القائمة الرئيسية

الصفحات



متابعة و قمع الجريمة المنظمة المتصلة بالإرهاب

متابعة و قمع الجريمة المنظمة المتصلة بالإرهاب

متابعة و قمع الجريمة المنظمة المتصلة بالإرهاب




 

 

              بدأت الجريمة ببدء الحياة نفسها و تطورت معها , متخدة أبعادا جديدة في صورها و أحجامها و أسلوب إرتكابها و هي تتصل في بعدها المعاصر إتصالا وثيقا بما يشهده العالم من تطور هائل في حركة التصنيع , و وسائل النقل السريع و كذلك حرية إنتقال الأشخاص و الأموال .

و هي العوامل التي أضفت على الجريمة طابعا عابرا للحدود حتى أصبحت الجريمة المنظمة بشتى صورها تشكل هاجسا يطارد جميع دول العالم بصفة مباشرة أو غير مباشرة.   

   ولعل أخطر ظاهرة إجرامية عرفها العالم في القرن الأخير جرائم العنف و الإرهاب التي إتسعت دائرتها في الآونة الأخيرة حيث شهد مسرح الأحداث الدولية العديد من النشاطات الإرهابية التي تجاوزت آثارها حدود الدولة الواحدة لتمتد إلى عدة دول مكتسبة بذلك طابعا عالميا , و هو ما جعل هذه الجريمة لا تشكل فقط تهديد الأمن و إستقرار الأفراد و الدول , و إنما جريمة ضد النظام الدولي , و مصالح الشعوب الحيوية , وأمن و سلام البشرية , وحقوق و حريات الأفراد الأساسية .   

        و مع تصاعد هذه الأعمال و إنتشارها في أرجاء العالم , و إرتباطها بغيرها من الجرائم , سعت الدول إلى إيجاد وسائل قانونية و عملية لمتابعتها و قمعها على المستوى الدولي و الداخلي , سواء من خلال توحيد الجهود و إبرام إتفاقيات دولية شارعة لتحريم هذه الجرائم على المستوى الدولي و الحيلولة دون إفلات مرتكبيها من العقاب , وهو ما جسده سن الدول تشريعات عقابية تتناسب مع خطورة هذه الأعمال من جهة
 

                                                     -01-

وكذلك حرص الدول و المنظمات الدولية على إبرام إتفاقيات تلزم الدول بإتخاد التدابير اللازمة لمكافحة الإجرام المنظم العابر للأوطان .

      كما كثفت الدول من جهودها لإبرام إتفاقيات دولية تلزم الدول بإتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الإجرام المنظم العابر للأوطان .

  و تبرز أهمية الموضوع من عدة زوايا الأولى بإعتباره ظاهرة إجرامية تنتمي

إلى ظاهرة العنف , الثانية هي العوامل التي تدفع إلى ظاهرة الإرهاب بجميع أشكاله , و الثالثة تتعلق بوجهة النظر القانونية فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب سواء كان ذلك على مستوى قانون العقوبات , أو على مستوى قانون الإجراءات الجنائية , والرابعة هي التعاون الدولي لمواجهة الإرهاب و موقف الأمم المتحدة منه .

      و من خلال هذه المحاور يتضح أن الموضوع يدخل في عدة قطاعات قانونية مختلفة , وقد تجلت الأهمية العملية لبحث هذا الموضوع على إثر ما اكتنف العالم من حوادث إرهابية أخلت بالأمن الداخلي و الأمن الدولي معا , على نحو آثار الإنزعاج و القلق,  و لهذا فإن التصدي لــمعالجة هذا الـــــموضوع ينــــــطوي على جــــــــــرأة علمية مـــــــحمــودة

  و لذلك سنحــاول في هذا البحث  التركيز على التجربة الجزائرية في متابعة و قمع الجريمة الإرهابية و القضاء عليها كنموذج للدراسة وهــذا من خلال النصوص التشريعية الداخلية و الإتفاقيات الدولية الثنائية و المتعددة الأطراف التي صادقت عليها الجزائر في المجالات التي يحتك بها القاضي الجزائري .

          و السؤال الذي سنتناوله بالتحليل في هذا البحث هو ما هي علاقة الجريمة الإرهابية بالجريمة المنظمة , و ما هي آليات متابعتها و قمعها في إطار التشريع الجزائري و كذلك الإتفاقيات الدولية المصادق عليها؟.

        وللإجابة على هداا لـــــــــتساؤل نتبـــع الخطـــــة التـــــــــــالية :  

 

       الفصل الأول /الجريمة المنظمة وعلاقتها بالجريمة الإرهابية


المبحث الأول /  أحكام عامة عن الجريمة المنظمة.

المطلب الأول / مفهوم الجريمة المنظمة وخصائصها.

الفرع الأول / مفهوم الجريمة المنظمة.

 الفرع الثاني/ خصائص الجريمة المنظمة.

 المطلب الثاني/ أهم أنواع الجرائم المنظمة المتصلة بالإرهاب.

 المبحث االثاني/ مفهوم الجريمة الإرهابية وأركانها .

المطلب الأول /مفهوم الإرهاب وتمييزه عن الجرائم الأخرى.

الفرع الأول / اشكالية تعريف الإرهاب.

الفرع الثاني/ علاقة الإرهاب بالجريمة المنظمة ومختلف الجرائم المشابهة لها.

المطلب الثاني / أركان الجريمة الإرهابية.

 الفرع الأول / الركن الشرعي.

 الفرع الثاني / الركن المادي.

الفرع الثالث / الركن المعنوي.

الفصل الثاني / آليات متابعة الجريمة الإرهابية.

المبحث الأول  /اجراءات متابعة الجربمة الإرهابية في التشريع الجزائري.

 المطلب الأول / الإجراءات الخاصة في اطار المرسوم التشريعي 92/03.

 الفرع الأول / من حيث السلطات الممنوحة للضبطية القضائية.

الفرع الثاني / الإستثناءات الخاصة بالتحقيق.

 الفرع الثالث / اختصاص امجالس القضائية الخاصة.

المطلب الثاني / مرحلة ادماج القواعد الخاصة بمتابعة الجرائم الإرهابية ضمن قواعد القانون العام.

الفرع الأول / التعديلات المتعلقة بمرحلة التحريات.

الفرع الثاني /السلطات الإستثنائية لجهات التحقيق.

الفرع الثالث/قواعد اختصاص القضاء الجزائى الجزائري عن الجرائم الإرهابية المرتكبة في الخارج.

المبحث الثاني/ متابعة الجرائم الإرهابية في اطكار الإتفاقيات الدولية .

المطلب الأول / التحريات الأولية .

الفرع الأول / مجالات التعاون الدولي في اطار التحريات

الفرع الثاني / طرق التعاون الدولي في مجال التحري عن الجرائم الإرهابية.

المطلب الثاني / الإنابة القضائية.

المطلب الثالث/ تسليم المجرمين.

الفرع تلأول / القانون الواجب التطبيق على تسليم المجرمين.

الفرع الثاني / شروط تسليم المجرمين.

الفرع الثالث /اجراءات التسليم.

الفرع الرابع  / آثار التسليم.

الفصل الثالث/  قمع الجريمة الإرهابية والقضاء عليها في اطار التشريع الجزائري.

المبحث الأول / القواعد الموضوعية لقمع الجريمة الإرهابية.

المطلب الأول / التدابير المقررة في ظل المرسوم المقرر لحالة الطواريء.

المطلب الثاني / العقوبات المقررة ضد مرتكبي الجرائم الإرهابية في ظل قانون العقوبات.

المطلب الثالث / التدابير المقررة في ظل قانون تدابير الرحمة.

 المبحث الثاني / اعتماد قانون الوئام المدني كحل سياسي قصد القضاء على الجريمة الإرهابية.

المطلب الأول / التدابير لمنصوص عليها في القانون 99/08.

المطلب الثاني /

المطلب الثالث/

الخاتمة.                                        

 

الفصل الأول:الجريمة المنظمة  و علاقتها بالجريمة الإرهابية

 

       يزداد الإجرام المنظم إمتدادا على المستوى الدولي , و لم يعد مسألة تهم الدول الأوروبية و حوض البحر الأبيض المتوسط  فحســب

و هو يستعمل في سبيل ذلك كل الوسائل التي تمكن المنظمات الإجرامية من مضاععة فوائدها , و الهدف الأساسي من ذلك هو البحث عن الربح و السلطة . و تحقيقا لهذا الغرض تشترك المنطمات الإجرامية في إتمام صفقات في ميدان المخدرات , السلاح , الدعارة , تجارة السيارات المسروقة , وكذلك الرقيق الأبيض .

      و لقد أثيرت مسألة العلاقة بين الإرهاب و الجريمة العبر وطنية المنظمة في إطار مناقشات اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة , و بالتحديد تجارة المخدرات التي تسمح بتمويل الإرهاب و النشاطات الإجرامية عبر الوطنية التي تهدد أمن و سلم البشرية و وقد جســدت إعتداءات 11 سبتمبر الشراكة بين الإرهاب و الإجرام المنظم.

      و إنطلاقا من الفكرة سنحاول في هذا الفصــل تحديد المقصود بالجريمة المنظمة و الخصائص التي تميزها عن غيرها من الظواهر الإجرامية و كذا أهم أنواعها والتــي لهــا صلــة  بالجريمة الإرهابية لنتطرق في مرحلة ثانية من هذا الفصل إلى الجريمة الإرهابية بصفة خاصة و ما يثيره تعريفها من جدل و ما يختلط مع هذه الظاهرة من جرائم أخرى لنحدد في آخر هذا الفصل أركان هذة الجريمة و أهم صورها . 

                                                                   

      المبحث الأول:   أحكام عامة عن الجريمة المنظمة.


 

      قيل التطرق إلى العلاقة بين الإرهاب و الجريمة المنظمة  يجدر في البداية تحديد المقصود من مصطلح الجريمة المنظمة , و ما هي الخصائص المميزة لهذا النوع من الإجرام , و بعض الأمثلة عن هذه الجرائم التي تم الإجماع على إرتباطها الوثيق بالإرهاب

 

        المطلب الأول: مفهوم الجريمة المنظمة و خصائصها.

                     الفرع الأول : مفهــوم  الجريمة المنظمة

     

لما كان من الصعب تحديد معنى الجريمة المنظمة تحديدا دقيقا، اعتمدت الأمم المتحدة اتفاقية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية التي عرضت بتاريخ 15/11/2002 للمصادقة عليها بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة و الخمسون تبنت فيها تعزيز التعاون على منع الجريمة المنظمة عبر الوطنية و مكافحتها بمزيد من الفعالية باعتبارها " هيكل تنظيمي مؤلف من ثلاثة أشخاص أو أكثر موجودة لفترة من الزمن و تعمل بصورة متظافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة من أجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو مادية أو تحقيق أهداف أخرى"                  

               في حين ذهبت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية المنعقدة بمقرها بليون  بفرنسا بتاريخ 14/12/1995 خلال الملتقى الخامس إلى أنه تعتبر جريمة منظمة إذا شارك في الفعل أكثر من شخصين في إطار جغرافي يتعدى حدود البلد.

                                  

في فترة غير محددة هدفهم الإثراء و الربح و كانت المهام المقسمة فيما بين أعضاء العصابة في إطار منظم مع استعمال القوة.مما سبق ذكره فإن كلمة الجريمة المنظمة تفيد معنى التنظيم الذي يكون فيه التحضير و التنفيذ متصف أو مميز بالتنظيم المنهجي الذي يقوم على الذكاء و الاحتراف و من تم تبرز عناصرها المتمثلة في:

           - مشاركة أكثر من شخصين في إطار جغرافي.

- ينشطون خلال فترة ممتدة.( أن يكون النشاط الإجرامي قائم بصفة  مستمرة)   

-                                    البحث عن الربح أو السلطة بطريقة غير مشروعة.      -                 

-                                         -   توزيع المهام      

-                                         -  إتباع شكل من الانضباط.     

-                                         -  استعمال العنف.  

من خلال ما تقدم و بالرجوع إلى تعريف الجريمة في القانون العام، يمكن القول أن الجريمة المنظمة هي كل فعل أو امتناع عن فعل يصدر عن إرادة جماعية آثمة و يترتب عليه تهديد بالخطر أو إلحاق الضرر بتلك المصالح الجوهرية التي يحميها المشرع تحقيقا لأهداف الدولة في حفظ و بقاء المجتمع و العمل على تقدمه و نمائه ويفرض المشرع على مرتكبيه جزاءا جنائية توقعه السلطة القضائية وفق الإجراءات التي رسمها لها.وفيما يخص المشرع الجزائري فانه لم ينص على الجريمة المنظمة غير أنه نص وعاقب علىمجموعة من الجرائم التي تشبه إلى حد ما الجريمة المنظمة سماها جمعية الأشرار في نص المادة176 وما يليها من قانون العقوبات. وقد حاول المشرع هنا الاقتراب من الجريمة المنظمة باستعماله مصطلح جمعية أو اتفاق مهما كانت مدته أو عدد أعضائه مع التصميم المشترك لكنه لم يفصح عن ذلك مباشرة و لم يذكر خصائص الجريمة المنظمة مثل المنفعة و

الربح و تجاوز الحدود الجغرافية و غيرها.

 كما نجده يشدد العقوبة في جرائم أخرى كتقليد أختام الدولة و الطوابع و العلامات و التزوير النقود و السندات البنكية لما لها من صلة بالجريمة المنظمة لكنه

لم يجرم أصلا بعض الجرائم إلا في المدة الأخيرة إثر مشروع تعديل قانون العقوبات في ما يخص تجريم تبيض الأموال و قمع تمويل الإرهاب .

  و بهذا المنحى بدأت بعض التغرات القانونية تتلاشى من منظموتنا القانونية.

 

                      الفرع الثاني : خصائص الجريمة المنظمة .

      إن أهم ما يميز منظمات الجريمة المنظمة على مستوى العالم , أنها تعمل في الإشتراك فيما بينها و بكفاءة و إنسجام كبيرين و تقسم العالم إلى مناطق سيطرة و نفوذ , وتعتمد على أهم ركائز العمل الجماعي الناجح و المتمثلة في :

  1 _ التخطيط و التنظيم : إن التخطيط هو العامل المهم في الجريمة , و غالبا ما يكون مدبروها ذوو خبرة , و دراية يصعب الكشف عنهم و متابعتهم لقوة التنسيق و التنظيم فالمنظمات الإيطالية تبيع مخدرات أمريكا اللاتينية في أوروبا , و الروس يشترون السيارات المسروقة من عصابات الياكوزا , و الألبان ينقلون الهيروين إلى عصابات المخدرات التركية , ولكن يبقى هذا التعاون هشا , و لا يتعدى التعاملات التجارية متفرقة أو تحالفات مؤقتة , و بالمقابل فإن هناك مجالا لصراعات مستقبلية داخل عالم الجريمة , خاصة بعد أن أصبحت الأسواق في حالة من التشبع , و بعد أن إستنفدت جميع الفرص لمزيد من التوسع .

       و مما لا شك فيه أن للجريمة المنظمة آثارها المباشرة على موارد الأمن القومي بحيث تثقل كاهل الدولة بما تتطلبه من إنفاق وقائي دفاعي و تهديد للمعنويات و النظام العام , خاصة و أن الجريمة المنظمة عادة ما تكون قوية إلى حد أنها تشكل دولة داخل دولة (1) .

1 -دراسة من إعدادبو لعراس لوعلام و جباباة فريــد-أمن ولاية غليزان

2_ الإحتـــراف :تعتبر الجريمة المنظمة إجراما إحترافيا يستعمل الحيلة تبعا للفرص و الوسائل المادية و البشرية المتاحة لهم , و كذا صفة الفاعلين و مهاراتهم , فهو مثلا على المستوى التنظيمي يوجد عدة هياكل لعدة منظمات دولية .

فالمنظمات ذات الهيكل المؤقت تتميز بعدد هياكل قليلة , لكن لا يمنع من أنها تشكل

خطرا كبيرا . فقوتها تكمن في تخصصها , كالمتخصصة في السطو مثلا أما
المنظمات ذات الهيكل الدائم العالي التنظيم فتتميز بلجنة مركزية تنبثق عنها لجان خاصة , و عادة ما تدار من طرف رجال أعمال كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية , و آسيا . 

      و ما تجدر الإشارة إليه، أن هذا النوع من الجريمة إذا زامنــه عجــز المؤسسات و الوسائل الأمنية فإنه سيؤدي حتما إلى تفشــي الجرائم وفقدان أجهــزة الدولة سلطانهــا.

     3- التعقيد: يظهر ذلك جليا في التنظيم العالي و المحكم و ما ساعد في ذلك انفتاح الأسواق و الخوصصة و عدم تنظيم السوق المالية و التجارة العالمية و جعل المنظمات الإجرامية تتحالف فيما بينها لهدف تحقيق التعاون العالمي و اكتساح أسواق جديدة ضمن نشاطاتها سواء كانت شرعية و إجرامية.

    و بالموازاة مع نشاطها الإجرامي تتعاون المنظمات الإجرامية مع المؤسسات القانونية حيث تستثمر في نشاطات شرعية مختلفة و هي طريقة تعتمدها لضمان تغطية تبيض الأموال و كذا تكديس رؤوس الأموال خارج مجال النشاطات الإجرامية و غالبا ما تكون هذه الاستثمارات في العقارات الفاخرة و صناعة آلات اللعب و القمار و وسائل الإعلام و المصالح المالية و في الفلاحة و الصناعة .

      4 – القدرة على التوظيف و الابتزاز: تعتمد الجريمة المنظمة على توظيف

الجهاز البشري و تسخير عناصر لتحقيق الأهداف المبتغاة من المنظمة و تستعمل

 

      لذلك كل الوسائل من ضغوطات و مصالح مادية أو معنوية و توريطهم في      

قضايا للضغط عليهم فيما بعد يأخذ صورة الابتزاز و الظفر بالأهداف المتواخاة من عملياتهم.

      إن القول بخصائص الجريمة المنظمة يحيل إلى إعطاء أنواع مثل هذا الإجرام و إن اختلفت المسميات فإن الخصائص" واحدة حيث تعتمد جل الأنواع على التخطيط و التنظيم المحكمين كما يتميز مرتكبوها بالإحترافية و الأهلية لممارسة هذه الجرائم

اتسامها بالتشابك و التداخل فيما بينها و هذا ما سنحاول البحث فيه من خلال دراسة  أشكال الجريمة المنظمة في المطلب الثاني.

     و يمكن القول أن الجريمة المنظمة هي كل فعل أو امتناع عن فعل يصدر عن إرادة جماعية آثمة و يترتب عليه تهديد بالخطر أو إلحاق الضرر بتلك المصالح الجوهرية التي يحميها المشرع تحقيقا لأهداف الدولة في حفظ و بقاء المجتمع و العمل على تقدمه و نمائه ويفرض المشرع على مرتكبيه جزاءا جنائية توقعه السلطة القضائية وفق الإجراءات التي رسمها لها.

      وفيما يخص المشرع الجزائري فانه لم ينص على الجريمة المنظمة بل ونص وعاقب علىمجموعة من الجرائم التي تشبه إلى حد ما الجريمة المنظمة سماها جمعية الأشرار في نص المادة176 وما يليها من قانون العقوبات. وقد حاول المشرع هنا الاقتراب من الجريمة المنظمة باستعماله مصطلح جمعية أو اتفاق مهما كانت مادته أو عدد أعضائه مع التصميم المشترك لكنه لم يفصح عن ذلك مباشرة و لم يذكر خصائص الجريمة المنظمة مثل المنفعة و الربح و تجاوز الحدود الجغرافية و غيرها. كما نجده يشدد العقوبة في جرائم أخرى كتقليد أختام الدولة و الطوابع و العلامات و تزوير النقود والسندات البنكية لما لها من صلة بالجريمة المنظمة لكنه لم يجرم أصلا بعض الجرائم إلا في المدة الأخيرة إثر مشروع تعديل قانون العقوبات في ما يخص تجريم تبيض الأموال وقمع تمويل الإرهــاب . و بهذه بدأت بعض التغرات القانونية تتلاشى من منظموتنا القانونية.

                                             

بعد أن أعتبر ضمن الجرائم المنظمة مثل الجريمة الإرهابية التي تستوجب تداخل عوامل و تشابك خصائص تجعل من بعض الجرائم ذات طابع تنظيمي و هذا ما نحاول توضيحه فيما يأتي بالبحث في  هياكل لعدة منظمات دولية

 

المطلب الثاني:أهــم أنــواع الجرائــم المنظمــة المتصلة بالإرهــاب

 

      لقد أثيرت مسألة العلاقة بين الإرهاب و الإجرام المنظم في إطار مناقشات اللجنة الثالثة للجمعية للأمم المتحدة , و قد أشار ممثل تركيا في هذا السياق إلى أن النشاطات الإجرامية المنظمة العابرة للأوطان أصبحت تستعمل في تمويل الأعمال الإرهابية .

و أن إعتداءات 11 سبتمبر 2001 أثبتت مرة أخرى هذه العلاقة و توضيحا لهذه العلاقة

فإننا سنتناول مظاهر إرتباط الجريمة المنظمة بالإرهاب من جهة , ثم الفرق بين الإرهاب و غيره من الجرائم المنظمة .

