة هو خروج على نظامها.
وفي هيئة الأمم المتحدة حق الاعتراض على القرارات وإيقاف فعاليتها مقصور على الدول الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وبذلك تستطيع أية دولة من هذه أن تشل أي قرار يصدر عن المجلس، وذلك عن طريق إبداء اعتراضها (الفيتو) ولو حدث ذلك فهنا يثور التساؤل حول إمكانية استبعادها من المنظمة.
ويجوز للجمعية العامة للأمم المتحدة أن تقرر بأغلبية الثلثين استبعاد دولة من الدول الأعضاء، وذلك بناء على توصية من مجلس الأمن.
ومعنى ذلك أن مثل هذه التوصية لابد وأن تحوز موافقة كل الدول الأعضاء الخمسة ذات العضوية الدائمة، وكذلك يصبح من المستحيل إصدار قرار باستبعاد إحدى هذه الدول ذات العضوية الدائمة.
والدولة التي تخرج طواعية وتنسحب من المنظمة الدولية يجوز أن يصدر قرار باستبعادها استنادا على النص الوارد في النظام الأساسي للمنظمة (على سبيل المثال: المادة الثامنة من النظام الأساسي للمجلس الأوربي تجيز لمجلس وزراء المنظمة طرد الدولة العضو من عضويتها إذا خالفت المادة الثالثة من النظام الأساسي).
أما المادة الثالثة هذه فتقضي بوجوب قبول كل دولة عضو في المجلس الأوربي لمبادئ القانون الأساسي وهي: حقوق الإنسان، والحريات الأساسية، والتعاون بإخلاص في تحقيق الأغراض التي يتوخاها المجلس.
وخروج أية دولة على تلك المبادئ المنصوص عليها بالمادة الثالثة يعرضها للطرد، كما حدث لليونان سنة 1969، وفي حالة جامعة الدول العربية يجوز الاستبعاد من العضوية في حالة مخالفة الدولة -المقصودة بالاستبعاد- الالتزامات العامة الناشئة عن النظام الأساسي للجامعة؛ لأنها بذلك تضع نفسها خارج نطاقها، وهكذا تم استبعاد مصر عام 1979 من الجامعة لإبرامها معاهدة السلام المنفردة مع (إسرائيل).
والحقيقة أنه قلما تلتجئ المنظمات الدولية إلى أسلوب استبعاد الدول الأعضاء، وربما تعد تلك الحالات محدودة( )؛ وذلك لأن استبعاد الدولة من المنظمة الدولية -كما قلنا- يمكنها من الهروب من ضغط الرأي الدولي، لذلك فإن كثيرًا من المنظمات الدولية لا تلجأ إلى الاستبعاد إلا إذا كان ذلك هو الوسيلة الأفضل لمباشرة نشاطها.
(ب) الاستبعاد في حالة عدم وجود نص في النظام الأساسي للمنظمة الدولية:
عندما يكون النظام الأساسي للمنظمة الدولية خاليا من نص يقضي بالاستبعاد، فإن أفضل الوسائل لدفع الدولة العضو إلى الانسحاب من المنظمة هو: ممارسة الضغوط عليها لتنسحب بإرادتها، وللمنظمة الدولية وسائل عديدة للضغط (من ذلك على سبيل المثال: حث البرتغال على الانسحاب من منظمة اليونسكو في مايو سنة 1971) والانسحاب الإرادي للدولة العضو بعد ممارسة الضغط عليها للانسحاب هو أمر قريب من الطرد أو الاستبعاد( )، وإذا لم يكف الضغط السياسي، تستطيع المنظمة أن تلجأ إلى التهديد بتعديل النظام الأساسي كوسيلة للضغط، (من ذلك على سبيل المثال: أن منظمة الطيران المدني قررت في 27 مايو سنة 1947 تعديل نظامها الأساسي، ولم يكن وقتذاك يتضمن نصًا بالاستبعاد:
وكان الغرض من التعديل إقامة الظروف لاتخاذ إجراءات لطرد أسبانيا من عضوية المنظمة، وبالتالي أضيفت المادة 93 مكررة للنظام الأساسي، وبمجرد اعتماد النص الخاص بالاستبعاد انسحبت أسبانيا من تلقاء نفسها من المنظمة).
وفي عام 1964 قرر المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية تعديل النظام الأساسي، وكان النص يقضي بأن يكون القرار الصادر في هذا الشأن بأغلبية الثلثين، كما أجاز النص استبعاد الدولة التي تدينها الأمم المتحدة بممارسة التفرقة العنصرية( ).