 

              الفرع الأول:أشكال الجريمة المنظمة.


  لقد تطورت الجريمة المنظمة على مستوى العالم لدرجة تشابك وتشابه بعض الجرائم والتي ما فتئت في ظل العولمة أن اكتست الطابع المنظم والمهيكل باعتمادها على سلسلة من التنظيمات والهيئات ذات التنسيق فيما بينها

وفي محاولة الكشف عن النشاطات غير الشرعية التي تمارسها جماعات الإجرام المنظم وجب أولا ذكر أهم الأشكال والأنواع للجريمة المنظمة العابرة للحدود وتجدر الإشارة إلى انه قد تختلف حسب شكل الجريمة وان كان بينها بعض التقارب مثل: جرائم تبييض الأموال، الجرائم الإرهابية أو الاتجار بالأسلحة أو المتاجرة غير المشروعة بالمخدرات فنجدها تتسم بـ:

1/ - اللصوصية ذات الطابع العنيف لجمع الأموال بالقوة، حجز الرهائن، السطو بالسلاح……الخ

2/ - الجنوح الاحتراف والذكي مثل:النصب، الابتزاز، التهديد، تهريب الأسلحة، سرقة وتهريب السيارات، تبييض الأموال، الغش والتدليس في الإعلام الآلي…واستغلال حيل الغي

3/ - جرائم الأعمال مثل تبييض الأموال، الغش الضريبي، الرشوة، استغلال النفوذ، انتهاك الولاء في علاقات العمل، خيانة الأمانة، وهذا النوع من الإجرام يرتكب بمناسبة ممارسة النشاطات المهنية.

-ونظرا لتشعب وتطور أساليب الجريمة المنظمة ارتأينا التركيز على أهم هذه الجرائم و أكثرها إتصالا بالجريمة الإرهابية و وضعية الجزائر تجاه هذه الجرائم .   

أ) - جريمة تبييض الأموال:      

   هي العملية التي يحاول من خلالها مرتكبو الجرائم المختلفة إخفاء حقيقة مصادر هذه الأموال الناتجة عن هذه الأعمال غير القانونية وطمس هويتها بحيث يصعب التعرف على ما إذا كانت هذه الأموال ناتجة عن أعمال غير مشروعة أم لا.

والهدف من هذه العمليات هو تحويل السيولة النقدية الناتجة عن هذه الأعمال إلى أشكال أخرى من الأصول بما يساعد على تامين تدفق هذه العائدات المالية غير المشروعة بحيث يمكن فيما بعد استخدامها أو استثمارها في أعمال مشروعة وقانونية

ويختلف المفهوم فيما بين الدول، ففي حين يا خد البعض بالمفهوم الواسع من حيث اعتبار العائدات المالية لكافة الأعمال الإجرامية سبيلا لتبييض الأموال(تجارة وتهريب المخدرات وتجارة الرقيق والإرهاب والرشوة والفساد السياسي، والدعارة وتجارة السلاح وغيرها من الجرائم والأعمال غير المشروعة) تأخذ بعض الدول الأخرى

بالمفهوم الضيق حيث تقصر هذه العمليات على محاولات إخفاء العوائد المالية لتهريب المخدرات فقط دون بقية الجرائم.

وعلى الرغم من أن ظاهرة تبييض الأموال لا تعتبر ظاهرة جديدة بل يمكن إرجاعها إلى العديد من العقود الماضية إلا أن هذا المفهوم ظهـــر فــي البداية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال عقد السبعينيات إثـــر فضيحــة واتـــرجايت 

حيث ظهرت الدعوة آنذاك إلى أهمية تتبع مسار عائدات أموال هذه الفضيحة، بهدف

التعرف على مرتكبيها والمتورطين فيها (1) وتجدر الإشارة إلى أن تزايد أهمية

 البنوك المراسلة أي أن يكون لبعض البنوك حسابات لدى بنوك أخرى على المستوى

العالمي في سبيل تسهيل عمليات التسوية والمقاصة قد أدى إلى تزايد عمليات تبييض الأموال على المستوى الدولي.

      ولقد أظهرت التحقيقات التي أجريت عام1999 تورط بنك نيويورك ذلك أن إيداع الأموال في هذه البنوك المراسلة يساعد على إخفاء مصدرها الحقيقي و مدى شرعيتها و من ثمة المساعدة في تبيض الأموال (2).

  و عادة ما تضم عمليات تبيض الأموال رؤوس أموال ضخمة إذا ما قورنت بأي مشروعات اقتصادية أخرى فعلى سبيل المثال و طبقا لدراسة أعدتها جريدة الفينانشيال تيمز في 18/10/1994 تبث أن أي زيادة في معدلات الجريمة لأي دولة يصاحبها بالضرورة و بنفس القدر من الزيادة انخفاض في الطلب على العملة أي أن عمليات

  


(1) – السياسة الدولية ص 167 عدد 146 أكتوبر 2001  - دراسة من إعداد بولعراس بوعلام و جبابلة فريد

(2). – إشارة أيضا إلى تلك المحاولة التي جرت في مقر البنك المركزي في ياوندي في 25/01/2000 التي اعتبرت عملية القرن حيث تم إيداع مبلغ 500 مليون دولار أين زهاء 300 مليار فرنك أفريقي في البنك المذكور لمدة ثلاثة سنوات ابتدءا من 20/12/1998 إلى 20/12/2001 على أساس نسبة فوائد تقدر ب7.5 °/ سنويا و تمثلت العملية في إعطاء أمر بالتحويل الذي يعد بمثابة ضمان و قد تمت هذه العملية وفق مسار جد معقد ابتدءا من شركة مرتوال للاستثمار في أوكالا بفلوريدا عبر إيطاليا ثم إفريقيا على عمان بالخليج.و قد تم اكتشاف القضية

بفعل خطأ تقني و كذا عدم كفاءة المتعاملين مما سمح للبنك المركزي بياوندي باكتشاف عملية التحويل غير القانونية لقيمة مالية كبيرة لم يكن من السهل تحويلها دون أن يلفت ذلك انتباه القائمين عن البنك .

فحسب قوانين البنك المذكور فإن قيمة مالية كبيرة مثل التي أريد تحويلها لا يتم التصرف فيها أو تحويلها إلا بأمر من السلطات الإدارية العليا للبنك.  و مهما يكن من أمر ، فإن اكتشاف مثل هذه العمليات غير الشرعية دفع إلى الواجهة بالعديد من التساؤلات و التي من بينها : على أي مستوى اتخذت القرارات  ؟

 

تبيض الأموال بدأت في تغيير أسالبيها المتبع و ابتكار أساليب جديدة بعيدا عن البنوك المعتادة و توجهت إلى الأسواق المالية الأخرى مثل الانترنت أو حتى أسلوب المقايضة كاستبدال الأسلحة مقابل المخدرات مثلا و هنا تكمن أهمية و خطورة المسألة فالجريمة أو النشاط المستتر و تبيض الأموال يصعب قياسهم و في نفس الوقت يؤدون إلى تعكير صفو البيانات الاقتصادية العادية بأي مجتمع كما أن مسألة تحديد هوية الدولة مصدر الأموال القدرة و العملة الأصلية المستخدمة تعد من الأمور الأساسية التي توضح مسار السياسة النقدية و حيث أن هذه المسألة من الصعب معرفتها فإن النتيجة تكون انتقال الثروات من دولة إلى أخرى بسبب عمليات تبيض الأموال بما يضلل البيانات المالية و النقدية بها.

لأخرى بسهولة و بلا مخاطر تذكر و حتى الآن يصعب على الجهات المعنية تحديد هوية المتعاملين عبر الشبكة أو جمع أية معلومات عنهم و هو ما يعني أن السنوات القادمة ستشهد انطلاقة في تبيض الأموال الكترونيا ما لم يتم اتخاذ إجراءات ملائمة لتحجيمها أو على الأقل إمكانية رصدها عبر الانترنت

ب) الإتجار غير المشروع بالأسلحة :

       لقد إزداد الطلب على الأسلحة نتيجة للحروب الداخلية المتزايدة و المواقف السياسية و النشاطات الإجرامية الخارجة عن القانون , و في ظل بعض الظروف تحتاج الأفراد و الجماعات الصغيرة إلى الأسلحة للدفاع عن أنفسهم عندما تفشل القوات الأمنية التابعة للدولة عن توفير الحماية اللازمة لهم أو أنها تكون غير راغبة في القيام بذلك وهو ما ساعد على إنتشار صناعة  و بيع الأسلحــة بطــرق غيــر مشروعة .

   و تتمثل علاقة هذه الجريمة بالنشاطات الإجرامية الأخرى في أنها تتخذ شكلا إقتصاديا يسبب في توجيه الأسلحة الصغيرة و الخفيفة ضد المجتمع نفسه .

      و يقصد بالأسلحة الصغيرة تلك الأسلحة التي تستخدمها مجاميع القوات المسلحة ومن بينها قوات الأمن الداخلي لغايات كثيرة منها الدفاع عن النفس و القتال على مدى
متوسط أو قريب و الرمي المباشر و غير المباشر و التصدي للدروع و الطائرات ضمن  المدى القريب , و هي الأسلحة المصممة للإستعمال الشخصي أما الأسلحة الخفيفة في تلك المصممة للإستخدام من قبل مجموعة أشخاص يعملون كفريق .

إن المعدل المرتفع للعنف في المدن ونشاطات المافيا و الجماعات الإجرامية الأخرى كلها تعتمد على الإستخدام المألوف لهذه الأسلحة المميتة للحماية و العقاب و التوسع.

       و قد أصبح هذا الخطر أكثر صعوبة لأن الأسلحة الموجودة لدى جهات غير حكومية خاصة الإرهابيين و المتطرفين الذين يحصلون عليها في عمليات شراء سرية من الأموال الوفيرة التي يجنونها من نشاطاتهم الإجرامية تزيد بشكل كبير عن الأسلحة الموجودة لدى قوات الأمن و الهيئات التي تشرف على تنفيذ القانون في البلد .كما أن ملاحقة توزيع هذه الأسلحة و الحد منه يسببان مشكلة كبيرة من الناحية العسكرية ز كذلك من الناحية الإنسانية كونها تمثل خطرا ليس فقط سلامة و أمن الأفراد و المجتمعات و إنما على الأمن الدولي .

و لذلك فقد تم إقتراح العديد من المؤتمرات و البرامج و الوسائل الهادفة إلى الحد من إنتشار الأسلحة الصغيرة إذ أصبحت الأسلحة موضوعا لما يقارب إثني عشر قرارا و وثيقة للأمم المتحدة كونها إعتبرت الآن السبب الأساسي للموت في الصراعات المسلحة إستنادا إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر .

و لقد تصاعدت وتيرة الأعمال الإرهابية و لم تعد الأسلحة الصغيرة بالسلاح المعتاد للإرهابيين , فقد نفذت مجزرة الأقصر في مصر ببنادق هجومية فعالة جدا ( مات فيها 62 من الأبرياء ) و هذا ما يعكس الحاجة ليست فقط لمحاربة الإرهاب و لكن للحد من تداول الأسلحة الصغيرة أيضا .

    و في إطار جهود محاربة الإرهاب و الجريمة أصبحت مسألة التعاون الإقليمي شأن هذه القضية مطلبا ضروريا يجب يستند  إلى إستراتيجية إقليمية

ج )- جرائم المخدرات :

لقد اصبح أمرا مستقرا علبه أن القضاء على جريمة المخذرات بقتضي بالضرورة إيجاد أطــر تعــاون و تنسيــق دولــي و ذلك نظــرا للطابع المنظــم العابــر للأوطــان لهذه

الجريمة , كما أن خطورتها لم تعــد تقتصـر على الإضــرار بالصحــة , وإنما أصبحت

هذه التجــارة وسيلة لدعــم المنظمــات الإرهابية , و هي العلاقة التي تم تأكيدها في إطار أعمال اللجنــة الثالثــة  للجمعية العامة للأمــم  المتحــدة حيث أجمعت الدول الآسيــوية المتدخلــة في إطار مناقشــات اللجنة (1) أن حركــة طالبــان تستعمــل مداخيل زراعة المخدرات فــي تمويــل نشاطاتهــاالإرهابيــة.

    وقد توجهت هذه المنظمــات الإجراميــة إلى الإتحــاد مع منظمــات إرهابية و جماعــات مسلحــة متطرفــة لتشكــل ما أصبــح يعرف بإسم تحالف الإرهــاب و المخذرات والتي تروج لتجـارة المخدرات و المتــاجــرة غير الشرعيــة بالأسلحــة و تبييــض الأمــوال, والإرهــاب.     

 و في الجزائر مثلا لم يكن خطر آفة المتاجرة في المخدرات مخيفا  خلال العشرية التي سبقت ظاهرة الإرهاب في الجزائر لكن في ظل الإرهاب الهمجي ، أصبحت  الشبكات الدولية المختصة في متاجرة المخدرات تعتبر الجزائر منطقة عبور هامة و حسب الإحصائيات ( 2).  فإن 72/° من الكميات المحجوزة من الحشيش كانت عابرة من الجزائر نحو بلدان أوربية .

و المتاجرة بالمخدرات عادة ما تقترن بالأشكال أخرى من الجريمة المنظمة كالإتجار غير المشروع في الأسلحة، تزوير و استعمال المزور، تبيض الأموال و الحصول على أملاك عقارية تحول فيما بعد كملجـأ للتخطيط و الاتصال سعيا لتحقيق الأعمال المحضرة.

(1–communiqué   de presse sur les travaux de troisieme commission des representant de l INDE –l IRAN – MALAISIE .

(2) – الجريمة المنظمة و طرق مكافحتها: مجموع محاضرات أمن دائرة مازونة ولاية غليزان 2004.

 

و رغم تطور الإجرام المنظم في الجزائر فإنها تبقى نفتقر لهيكل مركزي وطني لمكافحة الجرائم المنظمة حيث يلاحظ  وجود الفرق المالية و الاقتصادية بأمن الولاية التي تقوم بمهام محلية لمكافحة هذه الجرائم غير أن ذلك لا يعد كافيا لمكافحة هذا النوع من الإجرام   و لذلك  ستقتصر دراستنا على الجريمة الإرهابية نظــرا لقساوة التجربة الجزائرية من جهة و أهمية الموضوع الدولية من جهة أخرى أما

مسألة تبيض الأموال في الجزائر فإنها ليست مطروحة بشكلها الدولي الحالي و لا تعتبر الجزائر من الدول التي تتم على مستوى منظومتها المالية  مثل هذه العمليات

و لكن تبقى مسألة الكسب الكبير غير المشروع عن طريق المضاربة المالية و التجارية و الاحتيال و الرشوة و التهرب الضريبي و التهريب وارد عندنا و لكن بآليات و أشكال  تكون مختلفة.

               إنما مع آفاق عولمة الاقتصاد و الانضمام الأكيد للجزائر إلى منظمة التجارة العالمية و تحرير الاقتصاد و توجـهـه نحو اقتصاد السوق فإن مخاطر عمليات الإجرام الاقتصادي و المالي الكبير و تبيض الأموال مهددة لا محالة اقتصادنا. لهذا لابد من التفكير من الآن في أدوات تشريعية تنظيمية و آليات مراقبة لمواجهة هذا النوع من الإجرام.

و لهذا اتخذت الجزائر جملة من الإجراءات لمحاربة الجريمة المنظمة بمختلف أنواعها و ذلك بإنضمامها و مصادقتها على الإتفاقيات الدولية المبرمة في هذا الشأن كإتفاقيات الأمم المتحدة لمكافحة الإجرام المنظم العابر للأوطان و كذلك إتفاقية مكافحة الفساد و الإتفاقيات المانعة و المكافحة للإرهاب و تجسيدا لإلتزاماتها الدولية فإنها تعمل تدريجيا على تجريم هذه الظواهر منها تجريم تبيض الأموال و تمويل الإرهاب و المتاجرة غير المشروعة في المخدرات و المؤثرات العقلية وكذلك تقرير مبدأ عدم تقادم هذه الجرائم الخطيرة ( الجريمة المنظمة و الرشوة) مع ضرورة إنشاء أقطاب قضائية ذات اختصاص إقليمي واسع لمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم(1)

  


1 – عن كلمة السيد/ وزير العدل، حافظ الأختام الطيب بلعيز في تعيينه الفوج العمل المكلف بإعداد المشروع قانون الوقاية من الرشوة و الفساد و محاربتها ووضع آليات قصد ضمان متابعة التطبيق الفعلي لأحكام هذا القانون و ذلك طبقا لأحكام لاتفاقية الدولية ومكافحة الفساد و التي وقعت عليها الجزائر و صادقت عليها في 31/10/2003.

                         

المبحث الثاني: مفهوم الجريمة الإرهابية وأركــانهـــا .

 

        إن تعريف الجريمة و تحديد عناصرها و بيان أركانها بحسب الأصــل عمل قانوني يضطلع به عادة فقهاء القانون إلا أنه و منذ ظهور الجريمة الإرهابية تصدى لها السياسيون بالتعريف و التحليــل ، و كانت النتيجة دخول المجتمع الدولي في خلاف طويل حول تعريف الإرهاب و تصنيفه ، و تعمق الخلاف حول مفهوم الإرهاب ، و تجريمه بسبب الخلافات و التناقضات السياسية و الإيديولوجيـــة السائدة. من هنا كان الإشكال حول توفير الإجماع الإقليمي أو الدولي حول مفهوم موحد يميز بين ماهو عمل إرهابي ينبغي تجريمه و ماهو كفاح مشروع ضد الاستعمار

   من هذا المنطلق ارتأينا البحث في تعريف الإرهاب تمييــزه و عما يختلــط به من مفاهيــم ثــم تحــديــد نقــاط تشابهــه مع الجرائم المنظمــةو ما يختلف فيــه معهــا

 

المطلب الأول: مفهوم الإرهاب وتمييزه عن الجرائم الأخــرى


 

الفــرع الأول: إشكاليــة تعريــف  الإرهــاب.

 

   رغم تعدد الإتفاقيات و المعاهدات المكاقحة للإرهاب، لم يتم الاتفــاق علــى تحديــد المفهوم القانوني للإرهاب، و بسبب المظاهر المختلفة للأعمال الإرهابية من جهة وتضارب المصالح من جهة أخرى فقد تعددت تعريفات الإرهاب فحسب أستاذ القانون الجنائي سادانا: أعتبر الإرهاب في مفهومه العام كل جنحة سياسية أو اجتماعية، يؤدي ارتكابها أو الإعلان عنها إلى إحداث ذعر عام يخلق بطبيعته خطرا عاما.

و يرى الأستاذ جورج  لوفاسور أن الإرهاب يعني الاستخدام العمدي و المنظم لوسائل

من طبيعتها أن تنشر الرعب للوصول إلى أهداف محددة، كاستخدام التخويف لتعجيز

الضحية أو الضحايا أو مهاجمتهم، أو نشر الرعب باستخدام العنف للوصول إلى أهداف محددة كالاعتداء على الحق في الحياة أو الحق في سلامة الجسم أو التعذيب أو ارتكاب جرائم عنف عمياء بواسطة قنابل أو السيارات المفخخة أو إرسال طرود ملغمة، أو          

الاعتداء على الأموال.

 

   مفهــوم الإرهــاب فــي الإتفاقيــة العربيــة:  لقد   نصت المادة الأولى من الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في بندها الأول: على تعريف الإرهاب بأنه كل فعل من أعمال العنف أو التهديد أيا كانت بواعثه و أغراضه، يقع تنفيذا لشروع إجرامي فردي أو جماعي، و يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بـإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الإستيلاء عليها و تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر.

و عرف  بندها الثالث: الجريمة الإرهابية بأنها أي جريمة أو مشروع يرتكب تنفيذا لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي، كما تعد من الجرائم الإرهابية المنصوص عليها في الاتفاقيات  ماعدا أسكنته منها تشريعات الدول المتعاقدة أو التي لم تصادق عليها.  

كما نصت المادة الثانية على أن الجرائم الإرهابية و لو ارتكبت بدافع سياسي لا تعد من الجرائم السياسية و بالتالي يجوز تسليم مرتكبها و هذا متفق عليه مع اتفاقية تسليم المجرمين العربية لسنة 1952

غير أنه لا تعد جريمة حالات الكفاح بمختلف الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي و العدوان من أجل التحرر و تقرير المصير، وفقا لمبادىء القانون العربية.

 

 

و في تطبيق أحكام هذه الاتفاقية لا تعد من الجرائم السياسية و لو كانت بدافع سياسي الجرائم الآتية:

1- التعدي على ملوك و رؤساء الدول المتعاقدة و الحكام و زوجاتهم أو أصولهم أو فروعهم.

2- التعدي على أولياء العهد أو نواب رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات أو الوزراء في أي من الدول المتعاقد.

3- التعدي على الأشخاص المتمتعين بحماية دولية كالسفراء والدبلوماسيون بالدول المتعاقدة أو المعتمدون لديها.

4- القتل العمدي و السرقة المصحوبة بإكراه ضد الأفراد و السلطات أو وسائل النقل و المواصلات.

5- أعمال التخريب و الإتلاف للممتلكات العامة و الممتلكات المتخصصة لخدمة عامة حتى و لو كانت مملوكة لدولة أخرى من الدول المتعاقدة.

6- جرائم تصنيع أو تهريب أو حيازة الأسلحة أو الذخائر أو المتجرات أو غيرها من المواد التي تعد لارتكاب جرائم إرهابية

انتهت الاتفاقيات الأمنية في الدول العربية إلى أن إرهاب هو استعمال القوة ضد الأنظمة مهما كانت الدوافع.

 

مفهوم الإرهاب في التشريعات الداخلية :

 عرفت دول أوروبا الغربية على وجه الخصوص سلسلة من القوانين الخاصة التي تجرم الإرهاب و تعتبره بمثابة جريمة خاصة (1)

  


(1)                - من بين هذه القوانين: للقانون الألماني الصادر في 19 ديسمبر 1986، و القانون أسباني الصادر في 4 جانفي 1984، و القانون الفرنسي رقم 86/1020 الصادر 9 سبتمبر 1986، و القانون الإيطالي رقم 179 الصادر في 26 نوفمبر 1985 أنظرعبدا لله سليمان المقدمات الأساسية في القانون الجنائي الدولي , ص : 224 .

 

 

 

 

 

 و قد اتسمت هذه القوانين بعدة سمات أهمها:

1- مواجهة جرائم إرهاب بأقصى أنواع العقوبات مع استفاد أن يستفيد إرهابي من أية مزايا يكن أن يستفيد منها أي مجرم آخر كالإفراج المشروط ووقف تنفيذ الحكم و العفو و رد اعتبار.

  2- التوسع في تجريم الأعمال الإرهابية لتشمل حتى الأعمال التحضيرية التي لا يجرمها عادة القانون العام.

  3- منح السلطات التنفيذية سلطات استثنائية واسعة فيما يخص إلقاء القبض و الاستجواب، و التوقيف و التفتيش و الترحيل و الإبعاد.

4- مواجهة الإرهابيين بإجراءات استثنائية واسعة و سريعة، و تشمل جواز إطالة مدة الحبس الاحتياطي و الاعتقال إداري و غيرها من الإجراءات غير المسموح بها في نطاق جرائم القانون العام.

  5-منع اعتبار الإرهاب جريمة سياسية و استبعاد تطبيق مبدأ عدم تسليم الإرهابيين و تدعو إلى التضامن في محاربتهم.

    فقد حدد المشرع الفرنسي في القانون رقم 86-1020 مجموعة من الجرائم و أخضعها لنظام قانوني أكثر شدة إذا ارتكبت في ظروف معينة، معتبرا أنه عند ما تكون الجرائم متعلقة بمشروع فردي أو جماعي بقصد الإضرار الجسيم بالنظام العام عن طريق بث الخوف أو الرعب تتحرك الدعوى الجنائية و يتم التحقيق و المحاكمة وفقا لقواعد صارمة و تلك الجرائم تتعلق بتصنيع الأسلحة و المؤن الحربية و المواد المتفجرة و تركيب و تصنيع و حيازة و تخزين و نقل الأسلحة البيولوجية و السامة و غيرها(1).

و هو نفس التعريف الذي جاء به قانون العقوبات الجديد رقم 96/686/8 غير أنه إشترط أن يتوفر فيها القصد الخاص و أضاف إليها الجرائم  الخاصة بالبيئة كالتلوث، و شدد العقوبات لهذه الجرائم بدرجات معينة.

  


(1)- موقع الإنترنت الإرهاب في التشريعات العالمية

 

كما أخضع المشرع المصري الجرائم الإرهابية لإجراءات خاصة و أخرجها من الجرائم التي تتقادم الدعوى الجنائية الخاصة بها، و جعل الاختصاص القضائي للنظر في جرائم الإرهاب لمحكمة أمن الدولة العليا بدائرة محكمة استئناف القاهرة.

    أما المشرع الجزائري فإنه لم يعرف الجرائم الإرهابية إلا بصدور المرسوم التشريعي 92/03 المتعلق بمكافحة التخريب و الإرهاب و إعتبرها في كل مخالفة تستهدف أمن الدولة و السلامة الترابية و إستقرار المؤسسات و سيرها العادي عن طريق أي عمل غرضه بث الرعب و خلق جو إنعدام الأمن من خلال الإعتداء على الأشخاص أو تعريض حياتهم أو أمنهم أو ممتلكاتهم للخطر أو عرقلة حركة المرور أو حرية التنقل في الطرق و الساحات , الإعتداء على المحيط و على وسائل المواصلات و النقل و الملكيات و العمومية و الخاصة و الإستحواذ عليها أو إحتلالها دون مسوغ قانوني , و تدنيس القبور أو الإعتداء على رموزالجمهورية و كذلك عرقلة عمل السلطات العمومية أو حرية ممارسة العبادة و الحريات العامة و سير المؤسسات المساعدة للمرفق العام و عرقلة سير المؤسسات العمومية و الإعتداء على حياة أعوانها أو ممتلكاتها أو عرقلة تطبيق القوانين و التنظيمات .

و قد أفرد لها إجراءات خاصة و جعل الإختصاص  ينظرها للمجالس القضائية الخاصة التي أنشأت بموجب هذا المرسوم كما شدد العقوبات المقررة للجرائم التي تعد في مفهوم المرسوم إرهابية أو تخريبية و حتى بعد إلغاء المرسوم التشريعي بموجب الأمر 95/11 و إدماج الجرائم الإرهابية في قانون العقوبات فإن تعريف الجرائم الإرهابية لم يتغير , و يلاحظ أن المشرع في هذا التعريف لم يختلف مع غيره من المشرعين من خلال إعتماده على معيار الغرض من إرتكاب هذه الجرائم المتمثل في :

-                    - بث الرعب و الفزع من جهة و إستهداف النظام من خلال المساس بإستقرار المؤسسات , و هي المعايير التقليدية التي إعتبرت أن جوهر الإرهاب يكمن في حالة الرعب التي تمكن من عرض سيطرة لتحقيق هدف معين فكل الوسائل في السلوك الإرهابي تسعى إلى نشر الخوف و إشاعة الرهبة بقصد تحقيق هذا الهدف الذي قد لا يظهر دائما في الحال , بل غالبا ما يكون موجها نحو المستقبل , و سيتم تفصيل ذلك عند التطرق إلى أركان الجريمة الإرهابية .

الفرع الثاني: علاقة الإرهاب بالجريمة المنظمة ومختلف الجرائم   

                                  المشابهة لها: 

 

قد يختلط الإرهاب في الأذهان مع ظاهرة أخرى من إعمال العنف التي تتفق معه في بعض الخصائص إلا أنها تختل معه اختلافا جوهريا في بقية الخصائص.

وبالرغم أن التعريفات السابقة كافية للتعبير عن ظاهرة الإرهاب وتمييزها عما عداها إلا انه من الأفضل إجراء مقارنة بين الإرهاب والظواهر التي تشترك معه في بعض الميزات فيشيع الخلط بينها وبينه ونتناول ذلك فيما يلي:

1/ - الإرهاب والجريمة المنظمة

           أ/ - أوجه الشبه:    

  تتمثل في تشابه هياكلها التنظيمية وطبيعتها العابرة للحدود، ووسائلها غير المشروعة باستخدام القوة ونهب الأموال والابتزاز والتزوير والتزييف والاتجار غير المشروع في السلاح والمخدرات والصفقات غير المشروعة وتبييض الأموال.

بالنسبة للروابط القائمة بين الإرهاب والجريمة المنظمة في الواقع الميداني فقد تجسدت في انخراط المنظمات الإرهابية في أعمال الجريمة المنظمة عند إجبار المزارعين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها على زراعة نبات الكوكا المخدر في أمريكا الجنوبية.

      - تبنت عصابات الجريمة المنظمة في أمريكا الجنوبية فلسفة سياسية حيث أصبحت تستهدف الاستيلاء على السلطة مستخدمة عمليات الاغتيال.

-مع نهاية الموجة الإرهابية في ايطاليا سنة1980 خاصة في أعقاب حادث الذي تم فيه تفجير سكة حديد بولونيا انتقل عدد كبير من عناصر الإرهاب اليميني إلى صفوف إحدى عصابات الجريمة المنظمة.  

أقامت عصابات الإجرام المنظم المتمثلة في الكارتلات الكولومبية روابط تعاونية متشابكة مع بعض الحركات التي تستخدم العنف مثل استخدام الفوات المسلحة الثورية الكولومبية وحركة19 أيلول رغم التعارض الإيديولوجي بينهما.


-مظاهر الدعم اللوجستيكي والمالي من طرف الإجرام المنظم للإرهاب، واضطلاعه بنقل عناصر التنظيمات الإرهابية عبر الحدود وتسليحه (1)  

         ب/  - أوجه الخلاف:

       على حين يسعى الإرهابيون إلى تحقيق غايات وأهداف سياسية والدعاية لقضيتم ومبادئهم عن طريق العنف، تعمل الجريمة المنظمة على تحقيق غايات وأهداف مادية بحتة ومنافع ومكاسب ذاتية.

. - الإرهاب يعمل بدافع معنوي يتمثل ي قناعته التامة بأنه يعمل من اجل مبدأ أو فكرة مشروعة من وجهة نظره بينما يسعى المجرم في حالة الجريمة المنظمة إلى إشباع حاجة في نفسه تدفعه-عه دائما إلى ارتكاب المزيد من الجرائم كالحاجة إلى الاستحواذ على المال والممتلكات والكسب المادي والميل إلى السطو وارتكاب أعمال العنف وإراقة الدماء.

      - الإرهابيون يعترفون بأفعالهم ويرفضون تسميتها بالجرائم أما الجماعات المنظمة فتستعمل كل الوسائل للدفاع عن نفسها.

     - بالنسبة للجريمة المنظمة فإنها عادة ما تترك تأثيرا نفسيا له نطاق   محدد وعادة ما يتجاوز نطاق ضحايا العمليات الإرهابية ليؤثر في سلوك الضحايا المحتملين الأخيرين بهدف تعديل سلوكهم أو ممارسة الضغوط عليهم للتخلي عن قرار أو موقف

أو ظهار الكيان السياسي القائم بمظهر الضعف و العجز عن القيام بوظائفه لحماية

  


(1) - مجلة الشرطة العدد 74 نومبر2004 عن مجلة الدراسات الأمنية عدد 19/2002 بتصرف

المجتمع و المواطنين مما يضعف من مكانته و يقلل من عادته داخليا أو خارجيا (1).

 

2- الإرهاب و الحركات التحررية .

           إن حق حركات التحرر الوطني باللجوء إلى استعمال القوة سعيا وراء حق شعوبها ي ممارسة تقرير مصيرها لا يثير أي سؤال عندما يتم توجيه استعمال هذه القوة ضد أهداف عسكرية ضمن أراضي الدول المحتلة أو المستعمرة بل إن استعمال هذه القوة ضد أهدا عسكرية ضمن أراضي الدول القامعة أو المحتلة أو المستعمرة بل إن استعمال هذه القوة ى علاقة له بمسألة إرهاب.

مادام سلوك المقاتلين من الطرفين تحكمه اتفاقيات جنيف و البروتوكولات المكملة لا عام 1977 لكن استعمال القوة من قبل الأفراد منتمين إلى حركات وطنية أو يعملون ب‘سما و نيابة عنها ضد أهداف مدنية خارج أراضي الدولة العدو فهو أمر يختلف تماما فاختلط الكفاح الوطني المسلح بإرهاب الدولي اختلاطا يصعب تفكيكه.

و مع ذلك يمكن الفصل في الحالتين في نقطتين .

1-        حركة المقاومة الشعبية تجرى عملياتها ضد عدو أجنبي فرض وجوده بالقوة العسكرية أما الأنشطة إرهابية فإنها عادة ما تواجه إلى أهداف محددة داخل المجتمع أو خارجه ليست كأهداف نهائية و لكن كسبيل للتأكيد على مضمون ما تسعى الجماعات الإرهابية إلى تأكيده في أوساط الحكومة أو نظام السياسي في مجتمع ما من المجتمعات.

 2- أنشطة المقاومة الشعبية المسلحة تتميز بالمشروعية بتأكيد مبادئ القانون الدولي و اتجاهات الفقهية الدولية المعاصرة و تبلورت تلك المشروعية بخبرة العمل الدولي في هذا الخصوص

  


- موقع الانترنت www.Mongoa.gov.ps/ arabic (1) -

 

- و يتمثل ذلك فيما ذهبت إلى تقريره المحاكم الوطنية و الدولية و ما صدر عن المنظمات الدولية من قرارات و توصيان في هذا الشأن . بينما تفقد الأنشطة الإرهابية طابع المشروعية سواء

2- يمكن القول أن الإعلام العالمي لحقوق الإنسان يدين في مادته الثلاثين الإرهاب الدولي لأنها تقرر أن { أية حكم في الإعلان لا يمكن تفسيره على انه يعطي لأية دولة أو فرد |أو مجموعة من الأفراد في القيام بنشاط أو عمل أو عمل يهدف إلى تحطيم الحقوق و الحريات الواردة في الإعلان.....} هذا الحكم تتضمنه المادة الخامسة من كل من ميثاق حقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و من ميثاق الحقوق المدنية اللتين أقرتهما الأمم المتحدة عام 1966 و المادة 17 من الاتفاقية الأوروبية من حقوق الإنسان و المادة 29 من الاتفاق الأمريكي لحقوق الإنسان.

بالنظر إلى القوانين أو مبادئ القانون الدولي حتى أن الإرهاب استثني بصورة مطلقة و أخرج من عداد الجرائم السياسية التي تكل لها القوانين بعض التميز عن سواها من الجرائم بالنظر إلى البواعث السياسية التي تحرك المجرم السياسي و تدفعه بالقيام بواجبة.

3 -الإرهاب و الجريمة السياسية: (1)

الجريمة السياسية تتوافر فيها العناصر التالية:

ا)- يقوم بها شخص أو مجموعة من الأشخاص على وجه منظم أو غير منظم.

ب)- هي جريمة منفصلة عن الأهواء و الأغراض الشخصية و يكون الدافع لارتكابها سياسي.

ج) – هي جريمة موجهة ضد الدولة أو النظام السياسي القائم و ما يتصل به من الهيئات و المؤسسات.

  


1- موقع الانترنت www.mangoa.gov.ps/arbic

 

- كل عمل إرهابي ينطوي على عنف له طابع سياسي بينما كل جريمة سياسية لا يشترط أن تنطوي على الإرهاب.(1)

  - أعمال الإرهاب عادة ما تحمل في طياتها أهدافا تتجاوز نطاق الفعل العنيف و تنطوي على رسالة يتم توجيهها من خلال العمل الإرهابي بقصد التأثير على قرار أو موقف معين للسلطة السياسية القائمة بينما الأمر ليس كذلك بالنسبة للجرائم السياسية.

  - تتضح التفرقة بصورة جلية في مقررات المؤتمرات الاتفاقيات الدولية التي عالجت القضايا المتعلقة بالجرائم السياسية و أعمال الإرهاب فوفقا لاتفاق الدولي المنعقد في جنيف 1937 لمكافحة الإرهاب فإن جرائم الإرهابيين لا تدخل في نطاق أو إطار الجرام السياسية و لا تمت إليها بأي صلة.

  - الإرهاب لم يدخل في عداد الجرائم السياسية في مقررات المؤتمر الدولي السادس لتوحيد قانون العقوبات بمدينة كوبنهاغن ( دانمرك ) 1935، كما لم تدخل الجرائم الإرهابية في عداد الجرائم السياسية في اتفاقية الجماعية لتسليم المجرمين المنعقدة بين الدول العربية عام 1953.

4 – الإرهاب و المتاجرة بالمخدرات: تخوض العصابات المنظمة للإرهاب من خلال كارتيلات المخدرات العمليات الإرهابية في الدول المنتجة بغرض حماية نشاطاتها و شن مسار اتخاذ القرار لدى السلطات.

           و من العمليات الإرهابية الشهيرة التي ارتكبتها العصابات الإجرامية الكولومبية اغتيال ثلاثة مشرحين للرئاسات و كذا وزير العدل و نائب عام في مجلس قضاء و زهاء أربعين صحفيا و ما لا يقل عن ألف و ثلاثة مائة شرطي، و ينبغي الإشارة إلى العلاقة الوطيدة بين الكرتيلات المخدرات و الحركات الإرهابية و ذلك لضمان أمن مناطق الإنتاج. (2)

  

 


(1) الإرهاب في القانون الجنائي , د. محمد مؤنس محب الدين , ص 81  المكتبة الأنجلوساكسونية

2- دراسة من إعداد بولعراس بوعلام و جبابلة فريد

 

أفغانستان التي تعد من بين أهم المناطق التي تنتشر فيها زراعة الخشخاش و الحفيون و اتخذت حكوماتها قبل سنة 1977 موقفا صارما ضد المزارعين وأجبرتهم على إتلاف المحاصيل لكن مع صعود الطالبات إلى سدة الحكم سنة 1996 أعيد الاعتبار لتجارة الحفيون و حتى أضحت الحركة الأصولية التي تبث توريطها في عمليات إرهابية عديدة في مناطق مختلفة من العالم تراقب حوالي 97/° من الأراضي المزروعة.

ففي سنة 1999، أنتجت أفغانستان 4600 طن من الحفيون أي ما يعادل 460 طن من الهيروين مقابل 2600 طن سنة 1996. فيما ارتفعت مساحة المزروعة نسبة 50/° إذ بلغت 91000 هكتار مما سمح لأفغانستان بإنتاج 75/° من الحفيون المنتشر في العالم برقم أعمال يبلغ 100 مليار دولار أمريكي.

و قد أدرك زعماء الحرب في هذا البلد الآسيوي أهمية زراعة المخدرات فتحولوا إلى منتج لها بحيث تمول حرب العصابات من الأموال التي تدرها عليهم و ظلت تلك الممارسة قائمة إلى أن قرر زعماء الطالبان منع زراعة المخدرات إثر اتفاق تم توقيعه في جويلية 2000 بين الحركة الأصولية و المنظمة الدولية لمراقبة تجارة المخدرات.

   المطلب الثاني : أركان الجريمة الإرهابية .

  يعتبر الإرهاب أبرز صور العنف السياسي في مجال العلاقات الإنسانية لذلك أصبح عنصرا فعالا في عملية إتخاد القرار السياسي داخليا و دوليا , فهو و إن كانت دوافعه إديولوجية إجتماعية , ثورية أو سياسية , فهو يتميز عن الجريمة السياسية بما يبثه من رعب في النفوس يتعدى به حدود رقعة معينة , أو حدود إقليم دولة محددة .

 لقد تفاقمت ظاهرة إرتكاب الأعمال الإرهابية في السنوات القليلة الماضية و على نحو مختلف متخدة أشكالا و صور عدة حتى بدأ التخوف من أن ينعت هذا القرن بقرن العنف  (1)
و إنطلاقا من الخاصية المميزة للإرهاب و هي عنصر الرعب و كذلك الدرجة العالية من التنظيم و التخطيط التي أضفت عليه الصفة الدولية  نتطرق في هدا المطلب الى اركان الجريمة الارهابية و المتمثلة في الركن الشرعي , و المادي , و كذلك العنصر المعنوي . 
 
الفرع الاول/ الركن الشرعي :
 يقصد بمبدأ الشرعية الأساس القانوني للجريمة , أي النص القانوني الذي يجرم الفعل و يعاقب عليه , ذلك أن الأصل في الأقعال الإباحة .
  و لذلك فإن التجريم و العقاب بحسب الأصل هو من إختصاص السلطة التشريعية بإعتبارها هي الممثلة لإرادة الشعب و يكون ذلك بموجب القوانين العقابية و القوانين المكملة لها.
غير أنه نظرا للصفة الدولية التي إكتسبتها بعض الجرائم الإرهابية , نادت الدول بضرورة إنشاء تجريم دولي للإرهاب.
غير أنه نظرا للإختلاف الإيديولوجي بين الدول عرفت الكثير من المشروعات الإتفاقية على المستوى الدولي و الإقليمي الفشل مثل مشروع روجرز و هو مشروع ميثاق دولي جامع ضد الإرهاب.و كذلك ميثاق جنيف 1937 الخاص بمنع و قمع الأعمال الإرهابية الذي عدد و جرم هذذه الأعمال كما خلق نظام للإختصاص العقابي الدولي , مع تدعيم نظام الإختصاص الوطني .فقد نجح هذا الميثاق بخلق جرائم ذات صفة دولية و تبني الإختصاص العالمي , و مبدأ عالمية قانون العقاب الذي يحول المحاكم الجنائية أهلية خاصة للإعتراف بجريمة يرتكبها أيا كان في أي دولة مهما كانت .
  


(1)       – الإرهاب في القانون الجنائي  , د .محمد مؤنس محب الدين , المكتبة الأونجلومصرية  , ص : 15 .

 

و قد أقر معهد القانون الدولي في دورة 1934 هذا المبدأ . و في إطار الحهود المبذولة من منظمة الأمم المتحدة و بمساعدة المنظمات المتخصصة , أمكن من إبرام إتفاقيات دولية عرفت نجاحا لا بأس به و لقد اعتبرت المواثيق النوعية الخاصة بخطف الطائرات أكثر المواثيق نجاحا في هذا الصدد بما تضمنته من إلتزامات محددة للدول الأطراف .