ولما كانت الدولة المقصودة بهذا الإجراء هي جنوب إفريقيا، فقد انسحبت تلك الدولة من المنظمة وأصبحت إجراءات استبعاد جنوب إفريقيا سارية اعتبارا من 11 مارس سنة 1966( ).
وفي عام 1964 قرر المؤتمر العام لمنظمة الصحة العالمية أن التفرقة العنصرية تخالف المبادئ الإنسانية التي تحكم نشاط المنظمة، ومن يخالف هذه المبادئ توقع عليه العقوبات المنصوص عليها بالمادة السابعة من النظام الأساسي للمنظمة.
وقرر المؤتمر العام أن تطبق نصوص المادة السابعة تلك على مندوبي جنوب إفريقيا ومنعهم من التصويت، وطلب المؤتمر من المجلس التنفيذي للمنظمة ومن مديرها العام، أن يتم تقديم مقترحات رسمية للجمعية العامة للمنظمة في دورة انعقادها الثامنة عشرة، بغرض استبعاد أو إيقاف أية دولة عضو تخالف مبادئها، والتي تكون سياستها الرسمية قائمة على أساس التفرقة العنصرية.
وبعد الموافقة على هذا الاقتراح انسحب وفد جنوب إفريقيا.
وقد وافقت الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية عام 1965 على تعديل المادة بما يسمح بإيقاف أو استبعاد أية دولة عضو تخالف المبادئ والأهداف الإنسانية المنصوص عليها في النظام الأساسي، والتي تكون سياستها الرسمية قائمة على أساس التفرقة العنصرية ولم يكن في استطاعة جنوب إفريقيا أن تنسحب من المنظمة؛ لأن ليس هناك نص في النظام الأساسي يمكنها من أن تفعل ذلك، ولكنها أنهت كل تعاون مع المنظمة( ).
وفي عام 1973 تم استبعاد حكومتي جنوب إفريقيا والبرتغال من جميع مؤتمرات واجتماعات المنظمة الاستشارية البحرية( ).
وقد استأنفت البرتغال عضويتها عام 1976 دون حاجة لإجراءات رسمية لإعادة قبولها، وفي المنظمات الأخرى جرت محاولات لحرمان كل من جنوب إفريقيا والبرتغال من عضويتهما أو لاستبعادهما من حضور اجتماعات بعض الهيئات والوكالات الدولية، وهذه الجهود لم تؤدي إلى انسحابهما، وكذلك فشلت الجهود في حالات أخرى لطرد جنوب إفريقيا من بعض المنظمات( ).
ولكن يثور التساؤل حول إمكانية استبعاد دولة عضو من المنظمة في حالة عدم استجابتها للضغوط دون انتظار تعديل النظام الأساسي للمنظمة بالاستبعاد. الحقيقة أنه لقد جرت مناقشة هذه المسألة باستفاضة في بعض المنظمات، وكانت المناقشات تؤدي عادة إلى عدم الاستبعاد. (على سبيل المثال: في سبتمبر سنة 1979 قام اتحاد البريد العالمي باستبعاد جنوب إفريقيا رغم عدم وجود نص في النظام الأساسي للاتحاد يقضي بذلك، وكان من رأي بعض الدول الأعضاء أن الاستبعاد غير مشروع، ولذلك فإنها ستستمر في التعامل مع إدارة البريد في جنوب إفريقيا، شأنها شأن التعامل مع إدارات البريد في الدول الأخرى)( ).
ويبدو أن الاستبعاد من العضوية في المنظمات العالمية بدون نص في النظام الأساسي من الأمور التي يجري الاعتراض عليها عادة، حيث أن هذه المنظمات تتاح العضوية فيها للكافة، والاستبعاد يتنافى مع ذلك.
حقيقة أن لكل المنظمات العالمية القائمة شروطًا لقبول الأعضاء الجدد، والدولة التي لا تستطيع أن تفي بمتطلبات هذه الشروط لا تستطيع بالتالي أن تصبح عضوا، ولا يتنافى ذلك مع سمة العالمية للمنظمة، وليس مما يتنافى مع المشروعية حرمان الدولة العضو إذا توقفت عن مراعاة شروط العضوية أو خرجت على مقتضياتها، ولكن يجب أن يتضمن النظام الأساسي ذلك. أما إذا لم يتضمن النظام الأساسي نصًا بالاستبعاد فإن مشروعية الاستبعاد في تلك الحالة محلاً للشك، وعمليا لم تقبل المنظمات العالمية أية مبررات لاستبعاد الدولة العضو في حالة عدم وجود نص، ولكنها لجأت في كثير من الأحوال إلى تعديل نظامها الأساسي بما يسمح بذلك.