غير أن هذه الإتفاقيات و النصوص لم توفق في وضع الجزاءات الجنائية المناسبة , كما لم تحصل على إجماع دولي بشأن محطمة جنائية دولية تقوم بمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم الخطيرة و تركت مهمة محاكمة المخالفين و المرتكبين للمحاكم الوطنية .

و الأهم من ذلك هو أن هذه الإتفاقيات الدولية و الإقليمية لم توفق في وضع مفهوم موحد لما يقصد بالجريمة الإرهابية و لم تتفق بشأن الأعمال التي يجب تجريمها بوصفها أعمالا إرهابية .

لكن ما يمكن قوله أن هذه المعاهدات الشارعة نصت في مجملها على مجموعة من المبادئ :

-إعداد مشروع تفنين عام للجرائم المخلة بسلم البشرية و أمنها يبين المبادئ التي يمكن إستخلاصها من محاكمات نورمبرغ .و قد أسفر عمل هذه اللجنة :

1/ يسأل و يعاقب كل من يرتكب عملا يعد جريمة في القانون الدولي .

2/ إن عدم معاقبة القانون الداخلي عن الفعل الذي يكون جريمة في القانون الدولي لا يعفي مرتكبه من المسؤولية في القانون الدولي .

3/ إن مقترف الجريمة يسأل عنها في القانون الدولي و لو كان وقت إرتكابها يتصرف بةصقه رئيسل للدولة أو حاكما .

4/ لا يعفى من المسؤولية من إقترف الجريمة الدولية بناء على أمر صادر من حكومة أو من رئيسه إلا على شرط أن يكون لديه مكنة من الحرية و الإختيار

5/ لكل شخص متهم بإرتكاب جريمة دولية الحق في أن يحاكم محاكمة عادلة من حيث الوقائع و القانون .

 

في الجزائر: تطبيقا لمبدأ الشرعية و الذي يقتضي بأنه لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص , و في غياب النص الذي يجرم الأعمال الإرهابية التي عرفتها الجزائر في العقد الماضي , فإن مرتكبي الجرائم التي وصفت بعد صدور المرسوم التشريعي 92/03 حوكموا على أساس إرتكابهم جرائم ماسة بأمن الدولة أو جريمة العصيان المدني و ذلك أمام جهات القضاء العسكري .

أو أمام مجلس أمن الدولة , غير أنه تم و بموجب المرسوم التشريعي تعريف الجرائم الإرهابية و تم إعطاء الجرائم التي كانت ترتكب الوصف القانوني المناسب و ذلك مواكبة لما كان يحدث على الصعيدين الداخلي و الدولي , و ذلك حتى لا تختلط المفاهيم بين ما كان يعد جرائم سياسية و جرائم ماسة بأمن الدولة و ما أصبح يحدث  من جرائم الإرهاب و التخريب . فصدر المرسوم التشريعي 92/03 المؤرخ في 25/02/1995 المتعلق بمكافحة الإرهاب و التخريب , و الذي جرم و عاقب على الأفعال الإرهابية و ذلك لأول مرة , ثم صدر الأمر 95/11 المعدل و المتمم لقانون العقوبات و قد ألغى هذا الأمر المرسوم التشريعي 92/03 غير أنه في الحقيقة أدمج أحكام المرسوم التشريعي في قانون العقوبات , و ذلك في المواد 87 مكرر  إلى 87 مكرر 10 و قد إعتبر المشرع العقابي الجرائم الإرهابية جنايات , و هو ما نصت عليه كل من الإتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب في المادة 4 على إعتيار للجرائم المبينة فيها جنايات و المادة 2 من الإتفاقية الإفريقية لمنع و مكافحة الإرهاب .

و قد إعتبر المشرع العقابي الجرائم الإرهابية , و هو بذلك يساند ما نصت عليه الإتفاقيات المكافحة للإرهاب حيث نصت المادة 4 من الإتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب على إعتبار الجرائم البينة فيها جنايات وما نصت عليه  الإتفاقية الإفريقية لمكافحة الإرهاب في مادتها 2 و يمكن القول أن المشرع في إطار تجريمه الإرهاب

شدد عقوبة بعض الجرائم عندما ترتكب أحد الأهداف و الأغراض المنصوص عليها في المادة 87 مكرر من جهة .

و جرم أفعالا لم تكن معروفة في إطار القانون العقابي العام .

 

 

الفرع الثانى/ الركن المادي :


نصت المادة 87 مكرر على أنه يعتبر فعلا إرهابيا أو تخريبيا , في مفهوم هذا الأمر كل فعل يستهدف أمن الدولة و الوحدة الوطنية و السلامة الترابية و إستقرار المؤسسات و سيرها العادي  عن طريق أعمال و تصرفات يمكن تقسيمها إلى تصرفات تستهدف الأموال , أو تستهدف الأشخاص , أو تهديدات مختلفة , و يتكون الركن المادي من :

أ / السلوك الإجرامي : و قد يتمثل في

·  إعتداءات على الأموال .

·  تدمير المحلات العامة , البنوك , المخازن .....

·  الحرائق العمدية في أماكن معينة .

·  المتفجرات في الطرق العامة , مقاهي , محلات كبرى , دور سينما ...

·  تدمير وسائل و طرق المواصلات .

·  أعمال السرقة , النهب و التخريب .

·  إعتداءات على الأشخاص .

·  تصرفات ضد حرية الأشخاص : خطف , إحتجاز رهائن لدفع فدية أو تنفيذ عمل .

·  تصرفات ضد السلامة الجسدية للأشخاص و هذه قد تكون :

إما بمناسبة تنفيذ إعتداءات على الأموال مباشرة ضد أشخاص معينين ( كإغتيال شخصية معينة ) .

·           أخذ الرهائن : و الذي قد يكون جماعي ( طائرة , قطار , حافلة أو محل ) أو فردي ( سفلرة أو مكان عام ) .

و قد يتمثل السلوك الإجرامي في حالة تهديدات مختلفة من إستعمال ( البكتيريا و نشر الأوبئة , و التهديدات النووية بنسف المراكز النووية ) .

 

 

الفرع الثالث/الركن المعنوي :

يتمثل الركن المعنوي في الإرادة و العلم .

1/ العلم : أي أن الجاني عالم أن صحاياه أبرياء لا علاقة لهم يالأشخاص الذين يستهدفهم قراره فهو بتصرفه ينوي الضغط على جماعة ثانية و هذا قصد جنائي خاص .

2/ الإرادة : أي إتجاه إرادة الجاني إلى إثارة الفزع و الهلع في نفوس الأفراد مع تعمده إحداص ذلك .

 غير أن السؤال المطروح هو إن الجريمة الإرهابيى تتطلب لقيامها توافر قصدو خاص . إن القصد الخاص في الجرائم الإرهابية يختلف عن القصد في جرائم القانون العام .

غير أن الجرائم الإرهابية تتميز بكون المشرع و خروجا عن القاعدة التي تقتضي عدم الإعتداء بالدافع من إرتكاب الجريمة .أجذ به , و لكن الإعتداء بالدافع يكون من أجل تمديد العقوبة .

و الدافع في الجرائم الإرهابية هو إما

 دافع سياسي : يتعلق يالنظام السياسي و يوجه ضد الدولة أو مؤسساتها أو ممثليها أو تنظيماتها السياسية أو شكلها الدستوري .

أو دافع إجتماعي : يستهدف تحقيق إيدولوجية أو مذهب إجتماعي أو إقتصادي يتعلق يالتنظيم الإجتماعي و الإقتصادي (1) .

  


(1) – الإرهاب في القانون الجنائي –ص 58 .

 

 
 

 

الفصل الثاني : آليات متابعة الجريمة الإرهابية .


      إن ظاهرة الإرهاب في بداية إنتشارها إمتدت في حدود أقاليم محددة و إستهدفت إما قلب النظام الحاكم أو نشر الخوف و الرعب , مما أدى إلى حالة لا أمن و لا سكينة في أوساط تلك الأقاليم و أقاليم أخرى .

و أمام هذا الخطر فإنه كان من الضروري إتخاد التدابير اللازمة لردع مرتكبي هذا النوع من الأفعال و القضاء على الظاهرة , فبادرت أغلب الدول إلى سن تشريعات خاصة لمواجهة هذا النوع من الجرائم و مكافحته , في حين إكتفت دول أخرى بالنص عليها في قوانينها العقابية كغيرها من جرائم القانون العام , و لم تستثنها بإجراءات خاصة .

      غير أنه نظرا للبعد الدولي الذي إتخدته الجرائم الإرهابية و درجة التنظيم العالية و كذا الخطورة التي إتسمت بهما و لا سيما بعد أحداث 11/ 09/ 2001 و كذا تفجيرات مدريد, فقد أجمعت الدول على ضرورة التكتل قصد إيجاد طرق تعاون فعالة لمكافحة هذه الجريمة , وهو ما جسدته الإتفاقياتالعديدة التي أبرمتها تلك الدول فيما بينها , وما خلصت إليه بعض المنظمات الدولية و الجهوية من توصيات و قرارات التي نصت في مجملها على ضرورة إلتوام الدول بالتعاون و التنسيق فيما بينها من أجل منع إرتكاب هذا النوع من الجرائم , وتفكيك شبكاتها . و قد صادقت الجزائر على معظم هذه الإتفاقيات و أخدت بأغلب التوصيات و أدرجتها في القولنين الداخلية .

      و سنبين فيما يلي إجراءات المتابعة الخاصة التي فرضتها الجزائر فيما يتعلق بالجرائم الإرهابية , و بعدها نبين كيف تتعاون الجزائر مع الدول الأخرى لمتابعة الجرائم الإرهابية .

 

 

 

 

 

المبحث الأول :اجراءات متابعة الحريمة الارهابية في التشريع الحزائري

 

      لم يكن المشرع الجزائري يعرف الجرائم الإرهابية في قانون العقوبات لذلك فإن الجرائم التي إرتكبت قبل صدور التحريم الخاص كيفت على أنها جرائم سياسية حوكم البعض منها أمام مجلس أمن الدولة أو أمام جهات القضاء العسكري بتهم التحريض على العصيان المدني , غير أنه و أمام وحشية الأعمال الإرهابية التي إستهدفت مختلف فئات المجتمع , حاول المشرع و في سبيل مكافحتها و القضاء عليها خلق نوع من رد الفعل الردعي و الصارم فشرع لها قواعد إتسمت في بدايتها بنوع من الشدة و القساوة و ذلك بمنح صلاحيات واسعة و إستثنائية للضبطية القضائية , و كذلك للجهات القضائية المختصة بمتابعتها .

      و بناء على ما سبق ذكره أعلاه فإننا إرتأينا أن نتناول في هذا المبحث السلطات الخاصة التي منحها المشرع للجهات القضائية و كذا المصالح الضبطية القضائية و ذلك بتتبع التطور الحاصل في موقف المشرع الجزائري و الذي يمكن تقسيمه إلى مرحلتين متميزتين تتعلق الأولى بمرحلة المرسوم التشريعي رقم92/03 الصادر في 30/09/1992 و المتعلق بالتخريب و الإرهاب أين تم إخضاع الجريمة إلى قانون خاص بها ,في حين تتعلق المرحلة الثانية بالأمر 95/10 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات الجزائية الصادر بتاريخ 25/02/1995 أين تم إدماج القواعد الخاصة بمتابعة الجرائم الإرهابية في قواعد القانون العام .

 

المطلب الأول :الإجراءات الخاصة في إطار المرسوم التشريعي 92/03.

      لقد عرف المشرع الجزائري الجرائم الإرهابية لأول مرة في هذا المرسوم كما أنه عدد و ذكر مختلف الأعمال التي تعد من قبيل الأعمال التخريبية و الإرهابية و حدد تبعا لذلك العقوبات المقررة لها من جهة كما حدد من جهة أخرى الجهات القضائية

 

المختصة لمتابعة و نظر الدعاوي العمومية المتعلقة بها و في هذا السياق جهات خاصة أوكلت إليها مهمة التحقيق و المتابعة في مثل هذه الجرائم كما تضمن هذا المرسوم قواعد موضوعية و أخرى إجرامية تختلف عن القواعد الإجرائية التي تخضع لها الجرائمو المقررة في القواعد العامة و هذا من نواحي شتى نذكرها فيما يلي :

الفرع الأول :من حيث السلطات الممنوحة للضبطية القضائية .

      يعتبر البحث و التحري عن الجرائم و ضبط مرتكبيها أهم دور منوط بعناصر الضبطية القضائية الذين يعتمدون في مجال الجرائم الإرهابية من أجل مكافحتها و القضاء عليها على أساليب و وسائل خاصة في التعامل مع المشتبه فيه كإستخدام قوة الذاكرة و الصبر و الذكاء و تحليل الأقوال و المعلومات التي تصل إليهم بالإضافة إلى تنسيق العمل على المستوى الوطني من أجل الحصول على المعلومات الكافية حول مختلف الجماعات المسلحة لا سيما من حيث تحديد نقاط تحريكها و أماكن الاتصال فيما بينها و طرق الإنخراط فيها و كذلك الطرق المستعملة للحصول على وثائق ضرورية لإثبات هوية عناصرها لتسهيل إفلاتهم من المتابعة , بالإضافة إلى إعتماد أساليب حديثة في التحري و التحقيق و كذا إنشاء فرق خاصة بمكافحة الإرهاب تتلقى في هذا الصدد تكوينا خاصا يسمح لها بالقيام بهذا العمل .

      و تحفيفا للغرض المنشود و المتمثل في القضاء على ظاهرة الجرائم الإرهابية نص المرسوم 92/03 في المادة 19 منه عند التطرق إلى التحقيق الإبتدائي على فكرة تمديد إختصاص ضباط الشرطة القضائية إلى كامل التراب الوطني في إطار البحث و التحري و معاينة المخالفات المنصوص عليها في الفصل الأول و التي يقصد بها المخالفات التي تستهدف أمن الدولة و السلامة الترابية و إستقرار المؤسسات و سيرها العادي .

 

 

 

كما أنه تجدر الإشارة إلى أن المادة المذكورة أعلاه تنص على أن ضباط الشرطة القضائية و عناصر الضبطية القضائية بصفة عامة يعملون تحت رقابة النائب العام لدى المجلس القضائي المختص إقليميا و الذي يخطر وكيل الجمهورية المختص في جميع الحالات .
      و تسهيلا لضباط الشرطة القضائية للقيام بالدور المنوط به في مجال الجرائم الإرهابية على الوجه المطلوب مكنهم المرسوم 92/03 و ذلك بعد الحصول على رخصة من النائب العام لدى المجلس القضائي المختص أن يطلبوا من كل عنوان أو لسان حال أو سند إعلامي نشر إشعارات أو أوصاف أو صور تخص أشخاص يجري البحث عنهم أو مطاردتهم .
      و نظرا لحضور الجرائم الإرهابية فقد إستثنى المشرع في المرسوم 92/03 بموجب المادة 21 منه تطبيق بعض الأحكام الإجرائية المتعلقة بجرائم القانون العام على الجرائم الإرهابية و ذلك في إطار القيام بعمليات التفتيش إذ أنه لا تطبق الأحكام المتعلقة بأوقات و شروط القيام بالتفتيش و المنوه عنها بالمواد 47,45من قانون الإجراءات الجزائية على هذا النوع من الجرائم و فضلا عن ذلك فقد نصت المادة 22 من نفس المرسوم على تمديد مدة الحجز تحت النظر المبينة بالمادة 65 من قانون الإجراءات الجزائية إلى أن تصل إلى غاية 12 يوم في مجال الجرائم الموصوفة على أنها أعمال إرهابية ,إلا أن الملاحظ أن هذه المدة تعتبر طويلة و مبالغ فيها كما أنها تتعارض مع مقتضيات المادة 09 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية و السياسية و التي تنص على : (أن أي شخص يقبض عليه يجب أن يمثل سريعا أمام السلطات القضائية ).
 

                الفرع الثاني : الإستثناءات الخاصة بالتحقيق .

       بعد إنتهاء عناصر الضبطية القضائية  من إجراءات البحث و التحري الأولية اللازمة يكونون ملفا يضم مختلف المحاضر التي تم تحريرها أثناء قيامهم بمهامهم و لا سيما محضر المعاينة , محاضر سماع الشهود و المتهمين والضحايا , محاضر ضبط أدلة الإقناع , ثم يقدم الملف المذكور إلى وكيل الجمهورية الذي هو على إتصال مسبق بالوقائع موضوع البحث و التحري الأولي ليقوم بتحريك الدعوى العمومية و مباشرتها سواء كان ذلك ضد مجهول أو ضد شخص مسمى أو عدة أشخاص عملا بسلطة الملاءمة المخولة له قانونا و في هذا الإطار يحرر مطلبا إفتتاحيا للتحقيق , يحال الملف بموجبه إلى قاضي التحقيق المختص لمباشرة إجراءات التحقيق الذي يعتبر وجوبيا في مثل هذه الأحوال عملا بمقتضيات المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية

      و نظرا لخصوصية الأفعال الموصوفة على أنها أعمال إرهابية فقد إنعقد الإختصاص للنظر في الدعاوى العمومية المتعلقة بها إلى مجالس قضائية خاصة وذلك عملا بالمرسوم التشريعي 92/03 الذي نص في المادة 11 على أنه : (تحدث ثلاث جهات قضائية تدعى مجالس قضائية خاصة للإطلاع على المخالفات المنصوص عليها في الفصل الأول أعلاه ) .

      كما أنه أوكل الإختصاص للتحقيق في مثل هذه الجرائم لجهات تحقيق خاصة و ذلك في المادة 34 منه و التي أنشئت لدى كل مجلس قضائي خاص عرفه الأكثر للتحقيق على أن يعين  قضاة التحقيق من بين قضاة الحكم كما هو الشأن في مجال جرائم القانون العام , هذا و يمارس قاضي التحقيق المعين في المجلس القضائي الخاص فضلا عن الصلاحيات و السلطات المخولة له بموجب قانون الإجراءات الجزائية سلطات إستثنائية تم النص عليها في القسم الثاني من الفصل الثالث من المرسوم 92/03 في المواد 23 إلى29 منه و تتمثل في سلطة التفتيش و الحجز ليلا و نهارا في أي مكان على إمتداد التراب الوطني بالإضافة إلى إمكانية الأمر بذلك لضباط الشرطة القضائية المختصين كما خولت المادة 23 من المرسوم في فقرته الثانية لقاضي التحقيق إتخاد تدابير أخرى أو الأمر بأي تدابير تحفظية إما بقوة القانون , أو بناء على طلب من النيابة العامة أو إلتماس من ضابط الشرطة القضائية.

      و السؤال الذي يمكن طرحه في هذا الصدد هو كيف أعطي لمشرع الضبطية القضائية إمكانية التدخل في مرحلة التحقيق بإلتماس إتخاد تدابير معينة , مع أن

القواعد العامة تقتضي تدخل وكيل الجمهورية لمراقبة إجراءات التحقيق للضبطية القضائية التي إنقطعت صلتها بالملف ما دام حول على جهات التحقيق .

      كما أضاف المشرع في المادة 25 إستثناء آخر عما جاء في قانون الإجراءات الجزائية يتمثل في جواز الإستغناء عن البحث الإجتماعي حول المتهمين و كذا الإستجواب الإجمالي في الجرائم للإرهابية , و هما إجراءان وجوبيان بحسب الأصل في مادة الجنايات , و لعل المشرع قصد من هذا الإستثناء تمكين قاضي التحقيق من إنهاء التحقيق في الآجال التي حددها المرسوم و هي ثلاثة أشهر , و فضلا عن ذلك , و خلافا لما هو معمول به في الأحوال العادية فقد حدد المرسوم التشريعي لقاضي التحقيق مدة ثلاث أشهر لإختتام التحقيق إبتداء من تاريخ إخطاره الأمر الذي قد يؤثر على فعالية التحقيق .

*مراقبة التحقيق :يختص بمراقبة التحقيق على مستوى المجالس الخاصة غرفة المراقبة ة التي تتكون من رئيس و مساعدين إثنين , و يمارس مهام المدعي العام قاضي من قضاة النيابة العامة و لغرفة مراقبة التحقيق نفس إختصاصات غرفة الإتهام , و يتعلن عليها حسب المادة 27 من المرسوم إصدار قرارها بالإحالة خلال شهر واحد إبتداء من إخطارها , و تعتبر قراراتها غير قابلة للطعن .

 

           الفرع الثالث : إختصاص المجالس القضائية الخاصة .

لقد كانت غاية المشرع من وضع تجريم خاص للجرائم الإرهابية هي القضاء عليها و رضع مرتكبيها منعا لتطورها , و لذلك أنشأ بموجب المرسوم التشريعي 92/03 المتعلق بمكافحة التخريب و الإرهاب مجالس قضائية خاصة يؤول لها الإختصاص بمحاكمة  مرتكبي هذه الجرائم .

      و تتشكل هذه المجالس من خمسة قضاة من بينهم رئيس و أربع مساعدين غير أن المرسوم لم ينص على رتب القضاة المنوطة بهم هذه المهمة كما يعين رئيس و من

ثلاثة إلى عشرة مساعدين على سبيل الإستخلاف و ذلك وفق نفس الشروط التي يتم بها تعيين الرئيس و المساعدين و ذلك بموجب مرسوم رئاسي لا يتم نشره .

إضافة إلى تعيين النائب العام بمرسوم رئاسي كمدع عام من بين قضاة النيابة العامة فضلا عن إنشاء كتابة الضبط لدلى المجلس القضائي الخاص , و التي يعين كتابها بقرار من وزير العدل .

و للمجلس القضائي الخاص كامل الصلاحية و الإختصاص للنظر في القضايا المتعلقة بالجرائم الإرهابية أو التخريبية التي تستهدف أمن الدولة , و إستقرار المؤسسات و كذا المساس بأمن المواطنين و ممتلكاتهم ......., لإعتبار أن الدعاوى التي ترفع أمام جهات قضائية غير المجلس القضائي الخاص يفصل فيها بعدم الإختصاص , كما تتخلى هذه الجهات عن القضية بقوة القانون  ( أخضعها المشرع للنظام العام ) أو  بطلب من النيابة العامة  لدى المجلس القضائي الخاص .

      كما ينظر المجلس القضائي الخاص في القضايا الإرهابية أو التخريبية التي يرتكبها القصر البالغين من العمر 16 سنة كاملة  , مع إستفادتهم من تطبيق المادة 50 ع .

و تكون جلسات المجلس القضائي الخاص علنية مع إمكانية عقدها في جلسة مغلقة لجزء أو كل المرافعات إذا طلبت النيابة ذلك , أو أن يقرر المجلس القضائي الخاص تلقائيا عقدها بصفة مغلقة . و يكون لرئيس المجلس القضائي الخاص السلطة التقريرية في إتخاد أي إجراء يراه مناسبا فصد إظهار الحقيقة .

      و قد نص المشرع في المادة 36 من المرسوم التشريعي 92/03 على إمكانية التأسيس كطرف مدني أمام المجلس القضائي الخاص أو المطالبة بالحقوق المدنية .

فضلا عن ما جاءت به المادة 33 المتعلقة بإستبعاد تطبيق المادتين 307 من قانون الإجراءات الجزائية , 309 من قانون الإجراءات الجزائية  في مجال الجرائم الإرهابية أو التخريبية و اللتان تخص الإقتناع الشخصي للقاضي و إجراءات المداولة كسريتها بالتصويت في أوراق سرية بواسطة إقتراع على حدى ..., و هو مانراه في نظرنا يتناقض مع ما جاء به قانون الإجراءات الجزائية في عدم الإعتماد على الإقتناع الشخصي للقاضي المرتبط بما يدور في الجلسة .

      و أن نص المادة 33 من نفس المرسوم بعد إستبعادها لتطبيق المادة 309 من قانون الإجراءات الجزائية لم تأت بطريقة أخرى بديلة يعتمدها القضاء لجميع الأصوات قصد توقيع الإدانة أو منح البراءة على أساسها , و هو فراغ وقع فيه المشرع الجزائري .

      و بالنسبة  للقرارات التي تصدر غيابيا عن المجلس القضائي الخاص فهي قابلة للإعتراض و تخضع لأحكام المادة 409 من قانون الإجراءات الجزائية . و القرارات التي تصدر حضوريا تكون قابلة للطعن بالنقض أمام المحكمة العليا التي تنظر و ثيت فيها في مهلة شهرين من تاريخ إخطارها بالقضية . و إذا رأت المحكمة العليا نقض القرار فإنها تحيل القضية إلى نفس المجلس القضائي الخاص مشكل تشكيلة أخرى أو تحيلها إلى مجلس قضائي خاص آخر , و في هذه الحالة الأخيرة نطرح تساؤلا : متى نكون أمام إحالة القضية إلى المجلس القضائي الخاص غير الذي بث في القضية سابقا ؟.      و على المجلس القضائي الخاص البت في القضايا المحالة إليه و الحكم فيها خلال الشهر الذي يلي قرار الإحالة من غرفة مراقبة التحقيق .

      إستنادا إلى المادة 29 من المرسوم التشريعي 92/03 التي ألزم المشرع القضاة للفصل في القضايا خلال مهلة محددة و هو ما لا نجده محددا في الجرائم العادية , و هي خطوة تحمل إيجابيات ليكون القاضي ملزما في الفصل خلال المهلة و لا يعتمد على التأجيلات المتكررة , و سلبيات إذا كثرت على القضاة فتأخد مسرى مبدأ الفصل فيها دون البحث عن الحقيقة أو عن نوعية تسبيب الأحكام .

 

      غير أن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان () و كذلك بعض المنظمات غير الحكومية وجهت عدة إنتقادات إلى الجزائر بشأن عدم شرعية التوقيف , و كذا طول مدة الحجز تحت النظر من جهة و كذلك عدم إحترام القواعد المعترف بها دوليا فيما يخص المعادلة التي تقتضي محاكمة الأشخاص أمام جهات القضاء العام و هو ما جعل المشرع في 1995 يلغي المرسوم التشريعي 92/03 الذي جاء كرد فعل سريع و إستثنائي  لمواجهة هذه الجرائم .

و ذلك بإصدار الأمر 95/10 الذي أدمج الإجراءات الخاصة بالجرائم الإرهابية في قانون الإجراءات الجزائية .

 

المطلب الثاني :مرحلة إدماج القواعد الخاصة بمتابعة الجرائم الإرهابية ضمن قواعد القانون العام.

 

كما سبق أن ذكرنا , فإنه نظرا للإنتقادات التي وجهت إلى نظام القضاء عند بداية مواجهة الظاهرة الإرهابية  صدر الأمر 95/10 المؤرخ في 25 فبراير 1995 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات الجزائية . و الذي ألغي من جهة المرسوم التشريعي رقم 92/03 المتعلق بمكافحة التخريب و الإرهاب , وعدل من جهة أحكام قانون الإجراءات الجزائية ة بقراءة نصوص التعديل نجد أنه لحق كلا من مرحلة التحريات , التحقيق ,و المحاكمة .

و يعتبر الأمر 95/10 أول خطوة إنتهجها المشرع الجزائري في إطار إدماج الأحكام الخاصة بمكافحة الإرهاب ضمن القواعد الجزائية العامة .

و قد لحقه تعديل 01ـ 08 المتعلف بتمديد مدة الحبس المؤقت بالنسبة لهذه الجرائم , و كذلك القانون 14 ـ 04 الذي نص على أحكام خاصة بتقادم هذه الجرائم , و كذذلك تمديد إختصاص كل من وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق .

و فيما يلي سنتناول هذه التعديلات , و السلطات الإستثنائية المخولة للجهات القضائية و كذا مصالح الضبطية .

 

الفرع الأول : التعديلات المتعلقة بمرحلة التحريات

يمكن في البداية أن نقول بأن المشرع في الأمر 95/ 10 قد أقر سلطات واسعة لضباط الشرطة القضائية في سبيل القضاء على الظاهرة الإرهابية .

و تشمل أهم التعديلات التي تضمنها الأمر النقاط التالية :

أ/ ـالإختصاص المحلي لضباط الشرطة القضائية .

فإنه بموجب المادة 03 من الأمر مدد إختصاص  ضباط الشرطة القضائية تلقائيا و دون إذن مسبق من النيابة إلى كامل التراب الوطني إذ أصبح لهم فضلا عن الإختصاص العادي المقرر في المادة 16 من قانون الإجراءات الجزائية  إختصاص وطني عندما يتعلق الأمر بالبحث و التحري عن الجرائم الموصوفة بالأفعال الإرهابية , شرط إعلام النيابة بذلك مسبقا , كما نصت المادة 4 من الأمر المتممة للمادة 17 من قانون الإجراءات الجزائية على تمكين ضباط الشرطة القضائية بعد ترخيص من النائب العام المختص إقليميا مطالبة وساءل الإعلام بنشر إعلانات أو أوصاف أو صور المشتبه فيهم للقيام بأعمال إرهابية .

      و نلاحظ أن هذه السلطة تعد مظهرا من مظاهر خرق الحريات العامة المحمية دستوريا , و التي تمس بشكل مباشر بقرينة البراءة المكرسة قانونا , وهي تناقض بذلك ما جاء في المادة 11 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية على سرية الإجراءات و التحري و التحقيق في الجرائم العادية كل ذلك و دون الإضرار بحقوق الدفاع .

ب/_ سلطات ضباط الشرطة القضائية :

      على خلاف ما نصت عليه المادة 45من قانون الإجراءات الجزائية من ضمانات هامة في مرحلة البحث و التحري عن الجريمة ,عندما يتعلق الأمر بعمليات التفتيش فإن ضباط الشرطة القضائية و هم بصدد التحري عن جرائم إرهابية غير ما المادة 45 في شأن التفتيشات التي يقومون بها , و هو ما قررته المادة 7 من الأمر .

       كما أنه فيما يخص الحجز تحت النظر فإن المادة 8 نصت على أنه لضباط الشرطة القضائية أن يوقف للنظر أي شخص مشتبه فيه لمدة لا تتجاوز 12 يوما , إذا تعلق الأمر بأفعال موصوفة إرهابية  .

      و ما يمكن الإشارة إليه  إلى أن إلغاء المرسوم التشريعي 92/03 كان شكليا فحسب ,حيث أن صلب المادة 22 منه أبقى عليها في التعديل الحاصل .

 

الفرع الثاني : السلطات الإستثنائية لجهات التحقيق .

       بعد  إلغاء المرسوم التشريعي 92/03 فإن الجهات القضائية المختصة بالمتابعة أصبحت جهات القضاء العادية , و بذلك رجع الإختصاص بالتحقيق و إلى جهات التحقيق العامة .

مع منح قاضي التحقيق سلطات واسعة في التحقيق في الجرائم الإرهابية و تتمثل هذه السلطات في :

أصبح لقاضي التحقيق بموجب المادة 47 الجديدة حق التفتيش ليلا و نهارا عبر كامل التراب الوطني دون إحترام للمادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية بإستثناء ما يتعلق بالحفاظ على السر المهني .

كما خولت الفقرة الثانية من نفس المادة لقاضي التحقيق إتخاذ تدابير تحفظية  تلقائيا أو بناء على طلب من النيابة العامة بهدف حفظ أدلة الجريمة .

أ/ _ في ميدان الحبس المؤقت :

      فقد نصت المادة 25 من قانون الإجراءات الجزائية  من القانون 01_08 أنه لقاضي التحقيق تمديد الحبس المؤقت خمس مرات وفق الأوضاع التي جاءت بها المادة 125 فقرة 1 ة ذلك إذا تعلق الأمر بجنايات موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية , و بذلك أصبحت المدة تصل إلى 36 شهرا ة يمكن أن نطبق على الجرائم الإرهابية العابرة للحدود الوطنية الفقرة 2 من المادة 125 مكرر من القانون 01_08 و بذلك يكون لقاضي التحقيق أن يمدد الحبس إحدى عشرة مرة و بذلك تصل مدة الحبس في هذه الحالة إلى 60شهرا .

و إذا قارنا مدة الحبس المؤقت التي كان معمول بها في ظل القانون السابق بحيث كانت لا تتجاوز 16 شهرا في جميع الجنايات دون إستثناء , و المدة التي إلى36 شهرا أو 60 شهرا حسب الحالة , فإننا نخلص إلى أنها مدة مبالغ فبها و هي تتعارض مع الهدف من الحبس المؤقت الذي يعتبر إجراء إستثنائيا هذا من جهة , و من جهة أخرى فإنها لا تتماشى و مبادئ حقوق الإنسان التي تسعى إلى حمابة حرية الأفراد و تقديسها , و في هذا الصدد فإن اللجنة الوطنية للحقوق المدنية و السياسية إعتبرت حبس المتهم إحتياطيا أكثر من 6 أشهر مدة طويلة جدا و لا تتنافي مع المادة 09/03 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية .

و تجدر الإشارة إلى نقطة غاية في الأهمية أضافها المشرع في التعديل الأخير لقانون الإجراءات الجزائية الذي تضمنه القانون 04 _ 14 المؤرخ في 10/11/2004 جواز تمديد الإختصاص المحلي لكل من وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق و جهات الحكم و ربط تطبيق هذا الإجراء بصدور تنظيم يبين ذلك, غير أن هذا التنظيم لم يصدر بعد مما يعني إستمرارية العمل بالنص القديم .

 

الفرع الثالث : قواعد إختصاص القضاء الجزائي الجزائري عن الجرائم الإرهابية المرتكبة في الخارج .

الأصل أن ينعقد الإختصاص القضائي للجهات القضائية الجزائرية إذا إرتكبت الجريمة الإرهابية أو أحد العناصر المكونة لها في إقليم الجمهورية ,و هو ما يعرف بمبدأ الإقليمية ,  كما ينعقد الإختصاص أيضا للقضاء الجزائري إذا كان مرتكب الجريمة الإرهابية جزائري الجنسية و هو ما يسمى بمبدأ الشخصية , و إذا كانت الجريمة الإرهابية  مرتكبة في الخارج يهدف المساس بأمن الدولة الجزائرية , فينعقد الإختصاص للقضاء الجزائري أيضا تطبيقا لمبدأ العينية , و بالإضافة إلى هذه المبائ المقررة في قانون الإجراءات الجزائية , هناك مبدأ آخر لم يأخد به هذا القانون و لكن جاءت به مختلف الإتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر و المتعلقة بمكافحة الجريمة الإرهابية و هو مبدأ الإختصاص العالمي .

 

1 ) مبدأ الإقليمية : ينعقد الإختصاص للقضاء الجزائي الجزائري في متابعة و محاكمة مرتكب الجريمة الإرهابية ,سواء كان جزائريا أو أجنبيا متى إرتكبت على إقليم الجمهورية . و تعد الجريمة الإرهابية جريمة مرتكبة في الإقليم الجزائري إذا كان عملا من الأعمال المميزة لأحد أركانها المكونة لها قد تم في الجزائر طبقا للمادة 586 من قانون الإجراءات الجزائية .

كما ينعقد الإختصاص للفضاء الجزائري على الجرائم الإرهابية المرتكبة على ظهر السفن أو على متن الطائرات .

أ _ الجرائم المرتكبة على ظهر السفن : تكون الجهات القضائية الجزائرية مختصة بالنظر في الجرائم الإرهابية المرتكبة على ظهر السفن التي تحمل الراية الجزائرية و مهما كانت جنسية مرتكبيها إذا إرتكبت في عرض البحر , و كذلك تختص بالجرائم الإرهابية المرتكبة على ظهر سفينة تجارية أجنبية متواجدة في بناء جزائري (1) , و من ثمة لا ينعقد الإختصاص لقضاء الجزائري بالجنسية للجرائم العادية المرتكبة على ظهر سفينة عسكرية أجنبية متواجدة في ميناء جزائري و ذلك تطبيقا لمبدأ السيادة . من هذا المنطلق  نطرح السؤال التالي : هل نطبق نفس القاعدة على الجرائم الإرهابية ؟

بالرجوع إلى مختلف الإتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر و من بينها الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب و إتفاقية الأمم المتحدة لقمع تمويل الإرهاب نجدها قد نصت على أن الدولة الطرف في الإتفاقية تلتزم إما بتسليم المجرم المرتكب للجريمة الإرهابية ة تقرير ولايتها القضائية , و من ثم إذا تم القبض في الجزائر على مرتكب الجريمة الإرهابية التي تمت على ظهر سفينة عسكرية تحمل الراية الأجنبية , تمكن للجزائر أن تسلمه للدولة التي تطلبه و إذا رفضت التسليم تلتزم بمتابعته و محاكمته وفقا لنصوص الإتفاقيات .

ب _ الجرائم المرتكبة على متن الطائرات : ينعقد الإختصاص للقضاء الجزائري للنظر في الجرائم الإرهابية المرتكبة على متن طائرات جزائرية مهما كانت جنسية مرتكبها كما تختص أيضا بالنسبة للجرائم الإرهابية المرتكبة على متن طائرات أجنبية إذا كان الجاني أو المجني عليه جزائري الجنسية , أو إذا هبطت الطائرة في الجزائر بعد وقوعها (2) .

 

2 ) مبدأ الشخصية :طبقا للمادة 582 من قانون الإجراءات الجزائية تختص الجهات القضائية الجزائرية بالنظر في الجرائم الإرهابية المرتكبة في الخارج من طرف جزائريين , و ذلك بشروط :

أ- أن يعاقب القانون الجزائري على الجريمة الإرهابية ( جناية ) .

ب_ أن يكون مرتكبها جزائري الجنسية سواء إكتسبها قبل إرتكاب الجريمة أو بعدها  (1) .

ج_ أن يعود الجاني إلى الجزائر .

د_ أن لا يكون قد حكم عليه نهائيا في الخارج و أن لا يكون في حالة الحكم بالإدانة قد قضى العقوبة أو سقطت عنه بالتقادم أو حصل على العفو .

 

المبحث الثاني: متابعةالجرائم الإرهابية في إطار الإتفاقيات الدولية .   

 

            بدأت ملامح التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب مند 1937 و جسدت في إتفاقية جنيف الخاصة بقمع و مكافحة الإرهاب المبرمة في إطار عصبة الأمم و التي لم تدخل حيز النفاد لعدم المصادقة عليها من طرف الدول , و تبعتها عدة اتفاقيات أبرمت سواء في إطار المنظمات الدولية أو الإقليمية ودلك لإقتناع الدول بضرورة مواجهة هده الظاهرة التي أخذت طابعا دوليا عابرا للأوطان,وأن الإكتفاء بالعمل بصفة منفردة و معزولة عن العالم غير كاف من اجل إستئصالها خاصة بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 التي مست نيويورك و واشنطن ,وكذلك سلسلة التفجيرات التي مست مختلف عواصم العالم , حيث إنقلبت على إثرها نظرة الدول التي كانت تعتبر نفسها غير معنية بظاهرة الإرهاب و دعت على التكتل و التعاون الدولي من أجل متابعة مرتكبي الجرائم الإرهابية و توقيع أشد العقوبات عليهم .

      و قد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 45/117 المتضمن المعاهدة النموذجية بشأن تبادل المساعدة في المسائل الجنائية و كدا تعزيز التعاون الدولي في مجال العدالة الجنائية (1).

      و كذلك القرار 23 المتعلق بالأعمال الإجرامية ذات الطابع الإرهابي الذي إتخذه المؤتمر السابع للأمم المتحدة لمنع الجريمة و معاملة المجرمين و طلب فيه من جميع الدول أن تتخذ ما يلزم من خطوات لتعزيز التعاون و لا سيما في مجال       المساعدة القانونية . .

      ولدلك نجد أن الجزائر لم تتوان عن المصادقة على  الإتفاقيات الدولية أو

الإقليمية المتعلقة بمكافحة الإرهاب مثل إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المعتمد من طرف الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في 15/11/2000 (2) و كدا البروتوكولات الملحقة بها إتفاقية قمع تمويل الإرهاب التي اعتمدتها منظمة الأمم المتحدة بتاريخ 9/12/1999 (3) , و الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب المعتمدة بتاريخ 22/04/1998 (4)  , وإتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لمنع الإرهاب و مكافحته المعتمدة بتاريخ 14/07/1999 (5) .......             و تكمن أهمية دراسة متابعة و قمع الجرائم الإرهابية على ضوء الإتفاقيات

الدولية في محاولة إيجاد الطرق القانونية لتطبيق هده الإتفاقيات من طرف القاضي الجزائري على هدا النوع من الجرائم بالتحديد , خاصة أمام وجود المبدأ الدستوري الذي تقضي به المادة 132 من دستور 96 على أن ‍المعاهدات المصادق عليها تسمو على القانون .

هو الشيء الذي سوف يتم التطرق إليه في هدا المبحث .

 
  

(1) :نزيه نعيم شلالا :الإرهاب الدولي والعدالةالجنائية منشورات الحلبي الحقوقية ص 137 .

(2):نفس المرجع نفس الصفحة .

(3):صادقت عليها الجزائر بموجب ا لمرسوم الرئاسي رقم 02/55 المؤرخ في:

(4),(5):‌صادقت عليها بموجب المرسوم الرئاسي رقم 2000/444 المؤرخ في:23/12/2000 ج ر عدد 01  

المطلب الأول:التحريات الأولية.

    تعد التحريات الأولية التي تقوم بها أجهزة الأمن ( شرطة ,درك , أمن عسكري....)مرحلة أساسية و مهمة من مراحل متابعة و قمع الجرائم ,و لا سيما الجرائم  الإرهابية ,حيث أنها تساهم بشكل كبير و فعال في الكشف عن هده الجرائم   و القبض على مرتكبيها  و كذلك منع وقوعها وهو ما يسهل و يفعل عمل جهاز

القضاء .

    و  قد نظمت المواثيق الدولية و الإقليمية و كذلك الثنائية على إلتزام الدول بتجسيد التعاون الأمني و تعزيزه . و دلك في  مجال تبادل المعلومات و أيضا في إطار التحري (1) إد تلتزم الدول في هدا السياق بالإخبار عن الأعمال الإرهابية و تبادل المعلومات بشأنها و غيرها من الإتصالات التي تتم عبرالتنظيمات فيما بين

الدول.

    الفرع 1 : مجالات التعاون الدولي في إطار التحريات .