بينما يختلف الأمر بالنسبة للمنظمات الإقليمية، حيث تقتصر العضوية فيها على مجموعة معينة من الدول تربطها عوامل جغرافية أو سياسية أو اقتصادية، فإذا خرجت دولة عضو على المجال السياسي أو الاقتصادي للمنظمة، فإنها لا تفي بمعايير العضوية ويجوز استبعادها حتى بدون وجود نص صريح في النظام الأساسي يقضي بالاستبعاد، وتزول العضوية بمجرد أن تعلن المنظمة عن زوال العضوية.
ونأخذ على سبيل المثال: منظمة الدول الأمريكية وهي من المنظمات الإقليمية التي تقتصر عضويتها على دول المنظمة المحددة جغرافيا، وكل الدول الأمريكية عضو في المنظمة باستثناء كندا. والنظام الأساسي لهذه المنظمة خال من أي نص يسمح بالاستبعاد أو الطرد، ومع ذلك فإن المنظمة قد أعلنت في قرار أصدرته في يناير سنة 1962 استبعاد حكومة كوبا من المنظمة لاعتناقها المذاهب الماركسية – اللينينية - وانضمامها للكتلة الشيوعية، وبالتالي لم تعد تتفق والمبادئ والمقاصد التي تتوخاها نظام مجموعة الدول الأمريكية( ).
ومعنى ذلك: أنه إذا غيرت تلك الحكومة سياستها، فإنها تعود إلى عضويتها وتتعاون مع المنظمة الأمريكية مرة أخرى.
لذلك فإن وجهة نظر المنظمة أن الدولة التي لم تعد تفي بمتطلبات العضوية ومعاييرها التي أساسها التعاون الإقليمي، يجوز فقد عضويتها حتى بدون وجود نص صريح في النظام الأساسي للمنظمة.
المطلب الثالث
انقضاء الصفة الشرعية للدول أو عدم انطباق شروط العضوية عليها.
ينبغي أن ينص في كل نظام أساسي لأية منظمة دولية، أن عضوية الدولة تنتهي في حالة عدم انطباق شروط العضوية على نحو ما هو مقرر عند القبول، وهكذا تنتهي العنصرية تلقائيًا في حالة انقضاء الدولة كلية، أو إذا طرأ عليها تغيير جوهري بدرجة تجعلها لا تفي بمتطلبات العضوية وشروطها.
وإذا اختفت الدولة قانونا، تنقضي بالتالي عضويتهما في المنظمات الدولية، واختفاء الدولة ليس من السهل افتراضه؛ لأن الدولة لا تنقضي لمجرد تغيير دستورها أو حدودها.
ويجب إقامة الدليل على انقضاء الشخصية القانونية للدولة بما في ذلك حقوقها والتزاماتها قبل النظر في الحكم على إنهاء عضويتها( ).
وفي حالة وجود انفصال أو تجزئة لكيان الدولة يترك الأمر لتقدير الأمم المتحدة باعتبارها المنظمة السياسية العالمية، حيث تستطيع الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تصدر توصيات لأجهزة الأمم المتحدة الأخرى وللوكالات المتخصصة لتضع في اعتبارها موقف الجمعية العامة من مثل هذه المسائل( ).
والدول الأعضاء في المنظمات الدولية لا تفقد شخصيتها القانونية عادة، ومعظم الأمثلة ترجع إلى الفترة السابقة على الحرب العالمية الثانية (على سبيل المثال: ضم الاتحاد السوفييتي ثلاث دول من الجمهوريات المطلة على بحر البلطيق في أغسطس سنة 1940، ثم قام الاتحاد السوفييتي بإخطار بعض المنظمات الدولية لإنهاء عضوية جمهوريات بحر البلطيق، وبعد اندماج تلك الجمهوريات في الاتحاد السوفييتي كفت كل المنظمات الدولية عن اعتبارها أعضاء، ومع ذلك فإن عددًا قليلاً من الدول هو الذي اعترف بهذا الإدماج( )، ولم يجر حذف أسماء جمهوريات البلطيق من قوائم عصبة الأمم قط، ولكن يكن يحضر أحد ليمثلها في دورات الانعقاد بعد ضمها للاتحاد السوفييتي، وكانت الأسماء تذكر في قوائم الاشتراكات على سبيل التذكار)( ).