      لقد حددت كل إتفاقية مجال التعاون و التنسيق بين الدول في التحري عن الجرائم الإرهابية و الكشف عن مرتكبيها , و قد نصت على سبيل المثال الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب (2) و كذلك إتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لقمع و مكافحة الإرهاب (3) على انه تلتزم الدول الأطراف طبقا لتشريعاتها الداخلية و إجراءاتها الوطنية بتبادل المعلومات حول :

   *الأعمال و المخالفات المرتكبة من الجماعات الإرهابية ,مسيريها,أفرادها,و قواعدها,أو مخيمات تدريبها,وسائلها,مصادرها و تمويلها و شراء الأسلحة و الدخيرة و المتفجرات المستعملة,و كل وسيلة في حوزتها.

   *الطرق و تقنيات الاتصال,الدعاية المستعملة من الجماعات المسلحة ,سلوك هده الجماعات ,حركات مسيريها وأفرادها و كذلك وثائق سفرهم .

كما تلتزم الدول الأطراف بتبادل المعلومات  التي يمكن  أن تؤدي إلى :

   *القبض على كل شخص متهم أو محكوم عليه لإرتكابه عملا إرهابيا ضد مصالح دولة طرف أو ضد مواطنيها أو لمحاولة إرتكاب مثل هدا العمل أو لكونه شريكا أو آمرا .

   *حجز أو مصادرة أي نوع من تن الأسلحة,الدخائر,المتفجرات,أو أي تنظيم أو رأسمال ,أو أي عتاد آخر ممستعمل لإرتكاب أو بنية إرتكاب عمل إرهابي.

  


       و الغاية من هذا التعاون في النهاية هي الحيلولة دون وقوع مثل هذه الجرائم , والكشف عنها قبل  إرتكابها بالدرجة  الأولى .أما في  حالة وقوعه فليتعجل تفكيك هذه الشبكات و القبض على  عناصرها .

       غير أنه تعتبر المواثيق النوعية الخاصة بخطف الطائرات المواثيق الأكثر نجاحا في هذا الصدد بما تضمنته من إلتزامات واضحة , محددة و واجبة التنفيذ (1) حيث ألزمت نصوص ميثاقي لاهاي , و مونتيريال الدولة التي إحتجزت أو تحفظت على  المتهم أو الفاعل لأحد الجرائم الواردة في المادة الأولى من  كل ميثاق أن تخطر فورا الدولة المسجلة للطائرة بالفعل الذي تعرضت إليه و أن تخطر كذلك الدولة التي يحمل الفاعل جنسيتها و أن تنقل لهما ظروف الحادث و نتائجه و آثره , كما ألزمت الدولة بإخطار منظمة الطيران المدني الدولي بكل المعلومات .

      كذلك فإنه من واجب الدول إبلاغ المؤسسات و المعاهد الدولية بكل ما يتعلق بأفعال الإستيلاء غير المشروع , و تكلف هذه الأخيرة بتجميع كافة المعلومات الخاصة بظروف هذه الجرائم , ونتائجها , وآثارها , و كل ما وصلت إليه الإجراءات الجنائية فيها (2) .

      و الجدير بالذكر هو أن مجال المعلومات يعتمد أساسا لنجاحه على الكفاءة و المصداقية , والثقة المتبادلة بين أطراف المنظومة الدولية , و يتطلب في المقام الأول بناء قاعدة بيانات مركزية تكفل السرية (3) .

      غير أن تقديم المساعدة في مجال إجراءات التحري و القبض على الهاربين من المتهمين , أو المحكوم  عليهم بجرائم إرهابية يتم وفقا لقوانين و أنظمة كل دولة (4) . و هذا تطبيقا لمبدأ سيادة الدولة على إقليمها .

 الفرع 2 :طرق التعاون الدولي في مجال التحري عن الجرائم الإرهابية .

      إن التعاون الأمني بين الدول لمنع و مكافحة الجرائم الإرهابية أضحى إلتزاما على كل دولة طرف في إتفاقية من الإتفاقيات الدولية أو الإقليمية المكافحة للإرهاب , و هذا التعاون يتجسد بطريقين :

       الأول : الطريق الديبلوماسي :و ذلك عن طريق التعامل المباشر بين الدول الأطراف في إتفاقية ما , و تختلف إجراءات التعاون بين الدول بحسب موقع كل منها من الجريمة , فالدولة التي وقعت فوق إقليمها الجريمة أو ترتب عليه آثارها , و الدول التي يعتقد أن يكون الفاعل قد هرب إليها تلتزم بإبلاغ كل الدول الأخرى بالمعلومات التي جمعتها و بتصرفاتها الخاصة في الجريمة و غيرها من الإجراءات , كما لها الخيار أن تبلغ الدول الأخرى عن طريق وسيط وهو السكرتارية العامة للمنظمة التي أبرمت في إطارها الإتفاقية (5).

 

      الثاني : عن طريق المنظمة الدولية للشرطة الجنائية : تساهم المنظمة في مجال الوقاية و المنع , فوظيفتها إذن مزدوجة , لكن تعاونها ليس نظاما منهجيا بل يجب طلبه من المكتب المركزي الوطني في الدولة الطالبة , و بعد دراسة الطلب و فحص القضية , تقرر الأمانة العامة إمكانية التعاون من عدمه . فالمادة 3 من النظام الأساسي

للمنظمة تمنع تدخلها في أي مسألة أو قضية بأي شكل ذات صفة سياسية , أو عسكرية ,أو عقائدية , أو عنصرية .       

 

المطلب الثاني : الإنابة القضائية الدولية .

     قد يتعذر على جهة التحقيق الوطنية إتمام إجراءات التحقيق في قضية إرهابية لوجود عناصر ضرورية فيها خارج إقليم الدولة , وهذا نظرا للبعد الدولي في الجرائم الإرهابية , وهو الحال بالنسبة للإرهاب الذي مس الجزائر , ولقي دعمه , و ملاذه لدى أخرى .

      و لذلك و حتى لا يعرقل التحقيق المتخد في إحدى الدول , وحتى لايبقى مرتكبوا هذه الجرائم في منأى عن العقاب , فقد نصت الصكوك الدولية _ و المصادق عليها في الجزائر _ على آليات إستكمال التحقيق خارج إقليم الدولة بالتنسيق و بإعانة الدولة التي يراد إتمام التحقيق على إقليمها .

      و قد نصت كل من إتفاقية الأمم المتحدة , لمكافحة الإجرام المنظم العابر للحدود , و كذلك الإتفاقية الإفريقية , و الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب على أن لكل دولة متعاقدة القيام في إقليمها نيابة عنها بأي إجراء قضائي متعلق بدعوى ناشئة عن جريمة إرهابية (1) .

     فما هي الشروط و الإجراءات الواجب إحترامها في طلب الإنابة القضائية و ما هي مجالات إصداره و طريقة تنفيذه و أثرها.

      الشروط الإتفاقية لطلب الإنابة القضائية الدولية : يكفي لكي يوجه القاضي الوطني طلب تنفيذ إنابة قضائية إلى جهات قضائية أجنبية يراد إستكمال إجراءات التحقيق لديها أن تكون كلا الدولتان ( الطالبة و المطلوبة ) طرفا في إحدى المعاهدات الدولية أو الإقليمية الخاصة بمكافحة و قمع الإرهاب , أو وجود إتفاقية ثنائية بين الدولتين للتعاون القضائي و القانوني .

      غير أنه يجوز للدولة المطلوبة رفض طلب التنفيذ في الحالات التالية :

 *إذا كان الطلب من شأنه المساس بسيادة الدولة المكلفة بتنفيذه , أو أمنها أو النظام العام فيها .

 *إذا كانت الجريمة موضوع الطلب محل إتهام أو تحقيق أو محاكمة لدى الدولة

المطلوب إليها تنفيذ الإنابة .  

     *أن يتعلق الأمر بجرائم إرهابية كما تعرفها الإتفاقية عندما يكون الطلب تم بناء على إتفاقية مكافحة الإرهاب .

 

(2) :المادتين :14 من الإتفاقية الإفريقية لمكافحة و قمع الإرهاب , 15 من الإتفاقية العربية .

و لا يجوز رفض تقديم المساعدة أو رفض تنفيذ الطلب حسب ما نصت عليه م 12 ف2  

من الإتفاقية الأممية لقمع تمويل الإرهاب , و م 16 من الإتفاقية الإفريقية بالتذرع بسرية المعاملات المصرفية .

مجالات طلب الإنابة القضائية :لقد تضمنت أغلب الإتفاقيات المكافحة للإرهاب , الإجراءات التي يمكن أن تطلب قضاة دولة طرف _عن طريق السلطة المعنية في الإتفاقية _ إستكمالها داخل إقليم الدولة المكلفة , وهذه الإجراءات هي (1) .

 * سماع شهادة الشهود و الأقوال .

 *          الوثائــــــق القــــــضــــائيــة .

 *تـنفـــــيذ عملـــــيات التــــفـــتــــيش و الحــجــز .

          .  *إجــراءات المـعايـــــنة و فـحـص الأشــيــاء

 * الحصول على المستندات أوالوثائق أو السجلات اللازمة أو نــــســخ مصدقة منها .

       و قد أضافت م 14 من الإتفاقية الإفريقية لمكافحة الإرهاب قضلا عن الإجراءات السالفة الذكر أنه يجوز طلب فتح تحقيق قضائي و الحبس المؤقت , و إجراء أبحاث و كذلك حجوز , مصادرات .

إجراءات الإنابة القضائية الدولية : لم تتضمن كل الإتفاقيات الدولية المكافحة للإرهاب و هي إتفاقيات شارعة الشكليات  و الإجراءات التي يخضع لها تنفيذ طلب الإنابة القضائية و ترك الأمر غالبا لمبادرات الدول إما بإبرام إتفاقيات ثنائية أو جماعية للتعاون القضائة و القانوني (2) أو وفقا لتشريعاتها الداخلية بحيث تسهل المساعدة القانونية .

      غير أن الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب تضمنت في عدة مواد هذه البيانات و الإجراءات , و ذلك على غرار الإتفاقية النموذجية للأمم المتحدة لتبادل المساعدة الجنائية .

*محتويات الطلب :نصت م 29 من الإتفاقية العربية على أن الطلب يجب أن يتضمن وجوبا :

ـ الجهة المختصة الصادر عنها الطلب .

ـ موضوع الطلب و سببه .

ـ تحديد هوية الطلب المعني بالإنابة .

ـ بيان        التي تطلب الإنابة

الفصل الثاني: قمع الجريمة الإرهابية و القضاء عليها في إطار التشريع الجزائري

 

ذهب المشرع الجزائري الى أبعد الحدود لحل مشكل تطور الجريمة الإرهابية، فقد أقر في مختلف النصوص القانونية المعتمدة على رسم استراتيجية قصد الحد من هذه الجريمة، واتخذ في البداية وسائل ردعية قمعية ، بوضع عقوبات صارمة كالتي جاء بها المرسوم التشريعي رقم 92-03، وبعدم تبين أن هذا التشديد بدون جدوى اتجه إلى اتخاذ تدابير و عقوبات مخففة للجزاءات التي سبقتها ، إلى أن توصل المشرع أخيرا إلى إعطاء حلول سياسية لتحقيق الوئام المدني، وذلك بإرساء المسامحة والجمع بين مختلف التيارات و التوجهات ، وإعادة إدماج المذنبين في المجتمع بالإعفاء عنهم ، و هاهو الآن يسير نحو المصالحة الوطنية عسى أن تكون امتدادا شاملا للوئام المدني .

        المبحث الأول: القواعد الموضوعية لقمع الجريمة الإرهابية

        المبحث الثاني: القضاء على الجريمة الإرهابية في إطار قانون الوئام المدني

المبحث الأول:القواعد الموضوعية لقمع الجريمة الارهابية.

مرت الجريمة الإرهابية في الجزائر بعدة مراحل، انعكست على النصوص التشريعية التي عالجتها ، فجاءت في البداية ردعية تحمل عقوبات صارمة  تضمنها المرسوم التشريعي 92-03 المتعلق بمكافحة التخريب والإرهاب، الذي حدد مفهوم هذا الفعل وجرمه ، وتشدد في عقاب مرتكبيه . و هذا لاستئصال هذه الظاهرة من مجتمعنا.

تلاه الأمر 95-11 المتمم لقانون العقوبات باعتبار أن الإرهاب لم يكن معالجا من قبل في قانون العقوبات، فجاء هذا الأمر لتجريمه وتضمن نفس المفاهيم التي وردت في المرسوم التشريعي 92-03 .

وبعده توالت النصوص القانونية التي خففت من حدة العقوبات المفروضة سابقا للوصول إلى نتائج أكثر فاعلية للحد من الجرائم التي كانت سائدة آنذاك، كالنصوص التي تضمنها الأمر 95-12 المتعلق بتدابير الرحمة والتي

تضمنت لأول مرة فكرة اللامتابعة بشروط معينة و أقر تدابير مخففة في حق الذين سلموا أنفسهم تلقائيا أمام السلطات، ولم يرتكبو جرائم قتل أو تفجيرات في أماكن عمومية .

وسندرس هذه النصوص بأكثر تفصيل في المطالب الآتيـــة : 

المطلب الأول : التدابير المقررة في ظل المرسوم المقرر لحالة الطواريء

 بالنظر إلى حالة اللااستقرار و اللاأمن التي عاشتها الجزائر خلال العشرية السابقة ، اضطرت الدولة إلى إعلان حالة الطوارئ لضمان أمن الأشخاص و الممتلكات و عدم المساس بالنظام العام، و ذلك بتحديد مدة حركة السير .

و قد حددت مدة الطوارئ ب: 12 شهرا على امتداد كامل التراب الوطني، يبدأ سريانها من 09/02/1992، مع إمكانية تمديدها قبل انتهاء ميعادها .

وفي إطار صلاحيات حكومية، نجد أن اختصاصها يمتد في حال وجود عراقيل أو تعطيل العمل التشريعي للسلطات العمومية، مع إمكانية اتخاذها كل الإجراءات التنظيمية قصد الوصول إلى تنفيذ ما جاءت به حالة الطوارئ من حفظ للنظام العام بالتنسيق مع عمل وزير الداخلية الذي له سلطة تحديد أو منع مرور الأشخاص في أوقات معينة لسلامتهم ، و يمكنه ( وزير الداخلية ) إنشاء مناطق الإقامة المنظمة لغير المقيمين، و الأمر الاستثنائي بالتفتيش ليلا أو نهارا .   

و كذا إمكانية إصدار قرار بالإغلاق المؤقت لمراكز الترفيه و أماكن الاجتماعات و منع المظاهرات ..... .

كما جاءت المادة 10 من نفس المرسوم بإمكانية إبلاغ المحاكم العسكرية بالجرائم الماسة بأمن الدولة مهما كانت صفة المحرضين على ارتكابها، دون أن توضح الجهة التي تقوم بإخطار المحاكم العسكرية .

و قد أضيفت للمواد الاثنا عشر المذكورة سابقا، مادتين مأخوذتين من المرسوم الرئاسي رقم 92-320 المؤرخ في 11/08/1992  المتمم للمرسوم 92-44، جاءتا لتحديد طريقة وقف النشاط للشركات، الهيئات..... والتي تعرض نشاطاتها النظام العام و السكينة العامة للخطر ، و ذلك بإصدار قرار وزاري .

وبعده صدر مرسوم تشريعي جاء تحت رقم 93-02 المتضمن تمديد حالة الطوارئ و المؤرخ في 06 جانفي 1993 ، لكنه لم يحدد مدة تمديد حالة الطوارئ وجعها مفتوحة الآجال .

وانطلاقا من عدم تجريم الظاهرة الإرهابية مسبقا في إطار قانون العقوبات لسنة 1966 ( الأمر 66-156 ) مؤرخ في 08 جوان 1966 الذي يخلو من نص تحديد مفهوم الجريمة الإرهابية أو التخريبية و كذا تجريمها ووضع جزاءات لها، مما اضطر المشرع إلى إصدار تشريع داخلي يجرم فيه هذا النوع من الجرائم و المتمثل في المرسوم التشريعي 92-03 المتعلق بمكافحة التخريب أو الإرهاب المؤرخ في 30/09/1992 ، و يعتبر أول تشريع داخلي يجرم و يحدد مفهوم الجريمة الإرهابية ومجالها، و هو تشريع له طابع خاص باعتباره يعالج مستجدات الجريمة الإرهابية التي أخذت مسارا رهيبا في التقتيل .

هذا المرسوم صنف الأفعال المجرمة و التي تدخل ضمن مفهوم الجريمة الإرهابية مع إعطائها العقوبات المقررة لمرتكبي هذا النوع من الجرائم . وحدد مفهومها في المادة الأولى منه بكونه كل مخالفة تستهدف أمن الدولة و السلامة الترابية و استقرار المؤسسات باعتبارها تقوم على أساس عرقلة عمل السلطات العمومية، و عرقلة حركة المرور و بث الرعب في أوساط السكان .

و نص على إنشاء المجالس القضائية الخاصة و دورها في قمع الجريمة .

رغم ما جاء به هذا المرسوم من ردع لارتكاب الجريمة الإرهابية بوضع عقوبات صارمة تحمي السلامة الجسدية للمواطنين و ممتلكاتهم و سلامة المؤسسات العمومية، إلا أنه لقي انتقادات من رجال القانون لكونه أنشأ مجالس خاصة لمحاكمة مرتكبي الجريمة الإرهابية ، و استبعد تطبيق المادتين 307 ا.ج ، 309 ا.ج .

و بعد تعديل قانون العقوبات تم إدماج مواد المرسوم التشريعي 92-03 بهذا القانون تحت رقم 95-11 المؤرخ فـي 25/02/1995 المتمـم لقـانون العقـوبات محـددا المـواد من 87 مكرر إلى غاية 87 مكرر الى غاية 87 مكرر10 من قانون العقوبات .

و قد ألغيت المادة 11 من المرسوم التشريعي 92-03 التي تنص على اختصاص المجالس القضائية الخاصة للفصل في القضايا الارهابية و نقل الاختصاص الى محكمة الجنايات على أساس المادة 248 إجراءات جزائية

( الأمر 95-10 المتمم لقانون الاجراءات الجزائية ).

كما ألغي العمل بالمرسوم التشريعي 92-03 تطبيقا للأمر 95-11 المؤرخ في 25/02/1995، انطلاقا من المادة

2 منه، مع أن المواد نفسها نجدها ضمن القانون العام مع بعض التعديلات .

و العقوبات المقررة على ضوء المرسوم 92-03 اختلفت بحسب نوعية المشاركة في الجريمة .

فالذي ينشئ، يؤسس، ينظم جماعة غرضها بث الرعب عقوبته السجن المؤبد ، و المنخرط أو المشارك في هذه الجماعات مهما كان شكلها فعليه حبس من 10 الى 20 سنة . و الذي يشيد أو يشجع بأية وسيلة السجن من 5 الى 10 سنوات وبغرامة من 10000 الى 500000دج .

أما الذي يعيد عمدا طبع أو نشر وثائق أو مطبوعات أو تسجيلات ، فعليه نفس العقوبة السابقة .

والذي يبيع أسلحة بيضاء أو يشتريها أو يستوردها أو يصفها يسجن مابين 5 الى 10 سنوات, يغرم من 10000الى 100000 دج .

ومن جهة أخرى فالجزائري الذي يتجند في الخارج في جماعة مهما كان شكلها و لو لم يرتكب أفعالا ضد الجزائر اذا ما أضرت هذه الأفعال بمصالح البلاد ، عقوبته السجن المؤبد .

و الذي يحوز سلاح ناري ، ذخيرة، مواد متفجرة أو يحملها أو يتاجر بها أو يستوردها أو يصنعها أو يصلحها دون رخصة من السلطة المختصة . 

المطلب الثاني : العقوبات المقررة ضد مرتكبي الجرائم الارهابية في ظل قانون العقوبات

من خلال المواد المتممة لقانون العقوبات نص المشرع على مفهوم الجريمة الارهابية التي اعتبرتها المادة 87 مكرر من ق.ع بأنها كل فعل يستهدف أمن الدولة و الوحدة الوطنية والسلامة الترابية و استقرار المؤسسات و سيرها العادي بالقيام بأعمال غرضها : بث الرعب في أوساط السكان بالاعتداء الجسدي أو المعنوي على الأشخاص ، عرقلة حركة المرور أو حرية التنقل، الاعتداء على رموز الأمة ، نبش القبور، الاعتداء على وسائل المواصلات و المساس بالملكية العمومية و الخاصة ، الاعتداء على المحيط باستعمال مواد تتسرب في الجو أو المياه ....... ، و عرقلة عمل السلطات العمومية و كذا السير العادي للمؤسسات العمومية .

من خلال هذه المادة نجد أن المشرع حسب ما أشار اليه الدكتور بوسقيعة قد استعمل لفظي يستهدف والغرض، فما الفرق الموجود بينهما حتى استعملها المشرع ضمن نقاط مختلفة فيما بينها .

و انطلاقا من المواد 87 مكرر ، و نجد أنها نصت على عقوبات أصلية مشددة و ذلك برفعها درجة واحدة مقارنة بالجزاءات المنصوص عليها في القانون العام و ذلك كالآتي :

عقوبة الاعدام في حالة ما اذا نص قانون العقوبات على السجن المؤبد .

السجن المؤبد في حالة ما اذا نص القانون العام على السجن المؤقت من 10 الى 20 سنة .

السجن المؤقت من 10 الى 20 سنة عندما تكون العقوبة المنصوص عليها في القانون هي السجن المؤقت من 5 الى 10 سنوات .

و تضاعف العقوبات بالنسبة للبقية .

و المشرع اعتبر في المادة 87 مكرر 2 أن العقوبة التي جاء بها قانون العقوبات و ذلك في حالة ارتكاب الجاني أفعال مرتبطة بالارهاب أو التخريب تخرج عن الأصنلف التي جاء بها في المادة 87 مكرر 2 أن العقوبة تضاعف عن العقوبة التي جاء بها قانون العقوبات وذلك في حالة ارتكاب الجاني أفعال مرتبطة بالارهاب أة التخريب تخرج عن الأصناف التي جاء بها في المادة 87 مكرر و كأنه يعتبر أن هذه الأصناف على سبيل المثال و ليست على سبيل الحصر ، و بالتالي جعل السلطة التقديرية للقاضي واسعة، رغم أن المبدأ في التشريع الجزائي هو تضييقها .

كما وضع المشرع من خلال المادة 87 مكرر 8 حدودا دنيا للعقوبة التي ينطق بها القاضي و منه منع القاضي تخفيف العقوبة مثل :

-أن لا تقل العقوبة عن 20 سنة في حالة ما اذا نصت العقوبة على السجن المؤبد .

-أن لا تقل العقوبة الصادرة على النصف في حالة ما اذا نصت العقوبة على عقوبة السجن المؤقت .

كما جاءت أحكام قانون العقوبات في المواد المتعلقة بالجريمة الارهابية بوجوب النطق بالعقوبة التبعية كالحجر القانوني و الحرمان من الحقوق الوطنية التي تطبق تلقائيا في حالة العقوبة الجنائية ( المادة 6 من ق.ع ) .

رغم أن قانون العقوبات في المادة 6 نصت على أن العقوبة الجنائية فما جدوى النص عليها في المادة 87 مكرر9     

و حدد المشرع العقوبة التبعية لمدة سنتين الى 10 سنوات مع أننا بالرجوع الى المادة 6 من ق.ع  لانجد هذا التحديد . و منه نصل الى أن المشرع وضع جزاءات صارمة و مضاعفة في اطار قانون العقوبات مقارنة بما جاء به ضمن الجرائم غير الموصوفة بأعمال ارهابية أو تخريبية و هو مسار تبعه المشرع لقمع الجريمة الارهابية و قلع جذورها من المجتمع الذي عرفها في أبشع صورها .

 

المطلب الثالث : التدابير المقررة في ظل قانون تدابير الرحمة

بتأزم الوضع خاصة في سنة 1993، 1994، فكر المشرع في ايجاد حلول أكثر ليونة من النصوص العقابية المشددة ، و ذلك بوضع تدابير مخففة نوعا ما للعقوبات و انساقها نحو اطار الرحمة التي تمس الارهابيين التائبين الذين وضعوا حدا لنشاطهم الارهابي، و هذه التدابير جاءت في شكل أمر رقم 95-12 المؤرخ في 25/02/1995 المتضمن تدابير الرحمة بناءا على الدستور من خلال المواد 74 ،8، 115 وفقا لأحكام المادتين :

52، 92 من قانون العقوبات .

و لهذا الأمر خاصية عدم المتابعة ضد من سلم نفسه تلقائيا للسلطات المختصة ( القضائية، الادارية، المدنية، العسكرية ) و هنا المشرع لم يذكرها بدقة و لم يحدد هذه السلطات و قيامه باشعارها عن توقفه عن أداء كل نشاط ارهابي أو تخريبي ، و هو ما جاء به نص المادة الأولى من الأمر 95-12، و تضمن هذا الأخير 12 مادة ، 3 فصول مقسمة الى فصل متعلق بتدابير الرحمة و الفصل الثاني خصه بالاجراءات و الثالث شمل أحكام خاصة .

و من خلال تدابير الرحمة التي اعتمدها المشرع نجد أنها تتعلق بعدم متابعة من انتمى الى احدى المنظمات أو الجماعات.... التي يكون غرضها بث الرعب في أوساط السكان، عرقلة المرور ، الاعتداء على رموز الأمة .

و على وسائل المواصلات، تدنيس القبور..... ( المادة 87 مكرر من قانون العقوبات ).

و كذا عدم متابعة من كان حائزا للأسلحة أو المتفجرات و سلمها الى السلطات .

و اشترط في التائب قصد عدم متابعته، ان لا يكون قد ارتكب جريمة قتل أو اصابة شخص بعجز دائم الى عقوبات مخففة ( المادة 4 من الأمر 95-12 ) .

و من الاجراءات التي تتخذها السلطات القضائية، الادارية ... تجاه المنتمين الى الجماعات الارهابية و الذين سلموا أنفسهم تلقائيا ولم يرتكبوا جرائم القتل، العجز الدائم لشخص ما، و الحائزين الأسلحة، المتفجرات و التي سلموها تلقائيا الى الجهات المختصة ، و عليها تسليمهم فورا وصل يسمى بوصل الحضور، و خلال أجل لا يتجاوز 30 يوما تسلم له وثيقة تتضمن عبارة مستفيد من تدابير الرحمة، اضافة الى اتخاذها لتدابير تحميه جسديا عند الضرورة .

و بالنسبة لمرتكبي جرائم القتل أو اصابتهم لشخص بعجز دائم و الذين تقدموا تلقائيا أمام السلطات ، فانهم حسب المادة 7 من نفس الأمر يحولون فورا الى المحاكم المختصة ليقدموا أمام وكيل الجمهورية، الذي يتعين عليه فورا تحرير محضر معاينة وتحريك ضدهم الدعوى العمومية .  

 

 المبحث الثاني : اعتماد قانون الوئام المدني كحل سياسي قصد القضاء على الجريمة الارهابية    

 

   رغم أن الأمر 95-12 المتعلق بتدابير الرحمة قدم توصيات مهمة من عفو و تخفيف للعقوبات المفروضة على المذنبين الذين أوقفوا نشاطهم الارهابي ، وتوصله لوضع  هدنة كالتي سعت اليها الجبهة الاسلامية  للانقاذ في أكتوبر 1997 من دون قيد ولا شرط بوقفها للتقتيل لمعرفة  و تحديد الجهة المرتكبة للمجازر الجماعية و التي بقيت تنشط بالرغم من هذه الهدنة و ارتكبت جرائم عديدة أبشعها المذابح الجماعية التي حدثت سنة 1997 خاصة منها  ما عرفته منطقة غليزان كمذبحة  مما أكد وجود جماعات أخرى تنشط الى جانب الجبهة.  وبالتالي فشلت هذه التدابيرفي استعادة الطمأنينة و الأمن بين الناس ، وهو ما دفع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بعد انتخابه سنة 1999 الى طرح مشروع تضمن محاولة اعادة روح التسامح بين المواطنين  وضعه في اطار قانوني سمي بقانون استعادة الوئام المدني مؤرخ في 13/07/1999 تحت رقم 99-08  و الذي طرح للاستفتاء الشعبي في 16/09/1999 ولقي تجاوبا مع مسعاه ، و هو ما ادى الى الغاء الأمر 95-12 المتعلق بتدابير الرحمة طبقا للمادة 42 من قانون 99-08 .

والهدف من هذا القانون حسب الخطاب الذي القاه رئيس الجمهورية في اليوم الموالي للاستفتاء هو اعطاء حلول ملائمة للمتورطين في التنظيمات الارهابية و منحهم فرصة الاندماج في المجتمع من جديد ، ووضع حد لاراقة الدماء و انتهاك الأعراض و تخريب المؤسسات والممتلكات ، اضافة الى أن هذا القانون لم يأت لمخاطبة العامة انما جاء موجها لفئة المتورطين في ارتكاب جرائم ارهابية و الذين أرادو توقيف نشاطهم الارهابي بكل اقتناع .

 

وفضلا عما جاء به قانون الوئام المدني من سكينة و طمأنينة و أمن بين المواطنين، الا انه باعتبارنا كقضاة متربصين و نحن كقانونيين ندرس التشريع وكقضاة نطبق أحكامه ارتأينا دراسة ومناقشة قانون الوئام المدني من الناحية القانونية و طرح اشكالات تطبيقه قصد التعمق في تحديد معالمه و النقائص التي ظهر بها ، اضافة الى اعتماد الأطروحات و التطبيقات التي جاءت بها المراسيم التنفيذية المطبقة له.

طرح قانون الوئام المدني أولا قاعدة عامة خاصة بالمستفيدين منه و التي تقضي بأن كل متورط بأعمال ارهابية

أو تخريبية يتقدم تلقائيا و يشعر السلطات المختصة بتوقفه عن كل نشاط ارهابي له أن يستفيد من أحد التدابير التي اقترحها المشرع في الفصول الثلاث : الثاني، الثالث و الرابع و هي :

         - الاعفاء من المتابعة .

         - الاستفادة من رهن الارجاء .

         - تخفيف العقوبات.

و قد أتبع كل تدبير من هذه التدابير الثلاثة بشروط يجب توفرها لتطبيقه استنادا الى اجراءاتها .

 

        

المطلب الأول : التدابير المنصوص عليها في قانون 99-08 .

 

قانون الوئام المدني 99-08 جاء بثلاث حالات المذكورة أعلاه، واعتبر أن كل حالة مستقلة عن الأخرى، أي على السلطات اتخاذ تدبير واحد من هذه التدابير الثلاث ، و أكد على وجوب توفر الشروط التي يستفيد بها المتورط التائب من أحدها.

فبالنسبة لتدبير الاعفاء من المتابعة : اضافة الى تطبيق القاعدة العامة التي جاء بها هذا ابقانون ، اشترط المشرع  في المستفيد من هذا التدبير:

- أن يكون قد انتمى الى احدى المنظمات المذكورة في المادة 87مكررمن ق.ع : ( استهداف أمن الدولة و مؤسساتها و الوحدة الوطنية .............................. بغرض بث الرعب بين السكان ، الاعتداء على رموز الأمة ، الاعتداء على وسائل المواصلات ..........).

- لم يرتكب جريمة في اطار المادة 87 مكرر من ق.ع  سببت عجزا دائما أو اغتصابا ، أو الاعتداء بالمتفجرات في أماكن عامة أو يتردد عليها الجمهور .

- اشعار السلطات المختصة بتوقفه عن كل نشاط ارهابي خلال مهلة 6 أشهر من يوم صدور القانون .

و من حاز الأسلحة ، المتفجرات أو وسائل مادية و قام بتسليمها تلقائيا ضمن نفس الشروط المشار اليها سابقا ، يمكنه أن يستفيد من تدبير الاعفاء من المتابعة .

و يحرم المستفيدون المشار اليهم أعلاه من الحقوق السياسية المنصوص عليها في المادة 8 -2 من قانون العقوبات  (حق الانتخاب ، الترشح ، حمل أي وسام ......) لمدة 10 سنوات من تاريخ قرار الاعفاء عن المتابعة.

 

و المشرع هنا حرم المعفى عنهم من حقوقهم السياسية دون المدنية وهذا لأن المقصود هو توقيف نشاطهم السياسي ومنعهم من تكوين أحزاب ........... .

أما الوضع رهن الارجاء فنعني به كما عرفته المادة 06 من القانون ، التأجيل المؤقت للمتابعة خلال فترة محددة للتأكد من الاستقامة الكاملة للشخص الخاضع لها .

وشروطه هي : - أن يكون المستفيد قد انتمى الى احدى المنظمات المذكورة في المادة 87 مكرر3 من ق. ع .

- أن يتقدم خلال 6 أشهر ابتداء من تاريخ صدور القانون .

- اشعار السلطات المختصة تلقائيا بتوقفه عن كل نشاط ارهابي أو تخريبي ، و ذلك اما فرديا أو جماعيا .

- أن لا يكون قد اقترف جريمة تسببت في قتل  فرد أوجماعة ، أوسببت عجز دائم او اغتصاب او اعتداء بالمتفجرات في أماكن عمومية أو يتردد عليها الجمهور .

مع الحرمان من الحقوق المنصوص عليها في المادة 8-2 من ق.ع بقوة القانون .

كما يستفيد من هذا التدبير من سمح له بالمشاركة تحت سلطة الدولة في محاربة الارهاب بعدما سلم نفسه للسلطات و توفرت فيه الشروط السابقة .

والاجراءات المتخذة في هذا الشأن هي القيام أمام السلطات المختصة  بتصريح يضم الأعمال التي ارتكبها طالب العفو أو شارك فيها كما يشهد فيه على صدقه في التوقف نهائيا عن الأعمال الارهابية  و تسليمه للمتفجرات أوأي وسائل مادية كانت بحوزته .

والسلطات المختصة المقصودة ذكرها المرسوم التنفيذي 99-142 المؤرخ في 20/07/1999 الذي جاء ليحدد كيفية تطبيق المادة 08  قانون 99-08 و هي : قادة وحدات الجيش، قادة التشكيلات، مسؤولو مصالح الأمن الوطني ، قادة مجموعات و تشكيلات الدرك الوطني ، الولاة، رؤساء الدوائر، النواب العامون، وكلاء الجمهورية(المادة2-1) والتصريح يجب أن يتضمن المعلومات الآتية :

التعريف بهوية المعني ( الاسم و اللقب، الاسم المستعار إن وجد ، تاريخ ومكان الميلاد، الجنسية، النسب الكامل، الحالة العائلية، عنوان الاقامة، مستوى التكوين، السوابق القضائية، الحالة العسكرية، المهنة ).

وكذا أماكن الاختباء، وسائل الاتصال، الأسلحة، الأفعال المقترفة ( طبيعتها، تاريخها، و مكانها ) .

و يذكر في الأخير تاريخ التصريح، ليختتم بامضاء المعني بالأمر( المادة 3 ) .

 وقد حددت مدة الوضع رهن الارجاء بفترة أدناها 3 سنوات، و أقصاها 10 سنوات . أما المستفيدين من رهن الارجاء و الذين سمح لهم خدمة الدولة في محاربة الارهاب ، فيخضعون لفترة ارجاء أقصاها 05 سنوات .

و المشرع هنا  لم يحدد الحد الأدنى ، و حدد فقط الحد الأقصى ، كما أن الفرق بينهما كبير يصل الى النصف .

كما أن هذه الفئة الثانية ( المستفيدين تحت لواء الدولة ) خصت بعدم تجريدهم من الوظائف السامية في الحزب أو الدولة( المادة 8-1ق.ع )، و هذه التفرقة نراها  مجحفة باعتبار أن هؤلاء يمكن أن يكونو قد اقترفوا قتل شخص واحد باعتبار أن المشرع اشترط عدم ارتكابهم للتقتيل الجماعي. و هنا المشرع نظر الى الخدمة المقدمة من طرفهم في خدمة الدولة للقضاء على الارهاب .

 و لأجل النظر في حالات الارجاء هذه، تنشأ لجنةارجاء في الاطار الاقليمي لكل ولاية تتشكل من :

              - النائب العام المختص اقليميا كرئيس لها  .

              - ممثل عن وزير الدفاع الوطني .

              - ممثل عن وزير الداخلية .

              - قائد مجموعة الدرك الوطني للولاية .

              - رئيس الأمن الولائي .

              - نقيب المحامين أو ممثله المؤهل .

وبعد تقدم المعني بالأمر أمام السلطات المختصة تقوم هذه الأخيرة فورا باخطار النائب العام المؤهل حسبما جاءت به المادة 03 من المرسوم التنفيذي رقم 99-143 الذي يحدد كيفيات تطبيق المواد 14، 16، 17، 31، 32، 35 من قانون 99-08 .

تكلف هذه اللجنة بعد اخطارها باتخاذ القرار الخاص بالوضع رهن الارجاء الذي يسجل في صحيفة السوابق القضائية للشخص المعني دون البطاقة رقم 03 ب :

- اتخاذ التدابير التي يخضع لها المعني بالأمر .

- اثبات الغاء الوضع رهن الارجاء و النطق به .

- اقتراح أي تدبير تقوم به لمراقبة الوضع رهن الارجاء .

- اثبات انقضاء رهن الارجاء بتسليم الشهادة المثبتة .

- تعيين مندوب الارجاء .

و بالنسبة لالغاء الوضع رهن الارجاء فيتم في حال اكتشاف وقائع غير مصرح بها من المعني الخاضع للارجاء بأحد التدابير المفروضة عليه من قبل اللجنة (المواد 8، 9من ق.ع – 125 مكرر1 ق.ا.ج ) .

و له أن يقدم أمامها كل التفسيرات لتبرير تهربه أو عدم تصريحه بالوقائع المكتشفة ، و له أن يستعين بمحام في ذلك.

و للمعني أن يقدم طعنا ولائيا لدى لجنة الارجاء الموسعة ( التشكيلة السابقة يضاف لها رئيس المحكمة )، و ذلك في أجل 10 أيام من يوم النطق بالالغاء أو علمه بذلك ، وهذا الطعن يعلق تنفيذ قرار الالغاء، وللجنة الموسعة أن تنظر وتبت في الطعن خلال 10 أيام من يوم اخطارها به .

و المشرع هنا لم يذكر هل قرارها نهائي ينفذ مباشرة أم قابل للطعن أمام جهة أخرى لكن أغلب الظن أن قرار هذه اللجنة هو نهائي بدليل توسيع اللجنة باضافة عنصر بارز هو رئيس المحكمة .

و ينقضي الوضع رهن الارجاء بانتهاء المدة المحددة له، وينجم عنه بقوة القانون حذف الاشارة المسجلة في صحيفة السوابق القضائية الخاصة بالمعني ( المادة 11) ، وتسلم له شهادة انقضائه .

و قد ترتبت عدة اشكالات حول تطبيق المادة 09، و مقارنتها بالقاعدة العامة التي نصت على أن السلطات أو الجهات المختصة عليها تطبيق أحد التدابير التي جاء بها قانون 99-08 .

و بالرجوع الى المادة 09 من نفس القانون نجدها تحيل الى تطبيق المادة 28 الخاصة بتخفيف العقوبة ،و هذا بعد انقضاء الارجاء الممنوح وفقا للمادة 08 . و هو ما يتنافى مع القاعدة العامة باعتبار أن المادة 09 طبقت تدبيرين في آن واحد، الإرجاء و تخفيف العقوبة الذي يتم بعد انقضاء الإرجاء .

كما أننا لا نجد سببا للتفرقة بين المادة 09 التي رتبت المتابعة  مع تخفيف العقوبة بعد انقضاء الارجاء بالنسبة للمستفيدين المشاركين تحت لواء الدولة لمكافحة الارهاب ، وبين المادة 25 التي نصت على التقادم النهائي للدعوى العمومية تجاه المستفيدين من تدبير الارجاء بعد انقضاءه. أذ كان من المفروض أن تمتاز المجموعة الأولى على الثانية ، باعتبار أنها شاركت بعمل ايجابي في ايقاف هذه الجرائم .

ونشير الى أنه في حال اكتشاف أفعال مجرمة بعد انقضاء الوضع رهن الارجاء تتم المتابعة القضائية وفقا لقانون العقوبات ، وتخضع آجال التقادم للقانون العام ابتداء من يوم انقضاء الارجاء .

 

و فيما يخص التدبير الثالث و هو تخفيف العقوبات ،فأقر المشرع فيه جزاءات مخففة  كل حسب حالته .

كحالة طالبي العفو الذين توفرت فيهم الشروط السابقة ، ولم يرتكبوا القتل الجماعي ، ولا المتفجرات ، لكنهم لم يستفيدوا من نظام الارجاء، فهؤلاء يمكنهم الاستفادة من تخفيف العقوبات و تتحدد ب:

- السجن لمدة أقصاها 12 سنة للعقوبة التي ينص القانون بشأنها الاعدام .

- السجن لمدة أقصاها 07 سنوات اذا كانت العقوبة المقررة لها قانونا هي من 10 الى 20 سنة .

- الحبس لمدة أقصاها 03 سنوات للعقوبة المقررة قانونا ب: 10 سنوات .

- و يخفف في الحالات الأخرى الى النصف .

 فبالنسبة لشرط عدم استفادته من نظام الارجاء ، فهذا يطرح اشكال عن أساس المتابعة في حال رفض الارجاء بين قانون العقوبات أو العقوبات المخففة.

كما أن المادة 29 بذكرها عقوبات أخرى أدمجتها بعبارة في كل الحالات الأخرى جاءت مبهمة وواسعة التفسير .

ونجد أيضا أن المشرع اعتمد في حساب المواعيد يوم الصدور ، رغم أن العلم بالنصوص يكون بالنشر و هو خلط في الألفاظ القانونية ، وقد أعطى القاضي سلطة تقديرية في تحديد الحد الأدنى للعديد من الحالات التي حدد فيها الحد الأقصى فقط .

 

نطرح السؤال عن الجهة المختصة باتخاذ تدابير الاعفاء و التخفيف ؟

وقد أجابتنا المادة 06 من المرسوم التنفيذي 99-143 التي ترجع الاختصاص للنائب العام الذي يأمر في حالة الاعفاء بحفظ الملف ، أو يحيله الى وكيل الجمهورية للمتابعة في حالة التخفيف .

لكن الملاحظ عمليا في مجلس قضاء غليزان مثلا ،فان لجنة الارجاء هي من يقوم بدراسة ملفات المعنيين و تقترح التدبير المناسب لهم .