وقد ترتب على الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، نشأة الجمهورية العربية المتحدة، وقد طلبت الدولتان من كافة المنظمات الدولية اعتبار عضويتهما عضوية مشتركة، وحدث نفس الشيء عام 1964 عندما اتحدت كل من تنجانيقا، وزنزبار في جمهورية تنزانيا المتحدة، وقد استجابت المنظمات الدولية لمثل هذه الطلبات من الدول المعنية، وكان الأساس هو اعتبار تلك الاتفاقيات الأساس القانوني لكل الترتيبات اللازمة.
وفي 28 فبراير سنة 1976 لم تعد الصحاري الأسبانية عضوا في اتحاد البريد العالمي؛ لأن أراضي الصحاري هذه تم اقتسامها بين المغرب وموريتانيا.
وفي معظم المنظمات الدولية الشرط الوحيد الضروري لقيام العضوية هو أن تكون العضوية لدولة قائمة، وفي حالة إذا كان الغرض من المنظمة العالمية هو التعاون بين هيئات للخدمات القومية (مثل: منظمة الأرصاد الجوية) الشرط الأساسي هو أن تكون الدولة طالبة العضوية، لديها خدمة للأرصاد الجوية.
أما إذا كان للمنظمة سمة خاصة مثلما تضم مجموعة معينة من الدول -على غرار الدول المصدرة للبترول (الأوبك)- فإن العضوية تزول بزوال صفة تصدير المادة الأساسية عنها.
وبعض المنظمات الدولية تقصر العضوية على دول أعضاء في منظمات معينة، وبحيث تنحسر العضوية في حالة عدم استمرار العضوية في تلك المنظمات الأخرى (على سبيل المثال:  فقدان العضوية في البنك الدولي للإنشاء والتعمير يعني انحسار العضوية أيضًا في هيئة التمويل الدولية، بموجب المادة 2/ 1، 35 من النظام الأساسي للهيئة، وكذلك من هيئة التنمية الدولية، بموجب المادة 2/ 1، 37) (وفضلا عن ذلك، هناك ارتباط شرطي لقبول العضوية في صندوق النقد الدولي وهي أن تكون الدولة عضوا في البنك الدولي للإنشاء والتعمير أيضًا «مادة 2 / 1 من النظام الأساسي للبنك الدولي» ولكن في حالة فقد الدولة لعضويتها في صندوق النقد الدولي، يقوم البنك الدولي عندئذ بتقرير مدى الإبقاء على عضوية الدولة المعنية، «مادة 6 / 3 من النظام الأساسي للبنك الدولي»).
 
المطلب الرابع
حل المنظمة الدولية
تنتهي عضوية الدول في المنظمة الدولية في حالة حل مثل هذه المنظمة وكقاعدة عامة، يكون حل المنظمة بقرار صادر برضاء كافة الأعضاء، رغم أن مثل هذه الموافقة غير متطلبة في كافة الأحوال.
وفي حالة وجود انقسام حاد بين أعضاء المنظمة الدولية ينبغي أن يكون واضحًا أن غالبية الأعضاء تؤيد حل المنظمة من أجل إنشاء منظمة جديدة بدون الفريق المعارض، ويكون الأثر العملي لمثل هذا الحل وإعادة التشكيل هو استبعاد بعض الدول الأعضاء، ومن الصعب الحكم على مدى مشروعية مثل هذا الإجراء.
ومن ناحية المبدأ فإن إنشاء منظمة دولية يكون الغرض منه أن تظل المنظمة تمارس واجباتها، وقرار الحل يخالف مثل هذا الغرض.
ومن ناحية أخرى فإن قرار الأغلبية هو الذي يحكم المنظمة، ولهذه الأغلبية أن تقر البرامج والميزانية، وتستطيع في الواقع خفض نشاط المنظمة إلى الحد الأدنى. وفي حالة الضرورة -كنشأة خلاف حاد يعوق كل تقدم- ربما يكون من الضروري الالتجاء إلى إعادة التنظيم الشامل ومثل هذا الحل يكون مقبولاً، وعمليا فإن المشاكل التي تحيط بحل المنظمة الدولية وإنشاء منظمة جديدة، يحد من الالتجاء إلى مثل هذا الإجراء.





تعليقات