 

 المطلب الثاني :

 

جاءت المادة 36 و ما يليها لمعالجة حالات تخص المستفيدين المذكورين في المادة 03 ، والذين صدر ضدهم حكم عند تاريخ صدور القانون(99-08)  ، حيث بالرجوع الى المادة 37 فانه يستفيد المسجونون المحكوم عليهم عند تاريخ صدور القانون من الافراج المشروط الفوري للمدة الباقية لهم .

و هناك حالة الأشخاص الذين أشعروا السلطات بتوقفهم عن كل نشاط ارهابي قبل صدور قانون 99-08 و الذين هم متهمون محكوم عليهم (سواء كانوا مسجونين أو غير مسجونين ) لهم الاستفادة من الافراج أو تأجيل المتابعة في حال توفر شروط الوضع رهن الارجاء .

مع حرمان المستفيدين المحكوم عليهم من الحقوق التي جاءت بها المادة 8-2 من ق.ع لمدة عشر (10) سنوات .

و الملاحظ أن المواد التي جاء بها الفصل السادس ( أحكام خاصة ) طرحت فكرة رجعية القانون ، رغم أن التشريع الجزائي يخضع كمبدأ عام الى عدم رجعية القوانين ( المادة 02 من قانون العقوبات ) ، و الأرجح أنه طبق مبدأ الأصلح للمتهم .

كمـا يطرح  اشكال حـول القـانون الواجب التطبيـق في حال المحكـوم عليهـم غيابيا، باعتبـار أن قـانون الوئـام المدني لم ينص على حالتهم .

 

المطلب الثالث :                                       

أثار قانون الوئام المدني حفيظة الجهة المقابلة للمستفيدين منه ألا وهم ضحايا الإرهاب، باعتبار أنه يعفو عن أشخاص أضروا بذويهم أو بهم ماديا و معنويا، و للتخفيف نوعا ما عليهم جاء لينص في مادة وحيدة ألا و هي المادة 40 على كيفية التعويض لهم .

و هذا التعويض لضحايا الارهاب أو ذوي حقوقهم يكون بتأسسهم كأطراف مدنية في حال تحريك الدعوى العمومية فقط، مقابل الأضرار التي ألحقوها بهم .

وتقتطع هذه التعويضات من الخزينة العمومية للدولة بعد تقديم المعني بالتعويض النسخة الأصلية من القرارالقضائي

الذي ينص على التعويضات ، و كذا طلب مكتوب الى أمين خزينة الولاية المقيم فيها ( المادة 03 من المرسوم التنفيذي 99-144 المؤرخ في 20/07/1999 ) .

و يقوم الأمين الولائي للخزينة بدفع قيمة ما جاء به القرار، بعدما يقوم – إن اقتضى الأمر - بالتحقيقات اللازمة، وهذا في أجل شهر واحد من يوم الطلب.

والحكمة من تعويض الضحايا من خزينة الدولة هي التسهيل عليهم في أخذها و في أقرب الآجال، وهذا تفاديا لحالة عسر المدين بها، لكن تحتفظ الدولة بحق الرجوع على المدين لاقتطاع المبالغ التي دفعتها للمتضررين بدلا عنه.

و قد أسالت هذه المادة الكثير من الحبر خاصة من جهة المدافعين عن المتضررين من الأفعال الارهابية ، اذ يرون أنها جاءت مجحفة  في حقهم باعتبار أنها مادة وحيدة ضمن 40 مادة تحدثت عن المتسببين في الإضرار بهم ، خاصة أنها أسقطت ضحايا الارهابيين المعفون من المتابعة من التعويض . وهذا باشتراطها حالة تحريك الدعوى للمطالبة بالتعويض ، أما في حالة الاعفاء فلا يكون للضحية حق طلب التعويض .

و لا نجد المشرع قد أنصف فيما بين المتضررين ، اذ كان عليه أن يتدارك الوضع بأن يقر لهم المطالبة بالتعويض بدعوى مدنية تبعية حتى و لو لم تحرك الدعوى العمومية وفقا لاجراءات خاصة، أو عن طريق القضاء المدني بواسطة اجراءات تتخذ من طرف الجهات التي تمنح الاعفاء كمنحهم مثلا وثيقة اعتراف بالأفعال التي تسببت لهم بالأضرار و هذا بعد مطالبة الضحايا بحقوقهم .

 

                المطلب الثالث / تسليم المــــــجــــــــــرمين
 

 

   صنفت مختلف المواثيق الدولية الجرائم الإرهابية ضمن الجرائم العادية الخاضعة للتسليم دون التمييز بين دوافع إرتكابها  , و من هذا المنطلق قد يتعرض القاضي أثناء إجراءات التحقيق أو المحاكمة على وجوب مناقشة إجراءات التسليم و مدى توافر شروطه خاصة عند دفع المتهم بالبطلان , و لذلك يتعين علينا تحديد القانون الواجب التطبيق على تسليم المجرمين , ثم شروطه و إجراءات التسليم و آثاره و هو ما سنتناوله في هذه الفروع .

 

 

الفرع الأول :القانون الواجب التطبيق على تسليم المجرمين .

 

     إن تسليم المجرمين يخضع إلى الإتفاقية الثنائة بين الدولة الطالبة , والدولة المطلوب منها التسليم و المتعلقة بالتعاون القضائي , ولكن في حالة عدم وجود هذه الإتفاقيةالثنائية

 فيمكن تطبيق الإتفاقيات المتعددة الأطراف و إعتبارها الأساس القانوني للتسليم و هو ما نصت عليه م 16 فقرة 4 من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية .

      و بالإطلاع على مختلف المواثيق الدولية و الثنائية نجدها تنص على أن تسليم المجرمين يخضع شروطه , وإجراءاته إلى القانون الداخلي لكل دولة و ذلك وفقا لنصوص الإتفاقيات .

     و تطبيقا لذلك نجد أن المادة 694 من قانون الإجراءات الجزائية تنص على أن شروط  تسليم المجرمين و إجراءاته و آثاره تحدد وفقا لقانون الإجراءات الجزائية و ذلك ما لم تنص المعاهدات و الإتفاقيات السياسية على خلاف ذلك , و من تم و من خلال

 

هذه المادة فإن الإتفاقيات الدولية الثنائية أو المتعددة الأطراف هي التي تطبق على تسليم المجرمين في حالة ما إذا كانت مقتضيات الإتفاقيات المصادق عليها تتعارض مع قانون الإجراءات الجزائية , و ذلك تطبيقا لمبدأ سمو المعاهدات على القانون الداخلي طبقا للمادة 132 من الدستور 1996 .

       و لكن الإشكال المطروح , هل يمكن للقاضي تطبيق بنود الإتفاقية الخاصة بالإجراءات مباشرة رغم أن نص الإتفاقية المصادق عليها يتعارض مع القانون الداخلي ولم تتخذ الدولة التدابير التشريعية اللازمة لإدماجه ؟

       إن حل هذا الإشكال يتطلب منا التفرقة بين ما إذا كانت البنود المراد تطبيقها ـ مباشرة دون إدماج ـ دقيقة و واضحة و قابلة للتطبيق المباشر أم غامضة مبهمة تحتاج إلى تدابير تشريعية داخلية من أجل جعلها قابلة للتطبيق .

      ومن ثم إ ذا كانت الإجراءات المنصوص عليها في الإتفاقية و المخالفة  لقانون الإجراءات الجزائية , واضحة و دقيقة  فيمكن للقاضي  عندئذ من تطبيقها مباشرة بمجرد المصادقة على الإتفاقية .أما إذا كانت الإجراءات غامضة فلا يمكن للقاضي تطبيقها إلا بعدإدماجها في القانون الداخلي  .
 

                  الفرع الثاني :شروط تسليم المجرمين .
 

     نص قانون الإجراءات الجزائية على شروط التسليم و حالات رفض التسليم نتعرض لها مع مطابقتها مع بعض الإتفاقيات التي صادقت عليها الجزائر مؤخرا ,

في ما يلي :

1ـ يشترط أن تكون الدولة الطالبة قد إتخذت في شأن الشخص المطلوب تسليمه إجراءات المتابعة لإرتكابه جريمة إرهابية أو حكم عليه فيها .

2ـ يشترط أن تكون الجريمة محل طلب التسليم هي جريمة إرهابية بما أن الوصف القانوني لها يبقى دائما جناية مهما إختلفت درجة خطورة الأفعال المكونة للجريمة

3ـ يشترط أن تكون الجريمة الإرهابية مرتكبة في :

           ـ أراضي الدولة الطالبة من أحد رعاياها أو من أحد الأجانب .

           ـ خارج أراضي الدولة الطالبة , و لكن إرتكبت من أحد رعاياها .

           ـ خارج أراضي الدولة الطالبة و لكن من أحد الأجانب عنها .

     و تجدر الإشارة إلى أن المادة 698 من قانون الإجراءات تنص على أنه لا يجوز التسليم إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم جريمة ذات صيغة سياسية أو أن التسليم مطلوب لغرض سياسي .

     و لكن بالرجوع إلى نص من المادة 14 من إتفاقية الأمم المتحدة لقمع تمويل الإرهاب نجدها تنص على أنه لا يجوز للدول رفض تسليم على إعتبار أن الجريمة الإرهابية هي جريمة سياسية أو جريمة متصلة بجريمة سياسية أو جريمة إرتكبت بدوافع سياسية .

     و من ثم و تطبيقا لمبدأ سمو المعاهدات على القانون الداخلي و أمام تعارض المادتين

فإن القاضي يلزم بتطبيق نص الإتفاقية مباشرة إذا ما دفع أمامه ببطلان التسليم لإعتبار أن الغرض منه سياسي .

ـ تطبيقا لقانون الإجراءات الجزائية , و يعتبر أن شروط التسليم متوافرة .

ـ تطبيقا للمادة 14 المذكورة .

 

حالات رفض التسليم:يمكن للدولة رفض التسليم و ذلك في الحالات التالية:

1 ـ إذا كان مرتكب الجريمة الإرهابية جزائري الجنسية وقت إرتكابها و لكن في مقابل رفض التسليم عليها أن تعلن ولايتها القضائية و تتابعه طبقا للمادة 16 فقرة 10 من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية .و من ثم تكون للنيابة العامة صلاحية متابعة الجزائري مرتكب الجريمة الإرهابية حتى و لو كانت الوقائع مرتكبة في الخارج .

2 ـ إذا تمت متابعة الجريمة الإرهابية و الحكم فيها نهائيا في الأراضي الجزائرية حتى و لو إرتكبت في الخارج .

3 ـ إذا كانت الدعوى العمومية قد سقطت بالتقادم قبل تقديم الطلب أو كانت العقوبة قد إنقضت بالتقادم قبل القبض على الشخص المطلوب تسليمه سواء وفقا لقانون الدولة الطالبة أو المطلوبة .

4 ـ إذا صدر عفو في الدولة الطالبة أو الدولة المطلوب إليها التسليم  ..

5 ـ إذا كان موضوع المتابعة يختلف مع التبرير الذي أدرج في طلب التسليم .

6 ـ إذا كان الأجنبي موضوع في الجزائر أو حكم عليه لجريمة مغايرة برفض طلب التسليم إلى غاية نهاية المتابعة أو تنفيذ العقوبة في حالة الحكم عليه .

 

 

               الفرع الثالث / إجراءات التسليم :

 

ملف طلب التسليم :

     ـ يقدم طلب التسليم كتابة , و يشترط أن يحمل بيانات معينة تتمثل في :             

*الجهة المصدرة للطلب (المجلس القضائي , النيابة العامة ) .

*المواد القانونية التي تخول صلاحية تقديم الطلب .

*تحديد الأمر أو الحكم القضائي القاضي بالقبض و المبرر للطلب .

*هوية الشخص المطلوب .

*تحديد المادة القانونية المعاقبة للأفعال المرتكبة من طرف الشخص المطلوب .

*الإشارة إلى الإتفاقية الثنائية أو المتعددة الأطراف المتعلقة بالتعاون القضائي أو تسليم المجرمين (مع ذكر تاريخ التوقيع و المصادقة ) و النصوص المتعلقة بالطلب .

*إلتماس تسليم الشخص المطلوب .

و يجدر الإشارة إلى أنه يجب على النيابة العامة الوقوف مسبقا عند طبيعة النظام القانوني للبلد الأجنبي المطلوب منه التسليم للتأكد من مدى إشتراط هذا البلد في طلب التسليم شكليات معينة تعتبر جوهرية و ذلك تفاديا لرفض طلب التسليم من حيث   الشكل . و في حالة عدم وجود إتفاقية ثنائية ينظم التسليم بين الدولة الطالبة و الدولة المطلوبة فيمكن الإعتماد على الإتفاقية المتعددة الأطراف مثل إتفاقية الأمم المتحدة لقمع تمويل الإرهاب حيث نصت في مادتها 11 على  في حالة عدم وجود إتفاقية دولية ثنائوة بين الدولة الطالبة للتسليم ,والمطلوب منها التسليم , فتعتبر هذه الإتفاقية (قمع تمويل الإرهاب ) .الأساس القانوني لطلب التسليم .

وقد ألزمت مختلف الإتفاقيات المنظمة للإجراءات التسليم بوجوب إرفاق نسخة للملف طلب التسليم مترجمة إلى لغة البلد المطلوب .

ويتشكل ملف طلب التسليم من :

 

ـ عرض للوقائع .

ـ الأمر بالقبض الدولي الصادر ضد الشخص المطلوب .

ـ الحكم الجزائي الغيابي الصادر ضد الشخص المطلوب .

ـ نسخ عن النصوص القانونية المطبقة في القضية .

ـ إستمارة تعلومات خاصة بالشخص المطلوب .

ـ صورة شخصية للشخص المـــطــلـــوب .

ـ بطاقة إلتقاط بصمات الشخص المطلوب .

شهادة الجنسية عند تعلق الأمر خاصة بشخــص مزدوج الجنسية .

ـ أية معلومات إضافية من شأنها دعم ملف طلب التسليم .

و يجب أن تقدم أصول الأوراق المبينة أعلاه أو نسخ رسمية عنها و يرسل الطلب الطريق الديبلوماسي  بعد إخطارها من طرف وزارة العدل .

وتبقى السلطة للدولة المطلوبة في الإستجابة للطلب أو رفضه .

 

الإجراءات الموالية لتلقي طلب التسليم :

 

      بعد تلقي الحكومة الجزائرية لطلب التسليم , يتواى وزير الخارجية تحويله بعد فحص المستندات إلى وزير العدل الذي يحيل الملف مع الطلب إلى النائب العام لدى المجلس القضائي الذي يقيم بدائرة إختصاصه الأجنبي المطلوب .

و يقوم النائب العام بإستجواب الأجنبي خلال 24 ساعة التالية للقبض عليه بموجب محضر إستجواب يتأكد فيه من هويته و يبلغه بالمستند الذي قبض عليه بموجب حكم غيابي , أمر القبض .

     ثم ينتقل الأجنبي في أقصر أجل و يحبس في سجن العاصمة , و في نفس الوقت ينقل ملف طلب التسليم إلى النائب العام لدى المحكمة العليا الذي يقوم بإستجوابه خلال 24 ساعة من تلقي الملف يحرر محضر بذلك .

      و يرفع محاضر الإستجواب المذكورة و ملف طلب التسليم إلى الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا , و في خلال 8 أيام من تاريخ تبليغها بالمستندات يمثل الأجنبي أمامها , و يمكن أن تمنح أجل 8 أيام إضافية قبل المرافعات بناء على طلب النيابة العامة أو الأجنبي .

و تكون الجلسة عليه ما لم يتقرر خلاف ذلك بناء على طلب النيابة العامة أو الأجنبي .

      و يمكن للأجنبي أن يستعين بمحام مقبول أمام المحكمة العليا و بمترجم و يحرر محضر بإستجواب الأجنبي بعد سماع أقوال النيابة العامة و يجوز للغرفة الجنائية أن تأمر بالإفراج عليه أثناء الإجراءات .

و الأخير يمكن للأجنبي أن يقبل التسليم للدولة الطالبة أو يرفضه ففي حالة قبول التسليم يحرر إقرار بذلك و تحول نسخة منه إلى وزير العدل عن طريق النائب العام .

     و في حالة رفض التسليم فإن المحكمة العليا تبدي رأيها المعلل في طلب التسليم , بعد تفحص مدى توافر الشروط القانونية للتسليم سواء بالقبول أو الرفض .

و يعاد الملف وجوبا إلى وزير العدل خلال 8 أيام من تاريخ إنعقاد جلسة الغرفة الجنائية لدى المحكمة العليا الناظرة في طلب التسليم .

      ففي حالة قبول طلب التسليم نظرا لتوافر الشروط القانونية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية و الإتفاقية الدولية الثنائية أو المتعددة الأطراف , تمكن لوزير العدل أن يعرض للتوقيع مرسوم الإذن بالتسليم .

     وفي حالة رفض طلب التسليم فإن رأي المحكمة العليا يكون مسببا و نهائيا و لا يجوز من ثمة أن يقبل التسليم .

 

 

الفرع الرابع  /  الآثار القانونية للتسليم :

 

ـ إذا توافرت الشروط القانونية في طلب التسليم و كانت إجراءاته صحيحة فإن الجهة القضائية المسلم إليها مرتكب الجريمة الإرهابية سواء كانت جهة التحقيق , أو جهة الحكم , تتولى إتمام إجراءات المتابعة و تسليط العقوبة عليه وفق قانون الإجراءات الجزائية و قانون العقوبات .

ـ أما إذا تخلفت أحد الشروط القانونية للتسليم أو كانت الإجراءات غير صحيحة تمكن للأجنبي أن يدفع ببطلان التسليم الذي حصلت عليه الحكومة الجزائرية سواء أمام جهة التحقيق أو الحكم , و إذا كان الحكم نهائيا فإن الجهة المختصة ب الحكم بالبطلان هي الغرفة الجنائية لدى المحكمة العليا .

و تجدر الإشارة إلى أن الدفع بالبطلان من النظام العام يمكن لجهة التحقيق أو الحكم القضاء به من تلقاء نفسها بعد التسليم .

و يقدم الدفع بالبطلان خلال ثلاثة أيام من تاريخ تبليغ الأجنبي بالحكم الغيابي أو أمر القبض الذي تم التسليم على أساسها .

و يترنب على القضاء ببطلان التسليم الإفراج عن الشخص المسلم إذا لم تكن الدولة التي سلمته تطالب به

 

 







      ان التهديد الذي تشكله الجريمة المنظمة العابرة للحدود عموما والجريمة الإهابية

 

 تحديدا على أمن وسلامة البشرية جمعاء وكذا أنظمة الدول جعل مواجهتها بحلول

 

قانونية منعزلة وانتهاج سبل مكافخة الإجرام التقليدية غير كفيل بالقضاء عليها ومنعه

 

 وهو السبب الذي جعل الدول ومن بينها الجزائر تتجه نحو ايجاد نوعين من الحلول:

 

الأول/ سن قواعد قانونية خاصة بمتابعة هذه الجرائم وقمعها وكذا الحرص على ابرام

 

 اتفاقيات دولية واقليمية لمكافحة الإرهاب تتميز عن القواعد التي تطبق عادة على

 

 جرائم القانون العام وذلك من خلال :

 

      -تشديد عقوبة هذه الجرائم واعتبارها في أبسط صورها جنايات غير قابلة

 

 للتقادم .

       -احاطتها باجراءات متابعة خاصة من خلال توسيع صلاحيات السلطات

 

 المختصة بمتابعتها.

 

وتجسيدا للنصوص الإتفاقية تلتزم الدول بتقرير صلاحية اجهزتها االقضائية لمحاكمة

 

مرتكبي هذه الجرائم أو تسليمهم الى الدولة التي يتقرر اختصاصها فضلا عن تبادل

 

 المساعدة في المجالين الأمني والقضائي.

 

الثاني/ سن تشريعات لتشجيع وتحفيز هؤلاء المجرمين ومكافئتهم على التخلي عن

نشاطاتهم الإجرامية والتعاون مع السلطات من خلال قواعد قانونية تقرر تخفيف

 

 العقاب أو الإعفاء منه.

 

غير أنه من خلال دراستنا لهذا الموضوع اتضح لناانه ورغم تعدد الوسائل القانونية

 

الموجهة للقضاء على الجريمة الإرهاتبية على الصعيدين الدولي والداخلي لم يتحقق

 

النجاح في القضاء على هذه الظاهرة.

 

كما أنه وفي اطار التعاون الدوليتبقى التزامات الدول منعدمة المصداقية

 

والجديةحيث تبقى بنود الإتفاقيات حبرا على ورق لاسيما في ميدان الإنابة القضائية

 

وتسليم المجرمين الذي يتم بشروط مشددة تعيق ملاحقة مرتكبي الجرائم الإرهابية

 

وهذا نظرا لتمسك الدولة  بمبدأ السيادة من جهة والخلط المتعمد من طرف الدول

 

بين الجريمة الإرهابية والجريمة السياسية وهو مايجعلنا نتساءل عن جدوى ابرام

 

هذه الإتفاقياتان لم تلتزم الدول بتنفيذها .ولماذا لاتطبق قواعد المسؤولية على الدول

 

التي تخل بالتزاماتها الدولية في شأن مكافحة الجريمة الإرهابية وتطبيق بنود

 

الإتفاقيات

تعليقات